الزعم أن الإسلام عزل المرأة عن المشاركة في تولي مناصب العمل العام(*)
مضمون الشبهة:
يزعم دعاة المساواة بين المرأة والرجل أن الإسلام يعزل المرأة عن المشاركة في ولايات العمل العام، وذلك بجعل ولايتها مفضية لعدم الفلاح، مستندين في ذلك إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة».[1] ويهدفون من وراء ذلك إلى اتهام الإسلام بأنه يميز بين الرجل والمرأة، فيجور على حقوق الثانية لصالح الأول.
وجوه إبطال الشبهة:
1) من معاني الولاية: النصرة؛ ومن ثم فللمرأة نصرة وسلطان على من ثبتت ولايتها عليه.
2) الحديث المستدل به ينصرف إلى الإمامة العظمى، وليست بقية مناصب الولاية.
3) ليس في القرآن والسنة ما يمنع المرأة من تولي الولايات العامة من:
· مبايعة الحاكم.
· الاشتراك في عضوية مجلس الشورى.
· تولي الوزارات وما في حكمها.
· تولي منصب القضاء على خلاف بين الفقهاء.
1)عدم تولي المرأة منصب القضاء في العصور السابقة ليس دليلا على التحريم والمنع، وما ورد في تراثنا حول منع تولي المرأة منصب القضاء، هو اجتهادات فقهية.
2) منصب القضاء انتقل في العصر الحديث من طور الولاية الفردية إلى ولاية المؤسسة، وفي ذلك لا تمنع المرأة من المشاركة في صنع القرار.
التفصيل:
أولا. معنى الولاية النصرة:
إن الولاية - بكسر الواو وفتحها - هي: النصرة، وكل من ولي أمر الآخر فهو وليه والله يقول: )الله ولي الذين آمنوا( (البقرة: ٢٥٧)، ويقول عز وجل: )والله ولي المؤمنين (68)( (آل عمران).
وإذا كانت النصرة هي معنى"الولاية"، فلا مجال للخلاف على أن للمرأة نصرة وسلطان، أي ولاية في كثير من ميادين الحياة.
فالمسلمون مجمعون على أن الإسلام قد سبق كل الشرائع الوضعية والحضارات الإنسانية عندما أعطى للمرأة حقوقا متعددة كما تأتي:
1. أعطى الإسلام للمرأة ذمة مالية خاصة، وولاية وسلطانا على أموالها؛ ملكا وتنمية واستثمارا وإنفاقا، مثلها في ذلك مثل الرجل سواء بسواء، والولاية المالية والاقتصادية من أفضل الولايات والسلطات في المجتمعات الإنسانية؛ حيث سوى الإسلام بين الرجل والمرأة في حق التملك.
2. أعطى الإسلام للمرأة الحق في مباشرة عقود التصرفات بجميع أنواعها، فأعطاها حق التملك وحق التصرف في ملكها بما تشاء من: البيع، والشراء، والهبة، والصدقة، والوصية، والإجارة، والإنفاق، والوقف، والرهن.
3. أعطى الإسلام للمرأة حق التقاضي والدفاع عن نفسها وعن ملكها، ولها حق إقامة الدعوى.
وقد أجمع فقهاء الإسلام على أن النصوص الواردة في التصرفات المالية خاصة بالرجل والمرأة على السواء.
وهي حرية لم تصل إليها أكثر التشريعات تقدما، حتى في عهدنا الحاضر، حيث يشترط القانون الفرنسي، الذي صدر عام 1942م، موافقة الزوج على تصرف الزوجة في مالها.
فالإسلام منح المرأة الاستقلال الاقتصادي الكامل، كما منحه للرجل، ومنع الزوج أن يأكل من مالها إلا عن طيب نفس، وذلك طبقا لقوله عز وجل: )فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا (4)( (النساء).
والمسلمون مجمعون على أن للمرأة ولاية على نفسها، تؤسس لها حرية وسلطانا في شئون زواجها، عندما يتقدم إليها الراغبون في الاقتران بها، وهو سلطان يعلو سلطان وليها الخاص والولي العام لأمر أمة الإسلام.
والمسلمون مجمعون على أن للمرأة ولاية ورعاية وسلطانا في بيت زوجها وفي تربية أبنائها … وهي ولاية منصوص على تميزها بها، وفيها حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي فصل أنواع وميادين الولايات: «ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع عليهم وهو مسئول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه, ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته»[2].
ويغنينا عن تتبع جزئيات الحقوق المنبعثة عن حق الأهلية الذي أرساه الإسلام للمرأة أن نقف عند هذه الآية القرآنية الجامعة لأشتات هذه الجزئيات كلها، وهي قول الله عز وجل: )والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم (71)( (التوبة).
فقد قررت الآية ما يسمى بالولاية المتبادلة بين الرجل والمرأة في سائر شئون الحياة، ولا يتحقق ذلك إلا بتكامل الأهلية في كل منهما.
على أن الشريعة الإسلامية بهذا كله تكون قد انفردت عن الشرائع والقوانين الوضعية القديمة والحديثة بإثبات حقوق للمرأة حرمتها تلك الشرائع وهاتيك القوانين منها، ومهما بحثت فيها؛ فلن تجد شيئا مما قضى به القرآن من مبدأ الولاية المتبادلة بين الرجل والمرأة.
