مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

إنكار عالمية الإسلام(*)

مضمون الشبهة:

ينكر بعض المشككين عالمية الإسلام زاعمين أن رسالته محدودة الزمان والمكان، ويدعون:

·   أن الإسلام دين محلي قومي، أنزل للعرب واختص بهم في شبه الجزيرة العربية، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: )وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه( (إبراهيم: 4)، ويتساءلون: كيف يرسل الله رسولا إلى قوم لا يعرفون لغته، فلا يفهمون ما يقول؟!

·   أن الإسلام دين مؤقت اقتصرت صلاحيته الزمنية على وقت نزول الرسالة المحمدية. ويستدلون على ذلك بأن الإسلام نشأ في بيئة بدوية صحراوية، فلا يصلح للمدنية الحديثة.

·        أن الإسلام دين تتعدد صوره بتعدد الأقطار، وتبقى العروبة أصلا في حين يجيء الإسلام فرعا عليها.

·   أن فكرة عالمية الإسلام لم تخطر ببال محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه كان متأكدا من أنه مرسل إلى العرب وحدهم، ومن ثم يشككون في صحة الروايات التي تؤكد إرسال النبي - صلى الله عليه وسلم - الرسائل للملوك المعاصرين له، كالمقوقس في مصر، وملك الحبشة النجاشي، وهرقل عظيم الروم، وكسرى ملك الفرس.

·        أن المسلمين ظلوا بعد وفاة نبيهم بمائة عام يعدون الإسلام دينا محليا للعرب فحسب.

·   أن من يزعمون عالمية الدعوة الإسلامية، يضعون بذلك الله سبحانه موضعا لا يليق حتى بإنسان عاقل، ويستدلون على ذلك بأن الله تعالى يقول: )إنا أنزلناه قرآنا عربيا( (يوسف:٢)، متسائلين: كيف يعقل أن يبعث الله - عز وجل - رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالإسلام إلى الناس كافة، ثم يوحي إليه بلسان عربي لا يفهمه إلا العرب؟! ويأمره بأن ينذر أهل مكة ومن حولهم من العرب؟! ومن هؤلاء من يزعم أن الإسلام كان خاصا بالعرب، ثم جعله محمد - صلى الله عليه وسلم - دينا عالميا، وعمم دعوته، عندما انتصر في المدينة.

وبالجملة فإن هؤلاء ينكرون عالمية الإسلام، هادفين من وراء ذلك إلى الطعن في صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان.

وجوه إبطال الشبهة:

1)  عالمية أي دين أو محليته لا يحددها هوى المدعين وآراؤهم، وإنما نصوصه وسيرة رسوله وتاريخه، وهي كالآتي:

·   القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومكاتبته للملوك، وتاريخ الفتوحات الإسلامية، كل ذلك يؤكد عموم الدعوة الإسلامية، وعالمية الرسالة المحمدية الخاتمة.

·   نصوص الكتب السابقة تؤكد عالمية رسالة الإسلام وختمها للرسالات السابقة، كما تؤكد خصوص غيرها بزمانها ومكانها.

2)  تتعدد المظاهر والشواهد التي تؤكد عالمية الإسلام وعموم رسالته، وتشهد بذلك.

3) معنى الآيات التي استدل بها المدعون وتفسيرها لا يدل على محلية الإسلام، وليس معنى نزول الرسالة على أمة بدوية أنها لا تصلح للمدنية، بل هي التي صنعت منهم أمة ذات حضارة عريقة ومدنية راقية قصرت دونها كل الحضارات والمدنيات.

4) الدين الإسلامي دين عالمي للناس كافة، ولا فرق فيه بينهم اعتمادا على الجنس أو النوع، بل التفضيل فيه على أساس التقوى؛ لذلك فالإسلام رسالة إنسانية نفسية عالمية تعالج نفوس الناس في كل زمان ومكان.

5) الإسلام هو الذي بعث أمة العرب بعثا من وهاد التاريخ وظلماته، ومنحهم هويتهم الخاصة وطابعهم المميز؛ فالإسلام هو الأصل والعروبة فرع عنه بعكس ما يدعي هؤلاء المغالطون.

6) الإسلام - بما أنه الرسالة الخاتمة الصالحة لكل زمان ومكان - قامت رسالته على أصول وفروع، أو ثوابت ومتغيرات؛ فالأصول ثابتة في كل عصر ومصر لا تتغير، والفروع يمكن الاجتهاد فيها بما يلائم كل زمان ومكان، ولكن في إطار الثوابت ودون الخروج عليها، وليس لكل دولة إسلام خاص - كما يدعي المفترون - إنما هي عوامل سعة الشريعة الإسلامية ومرونتها.

7) عالمية الإسلام أمر ثابت ومقرر، لكن العولمة بمفهومها المعاصر الذي يعني قولبة الأمم المختلفة - أي: صبها في قالب واحد على نمط معين ومسح هويتها - أمر مذموم، ولا ريب في ذلك لدى كل من لديه شرف وكرامة وأصالة.

التفصيل:

أولا. عالمية أي دين أو محليته لا يحددها هوى المدعين وآراؤهم، وإنما نصوصه وسيرة رسوله وتاريخه:

إن الأباطيل التي نحن بصدد دفعها - سواء كان أصحابها يزعمون أن الإسلام دين محلي قومي خاص بالعرب وحدهم، أم أن الإسلام كان دينا خاصا، ثم جعله محمد - صلى الله عليه وسلم - دينا عالميا عندما انتصر في المدينة، وسواء أكان هذا التحويل بعد وفاة محمد - صلى الله عليه وسلم - مباشرة، أم بعدها بمائة عام - كل هذه الأباطيل أباطيل واهية لا تستند إلى برهان عقلي أو نقلي، وهذا ما يجعلها تنهار أمام الحقائق التي تؤكدها نصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والفتوحات الإسلامية، وتاريخ الإسلام، وذلك على التفصيل الآتي:

1.  آيات القرآن الكريم:

إن كثيرا من آيات القرآن الكريم يتجه نحو عمومية الدعوة[1]، يقول عز وجل:

·       )إن هو إلا ذكر للعالمين (87) ولتعلمن نبأه بعد حين (88)( (ص).

·       )تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا (1)( (الفرقان).

·       )قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا( (الأعراف: ١٥٨).

·       )هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (33)( (التوبة).

·       )وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون (28)( (سبأ).

·       )وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين (69) لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين (70)( (يس).

·       )قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (29) وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون (30) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون (31) يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون (32) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (33)( (التوبة).

وفي مستهل استعراضه للأدلة النقلية على عالمية الدعوة الإسلامية من القرآن والسنة، ونصوص الأديان السابقة، كالتوراة والإنجيل، يورد الدكتور على عبد الحليم محمود عددا من الآيات القرآنية، يقدم لها بقوله: "سوف نستعرض في هذا الفصل - بعون الله تعالى - آيات بينات من القرآن الكريم، تؤكد عالمية الدعوة وتنادي بها، وذلك بعد ما قدمنا من أدلة كثيرة على ذلك، وقد حاولت أن أنظر في تلك الآيات الكريمات حسب ترتيب نزولها حتى يمكن أن أتتبع اتساع نطاق الدعوة، منذ أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بها لنفسه ولعشيرته الأقربين إلى أن أمر بتبليغ العالم كله.

وقد لاحظت في هذه الجولة الممتعة في رحاب القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى - وإن كان لم يطلب من محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يبلغ دعوته العالم كله بادئ ذي بدء - أنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - آيات تشير إلى أن رسالته عالمية ودعوته للناس جميعا، أنزل تلك الآيات في بداية نزول الوحي، وبالتحديد في ثانى سورة نزلت عليه - صلى الله عليه وسلم - وذلك حين يتحدث عن القرآن الكريم فيقول: )وما هو إلا ذكر للعالمين (52)( (القلم)، وذلك لكي يضطلع محمد - صلى الله عليه وسلم - بالعبء ويعد نفسه له.

ثم يشفع هذه الآية الكريمة بآية أخرى أدل على طبيعة عمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - في رابع سورة نزلت من القرآن - سورة المدثر - التي بدأت بالمطالبة بالإنذار والتشمير لما يستتبعه: )قم فأنذر (2)( (المدثر)، وفي هذه الصورة نفسها يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: )نذيرا للبشر (36)( (المدثر)، وذلك ليحدد له طبيعة عمله، ويهيئ له أن يعد نفسه لهذا العمل الذي وضعه الله تعالى بقوله في ثالث سورة نزلت وهي المزمل: )إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا (5)( (المزمل).

ثم في سورة التكوير - وهي من أوائل ما نزل من القرآن؛ إذ تعد سابع سورة أنزلت - يؤكد الله عالمية الدعوة وعمومها في قوله تعالى: )إن هو إلا ذكر للعالمين (27)( (التكوير)"[2].

هذه الآيات الدالة على عالمية الإسلام تقابلها آيات تنص على أن رسالة الأنبياء السابقين جميعهم في أقوامهم فحسب، يقول عز وجل: )لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله( (الأعراف: ٥٩)، )ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين (80)( (الأعراف)، )وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره( (الأعراف: ٨٥). )وإلى عاد أخاهم هودا( (هود: ٥٠). فهذه الآيات واضحة الدلالة على أن نوحا ولوطا وشعيبا وهودا، مبعوث كل منهم "إلى قومه"، أما الإسلام فيدل بوضوح على أنه "للعالمين"، فكيف فهم المستشرقون من علوم اللغة العربية أن كلمة "عالمين" للعرب فقط؟!

لقد عمت رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - الخافقين[3]، وشملت الأبيض والأصفر، ولم يحس أحد من هؤلاء أن الدعوة لا تناسبه، ولا أنها مستوردة إليه من صنف آخر، بل أحس كل واحد أن الدعوة له، وأنها تنظم كيانه وحياته[4].

فهل يعقل بعد هذا البيان الإلهي الصريح في الأمر لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بتبليغ الدعوة إلى العالم أجمع، بل إلى الثقلين (الإنس والجن) - أن يقال: إن رسالة الإسلام كانت خاصة، ثم حولها محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى رسالة عامة؟

2.  الحديث النبوي والسيرة المحمدية:

أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعماله الدعوية وغزواته تؤكد عالمية الإسلام وعمومية رسالته، بل لا يوجد ما يوهم خصوصية هذه الرسالة ومحليتها، ولو كانت رسالة خاصة فلم يتعب نفسه وأصحابه في العمل الشاق وطريق الجهاد الصعب، المملوء بالزعازع والأنواء، والمحن والإحن؟! فهو ليس طريقا سهلا ولكنه طريق صعب، ليس مفروشا بالورود والرياحين، إنما هو طريق مفروش بالأشواك والدماء. فما كان أغناه عن ورود هذا الطريق لو كان له من الأمر غيره! هذا الطريق الذي تعرض فيه للقتل أكثر من مرة، وفقد فيه خيرة أصحابه وعلى رأسهم عمه حمزة.

أما أحاديثه - صلى الله عليه وسلم - ومواقفه من سيرته فكلها تدل على عالمية رسالته، ومنها:

·   جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار»[5].

·   جاء أيضا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى»[6]. قال مجاهد: يعني الجن والإنس، وقال غيره: يعني العرب والعجم، والكل صحيح.

·   عن كرز بن علقمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد الله - عز وجل - بهم خيرا أدخل عليهم الإسلام»[7].

·   وجاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن غير واحد أنه قال: «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة»[8] [9].

·   تنبؤ النبي لأم حرام الرميصاء بنت ملحان زوجة عبادة بن الصامت أنها ستركب البحر، عندما نام في بيتها ثم استيقظ يضحك، فقالت: ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج[10] هذا البحر ملوكا على الأسرة (أو مثل الملوك على الأسرة)". قالت: يا رسول الله، ادع أن يجعلني منهم. ثم نام فاستيقظ وهو يضحك فقال مثل ذلك، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم. قال صلى الله عليه وسلم: أنت من الأولين»[11]، فكانت أم حرام في غزوة قبرص (28هـ/648م) وماتت بها، وتحققت الرؤيا الثانية فكانت عبارة عن غزوة القسطنطينية.

فركوب البحر الذي تنبأ به رسول الله لنشر لواء الإسلام أين سيكون؟ هل سيركب الصحابة البحر من المدينة إلى نجد؟ هل سيكونون في سفن كأنهم الملوك على الأسرة، قاصدين الربع الخالي بعد مغادرة مكة؟ لندع الجواب للعقل السليم.

·   وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لصحابته بأن يستوصوا بأهل مصر خيرا، وذلك عندما قال: «إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا؛ فإن لهم ذمة ورحما، فإذا رأيتم رجلين يقتتلان في موضع لبنة فاخرج منها» والأرض هنا يقصد بها أرض مصر[12]. فهل مصر والأقباط سكانها في الجزيرة العربية؟!

·   أثناء حفر الخندق قبيل معركة "الأحزاب" أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - صحابته بفتح الحيرة، وقصور كسرى، وفتح القصور الحمر في الشام، فهل قصور كسرى وقصور الشام الرومية في الجزيرة العربية؟ ومثل هذه التنبؤات عن انتشار الإسلام خارج جزيرة العرب كثيرة، وكلها تدحض افتراءات المستشرقين المكابرين.

·       ومن أحاديثه صلى الله عليه وسلم: «بعثت إلى الناس كافة»[13].

فهل يطلبون تصريحا أبلغ من هذا؟ [14].

فهل يتسنى لعاقل بعد هذا البيان النبوي الواضح في النص على عالمية الإسلام وعموم الرسالة المحمدية منذ البداية - أن يصغي مجرد إصغاء لزعم من يقول: إن فكرة عالمية الإسلام لم تخطر ببال محمد، أو إنها كانت من عمل أصحابه بعد وفاته، )إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون (116)( (النحل).

