دعوى قتل المسيح عليه السلام (*)
مضمون الشبهة:
يزعم اليهود أنهم قتلوا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، قال سبحانه وتعالى: )وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله( (النساء: 157).
وجها إبطال الشبهة:
1) اليهود شاكون ومتوهمون قتل المسيح، فلم يقتلوه يقينا، وإنما قتلوا الرجل الذي وقع عليه شبه عيسى عليه السلام، والحق أنه رفع إلى السماء حيا، وسينزل في آخر الزمان، ونزوله علامة على قرب الساعة.
2) الوفاة المذكورة في شأن عيسى - عليه السلام - في القرآن ليس المراد بها الموت، وإنما القبض والرفع إلى السماء من غير موت، فإن احتملت معنى الموت، فإنها ستكون في الوقت الذي سيحدده الله - عز وجل - ويقوي ذلك وجود حرف العطف "الواو" الذي يفيد التشريك مطلقا دون استلزام الترتيب.
التفصيل:
أولا. اليهود لم يقتلوا المسيح، وإنما قتلوا الرجل الذي وقع عليه شبه عيسى عليه السلام:
يوضح لنا د. محمد سيد طنطاوي الحديث عن هذه الواقعة من خلال تفسيره للآيات قائلا: "سجل الله على اليهود رذيلة سابعة ورد عليهم بما يخرس ألسنتهم، ويفضحهم على رءوس الأشهاد في كل زمان ومكان، فقال: )وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم( (النساء: ١٥٧)، والمسيح: لقب تشريف وتكريم لعيسى عليه السلام، وقيل: لقب بذلك لأنه ممسوح من كل خلق ذميم، وقيل: لأنه مسح بالبركة كما في قوله سبحانه وتعالى: )وجعلني مباركا أين ما كنت( (مريم: ٣١)، وقيل لأن الله مسح عنه الذنوب.
أي: وبسبب قولهم على سبيل التبجح والتفاخر إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، لعنهم الله وغضب عليهم، كما لعنهم وغضب عليهم - أيضا - بسبب جرائمهم السابقة.
وهذا القول الذي صدر عنهم هو في ذاته جريمة؛ لأنهم قالوه على سبيل التبجح والتفاخر لقتلهم - في زعمهم - نبيا من أنبياء الله، ورسولا من أولي العزم من الرسل.
وقولهم هذا وإن كان يخالف الحقيقة والواقع، إلا أنه يدل على أنهم أرادوا قتله فعلا، وسلكوا كل السبل لبلوغ غايتهم الدنيئة، فدسوا عليه عند الرومان، ووصفوه بالدجل والشعوذة، وحاولوا أن يسلموه لأعدائه ليصلبوه، بل زعموا أنهم أسلموه فعلا لهم، ولكن الله - عز وجل - خيب سعيهم، وأبطل مكرهم، وحال بينهم وبين ما يشتهون، حيث نجى عيسى - عليه السلام - من شرورهم، ورفعه إليه دون أن يمسه سوء منهم.
ولا شك أن ما صدر عن اليهود في حق عيسى - عليه السلام - من محاولة قتله، واتخاذ كل وسيلة لتنفيذ غايتهم، ثم تفاخرهم بأنهم قتلوه وصلبوه، لا شك أن كل ذلك يعتبر من أكبر الجرائم؛ لأنه من المقرر في الشرائع والقوانين أن من شرع في ارتكاب جريمة من الجرائم واتخذ كل الوسائل لتنفيذها، ولكنها لم تتم لأمر خارج عن إرادته، فإنه يعد من المجرمين الذين يستحقون العقاب الشديد.
واليهود قد اتخذوا كافة الطرق لقتل عيسى - عليه السلام - كما بينا -، ولكن حيل بينهم وبين ما يشتهون لأسباب خارجة عن طاقتهم. ومعنى هذا أنه لو بقيت لهم أية وسيلة لإتمام جريمتهم النكراء لما تقاعسوا عنها، ولأسرعوا في تنفيذها فهم يستحقون عقوبة المجرم في تفكيره، وفي نيته، وفي شروعه الأثيم، لارتكاب ما نهى الله عنه.
قال صاحب "الكشاف": فإن قلت: كانوا كافرين بعيسى - عليه السلام - أعداء له، عامدين لقتله، يسمونه الساحر ابن الساحرة، والفاعل ابن الفاعلة، فكيف قالوا: )إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله(؟
قلت: قالوه على وجه الاستهزاء؛ كقول فرعون: )إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون (27)( (الشعراء)، ويجوز أن يضع الله الذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح في الحكاية عنهم، رفعا لعيسى عما كانوا يذكرونه به، وتعظيما لما أرادوا بمثله كقوله: )ليقولن خلقهن العزيز العليم (9) الذي جعل لكم الأرض مهدا( (الزخرف)..
