الزعم أن عليا خالف عمر كثيرا؛ لأن الأول كان خيرا بطبعه، والثاني كان شريرا بطبعه(*)
مضمون الشبهة:
يزعم بعض المتقولين على الصحابة الكرام أن عليا كان يخالف عمر كثيرا، ويرون أن مرد ذلك إلى ما جبل عليه علي من فطرة نقية جعلته رمزا للخير، وما عهد في عمر من شدة، وقسوة، ورغبة في التنكيل بالآخرين، وتشبث بأدنى دليل على إثبات التهم وإلحاقها بالناس لإقامة الحدود عليهم؛ رغبة منه في تعذيب الرعية.
ويستدلون على زعمهم ذاك بما يتوهمونه من فهم خطأ لروايات مثل: المرأة التي كانت تعتريها نوبات جنون، والمرأة التي زنت فأمر عمر برجمها وراجعه على في ذلك، فأبى أن يرجع، وغير ذلك من روايات - يتلمسون فيها دليلا - وليست كما فهموا في بعض الأحيان، وليست كما أوردوا في أحيان أخرى.
وهم بهذا وذاك يهدفون إلى تلويث صفحات التاريخ في عهد الراشدين وتشويه صورة الصحابة - رضي الله عنهم - الذين يمثلون في الوعي الجمعي الإسلامي المثل والقدوة.
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن المتأمل المنصف لفضائل الفاروق - رضي الله عنه - ومناقبه، ليدرك - بما لا يدع مجالا لشك شاك أو ادعاء مدع - أنه كان رمزا للعزة، علما على نصرة الإسلام، شاهدا على الحق، قائما بأمر الله، نموذجا للعدل والتقوى والخير، وهذا كله مما لا يكاد ينكره منصف.
2) إن في علاقة عمر برعيته - بما فيهم على - من جهة، والدور الذي قام به الثاني في ظل خلافة الأول من جهة ثانية؛ ما يثبت توافقهما وتآزرهما، شأنهما في ذلك شأن سائر الصحابة الكرام.
3) إن تواتر ثناء الصحابة الكرام - بما فيهم على ذاته - على الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ لشاهد عيان على بالغ فضله، وكريم شخصه، ونفيس معدنه، وواسع مناقبه، وخير طباعه، وعظيم سجاياه، ثم إن بلوغ هذا الثناء حد الإجماع لشاهد آخر، ومعلوم أن الأمة لا تجتمع على ضلالة، فهل في الفاروق وخيريته يطعنون؟! أم في الأمة وإجماعها يشككون؟!!
التفصيل:
أولا. فضائل الفاروق - رضي الله عنه - ومناقبه تشهد أنه كان رمزا للعزة، والعزة خير محض لا شر فيه:
والمطالع المنصف لسيرة الفاروق - رضي الله عنه - لا يكاد ينكر ما تتمتع به شخصيته من سمات فريدة من نوعها، مفردة في بابها، تخرج بشخصية الفاروق إلى حدود العبقرية المدهشة، ولعل مفتاح شخصية الفاروق إيمانه بالله - عزوجل - والاستعداد لليوم الآخر.
وقد كان هذا الإيمان سببا في التوازن المدهش الخلاب في شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ ولذلك لم تطغ قوته على عدالته، وسلطانه على رحمته، ولا غناه على تواضعه، وأصبح مستحقا لتأييد الله وعونه، فقد حقق شروط كلمة التوحيد، من العلم واليقين، والقبول، والانقياد، والإخلاص والمحبة، وكان على فهم صحيح لحقيقة الإيمان وكلمة التوحيد فظهرت آثار إيمانه العميق [1].
لقد كان أولى بهؤلاء أن يروا في الفاروق الملهم "عمر بن الخطاب" رمزا للعزة، وهو الذي دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربه أن يعز الإسلام به، وعلى ذلك شواهد عدة، نورد منها ما يأتي:
· عن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك؛ بأبي جهل، أو بعمر بن الخطاب، قال: وكان أحبهما إليه عمر» [2].
· عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: «ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر» [3].
· عن ابن مسعود رضي الله عنه: "أن عمر صارع جنيا ثلاث مرات فصرعه".
· عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: «لما أسلم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لم تعلم قريش بإسلامه، فقال: أي أهل مكة أفشى للحديث؟ فقالوا: جميل بن معمر الجمحي، فخرج إليه - وأنا معه أتبع أثره، أعقل ما أرى وأسمع - فأتاه، فقال: يا جميل، إني قد أسلمت، قال: فوالله ما رد عليه كلمة، حتى قام عامدا إلى المسجد، فنادى أندية قريش فقال: يا معشر قريش، إن ابن الخطاب قد صبأ، فقال عمر: كذب، ولكني أسلمت، وآمنت بالله، وصدقت رسوله، فثاوروه فقاتلهم حتى ركدت الشمس على رؤوسهم، حتى فتر عمر وجلس، فقاموا على رأسه، فقال عمر: افعلوا ما بدا لكم، فوالله، لو كنا ثلاثمائة رجل لقد تركتموها لنا أو تركناها لكم، فبينا هم كذلك قيام عليه إذ جاء رجل عليه حلة حرير، وقميص موشى، فقال: ما بالكم؟ فقالوا: إن ابن الخطاب قد صبأ. قال: فمه، امرؤ اختار دينا لنفسه، أفتظنون أن بني عدي تسلم إليكم صاحبهم؟ قال: فكأنما كانوا ثوبا انكشف عنه. فقلت له بعد بالمدينة: يا أبت، من الرجل الذي رد عنك القوم يومئذ؟ قال: يا بني، ذلك العاص بن وائل» [4].
· قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «والله، ما استطعنا أن نصلي عند الكعبة ظاهرين حتى أسلم عمر» [5].
· وقال - رضي الله عنه - أيضا: "كان إسلام عمر فتحا، وكانت هجرته نصرا، وكانت إمارته رحمة، لقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتلهم حتى تركونا فصلينا" [6].
· وقال صهيب رضي الله عنه: "لما أسلم عمر بن الخطاب ظهر الإسلام ودعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقا، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا ورددنا عليه بعض ما يأتي به" [7].
· قال ابن الجوزي: "قويت شدة عمر في الدين فصلبت عزائمه، فلما حانت الهجرة، تسللوا تسلل القطا، [8] واختال عمر في مشية الأسد، فقال عند خروجه: هاأنا أخرج إلى الهجرة، فمن أراد لقائي فليلقني في بطن هذا الوادي".
إنه عمر وما أدراك ما عمر، وصدق القحطاني حين قال في نونيته:
هو أظهر الإسلام بعد خفائه
ومحا الظلام وباح بالكتمان
· قال ابن عباس رضي الله عنه: "قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما علمت أن أحدا من المهاجرين هاجر إلا متخفيا، إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما هم بالهجرة، تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهما، واختصر عترته - وهي عصا في قدر نصف الرمح - ومضى قبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعا متمكنا، ثم أتى المقام، فصلى متمكنا، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة فقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس[9] من أراد أن تثكله أمه ويوتم ولده أو يرمل زوجه فليلقني وراء هذا الوادي. قال علي رضي الله عنه: فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين، علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه" [10].
وليس من الإنصاف والموضوعية في شيء أن يغض هؤلاء الطرف عن عظيم مناقبه، وكريم صفاته - وكثيرة ما هي - ثم يتهمونه بما ينافيها ويتعارض معها تعارضا صريحا لا يخرج في مجمله عن أحد احتمالين؛ إما الجهل بها، وهذه مصيبة، أو التجاهل عنها وتلك مصيبة أعظم، والشاعر يقول:
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة
أو كنت تدري فالمصيبة أعظم
وخروجا بهؤلاء عن مظنة الجهل - أو التجاهل - ولمزيد من الموضوعية؛ يحسن بنا أن نقف على شيء من فضائل الفاروق ومناقبه بما يجلي الحقيقة في كثير من الحيدة، والبعد عن التعصب المسوغ أو غير المسوغ.