 رسالات النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الحكام والملوك[15]:

ويؤكد الدكتور شوقي أبو خليل أن رسالات النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الحكام والملوك المعاصرين له حقيقة؛ فهي استجابة للأمر الإلهي بتبليغ الدعوة إلى جميع العالم، وكيف ينكر المدعون مثل هذه الرسائل والكتب، وبعضها موجود إلى يومنا هذا في "إستانبول"؟ وكيف لا يوجد أثر لهذه الكتب في تاريخ هؤلاء الملوك والأمراء وقد قامت حروب من أجلها؟

وتاريخنا العربي الإسلامي لا يؤخذ من فم المستشرقين ولا من تحقيقاتهم؛ إذ إن أكثرهم درس الإسلام من غير موضوعية ومن غير تجرد، بل ابتغى مع أقرانه التخريب والدس والتشكيك.

علماؤنا العرب مصدر تراثنا وهم (على كثرتهم) لم يتطرق إليهم الشك في إرسال هذه الكتب، ولم يخطر ببالهم مطلقا شك أو تردد، فمن نصدق؟ أنصدق علماءنا العرب أم مستشرقا أجنبيا؟

لنر معا أهم مراجع التاريخ العربي الإسلامي:

·       ابن هشام: في الجزء الرابع ص 279، 280، ذكر الرسائل.

·       اليعقوبي: في الجزء الثاني ص 83، ذكر الرسائل.

·       الكامل في التاريخ: لابن الأثير الجزري في الجزء الثاني ص 143، ذكر الرسائل.

·       في البداية والنهاية: الجزء الرابع ص 362 وما بعدها.

·   في الطبري الجزء الثاني ص 644، خروج رسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الملوك (طبعة دار المعارف).

 وما سبق من كتب هي أسس التاريخ العربي، ولنر مثالا على ذلك ما ذكره الطبري في الجزء الثاني ص 649:

"حدثنا ابن حميد قال: حدثني ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب المصري أنه وجد كتابا فيه تسمية من بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ملوك الخائبين (الكفار)، وما قال لأصحابه حين بعثهم، فبعث به (أي الكتاب) إلى ابن شهاب الزهري مع ثقة من أهل البلدة فعرفه (أي الكتاب).

ثم ذكر الطبري نص رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل وهي:

«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين»[16] [17].

ثم ذكر الطبري رسائل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المقوقس والنجاشي وكسرى أبرويز ملك الفرس.

ودليل صحة هذه الكتب التي تدل دلالة واضحة على عالمية الدعوة المحمدية ما يأتي:

·       حديث هرقل مع أبي سفيان واستفساره عن خروج نبي آخر الزمان:

فقد دار فيه حوار طويل بينهما، وفي نهايته توجه هرقل لأبي سفيان بقوله:

«سألتك عن نسبه، فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول، فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت: رجل يأتسي بقول قيل قبله، وسألتك هل كان من آبائه من ملك، فذكرت أن لا، قلت: فلو كان من آبائه من ملك قلت: رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله، وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم، فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل، وسألتك أيزيدون أم ينقصون، فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، وسألتك هل يغدر، فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك بما يأمركم، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه»[18].

·       قصة إسلام باذان عامل كسرى في اليمن، وخلاصتها:

أرسل كسرى إلى عامله في اليمن واسمه "باذان" أن: ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين، فليأتياني به، فبعث باذان رسولين يحملان كتابا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، يأمره فيه أن ينصرف معهما إليه.

فخرج الرجلان حتى قدما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالا: إن كسرى قد بعثنا إليك لتنطلق معنا، فصرفهما الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أن يعودا إليه في الغد، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخبر من السماء، أن الله قد سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله، فلما قدم الرسولان أخبرهما الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا الخبر، فقالا له: إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر من هذا، أفنكتب هذا عنك ونخبره الملك؟ قال: نعم، أخبراه ذلك عني، وقولا له إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ كسرى.

فعاد الرسولان إلى باذان فقصا عليه ما تنبأ به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: والله ما هذا بكلام ملك، وإني لأرى الرجل نبيا كما يقول، ولننظرن ما قد قال، فلئن كان هذا حقا فإنه لنبي مرسل، وإن لم يكن فسنرى فيه رأينا.

فلم يلبث باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه: "أما بعد، فإني قد قتلت كسرى، ولم أقتله إلا غضبا لفارس لما استحل من قتل أشرافهم، فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك، وانظر الرجل الذي كان كسرى كتب فيه إليك - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - فلا تهجه حتى يأتيك أمري فيه".

فلما انتهى كتاب شيرويه إلى باذان قال: إن هذا الرجل لرسول، فأسلم وأسلم من كان معه من الفرس ببلاد اليمن.

·       ودليل آخر معركة مؤتة:

اعترف المستشرقون أن معركة مؤتة سنة 8هـ كانت ثأرا من الحارث بن أبي شمر الغساني الذي قتل رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه، وهو: شجاع بن وهب الأسدي. فكيف تكون مؤتة وسببها قتل الحارث لحامل رسالة رسول الله، ثم ينكرون وجود الرسائل؟!

·       وهناك وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بأهل مصر:

اعترف المستشرقون أيضا بوصية النبي بأهل مصر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط[19]، فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما، فإذا رأيتم رجلين يقتتلان في موضع لبنة فاخرج منها»[20]. والأرض هنا يقصد بها أرض مصر.

ووجود مارية القبطية نفسها زوجة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - دليل على الرسائل، فلولا رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المقوقس والتي حملها حاطب بن أبي بلتعة لما وصلت مارية إلى جزيرة العرب، والمقوقس ما أرسل هداياه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بعد مناقشة طويلة مع حاطب حامل الرسالة، ولا طائل من إيرادها هنا[21].

3. القادة وأقوالهم في مراحل التاريخ الإسلامي كلها تؤكد رسوخ مبدأ عالمية الإسلام وضرورة تبليغه إلى الناس كافة، ونذكر منها على سبيل المثال فقط:

·   أبو بكر الصديق يخطب قائلا: "يا أيها الناس، إن الله قد أنعم عليكم بالإسلام، وأكرمكم بالجهاد، وفضلكم بهذا الدين على كل دين، فتجهزوا عباد الله إلى غزو الروم بالشام؛ فإني مؤمر عليكم أمراء، وعاقد لكم ألوية[22]، فأطيعوا ربكم، ولا تخالفوا أمراءكم لتحسن نيتكم؛ فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون"[23].

·   ربعي بن عامر يقول لرستم قائد الفرس: الله جاء بنا، وهو بعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ولنخرج من يشاء من عباده من ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبله قبلنا منه ورجعنا عنه وتركناه وأرضه دوننا، ومن أبى قاتلناه حتى نفضي إلى الجنة أو الظفر[24].

·   موقف عقبة بن نافع: ذلك البطل المجاهد الذي وصل إلى المحيط الأطلسي غربا بجيوش المسلمين المجاهدين الفاتحين، حين انحدر نحو المحيط إلى جنوب المدينة الحالية المعروفة حاليا باسم "أغادير" التي تقع على مصب وادي السوس، وهناك وعند قرية صغيرة على البحر تسمى "أيغيران يطوف" نرى المشهد التاريخي الشهير، وهو مشهد عقبة يدخل بحصانه في مياه المحيط الأطلسي ويشهد الله على أنه وصل براية الإسلام إلى آخر المعمورة، وأنه لو وجد طريقا لسار إلى البلاد التي وصل إليها ذو القرنين عند مغرب الشمس[25].

·   وصية عثمان - مؤسس الدولة العثمانية - لابنه: "وصيتي لأبنائي وأصدقائي، أديموا علو الدين الإسلامي الجليل بإدامة الجهاد في سبيل الله، أمسكوا راية الإسلام الشريفة في الأعلى بأكمل جهاد، اخدموا الإسلام دائما؛ لأن الله - عز وجل - قد وظف عبدا ضعيفا مثلي لفتح البلدان، اذهبوا بكلمة التوحيد إلى أقصى البلدان بجهادكم في سبيل الله، ومن انحرف من سلالتي عن الحق والعدل حرم من شفاعة الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - يوم المحشر.

يا بني، ليس في الدنيا أحد لا تخضع رقبته للموت، وقد اقترب أجلي بأمر الله عز وجل، أسلمك هذه الدولة وأستودعك المولى - عز وجل - اعدل في جميع شئونك"[26].

4. نصوص الكتب السماوية تؤكد عالمية الإسلام وعموم رسالته وختمها للرسالات السابقة، كما تؤكد خصوص غيرها بزمانها ومكانها:

·       أدلة من نصوص الديانات السابقة تؤكد عالمية الإسلام:

هناك أدلة كثيرة من الإنجيل تؤكد عالمية الإسلام، وإن كان الكثير من هذا الكثير قد ضاع مع التغيير والتبديل الذي مني به الإنجيل في الأزمان المتعاقبة من بعد المسيح عليه السلام، غير أن الذي بقي لنا من هذه الأدلة والبشارات بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - كاف؛ ليكون برهانا قاطعا على عالمية دعوته - صلى الله عليه وسلم - وختمها للرسالات وبقائها للأبد، ومن هذه البشارات بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبدعوته العالمية الخالدة ما يأتي:

يقول عيسى - عليه السلام - لأتباعه: "إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله؛ لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه؛ لأنه ماكث معكم ويكون فيكم. لا أترككم يتامى. إني آتي إليكم". (يوحنا 14: 15ـ 18)، ولم يقل المسيح - عليه السلام - هذا القول من تلقاء نفسه أبدا، ومن المعلوم أن المراد بالمعزي هنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا مصداق لما جاء في القرآن الكريم على لسان عيسى - عليه السلام - إذ قال: )ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين (6)( (الصف).

هذه البشارات بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وتظاهر الأديان السابقة على دعوة أتباعها إلى الإيمان به إن ظهر، إنما يدل ذلك دلالة قطع وتأكيد على أن نبوته - صلى الله عليه وسلم - هي النبوة العامة التي يجب على أهل سائر الديانات أن يؤمنوا بها ويتبعوا صاحبها، وإذا كان الأمر كذلك لمن هم أهل ديانات، كان المشركون ومن ليس لهم ديانة سماوية أولى باتباعه والعمل بما جاء به، وبذلك ترتسم لرسالته معالم الرسالة العامة لكل أبيض وأحمر من بني آدم[27].

·       نصوص الكتاب المقدس تؤكد محلية اليهودية والنصرانية:

o   بالنسبة للديانة اليهودية: فإن أتباعها لا يدعون عالميتها، بل يفتخرون بأنها ديانة خاصة باليهود وأنهم شعب الله المختار، ولم يؤثر عن رسلهم إلا ذلك.

o   أما بالنسبة للمسيحية: فنصوص الإنجيل تؤكد محليتها: فقد أرسل يسوع إلى بني إسرائيل فقط، جاء في إنجيل متى على لسانه: "ولم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة". (متى 15: 24). "هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلا: إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا. بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة". (متى 10: 5، 6).

وحول هذا الموضوع يحدثنا الدكتور شوقي أبو خليل، فيقول: جاء في "ينابيع المسيحية": لم يكن الدين غير القومي معروفا لدى عيسى، وكان كل عمله خاصا ببني إسرائيل، وظل عمله بينهم كل زمن حياته، إلا أننا قرأنا ما يناقض ذلك في إنجيل مرقس، حيث روى أنه قد قال لتلاميذه الأحد عشر، عندما جلسوا إلى اللحم: "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا[28] بالإنجيل للخليقة كلها". (مرقس 16: 15)، وأنبئنا أن ذلك حصل بعد قيامه من الموت؛ لأنه قبل وفاته لم يفكر إلا في عشيرته فقط، وقد منحهم أيضا القدرة على إتيان المعجزات: "وهذه الآيات تتبع المؤمنين: يخرجون الشياطين باسمي، ويتكلمون بألسنة جديدة. يحملون حيات، وإن شربوا شيئا مميتا لا يضرهم، ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون". (مرقس 16: 17، 18).

ترى إرساليات التبشير المسيحية أن الآيات الإنجيلية الماضية تخولهم حقا يبرر استمرارهم في تبشيرهم في سائر الجهات، إلا أنه يظهر أن هؤلاء المرسلين الحديثين لا يستطيعون إحداث المعجزات التي يجب أن يحدثها من يرسل لنشر الدين المسيحي، ولعل السبب في عدم قدرتهم على إحداث هذه المعجزات راجع إلى قول عيسى في الإنجيل: "وهذه الآيات تتبع المؤمنين"، فمن المؤكد أن مراكزهم والحالة هذه ليست مما يشتهى أو يرغب فيه، إذ كيف يمكن لقوم أن ينشروا الإيمان وهم ليسوا بمؤمنين؟!!

إن الإحدى عشرة آية الختامية لإنجيل مرقس التي أخبرت عن قيام المسيح - عليه السلام - بعد الموت، والمرسلين ومعجزاتهم، والحكم المتوقع على غير المسيحيين، ذلك الحكم غير اللائق وغير الخليق بنفس وديعة كنفس عيسى عليه السلام - قد برهن على أنها حشو وإضافة مزيفة، وليس لها وجود في الترجمة اللاتينية للكتاب المقدس، ولا في الأصول اليونانية القديمة.

إن ناقلي الكتاب المقدس الأول إلى اللغة الإنجليزية في عهد جيمس الأول، وجدوه كذلك، وأشاروا إلى ذلك في الهامش بملاحظة عن تلك الإحدى عشرة آية التي لم تكن موجودة في الأصل اللاتيني، وتعلم ذلك جمعية الكتاب المقدس البريطانية علم اليقين، ومع ذلك فهم لا يهتمون بحذفها من كتابهم المقدس، ولا يجدون هناك حاجة لأن يضعوا ملاحظة على الهامش، كما فعل المترجمون الإنجليز الأول. إن تركهم للناس، يتخبطون في الظلام من هذه الوجهة، موضوع يجب أن يعتبروه ويمنحوه عنايتهم، ولو لخدمة الحقيقة وأداء الأمانة فقط.