وبوسعك أن تتبين أن الإسلام إنما أرسى هذا الحق للمرأة بكل نتائجه ومستلزماته منذ فجر وجوده. فهل يعترف الغرب للمرأة بهذا الحق في مجال التطبيق دون كذب أو نفاق؟
وبغض النظر عن البنود المسطرة في ملفات هيئة الأمم المتحدة، والمحفوظة عن ظهر قلب من قبل الكثيرين، فإن ما تعامل به المرأة في الغرب على نقيض ما هو مسطور ومحفوظ في خزانة هيئة الأمم المتحدة.
فالمرأة لم تنل إلى اليوم أجرها العادل عن العمل الذي تؤديه كما يؤديه الرجل، إن لم يكن أفضل وأدق، وعلى الرغم من مطالبها الملحة في المناسبات المتكررة، فإن أحدا - إلا القلة النادرة - لم يصغ إلى مطالبها ولم يستجب لحقها.
يقول د. شارل. ل. فيدز، أستاذ ومدير المعهد الأمريكي للدراسات الإسلامية: "كثير من الرجال وافقوا على قدرة المرأة على القيام بوظيفة الرجل، إلا أنهم رفضوا قبول افتراض تقاضيها نفس الراتب لنفس العمل، هذا الاعتقاد بالمساواة في القدرة وعدم المساواة في التعويض ما زال سائدا في معظم الأقطار الغربية بما فيها الولايات المتحدة، وقد نجم عن هذا الاعتقاد كثير من الحقد" [3].
والمرأة الغربية لا تتمتع بأي حق يمتعها بالكرامة الزوجية، بل هي دائما مستبعدة وتابعة للرجل وتعامل في المجتمع كمواطن من الدرجة الثانية على أحسن تقدير.
تقول الكاتبة الفرنسية فرانسي كيري: "إن المرأة الغربية تفقد حق المساواة المهنية، وحق الكرامة الزوجية أو المنزلية، ثم تمضي في بيان ذلك فتقول: إنه مع تساوي المؤهلات فإن المرأة لا تجد نفسها إلا في وضعية جائرة تتمثل في أعمال أكثر رتابة، وسلطات أقل وأجر أدنى … ويبرر هذا العنف بعلة انصراف المرأة إلى مهامها العائلية التي تجعلها أقل قدرة على أداء مهنتها". وتتساءل الكاتبة قائلة: وعلى من يقع الذنب؟
ثم تجيب قائلة: "إننا نتطلع إلى وجه آخر من وجوه الحضارة أحنى على المرأة وأكثر رعاية لحقوقها.. ذلك أن المكتسبات الشخصية المحددة لم تغمرها بأي نعيم … إنها ستظل مضطهدة ما لم يعد النظر في طريقة حياتنا وفي ثقافتنا، عاجلا أم آجلا" [4].
ثانيا. فهم حديث "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" وبيان أنه في الإمامة العظمى:
إذا كان بعض الفقهاء قد حجبوا المرأة عن"الولايات العامة"، التي تلي فيها أمر غيرها من الناس، خارج الأسرة وشئونها، فإن بعض العلماء - منهم الإمام ابن حزم - يرى أنه يسمح لها بالولاية العامة، وهو يستمده من وقائع تطبيقات وممارسات مجتمع النبوة والخلافة الراشدة لمشاركات النساء في العمل العام، بدءا من الشورى في الأمور العامة، والمشاركات في تأسيس الدولة الإسلامية الأولى، وحتى ولاية الحسبة والأسواق والتجارات التي ولاها عمر بن الخطاب رضي الله عنه "للشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس"، وانتهاء بالقتال في ميادين الوغى. كذلك الآيات القرآنية الدالة على أن الولاية والتناصر بين الرجال والنساء في سائر ميادين العمل العام، وهي التي تناولها القرآن الكريم تحت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يقول عز وجل: )والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم (71)( (التوبة).
أما الإضافة التي نقدمها في هذا القسم من هذه الرسالة لإزالة هذه الشبهة فهي خاصة بمناقشة الفهم المغلوط للحديث الشريف: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»[5], إذ هو الحديث الذي يستظل بظله كل الذين يحرمون مشاركة المرأة في الولايات العامة والعمل العام.
ولقد وردت لهذا الحديث روايات متعددة، منها: «لن يفلح قوم تملكهم امرأة»[6]. و «لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة». [7]… «ولن يفلح قوم أسند أمرهم إلى امرأة».
وإذا كانت صحة الحديث من حيث "الرواية" حقيقة لا شبهة فيها، فإن إغفال مناسبة هذا الحديث يجعل "الدراية" بمعناه الحقيقي مخالفة للاستدلال به على تحريم ولاية المرأة للعمل العام.
ذلك أن ملابسات قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لهذا الحديث تقول: أن فارسا ملكوا ابنة كسرى، فقال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» [8].
ثم إن هذه الملابسات تجعل معنى الحديث خاصا بـ "الولاية العامة"، أي: رئاسة الدولة وقيادة الأمة، فالمقام كان مقام الحديث عن امرأة تولت عرش الكسروية الفارسية، التي كانت تمثل إحدى القوتين العظميين في النظام العالمي لذلك التاريخ، فقد اشترط الفقهاء "الذكورة" فيمن يلي "الإمامة العظمى" والخلافة العامة لدار الإسلام وأمة الإسلام.