ولندع التاريخ يحدثنا عن الفاروق بعرض ما أورده د. الصلابي في هذا الشأن إذ يقول: ومعلوم أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يلي أبا بكر الصديق في الفضل، فهو أفضل الناس على الإطلاق بعد الأنبياء والمرسلين وأبي بكر، وهذا ما يلزم المسلم اعتقاده في أفضليته رضي الله عنه، وهو معتقد الفرقة الناجية - أهل السنة والجماعة - وقد وردت الأحاديث الكثيرة والأخبار الشهيرة بفضائل الفاروق رضي الله عنه؛ ومنها:
· إيمانه: فقد جاء في منزلة إيمانه - رضي الله عنه - ما رواه عبد الله بن هشام أنه قال: «كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إلى من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك"، فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر» [11].
· علمه: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما أنا نائم أتيت بقدح لبن، فشربت حتى إني لأرى الريح يخرج في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم» [12].
والمراد بالعلم - في الحديث - سياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما اختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر ولاتفاق الناس على طاعته بالنسبة إلى عثمان؛ فإن مدة أبي بكر كانت قصيرة؛ فلم تكثر فيها الفتوح التي هي أعظم الأسباب في الاختلاف، ومع ذلك ساس عمر فيها - مع طول مدته - الناس بحيث لم يخالفه أحد، ثم ازدادت اتساعا في خلافة عثمان، فانتشرت الأقوال واختلفت الآراء، ولم يتفق له ما اتفق لعمر من طواعية الخلق له، فنشأت من ثم الفتن إلى أن أفضى الأمر إلى قتله، واستخلف علي وكثر الاختلاف وزاد النزاع.
· دينه: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر وعليه قميص اجتره، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين» [13].
· إلهامه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر» [14].
وفي هذا الحديث منقبة عظيمة للفاروق رضي الله عنه، وقد اختلف العلماء في المراد بالمحدث؛ فقيل: المراد بالمحدث فقيل: الملهم. وقيل: من يجري الصواب على لسانه من غير قصد، وقيل: مكلم أي: تكلمه الملائكة بغير نبوة.. بمعنى أنها تكلمه في نفسه وإن لم ير مكلما في الحقيقة فيرجع إلى الإلهام. وفسره بعضهم بالتفرس.
قال ابن حجر: والسبب في تخصيص عمر بالذكر؛ لكثرة ما وقع له في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الموافقات التي نزل القرآن مطابقا لها ووقع له بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - عدة إصابات [15].
وقد قال عمر رضي الله عنه:«وافقت ربي في ثلاث؛ فقلت: يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى! فأنزلت: )واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى( (البقرة: 125)، وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يحتجبن؛ فإنه يكلمهن البر والفاجر؛ فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغيرة عليه، فقلت لهن: )عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن( (التحريم: ٥)؛ فأنزلت الآية» [16] [17].
· عبقريته: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب،[18] فجاء أبو بكر فنزع ذنوبا[19] أو ذنوبين نزعا ضعيفا والله يغفر له، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غربا فلم أر عبقريا يفري فريه حتى روى الناس وضربوا بعطن»[20].
وفي هذا الحديث فضيلة ظاهرة لعمر - رضي الله عنه - تضمنها قوله صلى الله عليه وسلم: "فجاء عمر بن الخطاب فاستحالت غربا"… الحديث، ومعنى "استحالت": صارت وتحولت من الصغر إلى الكبر، وأما "العبقري": فهو السيد، وقيل: الذي ليس فوقه شيء، ومعنى "ضرب الناس بعطن": أرووا إبلهم ثم آووا إلى عطنها، وهو الموضع الذي تساق إليه بعد السقي لتستريح. وهذا المنام الذي رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - مثال واضح لما جرى للصديق وعمر - رضي الله عنهما - في خلافتهما، وحسن سيرتهما، وظهور آثارهما وانتفاع الناس بهما، فقد حصل في خلافة الصديق قتال أهل الردة؛ وقطع دابرهم، وأشاع الإسلام رغم قصر مدة خلافته، فقد كانت سنتين وأشهرا، فوضع الله فيها البركة وحصل فيها من النفع الكثير، ولما توفي الصديق خلفه الفاروق فاتسعت رقعة الإسلام في زمنه، وتقرر للناس من أحكامه ما لم يقع مثله، فكثر انتفاع الناس في خلافة عمر لطولها فقد مصر الأمصار ودون الدواوين وكثرت الفتوحات والغنائم.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه": لم أر سيدا يعمل عمله ويقطع قطعه، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى ضرب الناس بعطن" قال القاضي عياض: ظاهره أنه عائد إلى خلافة عمر خاصة وقيل: يعود إلى خلافة أبي بكر وعمر جميعا لأن بنظرهما وتدبيرهما وقيامهما بمصالح المسلمين تم هذا الأمر، "وضرب الناس بعطن"؛ لأن أبا بكر قمع أهل الردة وجمع شمل المسلمين وألفهم وابتدأ الفتوح، ومهد الأمور وتمت ثمرات ذلك وتكاملت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " [21].
ومعلوم أن الفاروق عمر "هادم دولة بني ساسان، وفي عهده زال ملك المجوس، وذهبت إمبراطورية كسرى، ولا يزال التاريخ يذكر لرستم قائد قوات الفرس قولته الشهيرة: "أكل عمر كبدي، أحرق الله كبده". [22] إنه عمر الذي:
يهتز كسرى على كرسيه فرقا
من خوفه، وملوك الروم تخشاه!
· غيرته وتبشيره بقصر في الجنة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء - امرأة أبي طليحة - وسمعت خشفة، [23] فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصرا بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لعمر، فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك، فقال عمر: بأبي وأمي يا رسول الله، أعليك أغار» [24]؟
وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب فذكرت غيرته فوليت مدبرا"، فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله» [25]؟
وقد اشتمل هذان الحديثان على فضيلة ظاهرة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ حيث أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - برؤيته قصرا في الجنة للفاروق وهذا يدل على منزلته عند الله عزوجل.
وأدل منهما تبشيره بالجنة صراحة في الحديث الذي رواه أبو موسى الأشعري قال: «كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حائط من حيطان المدينة، فجاء رجل فاستفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "افتح له وبشره بالجنة"، ففتحت له، فإذا هو أبو بكر؛ فبشرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فحمد الله، ثم جاء رجل فاستفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "افتح له وبشره بالجنة"، ففتحت له، فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم؛ فحمد الله، ثم استفتح رجل، فقال لي: "افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه"، فإذا عثمان، فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فحمد الله، ثم قال: الله المستعان» [26].
· منزلته في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله، أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة"، قلت: يا رسول الله، من الرجال؟ قال: "أبوها"، قلت: ثم من؟ قال: "ثم عمر بن الخطاب"، ثم عد رجالا» [27] [28].
وأخيرا... لا ينبغي أن نأخذ ما كان من صرامة آراء عمر - رضي الله عنه - وقوته في الحق، وغيرته على الدين، على أنها من قبيل غلظته، وكان أحرى بهؤلاء أن يزنوا الأمور بميزانها ويجعلوا عمر بذلك رمزا للغيرة على الدين والقيام على أمر الله، ويحملوا ما كان منه - رضي الله عنه - على هذا المحمل، وهو أولى من غيره، وأحرى، وأظهر، ولعل من أدل الدلائل على ذلك ما عهد من هيبة عمر وخوف الشيطان منه؛ فعن سعد بن أبي وقاص قال: استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه، عالية أصواتهن على صوته، فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب، فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل عمر ورسول الله يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب"، قال عمر: فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله، ثم قال عمر: يا عدوات أنفسهن، أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلن: نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك» [29].
وفي هذا الحديث بيان فضل عمر - رضي الله عنه - وأنه من كثرة التزامه الصواب لم يجد الشيطان عليه مدخلا ينفذ إليه منه.
ولعلنا لا نبعد عن المنطق القويم حين ننفي أن يكون عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الملهم رمزا للشر، ونثبت أنه رمز للعزة؛ حين أظهر الإسلام وخرج به من السرية إلى العلانية. وأنه رمز للقوة ورباطة الجأش؛ حين أذهب إمبراطورية كسرى، وأزال ملك المجوس، وهدم دولة ساسان. وأنه رمز للحق؛ حين عدل في الرعية وقسم بالسوية. وأنه رمز للخير؛ حين خافه رمز الشر - إبليس لعنه الله - ولو كانا رمزين للشر؛ لما خاف الثاني من الأول ولا فر منه. وهذا من أدل الدلائل على بطلان ما زعموه، وأصدق شاهد على إثبات ضده.