والجزء اللغز في هذا الإسقاط: ما أضيف إلى تعاليم يوشع فيما بعد، وما حشيت الأناجيل به على مر العصور، فما جاء في إنجيل مرقس: "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها". (مرقس 16: 15) ليس له وجود في الترجمة اللاتينية للكتاب المقدس، ولا في الأصول اليونانية القديمة، والأصل في المسيحية: "أرسل يسوع إلى خراف بني إسرائيل الضالة فقط"، ومن هنا جاء الإسقاط فاتهم الإسلام أنه للعرب فقط.

قال تعالى في محكم التنزيل: )يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (13)( (الحجرات)، فالناس - جميعا - في نظر الإسلام سواسية كأسنان المشط، ولا فضل لعربي على أعجمي، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى، وهذه العمومية والمساواة بين الناس جميعا، كانتا من أهم عوامل انتشار الإسلام بين شعوب الأرض[29].

ثانيا. تعدد المظاهر والشواهد التي تؤكد عالمية الإسلام وعموم رسالته:

تعددت المظاهر والشواهد التي تؤكد عالمية الإسلام، ومنها:

1.  السابقون الأولون للإسلام من غير العرب ومن أصحاب الديانات الأخرى ومن تبعهم:

من السابقين إلى الإسلام من غير العرب: بلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، فألقابهم تنتمي إلى أبرز الأمم المعروفة آنذاك، وفي هذا بشارة بأنه سيكون لهذه الأمم في تاريخ الإسلام شأن، وأن دعوته غير قاصرة على بني العرب.

ومن هؤلاء أيضا النجاشي ملك الحبشة، وعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار وكانا يهوديين فأسلما.

وإسلام هؤلاء وغيرهم ممن لم ينتسبوا إلى الجنس العربي في وقت مبكر من فجر الإسلام وبداية دعوته - فيه دلالة كبيرة على عالمية رسالة الإسلام، وعلى أن فكرة العالمية وجدت من أول يوم نزل فيه القرآن، وإلا لو كان الإسلام خاصا في بدايته - كما يزعم المفترون - لما اعتنقه مثل هؤلاء. كما نفهم من إسلامهم وهم أصحاب كتب سماوية، سواء اليهودية أو النصرانية، أن شرائعهم كانت خاصة بقوم ومؤقتة بزمن محدود، فلما انتهى زمنها، وجاءت الرسالة الخاتمة وجب عليهم اتباعها وترك ما هم عليه، ولو كانوا يعلمون من كتبهم أن رسالة الإسلام خاصة بالعرب لما لزمهم اتباع النبي العربي صلى الله عليه وسلم، ولما كان عليهم حرج في عدم الإيمان به، لكنهم يعلمون عمومها ووجوب الإيمان بها، وأن الإيمان لا يقبل عند الله بعد إرسال محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا باتباعه وتصديقه والإيمان به، إذ الكفر بنبي واحد هو الكفر بكل الأنبياء، كما أن الرسالة الخاتمة لا بد أن تكون عامة لانقطاع الرسالات بعد ذلك، ولا بد وأن تكون ناسخة لما قبلها، حتى يتسنى لها العموم، فالنسخ يكون في الشرائع؛ لأن أصل الدين واحد، وهو التوحيد دين الإسلام[30].

2.  انتشار اللسان العربي مع امتداد الفتوحات الإسلامية:

يبين الدكتور على عبد الحليم أن من مظاهر عالمية الإسلام وشواهدها انتشار اللسان العربي مع امتداد الفتوحات الإسلامية، فيقول:

لقد عاشت اللغة العربية في عصور الجاهلية، لغة محلية إقليمية في محيطها الجغرافي المحدود، الذي لا يكاد يتعدى شبه جزيرة العرب، فلما جاء الإسلام وأمر المسلمون بإبلاغه بناء على مبدأ عالمية الدعوة: )وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (107)( (الأنبياء)، وانطلقت حركة الفتح الإسلامي، أتت العربية فرصتها التاريخية لتتحول إلى لغة عالمية، فكما بعث هذا الدين أمة العرب بعثا من رقدتها، فعلا كعبها به، وسادت على الأمم، وصارت "مادة الإسلام"، ومنها الخلفاء والأمراء، والقادة ونخبة المجتمع الإسلامي في فترة صدر الإسلام حتى أواخر العصر الأموي - فقد منح أيضا لغتها فرصة ذهبية لتنطلق مصاحبة لحركة الفتح مواكبة لها.

وحيث كانت القبائل العربية تمثل عصب جيوش الفتح في الفترة الأولى، وقد استقر كثير منها في البلاد المفتوحة، مما أدى إلى استعراب لسان مجتمعاتها شيئا فشيئا، وبالإضافة إلى الحافز الديني الذي يقتضي أن يتعلم المسلم الجديد من أهالي هذه البلاد شيئا من العربية لأداء الصلوات وحفظ القرآن، والاطلاع على تعاليم الدين - كانت خطوة تعريب الدواوين في العصر الأموي - زمن عبد الملك بن مروان وخلفائه - حيث أصبح لزاما أن تتم المكاتبات والحسابات في الدواوين الحكومية باللغة العربية بدلا من الرومية والفارسية، وكان على طلاب الوظائف في الدواوين والدوائر الحكومية أن يجيدوا هذه اللغة، خاصة أن العرب قد فتحوا باب الخدمة في المصالح الحكومية لكل الرعية على اختلاف ألوانها وأديانها ونحلها، وكانت العربية جواز المرور للالتحاق بهذه الخدمة؛ ولهذا فبمرور الزمن وجدت طوائف غير مسلمة لا تعرف إلا اللغة العربية مما أدى إلى ضرورة ترجمة الإنجيل للعربية.

وقد تمتع اللسان العربي بالمرونة، فلم يتحجر أو يجمد، فقد هضمت العربية ألفاظا من الفارسية والرومية والسريانية والقبطية والهندية، وهي اللغات التي احتكت بها في دائرة الفتح، وهجرت في الوقت نفسه ألفاظا وتعابير كانت مألوفة في الجاهلية، ولم تعد مناسبة للتطورات الاجتماعية الجديدة، وسعى العرب بحماسة ليجعلوا لغتهم لغة علم، كما هي لغة دين وأدب وسياسة، مما حمل بعض المستشرقين على القول بأن هذه اللغة ظهرت فجأة في غاية الكمال والسلاسة والغنى، بحيث يمكن القول: إنه ليس لها عهد بالطفولة.

وقد كانت موجة الفتح الضخمة، التي انطلقت خلال العصر الأموي نحو مختلف جهات الأرض الأربعة، ووسعت دار الإسلام إلى أبعد حد وصلته، وهي دولة واحدة موحدة كانت هذه الموجة هي الأبعد أثرا في اتساق نطاق العروبة والإسلام، فقد كان بنو أمية عربا فاتحين نشروا الإسلام والعروبة في كل ما فتحوا، ولولا ظروف طارئة حالت دون استعراب إيران وردتها إلى الفارسية، لكان شرق الدولة الإسلامية كله اليوم عربيا كما حدث في غربها.

وقد تفاوتت الأقاليم المفتوحة في مدى تقبلها للعربية وانتشارها فيها، ففي مغرب العالم الإسلامي بدءا بمصر، ووصولا إلى الأندلس عانت هذه البلاد من حالة من الانحطاط والتدهور تحت الاحتلال الروماني في مصر وشمالي أفريقية، وحكم القوط في شبه الجزيرة الإيبيرية (الأندلس لاحقا)، وانسحب هذا على مدى قوة اللغات السائدة فيها، فاللغة وعاء الحضارة تقوى بقوتها، وتضعف بتدهورها، ولهذا كان سهلا على العربية أن تصارع هذه اللغات بتلك البلاد فتصرعها، وتحل محلها، وتصبح لغة الإبداع والتأليف فضلا عن الحديث، ولهذا وصل إلينا تراثها باللغة العربية، ولمعت في ذاكرتنا الثقافية أسماء أعلام من مثل: المقريزي والسيوطي وابن خلدون، فإذا اجتزنا المضيق صادفنا أعلام التراث الأندلسي: كابن رشد، وابن حزم، وابن الخطيب، وابن بسام، والقالي، وابن زيدون، وابن زهر، وابن عباد، وغيرهم.

ولهذا ظلت التجربة الأندلسية حية في الذاكرة العربية الثقافية والتاريخية، رغم نهايتها المريرة، وصار سهلا على هذه الذاكرة استرجاع ظلال قصة الفردوس المفقود متى شاءت في أية لحظة للاتعاظ والاعتبار، وسهل أيضا على طلاب العلم - على مستوى التخصص العلمي الجامعي في أقسام التاريخ - إنجاز الدراسات في هذا الفرع من الدراسات التاريخية - التاريخ الأندلسي - لأن مصادره العلمية مكتوبة بالعربية في الغالب ومبثوثة في المكتبات العامة والخاصة.

هذا رغم أن شجرة الإسلام قد اجتثت من تربة الأندلس واستؤصلت، والمسلمين قد طردوا منها، والتجربة قد انقطعت ولم تستمر، وكان ما كان مما أوجزه شاعر الأندلس - في بلاغة - بقوله:

لكل شيء إذا ما تم نقصان

فلا يغر بطيب العيش إنسان

هي الأمور كما شاهدتها دول

من سره زمن ساءته أزمان

فكان من المتوقع أن تندثر مع التجربة أخبارها، لكنها بقيت؛ لأن العربية حفظت تراثها فوصلنا.

 فإذا تحولنا إلى مشرق العالم الإسلامي وجدنا أن العربية قد صارعت لغة عريقة ذات تراث هي اللغة الفارسية في إيران، وامتداداتها في أواسط آسيا، حيث عالم الثقافة الفارسية.

ومع اندفاع حركة الفتح الإسلامي في تلك الجهات غالبت العربية الفارسية شيئا ما في البداية وشاركتها في لغة الحديث والتأليف، فنجد أعلام العلماء المنتمين إلى هذه البلاد كالطبري وابن المقفع والرازي والزمخشري وابن مسكويه والبيروني وغيرهم يؤلفون بالعربية لغة قرآنهم، بالإضافة إلى تآليفهم بلغتهم الأم[31].

شهادات العلماء المنصفين والدارسين المحايدين من الباحثين تؤكد عظمة الإسلام وجدارته وعالمية رسالته:

3.   إن ثمة شهادات منصفة شهد بها الباحثون الغربيون، تؤكد عالمية الإسلام، وسنكتفي بذكر بعضها:

·       جورج روبير:

إن الإسلام ليس دينا فحسب، إنه آخر الأديان التي ظهرت في التاريخ، وإنه أيضا وبصفة خاصة مجتمع روحي واجتماعي، ونظام سياسي، وأسلوب للعيش، ولقد أعطى الإسلام للدنيا حقها، وللآخرة حقها، فلا تزهق الروح على حساب البدن، ولا يزهق البدن على حساب الروح، فالازدواج كامل بين الروحية والمادية في شخصية المسلم.

·       ريتشارد هارتمان:

قلما تجد بين الأديان دينا ينفذ إلى حياة معتنقيه كلها فردية كانت أم جماعية، مثل الإسلام، ذلك أنه جمع السلطة الدينية في شكل الدولة السياسي، ووقى خطر التفرقة بين أمور الدين وأمور الدولة، وقد ألبس الدين ثوب التشريع والفقه.

·       ليوبولدفابس:

إن أهم مآتي الإسلام تلك المآتي التي تميزه عن سائر النظم المطلقة، التوفيق التام بين الناحية الخلقية، والناحية المادية من الإنسانية، هذا سبب من الأسباب التي عملت على ظفر الإسلام في إبان قوته أينما حل، لقد أتى الإسلام بالرسالة الجديدة التي لا تجعل احتكار الدنيا شرطا للنجاة في الآخرة، هذه الخاصية الظاهرة في الإسلام تجلو الحقيقة الدالة على أن محمدا كان شديد الاهتمام بالحياة الإنسانية، في كلا اتجاهيها في المظهر الروحي، والمظهر المادي.

·       غوستاف لوبون:

إن أكبر سلاح استعمله المسلمون لبث الدعوة الإسلامية هو اتصافهم بالشيم العالية اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم[32].

ثالثا. معنى الآيات التي استدل بها المدعون لا يدل على محلية الإسلام، وليس معنى نزول الرسالة على أمة بدوية أنها لا تصلح للمدنية:

لقد ثبت من القرآن أن الإسلام رسالة عالمية صالحة لكل زمان ومكان، وأنه تكفل بتبيان كل شيء وإسعاد الناس أينما كانوا: )ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين (89)( (النحل)، )ما فرطنا في الكتاب من شيء( (الأنعام: 38).

أي خبر في أي جزء من الأرض يمكن أن تتناقله الدنيا في لحظة واحدة، وأن يعرفه العالم كله في لمح البصر؟ وأية غرابة في أن يأتي كتاب هذا الدين بلغة واحدة؟! وإذا لم ينزل القرآن بلغة واحدة، لغة من نزل بينهم ليحملوه إلى الناس وليبلغوه للعالمين، فماذا يمكن أن يكون؟!

إن الابتداء بالأهل والعشيرة منطلق طبيعي، بل بداية الانطلاق إلى العالم لدعوة الأهل والأقربين: )وأنذر عشيرتك الأقربين (214)( (الشعراء)، ومن يقرأ القرآن الكريم وهو الكتاب العربي المبين لا يمكن أن يجد فيه ما يخصصه لفريق دون فريق، أو قوم دون قوم، وكونه بلسان عربي ليس إلا وصفا له باللغة التي أنزل بها[33].