ويحاول د. محمد سعيد رمضان البوطي استخراج الحكمة التي من أجلها منع الإسلام المرأة من تولي الولاية العظمى - رئاسة الدولة حاليا - فيقول:
"ولكن ما الحكمة من هذا الحجر الذي جاء خاصا، وبموجب نص صريح برئاسة الدولة؟
الحكمة أن قسما كبيرا من المهام التي يقوم بها الخليفة أو من يحل محله إنما هي مهام دينية محضة، وليست سياسية مجردة؛ فمن مهام الخليفة جمع الناس على صلاة الجمعة وخطبتها، وهي مهمة دينية محضة، ومن المعلوم أن المرأة غير مكلفة بصلاة الجمعة ولا بالحضور لها، فكيف تقود الناس وتشرف عليهم في عمل غير مطالبة به؟
فإن قلنا: فلتنب عنها من يقوم بهذا الواجب من الرجال، أشكلت على ذلك القاعدة الفقهية القائلة بأنه لا تصح الوكالة إلا لمن يستوي مع الوكيل في المطالبة بذلك الحكم وشرائط صحته وانعقاده.
ومن مهام الخليفة إعلان حالة الحرب مع من اقتضى الأمر محاربتهم وقتالهم، وقيادته للجيش في عمليات القتال. ومن المعلوم أن المرأة غير مكلفة بالجهاد القتالي إلا عند النفير العام، أي عند مداهمة العدو دار الإسلام واقتحامه لأراضي المسلمين، فكيف يستقيم منها أن تقود الناس في عمليات هي غير مكلفة بها؟
ومن مهام الخليفة الخروج بالناس إلى صلاة العيد، وإلى صلاة الاستسقاء وإلقاء الخطبة المتعلقة بالصلاتين، والمرأة قد لا تكون في وضع يخول لها القيام بهذه المهام ونحوها، مما هو كثير.
فاقتضى ذلك أن لا تزج المرأة في هذه المحرجات دونما ضرورة تستدعي ذلك، والواقع أنه ليس ثمة ضرورةتقتضي تحميل المرأة هذه المحرجات.
وبقطع النظر عن هذا السبب الذي يتلخص في أن كثيرا من مهام الخليفة أو ما يقوم مقامها من رئاسة الدولة، من وجهة نظر الشريعة الإسلامية مهام دينية مجردة، فإن الواقع التاريخي منذ أقدم عصور الحضارة الإنسانية، كان ولا يزال متفقا مع هذا الذي قررته الشريعة الإسلامية.
تأمل في أسماء من نصبوا ملوكا أو رؤساء لدولهم منذ أقدم العصور إلى هذا اليوم، خارج المجتمعات الإسلامية، تجد أن غالبيتهم العظمى كانوا رجالا، بل إنك لا تكاد تعثر على أسماء نساء تولين رئاسة الدولة أو الملك، أكثر من عدد أصابع اليدين.
ولا شك أن هذا يدل دلالة واضحة على أن تلك المجتمعات مقتنعة، رجالا ونساء، بما قضى به الإسلام، وإلا فلماذا لم ترتفع نسبة الرؤساء والملوك من ذوي السلطة الحاكمة من النساء إلى النصف أو إلى الربع أو إلى عشر أمثالهن من الرجال طوال هذه الأحقاب المنصرمة كلها على اختلاف ميولها، وتنوع نحلها وتعدد سياساتها؟
لماذا لم نسمع عن امرأة تولت الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية منذ فجر ولادة هذه الدولة إلى اليوم؟ بل لماذا لم نسمع عن أي امرأة رشحت نفسها للرئاسة إلا مؤخرا؟ وهي الدولة التي تهيب بالنساء في العالم العربي والإسلامي في أن يكافحن لنيل هذا الحق [9].
أما ما عدا هذا المنصب - الإمامة العظمى - بما في ذلك ولايات الأقاليم فإنها لا تدخل في ولاية الإمامة العظمى لدار الإسلام وأمته؛ لأنها ولايات خاصة وجزئية، يفرض واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المشاركة في حمل أماناتها على الرجال والنساء دون تفريق.
فالشبهة إنما جاءت من خلط مثل هذه الولايات الجزئية والخاصة بالإمامة العظمى، والتي اشترط جمهور الفقهاء "الذكورة" فيمن يليها.
فإذا تجاوزنا مهمة "الخلافة" أو "الإمامة العظمى" - والتي زالت بسقوط الخلافة العثمانية (1342هـ/1924م) - إلى الوظائف والمهام السياسية الأخرى، فإننا لا نكاد نجد مدخلا لخصوصية الذكورة والأنوثة في الأمر.
يتبين لنا مما سبق أن هناك إجماعا من قبل العلماء على منع المرأة من تولي منصب الإمامة العظمى؛ وذلك لأن طبيعة المرأة وتكوينها الجسمي والنفسي والعقلي والعاطفي يتنافى مع القيام بأعباء هذا المنصب الخطير؛ لأنه قد يتطلب من الإمام أن يتولى قيادة الجيش بنفسه، والاشتراك في الحرب وتحمل أهوالها... وغير ذلك من الأعمال التي تتطلب قدرة خاصة وكفاءة جسمانية معينة، كماتقتضي كذلك من قوة الأعصاب والشجاعة في خوض المعارك، ورؤية الدماء وسماع صوت طلقات المدافع ودوي القنابل، وهذا يدفعنا إلى أن نحمد الله على أنه لم يكلف النساء به، وإلا فقدت أجمل ما فيها من رحمة ورقة ووداعة وحنان [10].