ثانيا: علاقة عمر برعيته عامة وعلى خاصة والدور الذي قام به الثاني في ظل خلافة الأول:
والمعهود عن الفاروق - رضي الله عنه - أنه على الرغم مما كان من قوته وحزمه فإنه ما عزف عن الحق لشيء في نفسه أو لرأي رآه، وفي التاريخ ما يؤكد رجوعه عن رأيه لثبوت الدليل على خلافه.
فثبت بذلك أن عمر - رضي الله عنه - كان يسير مع الدليل أينما ثبت، لا يعنيه في ذلك الشأن من أثبته حتى لو كان بدويا، ولا على من أقامه حتى لو كان أمير المؤمنين عمر، "ومن الأخبار التي قبلها عمر وقد رواها صحابي واحد، دون أن يطلب عليها شاهدا ما روي في: ميراث المرأة من دية زوجها، ودية الجنين، ومعاملة المجوس، والطاعون، والتسمي بأسماء الأنبياء.
فقد قضى عمر بألا ترث المرأة من دية زوجها شيئا، حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي - وهو أعرابي من أهل البادية - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إليه: «أن يورث امرأة أشيم الضبابي من ديته"، فرجع إليه عمر»[30]. وكما يقول الإمام الشافعي: "فلما بلغه خلاف فعله صار إلى حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك حكم نفسه، وهكذا كان في كل أمره، وكذلك يلزم الناس أن يكونوا" [31].
وخفيت دية الجنين على عمر حتى سأل الناس فقال: «أذكر الله امرءا سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في الجنين؟ فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال: يا أمير المؤمنين، كنت بين جاريتين - يعني ضرتين - فجرحت - أو ضربت - إحداهما الأخرى بالمسطح[32] فقتلتها وقتلت ما في بطنها، فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بغرة عبد أو أمة، فقال عمر: الله أكبر، لو لم نسمع بمثل هذا قضينا بغيره». [33] فترك اجتهاده للنص.
وخـفـي عـلـى عمر حـديـث النبي - صلى الله عليه وسلم - في الـطـاعـون، حـتـى أخـبـره بـه عـبـد الرحمن بن عوف؛ فقد «خرج عمر إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام، قال ابن عباس: فقال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعاهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا؛ فقال بعضهم: قد خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان هاهنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم فلم يختلف منهم عليه رجلان فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه، قال أبو عبيدة بن الجراح: أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان؛ [34] إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبا في بعض حاجته فقال: إن عندي في هذا علما، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه، قال: فحمد الله عمر - رضي الله عنه - ثم انصرف» [35].
ونلاحظ أن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطاعون لم يخف على عمر فحسب، بل خفي على جمهور المهاجرين والأنصار الذين استشارهم عمر؛ فاستشارة عمر للمهاجرين والأنصار، واختلافهم بين الرجوع والدخول، ثم المناقشة التي دارت بين عمر وأبي عبيدة - وهما من أعلام الصحابة - دليل على أنهم جميعا قد خفي عليهم حديث النبي في الطاعون، حتى قدم عبد الرحمن بن عوف فأخبرهم به، ولو أن أحدهم علمه؛ لما حدثت المشورة أو المناقشة.
ومما خفي على عمر - رضي الله عنه - جواز التسمي بأسماء الأنبياء، فقد نهى عنه حتى أخبره طلحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كناه أبا محمد، فأمسك ولم يتماد في النهي [36].
وعن عاصم بن بهدلة عن رجل من أصحاب عمر قال: كنا عند عمر بن الخطاب، فخرجت من رجل ريح، وحضرت الصلاة فقال عمر: عزمت على من كانت هذه الريح منه إلا قام فتوضأ، فقال جرير بن عبد الله: يا أمير المؤمنين، اعزم علينا جميعا أن نقوم فنتوضأ؛ فهو أستر، ففعل [37].
عمر إذا لم يكن رمزا للديكتاتورية المطلقة وفرض النفوذ والسطوة؛ فالرجل مع كونه أمير المؤمنين إلا أنه ينزل عن رأيه إن كان الصواب في خلافه.
ثم إن قوة عمر وحزمه لم يمنعانه أن يراعي المصالح ويغلب الرفق، ويأخذ بالعفو إن كان هو الأصلح والأقرب للصواب حسب اجتهاده، ووفق طبيعة المجتمع وظروفه، ومناط الحكم وعلته؛ ومن نماذج ذلك ما يأتي:
· رجل سرق من بيت المال بالكوفة: لم يقطع عمر يد من سرق من بيت المال؛ فقد سأل ابن مسعود عمر عمن سرق من بيت المال، فقال: أرسله فما من أحد إلا وله في هذا المال حق، وجلده تعزيرا.
· السرقة في عام الرمادة: سرق غلمان حاطب بن أبي بلتعة في عام الرمادة ناقة لرجل مزني، فنحروها وأكلوها ورفع الأمر إلى الفاروق، فطلب الغلمان فاعترفوا أنهم سرقوها من حرز، والذين سرقوا عقلاء مكلفون ولم يدعوا ضرورة ملجئة للسرقة، فأمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم، ولكنه وهو يعيش عام الرمادة، ويرى حال الناس التمس لهم عذرا، فقال لمولاهم: أراك تجيعهم! ثم قال عمر: والله، لأغرمنك غرما يشق عليك، ثم قال للمزني: كم ثمن ناقتك؟ فقال المزني: قد كنت والله أمنعها من أربعمائة درهم، فقال عمر: أعطه ثمانمائة درهم[38]، فقد درأ الحد عنهم لشبهة الضرورة.
· إكراه نساء على الزنا: أتي عمر بإماء من إماء الإمارة استكرههن غلمان من غلمان الإمارة، فضرب الغلمان ولم يضرب الإماء. وأتي عمر بامرأة زنت فقالت: إني كنت نائمة فلم أستيقظ إلا برجل قد جثم على، فخلى سبيلها ولم يضربها.
فهذه شبهة والحدود تدرأ بالشبهات ولا فرق بين الإكراه بالإلجاء وهو أن يغلبها على نفسها وبين الإكراه بالتهديد بالقتل، فقد حدث في عهد عمر: «أن امرأة استسقت راعيا فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها ففعلت، فرفع ذلك إلى عمر فقال لعلي: ما ترى فيها؟ قال: إنها مضطرة فأعطاها عمر شيئا وتركها» [39].
· من تسرت بغلامها: مكنت امرأة عبدها منها، فقيل لها، فقالت: أليس الله يقول: )وما ملكت أيمانكم( (النساء: 36)، فهذا ملك يمين ورفع الأمر إلى عمر رضي الله عنه، فقال لها: لا يحل لك ملك يمينك، وفي رواية: وفرق بينهما، وجلدها مائة تعزيرا لا حدا، وقد أسقط عمر عنها الحد لجهلها بالتحريم.
· امرأة تزوجت في عدتها وهي وزوجها لا يعلمان بالتحريم: حدث أن تزوجت امرأة في عدتها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فضربها دون الحد، وفرق بينهما، وجلد الزوج تعزيرا.
· امرأة تزوجت ولها زوج كتمته: رجمها عمر، وجلد الزوج مائة سوط، ولم يرجم للجهالة.
· اتهام المغيرة بن شعبة بالزنا: فشهد عليه ثلاثة وتراجع الرابع فقال عمر: "الحمد لله الذي لم يشمت الشيطان بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم "، وأقام حد القذف على الشهود الثلاثة؛ لأن الشهادة لم تكتمل بالثلاثة [40].
هكذا كان الفاروق - رضي الله عنه - دقيقا في تنفيذ الأحكام متحريا الحق في إقامتها ملتمسا الأعذار المسقطة للحدود، إن وجد إلى ذلك سبيلا.
وإذا تجاوزنا هذه المسألة إلى ما كان من معاملة عمر لعلي خاصة وآل البيت عامة، نجد مقام أبي الحسن في قلب الفاروق أبي حفص خير مقام، ومنزلته في نفسه أسمى منزلة؛ فقد شكا رجل عليا إلى عمر - رضي الله عنهما - فلما جلس عمر لينظر في الدعوى قال عمر لعلي - رضي الله عنهما -: ساو خصمك يا أبا الحسن، فتغير وجه علي رضي الله عنه، وقضى عمر في الدعوى، ثم قال لعلي رضي الله عنه: أغضبت يا أبا الحسن لأني سويت بينك وبين خصمك؟ فقال علي: بل لأنك لم تسو بيني وبين خصمي يا أمير المؤمنين؛ إذ كرمتني فناديتني يا أبا الحسن بكنيتي، ولم تناد خصمي بكنيته، فقبل عمر رأس علي، وقال: لا أبقاني الله بأرض ليس فيها أبو الحسن [41].