وحتى يتبين الأمر وتتضح الحقائق نعرض لتفسير الآيات التي استشهد بها مثيرو هذه الشبهة، مستدلين بها على إنكارهم عالمية الدين الإسلامي، من خلال كتب التفسير، وكما قيل "أهل مكة أدرى بشعابها"، فكذلك أهل التفسير أعلم به وبالمراد منه، أو هم أقرب الناس للعلم بمراد الله تعالى، قال تعالى: )وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم (4)( (إبراهيم).

يقول صاحب الظلال: وهذه نعمة شاملة للبشر في كل رسالة، فلكي يتمكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من إخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، لم يكن بد من أن يرسل بلغتهم، ليبين لهم وليفهموا عنه، فتتم الغاية من الرسالة.

وقد أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - بلسان قومه - وإن كان رسولا إلى الناس كافة - لأن قومه هم الذين سيحملون رسالته إلى كافة البشر، وعمره - صلى الله عليه وسلم - محدود، وقد أمر أن يدعو قومه أولا حتى تخلص الجزيرة العربية للإسلام، ومن ثم تكون مهدا يخرج منه حملة رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى سائر بقاع الأرض.

والذي حدث بالفعل - وهو من تقدير الله العليم الخبير - أن اختير الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى جوار ربه عند انتهاء الإسلام إلى آخر حدود الجزيرة، وبعث جيش أسامة إلى أطراف الجزيرة، وقد توفي الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم يتحرك بعد.. وحقيقة أن الرسول قد بعث برسائله إلى خارج الجزيرة يدعو إلى الإسلام، تصديقا لرسالته إلى الناس كافة، ولكن الذي قدره الله له، والذي يتفق مع طبيعة العمر البشري المحدود، أن يبلغ الرسول - صلى الله عليه وسلم - قومه بلسانهم، وأن تتم رسالته إلى البشر كافة عن طريق حملة هذه الرسالة فلا تعارض بين رسالته للناس كافة، ورسالته بلسان قومه، في تقدير الله، وفي واقع الحياة، قال تعالى: )وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم (4)( (إبراهيم).

 إذ تنتهي مهمة الرسول - كل رسول - عند البيان، أما ما يترتب عليه من هدى ومن ضلال، فلا قدرة عليه، وليس خاضعا لرغبته، إنما هو من شأن الله، وضع له سنة ارتضتها مشيئته المطلقة، فمن سار على درب الضلال ضل، ومن سار على درب الهدى وصل.. هذا وذلك يتبع مشيئة الله، التي شرعت سنته في الحياة. )وهو العزيز الحكيم (4)( (إبراهيم).

القادر على تصريف الناس والحياة، يصرفهم بحكمة وتقدير فليست الأمور متروكة جزافا بلا توجيه ولا تدبير[34].

أما قوله تعالى: )وأنذر عشيرتك الأقربين (214)( (الشعراء)، فإنه ورد بين آيتين، كالتالي: )فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين (213) وأنذر عشيرتك الأقربين (214) واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين (215)( (الشعراء).

فالآية الأولى تحذره من الشرك، ثم تأمره بدعوة العشيرة، ثم خفض الجناح للمؤمنين، وبهذا الترتيب يبدأ بنفسه، ثم قومه ثم الناس جميعا، فهل في هذا ما يفهم منه أنه خاص بقومه؟ ولماذا لم يقفوا عند الآية الأولى من الثلاثة، ويقولوا إنه مرسل إلى نفسه فقط ما داموا سيقطعون ما يحلو لهم عن سياقه؟! وفي هذه الآية المذكورة يطلب الله - عز وجل - من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ينذر أقاربه أولا، ثم يعطف على المؤمنين.

ومن أجل أن يطمئن أهل مكة وغيرها من أهل القرى، يأمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن ينذر عشيرته الأقربين فيلزم نفسه أولا، ثم الأقربين فالأبعد فالأبعد، وأمره أن يخفض جناحه لهؤلاء المؤمنين أي يلين جانبه لمن اتبعه من عباده المؤمنين بالعطف والحنان، وأمره أن يتبرأ ممن عصاه من خلق الله كائنا من كان حتى لو كان من أقاربه (ذو رحم أو ذو قربى)، فلا يجامل أحدا، فالكل سواسية، والإنسان إذا بدأ بنفسه فسوف يطيعه الآخر طواعية [35].

ويجلي الشيخ سيد قطب لنا حقيقة الآية الثانية ودلالتها على عالمية الرسالة المحمدية، ولماذا نزل القرآن في أمة بدوية ليكون دعوة عالمية: قال تعالى: )وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير (7)( (الشورى).

يقول الشيخ سيد قطب في معرض تفسيره لهذه الآية: يعطف هذا الطرف من حقيقة الوحي على ذاك الطرف الذي بدأت به السورة، والمناسبة هنا بين تلك الأحرف المقطعة، وعربية القرآن، مناسبة ظاهرة. فهذه أحرفهم العربية، وهذا قرآنهم العربي.. نزل الله به وحيه في هذه الصورة العربية، ليؤدي به الغاية المرسومة: )لتنذر أم القرى ومن حولها( (الشورى: 7).

وأم القرى مكة المكرمة، المكرمة ببيت الله العتيق فيها، وقد اختار الله أن تكون هي - وما حولها من القرى - موضع هذه الرسالة الأخيرة؛ وأنزل القرآن بلغتها العربية لأمر يعلمه ويريده: )الله أعلم حيث يجعل رسالته( (الأنعام: 124)

وحين ننظر اليوم من وراء الحوادث واستقرائها، ومن وراء الظروف ومقتضياتها، وبعدما سارت هذه الدعوة في الخط الذي سارت فيه، وأنتجت فيه نتاجها.. حين ننظر اليوم هذه النظرة ندرك طرفا من حكمة الله في اختيار هذه البقعة من الأرض، في ذلك الوقت من الزمان، لتكون مقر الرسالة الأخيرة، التي جاءت للبشرية جميعا، والتي تتضح عالميتها منذ أيامها الأولى.

لماذا بدأ الإسلام من الجزيرة العربية؟

لقد جاء الإسلام لينقذ البشرية كلها مما انتهت إليه من انحلال وفساد واضطهاد وجاهلية عمياء في كل مكان معمور، وجاء ليهيمن على حياة البشرية ويقودها في الطريق إلى الله على هدى و نور.

فناسب هذا أن يبدأ رحلته من أرض حرة لا سلطان فيها لامبراطورية من تلك الامبراطوريات - التي وجدت وقتها - وأن ينشأ قبل ذلك نشأة حرة لا تسيطر فيها خارجة على طبيعته، بل يكون فيها هو المسيطر على نفسه وعلى من حوله، وكانت الجزيرة العربية، وأم القرى وما حولها بالذات، هي أصلح مكان على وجه الأرض لنشأة الإسلام يومئذ، وأصلح نقطة يبدأ منها رحلته العالمية التي جاء من أجلها منذ اللحظة الأولى.

فقد كان النظام القبلي هو السائد، وكان للعشيرة وزنها في هذا النظام، فلما قام محمد - صلى الله عليه وسلم - بدعوته وجد من سيوف بني هاشم حماية له، ووجد من التوازن القبلي فرصة؛ لأن العشائر كانت تشفق من إثارة حرب على بني هاشم، وهذا يبين حمايتهم لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وهم على غير دينه، بل إنها كانت تشفق من الاعتداء على كل من له عصبية من القلائل الذين أسلموا في أول الدعوة، وتدع تأديبه - أو تعذيبه - لأهله أنفسهم.

والموالي الذين عذبوا لإسلامهم عذبهم سادتهم، ومن ثم كان أبو بكر - رضي الله عنه - يشتري هؤلاء الموالي ويعتقهم، فيمتنع تعذيبهم بهذا الإجراء، وتمتنع فتنتهم عن دينهم.. ولا يخفى ما في هذا الوضع من ميزة بالقياس إلى نشأة الدين الجديد، ثم كانت هنالك صفات الشعب العربي نفسه من الشجاعة والأريحية والنخوة، وهي استعدادات ضرورية لحمل العقيدة الجديدة والنهوض بتكاليفها.

وقد كانت الجزيرة في ذلك الزمان تزخر بحضانة عميقة لبذور نهضة، وكانت تجيش[36] بكفايات واستعدادات وشخصيات تتهيأ لهذه النهضة المذخورة لها في ضمير الغيب، وكانت قد حفلت بتجارب إنسانية معينة من رحلاتها إلى أطراف إمبراطوريتي كسرى وقيصر.

وأشهر هذه الرحلات رحلة الشتاء إلى الجنوب ورحلة الصيف إلى الشمال، المذكورتان في القرآن في قوله تعالى: )لإيلاف قريش (1) إيلافهم رحلة الشتاء والصيف (2) فليعبدوا رب هذا البيت (3) الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف (4)( (قريش).

وتضافرت أسباب كثيرة لحشد رصيد ضخم من التجارب مع التفتح والتأهب لاستقبال المهمة الضخمة التي اختيرت لها الجزيرة، فلما جاءها الإسلام استغل هذا الرصيد كله، ووجه هذه الطاقة المختزنة، التي كانت تتهيأ كنوزها للتفتح؛ ففتحها الله بمفتاح الإسلام، وجعلها رصيدا له وذخرا.

ولعل هذا بعض ما يفسر لنا وجود هذا الحشد من الرجال العظام في الصحابة في الجيل الأول في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أمثال: أبي بكر وعمر وعثمان وعلى، وحمزة والعباس وأبي عبيدة، وسعد بن أبي وقاص وخالد بن الوليد وسعد بن معاذ، وأبي أيوب الأنصاري وغيرهم من تلك العصبة التي تلقت الإسلام؛ فتفتحت له، وحملته، وكبرت به من غير شك وصلحت، ولكنها كانت تحمل البذرة الصالحة للنمو والتمام.

وليس هنا مكان التفصيل في وصف استعداد الجزيرة لحمل الرسالة الجديدة، وصيانة نشأتها، وتمكينها من الهيمنة على ذاتها وعلى من حولها، مما يشير إلى بعض أسباب اختيارها لتكون مهد العقيدة الجديدة، التي جاءت للبشرية جميعها وإلى اختيار هذا البيت بالذات ليكون منه حامل هذه الرسالة صلى الله عليه وسلم؛ فذلك أمر يطول، ومكانه رسالة خاصة مستقلة.

وحسبنا هذه الإشارة إلى حكمة الله المكنونة، التي يظهر التدبر والتفكر بعض أطرافها كلما اتسعت تجارب البشر وإدراكهم لسنن الحياة.

وهكذا جاء هذا القرآن عربيا لينذر أم القرى ومن حولها، فلما خرجت الجزيرة من الجاهلية إلى الإسلام، وخلصت كلها للإسلام، حملت الراية وشرقت بها وغربت، وقدمت الرسالة الجديدة والنظام الإنساني الذي قام على أساسها، للبشرية جميعها - كما هي طبيعة هذه الرسالة - وكان الذين حملوها هم أصلح خلق الله لحملها ونقلها، وقد خرجوا بها من أصلح مكان في الأرض لميلادها ونشأتها.

وليس من المصادفات أن يعيش الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى تخلص الجزيرة العربية للإسلام، ويتمحض[37] هذا المهد للعقيدة التي اختير لها على علم، كما اختير لها اللسان الذي يصلح لحملها إلى أقطار الأرض جميعا. فقد كانت اللغة العربية بلغت نضجها، وأصبحت صالحة لحمل هذه الدعوة والسير بها في أقطار الأرض.

ولو كانت لغة ميتة أو ناقصة التكوين الطبيعي ما صلحت لحمل هذه الدعوة أولا، وما صلحت بالذات لنقلها إلى خارج الجزيرة العربية ثانيا.. وقد كانت اللغة، كأصحابها، كبيئتها، أصلح ما تكون لهذا الحدث الكوني العظيم.

وهكذا تبدو سلسلة طويلة من الموافقات المختارة لهذه الرسالة، حيثما وجه الباحث نظره إلى تدبر حكمة الله واختياره ومصداق قوله: )الله أعلم حيث يجعل رسالته( (الأنعام: ١٢٤) [38].

رابعا. الإسلام دين عالمي، ولا فرق فيه بين الناس على أساس الجنس، بل التفضيل فيه على أساس التقوى:

ألف د. على عبد الحليم محمود في هذه القضية سفرا ضخما تحت عنوان "عالمية الدعوة الإسلامية"، عالج فيه جوانبها المختلفة، فبدأ بالحديث عن الحاجة الماسة وقت مجيء الإسلام إلى دعوة عالمية غير عشائرية، أو قبلية، أو محلية، أو إقليمية، ثم أورد الأدلة على عالمية الدعوة الإسلامية، نقلية وعقلية، ثم ختم بمعالم المجال التطبيقي لعالمية الدعوة، وآثار هذه العالمية، وسنورد هنا فقرات من كلامه لتجلية حقيقة هذا الأمر.

إنسانية واحدة:

"ينادي الإسلام بأن الناس جميعا من كل جنس ومن كل لون ومن كل قطر أمة واحدة: )كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (213)( (البقرة).

ولا يؤثر في رفعة الناس أو انحطاطهم تباين قبائلهم، أو اختلاف ألوانهم وألسنتهم، ولذلك فهو يبعث المبشرين والمنذرين إلى جميع الأمم: )ولكل قوم هاد (7)( (الرعد)، )ولقد بعثنا في كل أمة رسولا( (النحل: 36)، ولقد ذكر القرآن الكريم أنبياء ورسلا لم يذكروا في الكتاب المقدس، مثل هود وصالح، وغيرهم.