وقوله سبحانه وتعالى: )وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم( رد على مزاعمهم الكاذبة، وأقاويلهم الباطلة التي تفاخروا بها بأنهم قتلوا عيسى عليه السلام، أي: إن ما قاله اليهود متفاخرين به، وهو زعمهم أنهم قتلوا عيسى عليه السلام، هو من باب أكاذيبهم المعروفة عنهم؛ فإنهم ما قتلوه، وما صلبوه، ولكن الحق أنهم قتلوا رجلا آخر يشبه عيسى - عليه السلام - في الخلقة، فظنوه إياه وقتلوه وصلبوه، ثم قالوا. إنا قتلنا المسيح ابن مريم رسول الله.
قال الفخر الرازي: قوله: )شبه( مسند إلى ماذا؟ إن جعلته مسندا إلى المسيح فهو مشبه به وليس بمشبه، وإن أسندته إلى المقتول لم يجر له ذكر؟ والجواب من وجهين هما:
1. أنه مسند إلى الجار والمجرور، وهو كقولك: خيل إليه، كأنه قيل: ولكن وقع لهم الشبه.
2. أن يسند إلى ضمير المقتول، لأن قوله: )وما قتلوه( يدل على أنه وقع القتل على غيره فصار ذلك الغير مذكورا بهذا الطريق فحسن إسناد )شبه( إليه.
وقال الشيخ حسنين محمد مخلوف قوله عز وجل: )وما قتلوه وما صلبوه(: زعم أكثر اليهود أنهم قتلوا المسيح وصلبوه، فأكذبهم الله - عز وجل - في ذلك وقال: )ولكن شبه لهم(، أي: شبه لهم المقتول بأن ألقى عليه شبه المسيح فلما دخلوا عليه ليقتلوه - أي ليقتلوا المسيح - وجدوا الشبيه فقتلوه وصلبوه، يظنونه المسيح وما هو في الواقع؛ إذ قد رفع الله عيسى إلى السماء، ونجاه من شر الأعداء. وقيل المعنى: ولكن التبس عليهم الأمر؛ حيث ظنوا المقتول عيسى كما أوهم بذلك أحبارهم.
وللمفسرين في بيان كيفية التشبيه لهم وجوه من أهمها اثنان هما:
1. أن الله - عز وجل - ألقى شبه عيسى - عليه السلام - على أحد الذين خانوه ودبروا قتله وهو يهوذا الإسخريوطي الذي كان عينا وجاسوسا على المسيح، والذي أرشد الجند الذين أرادوا قتله إلى مكانه، وقال لهم: من أقبله أمامكم يكون هو المسيح، فاقبضوا عليه لتقتلوه، فدخل بيت عيسى؛ ليدلهم عليه ليقتلوه، فرفع الله عيسى، وألقى شبهه على المنافق، فدخلوا عليه فقتلوه، وهم يظنون أنه عيسى.
وهذا الوجه قد جاء مفصلا في بعض الأناجيل، وأشار إليه الألوسي بقوله: كان رجل من الحواريين ينافس عيسى عليه السلام، فلما أرادوا قتله قال: أنا أدلكم عليه، وأخذ على ذلك ثلاثين درهما، فدخل بيت عيسى عليه السلام، فرفع الله عيسى، وألقى شبهه على المنافق، فدخلوا عليه فقتلوه، وهم يظنون أنه عيسى.
2. أن الله - عز وجل - ألقى شبه المسيح على أحد تلاميذه المخلصين حين أجمعت اليهود على قتله، فأخبره الله بأنه سيرفعه إليه، فقال لأصحابه أيكم يرضى أن يلقى عليه شبهى فيقتل ويصلب ويدخل الجنة؟ فقال رجل منهم أنا. فألقى الله صورة عيسى عليه، فقتل ذلك الرجل وصلب.
وقد أطال الإمام ابن كثير في ذكر الروايات التي تؤيد هذا الوجه، ومنها قوله: عن ابن عباس قال: لما أراد الله - عز وجل - أن يرفع عيسى إلى السماء خرج إلى أصحابه - وهم في البيت اثنا عشر رجلا - من عين في البيت ورأسه يقطر ماء، فقال: أما إن منكم من سيكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي، ثم قال: أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي؟ فقام شاب من أحدثهم سنا فقال: أنا، فقال عيسى: اجلس. ثم أعاد عليهم، فقام الشاب فقال: أنا، قال: نعم أنت ذاك، فألقى عليه شبه عيسى، ورفع عيسى - عليه السلام - من روزنة[1] في البيت إلى السماء. قال: وجاء الطلب من اليهود وأخذوا شبهه فقتلوه وصلبوه، وكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن"[2].
ومن بين الأناجيل التي كتبت في فترة كتابة الأناجيل الكثيرة: إنجيل برنابا، وهو يخالف الأناجيل الأربعة المعتمدة في قصة القتل والصلب، فيقول: "ولما دنت الجنود مع يهوذا، من المحل الذي كان فيه يسوع، سمع يسوع دنو جم غفير. فلذلك انسحب إلى البيت خائفا. وكان الأحد عشر نياما. فلما رأى الخطر على عبده، أمر جبريل وميخائيل ورفائيل وأوريل سفراءه أن يأخذوا يسوع من العالم. فجاء الملائكة الأطهار، وأخذوا يسوع من النافذة المشرفة على الجنوب، فحملوه ووضعوه في السماء الثالثة في صحبة الملائكة التي تسبح إلى الأبد.. ودخل يهوذا بعنف إلى الغرفة التي أصعد منها يسوع. وكان التلاميذ كلهم نياما. فأتى الله العجيب بأمر عجيب فتغير يهوذا في النطق وفي الوجه فصار شبيها بيسوع. حتى أننا اعتقدنا أنه يسوع. أما هو فبعد أن أيقظنا أخذ يفتش لينظر أين كان المعلم. لذلك تعجبنا وأجبنا: أنت يا سيدي معلمنا. أنسيتنا الآن؟.. إلخ".
وهكذا لا يستطيع الباحث أن يجد خبرا يقينا عن تلك الواقعة، ولا يجد المختلفون فيها سندا يرجح رواية على رواية، )وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن( (النساء: ١٥٧).
والذي يجب اعتقاده بنص القرآن الكريم أن عيسى - عليه السلام - لم يقتل ولم يصلب، وإنما رفعه الله إليه، ونجاه من مكر أعدائه، أما الذي قتل وصلب فهو شخص سواه.
ثم قال سبحانه وتعالى: )وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن( (النساء: ١٥٧)، أي: وإن الذين اختلفوا في شأن عيسى من أهل الكتاب لفي شك دائم من حقيقة أمره، أي: في حيرة وتردد، ليس عندهم علم ثابت قطعي في شأنه، أو في شأن قتله، ولكنهم لا يتبعون فيما يقولونه عنه إلا الظن الذي لا تثبت به حجة. ولا يقوم عليه برهان[3].
إذا فاليهود هم الذين ادعوا أنهم قتلوا عيسى - عليه السلام - وصلبوه، وذلك أنهم حين هموا بالفتك به وإرادته بالسوء والصلب وتمالئوا عليه، ووشوا به إلى ملك ذلك الزمان، وكان كافرا، وأخبروه أن ها هنا رجلا يضل الناس، ويصدهم عن طاعة الملك، ويفند الرعايا، ويفرق بين الأب وابنه إلى غير ذلك مما تقلدوه في رقابهم، ورموه به من الكذب، وأنه ولد زانية، حتى استثاروا غضب الملك، فبعث في طلبه من يأخذه وينكل به ويصلبه، فلما أحاطوا به وظنوا أنهم قد ظفروا به، نجاه الله من بينهم، ورفعه من روزنة (طاقة أو كوة) ذلك البيت إلى السماء، وألقى الله شبهه على رجل كان عنده في المنزل، فلما دخل اليهود اعتقدوا في ظلمة الليل أن هذا الرجل هو عيسى - عليه السلام - فأخذوه وأهانوه وصلبوه ووضعوا على رأسه الشوك، وكان هذا من مكر الله بهم، يعتقدون أنهم ظفروا بطلبتهم، وأسكن الله في قلوبهم قسوة وعنادا للحق ملازما لهم، وأورثهم ذلة لا تفارقهم إلى يوم القيامة، قال - سبحانه وتعالى - في ذلك: )ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين (54)( (آل عمران).
وقال - عز وجل - أيضا في الرد على هؤلاء: )وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا (157) بل رفعه الله( (النساء).
فهؤلاء الذين اختلفوا في عيسى - عليه السلام - هم اليهود الذين أحاطوا به وادعوا أنهم قتلوه، وهم يقينا ما قتلوه ولا صلبوه، بل هم شاكون متوهمون في ذلك، بل رفعه الله - عز وجل - إليه وطهره من الذين كفروا، قال سبحانه وتعالى: )إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا( (آل عمران: 55).
ومن ردود القرآن عليهم أيضا في دعواهم قتل المسيح - عليه السلام - قوله سبحانه وتعالى: )وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا (159)( (النساء)، والضمير في قوله: )موته( عائد على عيسى عليه السلام، والمعنى: إذا نزل عيسى - عليه السلام - فقتل الدجال لم يبق يهودي في الأرض إلا آمن به، وذلك حين لا ينفعهم الإيمان.
ومن الأدلة على أن المسيح - عليه السلام - لم يقتل ولم يصلب، وأن الله رفعه إليه، وأنه ينزل في آخر الزمان، أن الله جعل نزول عيسى - عليه السلام - علامة من علامات اقتراب الساعة، قال سبحانه وتعالى: )وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها( (الزخرف: 61)، ويتأيد ذلك بالعديد من الأحاديث الصحيحة المتواترة في شأن نزول عيسى - عليه السلام - في آخر الزمان وصفته وما يصاحب نزوله.
ثانيا. الوفاة المذكورة في القرآن لسيدنا عيسى - عليه السلام - يقصد بها القبض والرفع إلى السماء من غير موت:
وأما قول من قال: إن عيسى - عليه السلام - مات ثم رفع؛ لأن الوفاة وردت قبل الرفع في قوله سبحانه وتعالى: )إني متوفيك ورافعك( (آل عمران: 55)، فهذا لا يفيد أن عيسى مات ثم رفع، والله - سبحانه وتعالى - يقول: )وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم( (النساء: 157). وأما هذا الإشكال في ورود الوفاة قبل الرفع فيرد عليه بما يلي:
· يرى بعض العلماء أن معنى الوفاة هنا: النوم، ولهذا نظائر في كتاب الله، من ذلك قوله سبحانه وتعالى: )وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار( (الأنعام: 60)، وقوله أيضا: )الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى( (الزمر: 42)، فعلى ذلك فمعنى متوفيك: أي منيمك.
· وبعض أهل العلم يرى أن معنى متوفيك: قابضك ورافعك إلى السماء من غير موت، وفي معاجم اللغة: توفيت مالي من فلان أي قبضته.
· ويرى بعضهم أن الواو لا تفيد الترتيب في كثير من الأحيان، بل تفيد مطلق العطف والتشريك، قال سبحانه وتعالى: )واسجدي واركعي مع الراكعين (43)( (آل عمران)، وقال سبحانه وتعالى: )يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها( (النور: 27)، ومن المعلوم أن التسليم يكون قبل الاستئناس الذي هو داخل البيت، وقال الشاعر:
ألا يا نخلة من ذات عرق
عليك ورحمة الله السلام
أي: عليك السلام ورحمة الله.
وعلى ذلك يكون المعنى: إني رافعك إلى ومتوفيك إذا جاء الأجل الذي قدرته لوفاتك.
الخلاصة:
· إن قضية قتل عيسى - عليه السلام - وصلبه، قضية يخبط فيها اليهود - كما يخبط فيها النصارى بالظنون - فاليهود يقولون: إنهم قتلوه ويسخرون من قوله: إنه رسول الله، فيقررون له هذه الصفة على سبيل السخرية! والنصارى يقولون: إنه صلب ودفن، ولكنه قام بعد ثلاثة أيام. و"التاريخ" يسكت عن مولد المسيح ونهايته كأن لم تكن له في حساب!
· وما من أحد من هؤلاء أو هؤلاء يقول ما يقول عن يقين.. فلقد تتابعت الأحداث سراعا؛ وتضاربت الروايات وتداخلت في تلك الفترة بحيث يصعب الاهتداء فيها إلى يقين.. إلا ما يقصه رب العالمين..
· الأناجيل الأربعة التي تروي قصة القبض على المسيح وصلبه وموته ودفنه وقيامته.. كلها كتبت بعد فترة من عهد المسيح؛ كانت كلها اضطهادا لديانته ولتلاميذه يتعذر معه تحقيق الأحداث في جو السرية والخوف والتشريد.. وقد كتبت معها أناجيل كثيرة. ولكن هذه الأناجيل الأربعة اختيرت قرب نهاية القرن الثاني للميلاد؛ واعتبرت رسمية، واعترف بها؛ لأسباب ليست كلها فوق مستوى الشبهات!
· أما القرآن فيقرر قراره الفصل: )وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم( (النساء: ١٥٧)، )وما قتلوه يقينا (157) بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما (158)( (النساء)، ولا يدلي القرآن بتفصيل في هذا الرفع أكان بالجسد والروح في حالة الحياة؟ أم كان بالروح بعد الوفاة؟ ومتي كانت هذه الوفاة وأين؟ وهم ما قتلوه وما صلبوه، وإنما وقع القتل والصلب على من شبه لهم سواه.
· لا يدلي القرآن بتفصيل آخر وراء تلك الحقيقة؛ إلا ما ورد في السورة الأخرى من قوله سبحانه وتعالى: )يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي( (آل عمران: 55)، وهذه كتلك لا تعطي تفصيلا عن الوفاة ولا عن طبيعة هذا التوفـي وموعده[4].
(*) الآي