ولم يقف حب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عند علي فحسب؛ بل شمل آل البيت جميعا، ومعلوم أنه "كان - رضي الله عنه - شديد الإكرام لآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإيثارهم على أبنائه وأسرته، نذكر من ذلك بعض المواقف:
· قال الحسين بن علي رضي الله عنه: قال لي عمر ذات يوم: أي بني، لو جعلت تأتينا وتغشانا؟ فجئت يوما وهو خال بمعاوية، وابن عمر بالباب لم يؤذن له، فرجعت فلقيني بعد، فقال: يا بني لم أرك أتيتنا؟ قلت: جئت وأنت خال بمعاوية فرأيت ابن عمر رجع، فرجعت، فقال: أنت أحق بالإذن من عبد الله بن عمر، إنما أنت في رؤوسنا ما ترى: الله، ثم أنتم، ووضع يده على رأسه [42].
· وعن علي بن الحسين قال: قدم علي عمر حلل من اليمن، فكسا الناس فراحوا في الحلل، وهو بين القبر والمنبر جالس، والناس يأتونه فيسلمون عليه ويدعون له، فخرج الحسن والحسين ابنا علي من بيت أمهما فاطمة - رضي الله عنها - يتخطيان - وكان بيت فاطمة في جوف المسجد - ليس عليهما من تلك الحلل شئ، وعمر قاطب صار بين عينيه، [43] ثم قال: والله، ما هنأني ما كسوتكم، قالوا: لم يا أمير المؤمنين! كسوت رعيتك وأحسنت، قال: من أجل الغلامين يتخطيان الناس ليس عليهما منهما شئ درب[44] عنهما ومعرا[45] عنهما، ثم كتب إلى صاحب اليمن أن أبعث إلي بحلتين لحسن وحسين وعجل، فبعث إليه بحلتين فكساهما [46].
· وعن أبي جعفر أن عمر - رضي الله عنه - لما أراد أن يفرض للناس بعدما فتح الله عليه، وجمع ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: ابدأ بنفسك، فقال: لا والله بالأقرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن بني هاشم رهط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرض للعباس، ثم لعلي، حتى والي بين خمس قبائل، حتى انتهى إلى بني عدي بن كعب، فكتب: من شهد بدرا من بني هاشم، ثم من شهد بدرا من بني أمية بن عبد شمس، ثم الأقرب فالأقرب، ففرض الأعطيات لهم وفرض للحسن والحسين لمكانهما من رسول الله [47].
وإذا تجاوزنا هذا الجانب للحديث عن الدور الذي شغله علي في ظل خلافة عمر - رضي الله عنهما - وجدناه كما أشار د. الصلابي: "عضوا بارزا في مجلس شورى الدولة العمرية، بل كان هو المستشار الأول، فقد كان عمر - رضي الله عنه - يعرف لعلي فضله، وفقهه، وحكمته، وكان رأيه فيه حسنا، فقد ثبت قوله فيه: أقضانا علي.
وقال ابن الجوزي: كان أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - يشاورانه، وكان عمر يقول: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن [48].
وقال مسروق: كان الناس يأخذون عن ستة: عمر وعلي وعبد الله وأبي موسى وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، فعلي من هؤلاء المقربين، يشد من أزر أخيه الفاروق عمر، ولا يبخل عليه برأيه، ويجتهد معه في إيجاد حلول للقضايا، التي لم يرد فيها نص، وفي تنظيم أمور الدولة الفتية، والشواهد على ذلك كثيرة؛ نذكر منها ما يأتي:
· علي - رضي الله عنه - والأمور القضائية:
o امراة تعتريها نوبات من الجنون: عن أبي ظبيان الجنبي عن ابن عباس قال: «أتي عمر بمجنونة قد زنت، فاستشار فيها أناسا، فأمر بها عمر أن ترجم، فمر بها على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت فأمر بها عمر أن ترجم، قال: فقال: ارجعوا بها ثم أتاه، فقال: يا أمير المؤمنين أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة: "عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل"؟ قال: بلى، قال: فما بال هذه ترجم؟ قال: لا شيء، قال: فأرسلها، قال: فأرسلها، قال: فجعل يكبر»[49].
o مضاعفة الحد لمن شرب الخمر: أخذ عمر برأي علي - رضي الله عنهما - في مضاعفة الحد لمن شرب الخمر؛ وذلك لانتشار شرب الخمر وخاصة في البلاد المفتوحة، وهي حديثة العهد بالإسلام، فأشار علي على عمر - رضي الله عنهما - بأن يجلد فيها ثمانين، كأخف الحدود، وعلل ذلك بقوله: نراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى، وعلى المفترى ثمانون.
o ردوا الجهالات إلى السنة: أتي عمر بامرأة أنكحت في عدتها ففرق بينهما، وجعل صداقها في بيت المال، وقال: لا أجيز مهرا رد نكاحه، وقال: لا تجتمعا أبدا، فبلغ ذلك عليا فقال: وإن كانوا جهلوا السنة لها المهر بما استحل من فرجها ويفرق بينهما، فإذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب، فخطب عمر الناس فقال: ردوا الجهالات إلى السنة، ورجع عمر إلى قول علي.
o هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي: قال جعفر بن محمد: أتي عمر بن الخطاب بامرأة قد تعلقت بشاب من الأنصار وكانت تهواه، فلما لم يساعدها احتالت عليه، فأخذت بيضة، فألقت صفارها، وصبت البياض على ثوبها وبين فخذيها، ثم جاءت إلى عمر صارخة، فقالت: هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي، وهذا أثر فعاله، فسأل عمر النساء فقلن له: إن ببدنها وثوبها أثر المني، فهم بعقوبة الشاب، فجعل يستغيث ويقول: يا أمير المؤمنين تثبت في أمري، فوالله ما أتيت فاحشة وما هممت بها، فقد راودتني عن نفسي فاعتصمت، فقال عمر: يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما، فنظر علي إلى ما على الثوب، ثم دعا بماء حار شديد الغليان، فصب على الثوب؛ فجمد ذلك البياض ثم أخذه واشتمه، وذاقه، فعرف طعم البيض، وزجر المرأة؛ فاعترفت.
مما سبق يتضح أن عمر - رضي الله عنه - كان يستعين بعلي في أمور القضاء والفتوى ويهتم بمشاورة كبار الصحابة في النوازل وعلى الخصوص علي - رضي الله عنه - الذي كانت منزلته عنده متميزة.
· علي - رضي الله عنه - والتنظيمات المالية العمرية:
o نفقات الخليفة: لما ولي عمر بن الخطاب أمر المسلمين بعد أبي بكر مكث زمانا، لا يأكل من بيت المال شيئا حتى دخلت عليه في ذلك خصاصة، ولم يعد يكفيه ما يربحه من تجارته، لأنه اشتغل عنها بأمور الرعية، فأرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستشارهم في ذلك فقال: قد شغلت نفسي في هذا الأمر، فما يصلح لي فيه؟ فقال عثمان بن عفان: كل وأطعم، وقال ذلك سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وقال عمر لعلي: ما تقول أنت في ذلك؟ قال: غداء وعشاء، فأخذ عمر بذلك، وقد بين عمر حظه من بيت المال فقال: إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة قيم اليتيم، إن استغنيت عنه تركت، وإن افتقرت إليه أكلت بالمعروف.
o رأي علي في أرض السواد بالعراق: لما فتحت أرض السواد بالعراق عنوة، أشار عدد من الصحابة - رضي الله عنهم - علي عمر بتقسيمهما بين الفاتحين، ولكن لسعة الأرض وجودتها، ونظرة عمر البعيدة لمن سيأتي بعد ذلك، لم يطمئن عمر لتقسيمها، فاستشار عليا في ذلك، فكان رأيه - موافقا لرأي الخليفة عمر - ألا تقسم، فأخذ عمر برأيه وقال: «لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا قسمتها بين أهلها، كما قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر» [50].
o فضلة المال: أتي عمر بمال فقسمه بين المسلمين، وفضلت منه فضله: فاستشار فيها الصحابة، فقالوا له: لو تركته لنائبة إن كانت، وفي القوم علي ساكت، فأراد عمر أن يسمع رأي علي في ذلك، فذكره علي بحديث مال البحرين حين جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه قسمه كله، فقال عمر لعلي: لا جرم لتقسمنه، فقسمه علي، ويبدو أن هذا كان قبل تقسيم الدواوين.
· علي - رضي الله عنه - والأمور الإدارية:
عندما احتاج عمر - رضي الله عنه - أن يضع تاريخا رسميا ثابتا لتنظيم أمور الدولة وضبطها، جمع الناس وسألهم: من أي يوم نكتب التاريخ؟ فقال علي رضي الله عنه: من يوم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك أرض الشرك، ففعله عمر.
وقد كان عمر - رضي الله عنه - يراه من أفضل من يقود الناس؛ فقد ورد عنه أنه كان يناجي رجلا من الأنصار، فقال: من تحدثون أنه يستخلف من بعدي؟ فعد الأنصاري المهاجرين ولم يذكر عليا، فقال عمر رضي الله عنه: فأين أنتم من علي؟ فوالله لو استخلفتموه، لأقامكم على الحق وإن كرهتموه. وقال لابنه عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما – بعد أن طعن: إن ولوها الأجلح سلك بهم الطريق [51].
وقد استخلف عمر عليا - رضي الله عنهما - على المدينة مرارا:
o استخلافه حين خرج عمر إلى ماء صراء فعسكر فيه، قبيل القادسية: وكان الفرس قد حشدوا للمسلمين، فجمع عمر الناس فاستشارهم فكلهم أشار عليه بالمسير.
o استخلافه عند نزول عمر بالجابية: وذلك حين نزل عمرو بن العاص بأجنادين، فكتب إليه أرطبون الروم، "والله لا تفتح من فلسطين شيئا بعد أجنادين، فارجع لا تغر، وإنما صاحب الفتح رجل اسمه على ثلاثة أحرف"، فعلم عمرو أنه عمر، فكتب يعلمه أن الفتح مدخر له، فنادى له الناس، واستخلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
o استخلاف علي حين حج عمر بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم: وهي آخر حجة حجها بالناس وكانت سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، وكان مع أمهات المؤمنين ممن لا يحتجبن منه، وخلف على المدينة علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
· استشارة عمر لعلي - رضي الله عنه - في أمور الجهاد وشئون الدولة:
كان علي - رضي الله عنه - المستشار الأول لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان عمر يستشيره في الأمور الكبيرة منها والصغيرة، وقد استشاره حين فتح المسلمون بيت المقدس، وحين فتحت المدائن، وعندما أراد عمر التوجه إلى نهاوند وقتال الفرس، وحين أراد أن يخرج لقتال الروم، وفي وضع التقويم الهجري وغير ذلك من الأمور، وكان علي - رضي الله عنه - طيلة حياة عمر مستشارا ناصحا محبا له خائفا عليه، وكان عمر يحب عليا وكانت بينهما مودة ومحبة وثقة متبادلة، ومع ذلك يأبى أعداء الإسلام إلا أن يزوروا التاريخ، ويقصوا بعض الروايات التي تلقى في نفوسهم هوى ليصورا لنا فترة الخلفاء الراشدين وكأنها عهد المؤامرة الكبرى التي يتربص كل واحد منهم فيها بالآخر الدوائر لينقض عليه، وكل أمورهم كانت تجري من وراء الكواليس.
إن من أبرز ما يلاحظه المتأمل في خلافة عمر - رضي الله عنه - تلك الخصوصية في العلاقة، وذلك التعاون المتميز الصافي بينه وبين علي - رضي الله عنهما - فقد كان علي المستشار الأول لعمر في سائر القضايا والمشكلات، وما اقترح على علي عمر رأيا إلا واتجه عمر إلى تنفيذه عن اقتناع، وكان علي - رضي الله عنه - يمحضه النصح في كل شئونه وأحواله [52].
يقول العلامة شبلي النعماني في كتاب "الفاروق": "إن عمر - رضي الله عنه - لم يكن يبت برأي في مهمات الأمور قبل أن يستشير عليا رضي الله عنه، الذي كان يشير عليه بغاية من النصح ودافع من الإخلاص، ولما سافر إلى بيت المقدس استخلفه في جميع شئون الخلافة على المدينة، وقد تمثل مدى الانسجام والتضامن بينهما حينما زوجه علي - رضي الله عنه - من السيدة أم كلثوم التي كانت بنت فاطمة رضي الله عنها [53].
وإنما فعل علي - رضي الله عنه - ذلك؛ ثقة فيه، وإقرارا لفضله ومناقبه، واعترافا بمحاسنه وجمال سيرته، وإظهارا بأن بينهم من العلاقات الوطيدة الطيبة والصلات المحكمة المباركة، ما يحرق قلوب الحساد من أعداء الأمة المجيدة، ويرغم أنوفهم [54].
وللأسباب السالفة أيضا سمى علي - رضي الله عنه - أحد أولاده: عمر، كما سمى أحدهم: أبا بكر، وسمى الثالث: عثمان، ومعلوم أن الإنسان لا يسمي أبناءه إلا بأحب الأسماء وبمن يرى فيهم القدوة المثالية.
فالواقع أنه كان يؤازر عمر - رضي الله عنه - دونما خلاف، أو تنافر على حد ما يحلو لبعضهم أن يصورهما: قطبين للخير والشر، وبالجملة نقول: إن كون على المستشار الأول في الدولة العمرية أمر يشهد للاثنين بالتوافق والخيرية، ولا ينبغي أن يفهم من كثرة مشاورة عمر لعلي - رضي الله عنهما - وغيره من الصحابة، أنه كان دونهم في الفقه والعلم، فقد بينت الأحاديث الصحيحة سعة علمه، واكتمال دينه، مع إيمانه وحبه للشورى، وتعويده للحكام فيما بعد على المشاورة، وعدم الاستبداد بالأمر والرأي، وإلا فإن عليا - رضي الله عنه - كان كثيرا ما يرجع عن رأيه إلى رأي عمر؛ وقد ورد عن عائشة - رضي الله عنها - في معرض حديثها عن عمر - قولها: وقد كان علي - رضي الله عنه - يتابع عمر بن الخطاب، فيما يذهب إليه ويراه - مع كثرة استشارته عليا - حتى قال علي رضبي الله عنه: يشاورني عمر في كذا، فرأيت كذا، ورأى هو كذا، فلم أر إلا متابعة عمر [55].
ثالثا. تواتر ثناء الصحابة الكرام - بما فيهم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - على عمر رضي الله عنه:
ثم إن تواتر ذاك الثناء بتلك الصورة ليصل بنا إلى القول بإجماع - أو شبه إجماع - على فضله وخيريته رضي الله عنه، وإذا ذكرنا هؤلاء بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة»[56]. تساءلنا: أفي عمر - رضي الله عنه - تشككون؟! أم في عدالة الأمة وإجماعها على خيريته تطعنون؟!
وإلى هؤلاء نسوق ما أثر في عمر - رضي الله عنه - من شهادات، ونرى أن نبدأ بآل البيت، ويحسن أن نصدر بعلي - رضي الله عنه - لتنافر بين الخليفتين مدعى، ولاختلاف مزعوم لا يستند على قوي دليل ولا ضعيفه، ولعمر في نفس علي - رضي الله عنهما - من الود والتقدير ما يجسده بعض هذه النماذج:
o قال ابن عباس: «وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع وأنا فيهم، فلم يرعني إلا رجل آخذ منكبي، فإذا علي بن أبي طالب، فترحم على عمر وقال: ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله، إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أني كنت كثيرا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر» [57] [58].
o عن عبد خير قال: كنت قريبا من علي حيث جاءه أهل نجران قال: قلت: إن كان رادا على عمر شيئا فاليوم، قال: فسلموا واصطفوا بين يديه، قال: ثم أدخل بعضهم يده في كمه فأخرج كتابا فوضعه في يد علي، قالوا: يا أمير المؤمنين، خطك بيمينك وإملاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليك، قال: فرأيت عليا وقد جرت الدموع على خده قال: ثم رفع رأسه إليهم، فقال: يا أهل نجران، إن هذا لآخر كتاب كتبته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: فأعطنا ما فيه، قال: سأخبركم عن ذاك: إن الذي أخذ منكم عمر لم يأخذه لنفسه، إنما أخذه لجماعة من المسلمين، وكان الذي أخذ منكم خيرا مما أعطاكم، والله لا أرد شيئا مما صنعه عمر، إن عمر - رضي الله عنه - كان رشيد الأمر [59].
o ولما فرغ علي من وقعة الجمل، ودخل البصرة، وشيع أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - حين أرادت الرجوع إلى مكة، سار من البصرة إلى الكوفة، فدخلها يوم الإثنين، لثنتى عشرة ليلة خلت من رجب سنة ست وثلاثين، فقيل له: انزل بالقصر الأبيض، فقال: لا، إن عمر بن الخطاب كان يكره نزوله، فأنا أكرهه لذلك، فنزل في الرحبة وصلى في الجامع الأعظم ركعتين.
o وعن أبي السفر قال: رؤي على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - برد كان يكثر لبسه قال: فقيل: يا أمير المؤمنين إنك لتكثر لبس هذا البرد؟ فقال: نعم، إن هذا كسانيه خليلي وصفيي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ناصح الله فنصحه، ثم بكى [60].
هكذا كان على مع الفاروق، وهكذا كان الفاروق في قلب علي - رضي الله عنهما - ولا يخرج عن هذا جملة آل البيت وإن من دلالة محبة أهل البيت للفاروق - رضي الله عنه - تسمية أبنائهم باسمه؛ حبا وإعجابا بشخصيته، وتقديرا لما أتى به من الأفعال الطيبة والمكارم العظيمة، ولما قدم للإسلام من الخدمات الجليلة، وإقرارا بالصلات الودية الوطيدة التي تربطه بأهل بيت النبوة والرحم، والصهر القائم بينه وبينهم، فأول من سمى ابنه باسمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سمى ابنه من أم حبيب بنت ربيعة البكرية: عمر.
وعن حفص بن قيس، قال: سألت عبد الله بن الحسن عن المسح على الخفين، فقال: امسح، فقد مسح عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: فقلت: إنما أسألك أتمسح أنت؟ قال: ذاك أعجز لك، أخبرك عن عمر وتسألني عن رأيي، فعمر كان خيرا مني ومن ملء الأرض، فقلت: يا أبا محمد، فإن ناسا يزعمون أن هذا منكم تقية، قال: فقال لي - ونحن بين القبر والمنبر -: اللهم إن هذا قولي في السر والعلانية، فلا تسمعن علي قول أحد بعدي [61].
ونخرج من ثناء علي - رضي الله عنه - وآل البيت على عمر رضي الله عنه؛ لنقف على ثناء الصحابة، والسلف عليه، والنماذج في هذا تغني الإشارة لبعضها عن حصرها؛ ومنها:
· تعظيم عائشة - رضي الله عنها - له بعد دفنه: عن عائشة قالت: كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي فأضع ثوبي فأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر معهم فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة على ثيابي حياء من عمر. [62] وعن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: من رأى ابن الخطاب، علم أنه خلق غناء للإسلام، كان والله أحوذيا، [63] نسيج وحده، قد أعد للأمور أقرانها. [64] وعن عروة عن عائشة قالت: إذا ذكرتم عمر طاب المجلس.
· سعيد بن زيد رضي الله عنه: روي عنه أنه بكى عند موت عمر، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: على الإسلام، إن موت عمر ثلم الإسلام ثلمة لا ترتق إلى يوم القيامة [65].
· عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «قال: لو أن علم عمر بن الخطاب وضع في كفة الميزان، ووضع علم الأرض في كفة لرجح علم عمر». [66] وقال أيضا: إني لأحسب عمر قد ذهب بتسعة أعشار العلم. [67] وقال - رضي الله عنه - أيضا: كان إسلام عمر فتحا، وكانت هجرته نصرا، وكانت إمارته رحمة [68].
· أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه: قال: والله ما من أهل بيت من المسلمين إلا وقد دخل عليهم في موت عمر نقص في دينهم وفي دنياهم [69].
· حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: قال: إنما كان مثل الإسلام أيام عمر مثل مقبل لم يزل في إقبال، فلما قتل أدبر فلم يزل في إدبار [70].
· عبد الله بن سلام رضي الله عنه: جاء بعدما صلي على عمر رضي الله عنه، فقال: إن كنتم سبقتموني بالصلاة عليه، فلن تسبقوني بالثناء عليه، ثم قال، نعم أخو الإسلام كنت يا عمر جوادا بالحق، بخيلا بالباطل، ترضى من الرضى وتسخط من السخط، لم تكن مداحا ولا معيابا، طيب العرف، عفيف الطرف [71].
· العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: قال: كنت جارا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فما رأيت أحدا من الناس كان أفضل من عمر؛ إن ليله صلاة، ونهاره صيام، وفي حاجات الناس، فلما توفي عمر سألت الله عزوجل: أن يرينيه في النوم فرأيته في النوم مقبلا متشحا من سوق المدينة، فسلمت عليه وسلم علي، ثم قلت له: كيف أنت؟ قال: بخير. قلت له: ما وجدت؟ قال: الآن حين فرغت من الحساب، ولقد كاد عرشي يهوي لولا أني وجدت ربا رحيما [72].
· معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: قال: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يردها، وأما نحن فتمرغنا فيها ظهرا لبطن [73].
· علي بن الحسين رضي الله عنه: عن ابن أبي حازم عن أبيه قال: سئل علي بن الحسين عن أبي بكر وعمر ومنزلتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كمنزلتهما اليوم، هما ضجيعاه [74].
· قبيصة بن جابر رضي الله عنه: عن الشعبي قال: سمعت قبيصة بن جابر يقول: صحبت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فما رأيت رجلا أقرأ لكتاب الله ولا أفقه في دين الله، ولا أحسن مدارسة منه [75].
· الحسن البصري رضي الله عنه: قال: إذا أردتم أن يطيب المجلس فأفيضوا في ذكر عمر. وقال أيضا: أي أهل بيت لم يجدوا فقد عمر فهم أهل بيت سوء [76].
وتتمة للفائدة يحسن أن نذيل بآراء بعض العلماء، والكتاب المعاصرين ليعلم هؤلاء أن ليست لهم وثيقة ولا مرد فيما اتهموا به عمر، فقد شهد معاصروهم على خلافه، والفرق أن المنصفين أتوا بالحقيقة على وجهها، وهؤلاء قلبوا النصوص حسبما تمليه أهواؤهم وأمانيهم، وحسبما يتوافق والنوايا المبيتة، ومن جملة آراء بعض العلماء والكتاب المعاصرين نذكر ما يأتي:
· قال د. محمد محمد الفحام شيخ الأزهر السابق: لقد كشفت أعمال عمر عن تفوقه السياسي، وبينت مواهبه العديدة التي ملكها عن عبقريته الخالدة، التي لا تزال تضيء أمامنا الطريق في العديد من مشكلات الحياة المختلفة في معالجة القضايا والمشاكل التي واجهته في أثناء خلافته.
· قال عباس محمود العقاد: إن هذا الرجل العظيم أصعب من عرفت من عظماء الرجال نقدا ومؤاخذة ومن مزيد مزاياه أن فرط التمحيص وفرط الإعجاب في الحكم له أو عليه يلتقيان، وكتابي عبقرية عمر ليس بسيرة لعمر ولا بتاريخ لعصره على نمط التواريخ التي تقصد بها الحوادث والأنباء، ولكنه وصف له ودراسة لأطواره، ودلالة على خصائص عظمته واستفادة من هذه الخصائص لعلم النفس وعلم الأخلاق وحقائق الحياة.. وعمر يعد رجل المناسبة الحاضرة في العصر الذي نحن فيه؛ لأنه العصر الذي شاعت فيه عبادة القوة الطاغية، وزعم الهاتفون بدينها أن البأس والحق نقيضان؛ فإذا فهمنا عظيما واحدا كعمر بن الخطاب، فقد هدمنا دين القوة الطاغية على أساسه، لأننا سنفهم رجلا كان غاية في البأس، وغاية في العدل، وغاية في الرحمة.. وهذا الفهم ترياق داء العصر يشفى به من ليس بميئوس الشفاء.
· قال د. أحمد شلبي: وكان الاجتهاد من أبرز الجوانب في حياة عمر خلال حقبة خلافته الحافلة بالأحداث؛ فحفظ الدين، ورفع راية الجهاد، وفتح البلاد، ونشر العدل بين العباد، وأنشأ أول وزارة مالية في الإسلام، وكون جيشا نظاميا للدفاع وحماية الحدود، ونظم المرتبات والأرزاق، ودون الدواوين، وعين الولاة والعمال والقضاة، وأقر النقود للتداول الحياتي، ورتب البريد، وأنشأ نظام الحسبة، وثبت التأريخ الهجري، وأبقى الأرض المفتوحة دون قسمة، وخطط المدن الإسلامية وبناها، فهو بحق أمير المؤمنين وباني الدولة الإسلامية.
· قال المستشار علي علي منصور: إن رسالة عمر في القضاء إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قبل أربعة عشر قرنا من الزمن دستور للقضاء والمتقاضين، وهي أكمل ما وصلت إليه قوانين المرافعات الوضعية وقوانين استقلال القضاء.
· قال اللواء الركن محمود شيت خطاب: وإذا كانت أسباب الفتح الإسلامي كثيرة، فإن على رأس تلك الأسباب ما كان يتمتع به عمر بن الخطاب من سجايا قيادية فذة لا تتكرر في غيره على مر السنين والعصور إلا نادرا.
· قال د. صبحي المحمصاني: بانقضاء عهد الخليفة الراشد عمر، ينقضي عهد مؤسس الدولة الإسلامية التي وسع رقعتها، وثبت دعائمها، فكان مثال القائد الموجه، والأمير الحازم الحكيم، والراعي المسئول، والحاكم القوي العادل والرفيق الرءوف، ثم مات ضحية الواجب، وشهيد الصدق والصلاح، فكان مع الصديقين، والصالحين من أولياء الله تعالى، وسيبقى اسم عمر بن الخطاب مخلدا ولامعا في تاريخ الحضارة والفقه.
· قال الشيخ علي طنطاوي: كلما ازددت اطلاعا على أخبار عمر، زاد إكباري وإعجابي به، ولقد قرأت سير آلاف العظماء من المسلمين وغير المسلمين، فوجدت فيهم من هو عظيم بفكره، ومن هو عظيم ببيانه، ومن هو عظيم بخلقه، ومن هو عظيم بآثاره، ووجدت عمر قد جمع العظمة من أطرافها، فكان عظيم الفكر والخلق والبيان، فإذا أحصيت عظماء الفقهاء والعلماء، ألفيت عمر في الطليعة، فلو لم يكن له إلا فقهه لكان به عظيما، وإن عددت الخطباء والبلغاء كان اسم عمر من أوائل الأسماء، وإن ذكرت عباقرة المشرعين، أو نوابغ القواد العسكريين، أو كبار الإداريين الناجحين، وجدت عمر إماما في كل جماعة، وعظيما في كل طائفة، وإن استقريت العظماء الذين بنوا دولا، وتركوا في الأرض أثرا، لم تكد تجد فيهم أجل من عمر. وهو فوق ذلك عظيم في أخلاقه، عظيم في نفسه [77].
ونأيا بأنفسنا عن مظنة القول بطبيعة أن يشهد المسلمون لقائد إسلامي، وخليفة راشد مثل عمر بهذه الشهادات، نعضدها بشهادات آخرين من غير المسلمين حملهم إنصافهم، وتحريهم الحق على وجهه أن يشهدوا لعمر بن الخطاب بما يستحقه من الفضل والمكانة، وليسوا من المسلمين، ومن شهادات هؤلاء المستشرقين نذكر ما يأتي:
· قال موير في كتابه "الخلافة": كانت البساطة والقيام بالواجب من أهم مبادئ عمر، وأظهر ما اتصفت به إدارته عدم التحيز، وكان يقدر المسئولية حق قدرها، وكان شعوره بالعدل قويا، ولم يحاب أحدا في اختيار عماله، ومع أنه كان يحمل عصاه، ويعاقب المذنب في الحال حتى قيل: إن درة عمر أشد من سيف غيره، إلا أنه كان رقيق القلب وكانت له أعمال سجلت له شفقته، ومن ذلك شفقته على الأرامل والأيتام.
· وقالت عنه دائرة المعارف البريطانية: كان عمر حاكما عاقلا، بعيد النظر، وقد أدى للإسلام خدمة عظيمة.
· وقال الأستاذ واشنجتون إيرفنج في كتابه "محمد وخلفاؤه": إن حياة عمر من أولها إلى آخرها تدل على أنه كان رجلا ذا مواهب عقلية عظيمة، وكان شديد التمسك بالاستقامة والعدالة، وهو الذي وضع أساس الدولة الإسلامية ونفذ رغبات النبي - صلى الله عليه وسلم - وثبتها، وآزر أبا بكر بنصائحه في أثناء خلافته القصيرة، ووضع قواعد متينة للإدارة الحازمة في جميع البلدان التي فتحها المسلمون، وإن اليد القوية التي وضعها على أعظم قواده المحبوبين لدى الجيش في البلاد النائية وقت انتصاراتهم - لأكبر دليل على كفاءته الخارقة لإدارة الحكم، وكان ببساطة أخلاقه واحتقاره للأبهة والترف، مقتديا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر رضي الله عنه، وقد سار على أثرهما في كتبه وتعليماته للقواد.
· قال د. مايكل هارت: إن مآثر عمر مؤثرة حقا، فقد كان الشخصية الرئيسية في انتشار الإسلام بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وبدون فتوحاته السريعة كان من الصعب أن ينتشر الإسلام بهذا الشكل الذي هو عليه الآن، زد على ذلك أن معظم الأراضي التي فتحها في زمنه بقيت عربية، منذ ذلك العهد حتى الآن، ومن الواضح أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - له الفضل الأكبر في هذا المضمار، ولكن من الخطأ الفادح أن نتجاهل دور عمر وقيادته الواعية.
هذا وقد طويت بوفاة الخليفة الراشد العادل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - صفحة من أنصع صفحات التاريخ وأنقاها؛ فقد عرف فيه التاريخ رجلا فذا من طراز فريد، لم يكن همه جمع المال، ولم تستهوه زخرفة السلطان، ولم تمل به عن جادة الحق سطوة الحكم، ولم يحمل أقاربه ولا أبناءه على رقاب الناس، بل كان كل همه انتصار الإسلام، وأعظم أمانيه سيادة الشريعة، وأقصى غايته تحقيق العدالة بين أفراد رعيته، وقد حقق ذلك كله بعون الله - عزوجل - في تلك الفترة الوجيزة التي لا تعد في عمر الدول شيئا مذكورا [78].
نعم.. لقد رحل عمر الإنسان وترك لنا عمر القدوة، ولا يزال عمر - رضي الله عنه - محفورا في ذاكرة التاريخ الإسلامي المشرق، وفي وجدان النابهين من ذويه، للعزة، وعلما على الحق، وصدق الشاعر حين قال:
تفنى أحاديث الرجال وتنقضي
ويبقى حديث الفضل والحسنات
الخلاصة:
· في سيرة الفاروق - رضي الله عنه - من السمات الفريدة ما لم يتمتع به كثيرون في الدولة الإسلامية الأولى؛ فهو الذي لم ير النبي عبقريا يفري فريه.
· عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - هو رمز العزة والنصرة، وهو أحب العمرين إلى الله عزوجل، وهو الذي لم يزل المسلمون أعزة منذ أسلم.
· عمر الفاروق - رضي الله عنه - الملهم كان رمزا للقوة في الحق، ورباطة الجأش في الميدان، وقد فتح الله على يديه إمبراطورية كسرى؛ فأزال ملك المجوس، وهدم دولة ساسان.
· إن فرار الشيطان من الفاروق - رضي الله عنه - وهيبته له، والشيطان رمز الشر - كما هو معلوم - لأدل دليل على سبب التنافر وهو خيرية عمر، ولو كانا - كما يزعمون - سواء في الشر لما خاف الأول الثاني ولا فر من طريقه.
· على الرغم من حزم الفاروق - رضي الله عنه - وقوته فإنه كان لا يستحيي من الرجوع للحق متى علمه، أو متى قام الدليل عليه، لا يبالي في ذلك على يد من ظهر؛ عبدا كان أو حرا، بدويا كان أو حضريا.
· إن شدة الفاروق - رضي الله عنه - وصرامته في تنفيذ حدود الله على مستوجبها لم يمنعانه أن يغلب الرفق، ويقدم العفو إن كان ذلك الأصلح، الأقرب للصواب، وفق طبيعة المجتمع وظروفه، ومناط الحكم وعلته.
· يشهد التاريخ أن الفاروق الملهم كان يجل أبا الحسن - رضي الله عنهما - ويقدره حق قدره، هو وآل بيت النبوة، وكان على مستشاره الأول، وفي حقه قال: "لا أبقاني الله بأرض ليس فيها أبو الحسن".
· على أن كثرة مشاورة عمر لعلي - رضي الله عنهما - وغيره من الصحابة الكرام لا تعنى أنه دونهم في الفقه والعلم؛ فالأحاديث الصحاح بينت وفرة علمه، واكتمال دينه، ولكنه - فقط - حبه للشورى، وبغضه الاستبداد بالأمر والرأي، وإلا فعلي رضي الله عنه، قال: "يشاورني عمر في كذا، فرأيت كذا، ورأى هو كذا، فلم أر إلا متابعة عمر".
· إن إجماع صحابة النبي الكرام على أفضلية عمر، وخيريته خير شاهد عليهما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة» [79].
· إن إجماع الصحابة على خيريته - رضي الله عنه - من جهة، واستحالة اجتماع الأمة على ضلالة - كما في الحديث سالف الذكر - من جهة ثانية، وشهادات علماء المسلمين ومفكريه المعاصرين من جهة ثالثة، وشهادات المستشرقين من جهة رابعة؛ كل ذلك يجعلنا نتساءل: هل في عمرـ رضي الله عنه - وخيريته يطعنون؟! أم في الأمة وإجماعها يشككون؟! أم بآراء علمائنا ومفكرينا عرض الحائط يضربون؟! أم لا ذا ولا ذاك، بل ذهبوا - في غمرة هجومهم - يناقضون شهادات منصفيهم؟!
· ونحن نشفق عليهم من هذا التخبط، وذاك التناقض وننصحهم بشيء من التحري، وبعض من الإنصاف، وقليل من الموضوعية للوقوف على مثل ما وقف عليه منصفوهم؛ خروجا بأنفسهم عن جهل بين أو تناقض مشين!!
(*) عقيدة المسلم والعقائد الباطلة، محمد عبد المنعم القيعي، مجلة رسالة الإمام، العدد التاسع، 1986م.
[1]. عمر بن الخطاب، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م، ص157.
[2]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (5696)، والترمذي في سننه، كتاب المناقب، باب في مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (3681)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2907).
[3]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (3481).
[4]. إسناده قوي: أخرجه ابن حبان في صحيحه (15/ 302) برقم (6879)، وقوى إسناده الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان.
[5]. صحيح: أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم ، باب ومن مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (4487)، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
[6]. أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 270).
[7]. أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 269).
[8]. القطاة: نوع من اليمام.
[9]. المعاطس: جمع معطس، وهو الأنف.
[10]. فرسان النهار من الصحابة الأخيار، د. سيد حسين العفاني، دار ماجد عسيري، السعودية، ط1، 1425هـ / 2004م، ج2، ص155: 157.
[11]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان والنذور، باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم (6257).
[12]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب فضل العلم (82)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر رضي الله عنه (6341).
[13]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (3488)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر رضي الله عنه (6340).
[14]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى: ) أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم ( (الكهف: ٩) (3282).
[15]. عمر بن الخطاب، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م، ص80: 83 بتصرف.
[16]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أبواب القبلة، باب ما جاء في القبلة (393)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر رضي الله عنه (6359).
[17]. حقبة من التاريخ، عثمان بن محمد الخميس، مكتبة الإمام البخاري، مصر، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص91.
[18]. القليب: البئر.
[19]. الذنوب: الدلو الكبير.
[20]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (3479)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر رضي الله عنه (6347).
[21]. عمر بن الخطاب، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م، ص84، 85.
[22]. فرسان النهار من الصحابة الأخيار، د. سيد حسين العفاني، دار ماجد عسيري، السعودية، ط1، 1425هـ / 2004م، ج2، ص157.
[23]. الخشفة: الصوت والحركة.
[24]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (3476)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر رضي الله عنه (6349).
[25]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (3070)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر رضي الله عنه (6353).
[26]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (3490)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه (6365).
[27]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لو كنت متخذا خليلا" (3462)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه (6328).
[28]. عمر بن الخطاب، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م، ص85، 86 بتصرف يسير.
[29]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (3480)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر رضي الله عنه (6355).
[30]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكيين، حديث الضحاك بن سفيان رضي الله عنه (15784)، وأبو داود في سننه، كتاب الفرائض، باب في المرأة ترث من دية زوجها (2929)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2540).
[31]. المسطح: عمود من أعمدة الخيمة.
[32]. أخرجه الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (1/ 393) برقم (347).
[33]. أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (10/ 58) برقم (18343)، والطبراني في المعجم الكبير (4/ 8) برقم (3483).
[34]. العدوة: جانب الوادي.
[35]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون (5397)، ومسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها (5915).
[36]. منهج عمر بن الخطاب في التشريع، د. محمد بلتاجي، دار السلام، القاهرة، ط2، 2003م، ص68: 71 بتصرف.
[37]. عمر بن الخطاب، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م، ص198.
[38]. أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الأقضية، باب القضاء في الضواري والحريسة (2767)، والشافعي في مسنده، كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما (1099).
[39]. صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 29) برقم (17470)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 236)، وصححه الألباني في الإرواء (2313).
[40]. عمر بن الخطاب، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م ، ص398: 401 بتصرف يسير.
[41]. عمر بن الخطاب، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م، ص198.
[42]. علي بن أبي طالب، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2003م، ص175.
[43]. صار بين عينيه: جامع بينهما كما يفعل الحزين.
[44]. درب: كبر.
[45]. معر: صغر.
[46]. أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (14/ 177).
[47]. عمر بن الخطاب، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م، ص178.
[48]. أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 339)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (42/ 406).
[49]. أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا (4401)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (297).
[50]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المزارعة، باب أوقاف النبي صلى الله عليه وسلم (2209)، وفي مواضع أخرى.
[51]. بغية الباحث، الهيثمي (2/ 622) برقم (594).
[52]. عمر بن الخطاب، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م، ص168: 173 بتصرف.
[53]. عمر بن الخطاب، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م، ص179.
[54]. عمر بن الخطاب، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م، ص177.
[55]. علي بن أبي طالب، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2003م، ص174، 175.
[56]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الفتن، باب لزوم الجماعة (2167)، والحاكم في مستدركه، كتاب العلم (393)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1848).
[57]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (3482)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر رضي الله عنه (6338).
[58]. عمر بن الخطاب، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م، ص734.
[59]. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 120)، كتاب آداب القاضي، باب ومن اجتهد من الحكام ثم تغير اجتهاده.
[60]. علي بن أبي طالب، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2003م، ص182: 185.
[61]. علي بن أبي طالب، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2003م، ص183: 185.
[62]. إسناده صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث السيدة عائشة رضي الله عنها (25701)، والحاكم في مستدركه، كتاب المغازي والسرايا (4402)، وصحح إسناده الأرنؤوط في تعليقه على المسند.
[63]. الأحوذي: الرجل الذي يسوق الأمور أحسن مساق لعلمه بها.
[64]. أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 434) برقم (37055)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 200)، كتاب المرتد، باب ما يحرم به الدم من الإسلام.
[65]. أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 372)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (44/ 459).
[66]. أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم ، باب ومن مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه (4497)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (44/ 284).
[67]. أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 336)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (44/ 283).
[68]. أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 270)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (44/ 48).
[69]. أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 374).
[70]. أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 373)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (44/ 460).
[71]. أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 369)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (44/ 458).
[72]. أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (1/ 54)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (44/ 483).
[73]. أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (44/ 287).
[74]. أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (41/ 388).
[75]. أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (19/ 182).
[76]. أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 373).
[77]. عمر بن الخطاب، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م، ص748: 750.
[78]. عمر بن الخطاب، د. علي الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م، ص750: 752.
[79]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الفتن، باب لزوم الجماعة (2167)، والحاكم في مستدركه، كتاب العلم (393)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1848).
husband cheat
online online affair