والمسلم يمتاز عن غيره بأنه يعتقد في صدق جميع الرسل: )قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (136)( (البقرة)، )لا نفرق بين أحد من رسله( (البقرة: 285). وتلك هي الإنسانية الواحدة، فهل هناك أعرق من هذا في القضاء على الفوارق المصطنعة بين الناس؟! هل هناك أبلغ في الرد على من يحتقرون قوما؛ لأن الطبيعة لونت وجوههم وأبشارهم من تلك الإنسانية الواحدة التي جاء بها الإسلام ولم يجئ بها دين غيره؟!

إن الإنسانية الواحدة هي صمام الأمان[39] للمشاعر الإنسانية التي يشقيها ويقلقها أن تحس بانفصام الرابطة بينها لأسباب عارضة، كان من المحتمل انعدامها، ألا ما أظلم الإنسان لأخيه الإنسان! وما أحوج الإنسانية إلى دعوة عامة عالمية تضع الأمور في نصابها وتوحد الإنسانية وأهدافها، وتلك الدعوة لا يمكن أن تكون غير الإسلام.

لقد مضت سنة الله في الأرض بإرسال رسول إلى كل أمة؛ ليبين لهم بلسانهم، ثم بعث الله رسولا خاتما للعالمين، والله - عز وجل - يقول: )يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا( (الأعراف: 158)، يقول عز وجل: )تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا (1)( (الفرقان)، يقول عز وجل: )وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (107)( (الأنبياء)، يقول عز وجل: )إن هو إلا ذكرى للعالمين (90)( (الأنعام).

عالمية الدعوة حاجة نفسية:

وعلى ذلك فالإسلام يهدف إلى رفع الجنس البشري حتى يتسنم الذروة[40]، ولذلك يعتبر الدين القيم الكامل المتكامل: )اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا( (المائدة: 3)، فهو يلقي ضوءا كاملا على أركان الدين ووجود الله وصفاته وطبيعة الوحي، وطبيعة الخير والشر، والبعث بعد الموت، ولذلك يعتبر دين العالم النهائي الذي وضع حلا لكل عقدة، وعلاجا لكل مشكلة اعترت الإنسانية، أو تعتريها إلى يوم القيامة، وعلى ذلك فواجب على كل من وصل إليه هذا الدين أن يعتبره دينه، وأن يؤمن به ويتبع منهاجه.

وفي الواقع أن ختم النبوة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - كان ضرورة لا يمكن بدونها أن تتم الوحدة الإنسانية بحال من الأحوال، وعلي ذلك فإن النبوة في حد ذاتها تعتبر أمرا عاما، وكلما اقترب الوقت بين الأنبياء كانت الحاجة ماسة إلى وحدة عامة، أي وحدة عالمية، ولم تكن تلك الوحدة محكمة إلا ببعث نبي عالمي، نبي للناس كافة، وبهذا وحده رسخت فكرة توحيد الجنس البشري على يد محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

وهكذا نجد أن الإله الواحد والمنهج الواحد والإنسانية الواحدة التي نادى بها الإسلام، واختلف بها عن غيره من الأديان - بل امتاز بها عنها - أقوى عامل نفسي للبشرية يطمئنها ويبلغها درجة الأمن النفسي الذي تحن إليه منذ أن خلقت، وتحاول أن تصل إليه سالكة إليه ما وجدت من السبل، وما هداها إليه تفكير أبنائها، غير أنها كانت في نهاية كل سبيل من تلك السبل، لا تجد نفسها عند ما تريد من الأمن والطمأنينة، وإنما تجد نفسها أمام مزيد هائل من القلق، والحيرة، والاضطراب؛ فتفر مذعورة مرتدة من حيث أتت، ثم تستأنف البحث العلمي عن سبيل آخر، وما إن تسلكه وتستمر فيه وتدنو من نهايته تلق نفس المصير.

لا نقول ذلك جزافا، أو إلقاء للكلام علي عواهنه، وإنما يسندنا في ذلك التاريخ وتؤيدنا الوقائع المادية الملموسة، فقد بلغ حد التواتر أن الإنسانية وصلت يوما إلي درجة الأمن النفسي، والاطمئنان عندما سلكت طريق الإسلام، واتبعت منهج القرآن وآمنت بوحدة الله ووحدة الإنسان ووحدة المنهج"[41].

وبعد أن يستعرض أحوال العالم قبيل البعثة المحمدية، وما تردت إليه البشرية من شقاء يقول: "تلك حال العالم قبل البعثة المحمدية، قوي يأكل الضعيف، وكبير يطغى على الصغير، وأديان تحرف وتبدل لإرضاء الأهواء، وفشل ذريع من هذه الأديان وأهلها في أن ينقذوا أنفسهم، فضلا عن إنقاذ العالم كله من تلك الهوة التي تردت فيها الإنسانية، هوة الظلم والفساد والحروب والصراع، والعجز الشنيع عن التعايش السلمي المبني على الدستور، المنظم لحياة الناس وطاعتهم، وإذعانهم لهذا الدستور، لذلك ولغيره كان الله يدخر للإنسانية أكبر نعمة أنعم بها عليها، كان يدخر لها دين الإسلام على يد محمد النبي الأمين - صلى الله عليه وسلم - الذي بشرت به سائر الأديان، فبعثه يحمل المشعل ليضيء الطريق لملايين البشر من كل أحمر وأسود، من إنس وجن، وعرب وعجم، ليضيء للبشرية - إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها - طريق الفوز والفلاح، والتعايش السلمي، في ظل دستور يحترم ويدين له الجميع، في ظل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة"[42].

ويعقد د. على عبد الحليم محمود مبحثا للمقارنة بين عمومية نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وخصوصية الرسل السابقين عليه فيقول: "يقسم علماء المقارنة بين الأديان والعقائد والملل - الأديان في العالم كله إلى قسمين كبيرين:

1.  أديان دعوة، أو أديان مفتوحة على الناس.

2.  أديان مقفلة، أو محصورة في بيئة خاصة.

ثم يقول هؤلاء العلماء: إن أكبر أديان الدعوة ثلاثة: اليهودية، والمسيحية، والإسلام، والأول من هذه الأديان تنحصر الدعوة إليه في التلمذة، ومصاحبة المريدين للأئمة والرؤساء في الهياكل والصوامع، ودور العبادة، وتنحصر الدعوة في الثاني في خراف بني إسرائيل الضالة، وأما الإسلام فلا حدود لدعوته ببقعة أرض ولا بنوع من الناس ولا بزمن من الأزمان.

ويؤكد هؤلاء العلماء الفارق بين أديان الدعوة، والأديان المقفلة - التي لا تعنى بإدخال الغرباء في ملتها - ويرون أن هذا الفارق هو: أن الأديان المقفلة تعبر عن بيئة محدودة، أو قوم محدودين، وأن أديان الدعوة تسري في أقطار لا تحدها المواضع الجغرافية أو الروابط العنصرية"[43].

التطبيق العملي لمبدأ العالمية:

وحين واتت النبي صلى الله عليه وسلم - بعد أن هدأ الصراع بين المسلمين والمشركين على أثر صلح الحديبية - فرصة إبلاغ دعوته للعالمين؛ تحقيقا لمبدأ العالمية وطابعها الخاص بهذه الدعوة، راسل - صلى الله عليه وسلم - الملوك والأمراء والزعماء، إبلاغا لدعوته، وفي ذلك يقول د. على عبد الحليم محمود: "وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جعل يفكر أثناء مقامه في الحديبية، وبعد عودته منها ماذا عساه يصنع ليحصل على المزيد من انتشار دعوته في العالم كله، وإلى مختلف الناس في مختلف أوطانهم عملا بما أمره به ربه من إنذار العالمين: )تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا (1)( (الفرقان).

وانتهى التفكير بصاحب الدعوة - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يرسل رسله إلى العالم كله، وقد كان العالم آنئذ - وفي حدود إمكانيات الانتقال - لا يعدو دولتي الفرس والروم، ولذلك أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسله وحملهم بكتب يدعو فيها إلى الدين الإسلامي الجديد، دين كل الناس في كل الأمكنة والأزمنة، فأرسل إلى هرقل وكسرى، وكانا على دولتي الرومان والفرس، وإلى المقوقس في مصر، وأرسل إلى نجاشي الحبشة، وأرسل إلى الحارث الغساني، وأرسل إلى عامل كسرى على اليمن.

والواقع أن الدين الإسلامي كان في ذلك الوقت قد بلغ من النضج ما يجعله دينا للناس كافة، فقد أخذ الوحي يتوالى على الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتحدث عن كل الأمور وعن كل الأسس التي يجب أن تقوم عليها الدولة الإسلامية، وعن كل الطرق التي يجب أن ينطلق منها المد الإسلامي، والزحف المقدس نحو عالمية التبليغ"[44].

كل ما سبق من أسس العالمية ودعائمها وملامحها يتجلى على أرض الواقع، فيما أشار إليه المؤلف د. على عبد الحليم محمود في خلاصة عمله بقوله: "ولقد سبق الإسلام بنظمه في العلاقات الدولية كل أمم الحضارات القديمة والحديثة، فقد وضع الرفق في هذه العلاقات موضعه الحق، ولم يسمح بالالتجاء إلى القوة إلا حيث لا يكون هناك طريق غير القوة، وحيث يكون الهدف من استعمال القوة هو إنصاف من لا يمكن إنصافهم إلا بالقوة.

وعلى مثل هذه النظم في العلاقات الدولية، تسود المودة بين الدول والحكومات، وفي تلك النظم تجد الإنسانية كل ما يهيئ الأسباب للوحدة العالمية بين الناس كافة، وليس هناك من نظام أو دين يمكن أن يكفل للبشرية كل تلك النظم التي كفلها لها الإسلام.

وهل تتصور الوحدة العالمية في مجموعة بشرية - أيا كان دينها أو نظمها السياسية والاجتماعية - غير المجموعة الإسلامية؟ إنهم المسلمون بإيمانهم بكل الرسل: )شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه( (الشورى: 13)، وهل تتصور الوحدة العالمية في مجموعة من البشر يتخذون الدين تجارة، ويجمعون من ورائه الأموال ويبيعون جنة الله بالدراهم والدنانير؟!

ولن يجد الباحث المنصف أي مانع أو عائق يمنع أو يعوق قيام الوحدة العالمية على أسس إسلامية، فالإسلام هو الذي يعتبر الناس جميعا أمة واحدة، كما ينادي بذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: )يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم (51) وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون (52)( (المؤمنون).

إن الوحدة العالمية لا تتصور إلا إذا كانت الأسس التي تقوم عليها نابعة من شريعة الإسلام، وموافقة لما جاء به القرآن الكريم، وإن على الإنسانية أن تحاول إذا كانت تريد أن تعيش حقا في وئام وسلام"[45].

وبناء على ما سبق، فقد اتضحت لدينا فكرة عالمية الإسلام زمانا ومكانا، وانتفت محليته وإقليميته المزعومة، أو اقتصاره - المدعى - على الزمن الذي بعث فيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وعدم صلاحيته لكل زمان ومكان. فالمعروف أن الإسلام قد وضع أصولا عامة وحدد أطرا كلية تصلح لكل عصر وبيئة، على أن يملأ أهل كل عصر ومصر فراغ تجاويف هذه الهياكل العامة باجتهادات تناسب ظروفهم دون أن يمرقوا من إطار أصولهم المرجعية، وقواعدهم الشرعية أو أن ينفلتوا من إطارها وزمانها.

خامسا. الإسلام هو الذي بعث أمة العرب بعثا من وهاد التاريخ وظلماته، ومنحهم هويتهم الخاصة وطابعهم المميز، فالإسلام هو الأصل والعروبة فرع عنه:

إن دعوى أن العروبة أصل والإسلام فرع مغالطة مكشوفة وفرية مردودة؛ وذلك أن العرب لم يكونوا - في الجاهلية - أمة، بل مجموعة قبائل بدوية متنازعة متنافرة، لا رابط بينها، ولا وشيجة تجمعها، ولا انتماء يدفعها، بعثها الإسلام من مرقدها بعثا، فعلا كعبها بين الأمم، وصارت مادة الإسلام، أي: حاملة لواء نشر الدعوة في العالمين، وهو عبء كان يمكن أن تنهض به أية أمة أخرى، ولكن عناية المولى بالعرب اختارتهم ليشرفوا بهذا التكليف، ويقوم لهم شأن بين الأمم التي كانوا بالنسبة لها - في موازين تلك العهود - كما مهملا لا تأبه بهم، ولا تقيم لهم وزنا.

يصور الشيخ أبو الحسن الندوي هذه المنزلة السامية التي نالتها أمة العرب بالإسلام في تاريخ المسلمين، بقوله: "ولكن المسلم ينظر إلى العالم العربي بغير العين التي ينظر بها الأوربي، وبغير العين التي ينظر بها الوطني العربي، إنه ينظر إليه كمهد الإسلام ومشرق نوره، ومعقل الإنسانية، وموضع القيادة العالمية، ويعتقد أن سيدنا محمدا - صلى الله عليه وسلم - العربي هو روح العالم العربي وأساسه وعنوان مجده، وأن العالم العربي - بما فيه من موارد الثروة والقوة وبما فيه من خيرات وحسنات - جسم بلا روح، وخط بلا وضوح، إذا انفصل - لا سمح الله بذلك - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقطع صلته عن تعاليمه ودينه، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أبرز العالم العربي للوجود، فقد كان هذا العالم وحدات مفككة وقبائل متناحرة[46]، وشعوبا مستعبدة ومواهب ضائعة، وبلادا تتسكع في الجهل والضلالات.

