الزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان متكبرا على أصحابه منتقصا من قدرهم(*)
مضمون الشبهة:
يزعم بعض المغرضين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان متكبرا على أصحابه منتقصا قدرهم؛ إذ كان يمارس نفوذه عليهم، ويستبد بالرأي دونهم، ويرون أن في تصرفاته - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه ما يثبت أن روح الكبر والزهو والتعالي كانت تسيطر عليه.
ويستدلون على ذلك بثناء كثير من آيات القرآن الكريم عليه، وتفضيلها إياه على سائر البشر من جهة، وتمجيد المسلمين له، وتعظيمهم إياه من جهة أخرى لاقى عنده رغبة وهوى، فتمادى في زهوه، وتقديس ذاته، وازداد انتقاصه لأصحابه فسماهم "الصحابة"، ولم يسمهم "الإخوان"؛ لأن الأخوة تعني المساواة به، وهو لا يريد ذلك، في حين فضل عليهم أتباعه الذين يأتون من بعدهم؛ وذلك حين قال: «وددت أني لقيت إخواني، فقال أصحابه: أولسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي، ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني». ويرمون من وراء ذلك إلى اتهام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالزهو والتعالي؛ بغية التشكيك في تقديره لأصحابه، والطعن في أخلاقه صلى الله عليه وسلم.
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن قرائن الواقع وشواهد التاريخ لدالة على عظيم تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه، والمطالع لسيرته - صلى الله عليه وسلم - يراه متعهد حاضرهم، سائلا عن غائبهم، مجالس فقيرهم، معين ضعيفهم، عائد مريضهم، مشيع ميتهم، مشبع جائعهم، كاسي عاريهم، راعي أراملهم وأيتامهم.
2) ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ليفرض نفوذه على أتباعه، وهو الذي أرسى مبدأ الشورى واختار أن يكون عبدا رسولا، وإن في تعظيم الصحابة وحبهم له - صلى الله عليه وسلم - في حياته وبعد مماته ما يدل على ما كان من وده لهم وتواضعه معهم.
3) إن القرآن الكريم الذي أثنى على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - في بعض الآيات هو نفسه الذي أقر بشريته وأكد عبوديته لله - عز وجل - في آيات أخرى.
4) إن تفريق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الصحبة والأخوة لا يحمل أي انتقاص لقدر الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن الأخوة لا تعني المساواة والمماثلة كما يظنون. ثم إن منزلة الصحبة أعلى المنازل في الإسلام بعد النبوة.
5) إن اشتياق النبي - صلى الله عليه وسلم - لأتباعه الذين لم يروه وتسميتهم بـ "إخوانه" لا يعني تفضيلهم على أصحابه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصف حالة وجدانية شعورية تعبر عن شوقه لرؤية أمته كلها بما فيهم صحابته.
6) بالاحتكام إلى العقل والمنطق نجد أن الصحابة هم أفضل هذه الأمة؛ وذلك لأنهم الجيل الأول الذي تربى على يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبرزت فيه خصائص الشخصية المسلمة الكاملة.
التفصيل:
أولا. إن كل قرائن الواقع وشواهد التاريخ تدل على عظيم تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه:
إن المتأمل في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي تعامله مع أصحابه وغيرهم يجده أبعد الناس عن الكبر والزهو والتعالي، بل إن كل تصرفاته - صلى الله عليه وسلم - تدل على شدة تواضعه - صلى الله عليه وسلم - ولين جانبه مع الناس أجمعين، فما بالنا مع أصحابه، ولم لا وقد أوصى الله رسوله بالمؤمنين خيرا؛ فقال - سبحانه وتعالى - أيضا: )واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين (215)( (الشعراء)، وقد استجاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمر ربه؛ "فكان - صلى الله عليه وسلم - رءوفا رحيما بهم، يتعهد حاضرهم، ويسأل عمن غاب منهم، ويسلم عليهم، ويشمت عاطسهم، ويواسي فقيرهم، ويعين ضعيفهم، ويشاركهم في السراء والضراء، ويعود مريضهم، ويشيع ميتهم، ويكسو عاريهم، ويشبع جائعهم، ويرعى أراملهم وأيتامهم، ويجالس فقراءهم والأعبد منهم، ويحنك أطفالهم، ويبارك عليهم، ويداعب صبيانهم ليدخل السرور على نفوسهم.
وتروي كتب السير أنه ما رئي - صلى الله عليه وسلم - مادا رجليه بينهم، ولا عابسا في وجه أحد منهم، ولا استأثر عليهم بشيء لنفسه ولا لأهله، ولما عرض عليه شريكاه في ركوب البعير في غزوة بدر أن يعفياه من نوبته في المشي أبى، وقال: «ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما».[1] وفي حجة الوداع ذهب ليشرب من السقاية، فأراد عمه العباس أن يميزه بشراب خاص من البيت، فأبى وقال:«لا حاجة لي فيه، اسقوني مما يشرب منه الناس» [2] [3].
"وكان من أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - السامية التي تحلى بها التواضع، وخفض الجناح لمن تبعه من المؤمنين، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - من أكثر الناس تواضعا، ومن أشدهم كراهية للكبر والتعالي على الأصحاب؛ لذا ذم الكبر، والمتكبرين في كثير من أقواله، بل وتوعد بالعذاب هذا الصنف من الناس، إذ قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» [4].
وهذا الخلق السامي الذي اتصف به - صلى الله عليه وسلم - عرفه كل من عاصره وعاشره، فقد عاش مع أصحابه كواحد منهم، لم يتميز عنهم في شيء من الأشياء، يأكل مما يأكلون ويلبس مما يلبسون، ويجلس معهم على الأرض كما يجلسون، حيثما انتهى به المجلس جلس، لا يستنكف أن يجالس الفقراء والمساكين، يجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين، يأكل مع الخادم، ويركب الحمار، إلى غير ذلك من مظاهر التواضع وخفض الجناح الذي اشتهر به صلى الله عليه وسلم". [5]
وغني عن الذكر أنه كان يركب البعير والحمار، ويردف وراءه غيره، ولا يقبل أن يسير أحد وراءه وهو راكب، وقد حج على رحل رث، وعليه قطيفة لا تساوي أربعة دراهم، وقال: «اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة»،[6] ودخل عليه رجل فأصابته من هيبته رعدة، فقال له: «هون عليك، فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد»[7] [8].
وهو - صلى الله عليه وسلم - أشد الناس تواضعا، وأبعدهم عن الكبر والخيلاء، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «يا رسول الله، كل جعلني الله فداك متكئا؛ فإني أهون عليك، فأحنى رأسه حتى كاد أن تصيب جبهته الأرض وقال: إنما أنا عبد، آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد»[9] [10].
وكان - صلى الله عليه وسلم - يحمل حاجته من السوق بنفسه، وكانت تقابله المرأة في سكك المدينة فتستوقفه فيقف حتى يقضي لها حاجتها، وعن أنس قال: «إن كانت الأمة - الجارية - من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنطلق به حيث شاءت» [11].
وهذا الجانب العظيم من شخصيته جعله يرفض كل مظاهر التعظيم والتفخيم من القيام وتقبيل الأيدي، والإطراء، والألقاب، وغير ذلك من الأمور التي يلهث خلفها الحكام السياسيون.
وكان - صلى الله عليه وسلم - أحب الناس إلى أصحابه غير أنهم لم يكونوا يقومون له لكراهيته ذلك، «وقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفد من بني عامر، فلما كانوا عنده قالوا: أنت سيدنا فقال: "السيد الله تبارك وتعالى"، فقالوا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا، فقال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم[12] الشيطان».[13] وهذا كراهية منه للإطراء والألقاب.
ومن تواضعه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا دخل على جماعة جلس، حيث ينتهي به المجلس، وحث أصحابه على ذلك، وكان يوسع لهم في المجلس، ويمسهم بجناح الرحمة، ويسوي بينهم، ويلين جانبه لهم، ويغض الطرف عما لا يحسن إلا أن يكون في السكوت ترك لواجب الإرشاد، وإن أرشد ففي رفق، يكتفي بالإشارة، فإن لم يكف كان التعريض، فإن لم يكف كان التنبيه في تعميم، فإذا رأى بعض الناس يسيء لا يواجهه بالإساءة، بل يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا، ولا شك أنه إذا كان التوبيخ فيه معنى العموم كان ألطف، وكان مع ذلك أفعل وأبلغ أثرا[14].
وقد كان تواضعه - صلى الله عليه وسلم - شهادة على عظمته، فهو تواضع يخمد النفس ويذيبها، ويبطل أنانيتها، وتنقلع به شجرة الرياسة والكبر من النفس، فلا يأخذ الزهو والغرور من النبي - صلى الله عليه وسلم - حظه، بل كان - صلى الله عليه وسلم - سيد المتواضعين، وله في ذلك المثل الكامل والحظ الوافر[15].
وكان يدنو - صلى الله عليه وسلم - من المريض ويجلس عند رأسه، ويسأله عن حاله، ويقول: «لا بأس عليك، طهور بإذن الله»[16].
وعن زهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وتواضعه ما رواه عبد الله بن بريدة فقال: سمعت أبي بريدة يقول: «بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي جاء رجل ومعه حمار فقال: يا رسول الله، اركب. وتأخر الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأنت أحق بصدر دابتك مني إلا أن تجعله لي، قال: فإني قد جعلته لك قال: فركب»[17].
فهل يحق لأحد بعد هذا أن يقول إن محمدا - صلى الله عليه وسلم - كانت تغلب عليه روح الكبر والتعالي، ويمارس نفوذه على أصحابه، مكذبين بذلك كتب السير والشمائل والتاريخ.
وقد فتحت عليه الدنيا ودانت له الجزيرة كلها فما أخرجه ذلك عن تواضعه وخلقه، ولما دخل مكة فاتحا منتصرا طأطأ رأسه حتى لتكاد تمس مقدمة الرحل تواضعا لله تعالى، إلى غير ذلك من الأخبار الصحاح والحسان التي زخرت بها كتب الحديث والسير والشمائل المحمدية[18].
ثانيا. ما كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفرض نفوذه على أتباعه وهو الذي أرسى مبدأ الشورى:
لقد رفع النبي - صلى الله عليه وسلم - طوال حياته قول الله عز وجل: )وشاورهم في الأمر( (آل عمران:١٥٩) نبراسا له، ومع كونه المعصوم المؤيد بالوحي إلا أنه لم يهمش أصحابه - رضي الله عنهم - بل جعل لهم دورا عظيما في مشاركته الرأي في كل الأمور، وقد كان الملوك قبل عهد النبوة يستبدون برعاياهم ولا يرون الشورى واجبة عليهم، في حين أنه - صلى الله عليه وسلم - جعلها مبدأ، مع كونه المؤيد بالوحي؛ ليقتدي به غيره في المشاورة وتصير سنة في أمته، وقد كان[19].
والأمثلة على ذلك كثيرة تغني الإشارة إليها عن حصرها، ومنها ما كان منه - صلى الله عليه وسلم - قبل غزوة بدر، وفي أسرى بدر، ويوم أحد، والأحزاب، وقبول مشورة عمر - رضي الله عنه - في ترك حدود الشام والعودة إلى المدينة وغيرها كثير.
وبالجملة نقول: "إن هذه النفسية الرفيعة عرفت أصول المشورة، وأصول إبداء الرأي، وأدركت مفهوم السمع والطاعة، ومفهوم المناقشة، ومفهوم عرض الرأي المعارض لرأي سيد ولد آدم - عليه السلام - وتبدو عظمة القيادة النبوية في استماعها للخطة الجديدة، وتبني الخطة الجديدة المطروحة من جندي من جنودها، أو قائد من قوادها" [20].
ولا عجب أن تكون تلك أخلاق النبي، وأن يكون ذاك نهجه وسيماه وهو الذي خير بين أن يكون نبيا ملكا أو عبدا رسولا فاختار العبدية تواضعا لله - عز وجل - وهذا ثابت من حديث أبي هريرة، ولفظه: «جلس جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلم فنظر إلى السماء، فإذا ملك ينزل فقال له جبريل: هذا الملك ما نزل منذ خلق قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد أرسلني إليك ربك، أملكا أجعلك أم عبدا رسولا؟ فقال له جبريل: تواضع لربك يا محمد، فقال صلى الله عليه وسلم: لا بل عبدا رسولا» [21] [22].
وإذا كان هؤلاء قد زعموا احتقار النبي - صلى الله عليه وسلم ـلأصحابه، وفرض نفوذه عليهم. فماذا عن تزكية الله لهم وثنائه عليهم في كتابه وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، أما كان من المنطق لو كان محمد - صلى الله عليه وسلم - يفرض نفوذه ويتعالى على أصحابه أن يخفي مثل هذه الآيات أو على الأقل لا يمدحهم ولا يثني عليهم، كما ورد في سنته - صلى الله عليه وسلم - ومن نماذج تزكية الله لهم في كتابه الكريم الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم"قوله عز وجل: )من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا (23)( (الأحزاب)، وقال - عز وجل - عنهم: )رضي الله عنهم ورضوا عنه( (البينة: 8)، وقال - عز وجل - في حقهم: )لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا (18)( (الفتح)، وزكاهم الله - عز وجل - بقوله: )محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما (29)( (الفتح).
وهذا طرف من جملة ما بلغه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربه - عز وجل - في قرآن يتلى آناء الليل وأطراف النهار، ليس هذا فحسب، بل إننا إذا تأملنا السنة وجدنا ثناء النبي - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه كثيرا متواترا، ولو كان - صلى الله عليه وسلم - كاتما شيئا من أجل تهميش أحد لكتم شهادته لأصحابه حتى لا يصبح أحد غيره المشار إليه والمثنى عليه، وفيما يأتي نذكر طرفا منها للتدليل على ما نحن بصدده:
· فعن عمران بن حصين - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله: «خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثا، " ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن» [23].
· وعن أنس - رضي الله عنه - قال: «مر بجنازة فأثني عليها خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وجبت وجبت وجبت"، ومر بجنازة فأثني عليها شرا، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "وجبت وجبت وجبت"، قال عمر: فدى لك أبي وأمي، مر بجنازة فأثني عليها خيرا، فقلت: وجبت وجبت وجبت، ومر بجنازة فأثني عليها شرا، فقلت: وجبت وجبت وجبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض» [24].
· وعن سعيد بن أبي بردة عن أبيه. قال: «صلينا المغرب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء! قال: فجلسنا. فخرج علينا فقال: "ما زلتم ها هنا"، قلنا: يا رسول الله! صلينا معك المغرب ثم قلنا: نجلس حتى نصلي معك العشاء قال: "أحسنتم، أو أصبتم"، قال: فرفع رأسه إلى السماء، وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: "النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون» [25].
· وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأتي على الناس زمان فيغزو فئام[26] من الناس فيقولون: فيكم من صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ؟ فيقولون لهم: نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم» [27].
· وعن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصاحبني، والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأى من رآني، وصاحب من صاحبني» [28] [29].
وأكثر من هذا برهانا فيما نحن بصدده ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في تحريم سب أصحابه، ومن ذلك ما يأتي:
· عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد[30] أحدهم ولا نصيفه»[31].
· وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تبارك وتعالى اختارني، واختار لي أصحابا، فجعل لي منهم وزراء وأنصارا وأصهارا، فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف[32] ولا عدل» [33] [34].
· وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا»[35] وقال صلى الله عليه وسلم: «لعن الله من سب أصحابي».[36] وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: «من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» [37] [38].
وإذا كان إكرام النبي لصحابته على هذا النحو؛ فإن لنا أن نتساءل: هل من المنطق أن يكرمهم - صلى الله عليه وسلم - ويقدرهم قدرهم، ويحرم سبهم ثم يفرض عليهم نفوذه وينفرد بالأمر دونهم؟!! ولو كان ذلك حقا؛ فهل من المنطق أن يحب الصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحب، ويتمثلوا دينه هذا التمثل في حياته وبعد مماته وهو مزهو بنفسه متكبر عليهم؟!
إننا لا نجد بدا من أن نلزم هؤلاء النفر بحقيقة تنافي ما ادعوه ببراهين الواقع قبل أي شيء. "فقد استولى حب النبي - صلى الله عليه وسلم - والإخلاص في طاعته والشوق إلى رؤيته على قلوب السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام من المجتهدين وتلامذتهم وأتباعهم؛ لأنهم أحسوا في أعماق نفوسهم بأنه أنقذهم من الظلمات إلى النور، وخلصهم من الضلالة إلى الإيمان الراسخ، والأعمال الصالحة، والشواهد والأمثلة على هذا كثيرة منها:
· عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أشد أمتي لي حبا ناس يكونون بعدي، يود أحدهم لو رآني بأهله وماله»، أي يبصرني بدلا عن أهله وماله.[39] وكذلك حديث عمر - رضي الله عنه - الذي جاء في هذا المعنى، إذ قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «لأنت أحب إلي من نفسي».[40] أي روحي، وورد مثل ذلك كثيرا عن الصحابة الكرام. فلو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مزهوا بنفسه معجبا، لكان أول النافرين منه أصحابه، أما وقد صرحوا بحبه وإخلاصهم له ولدعوته حتى بعد مماته، فهذا مما ينفي زعم هؤلاء وافترائهم.
· قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: «ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم».[41] وقالت عبدة بنت خالد بن معدان: «ما كان خالد - أبوها - يأوي إلى فراش إلا وهو يذكر من شوقه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى أصحابه من المهاجرين والأنصار يسميهم، ويقول: هم أصلي وفصلي، وإليهم يحن قلبي، طال شوقي إليهم، فعجل رب قبضي إليك، حتى يغلبه النوم»[42].
· وروي أنه لما أخرج أهل مكة زيد بن الدثنة من الحرم ليقتلوه، قال له أبو سفيان بن حرب: «أنشدك الله يا زيد، أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك يضرب عنقه وأنك في أهلك؟ فقال زيد: والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة وأني جالس في أهلي، فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا»[43].
· وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: «كانت المرأة إذا جاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - حلفها بالله ما خرجت من بغض زوجي، ما خرجت إلا حبا لله ورسوله».[44] ووقف ابن عمر على ابن الزبير - رضي الله عنهما - بعد قتله، فاستغفر له، وقال: كنت والله - ما علمت - صواما قواما تحب الله ورسوله[45].
إن قوما تمثلوا حب النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذا النحو لجدير بهم أن يثبتوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان على خلاف ما ادعاه هؤلاء المغرضون من التعالي عليهم أو فرض نفوذه وما شابه ذلك من أقاويل تبتعد عن المنطق والواقع التاريخي بعد المشرق عن المغرب.
ثالثا. إن القرآن الكريم الذي أثنى على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - في بعض آياته هو أيضا الذي أقر بشريته وأكد عبوديته لله - صلى الله عليه وسلم - في آيات أخرى:
لقد عظم الله قدر نبينا - صلى الله عليه وسلم - بفضائل ومحاسن لا يمكن حصرها، فمنها ما صرح به - سبحانه وتعالى - في كتابه، ونبه به على جليل نصابه، وأثنى به عليه من أخلاقه وآدابه، وحض العباد على التزامه، فكان - عز وجل - هو الذي تفضل وأولى، ثم طهر وزكى، ثم مدح بذلك وأثنى، ثم أثاب عليه الجزاء الأوفى؛ فله الفضل بدءا وعودا والحمد أولى وأخرى[46].
وترتب على ذلك التشريف والثناء من الله - عز وجل - في قوله سبحانه وتعالى: )من يطع الرسول فقد أطاع الله( (النساء: 80)، فقد جعل طاعته مقرونه بطاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا تشريف له - صلى الله عليه وسلم - وبيان لعلو مكانته عند ربه، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو المثل الأعلى، وقدوة الخلق في محاسن الأخلاق التي لا يعدلها شيء وقال سبحانه وتعالى: )فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك( (آل عمران: 159)، فكان رسول الله لين الجانب، حسن الأخلاق والسجايا بعيدا عن الغلظة، يعدل بين الناس ولا يظلم أحدا، وبذلك اجتذب إليه المؤمنين، ولو كان فظا لنفروا منه ونبذوه وانفضوا من حوله[47].
وفي سياق ثناء الله - عز وجل - على النبي - صلى الله عليه وسلم - وإظهار عظيم قدره لديه، نجد في كتاب الله آيات كثيرة مفصحة بجميل ذكر المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ومحاسنه وتعظيم أمره وتنزيه قدره، قال سبحانه وتعالى: )وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (107)( (الأنبياء)، فقد زينه الله - عز وجل - بزينة الرحمة في الدارين، وأثنى عليه وسماه في القرآن نورا وسراجا منيرا، فقال سبحانه وتعالى: )قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين (15)( (المائدة).
وقال عز وجل: )يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا (45) وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا (46)( (الأحزاب)، فدائما كان التكريم من الله - عز وجل - والثناء منه على نبيه - صلى الله عليه وسلم - وقد قال سبحانه وتعالى: )ورفعنا لك ذكرك (4)( (الشرح)، وقيل معناه: إذا ذكرت ذكرت معي في قول لا إله إلا الله محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقيل في الأذان والإقامة، فرفع الله - عز وجل - ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب مستشهد ولا صاحب صلاة إلا يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وفي هذا تشريف ليس بعده تشريف.
وقد بين الله - عز وجل - فضل نبينا - صلى الله عليه وسلم - عندما جعل الشهادة له يوم القيامة على أمته في قوله سبحانه وتعالى: )فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41)( (النساء)، وقال سبحانه وتعالى: )ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين (89)( (النحل)، فجعله شاهدا على أمته لنفسه بإبلاغهم الرسالة وذلك في قوله )يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا (45)( (الأحزاب)، وفي بعض صور قسمه - سبحانه وتعالى - تعظيم لقدر نبيه، قال عز وجل: )لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون (72)( (الحجر)، فهذا قسم الله - عز وجل - بمدة حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - وقد أعلى الله قدره وشرفه عندما رفع العذاب عن قومه بسببه في قوله سبحانه وتعالى: )وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون (33)( (الأنفال).
وبعد كل هذا الثناء من الله - عز وجل - على نبيه - صلى الله عليه وسلم - قال سبحانه وتعالى: )إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما (56)( (الأحزاب)، فأمر بالصلاة عليه تكريما وإلزاما لأمته بذلك.
وبعد كل هذا التكريم والتشريف من قبل الله - عز وجل - في قرآنه يثبت - عز وجل - في مواضع أخرى بشرية النبي - صلى الله عليه وسلم - ليدلل لهم على عبوديته له - عز وجل - قال تعالى: )وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين (144)( (آل عمران)، وهكذا وضح القرآن وأكد بشرية النبي صلى الله عليه وسلم.
وإن المتأمل في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي تصرفاته يجد النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبعد بأوامره وتوجيهاته عن هذه البشرية وتلك العبودية قيد أنملة، وأحاديثه خير شاهد على ذلك، فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبده فقولوا: عبد الله ورسوله».[48] "وفي هذا القول إشارة إلى قوله عز وجل: )قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي( (الكهف: ١١٠)، ثم لا يلزم من كونه عبد الله ورسوله مساواة غيره له - صلى الله عليه وسلم - في العبودية لله - سبحانه وتعالى - التي هي شهود الربوبية، وعدم الغفلة عنها؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أكمل الخلق في هذا الوصف الذي هو عين الكمال الإنساني" [49].
ولم يبعد هذا المعنى عن ذهن الصحابة، ولم يغب عن علم زوجاته، وليس أدل على ذلك مما جاء عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان رسول الله بشرا من البشر يفلي ثوبه[50]، ويحلب شاته، ويخدم نفسه».[51] وفي رواية: «يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم»[52].
وفي هذا دلالة على تواضعه الجم، مما ينفي التقول عليه زورا بأنه كان متكبرا متعاليا.
رابعا. تفريق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الصحبة والأخوة لا يحمل أي انتقاص لقدر أصحابه رضي الله عنهم:
يحلو للبعض أن يزعم أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - سمى أصحابه "الصحابة" ولم يسمهم "الإخوان"؛ لأن الأخوة تعني المماثلة والمساواة بينهم وبينه، ولكن من يزعم ذلك يصطدم ببعض الأحاديث التي يذكر فيها محمد - صلى الله عليه وسلم - أخوة أبي بكر له.
ففي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر» [53].
ثم إن القرآن الكريم سمى صالحا مثلا "أخا ثمود"، وهودا "أخا عاد" وشعيبا "أخا مدين"، ولم يكن القصد أن أقوامهم الكفرة مساوون لهم في الرتبة، بل المقصود بكلمة "أخ" هنا هو أنه "رسول"، فليست الأخوة هنا بمعنى إخوانية الدين، فأين الأخوة في الدين بين هؤلاء الأنبياء وأقوامهم، وقد أطلقت عليهم هذه التسمية من قبل إيمان أحد من أقوامهم بهم، كما أن الكثيرين من أقوامهم قد ظلوا على عنادهم وكفرهم برسالتهم، ولم تكن بين الفريقين من ثم أخوة إيمان[54].
وقد جاء محمد - صلى الله عليه وسلم - ليعلن أن البشر - كما يقرر القرآن الكريم - إخوة وأبناء لأب واحد وأم واحدة: )يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا (1)( (النساء)، وقال عز وجل: )يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (13)( (الحجرات).
ولأن البشر كلهم إخوة وكرامتهم عند الله واحدة، فقد محا الإسلام كل أسباب التفرقة، وأسقط كل المزاعم التي تميز إنسانا على إنسان بالجنس، أو اللون، أو الطبقة، قال سبحانه وتعالى: )إن أكرمكم عند الله أتقاكم( (الحجرات).
أجل.. إن أكرمكم عند الله أتقاكم.. هذا هو الميزان الحق الذي يوزن به الناس، فالعدالة الإسلامية ترفض أي امتياز لإنسان على آخر بسبب اللون، أو الجنس، ولم يؤثر أو يعرف عن مفكري الإسلام أو فقهائه قول يخالف هذه القاعدة التي أرسى قواعدها القرآن والنبي - صلى الله عليه وسلم -.
فعن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس يوم فتح مكة فقال: «يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية[55] وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله، والناس بنو آدم وخلق الله آدم من تراب قال الله عز وجل: )يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (13)( (الحجرات)».[56] «فليس لعربي على عجمي فضل، وليس لأسود على أبيض فضل، ولا لأبيض على أسود فضل.. إلا بالتقوى»[57].
وبناء على ما سبق ليس لمدع أن يقول: إن تسمية النبي - صلى الله عليه وسلم - أتباعه المعاصرين له بـ "الأصحاب" بدلا من "الإخوان" كان تعاليا منه - صلى الله عليه وسلم - أو رغبة منه في البعد عن المساواة بهم، وإنما كان - صلى الله عليه وسلم - أحسن البشر خلقا، وخير البشر تواضعا، ولقد أحبه أصحابه رضوان الله عليهم، كما لم يحب بشر بشرا، ويكفي أصحابه هذا الوسام الذي وضعه - صلى الله عليه وسلم - على صدورهم، حينما قال عنهم: "لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصاحبني، والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأى من رآني وصاحب من صاحبني".[58] فأين هذا التكبر المزعوم منه - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه؟
خامسا. تسمية النبي - صلى الله عليه وسلم - لأتباعه الذين لم يروه بـ "إخوانه" لا يعني تفضيلهم على أصحابه:
إن الفهم الخاطئ للحديث النبوي الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «وددت أنا قد رأينا إخواننا"، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: "أنتم أصحابي».[59] إن هذا الفهم هو الذي دفع بعض المتوهمين أن يظنوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد فضل أتباعه الذين لم يروه على أصحابه، فالحقيقة التي يتجاهلها هؤلاء أن هذا الحديث لا يحمل معناه أي مظنة لتفضيل المسلمين من غير الصحابة على الصحابة، فليس في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وددت أني لقيت إخواني» إلا وصفا لحالة وجدانية شعورية تعبر عن مدى اشتياق النبي - صلى الله عليه وسلم - لهؤلاء المؤمنين به بعد موته - صلى الله عليه وسلم - دون أن يراهم أو يروه، وفي هذا من الدلالة الواضحة على محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته ورحمته بهم على الرغم من أنه لم يرهم، فما بالنا بمحبته لمن رآهم ورأوه ونصروه وتحملوا معه مصاعب نشر الدعوة!
وإنما اشتاق النبي - صلى الله عليه وسلم - لرؤية هؤلاء الذين لم يروه ولم يرهم من أمته؛ لأن المرء يزداد اشتياقه لمن لا يراهم، أما أصحابه المعاصرون له فهم تحت ناظريه لا يفارقهم ولا يفارقونه؛ ومن ثم فليس في اشتياق النبي لأتباعه الذين سيأتون بعد موته أي تفضيل لهم على أصحابه، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - لأتباعه الذين لم يروه بإخوانه لا ينفي عن أصحابه أنهم إخوانه؛ فقد قال الله سبحانه وتعالى: )إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون (10)( (الحجرات)، فأخوة الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثابتة مع شرف الصحبة بهذه الآية الكريمة، وقد أرسى - صلى الله عليه وسلم - قواعد المساواة والأخوة بين المسلمين جميعا السابق منهم واللاحق، فهم جميعا أخوة كما قال سبحانه وتعالى: )والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم (10)( (الحشر).
ومن ثم فلم يفضل النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدا على أصحابه، بل إن الحقيقة التي لا يماري فيها أحد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد فضل أصحابه الذين اتبعوه ونصروه على سائر الأمة كما سبق أن تحدثنا، بل فضل أوائل الصحابة على متأخريهم.
إن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هم الذين حملوا الأمانة من بعده؛ فقاموا بتأديتها خير أداء، وجاهدوا في سبيل الله حق جهاده؛ فنشروا الإسلام، وكسروا الأوثان، وأطفئوا النيران وفتحوا البلدان، وعدلوا في الرعية، وقسموا الحقوق بالسوية، فمن يوازيهم، أو يبلغ خميص - ثوب - أحدهم ولو أنفق ما في الأرض جميعا[60]؟!
وعليه فالصحابة أفضل من التابعين، والتابعون أفضل من أتباع التابعين، لكن الاختلاف: هل هذه الأفضيلة بالنسبة إلى المجموع أم الأفراد؟ والذي ذهب إليه الجمهور أن من قاتل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أو في زمانه بأمره أو أنفق من ماله بسببه لا يعدله في الفضل أحد بعده كائنا من كان لقوله سبحانه وتعالى: )وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير (10)( (الحديد) [61].
إن ما ورد من آيات القرآن الكريم وأقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - لكاف للدلالة على فضل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - على غيرهم من المسلمين في كل زمان ومكان؛ ولـم لا وقد تعلموا في مدرسة النبوة على يد معلم البشرية، ودليلها إلى الخير محمد - صلى الله عليه وسلم ـ؟ فلقد باعوا الدنيا؛ لأنهم علموا وأيقنوا أنها إلى زوال وإلى فناء، ويجمع لها من لا عقل له، واشتروا الآخرة لعلمهم أنها الباقية التي لا تزول أبدا، فربحوا الدنيا والآخرة رضي الله عنهم [62].
وللصحابة - رضي الله عنهم - اليد البيضاء على كل من جاء بعدهم من المسلمين، فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:«من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا».[63] وقد كانوا – رضي الله عنهم- الصلة الوثيقة التي تربط المسلمين بنبيهم - صلى الله عليه وسلم - فكل من استفاد وكل من دخل في دين الله وعمل صالحا، فإن الله يثيب الصحابة عليه، وقبلهم رسوله - صلى الله عليه وسلم - فكل فضل لمن بعدهم لهم فيه نصيب، فهل يعقل أن يفضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدا من الناس عليهم؟ وهل يعقل أن ينتقص النبي - صلى الله عليه وسلم - من قدر صحابته؟ وهل يعقل أن يساويهم أحد أو أن يبلغ منزلتهم في الفضل والأجر؟
ويؤكد هذه الحقيقة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» [64].
فإذا كان سيف الله خالد بن الوليد وغيره ممن أسلم بعد الحديبية لا يساوي العمل الكثير منهم القليل من عبد الرحمن بن عوف وغيره ممن تقدم إسلامه، مع أن الكل تشرف بصحبته - صلى الله عليه وسلم - فكيف بمن لم يحصل له شرف الصحبة بالنسبة إلى أولئك الأخيار؟! إن البون لشاسع، وإن الشقة لبعيدة، فما أبعد الثرى من الثريا، بل وما أبعد الأرض السابعة عن السماء السابعة: )ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (4)( (الجمعة) [65].
سادسا. الصحابة هم أفضل هذه الأمة:
إن المحتكم إلى العقل المنصف والمنطق السليم لا يمكن إلا أن يصل إلى نتيجة مؤادها: أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - هم أفضل هذه الأمة؛ وذلك لأن خصائص الشخصية المسلمة الكاملة لم تظهر في جيل من الأجيال كما ظهرت في جيل الصحابة، ومن أبرز هذه الخصائص:
1. الاستجابة الكاملة للوحي وعدم التقديم بين يديه:
إن العلم الصحيح الكامل بالعقائد، والشرائع، والآداب وغيرها، لا يكون إلا عن طريق الوحي المنزل: قرآنا وسنة، وذلك بالعلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، ومعرفة ما يجب له وما ينزه عنه - عز وجل - والعلم بالملائكة، والكتاب، والنبيين، والعلم بالآخرة، والجنة والنار، والعلم بالشرائع المجملة والمفصلة والأحكام المتعلقة بالمكلفين، والعلم بالمسلك الصحيح الذي ينبغي سلوكه في سائر الأحوال في: الغضب والرضا، والقصد والغنى، في الأمن والخوف، في الخير والشر، في الهدنة والفتنة، والتزام الدليل الشرعي هو منهج الذين أنعم الله عليهم بالإيمان الصحيح، قال سبحانه وتعالى: )وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون (181)( (الأعراف).
ولقد كان الصحابة أعظم من غيرهم انتفاعا بالدليل والوحي، وتسليما له؛ لأسباب عديدة منها:
· نزاهة قلوبهم وخلوها من كل ميل أو هوى غير ما جاءت به النصوص، واستعدادها التام لقبول ما جاء عن الله ورسوله، والإذعان والانقياد له انقيادا مطلقا دون حرج، ولا تردد، ولا إحجام.
· معاصرتهم لوقت التشريع ونزول الوحي، ومصاحبتهم للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولذلك كانوا أعلم الناس بملابسات الأحوال التي نزلت النصوص فيها، والعلم بملابسات الواقعة أو النص من أعظم أسباب فقهه وفهمه وإدراك مغزاه.
· كانت النصوص - قرآنا وسنة - تأتي في كثير من الأحيان لأسباب تتعلق بهم - بصورة فردية أو جماعية - فتخاطبهم خطابا مباشرا، وتؤثر فيهم أعظم التأثير؛ لأنها تعالج أحداثا واقعية وقعت في حينها، حيث تكون النفوس مشحونة بأسباب التأثر، متهيئة لتلقي الأمر والاستجابة له.
· قد أعفاهم قرب عهدهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من الجهد الذي احتاج إليه من بعدهم في تمييز النصوص وتصحيحها، فلم يحتاجوا - في غالب أحوالهم - إلى سلسلة الإسناد، ولا معرفة الرجال، والعلل، وغيرها، ولم يختلط عليهم الصحيح بغيره، ومن ثم لم يقع عندهم التردد في ثبوت النص الذي وقع عند كثير ممن جاء بعدهم، خاصة من أصحاب النفوس المريضة، أومن الجهلة الذين لم يدرسوا السنة ويفقهوها رواية ودراية، فكانوا إذا سمعوا أحدا يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتدرته أبصارهم - كما يقول ابن عباس رضي الله عنه.
2. التأثر الوجداني العميق بالوحي والإيمان:
كان الصحابة يتعاملون مع العلم الصحيح ليس بوصفه مجموعة من الحقائق المجردة التي يتعامل معها العقل فحسب، دون أن يكون لها علاقة بالقلب والجوارح، بل لقد أورثهم العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله محبته، والشوق إلى لقائه والتمتع بالنظر إلى وجهه الكريم في جنة عدن، وأورثهم تعظيمه، والخوف منه والحذر من بأسه وعقابه، وبطشه ونقمته، وأورثهم رجاء ما عنده، والطمع في جنته ورضوانه، وحسن الظن به، فاكتملت لديهم - بذلك - آثار العلم بالله والإيمان به، وهي: الحب والخوف والرجاء، وأورثهم العلم بالجنة والنار: الرغبة في النعيم الأبدي السرمدي، والخوف من مقاساة العذاب الرهيب، فقلوبهم تتراوح بين نعيم ترجوه وتخشى فوته، وعذاب تحذره وتخشى وقوعه، فتعلقت قلوبهم بالآخرة، فكرا وخوفا ورجاء، حتى كأنهم يرون البعث والقيامة، والميزان والصراط، والجنة والنار رأي العين، وأورثهم علمهم بالقدر وأنه أمر قد فرغ منه: الاتكال على الله، وعدم التوكل على الأسباب، وعدم الفرح بما أوتوا ولا الأسى لما منعوا، والإجمال في الطلب؛ إذ لا يفوت المرء ما قدر له، ولن يأتيه ما لم يقدر، كما غرس في نفوسهم الشجاعة والإقدام، وأورثهم علمهم بالموت وإيمانهم به العزوف عن الدنيا، والإقبال على الآخرة، والدوام على العمل الصالح؛ إذ لا يدري متى يموت والموت منه قريب، وهذه المعاني الوجدانية هي المقصود الأعظم من تحصيل العلم، وإذا فقدت، فلا ينفع مع فقدها علم، بل هو ضرر في العاجل والآجل.
ولقد كان للصحابة - رضي الله عنهم - من هذه المعاني الوجدانية، أعظم نصيب؛ لأن إيمانهم كان أعمق وأكمل من إيمان غيرهم، ولقد تلقوه غضا طريا من النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخلق بغبرة الغفلة والأهواء.
وكان الصحابة فرسانا بالنهار، ورهبانا بالليل، لا يمنعهم علمهم وإيمانهم الحق وخشوعهم لله من القيام بشئونهم الدنيوية، من بيع وشراء، وحرث ونكاح، وقيام على الأهل والأولاد وغيرهم فيما يحتاجون، وكانوا بعيدين كل البعد عن الإعجاب بالنفس، الذي أصيب به بعض المتعبدين ممن جاء بعدهم، فترتب عليه ازدراؤهم واحتقارهم لأعمال الآخرين، والاستهانة بمجهوداتهم في سبيل الدين والحط من قدرهم، فأصبحوا في الحقيقة متعبدين في محراب "الذات" معظمين لأنفسهم، وهذا مصدر لكل رذيلة خلقية، وسبب لمحق كل عمل صالح[66].
ومن ثم فقد برزت في جيل الصحابة كل خصائص الشخصية المسلمة الكاملة التي قامت عليها الدولة الإسلامية، وهذا ما لم يحدث في أي جيل بعدهم بهذه الصورة المثالية، فاستحقوا بذلك - رضي الله عنهم - أن يكونوا أفضل من غيرهم، وقد عرف لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الفضل فقدمهم على من سواهم، وفضلهم على سائر هذه الأمة.
الخلاصة:
· لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - متكبرا على أصحابه، بل إن سيرته معهم تشهد بحبه لهم، ولين الجانب معهم، ولم لا؟ وقد أمره ربه بذلك: )واخفض جناحك للمؤمنين (88)( (الحجر)، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يحسن معاملة كل أصحابه كبيرهم وصغيرهم، فالكل عنده سواء، ولم يكن - صلى الله عليه وسلم - يميز نفسه عليهم بحال من الأحوال ويكره هذا، على الرغم من سعيهم الدءوب لتمييزه؛ لهذا أحبوه حبا شديدا وقدموا حبه على الأهل والمال والنفس.
· لم يخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن سمت التواضع الذي عهد عنه حتى بعد أن فتحت عليه الدنيا ودانت له الجزيرة كلها، حتى إنه لما دخل مكة فاتحا منتصرا طأطأ رأسه حتى لتكاد تمس مقدمة الرحل؛ تواضعا لله - عز وجل - وهذا التواضع شهد له به كل من عرفه أو شاهده أو تعامل معه - صلى الله عليه وسلم - وهو القائل عن نفسه: «آكل كما يأكل العبيد، وأجلس كما يجلس العبيد، فإنما أنا عبد»[67].
· ليس من المنطق أن يعظم النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ويحترمهم بهذه الكيفية التي نطالعها في كتب السير، ثم يفرض نفوذه عليهم ويلغي دورهم في الدولة الإسلامية، ولقد أرسى النبي - صلى الله عليه وسلم - مبدأ الشورى في الدولة الإسلامية ولم ينفرد برأي دون أصحابه، وهذا خير شاهد على فساد ما ادعوه، وشواهد السيرة على هذا كثيرة تغني الإشارة إليها عن ذكرها.
· لقد أثنى القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم - وفضله وامتدحه بما هو أهله، ولم يزده هذا الثناء ولا ذاك التفضيل إلا تواضعا وخشوعا وامتنانا، ولقد أكد القرآن الكريم في أكثر من موضع على بشرية النبي وعبوديته لله - عز وجل - وهذا ما لم تبعد عنه أقواله - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله، فلقد تمثل النبي أوامر القرآن الكريم بالتودد للمؤمنين وخفض الجناح لهم خير تمثل، فكان نموذجا وافيا للتواضع والرحمة.
· لم يكن وصفه - صلى الله عليه وسلم - للمؤمنين المعاصرين له بصفة "الأصحاب" دون صفة "الإخوان" حطا من شأنهم - رضي الله عنهم - وخاصة إذا علمنا أن الأخوة لا تعني بحال من الأحوال المساواة والمماثلة، وقد صرح الوحي بأن الصحابة الأوائل قد بلغوا منزلة لا يمكن لأحد بعدهم - مهما فعل - أن يصل إليها.
· إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وددت أني لقيت إخواني"، ليس فيه ما يدل على تفضيل المسلمين الذين لم يرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصحابة الكرام، وإنما هو وصف لحالة وجدانية شعورية، تعبر عن شوقه لرؤية أمته كلها بما فيهم صحابته.
· إن منزلة الصحبة هي أعلى المنازل في الإسلام بعد النبوة وذلك بشهادة القرآن الكريم والسنة النبوية، ويكفي أن تستشهد بقوله سبحانه وتعالى: )لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا( (الحديد: 10)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم"خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" [68]، فهم القدوة والأسوة الحسنة لكل من أراد الهداية.
(*) حضارة الإسلام، جوستاف لوبون، ترجمة: عبد العزير جاويد، وعبد الحميد العبادي، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1994م. تاريخ الشعوب العربية، د. ألبرت حوراني، ترجمة: نبيل صلاح الدين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1977م. شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة، خليل عبد الكريم، سينا للنشر، القاهرة، 1997م. اليسار الإسلامي وتطاولاته المفضوحة على الله والرسول والصحابة، د. إبراهيم عوض مكتبة زهراء الشرق، مصر، 2000م.