ثالثا. ليس في القرآن والسنة ما يمنع المرأة من تولي الولايات العامة[11]:
ولنستعرض هذه الوظائف، متدرجين من الأدنى إلى الأعلى على هذا النحو:
· مبايعة الحاكم:
وتدخل في مبايعة من يختارون ممثلين عن الأمة أو الشعب في مجالس الشورى.
إن من المعلوم أن الرئيس أو الخليفة تتوقف رئاسته الشرعية على مبايعة أهل الحل والعقد له.
إن الذين دخلوا الإسلام يوم فتح مكة، إنما أصبحوا بإعلانهم عن استسلامهم الاعتقادي والسلوكي لأركان الإسلام، ولم تكن مبايعتهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرطا لا بد منه لصحة الإسلام، ومع ذلك فقد هرعوا إلى مبايعته صلى الله عليه وسلم. فما هو وجه الحاجة التي دعت إليها؟
إن وجه الحاجة هو ضرورة الإعلان عن الانقياد للسلطة السياسية التي يتمتع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومما لا شك فيه أنه - صلى الله عليه وسلم - يتمتع - بعد هجرته إلى المدينة واستقراره فيها وتحولها إلى أول دار إسلام - بشخصية النبي المرسل والمبلغ عن الله - عز وجل - وبشخصية الإمام الراعي لمصالح الأمة، فعلاقة المسلم برسول الله نبيا مبلغا عن الله تقوم على نهجها السوي بإسلامه وإيمانه، أما بمبايعته على السمع والطاعة في المنشط والمكره، فتجيء لكونه إماما وقائدا للمسلمين.
إذن فبيعة أفراد الأمة أو الشعب لرئيس الدولة أداء لمهمة سياسية يلزم بها الدين، بدءا من المبايعة التي تمت لرسول الله يوم الفتح، ومرورا بمبايعة سائر الخلفاء والحكام من بعده إلى يومنا هذا، هذه المبايعة السياسية التي يأمر بها الدين.
وجاء عن عائشة أم المؤمنين: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبايع النساء بالكلام بهذه الآية )لا يشركن بالله شيئا( (الممتحنة: ١٢)،قالت: وما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة إلا امرأة يمكلها»[12].
إذا تبين هذا، فإن القول نفسه يرد في المبايعة أو انتخاب المرأة لأعضاء مجلس الشورى؛ ذلك لأن مناط الحكم ومصدره واحد في الحالتين، صحيح أن مجلس الشورى لم يكن يعين - فيما مضى - عن طريق الانتخاب أو المبايعة، وإنما كان عن طريق اختيار الدولة لمن يسمون بـ "أهل الحل والعقد"، ولكن لما أحالت الدولة حق الاختيار هذا إلى الشعب - وهذا سائغ ومبرر شرعا - كان لا بد أن يستوي في ذلك الرجال والنساء؛ بمقتضى حق الإحالة الذي منحته الدولة، وبمقتضى الحق الشرعي الذي منحه الشارع لهما فيما هو أخطر وأهم، ألا وهو حق اختيار الإمام ومبايعته [13].
· الاشتراك في عضوية مجلس الشورى:
إن مبدأ اعتماد الدولة على الشورى في كل ما يصدر عنها من قرارات وأحكام اجتهادية واجب شرعي يدخل في جوهر الدين وأسسه الراسخة، وكلنا قرأ قول الله - عز وجل - خطابا لرسوله بوصفه الإمام الأول لهذه الأمة: )فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين (159)( (آل عمران).
فهذا الواجب الذي كلف الله به إمام الأمة أو رئيس الدولة، جعله الله في الوقت ذاته حقا ثابتا من حقوق الأمة، أي أنه واجب تكلف بتنفيذه الدولة، وحق تتقاضاه الأمة.
ونظرا إلى أن الأمة أو الرعية أو الشعب - على حد التعبير الدارج - تتألف دائما من شطري الرجال والنساء، فإن حق الشورى مستقر بحكم الله وشرعته لهذين الشطرين من الرجال والنساء.
وقد جرى تطبيق هذا الحكم في عصر النبوة بأجلى صوره، فقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه دخل يوم صلح الحديبية على أم سلمة يشكو إليها أنه أمر أصحابه بنحر هداياهم وحلق رؤوسهم فوجموا ولم يفعلوا، فقالت: «يا رسول الله، أتحب ذلك؟ اخرج ولا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنتك وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفعل ما قالته أم سلمة»[14].
إن رسول الله لفي غنى - بما وهبه الله من حنكة وحكمة في القول والعمل - عن أن يستشير أم سلمة، ولكنه - كما ذكر الحسن البصري وغيره - أحب أن يقتدي به الناس في ذلك، وألا يشعر أحد منهم بمعرة في مشاورة امرأة قد يرى نفسه أكثر منها علما، وأنفذ منها بصيرة وفهما.
وروى ابن حجر في "الإصابة" عن أبي برزة عن أبيه قال: ما أشكل علينا أمر فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها فيه علما. وقال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أفقه الناس وأحسن الناس رأيا في العامة، وكان عمر - رضي الله عنه - يستشيرها في كل ما يتعلق بأمور النساء وأحوال رسول الله في بيته.
كما كان يستشير غيرها من النساء، وقد استشار ابنته حفصة في المدة التي ينبغي أن تحدد لابتعاد الرجل عن زوجته في المهام الجهادية ونحوها، فأشارت عليه بأن تكون أقصى مدة لغياب الرجل عنها أربعة أشهر، فأمضى كلامها، واتخذ من ذلك أجلا أقصى للبعثات التي يوفد إليها الرجال.
وكان أبو بكر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - يستشيرون النساء… ولم نجد في شيء من بطون السيرة والتاريخ أن أحدا من الخلفاء الراشدين أو الصحابة حجب عن المرأة حق استشارتها والنظرة في رأيها.
واعتمادا على هذه الأدلة الثابتة من عمل رسول الله - رضي الله عنه - وعمل صحابته، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الشورى تلتقي مع الفتوى في مناط واحد، فكل من جاز له أن يفتي ممن توافرت لديه شرائط الفتوى، جاز له أن يشير، وجاز للإمام والقاضي أن يستشيره ويأخذ برأيه. ومعلوم أن الذكورة ليست شرطا في صحة الفتوى ولا في تبوء منصبها.
يقول الماوردي في "أدب القاضي": إن كل من صح أن يفتي في الشرع جاز له أن يشاوره القاضي في الأحكام، فيجوز أن يشاور الأعمى والعبد والمرأة" [15].
ومن هنا نرى أن للمرأة في الإسلام أن توكل نائبا عنها في المجلس النيابي - حق الانتخاب -، كما أن لها أيضا أن تكون وكيلة عن مجموعة من الرجال والنساء يختارونها لهذا الغرض، بحيث تصبح نائبا في المجلس النيابي، ولا فرق في هذا بينها وبين الرجل، مادامت المقومات الشخصية الخاصة لكل منهما تؤهله لذلك، وهذا ما يؤكده الفقه الإسلامي، حيث رأيناه في مجموعه يبيح لها أن تكون وكيلة عن فرد أو مجموعة أفراد، وما عضوية المجالس النيابية في حقيقتها إلا هذا، والذين يرون تنحية المرأة عن هذا كله بحجج واهية مثل ضعف عقل المرأة وعدم معرفتها بأمور الحياة، وتعرضها للفتنة، على هؤلاء أن يتجاهلوا ما ورد في السنة وفي صدر الإسلام من وقائع ثابتة قاطعة باشتراك المرأة في الحياة العامة، وتقديمها مشورات جيدة لم يكتب لرجل من أقرانها أن يقدمها [16].
· تولي الوزارات وما في حكمها:
إن المرأة التي تكون أهلا من حيث المبدأ والاختصاص لإحدى هذه الوظائف، والتي تكون على استعداد لأن تضبط نفسها وسلوكها بالضوابط الدينية التي أمر بها الله - عز وجل - ليس في الشرع ما يمنع من ممارستها لتلك الوظيفة، بسبب أنها امرأة.
وبتعبير آخر نقول: إن الحظر الذي نطق به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو ذاك الذي تضمنه قوله صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة»[17] إنما هو خاص بإمامة الأمة أو رئاسة الدولة؛ إذ هو يعني"بوران"التي نصبت ملكة في المملكة الفارسية على قومها، وتبقى الوظائف والمهام السياسية التي هي دون ذلك - والتي قد تكلف بها المرأة - مسكوتا عنها.
وقد علمنا أن الأصل في الأشياء كلها الإباحة، حتى يرد ما يخالف ذلك من الحظر، وهذا يعني أن سائر الأنشطة السياسية التي قد تمارسها المرأة مما هو دون رئاسة الدولة، داخل في عموم حكم الإباحة، بشرط أن تكون المرأة أهلا لها، مع تقيدها بأوامر الدين وآدابه وضوابطه [18].
يقول الشيخ القرضاوي: "ومما استندت إليه الفتوى المذكورة في منع أن تكون ناخبة أو عضوا في مجلس نيابي الحديث الذي جاء عن أبي بكرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين بلغه أن الفرس ولوا على ملكهم بنت كسرى بعد موته، قال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»[19].
ولنا مع هذا الاستدلال وقفات:
هل يؤخذ الحديث على عمومه أو يوقف به عند سبب وروده؟
على معنى أنه أراد أن يخبر عن عدم فلاح الفرس، الذين فرض عليهم نظام الحكم الوراثي أن تحكمهم بنت الإمبراطور، وإن كان في الأمة من هو أكفأ منها وأفضل ألف مرة؟
صحيح أن أغلب الأصوليين قالوا: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولكن هذا غير مجمع عليه، وقد ورد عن ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم - وغيرهما ضرورة رعاية أسباب النزول، وإلا حدث التخبط في الفهم، ووقع سوء التفسير، كما تورط في ذلك الحرورية من الخوارج وأمثالهم، الذين أخذوا الآيات التي نزلت في المشركين فعمموها على المؤمنين، فدل ذلك على أن سبب نزول الآية - ومن أولى سبب ورود الحديث - يجب أن يرجع إليه في فهم النص، ولا يؤخذ عموم اللفظ قاعدة مسلمة.
إن علماء الأمة قد اتفقوا على منع المرأة من الولاية الكبرى أو الولاية العظمى، وهي التي ورد في شأنها الحديث، ودل عليها سبب وروده، كما دل عليها لفظه «ولوا أمرهم» وفي رواية «تملكهم امرأة»، فهذا إنما ينطبق على المرأة إذا أصبحت ملكة أو رئيسة دولة ذات إرادة نافذة في قومها لا يرد لها حكم، ولا يبرم دونها أمر، وبذلك يكونون قد ولوا أمرهم حقيقة، أي أن أمرهم العام قد أصبح بيدها وتحت تصرفها ورهن إشارتها.
أما ما عدا الإمامة والخلافة - وما في معناها من رئاسة الدولة - فهو مما اختلف فيه، فيمكن بهذا أن تكون وزيرة، ويمكن أن تكون قاضية، ويمكن أن تكون محتسبة احتسابا عاما.
إن المجتمع المعاصر في ظل النظم الديمقراطية حين يولي المرأة منصبا عاما كالوزارة أو الإدارة أو النيابة أو نحو ذلك، فلا يعني هذا أنه ولاها أمره بالفعل، وقلدها المسئولية عنه كاملة، فالواقع المشاهد أن المسئولية جماعية والولاية مشتركة، تقوم بأعبائها مجموعة من المؤسسات والأجهزة، والمرأة إنما تحمل جزءا مع من يحملها.
وبهذا نعلم أن حكم "تاتشر" في بريطانيا، أو "أنديرا" في الهند، أو "جولدا مائير" في فلسطين المحتلة، ليس هو - عند التأمل - حكم امرأة في شعب، بل هو حكم المؤسسات والأنظمة المحكمة، وإن كان فوق القمة امرأة! إن الذي يحكم هو مجلس الوزراء بصفته الجماعية وليست رئيسة مجلس الوزراء، فليست هي الحاكمة المطلقة التي لا يعصى لها أمر، فهي إنما ترأس حزبا يعارضه غيره، وقد تجرى هي انتخابات فتسقط فيها بجدارة، كما حدث لأنديرا في الهند، وهي في حزبها لا تملك إلا صوتها، فإذا عارضتها الأغلبية غدا رأيها كرأي أي إنسان في عرض الطريق [20].
ونحن نوافق د. القرضاوي على أنه يجوز للمرأة تولي جميع المناصب العامة باستثناء الإمامة العظمى - رئاسة الدولة - والقضاء على خلاف الفقهاء فيه، إلا أننا نتحفظ على بعضه بما تأتي:
o ما عليه إجماع الأمة بأن العبرة هنا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وأن اللفظ عام لم يرد ما يخصصه.
o لو جاز تولي المرأة الإمامة العظمى في الحكم الديمقراطي لكونه قائما على الشورى، ولكون الحاكم فيه لا ينفرد فيه بالرأي.. إذن لجاز ذلك - ومن باب أولى - في عهد النبوة والخلافة الأولى؛ لأن الحكم فيها كان قائما على الشورى الحقيقية ولم يكن الحاكم مستبدا برأيه إبانها.
o إن الواقع العلمي - في كثير من الأحيان - يؤكد أن الكلمة الأولى والأخيرة تكون للحاكم حتى في الحكم الديمقراطي فهو الذي يصنع القرار ويسير الأمور، وكل ما هنالك أنه فقط يهيئ الرأي العالم للموافقة على قراره.
o وغاية ما في الأمر أننا لا نجد في نصوص القرآن الكريم والسنة الصحيحة ما يمنع من تولي المرأة الوزارة إذا كانت مؤهلة لها بحكم تعليمها وخبرتها، وبنفس الضوابط والقيود التي يقررها الشرع، ولا نجد فارقا في ذلك بين المرأة والرجل.
· تولي المرأة لمنصب القضاء:
ومن الوظائف التي قد تندرج في سلك الوظائف السياسية: القضاء، وهذه الوظيفة وإن كانت تعني بتنفيذ الأحكام الشرعية بين المتخاصمين، إلا أنها من حيث هي جزء من نظام الحكم في الإسلام، تعد جزءا من البنيان السياسي للدولة.
رابعا. ليس عدم تولي المرأة القضاء في العصور السابقة دليلا على التحريم والمنع:
إن علة اختلاف الفقهاء حول جواز تولي المرأة لمنصب القضاء في غيبة النصوص الدينية - القرآنية والنبوية - التي تتناول هذه القضية كانت اختلاف هؤلاء الفقهاء في الحكم الذي "قاسوا" عليه توليها للقضاء.
فالذين قاسوا القضاء على "الإمامة العظمى" مثل فقهاء المذهب الشافعي قد منعوا توليها للقضاء؛ لاتفاق الفقهاء على جعل الذكورة شرطا من شروط الخليفة والإمام، فاشترطوا هذا الشرط - الذكورة - في القاضي قياسا على الخلافة والإمامة العظمى.
ويظل هذا "القياس" قياسا على "حكم فقهي" ليس عليه إجماع، وليس "قياسا" على نص قطعي الدلالة والثبوت.
والذين أجازوا توليها القضاء - فيما عدا قضاء القصاص والحدود مثل أبي حنيفة وفقهاء مذهبه - قالوا بذلك لقياسهم القضاء على الشهادة، فأجازوا قضاءها فيما أجازوا شهادتها فيه.
فالقياس هنا أيضا على "حكم فقهي" وليس على نص قطعي الدلالة والثبوت، وهذا الحكم الفقهي المقيس عليه وهو شهادة المرأة في القصاص والحدود ليس موضع إجماع … فلقد سبق وذكرنا - في رد شبهة أن شهادة المرأة هي على النصف من شهادة الرجل - إجازة بعض الفقهاء لشهادتها في الدماء، وخاصة إذا كانت شهادتها فيها هي مصدر البينة الحافظة لحدود الله وحقوق الأولياء.
أما الفقهاء الذين أجازوا قضاء المرأة في كل القضايا مثل الإمام محمد بن جرير الطبري، فقد حكموا بذلك لقياسهم القضاء على الفتيا؛ فالمسلمون قد أجمعوا على جواز تولي المرأة منصب الإفتاء الديني، أي: التبليغ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو من أخطر المناصب الدينية، وفي توليها للإفتاء سنة عملية مارستها نساء كثيرات على عهد النبوة من أمهات المؤمنين وغيرهن.
وهم قد عللوا ذلك بتقريرهم أن الجوهري والثابت في شروط القاضي إنما يحكمه ويحده الهدف والقصد من القضاء: ضمان وقوع الحكم بالعدل بين المتقاضين، وبعبارة أبي الوليد بن رشد الحفيد: إن الأصل هو أن كل من يأتي منه الفصل بين الناس فحكمه جائز، إلا ما خصصه الإجماع من الإمامة الكبرى.
أما اجتهادات الفقهاء القدماء حول تولي المرأة القضاء فهي اجتهادات متعددة ومختلفة باختلاف مذاهبهم وتعدد اجتهاداتهم في هذه المسألة، ولقد امتد زمن اختلافهم فيها جيلا بعد جيل، ومن ثم فليس هناك "إجماع فقهي" في هذه المسألة حتى يكون هناك إلزام للخلف بإجماع السلف، وذلك فضلا عن أن إلزام الخلف بإجماع السلف أمر ليس محل إجماع.
كما أن إمكانية تحقق الإجماع على مسألة من مسائل الفروع كهذه المسألة هو مما لا يتصور حدوثه، حتى لقد أنكر من الفقهاء إمكانية حدوث الإجماع في مثل هذه الفروع أصلا، ومن هؤلاء الإمام أحمد بن حنبل الذي قال: "من ادعى الإجماع فقد كذب".
فباب الاجتهاد الجديد والمعاصر والمستقبلي في هذه المسألة وغيرها من فقه الفروع مفتوح؛ لأنها ليست من المعلوم من الدين بالضرورة، فذهب أكثر الفقهاء إلى اشتراط الذكورة فيمن يولى القضاء، وذهب الحنفية إلى عدم اشتراط ذلك في أعمال القضاء المدني؛ نظرا إلى صحة شهادتها في سائر القضايا المدنية، أما في الحدود والقصاص فقد وافق الحنفية الجمهور في اشتراط الذكورة.
وأجاز ابن جرير الطبري قضاء المرأة في كل القضايا [21].
خامسا. منصب القضاء انتقل في العصر الحديث من طور الولاية الفردية إلى ولاية المؤسسة:
وأمر آخر لا بد من الإشارة إليه، وهو تغير مفهوم الولاية العامة في عصرنا الحديث، وذلك بانتقاله من "سلطان الفرد" إلى "سلطان المؤسسة" والتي يشترك فيها جمع من ذوي السلطان والاختصاص …
لقد تحول القضاء من قضاء الفرد إلى قضاء مؤسسي يشترك في الحكم فيه عدد من القضاة؛ فإذا شاركت المرأة في"هيئة المحكمة"فليس بوارد الحديث عن ولاية المرأة للقضاء، بالمعنى الذي كان واردا في فقه القدماء؛ لأن الولاية هنا الآن لمؤسسة وجمع، وليست لفرد من الأفراد، رجلا كان أو امرأة، بل أصبحت مؤسسة التشريع والتقنين مشاركة في ولاية القضاء، بتشريعها القوانين التي ينفذها القضاء، فلم يعد قاضي اليوم وإنما أصبح المنفذ للقانون الذي صاغته مؤسسته، التي تمثل الاجتهاد الجماعي لا الفردي في صياغة القانون.
وتحولت سلطات صنع القرارات التنفيذية في النظم الشورية والديمقراطية عن سلطة الفرد إلى سلطان المؤسسات والمشاركة في الإعداد لصناعة القرار، فإذا شاركت المرأة في هذه المؤسسات فليس بوارد الحديث عن ولاية المرأة لهذا السلطات والولايات، بالمعنى الذي كان في ذهن الفقهاء الذين عرضوا لهذه القضية في ظل"فردية"الولايات، وقبل تعقد النظم الحديثة والمعاصرة، وتميزها بالمؤسسية والمؤسسات.
لقد تحدث القرآن الكريم عن ملكة سبأ - وهي بلقيس - فأثنى عليها وعلى ولايتها للولاية العامة؛ لأنها كانت تحكم بالمؤسسة الشورية لا بالولاية الفردية قال الله - عز وجل - حكاية عنها: )قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون (32)( (النمل).
وذم القرآن الكريم فرعون مصر، وهو رجل؛ لأنه قد انفرد بسلطان الولاية العامة وسلطة صنع القرار: )قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد (29)( (غافر).
الخلاصة:
· لقد كرم الإسلام المرأة وجعلها عضوا عاملا في المجتمع؛ فهي مكلفة بالوظائف الاجتماعية التي كلف بها الرجل وعلى رأسها: وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي يحافظ بها المجتمع على هويته ومقوماته وخصائصه، وهي وظيفة مشتركة بين الجنسين بصريح القرآن، قال عز وجل: )والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم (71)( (التوبة).
· والأصل في الخطاب القرآني والنبوي: أنه للرجال والنساء جميعا، إلا ما قام دليل على تخصيصه لأحد الجنسين، فإذا قال عز وجل: )يا أيها الذين( أو:
)يا أيها الناس(، فإن المخاطب بذلك الرجل والمرأة جميعا.
· وهذا ما فطنت له أم سلمة - رضي الله عنها - حين سمعت وهي في بيتها وماشطتها تمشطها - الرسول يقول: "يا أيها الناس" فتركت ما كانت مشغولة به لتذهب وتسمع ما يقول في خطابه، فقالت لها الماشطة: إنه يقول أيها الناس، فقالت لها: أنا من الناس.
· إن الإسلام بهذه الأحكام وتلك التعاليم قد أنصف المرأة وأنصف الرجل جميعا، وجندهما جميعا ليعملا في طاعة الله - عز وجل - وفي خدمة المجتمع الصالح، ولا يتصور في شريعة الإسلام أن يحيف على المرأة لحساب الرجل؛ لأن الذي أنزل هذه الشريعة وأوحى بها إلى خاتم رسله، ليس رجلا، أو لجنة من الرجال، حتى يجوروا على النساء، ولكنه رب الرجال والنساء جميعا الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى، والذي شرع لهما ما يصلحهما ويرقى بهما دينا ودنيا.
· حديث: "لن يفلح قوم... " ينصرف إلى الإمامة العظمى التي يختص بها الرجال دون النساء؛ نظرا لطبيعة المهام المنوطة بالخليفة؛ من أمر إمامة الصلاة والجهاد، وهو ما لا يلزم المرأة إلا في حدود وظروف معينة.
· ليس هناك ما يمنع من توليها بقية الولايات مع شيء من الخلاف في ذلك خاصة في منصب الوزارة والقضاء، ولكن الأمر يترجح لصالحها في الغالب.
(*) مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، د. محمد بلتاجي، مكتبة الشباب، القاهرة، 1996م.
[1]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب كتاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى كسرى وقيصر (4163).
[2]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب قول الله تعالى: ) وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ( (النساء: ٥٩) (6719)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية (4828)، واللفظ له.
[3]. محاضرة تحت عنوان "الدور المفيد للمرأة في المجتمع اليوم" في الملتقى الحادي عشر للفكر الإسلامي الذي عقد في الجزائر عام 1977.
[4]. من محاضرات بعنوان: "ماذا تريد النساء إذن" ألقيت في الملتقى المذكور سابقا.
[5]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب كتاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى كسرى وقيصر (4163).
[6]. صحيح: أخرجه أحمد في المسند، مسند الكوفيين، حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة رضي الله عنه (20536)، وابن حبان في صحيحه، كتاب السير، باب في الخلافة والإمارة (4516)، وصححه الأرنؤوط في تعليقات مسند أحمد (20536).
[7]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب كتاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى كسرى وقيصر (4163)، وفي موضع آخر.
[8]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الفتن، باب الفتنة التي تموج كموج البحر (6686)، وفي موضع آخر.
[9]. المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني، د. محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر، دمشق، ط7، 1425هـ/ 2005م، ص69: 71.
[10]. أحكام تصرفات المرأة في الشريعة الإسلامية، د. كوثر كامل علي، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1، 2005م، ص177 بتصرف.
[11]. لمزيد من التفصيل حول تولي المرأة هذه الولايات ـ خاصة الوزارة والقضاء ـ انظر: المرأة والولاية العامة، د. طه الدسوقي حبيشي، طبعة خاصة، ط1، 1419هـ/1998م، ص121 وما بعدها. فتاوى معاصرة، د. يوسف القرضاوي، دار القلم، ط6، 1996م، ج2، ص383 وما بعدها. أحكام تصرفات المرأة في الشريعة الإسلامية، د. كوثر كامل علي، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1، 2005م، ص177 وما بعدها.
[12]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب بيعة النساء (6788)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب كيفية بيعة النساء (4941).
[13]. المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني، د. محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر، دمشق، ط7، 1425هـ/ 2005م، ص72، 73.
[14]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط (2581).
[15]. المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني، د. محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر، دمشق، ط7، 1425هـ/ 2005م، ص73: 76.
[16]. مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، د. محمد بلتاجي، مكتبة الشباب، القاهرة، 1996م، ص401 بتصرف.
[17]. أخرجه البخاري في صحيحه،كتاب المغازي، باب كتابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى كسرى وقيصر (4163)، وفي موضع آخر.
[18]. المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني، د. محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر، دمشق، ط7، 1425هـ/ 2005م، ص78.
[19]. أخرجه البخاري في صحيحه،كتاب المغازي، باب كتابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى كسرى وقيصر (4163)، وفي موضع آخر.
[20]. فتاوى معاصرة، د. يوسف القرضاوي، دار القلم، ط6، 1996م، ج2، ص387: 389 بتصرف.
[21]. فتاوى معاصرة، د. يوسف القرضاوي، دار القلم، ط6، 1996م، ج2، ص79، 80 بتصرف.
husbands who cheat
open my boyfriend cheated on me with a guy