فكان العرب لا يحلمون بمناجزة الدولة الرومية أو الفارسية، ولا يخطر ذلك منهم على بال، ولا يصدقون بذلك إذا قيل لهم في حال من الأحوال، وكانت سوريا التي تكون جزءا مهما من العالم العربي مستعمرة رومية، تعاني الملكية المطلقة والحكم الجائر المستبد، لا تعرف معنى الحرية والعدل، وكان العراق مطية لشهوات الدولة الساسانية - الفارسية - مثقل بالضرائب المجحفة، والإتاوات الفادحة، وكانت مصر قد اتخذها الرومان ناقة حلوبا ركوبا، يجزون صوفها ويظلمونها في علفها، ثم إنها تعاني الاضطهاد الديني مع الاستبداد السياسي، فما لبث هذا العالم المفكك المنحل المظلوم المضطهد أن هبت عليه نفحة من نفحات الإسلام الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أدرك هذا العالم وهو ضائع هالك وأخذ بيده، وهو ساقط متهالك، فأحياه بإذن الله، وجعل له نورا يمشي به في الناس، وعلمه الكتاب والحكمة وزكاه، فكان هذا العالم بعد البعثة المحمدية سفير الإسلام ورسول الأمن والسلام، ورائد العلم والحكمة، ومشعل الثقافة والحضارة، كان غوثا للأمم غيثا للعالم، هنالك كانت الشام وكان العراق، وكانت مصر، وكان العالم العربي الذي نتحدث عنه.

فلولا محمد - صلى الله عليه وسلم - ولولا رسالته، ولولا ملته، لما كانت سوريا، ولا كان العراق، ولا كانت مصر، ولا كان العالم العربي، بل ولا كانت الدنيا كما هي الآن حضارة، وعقلا، وديانة، وخلقا، فمن استغنى عن دين الإسلام، من شعوب العالم العربي وحكوماته، وولى وجهه شطر الغرب أو أيام العرب الأولى، أو استلهم قوانين حياته، أو سياسته من شرائع الغرب ودساتيره، أو أسس حياته على العنصرية، أو العروبة التي لا شأن لها بالإسلام، ولم يرض برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائدا ورائدا وإماما وقدوة - فليرد على محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - نعمته، ويرجع إلى جاهليته الأولى، حيث الحكم الروماني والإيراني، وحيث الاستعباد والاستبداد، وحيث الظلم والاضطهاد، وحيث الجهل والضلالة، وحيث الغفلة والبطالة، وحيث العزلة عن العالم، والخمول والجمود، فإن هذا التاريخ المجيد، وهذه الحضارة الزاهية، وهذا الأدب الزاخر، وهذه الدول العربية، ليست إلا حسنة من حسنات محمد صلى الله عليه وسلم.

فالإسلام هو قومية العالم العربي، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - هو روح العالم العربي وإمامه وقائده، والإيمان هو قوة العالم العربي التي حارب بها العالم البشري كله، فانتصر عليه، وهو قوته وسلاحه اليوم كما كان بالأمس، به يقهر أعداءه، ويحفظ كيانه، ويؤدي رسالته.

إن العالم العربي لا يستطيع أن يحارب الصهيونية، أو الشيوعية، أو عدوا آخر بالمال الذي تضخه بريطانيا، أو تتصدق به أمريكا، أو تعطيه مقابل ما تأخذ من أرضه من الذهب الأسود، إنما يحارب عدوه بالإيمان والقوة المعنوية، وبالروح التي حارب بها الدولة الرومية، والإمبراطورية الفارسية في ساعة واحدة فانتصر عليهما جميعا.

إنه لا يستطيع أن يحارب أعداءه بقلب يحب الحياة، ويكره الموت، وبجسم يميل إلى الدعة والراحة، وعقل يخامره الشك، وتتنازع فيه الأفكار والأهواء، أو بيد مضطربة وقلب متشكك، ضعيف الإيمان وقوة متخاذلة في الميدان.

فالمهم لأمراء العرب وزعمائهم، وقادة الجامعة العربية، أن يغرسوا الإيمان في الشعوب العربية وجماهير الأمة، وأولياء الأمور والجيوش العربية والفلاحين، والتجار، وفي كل طبقة من طبقات الجمهور، ويشعلوا فيها شعلة الجهاد في سبيل الله والتوق إلى الجنة، ويبعثوا فيها الاستهانة بالمظاهر الجوفاء، وزخارف الدنيا، ويعلموهم كيف يتغلبون على شهوات النفس، ومألوفات الحياة، وكيف يتحملون الشدائد في سبيل الله، وكيف يستقبلون الموت بثغر باسم، وكيف يتهافتون عليه تهافت الفراش على النور"[47].

وفي تحليل دقيق يعدد العلامة ابن خلدون مؤهلات العرب التي هيأتهم لحمل عبء أمانة الرسالة، والاضطلاع بمهمة نشرها في العالمين، فيما نقله عنه وعقب عليه د. على عبد الحليم محمود، فقال: "ثم يصف ابن خلدون أهل البدو - ومنهم العرب - بعدة صفات منها:

أنهم أقرب إلى الخير من أهل الحضر، ويعلل لذلك بأن نفوسهم على الفطرة الأولى المتهيئة لقبول ما يرد عليها، وينطبع فيها من خير أو شر، ثم يقول: فصاحب الخير إذا سبقت إلى نفسه عوائد الخير، وحصلت لها ملكته بعد عن الشر، وصعب عليه طريقه، وكذا صاحب الشر إذا سبقت إليه أيضا عوائده.

وعلى العكس من ذلك تماما أهل الحضر، فهم - لكثرة ما يعانون من فنون الملاذ، وعوائد الترف، والإقبال على الدنيا، والعكوف على شهواتهم منها، وقد تلوثت أنفسهم بكثير من مذمومات الخلق والشر وبعدت عليهم طرق الخير ومسالكه - أشد إقبالا على ملذات الدنيا وشهواتها ومفاسد الأخلاق من أهل البدو؛ لأن هؤلاء أقرب إلى الفطرة الأولى، وأبعد عما ينطبع في النفس من سوء الملكات بكثرة العوائد المذمومة وقبحها، ولذلك يسهل علاجهم عن علاج أهل الحضر.

إنهم أقرب إلى الشجاعة، ويعلل لذلك بأن أهل الحضر ألقوا جنوبهم على مهاد الراحة والدعة، وانغمسوا في النعيم والترف، ووكلوا أمرهم في المدافعة عن أموالهم وأنفسهم إلى واليهم والحاكم عليهم، فألقوا السلاح، وتوالت على ذلك منهم الأجيال، وتنزلوا منزلة النساء والولدان، وأما أهل البدو فهم - لتفردهم عن المجتمع، وتوحشهم في الضواحي، وانتباذهم عن الأسوار والأبواب - قائمون بالمدافعة عن أنفسهم، لا يكلونها إلى سواهم، ولا يثقون فيها بغيرهم، فهم دائما يحملون السلاح، ويتلفتون عن كل جانب، وقد صار لهم البأس خلقا، والشجاعة سجية، يرجعون إليها متى دعاهم داع، أو استنفرهم صارخ.

إنهم - أي أهل البدو - أقدر على التغلب على من سواهم، وذلك لما هم عليه من شجاعة، فهم أقدر على التغلب، وانتزاع ما في أيدي سواهم من الأمم الأخرى، وإذا كان الغلب للأمم إنما يكون بالإقدام والبسالة، فمن كان من هذه الأجيال أعرق في البداوة وأكثر توحشا، كان أقرب إلى التغلب على سواه إذا تقاربا في العدد، وتساويا في القوة والعصبية.

وهذه الصفات من قرب إلى الخير وقلة إقبال على مفاسد الدنيا، وملذاتها وشهواتها، وأنهم أيسر علاجا ممن سواهم وأقرب إلى الشجاعة، وأقدر على التغلب على من سواهم - أقول: هذه الصفات ضرورية وحيوية عند نشر دعوة إلى فضيلة، أو الدعاية لدين جديد كالإسلام.

فمن غير نزعات لا يستطيع الدعاة أن يعملوا على نقل الناس من الضلال إلى الهدى، ومع الانغماس في الشهوات والملذات، لا يمكن أبدا لحاملي المبادئ الخلاقة أن يمضوا في طريق عملهم؛ لأنهم بذلك يفقدون أية قدرة على إعطاء النموذج الحي لما يدعون إليه، ومن البديهي أن طريق عرض هذه المبادئ السامية على الناس لا بد أن تثور على جوانبه العقبات الكثيرة من كل نوع من أنواع العقبات، وذلك بالقطع يحتاج إلى مزيد من الشجاعة والقدرة على التغلب.

هل يعني ذلك أن الإسلام بغير العرب لم يكن لينتشر أو يصل إلى ما وصل إليه؟ لا ندعي هذا، ولا يستطيع أحد أن يدعي هذا، وذلك أن الله سبحانه قادر علي أن ينشر دينه بالعرب وبغير العرب من الأجناس أو الألوان.

غير أن هذه الصفات التي اتصف بها العرب دون كثير من الناس ساعدت بغير شك على أن ينجحوا في نشر الدين، وأن يذهبوا به إلى حيث شاء الله، ولكن بعد أن هذب الإسلام من أخلاقهم، وأصلح من عيوبهم وحال بينهم وبين كثير من الشرور التي كانوا يتعاطونها في جاهليتهم".

ثم يحسم قضية العلاقة بين العروبة والإسلام بقوله: "لا حياة للعرب بغير الإسلام، ولا تقدم لهم إلا إن عادوا إلى اتخاذه منهجا لحياتهم ابتداء من الخاطر السانح إلى الفكرة المتعمقة الهادفة، وبحيث يصبح الإسلام هو النظام الوحيد لهم في كل شأن من شئون حياتهم ما صغر منها وما كبر"[48].

سادسا. الثوابت والمتغيرات في الإسلام:

قامت رسالة الإسلام على أصول وفروع، أو ثوابت ومتغيرات، فالأصول ثابتة في كل عصر ومصر لا تتغير، والفروع يمكن الاجتهاد حولها بما يلائم كل زمان ومكان، ولكن في إطار الثوابت ودون الخروج عليها، وليس لكل دولة إسلام خاص - كما يدعي المفترون - إنما هي عوامل سعة الشريعة ومرونتها.

يؤمن المسلمون جميعا - على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم - بإله واحد لا إله إلا هو رب العالمين، ولا يختلفون في مبدأ الوحدانية، فيقولون بواحد أو ثلاثة أو أكثر أو أقل! ويؤمنون بنبي واحد هو محمد - صلى الله عليه وسلم - بشرا ورسولا، وليس إلها!! ويقيمون كل يوم صلوات خمسا يستقبلون فيها قبلة واحدة، ويصومون مجتمعين - على سبيل الفريضة - شهرا واحدا من السنة، ويؤمنون بضرورة تزكية أموالهم، ويحجون في وقت واحد من العام إلى بيت واحد، هو بيت الله الحرام بمكة المكرمة.

هذه هي أصول الإسلام وأركانه، التي يجتمع عليها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، ثم يختلفون بعد ذلك في بعض الفروع على اختلاف دورهم وأقطارهم، اختلاف توجه الفتوى والاجتهاد باختلاف ظروف العصر والإقليم - دون خروج على الأصل، وإنما ترجيحا لرأي على آخر في إطار القواعد العامة - فالمعروف مثلا أن الإمام الشافعي - رحمه الله - قد عدل في بعض اجتهاداته عند تحوله إلى بيئة جديدة عندما قدم إلى مصر.

وفقهاء بلاد الخليج في أيامنا لا يستريحون إلى إقبال شبانهم على الزواج من الكتابيات؛ لأن هذا يرفع نسبة العنوسة بين الفتيات المواطنات، ولا شك أن الوضع مختلف بالنسبة للشباب المسلم المغترب في الغرب، والمعروف أن ما يفتي به المسلمون في بلادهم يدقق فيه كثيرا عندما تفتي به الأقليات المسلمة في غير بلاد المسلمين؛ مراعاة لظروفها وتخفيفا عليها، والاختلاف في هذا كله - إن وقع - اختلاف تنوع وتكامل لا اختلاف تضاد، وتناقض كما يقولون.

يقول د. يوسف القرضاوي: "ومن هنا لم يجد المحققون من فقهاء المسلمين، في مختلف العصور أية غضاضة أو حرج في إعلان وجوب تغير الفتوى، بتغير الأزمنة والأمكنة والأعراف والأحوال.

ولهذا نرى مشايخ المذهب خالفوا ما نص عليه المجتهد (إمام المذهب) في مواضع كثيرة بناها على ما كان في زمنه، لعلمهم بأنه لو كان في زمنهم لقال بما قالوا به، أخذا من قواعد مذهبه.

فلا عجب أن تأتي شريعة الإسلام ملائمة لفطرة الإنسان وفطرة الوجود جامعة بين عنصر الثبات وعنصر المرونة.

وبهذه المزية يستطيع المجتمع المسلم أن يعيش ويستمر ويرتقي، ثابتا على أصوله وقيمه وغاياته، متطورا في معارفه وأساليبه وأدواته.

فبالثبات يستعصي هذا المجتمع على عوامل الانهيار والفناء، أو الذوبان في المجتمعات الأخرى، أو التفكك إلى عدة مجتمعات تتناقض في الحقيقة، وإن ظلت داخل مجتمع واحد في الصورة، وبالثبات يستقر التشريع وتتبادل الثقة، وتبنى المعاملات والعلاقات على دعائم مكينة، وأسس راسخة، لا تعصف بها الأهواء والتقلبات السياسية، والاجتماعية ما بين يوم وآخر. وبالمرونة، يستطيع هذا المجتمع أن يكيف نفسه وعلاقاته حسب تغير الزمن، وتغير أوضاع الحياة، دون أن يفقد خصائصه ومقوماته الذاتية.

ولكن ما مظاهر الثبات والمرونة في شريعة الإسلام، وما دلائل ذلك؟

يتجلى هذا الثبات في "المصادر الأصلية النصية القطعية للتشريع" من كتاب الله، وسنة رسوله.

