دعوى محاباة النبي - صلى الله عليه وسلم - أقاربه وذويه (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المغرضين أن عاطفة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت تغلب على جانب العدل عنده؛ إذ كان يحابي([1]) أقاربه وذويه، ويستدلون على ذلك ببعض أحداث غزوة بدر، مثل: نهيه - صلى الله عليه وسلم - أصحابه عن قتل من يجدونه من بني هاشم مع جيش قريش في المعركة، لا سيما عمه العباس، وحسن معاملته لأسراهم بعد المعركة وتساهله في أخذ الفداء منهم، ومنه على أبي العاص بن الربيع زوج ابنته زينب؛ إذ أطلق سراحه دون مقابل، وكذلك رده عثمان بن عفان - رضي الله عنه - زوج ابنته رقية عن الذهاب للمعركة خوفا عليه من القتل وللجلوس بجوار ابنته رقية، ثم إعطاؤه سهما من الغنائم كأنه مشارك في المعركة دون أن يبذل أي مجهود فيها. وهم بهذه المزاعم يهدفون إلى الطعن في أخلاقه صلى الله عليه وسلم.
وجوه إبطال الشبهة:
1) لقد دافع بنو هاشم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بكل ما أوتوا من قوة، وتحملوا من أجله صنوف الأذى من قريش، من حصار في شعب أبي طالب وغير ذلك، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقابل إحسانهم بإحسان مثله، فنهى عن قتلهم في غزوة بدر، وخاصة أنهم قد خرجوا مكرهين أخرجتهم العصبية الجاهلية، كما نهى عن قتل غيرهم ممن أحسن إليه وإلى المسلمين كأبي البخترى بن هشام.
2) لقد أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بحسن معاملة كل الأسرى، لا أسرى بني هاشم فحسب، كما أنه تشدد في أخذ الفداء من عمه العباس وسائر أقاربه، ولم يترك له درهما واحدا، بل رفض اقتراح الأنصار الذين عرضوا عليه أن يطلقوا سراحه دون مقابل.
3) لم يكن أبو العاص بن الربيع الأسير الوحيد الذي من عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بدر، بل لقد من - صلى الله عليه وسلم - على كثيرين غيره، ممن لا تربطهم به صلة ولا قرابة، كما أنه قد ترك أمر إطلاقه إلى أصحابه، ففعلوا.
4) لقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بالبقاء في المدينة ليمرض زوجته رقية التي لم يكن هناك من يرعاها غيره، أما إعطاؤه سهما من الغنائم، فليس فيه أية محاباة له على حساب أحد؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - قد جعل أمر الغنائم في بدر للنبي - صلى الله عليه وسلم - يتصرف فيها كيف يشاء، وقد أسهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لكثيرين غيره ممن لم يشهدوا المعركة.
التفصيل:
أولا. لقد جازى النبي - صلى الله عليه وسلم - الوفي الأمين إحسان بني هاشم بإحسان مثله، فنهى عن قتلهم في المعركة، كما نهى عن قتل غيرهم ممن كان يحسن إليه وإلى المسلمين:
لا شك أن الرحمة من الفضائل الإنسانية العالية، ولكن المتأمل في رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم - يجدها رحمة عامة لا تخص أشخاصا بذواتهم، ولا قبيلة بعينها، بل هي رحمة تشمل العـالمـين، يقـول عـز وجـل: )ومـا أرسـلنـاك إلا رحمـة للعـالمـين (107)( (الأنبياء)، ونحن إذا نظرنا إلى جهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - نجد أنه جهاد قد شرعته الرحمة، وأظلته، ولكن ينبغي أن ننبه إلى أن هذه الرحمة لا تنال إلا من يستحقها، فالشفقة على الظالم والامتناع عن الاقتصاص منه ليست من الرحمة في شيء؛ لأنها تخفي في ثناياها قسوة على المظلوم؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من لا يرحم لا يرحم»([2]).
ومن هذا المنطلق فإننا إذا أردنا أن نفسر نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه عن قتل من يجدونه من بني هاشم مع جيش مكة في غزوة بدر - فلا بد أن نذكر أن الباعث على الحرب في الإسلام ـ كما نص القرآن الكريم ـ هو رد الاعتداء على المسلمين؛ فقد قال تعالى: )وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين (190)( (البقرة)، وقال سبحانه وتعالى: )وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين (193)( (البقرة)، وقد أمر - سبحانه وتعالى - أن يعامل المعتدون بمثل اعتدائهم. قال عز وجل: )الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين (194)( (البقرة).
من هـذه الآيـات الـكـريمـة يتبين لنـا أن البـاعث على الحـرب في الإسـلام دفـع الاعتـداء، ومنـع الأذى المستمـر، وعقـوبة الظـالمـين([3]).
وهذا هو الباعث على غزوة بدر وقتال مشركي قريش، فلقد مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة ثلاث عشرة سنة، يدعو الناس بالحجة والموعظة الحسنة، وقد أذاقته قريش - هو والمؤمنين عامة - كل صنوف الأذى، وقد صبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وهاجر إلى المدينة، وقد صودرت أمواله وأموال المسلمين، فظلم وظلم أصحابه، وفي المدينة أعلن على قريش - مقابل ما سبق - حربا اقتصادية يرغمها بواسطتها على الاعتراف بحقوقه في مكة وحقه في نشر الدعوة، فخرج يريد قافلة أبي سفيان، ولكنها تمكنت من الإفلات، ولكن قريشا خرجت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقضها وقضيضها([4]) حتى عبيدها خرجوا معها([5]).
هذا عن موقف قريش دون بني هاشم، أما عن موقف بني هاشم من النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو موقف المدافع عنه صلى الله عليه وسلم، ولـم لا وهم أهله وذووه؟ وهل يستطيع أحد أن ينسى موقف أبي طالب من حمايته لابن أخيه - صلى الله عليه وسلم - منذ بداية دعوته حتى توفاه الله - عز وجل - فلم يتخل قط عن ابن أخيه مهما كانت الأحوال شديدة، حتى إن قريشا لم تنل من النبي - صلى الله عليه وسلم - أذى يذكر إلا بعد موت أبي طالب، حتى إن النبي - صلى الله عليه وسلم - اضطر إلى أن يطلب الجوار ليدخل مكة، فأجاره مطعم بن عدي.
وقد يقول قائل: لقد وقف أبو طالب ذلك الموقف من ابن أخيه؛ لأنه هو الذي كفله بعد موت أبيه وجده ورباه، ولكننا نقول: إن هذا الموقف لم يكن موقف أبي طالب فحسب، بل كان موقف كل بني هاشم، حتى من وقفوا ضد الدعوة في كثير من مراحلها كأبي لهب، فقد كانت تأخذه الحمية أحيانا، فيدافع عن ابن أخيه وعمن أسلموا معه، فقد روت كتب السيرة أن أبا طالب قد أجار أبا سلمة، فقالت له قريش: أنت منعت ابن أخيك محمدا، فما لك ولصاحبك - أي أبي سلمة - تمنعه؟ فقال: إنه استجار بي، وهو ابن أختي، وإن لم أمنع ابن أختي لا أمنع ابن أخي، وعندئذ أخذت الحمية أبا لهب، فقال مهددا لقريش: يا معشر قريش، أكثرتم على هذا الشيخ، ما تزالون تتواثبون عليه في جواره من بين قومه، والله لتنتهن أو لنقومن معه في كل ما قام فيه، حتى يبلغ ما أراد، فقالوا - يبتغون رضاءه حتى لا ينحاز إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كما فعل أخوه حمزة من قبل -: بل ننصرف عما تكره يا أبا عتبة([6]).
هذا موقف أبي لهب، وهو من أشد أعداء النبي صلى الله عليه وسلم، فما بالنا بموقف سائر بني هاشم ممن كانوا يحبون النبي - صلى الله عليه وسلم - وينصرونه ويمنعون عنه الأذى، وهل يستطيع أحد أن ينسى موقفهم من النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يوم شعب أبي طالب، حينما قاطعت قريش النبي والمسلمين وألجئوهم إلى هذا الشعب، فاجتمع كل بني هاشم إلا أبا لهب على حماية النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلمهم وكافرهم، فمنهم من فعل ذلك حمية، ومنهم من فعله إيمانا ويقينا، وقد اشتد الحصار على المسلمين وعلى بني هاشم ثلاث سنوات قطعت عنهم الـميرة([7]) والمادة، حتى التجئوا إلى أكل أوراق الشجر والجلود، وحتى كان يسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاغون([8]) من الجوع، وقد ظل بنو هاشم بجوار النبي - صلى الله عليه وسلم - على الرغم مما أصابهم من فاقة([9]) وأذى من قريش، لا يسلمونه لشيء حتى نقضت هذه الصحيفة وخرجوا من الشعب([10]).
وإذا كنا لا نستطيع أن ننسى مثل هذه المواقف لبني هاشم مع النبي صلى الله عليه وسلم، فإننا لا نستطيع كذلك أن ننسى موقف العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.
فقد كان أحد بني هاشم في الدفاع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنع الأذى عنه، كما أنه قد ذهب مع النبي صلى الله عليه وسلم - وكان العباس لا يزال على دين قومه - لكي يستوثق لابن أخيه من حماية أهل يثرب له، فكان أول من تكلم في تلك الليلة، فقال: «يا معشر الخزرج، إن محمدا منا حيث قد علمتم، وهو في منعة في قومه وبلاده، قد منعناه ممن هو على مثل رأينا منه، وقد أبى إلا الانقطاع إليكم، وإلى ما دعوتموه إليه، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما وعدتموه، فأنتم وما علمتم، وإن كنتم تخشون من أنفسكم خذلانا فاتركوه في قومه، فإنه في منعة من عشيرته وقومه» ([11]) ([12]).
فإذا أضفنا إلى ما سبق أن بني هاشم قد خرجوا للقتال في بدر مكرهين، أخرجتهم الحمية والعصبية الجاهلية؛ حياء من قريش، وقد كان هواهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا أضفنا كذلك أن قتال النبي - صلى الله عليه وسلم - في بدر لقريش لم يكن من أجل كفرها، وإنما لاعتدائها على المسلمين وعلى أموالهم، وفتنتهم لهم عن دينهم، ولم يشترك بنو هاشم في هذا الاعتداء والإيذاء أو تلك الفتنة ـ تبين لنا حقيقة نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين عن قتل من يجدونه من بني هاشم في جيش قريش، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - هو نبي الرحمة، وقد بعث ليتمم مكارم الأخلاق، فكيف ينسى رحمه، وواجب الوفاء لبني هاشم الذين ذاقوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين ما ذاقوا، وقريش تقاطعهم في شعبهم، وهم على مثل قومهم من الشرك؟ وهل من الوفاء بالعهد وجزاء المعروف بمعروف مثله، ومقابلة الإحسان بالإحسان أن يقتلهم في الميدان، وقد خرجوا لحربه مكرهين بحكم العصبية الجاهلية؟
هل يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - عمه العباس بن عبد المطلب تعتوره([13]) السيوف، وهو الذي ذهب معه في بيعة الأوس والخزرج، ليستوثق من منعة يثرب له صلى الله عليه وسلم؟ ألا يستحق بنو هاشم أن يحسن إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون جزاء إحسانهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - وضعفاء المسلمين طيلة مكوثهم في مكة، والنبي هو الوفي الأمين، لا ينسى إحسان محسن، والله - سبحانه وتعالى - يقول: )هل جزاء الإحسان إلا الإحسان (60)( (الرحمن) ألا يستحق بنو هاشم والعباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - ما استحقه غيرهم ممن لم يؤذ النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعض رجالات قريش الذين نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم - عن قتلهم في بدر كأبي البخترى الذي كان له ضلع كبير في نقض صحيفة المقاطعة الظالمة، فقد روى ابن إسحاق، والطبراني، وابن سعد، والبيهقي في "الدلائل" عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن قتل أبي البخترى بن هشام بن أسد، كما نهى عن قتل رجال من بني هاشم منهم العباس بن عبد المطلب.
فليس في الأمر إذن محاباة للأهل والأقارب كما يزعمون، فقد كانت نفسه الشريفة - صلى الله عليه وسلم - أسمى من ذلك وأرفع، وليس أدل على ذلك من رواية ابن عباس السابقة، فقد جاء فيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوص ببني هاشم فقط، بل شملت وصيته غيرهم ممن خرج كرها، ويؤكد ذلك أيضا أن أبا البخترى الذي نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتله ليس من بني هاشم، ولا تربطه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قرابة قريبة، وإنما هو السمو الخلقي والإنساني لمحمد - صلى الله عليه وسلم - والوفاء المحمدي حتى في ميدان القتال.
ثانيا. تشدد النبي - صلى الله عليه وسلم - في أخذ الفداء من عمه العباس وسائر بني هاشم:
أما عن زعمهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تساهل في أخذ الفداء من أقاربه الأسرى في بدر، فهو زعم لا أساس له من الصحة، ولا دليل عليه من الواقع. صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخذته الشفقة على عمه العباس وهو يئن في أسره كما روى ابن إسحاق: لما أمسى رسول الله يوم بدر والأسارى محبوسون بالوثائق، بات النبي - صلى الله عليه وسلم - أول الليل، فقال له أصحابه: ما لك لا تنام يا رسول الله؟ فقال: "سمعت أنين عمي العباس في وثاقه"، فأطلقوه([14]) فسكت، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ([15]).
ولكن رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعمه العباس وهي رحمة شخصية لم تتعارض مع رحمته - صلى الله عليه وسلم - بالكافة، ولا مع عدل النبي صلى الله عليه وسلم، كما أنها لم تكن أبدا على حساب واجبه، فلقد كان الواجب أولى، وأحرى بأن يؤثره على غيره([16])، لهذا نجد أن رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تختص بعمه العباس فحسب ولا بأقاربه فقط، بل شملت كل الأسرى، فلقد ذكرت كتب السير أنه - صلى الله عليه وسلم - قد فرق الأسرى بين أصحابه، وقال: «استوصوا بالأسارى خيرا».([17]) وفي هذا غاية الرحمة والإنسانية؛ حيث أوصى بأناس طالما عذبوه وأصحابه، وحاولوا فتنتهم عن دينهم، وقد نفذ الصحابة وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأمانة، وكانوا سمحاء كرماء معهم، فهذا أبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير يقول: "كنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر، لوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني ([18]) بها، فأستحيي فأردها، فيردها علي ما يمسها" ([19]).
عدم تساهل النبي - صلى الله عليه وسلم - في أخذ الفداء من أقاربه:
على الرغم من تألم النبي - صلى الله عليه وسلم - لألم العباس وهو في الأسر، إلا أن رحمته - صلى الله عليه وسلم - بعمه لم تغلب على جانب العدل عنده، فالرحمة شيء والعدل شيء آخر؛ لهذا أبى - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يأخذ منه الفداء عن نفسه وعن ابني أخويه عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وحليفه عتبة بن عمرو أحد بني الحارث بن فهر بمائة أوقية من الذهب، بل إنه لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنه لا مال له، قال له: "فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل، وقلت لها: إن أصبت في سفري فهذا لبني؛ الفضل، وعبد الله، وقثم"، فقال: والله إني لأعلم أنك رسول الله، إن هذا شيء ما أعلمه إلا أنا وأم الفضل.
ولما قال: إنه خرج مستكرها وإنه كان قد أسلم. قال له النبي: «الله أعلم بإسلامك، فإن يكن كما تقول فالله يجزيك».([20]) وكذلك أبى أن يتنازل له الأنصار عن الفداء، وروي عن أنس بن مالك أنه قال: «إن رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ائذن لنا فلنترك لابن أختنا العباس فداءه، فقال: "لا والله، لا تذرون منه درهما» ([21]).
هذا غاية العدل والإنصاف في المعاملة، فرسول الله مع رحمته بعمه وشفقته عليه، وتخوفه أن يقتل وهو يرجى من ورائه للإسلام خير كثير، تأبى عليه نفسه السامية أن يفرق بينه وبين الأسارى في الفداء، أو أن يقبل أن يمن عليه الأنصار؛ خشية أن يكون عملهم هذا لمكانه من رسول الله وقرابته([22])، على الرغم من أنهم ذكروا أنهم يريدون أن يمنوا عليه لا لكونه عم النبي، وإنما لأنه ابن أختهم، فقد كان الأنصار - وهم بنو النجار - أخوال أبيه عبد المطلب، فأمه سلمى بنت عمرو من بني النجار، ولكنه كما سبق أن قلنا العدل والخلق المحمدي.
ثالثا. هل كان أبو العاص بن الربيع الأسير الوحيد الذي من عليه النبي صلى الله عليه وسلم؟
كان أبو العاص زوج ابنة النبي زينب كما يقول ابن إسحاق: "من رجال مكة المعدودين مالا وأمانة وتجارة، وكانت أمه هالة بنت خويلد، وكانت أخت خديجة بنت خويلد، وكانت خديجة هي التي سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يزوجه بابنتها زينب، وكان لا يخالفها، وذلك قبل الوحي، وكان - صلى الله عليه وسلم - قد زوج ابنته رقية من عتبة بن أبي لهب، فلما جاء الوحي، قال أبو لهب: اشغلوا محمدا بنفسه، وأمر ابنه عتبة فطلق ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقية قبل الدخول، فتزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومشوا إلى ابن العاص فقالوا له: فارق صاحبتك ونحن نزوجك بأي امرأة من قريش شئت. قال: لا والله إذا لا أفارق صاحبتي، وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يثني عليه في صهره" ([23]).
هذا هو حال أبي العاص بن الربيع مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع ابنته ترى هل يجازي النبي - صلى الله عليه وسلم - وفاء أبي العاص له، وحسن معاملته لابنته والحفاظ على مصاهرته، ورفض اقتراح قريش بطلاقه زينب - رضي الله عنها - كما فعل عتبة بن أبي لهب حينما طلق رقية - رضي الله عنها - بالتنكر له، والتخلي عنه وقت محنته وأسره، أم يطيب خاطره، وخاطر ابنته التي أرسلت فداء لزوجها البار الطيب، وكان ضمن هذا الفداء قلادة لها، كانت لأم المؤمنين خديجة من قبلها، وقد أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى بها؟ ألا يثير كل هذا في نفس النبي الرءوف الرحيم الودود ذكريات الزوج الرفيقة والرحم؟ ألا يسعى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى إطلاق سراحه، والمن عليه، كما أطلق سراح غيره؟
هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، فحتى لا يقول أحد إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حابى زوج ابنته، ولكي لا يكون في نفس أحد من أصحابه ضيق أو حديث نفس، ولتطيب النفوس كلها جعل إطلاق سراحه للصحابة، فقال: «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها الذي لها؟ فافعلوا، فقالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه وردوا عليها الذي لها» ([24]) ([25]).
فلتتأمل كيف لم يستبد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرأي وهو القائد وطاعته واجبة، بل جعل الأمر لأصحابه الذين أسروه؛ بل كان هذا الأمر بعد أن أرسلت زوجه زينب رضي الله عنها فداءه، فأين المحاباة والمجاملة للأقارب يا أصحاب العقول المنصفة؟
ومن ناحية ثالثة فلو افترضنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد من على زوج ابنته وأطلق سراحه دون استشارة الصحابة، فهذا أيضا لا يعد محاباة منه - صلى الله عليه وسلم - لذويه وأقاربه كما يزعمون؛ فلم يكن أبو العاص بن الربيع الوحيد الذي من عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد من النبي - صلى الله عليه وسلم - على المطلب بن حنطب بن الحارث من بني مخزوم، ومن على صيفي بن أبي رفاعة بن عائذ من بني مخزوم، وممن من عليه كذلك أبو عزة عمرو بن عبد الله بن عثمان، وكان محتاجا ذا عيال، وكذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - على كل من يرجى منه خير للإسلام، أو كان يظن فيه الإسلام كسهيل بن بيضاء؛ فقد شهد له عبد الله بن مسعود بالإسلام، فقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - شهادته ومن عليه([26]).
كل هؤلاء وغيرهم قد من عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأطلق سراحهم دون أخذ فداء منهم، ولم يكن أحد منهم من بني هاشم أو أقارب النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يستكثر على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يمن على زوج ابنته الوفي البار، وهو لم يكن من الأثرياء، حتى اضطرت زوجه أن ترسل قلادتها في فدائه؟ ترى لو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مجاملا لأقاربه - كما يزعمون - فلماذا لم يمن على العباس وسائر بني هاشم وهم أقرب الناس إليه، بل تشدد في أخذ الفداء منهم كما سبق أن ذكرنا ـ بينما من على كثير من غيرهم؟
رابعا. لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - هو القائد الأعلى لغزوة بدر والمخطط لها، وهو الذي أمر عثمان بن عفان - رضي الله عنه - برعاية السيدة رقية رضي اله عنها، وقد قسم له النبي - صلى الله عليه وسلم - من الغنائم كما قسم لكثير غيره ممن لم يشارك في المعركة:
أما عن زعمهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حابى عثمان بن عفان - رضي الله عنه - زوج ابنته رقية - رضي الله عنها - حين أمره بالإقامة في المدينة لتمريض زوجته، ثم قسم له سهما من غنائم المعركة، دون أن يشارك فيها - فيمكننا أن نوضح بطلانه بذكرنا الحقائق الآتية:
· إن النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما خرج هو والمسلمون إلى بدر لم يكن يعلم أنه خارج إلى قتال قريش؛ إذ إنه خرج بالناس، وهو يقول: إن الله قد وعدني إحدى الحسنيين، إما العير وهي أموال التجارة، وإما المعركة التي تنتهي بالنصر، وخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو لا يعلم أي الغرضين سيتحقق له، وخرج معه قلة من المسلمين، وتخلف عنه بالمدينة أقوام ليسوا بأقل حبا للنبي - صلى الله عليه وسلم - من الذين ساروا معه، وإنما كل واحد منهم كان يتمنى أن لو يفديه بنفسه وماله وولده، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج لغاية لم تكن معلومة له ولا لأحد من أصحابه، وإنما أخفاها الله ليجني المسلمون والإسلام نتائجها يوم الفرقان([27])، لهذا لم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على من تخلف عن هذه الغزوة بدون عذر، وفي ذلك يقول كعب بن مالك رضي الله عنه:«لم أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة غزاها إلا غزوة تبوك، غير أني تخلفت عن غزوة بدر، ولم يعاتب أحدا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد» ([28]).
· إن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أمر عثمان بن عفان - رضي الله عنه - للبقاء في المدينة، لم يكن خشية عليه من القتل، ولا للجلوس بجوار زوجته كما يزعمون، وإنما أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ليمرض زوجته رقية بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - التي أصيبت بمرض الحصبة، ولزمت الفراش في الوقت الذي دعا فيه - صلى الله عليه وسلم - للخروج لملاقاة القافلة، ولم يتوان عثمان - رضي الله عنه - للخروج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن المرض قد اشتد برقية - رضي الله عنهاـ، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبقاء في المدينة لرعايتها([29])، ولم يكن هناك من يرعاها غيره.
وعليه فقد كان عثمان - رضي الله عنه - في مهمة قد كلفه بها النبي - صلى الله عليه وسلم - والنبي هو القائد الأعلى للمعركة والمخطط لها، وقد تحمل عثمان - رضي الله عنه - المسئولية إلى منتهاها، وتجرع وحده مرارة ألم مرض زوجته، ثم وفاتها فيما بعد عند عودة المسلمين منتصرين من بدر([30]).
· لم يكن عثمان بن عفان هو الوحيد الذي رده النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر ليمرض زوجته، بل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمنع كل مسلم له قريب مسلم مريض أو يحتاج إلى رعاية من الذهاب إلى المعركة، كما حدث مع أبي أمامة بن ثعلبة، فقد روى الطبراني أن أبا أمامة بن ثعلبة قال: «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا بالخروج إلى بدر، وأجمع على الخروج معه، فقال لي خالي أبو بردة بن نيار: أقم على أمك يا ابن أخت، فقلت: بل أنت فأقم على أختك، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر أبا أمامة بالمقام» ([31]). وهذا يرد دعوى محاباة النبي - صلى الله عليه وسلم - لزوج ابنته عثمان رضي الله عنه.
· لو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مجاملا عثمان - رضي الله عنه - لأنه زوج ابنته، لكان أولى به أن يجامل على بن أبي طالب، فهو أيضا زوج ابنته فاطمة، فضلا عن أنه ابن عمه، أو أن يجامل عمه حمزة كذلك، وهذا ما لم يكن بل كانا أول من اشترك في القتال من المسلمين يومئذ، فأين المجاملة والمحاباة للأقارب؟
أما عن إعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لعثمان - رضي الله عنه - سهما من الغنائم كمن شهد المعركة، فيمكننا أيضا أن نجيب عليه في النقاط الآتية:
· إن أمر الغنائم في بدر موكول إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتصرف فيه كيفما يشاء، وقد أعطاه الله الحق في ذلك، إذ لما اختلف الصحابة في توزيعها، جعل الله الأمر للرسول - صلى الله عليه وسلم - يقسمه كيف يشاء، ويدل على ذلك ما جاء عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - متحدثا عن سبب نزول قوله تعالى: )يسألونك عن الأنفال( قال: "فينا - أصحاب بدر - نزلت حين اختلفنا في النفل، وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا، فجعله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقسمها على ما أراه الله من غير أن يخمسها([32])، ويؤكد هذا "ما رواه عكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة عن ابن عباس: أن المراد بالأنفال في هذه الآية الغنائم مطلقا. وجعلوا حكمها هنا أنها جعلت لله وللرسول أي أن يقسمها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحسب ما يراه، بلا تحديد ولا اطراد" ([33]). وهذا خاص بغنائم بدر فقط، وعليه فلا توجد أي غضاضة في أن يقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - لعثمان بن عفان - رضي الله عنه - أو لغيره من غنائم هذه الغزوة ممن لم يشارك فيها.
· لم يكن عثمان - رضي الله عنه - الوحيد الذي لم يحضر المعركة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأسهم له النبي، فقد أسهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لغيره ممن لم يحضر الموقعة لعذر، وهم: أبو لبابة الأنصاري؛ لأنه كان مخلفا على أهل المدينة، وعاصم بن عدي؛ لأنه خلفه الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أهل قباء والعالية، والحارث بن حاطب؛ لأن الرسول خلفه على بني عمرو بن عوف، والحارث بن الصمة وخوات بن جبير؛ لأنهما كسرا بالروحاء، فلم يتمكنا من السير، وطلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد؛ لأنهما أرسلا يتجسسان الأخبار فلم يرجعا إلا بعد انتهاء الحرب([34])، وكل من ذكرنا لم يكونوا أزواج بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يجاملهم كما يزعمون.
· لقد كان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - من أثرياء قريش المعدودين، فلم يكن بحاجة إلى أن يقسم له النبي - صلى الله عليه وسلم - من الغنيمة في بدر، ولا يستطيع أحد أن ينسى أبدا مواقفه العديدة التي بذل فيها الكثير من ماله من أجل المسلمين، وفي الجهاد في سبيل الله، كشرائه بئر رومة؛ فعندما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وجد أن الماء العذب قليل، وليس بالمدينة ما يستعذب غير بئر رومة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له في الجنة؟»([35]) فاشتراها عثمان - رضي الله عنه - بخمسة وثلاثين ألف درهم، وجعلها للغني والفقير وابن السبيل، وكذلك شراؤه بقعة بجانب المسجد النبوي، لكي تزاد في المسجد حتى يتسع لأهله بعد أن ضاق عليهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟»([36]) فاشتراها عثمان - رضي الله عنه - من صلب ماله بخمسة وعشرين ألف درهم، أو بعشرين ألفا، ثم أضيفت للمسجد([37]). وغيرها من المواقف قبل غزوة بدر وبعدها. ومن ثم فإن إعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - له سهما من غنائم بدر، إنما هو من باب التكريم له - رضي الله عنه - والمواساة له عن ترك الغزو مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن زوجته الفقيدة التي تجرع آلام فراقها، فهو بمنزلة وسام شرفي أو معنوي له - رضي الله عنه - أكثر منه عطاء ماديا؛ وقد عد عثمان - رضي الله عنه - بهذا من البدريين باتفاق. وعليه فلم يحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يجامل زوج ابنته كما يزعمون، ولكنه واسى أحد أصحابه، وهذا هو المنتظر من النبي - صلى الله عليه وسلم - الشفيق الودود المحب لأصحابه، ولكن دون أن يغلب هذا الحب على جانب الواجب عنده.
الخلاصة:
· لقد كانت رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم - رحمة عامة لا تخص أشخاصا معينين ولا قبيلة بعينها، بل كانت تشمل العالمين، وعلى الرغم من هذا فقد كانت لا تنال إلا من يستحقها، والمتأمل في موقف بني هاشم من النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعوته يجده موقف الذائد عن صاحب الدعوة المتحمل معه ومع أصحابه الآلام والأذى من قريش، ويكفي وقوفهم بجانبه وجانب المسلمين أثناء حصارهم في شعب أبي طالب، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - الوفي الأمين أن يجازي إحسانهم هذا بإحسان مثله فنهى عن قتلهم كما نهى عن قتل غيرهم ممن أحسن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين كأبي البخترى بن هشام.
· لقد أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - بفك قيود عمه العباس أثناء أسره رحمة به، ولكن هذه الرحمة لم تغلب على جانب العدل عنده، فلقد أبى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يأخذ منه الفداء عن نفسه وعن ابني أخويه وحليفه، كما رفض استئذان الأنصار في المن عليه، على الرغم من أنه أخبره بإسلامه وأنه خرج مستكرها.
· لقد من النبي - صلى الله عليه وسلم - على كثير من أسرى بدر، فهل يستكثر على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يمن على زوج ابنته الذي أكرمها وحافظ على مصاهرة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعكس عتبة بن أبي لهب الذي طلق ابنته ليشغل النبي - صلى الله عليه وسلم - بأهله؟
· لم يطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - سراح أبي العاص بن الربيع إلا بعد استشارة أصحابه، ولم يستبد بالرأي دونهم، وهو القائد المطاع وهذا يدل على عدل النبي صلى الله عليه وسلم.
· لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بالإقامة في المدينة مجاملة له، بل لرعاية زوجته المريضة السيدة رقية - رضي الله عنها - التي لم يكن هناك من يرعاها غيره، وقد كان هذا تكليفا من النبي - صلى الله عليه وسلم - قائد المعركة والمخطط لها.
· لم يكن عثمان بن عفان الوحيد الذي رده النبي - صلى الله عليه وسلم - لرعاية أهله، فلقد رد النبي - صلى الله عليه وسلم - غيره مثل أبي أمامة بن ثعلبة الذي أمره بالقيام على رعاية أمه.
· لو أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - مجاملة عثمان - رضي الله عنه - لأنه زوج ابنته لجامل علي بن أبي طالب، فهو أيضا زوج ابنته وابن عمه.
· لقد جعل الله أمر غنائم بدر موكولا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتصرف فيها كيفما يشاء، فقسمها بين أصحابه بالسواء، وأعطى بعض أصحابه ممن لم يشهد بدرا بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولم يختصه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بذلك دون غيره.
· لقد أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يواسي عثمان بن عفان عن حزنه لتركه الجهاد معه ولوفاة زوجته، وهو من باب التكريم المعنوي لا المادي له؛ لأنه كان من أثرياء قريش، وكثيرا ما بذل ماله من أجل الإسلام والمسلمين، فليس في الأمر محاباة ولا مجاملة له.
(*) ضلالات منكري السنة، د. طه حبيشي، مطبعة رشوان، مصر، ط2، 1427هـ/ 2006م. السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، د. محمد أبو شهبة، دار القلم، دمشق، ط8، 1427هـ/ 2006م.