فالقرآن هو الأصل والدستور، والسنة هي الشرح النظري، والبيان العملي للقرآن، وكلاهما مصدر إلهي معصوم، لا يسع مسلما أن يعرض عنه، قال تعالى: )قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول( (النور: ٥٤)، وقال تعالى: )إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا( (النور: ٥١).

وتتجلى المرونة في "المصادر الاجتهادية" التي اختلف فقهاء الأمة في مدى الاحتجاج بها ما بين موسع ومضيق ومقلل ومكثر، مثل: الإجماع، والقياس، والاستحسان، والمصالح المرسلة، وأقوال الصحابة، وشرع من قبلنا، وغير ذلك من مآخذ الاجتهاد، وطرائق الاستنباط "[49].

سابعا. بين العولمة وعالمية الإسلام[50]:

ربما كان معنى العولمة في ظاهره يقترب من معنى "العالمية" الذي جاء به الإسلام، وأكده القرآن في سوره المكية، مثل قوله تعالى: )وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (107)( (الأنبياء)، )تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا (1)( (الفرقان)، )إن هو إلا ذكر للعالمين (87) ولتعلمن نبأه بعد حين (88)( (ص).

ولكن هناك في الواقع فرق كبير بين مضمون "العالمية" الذي جاء به الإسلام، ومضمون "العولمة" الذي يدعو إليه اليوم الغرب عامة، وأمريكا خاصة.

فالعالمية في الإسلام تقوم على أساس تكريم بني آدم جميعا: )ولقد كرمنا بني آدم( (الإسراء: 70)، فقد استخلفهم الله في الأرض، وسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه، كذلك تقوم على أساس المساواة بين الناس في أصل الكرامة الإنسانية، وفي أصل التكليف والمسئولية، وأنهم جميعا شركاء في العبودية لله تعالى، وفي البنوة لآدم، كما قال الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - أمام الجموع الحاشدة في حجة الوداع: «يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى»[51].

وهو بهذا يؤكد ما قرره القرآن في خطابه للناس، كل الناس: )يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم( (الحجرات:13).

ولكن القرآن في هذه الآية التي تقرر المساواة العامة بين البشر لا يلغي خصوصيات الشعوب، فهو يعترف بأن الله تعالى جعلهم )شعوبا وقبائل( ليتعارفوا.

أما "العولمة" فالذي يظهر لنا من دعوتها حتى اليوم أنها فرض هيمنة سياسية، واقتصادية، وثقافية، واجتماعية من الولايات المتحدة الأمريكية على العالم، وخصوصا عالم الشرق، والعالم الثالث، وبالأخص العالم الإسلامي.

وقد فرضتها الولايات المتحدة بتفوقها العلمي والتكنولوجي، وبقدرتها العسكرية الهائلة، وبإمكاناتها الاقتصادية الجبارة، وبنظرتها الاستعلائية التي ترى فيها نفسها أنها سيدة العالم.

إنها لا تعني معاملة الأخ لأخيه، كما يريد الإسلام بل ولا معاملة الند للند، كما يريد الأحرار والشرفاء في كل العالم، بل تعني معاملة السادة للعبيد، والعمالقة للأقزام، والمستكبرين للمستضعفين.

العولمة في أجلى صورها اليوم تعني: "تغريب العالم" أو بعبارة أخرى: "أمركة العالم" إنها اسم مهذب للاستعمار الجديد، الذي خلع أرديته القديمة، وترك أساليبه القديمة، ليمارس عهدا جديدا من الهيمنة تحت مظلة هذا العنوان اللطيف (العولمة)، إنها تعني: فرض الهيمنة الأمريكية على العالم، وأية دولة تتمرد أو تنشز، لا بد أن تؤدب بالحصار، أو التهديد العسكري، أو الضرب المباشر، كما حدث مع العراق، والسودان، وإيران، وليبيا، وكذلك تعني فرض السياسات الاقتصادية التي تريدها أمريكا عن طريق المنظمات العالمية التي تتحكم فيها إلى حد كبير، مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، وغيرها.

كما تعني: فرض ثقافتها الخاصة، التي تقوم على فلسفة المادية، والنفعية، وتبرير الحرية إلى حد الإباحية، وتستخدم أجهزة الأمم المتحدة لتمرير ذلك في المؤتمرات العالمية، وتسوق الشعوب إلى الموافقة على ذلك بسياط التخويف والتهديد، أو ببوارق الوعود والإغراء.

وتجلى ذلك في (مؤتمر السكان) الذي عقد بالقاهرة في صيف 1994م، والذي أريد فيه أن تمرر وثيقة تبيح الإجهاض بإطلاق، وتجيز الأسرة الوحيدة الجنس (زواج الرجال بالرجال، والنساء بالنساء)، وإطلاق العنان للأولاد في السلوك الجنسي، والاعتراف بالإنجاب خارج إطار الزواج الشرعي، إلى غير ذلك من الأمور التي تخالف الأديان السماوية كلها، كما تخالف ما تعارفت عليه مجتمعاتنا، وغدا جزءا من كينونتها الروحية والحضارية.

ومن هنا وجدنا الأزهر الشريف في مصر، ورابطة العالم الإسلامي في مكة، وجمهورية إيران الإسلامية، والجماعات الإسلامية المختلفة، تقف جنبا إلى جنب مع الفاتيكان ورجال الكنيسة، لمقاومة هذا التوجه المدمر؛ إذ شعر الجميع أنهم أمام خطر يهدد قيم الإيمان بالله تعالى ورسالاته، والأخلاق التي بعث الله بها رسله - عليهم السلام -.

 كما تجلت هذه العولمة في "مؤتمر المرأة" في بكين سنة 1995م، وكان امتدادا لمؤتمر القاهرة وتأكيدا لمنطلقاته وتكميلا لتوجهاته، وهذه قضية في غاية الأهمية (الاعتراف بالخصوصيات)، حتى لا يطغى بعض الناس على بعض، ويحاولوا محو هويتهم بغير رضاهم.

بل نجد الإسلام يعترف باختلاف الأمم، وحق كل أمة في البقاء حتى في عالم الحيوان، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها»[52]. وهو يشير إلى ما قرره القرآن في قوله عز وجل: )وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم( (الأنعام: 38).

وإذا خلق الله أمة مثل أمة الكلاب، فلا بد أن يكون ذلك لحكمة، إذ لا يخلق سبحانه شيئا إلا لحكمة: )ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك( (آل عمران: 191)، فلا يجوز إذن حذف هذه الأمة المخلوقة من خارطة الوجود، فإن هذا تطاول واستدراك على خلق الله عز وجل.

إذا كان هذا في شأن الأمم الحيوانية، فما بالك بشأن الأمم الإنسانية؟ إلا أن ترتضي أمة باختيارها الانصهار في أمة أخرى: في دينها ورسالتها ولغتها، كما فعلت مصر وبلاد شمال أفريقيا، وغيرها، حين اختارت الإسلام دينا، والعربية لغة، بل أصبحت عضوا مهما في جسم هذه الأمة، بل لها دور القيادة في كثير من الأحيان.

العولمة استعمار جديد:

إن العولمة كما تطرح اليوم، إنما تصب في النهاية لصالح الأقوياء ضد الضعفاء، ولكسب الأغنياء ضد الفقراء، ولمصلحة الشمال الغني ضد الجنوب الفقير. وهذا طبيعي؛ لأن التكافؤ مفقود في حلبة المصارعة أو الملاكمة، بين الأوزان الثقيلة والأوزان الخفيفة، بل بين المصارع المدرب الممارس، وبين خصمه الضعيف، الذي سيسقط لا محالة في بداية اللقاء من أول ضربة.

وماذا يمكن أن نتصور من نتائج سباق يفتح ميدانه لمن يريد المشاركة فيه؟ كيف يكون مصير من يركب الجمل أو الحمار إذا سابق من يركب السيارة؟

إن فتح الأبواب على مصاريعها - بدعوى العولمة - في مجالات التجارة والاقتصاد، والتصدير والاستيراد، أو في مجالات الثقافة والإعلام، سيكون لحساب القوى الكبرى، والدولة التي تملك ناصية العلم والإعلام الجبار والتكنولوجيا العالية والمتطورة، ولا سيما الدولة الأكبر قدرة، والأشد قوة، والأعظم نفوذا، وثروة، وهي أمريكا.

أما بلاد "العالم الثالث" - كما يسمونها - وخصوصا "البلاد الإسلامية" منها، وهي ما أطلق عليه المفكر الجزائري مالك بن نبي - رحمه الله - "محور طنجة - جاكرتا" فليس لها من هذا السياق العالمي، إلا بقايا ما يفضل من الأقوياء، إن بقي لديهم ما يجودون به من فتات علي الآخرين.

إنه الاستعمار القديم بوجه جديد، واسم جديد، إن الاستعمار يغير لونه كالحرباء، ويغير جلده كالثعبان، ويغير وجهه كالممثل، ويغير اسمه كالمحتال، ولكنه هو هو، وإن غير شكله، وبدل اسمه استكبارا في الأرض بغير الحق، وعلوا كعلو فرعون في الأرض، والذي جعل أهلها شيعا، يستضعف طائفة منهم. ولكن الاستعمار الجديد الذي يريد العلو والفساد في الأرض كافة، لا يستضعف طائفة، بل يستضعف شعوب الأرض، لمصلحة أقلية ضئيلة منهم.

ويوضح د. مصطفى السادة كيفية جعل الإسلام عالميا قائلا: حتى نجعل من الإسلام اليوم عالميا نحتاج إلى تضافر الجهود وتوفر الآليات الفاعلة في هذه العملية، ولا نقصد بالعالمية هنا نفس المدلول الفكري للفظة العولمة التي باتت توحي بالكثير من الحساسية والخوف من هيمنة الآخر الذي يمتلك أفانين[53] السيطرة وحيلها، إنما نقصد الانتشار والتموج لفكرة أو مفهوم أو قيمة معينة.

وبتعبير آخر مدى قدرة هذا المبدأ على إلزام الإنسان، وعالمية اليوم تختلف في متطلباتها وأدواتها عن العالمية السابقة، وما كانت تحتاج إليه من الأدوات، ومن أهم لوازم العالمية المعاصرة: القدرة على مواكبة متطلبات العصر - مع حفظ الأصالة، فليس من المعقول أن نواجه تحديات هذا القرن بالعقلية الطوباوية[54] لرجل الكنيسة في القرون الوسطى، بل من الضروري جدا الاقتناع بالحاجة إلى التفاعل مع المعاصرة الإيجابية وقدرة الاستفادة منها كأداة في الساحة الفكرية العالمية.

ولسنا بحاجة إلى الإصغاء لمفردات العقلية الانعزالية التي تنادى بها البعض من المهتمين بالشأن الديني حيث الهمس - وبصوت عال أحيانا - في أذن الشارع الإسلامي بغية إقصائه عن الساحة العالمية متذرعا بقوله تعالى: )وأعتزلكم وما تدعون( (مريم: 48)، حيث العيش داخل أوهام الكهف الأفلاطوني، دون أن يلتفت أصحاب هذه الدعوة إلى أن الإسلام دين منفتح على الآخر، ويعمل على الاستفادة من فكره وثقافته مهما كان البعد المكاني أوالزماني.

ولم يقف الإسلام يوما أمام حركة العقل والبحث العلمي، بغية التناقض مع الفكر الإيجابي الهادف والداعم لفكرة التوحيد.

بيد أن هذا الانفتاح لا يعني السقوط في وحل الاستلاب الثقافي أو الاغتراب الفكري - بسبب القصور المعرفي لدى بعض المتأسلمين - وبالتالي مسخ الهوية الإسلامية، ولذا ينبغي أن يوجه الانفتاح في اتجاهين:

في اتجاه الذات: حيث استحضار التراث وقراءة مفاهيمه بصورة صحيحة، وتفعيل بعض قيمه المعطلة، وجعلها في متناول الجميع ممن يعشقون الحقيقة، وهي همهم الأوحد، فقد شاء الحق تعالى لهذا الدين أن يظهر على الدنيا كلها ولو كره المشركون.

وفي اتجاه الآخر: حيث الحرص على إيصال المفاهيم الحقة، والاستفادة من أدوات هذا الآخر في سبيل ذلك دون خوف على الجانب القيمي[55].

وأخيرا، فإن من المعروف أن مكة المكرمة تشكل مركزا للعالم الإسلامي إلى يوم الدين، والعربية لغة القرآن المحفوظ بحفظ الله، وقد تغيرت الطبيعة الجغرافية للعالم الإسلامي، فلم تعد هناك الرابطة الجغرافية للعالم الإسلامي، ولم تعد هناك الرابطة السياسية "الخلافة" التي تجعل لهم عاصمة سياسية، فتغيرت من دار حرب إلى دار دعوة، وبفضل ثورة الاتصالات أصبحت مسارات التدفق مختلفة وأحيانا تنطوي على مفارقات، ولنأخذ مثالا واحدا هو تأسيس أول اتحاد عالمي لعلماء المسلمين في عاصمة أوربية.

إن عالمية الدعوة جزء من عقيدة كل مسلم أيا كان جنسه أو لونه، ولا تميز في المكانة، بل تسابق في حمل الأمانة، ربما أفضى إلى انتقال مركز الثقل الثقافي في العالم الإسلامي إلى خارج العالم العربي، وهي ظاهرة لها سوابق مماثلة في التاريخ الإسلامي، وتلك أهم ملامح عظمة هذا الدين[56].

الخلاصة:

·   إن الإسلام دين سماوي عالمي الطابع، وهو منهج شامل لمختلف نواحي الحياة ونظام لشتى جوانبها؛ ومن ثم فهو ليس لأهل إقليم دون غيرهم ولا أهل زمان دون سواهم.

·   مبدأ عالمية الدين والإنسانية الواحدة مطلب نفسي للبشرية منذ القدم يشعرها بالطمأنينة والأخوة والألفة في ظل دين واحد تدين به، ولا تمايز بين أجناسها ولا طوائفها ولا ألوان بشرة سلالاتها المختلفة.

·   تضافرت الأدلة وتجمعت البراهين وقامت الحجج على مبدأ عالمية الإسلام في القرآن والسنة والكتب السماوية السابقة - خاصة قبل أن يصيبها التحريف وتطولها يد التدليس - وفي سلوك النبي - صلى الله عليه وسلمـ في وقائع سيرته حينما أفاد من توقف الصراع وهدوء الأحوال بينه وبين المشركين بعد عقد صلح الحديبية، فراسل ملوك الأرض وزعماءها يدعوهم للإسلام تحقيقا لمبدأ العالمية.

·   من مظاهر عالمية الإسلام: عالمية اللسان العربي وصيرورة اللغة العربية لغة عالمية لحضارة عالمية بعد أن صاحبت المد الإسلامي الجهادي المكون لدار الإسلام بوصفها لغة القرآن وشعائر الدين، كذلك يعد من مظاهر عالمية الإسلام ما ذكرته وأكدت عليه مصادر التاريخ الموثقة الصحيحة.

·   الإسلام هو الذي بعث العرب بعثا من ركام الجاهلية، وأخرجهم إلى النور بعد أن كانوا مجرد قبائل وعشائر متناحرة متنازعة لا رابطة تضمها ولا ولاء يجمعها، فعلا كعبها بالإسلام وارتفع شأنها وصارت لفترة طويلة حاملة لواء الدعوة ومنها الخلفاء والقادة والأمراء؛ أي أنه هو الذي منحها طابع الأممية، فهي لم - ولن - تنهض إلا به لكن العكس صحيح؛ إذ الإسلام ينهض بالعرب وبغيرهم.

·   للإسلام أصول عامة أساسية ثابتة يلتزمها المسلمون أينما كانوا، وأنى وجدوا، ويجتهدون في إطارها بما يناسب ظروف مكانهم وزمانهم، فينتج ذلك نوعا من الخصوصية في الملامح لا التعددية في الأديان كما هو ثابت لدى الآخرين؛ إذ إن تعدد بعض المذاهب في ديانة كالمسيحية يؤدي إلى خلق ديانات مختلفة قائمة برأسها كالكاثوليكية والأرثوذكسية... الخ.

·   عالمية الإسلام صفة ثابتة بالقرائن النصية والبراهين التاريخية وهي أمر مقرر، أما العولمة - بمفهومها المعاصر الذي يعني محاولة صب الأمم كافة على تنوع هوياتها، في قالب ثقافي فكري حياتي واحد ذي طابع معين - غربي بالضرورة - ومسح هوياتها الخاصة - فهي أمر منكر وصفة مذمومة ودعوى مشبوهة.

 

 



(*) المستشرقون والإسلام، محمد قطب، مكتبة وهبة، مصر، ط1، 1420هـ/ 1999م. مواجهة صريحة بين الإسلام وخصومه، عبد العظيم محمد المطعني، مكتبة وهبة، مصر، 2005م. الإسلام والغزو الفكري، محمد عبد المنعم خفاجي، وعبد العزيز شرف، دار الجيل، بيروت، ط1، 1411هـ/ 1991م. الإسقاط في مناهج المستشرقين والمبشرين، د. شوقي أبو خليل، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، ط2، 1419هـ. الهجمات المغرضة على التاريخ الإسلامي، د. محمد ياسين مظهر صديقي، ترجمة: د. سمير عبد الحميد إبراهيم، هجر للطباعة والنشر، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1988م. محمد رسول الله، محمد رضا، دار الكتب العلمية، بيروت، 1395هـ/1975م. المفترون: خطاب التطرف العلماني في الميزان، فهمي هويدي، دار الشروق، مصر، 1416هـ/ 1996م. مائة سؤال عن الإسلام، محمد الغزالي، نهضة مصر، القاهرة، ط2، 2004م. الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية، سليمان عبد القوي، مكتبة العبيكان، السعودية. الإسلام بين الحقيقة والادعاء، مجموعة علماء، الشركة المتحدة للطباعة والنشر، مصر، 1996م. التبشير العالمي ضد الإسلام، د. عبد العظيم المطعني، مكتبة النور، القاهرة، 1413هــ/ 1992م.

[1]. أضواء على مواقف المستشرقين والمبشرين، د. شوقي أبو خليل، منشورات جمعية الدعوة العالمية الإسلامية، ليبيا، ط2، 1418هـ/ 1999م، ص158. الإسلام في قفص الاتهام، د. شوقي أبو خليل، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، دمشق، ط6، 1425هـ/ 2004م، ص59.

[2]. عالمية الإسلام، د. علي عبد الحليم محمود، دار الوفاء، مصر، ط1، 1992م، ص164، 165 بتصرف.

[3]. الخافقين: جمع الخافق، هو الأفق، والخافقان يقصد بها أفق المشرق وأفق المغرب.

[4]. الإسلام في قفص الاتهام، د. شوقي أبو خليل، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، دمشق، ط6، 1425هـ/ 2004م، ص60 بتصرف يسير.

[5]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد إلى جميع الناس (403).

[6]. إسناده صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (23536)، والبيهقي في شعب الإيمان، باب في حفظ اللسان، فصل ومما يجب حفظ اللسان منه الفخر بالآباء، وخصوصا بالجاهلية والتعظيم (5137)، وصحيح إسناده الأرنؤوط في تعليقات مسند أحمد (23536).

[7]. صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الفتن، باب من كره الخروج في الفتنة وتعوذ عنها (37126)، وأحمد في مسنده، مسند المكيين، حديث كرز بن علقمة الخراعي رضي الله عنه (15958)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (51).

[8]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التيمم، باب منه (328)، وفي موضع آخر.

[9]. عالمية الإسلام، د. علي عبد الحليم محمود، دار الوفاء، مصر، ط1، 199، ص246: 248.

[10]. الثبج: الوسط.

[11]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجل والنساء (2636)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضل الغزو في البحر (5043).

[12]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب وصية النبي بأهل مصر (6657).

[13]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أبواب المساجد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" (427).

[14]. الإسلام في قفص الاتهام، د. شوقي أبو خليل، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، دمشق، ط6، 1425هـ/ 2004م، ص57، 58.

[15]. تناول الباحث المسلم غير العربي محمد حميد الله رسائل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلها في كتابه "مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة"، وصدر الكتاب عن دار النفائس، راجع ص99: 148.

[16]. الأريسيون: الفلاحون الخدم.

[17]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، سورة آل عمران (4278)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام (4707).

[18]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (7)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام (4707).

[19]. القيراط: معيار في الوزن وفي المقياس، اختلفت مقاديره باختلاف الأزمنة، وهو اليوم في القياس جزء من أربعة وعشرين، وهو من الفدان يساوي خمسة وسبعين ومائة متر.

[20]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب وصية النبي بأهل مصر (6657).

[21]. الإسلام في قفص الاتهام، د. شوقي أبو خليل، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، دمشق، ط6، 1425هـ/ 2004م، ص62: 70.

[22]. الألوية: جمع لواء، وهو العلم أو الراية.

[23]. فرسان النهار من الصحابة الأخيار، د. سيد حسين العفاني، دار ماجد عسيري، السعودية، ط1، 1425هـ / 2004م، ج2، ص127.

[24]. فرسان النهار من الصحابة الأخيار، د. سيد حسين العفاني، دار ماجد عسيري، السعودية، ط1، 1425هـ / 2004م، ج4، ص450.

[25]. معالم تاريخ المغرب والأندلس، د. حسين مؤنس، مكتبة الأسرة، القاهرة، 1992م، ص45.

[26]. الدولة العثمانية: عوامل النهوض وأسباب السقوط، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، 2003م، ص53.

[27]. عالمية الإسلام، د. علي عبد الحليم محمود، دار الوفاء، مصر، ط1، 1992م، ص164، 165.

[28]. اكرزوا: ادخلوا.

[29]. أضواء على مواقف المستشرقين والمبشرين، د. شوقي أبو خليل، منشورات جمعية الدعوة العالمية الإسلامية، ليبيا، ط2، 1418هـ/1999م، ص160: 162.

[30]. عالمية الإسلام، د. علي عبد الحليم محمود، دار الوفاء، مصر، ط1، 1992م، ص610 وما بعدها.

[31]. عالمية الإسلام، د. علي عبد الحليم محمود، دار الوفاء، مصر، ط1، 1992م، ص610 وما بعدها.

[32]. انظر: سقوط العلمانية، أنور الجندي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط2، 1980م، ص195: 198. الإسلام بعيون مسيحية، لطفي حداد، الدار العربية للعلوم، بيروت، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص208: 210.

[33]. الإسلام في قفص الاتهام، د. شوقي أبو خليل، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، دمشق، ط6، 1425هـ/ 2004م، ص55، 56 بتصرف.

[34]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط13، 1407هـ/1987م، ج4، ص2087.

[35]. عالمية السلام في الإسلام منهجا وعقيدة في الكتاب والسنة، د. عادل السيد مرزوق، مؤتمر قضايا الإصلاح العربي بمكتبة الإسكندرية، 1425هـ/ 2004م، ص95، 96.

[36]. تجيش: تفيض.

[37]. يتمحض: يخلص.

[38]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط13، 1407هـ/1987م، ج5، ص3142: 3144.

[39]. صمام الأمان: هو مصطلح في الهندسة الميكانيكية يعني: سداد ينفتح من تلقاء نفسه عندما يزيد الضغط على الحد المرسوم، ومعنى عبارة "الإنسانية الواحدة هي صمام الأمان": أي المسئولة عن تحقق الأمن والأمان.

[40]. يتسنم الذروة: يرتفع إلى القمة.

[41]. عالمية الإسلام، د. علي عبد الحليم محمود، دار الوفاء، مصر، ط1، 1992م، ص70: 73.

[42]. عالمية الإسلام، د. علي عبد الحليم محمود، دار الوفاء، مصر، ط1، 1992م، ص92.

[43]. عالمية الإسلام، د. علي عبد الحليم محمود، دار الوفاء، مصر، ط1، 1992م، ص406.

[44]. عالمية الإسلام، د. علي عبد الحليم محمود، دار الوفاء، مصر، ط1، 1992م، ص453، 454.

[45]. عالمية الإسلام، د. علي عبد الحليم محمود، دار الوفاء، مصر، ط1، 1992م، ص609، 610.

[46]. المتناحرة: المتقاتلة.

[47]. ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، أبو الحسن الندوي، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط1، 1418هـ/ 1997م، ص207: 209.

[48]. انظر: عالمية الإسلام، د. علي عبد الحليم محمود، دار الوفاء، مصر، ط1، 1992م، ص490: 511.

[49]. الخصائص العامة للإسلام، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط6، 1423هـ/2003م، ص228 وما بعدها.

[50]. المسلمون والعولمة، د. يوسف القرضاوي، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 1421هـ/2000م، ص12: 17.

[51]. إسناده صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم 23536)، والبيهقي في شعب الإيمان، باب في حفظ اللسان، فصل ومما يجب حفظ اللسان منه الفخر بالأباء، وخصوصا بالجاهلية والتعظيم (5137)، وصحح إسناده الأرنؤوط في تعليقات مسند أحمد ( 23536).

[52]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الكوفيين، حديث عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه (20566)، وابن ماجه في السنن، كتاب الصيد، باب النهي عن اقتناء الكلب إلا كلب صيد أو حرث أو ماشية (3205)، وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (9453).

[53]. الأفانين: جمع فن، وهو العمل الإبداعي.

[54]. الطوباوية: السعي إلى المثل العليا وتجاهل الواقع.

[55]. مقال: عالمية الإسلام بين وعي الذات وإنضاج الخصوصية، مجلة النبأ، العدد 58، ربيع الأول، 1422هـ، حزيران 2001م، منشور بموقع: www. annabaa. org

[56]. مقال: هل يتبلور مفهوم جديد لعالمية الإسلام، منشور بموقع مفكرة الإسلام www. islammemo. cc.

wives that cheat women who want to cheat read here
click why wives cheat on husbands dating site for married people
click here online women cheat husband
husbands who cheat women who cheat on husband my boyfriend cheated on me with a guy
where to order viagra online buy viagra free shipping viagra sipari verme
husband cheat my husband almost cheated on me online affair
husband cheat why do men cheat on their wife online affair
read here website why women cheat on men
مواضيع ذات ارتباط
من فضلكم !! زائر
سأطرح سؤالا واحدا و أريد اجابة واحدة قاطعة ما هي الاية او الايات التي تبرهن أن الاسلام صالح لكل زمان ؟ من فضلكم !!

الرد زائر
أخي الكريم صاحب التعليق الذي يقول: سأطرح سؤالا واحدا و أريد اجابة واحدة قاطعة ما هي الاية او الايات التي تبرهن أن الاسلام صالح لكل زمان ؟ من فضلكم !! لقد نصَّت آيات كثيرة وصرَّحت بعالمية الإسلام وعمومية الدعوة، منها ما يأتي:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (الأعراف: 158) {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(33)} (التوبة) {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا(1)} (الفرقان) {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)} (ص) هذا عن القرآن، أما عن السنة النبوية فقد وردت أحاديث كثيرة في هذا الشأن، منها: قوله صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح البخاري: "كان النبي يُبعث إلى قومه خاصة، وبُعثت إلى الناس عامة". وبهذا فالإسلام دين سماوي عالمي الطابع، وهو منهج شامل لمختلف نواحي الحياة؛ ومن ثم فهو ليس لأهل إقليم دون غيرهم ولا لأهل زمان دون سواهم.


أضف تعليقا
عنوان التعليق
نص التعليق
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  8420
إجمالي عدد الزوار
  38398145

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع