إنكار فرضية الحجاب (*)
مضمون الشبهة:
ينكر أدعياء تحرير المرأة ما في الحجاب من عفة وصون للمجتمعات، وما وراء تشريعه من حكم ومقاصد عليا، ويعللون زعمهم ذلك بأنه لا علاقة له بإسلام ولا إيمان، وأنه محض عادة ابتدعها المسلمون وتعارف عليها المجتمع، وأنه يمثل ضررا بالغا بالمرأة والمجتمع في آن، ويستشهدون على وقوع هذا الضرر المزعوم بما في الحجاب من كبت حسب زعمهم وتحجيم لطموح المرأة، وإعاقتها، والوقوف حجر عثرة في طريق مواصلة مسيرتها العلمية والعملية، والتفاعل الإيجابي النشط بينها وبين أفراد مجتمعها بوصفها ركنا رئيسا من نسيج هذا المجتمع - له حقوقه وعليه واجباته. وهدفهم من هذا وذاك هو إنكار فرضية الحجاب كلية، أو قصره على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - دون غيرهن من نساء المؤمنين؛ إيذانا بتحلل أخطر، وسفور أضر، وإباحية أكثر وأكثر.
وجوه إبطال الشبهة:
1) لو وقفنا على معنى الحجاب وصوره ودرجاته؛ لأدركنا أنه ليس بدعة إسلامية اختلقها الإسلام وأقرها المسلمون بدورهم؛ فالحجاب معروف لدى أهل الكتاب ومن قبلهم، وكذا عند عرب الجاهلية.
2) إن الشريعة الإسلامية نزلت لتحقيق مصلحة العباد، ودفع المفاسد عنهم في العاجل والآجل، ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وشريعة هذا مقصدها الكلي حري بها حين تشرع فرضا - كالحجاب - أن تكون له حكمة عامة ومقاصد عليا؛ ومن هذه المقاصد ما تأتي:
· التدبير الوقائي.
· درء الفتنة.
· الحفاظ على الحياء.
· حفظ الاستقرار الأسري.
· دفع الأذى.
· تطهير القلب.
· توقي الشبهات.
· تمييز الخبيث من الطيب.
· الارتقاء بالمرأة عن الابتذال الجاهلي.
3) إن الإسلام حين فرض الحجاب خرج به من العشوائية التي كان يتسم بها في الجاهلية، وصنع به ما صنعه بكل تقليد زال معناه وتخلفت بقاياه بغير معنى؛ فأصلح منه ما يفيد ويعقل، ولم يعد عنوانا لاتهام المرأة، أو استحواز الرجل على ودائعه المخفية، فبعدما كان عادة موروثة لا يدرى أهو أثرة فردية، أم وقاية اجتماعية، بل لا يدرى أهو مانع من التبرج وحاجب للفتنة، أم هو ضرب من ضروب الفتنة والغواية - بينما هو كذلك جاء الإسلام فكيف له كيفية، وشرط له شروطا، وإليكم هذه الشروط:
· استيعاب جميع البدن (على خلاف بين العلماء).
· ألا يكون زينة في نفسه.
· أن يكون صفيقا لا يشف.
· أن يكون فضفاضا غير ضيق.
· ألا يكون مبخرا مطيبا.
· ألا يشبه لباس الكافرات.
· ألا يكون لباس شهرة.
· ألا يشبه لباس الرجل.
وإذا كانت الشريعة لم تحدد لباسا بعينه ولا زيا بذاته، فإنها بتلك الشروط تبيح أي نوع من الزي أو اللباس إذا اجتمعت فيه تلك الشروط، فإذا تخلف منها شرط واحد، لم يعد الحجاب شرعيا، مع مراعاة الخلاف الفقهي الحاصل في الشرط الأول فقط.
4) إن موازنة سريعة بين الحجاب وفضائله، والتبرج ومثالبه؛ لتقف بنا على فضلية التحجب والتستر، ورذيلة التكشف والتبرج، وأثر ذلك في ارتقاء المجتمعات أو ترديها.
5) إن الإسلام حين فرض الحجاب على المرأة وحبب لها تعميم ستر بدنها عن غير محارمها، لم يكن ذلك منه جمودا وتحجرا من شأنهما أن يعوقاها عن التفاعل الإيجابي والمشاركة الفعالة في شتى مناحي الحياة، بل رخص لها كشف وجهها - من غير زينة حلي أو أصباغ - أمام الأجنبي عند الخطبة والتداوي والتعليم والتقاضي والشهادة والإكراه، ولها أن تكشفه أينما أمنت نظر البالغ ذي الشهوة، في الصلاة والحج وفي الظلام، وأمام الأعمى والصبي غير ذي الشهوة، ومن ذهبت شهوته من الرجال، وإذا كانت عجوزا مقعدة لا يشتهى مثلها، وكل هذا خير شاهد على أن حكمة الشريعة ترمي بفرض الحجاب إلى منع الفتنة بدءا بالنظر وانتهاء بالفاحشة الكبرى لا الحجر، واستعباد المرأة، والاستحواز عليها.
التفصيل:
لا يكاد منصف ينكر ما في الحجاب من عفة وطهارة، ولا ما في هذه العفة، وتلك الطهارة من صون للمجتمعات، ولا ما في صون المجتمعات عن مهاوي الفساد، ومظان الإثارة ومستنقعات الشهوة من ارتقاء بأفراد المجتمع - رجالا ونساء - وتغليب للجانب الروحي المعنوي على الغريزي المادي في اهتمامات هؤلاء وميول أولئك، ولا يكاد ينكر منصف - أيضا - ما في هذا الارتقاء بالأفراد، وما في ذاك التوجيه للاهتمامات والدوافع من رفعة وتقدمية لا نظير لهما، وهذا ما كان عليه الحال لدى المسلمين الأول، لما أخذوا بالأسباب واتبعوا الإجراءات الوقائية والإيجابية فكان ما كان من رفعتهم بفضل اتباعهم، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وهذا أمر معلوم بالضرورة، أما ما ادعاه بعضهم من ضرر الحجاب بالمرأة والمجتمع وإعاقته مشاركتها الإيجابية في المجتمع كجزء رئيس من نسيجه، فهو زعم باطل من وجوه نفصلها فيما تأتي:
أولا. الحجاب بمعناه وصوره ودرجاته ليس بدعة إسلامية:
الحجاب في اللغة: الحجب، والحجاب: المنع من الوصول، يقال: حجبه أي: منعه حجبا وحجابا، ومنه قيل للستر الذي يحول بين شيئين: حجاب؛ لأنه يمنع المشاهدة، وقيل للبواب: حاجب؛ لأنه يمنع من الدخول على المحجوب إلا بإذنه خشية الأذى يصيبه، وفي الحديث: «قال بنو قصي: فينا الحجابة».([1]) يعنون حجابة الكعبة، وهي سدنتها،([2]) وتولي حفظها، أو هم الذين بأيديهم مفاتيحها، وكل شيء منع شيئا فقد حجبه، كما تحجب الإخوة الأم عن فريضتها، فإنهم يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس.
والحاجبان من الرأس لكونهما كالحاجبين للعينين في الذب عنهما، واحتجب الملك عن الناس، وتحجب: إذا اكتن من وراء حجاب، ومادة الحجاب وردت في ثمانية مواضع من القرآن الكريم، ومعناها فيها جميعا يدور بين الستذر والمنع؛ ومنه قوله سبحانه وتعالى: )حتى توارت بالحجاب (32)( (ص)، أي: احتجبت: وتوارت بالجبل أو الأفق، ومنه قوله عز وجل: )وبينهما حجاب( (الأعراف: ٤٦)، أي: سور، ومنه قوله سبحانه وتعالى: )وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب( (الشورى: 51)، أي من حيث لا يراه، وكذا في قوله سبحانه وتعالى: )كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون (15)( (المطففين) أي: مستورون، فلا يرونه.
وقوله عز وجل: )فاتخذت من دونهم حجابا( (مريم: 17)، وقوله عز وجل: )وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب( (الأحزاب: 53)، أي: ساتر يحول بينكم وبين رؤيتهن، وهذا المعنى - ستر النساء عن الرجال - هو الذي سنتناوله في كلامنا.
ومن استعمال الحجاب في المعاني قولهم: العجز حجاب بين الإنسان ومراده، والمعصية حجاب بين العبد وربه، وجمع حجاب حجب، مثل كتاب كتب.
الحجاب في الشرع: وردت عدة تعريفات شرعية للحجاب، يدور كل واحد منها حول جانب معين منه، غير جامع لكل أركانه ومقوماته، مثل قول بعضهم: "هو ساتر يستر الجسم فلا يشف، ولا يصف". وقول البعض الآخر: "هو حجب المرأة المسلمة من غير القواعد من النساء عن أنظار الرجال غير المحارم لها".
والذي يساعد على وضع تعريف جامع للحجاب هو معرفة الغرض منه؛ فالحجاب لفظ ينتظم جملة من الأحكام الشرعية الاجتماعية المتعلقة بوضع المرأة في المجتمع الإسلامي من حيث علاقتها بمن لا يحل لها أن تظهر زينتها أمامهم ([3]).
والحجاب الوارد في الآية الكريمة: )وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب( (الأحزاب: 53) هو الستر الذي تجلس خلفه المرأة المحجبة، وليس لباسا تلبسه، وتستر به بدنها، والاحتجاب يعني أن يكون حديث الرجال الأجانب لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - من وراء حجاب، فلا يرون شخوصهن. وقد أذن لهن في الخروج للحاجة الماسة، وعندها يجب عليهن أن يغطين وجوههن فضلا عن بقية البدن، أي أن المعنى الأصلي للاحتجاب هو منع نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - من لقاء الأجانب دون حجاب، والابتعاد بشخوصهن تماما عن أبصار الرجال. أما الستر الكامل للبدن مع الوجه عند الخروج للحاجة، فإنه بديل عن الاحتجاب الذي بيناه.
وهكذا يكون للحجاب صورتان: صورة أصلية داخل البيت وهي محادثة الأجانب من وراء ستار، وصورة فرعية خارج البيت وهي ستر الوجه مع سائر البدن، وهذا إن لم تستطع ستر شخصها داخل البيت، أي أن الأصل هو ستر الشخص واحتجابه عن نظر الرجال سواء داخل البيت أو خارجه، اللهم إلا عند الحاجة إلى المشي وما إليه"([4]).
ولمزيد من الإيضاح نقول إن: "للحجاب صورا متعددة يمكن أن تحتجب بها المرأة عن الأجنبي، فقد يكون الحائط مثلا، أو الستارة السميكة، أو الباب حجابا بينهما، وقد تغطي المرأة وجهها بأحد شيئين:
· النقاب: وهو القناع الذي تضعه على مارن أنفها بحيث يظهر عينيها ومحاجرهما،([5]) وهو ما يسمى باللثام، فإن كان لا يظهر منه إلا عيناها فقط سمي برقعا أو سمي بالوصوص،([6]) وسمي النقاب نقابا لوجود نقبين في مواجهة العينين لمعرفة الطريق، قال الشاعر وهو يصور النقاب وقد صنع من وجه المرأة هلالا به:
سفرن بدورا وانتقبن أهلة
ومسن غصونا والتفتن جآذرا
· الخمار، ويسمى أيضا: النصيف: وهو ثوب تتجلل به المرأة فوق ثيابها كلها، وسمي نصيفا؛ لأنه نصف بين الناس وبينها فحجز أبصارهم عنها، وقيل: نصيف المرأة معجرها، والمعجر: ثوب تلفه المرأة فوق رأسها، ثم تتجلبب فوقه بجلبابها، والاعتجار: أن يلف المعجر على الرأس، ويرد طرفه على الوجه، وقال ابن حجر في تعريف الخمر: ومنه خمار المرأة؛ لأنه يستر وجهها.
وبهذا يعلم أن الحجاب والنقاب ليسا شيئين مختلفين، بل الأول أعم من الثاني، وبهذا أيضا يتبين خطأ السؤال الشائع في هذا الزمان متعلقا بحكم كشف الوجه، وهو: أيهما الفرض الواجب: الحجاب أم النقاب، ويعنون بالحجاب كشف الوجه، فالأصح أن يقال: الحجاب أم السفور، أو: النقاب أم السفور؟ والله أعلم ([7]).
هذا بالنسبة للحجاب والنقاب، أما بالنسبة للخلط الحاصل بين الحجاب واللباس الشرعي، وقد صارت عادة الكتاب في زماننا - بل صار شائعا على ألسنة الناس - تسمية اللباس الشرعي "حجابا"، وإطلاق لفظ "محجبة" على المرأة الملتزمة بهذا اللباس.
حقا إنه لا مشاحة في الاصطلاح - كما يقولون - ولكن الذي يدفعنا إلى استعمال مصطلح "الحجاب" للتعبير عن اللباس الشرعي، أو إطلاق لفظ: "محجبة" على تلك التي تلتزم اللباس الشرعي؛ أن ثمة مخالفة بين هذا الاصطلاح المحدث، ومعنى الحجاب في القرآن والسنة؛ ومجمل الآيات التي ورد فيها الحجاب في القرآن تفيد أن الحجاب يعني شيئا يحجز بين طرفين، فلا يرى أحدهما الآخر، أي تنعدم معه الرؤية تماما.
ولا يمكن أن يعني لباسا يلبسه الإنسان؛ لأن اللباس أيا كان قدره ونوعه - ولو ستر جميع بدن المرأة حتى وجهها - فلن يمنع هذه المرأة أن ترى الناس من حولها، ولن يمنع الناس أن يروا شخص المرأة، وإن تسربلت بالسواد من قمة رأسها - مع وجهها - حتى أخمص قدميها.
والحجاب الوارد في قوله سبحانه وتعالى: )فاسألوهن من وراء حجاب( هو الستر الذي يكون في البيت ويرخي ليفصل بين مجلس الرجال ومجلس النساء"([8]).
وبعد.. فقد كان هذا استطرادا، رأينا أن نؤصل به للمصطلح قبل استكمال الأحكام الشرعية للحجاب وشروطه، وصوره لنكون على بينة من أمرنا، ونعلم بالضبط عن ماذا نتحاور؟ وفيم ذا نختلف؟ وفيم نتفق؟
وأعتقد أن شيئا غير قليل من هذا التأصيل قد حصل ويحسن بعده أن نواصل الحديث عن درجات الحجاب، ومعلوم أن للحجاب الشرعي المأمور به ثلاث درجات فوق بعض في الاحتجاب والاستتار، دل عليها الكتاب والسنة:
الأولى: حجاب الأشخاص في البيوت بالجدر والخدر([9]) وأمثالها، بحيث لا يرى الرجال شيئا من أشخاصهن، ولا لباسهن، ولا زينتهن الظاهرة، ولا الباطنة، ولا شيئا من جسدهن من الوجه والكفين وسائر البدن، وقد أمر الله - عز وجل - بهذه الدرجة من الحجاب فقال: )وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب( (الأحزاب: 53)، وقال سبحانه وتعالى: )وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى( (الأحزاب: 33)، ويرشح هذه الدرجة أحاديث تحبب إلى المرأة القرار في البيت، وعدم الخروج حتى إلى صلاة الجماعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن قرارها في بيتها أرجى لها في الأجر عند الله تعالى.
الثانية: خروجهن من البيوت مستورات، ومن أدلتها قوله سبحانه وتعالى: )يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن( (الأحزاب: 59).
الثالثة: خروجهن مستورات الأبدان من الرأس إلى القدم، مع كشف الوجه واليدين عند أمن الفتنة عند بعض الأئمة.
وقد يترجح في هذا العصر ستر الوجه على كشفه لمكان شيوع الفتنة وعدم أمنها في الغالب من أحوال أهله وإذا نحن وضعنا في اعتبارنا ضرورة سد الذرائع، وتجنب عوارض الفتن - على نحو ما سيأتي تفصيله ـ؛ لم يبق يشرع إلا الدرجتان الأولى والثانية.
ويعد بعض العلماء الدرجة الثالثة من الحجاب هي "الحجاب الداخلي" الذي يحدد ما تظهره المرأة داخل البيت لمن يدخل عليها - بعد الاستئناس والاستئذان بشروطه وآدابه - من المحارم وغيرهم الذين ورد استثناؤهم في سورة النور"([10]).
على أن الزعم بأن الحجاب من ابتداع الإسلام واستحداثه، وأن المسلمين أقروه بدروهم وأصبح لهم عادة، وأنه لا أصل له في دين ولا إيمان، وأنه لا فضل له في عفة ولا طهارة... إلى آخر تلك الأقاويل نقول إنها جميعا من قبيل الظن الذي لا يغني من الحق شيئا أو الزعم الذي هو مطية الكذب مما لا يستند على دليل قوي من قديم ولا حديث.
يقول د. محمد إسماعيل المقدم: "من الأوهام الشائعة خاصة عند الغربيين أن حجاب النساء نظام ابتدعه الإسلام، وأنه لم يكن له وجود قبل الإسلام لا في جزيرة العرب، ولا في غيرها، وكادت المرأة المحجبة عندهم أن تكون مرادفة للمرأة المسلمة، أو المرأة التركية التي كانت تمثل الإسلام في نظرهم من خلال "تركيا" دار الخلافة، وقد اشتهر في تركيا لا لأنه "تقليد" تركي كما يزعم المغالطون أو الواهمون، وإنما كمظهر من مظاهر تمسك التركيات بالإسلام، فالحجاب في تركيا كان إسلاميا فحسب، والترك لم يعرفوه إلا من خلال إسلامهم؛ لأنهم أخذوه عن الشعوب التي تعلموا منها الإسلام الذي يفرض على المرأة الحجاب؛ ومن ثم كان الحجاب - بصورة من الصور - أصلا مرعيا في العالم الإسلامي كله - وليس في تركيا وحدها - خلال قرون متطاولة من الزمان".
على أن هذا الوهم مما يبين مدى جهلهم لا بحقائق الإسلام نفسه فحسب، بل أيضا بحقائق التاريخ، ونصوص كتبهم الدينية التي يتداولونها، ويتعصبون لها، ولا يكلفون أنفسهم عناء قراءتها ومراجعتها، ونخص بالذكر التوراة، والإنجيل؛ فمن يقرأ كتبهم يعلم بغير عناء كبير في البحث أن حجاب المرأة كان معروفا بين العبرانيين، من عهد إبراهيم - عليه السلام - وظل معروفا بينهم في أيام أنبيائهم جميعا، إلى ما بعد ظهور النصرانية.
وقد تكررت الإشارة إلى البرقع في غير كتاب من كتب العهدين القديم والجديد؛ فقد ورد في سفر التكوين ما نصه: "وخرج إسحاق ليتأمل في الحقل عند إقبال المساء، فرفع عينيه ونظر وإذا جمال مقبلة. ورفعت رفقة عينيها فرأت إسحاق فنزلت عن الجمل. وقالت للعبد: «من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائنا»؟ فقال العبد: «هو سيدي». فأخذت البرقع وتغطت". (التكوين 24: 63 - 65).
وفي سفر التكوين أيضا: "فأخبرت ثامار وقيل لها: «هوذا حموك صاعد إلى تمنة ليجز غنمه». فخلعت عنها ثياب ترملها، وتغطت ببرقع وتلففت، وجلست في مدخل عينايم التي على طريق تمنة، لأنها رأت أن شيلة قد كبر وهي لم تعط له زوجة. فنظرها يهوذا وحسبها زانية، لأنها كانت قد غطت وجهها". (التكوين 38: 13 - 15).
وفي أناشيد سليمان تقول المرأة: "أخبرني يا من تحبه نفسي، أين ترعى، أين تربض عند الظهيرة. لماذا أنا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك"؟ (نشيد الإنشاد 1: 7).
وفي سفر إشعياء: "وقال الرب: «من أجل أن بنات صهيون يتشامخن، ويمشين ممدودات الأعناق، وغامزات بعيونهن، وخاطرات في مشيهن، ويخشخشن بأرجلهن، يصلع السيد هامة بنات صهيون، ويعري الرب عورتهن. ينزع السيد في ذلك اليوم زينة الخلاخيل والضفائر والأهلة، والحلق والأساور والبراقع". (إشعياء 3: 16 - 19).
وكانت الكنيسة في القرون الوسطى تخصص جانبا منها للنساء حتى لا يختلطن بالرجال. قال الكونت هنري دي كاستري: ربما كان الإنجيل أكثر تدقيقا في التشديد - يعني بشأن الحجاب - ولكنه لا يعمل به إلا قوم خصهم الله بمواهب الكمال. "وفي يوم من الأيام حكمت الكنيسة الأرثوذوكسية بحرمان المرأة حقها في المجتمع، فحظرت عليها حضور المآدب والحفلات، وألزمتها الحجاب صامتة صابرة، لا شأن لها إلا الطاعة للزوج، والقيام بالغزل والنسيج، وطهي الطعام، وإذا خرجت من بيتها خرجت مستورة الجسم من قمة رأسها إلى أخمص قدمها".
ولعله لهذا بقيت آثار البرقع والحجاب عند أهل الكتاب حتى يومنا هذا، وذلك واضح في زي راهبات النصارى، ودخول النصرانيات الكنيسة، وقد غطين رؤوسهن بساتر، بل هن حتى اليوم في حفلات أعراسهن يغطين وجوههن بنقاب شفاف؛ فلعل هذا كله من بقايا دينهم"([11]).
هذا ولا يخفى ما آلت إليه الحال بالمرأة الغربية اليوم "ولا أظن أن أحدا من أبناء هذا الزمن، بحاجة إلى شرح، أو بيان، بل ولا ضرب مثال لحال المرأة ووضعها في تلك البلاد، فما يقرؤه ويشاهده ويسمعه صباح مساء يغنيه عن كل قول في هذا المجال"([12]).
ويواصل د. محمد إسماعيل المقدم تأريخه الدقيق للحجاب؛ فيشير إلى "أن العرب عرفوا في جاهليتهم حجاب القرار في البيت، ونقاب الوجه، ولعل هذا من بقايا الحنيفية السمحة التي تلقاها عرب الجاهلية عن ملة إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، كما تلقوا منها الختان والعقيقة([13]) وغيرهما، كما عرفوا سفور الوجه الذي كان أغلب حالات فتيات العرب، وعرفوا هيئات مختلفة من التبرج الذي وصفه الله - عز وجل - بأنه "تبرج الجاهلية الأولى"، وذلك في قوله سبحانه وتعالى: )وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى( (الأحزاب: 33)، فقد كانت المرأة تلبس درعا من اللؤلؤ، فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال.
وفي أقصى الطرف الآخر كان هناك طائفة من العرب عرفوا التكشف الفاضح حيث كانوا يطوفون بالبيت عراة، ويسوغون ذلك بقولهم: "لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها"، بل افتروا على الله الكذب حيث ينسبون لله ما ليس له من الأمر بذلك؛ بغية تسويغ تلك الفاحشة، وهذا ما حكاه القرآن في قوله عز وجل: )وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون (28)( (الأعراف).
وقد جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة، فتقول: من يعيرني تطوافا؟([14]) تجعله على فرجها وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله
فما بدا منه فلا أحله
فنزلت هذه الآية: )يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد( (الأعراف: 31)»([15]).
وكان من لباس نساء الجاهلية المهلهل([16]) والهفاف،([17]) وهما دقيقا الخيط، رقيقا النسيج، أما ما كثف حوكه([18]) وضوعفت حواشيه فيدعى بـ "الصفيق والشبيع والحصيف". ومن لباسها الدثار، وهو جلباب شامل، والنطاق وهو ثوب تشده المرأة إلى وسطها، وترخي نصفه الأعلى على نصفه الأسفل.
وقد سجلت لنا آثارهم الأدبية - وأشعارهم على وجه الخصوص - الحالة الاجتماعية للمرأة الجاهلية، وهذا ما نفصله فيما يلي:
1. حجاب الجدر:
عرف العرب حجاب الجدر، وهو قرار المرأة في بيتها؛ فمن ذلك قول بعضهم:
ما كان أغناني عن حب من
من دونه الأستار والحجب
ومنه أيضا قول امرئ القيس:
وبيضة خدر لا يرام خباؤها
تمتعت من لهو بها غير معجل
يقول: ورب امرأة كالبيض في سلامتها أو في الصون والستر أو في صفاء اللون ونقائه ملازمة خدرها غير خراجة ولا ولاجة،([19]) انتفعت باللهو معها على تمكث وتلبث لم أعجل عنها، ولم أشغل عنها بغيرها.
وامتدح العرب المرأة التي تقر في بيتها، ولا تخرج منه، فقال بعضهم في ذلك:
من كان حربا للنساء
فإنــني ســلم لهــنه
فـــــإذا عــثــرن دعــونـنــي
وإذا عثرت دعوتهنه
وإذا بــــرزن لمـــحـــفــل
فقصارهن ملاحهنه
فقوله: قصارهن يعني المقصورات منهن في بيوتهن اللاتي لا يخرجن منها إلا نادرا.
وقد سمع بعضهم تعليق رجل على آخر استحسن قول الأعشى:
كأن مشيتها من بيت جارتها
مر السحابة لا ريث ولا عجل([20])
فقال له: قاتلك الله، تستحسن غير الحسن، هذه الموصوفة خراجة ولاجة، والخراجة الولاجة لا خير فيها ولا ملاحة لها، فهلا قال كما قال أبو قيس بن الأسلت:
وتكسل عن جاراتها فيزرنها
وتعتل من إتيانهن فتعذر
2. حجاب البدن والوجه:
أما حجاب الوجه فقد كان معروفا عندهم أيضا:
فمما يذكر في كتب التاريخ والأدب: أن النابغة - أحد فحول الشعر الجاهلي - قد مرت به امرأة النعمان المسماة بـ "المتجردة" في مجلس، فسقط نصيفها - أي برقعها - الذي كانت قد تقنعت به، فسترت وجهها بذراعيها، وانحنت على الأرض ترفع النصيف بيدها الأخرى، وفي ذلك قال النابغة:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه
فتناولته واتقتنا باليد
ومما يدل على أنهم عرفوا البرقع قول أحدهم:
إن لـم أقــاتل فالـبسوني بــرقعـا
وفتخات([21]) في اليدين أربعا
وكانت بعض نساء العرب لا يسفرن عن وجوههن إلا لخطب عظيم يلم بهن؛ ولهذا قال رؤبة الحميري عاشق "ليلى الأخيلية" من قصيدة يمدحها بها، ويثني عليها بالتبرقع غالبا، مع جمالها، ويشير فيها إلى أن إسفارها عن وجهها تارة رابه إذ لعله لخطب ألم بها:
وكنت إذا ما زرت ليلى تبرقعت
وقد رابني منها الغداة سفورها
وقال ربيع بن زياد العبسي يرثي مالك بن زهير:
من كان مسرورا بمقتل مالك
فليأت نسوتنا بوجه نهار
تجد النسـاء حــواســرا ينـدبنه
يلطمـــن أوجههــن بالأســحــار
قــد كــن يخــبئن الــوجوه تسترا
فاليــوم حــين بــرزن للــنظــار
ومما يدل دلالة صريحة على أن ستر الوجوه وكشفها كان هو الفارق بين الحرائر والإماء - قول سبرة بن عمر:
ونسوتكم في الروع([22]) باد وجوهها
يخلن إماء، ([23]) والإماء حرائر
3. سفور الوجه:
وبين أيدينا أمثلة سائرة مما أرسله العرب تنبئنا أن كشف القناع كان أغلب حالات فتيات العرب وأمثلها بهن، فمن ذلك قولهم: "ترك الخداع من كشف القناع"، يريدون أن الفتاة لا تستر وجهها إلا لشر تؤثر أن تستره، وقولهم فيمن لا يستر عيبه: "كذات الشيب ليس لها خمار"، فهم لا يرون الخمار لزاما إلا لذات الشيب، فإن خليقا بها أن تواريه.
ولم يكن لحجاب الانتقاب بين نساء العرب نظام شامل، ولا هيئة واحدة؛ ففي القبيلة الواحدة ترى "البرزة" وهي التي تجلس إلى الرجال، وتجاذبهم الحديث سافرة غير محجوبة، و "المحتشمة" وهي التي ترخي قناعها إذا خرجت من بيتها، فلا تطرحه حتى تعود.
قال الفراء: "كانوا في الجاهلية تسدل([24]) المرأة خمارها من ورائها، وتكشف ما قدامها، فأمرن بالاستتار".
ومنهن "سقوط القناع"، وهي التي لا تكاد تنتقب؛ ثقة بنفسها، وإدلالا([25]) بحسنها، أو سيرا على سجيتها([26]). وفي مثلها يقول المسيب بن علس:
إذ تستبيـك بــأصلتي([27]) نــاعــم
قـــامــت لتفــتنه بغــير قــنــاع
وقال الأصمعي: وقد تلقي المرأة خمارها لحسنها وهي على عفة، وأنشد في ذلك قول أبي النجم في إحدى أراجيزه:
من كل غراء([28]) سقــوط البرقــع
بلــهاء([29]) لم تحفظ ولم تضــيـع
وكان من شيمة نساء العرب تطويل الثياب، وجر الذيول كما اشتهر في أشعار أهل الجاهلية منهم كامرئ القيس الذي قال في معلقته:
خرجت بها تمشي تجر وراءنـــا
عــلى أثرينا ذيل مــرط مـــرحل
والمرط: الكساء من صوف أو خز أو غيرهما، والمرحل - بالحاء المهملة - المنقوش بنقوش تشبه رحال الإبل([30]).
وهكذا نقف على حقيقة الأمر ونجزم - بما لا يدع مجالا لمرتاب - أن الحجاب ليس بدعة اختلقها الإسلام، فبعيدا عن المجتمعات البدائية، وناهيك عن أهل الكتاب - من يهودية ونصرانية - نجده كذلك عند عرب الجاهلية بصورة أدق وأوضح، وما هي منا ببعيد؛ فتلك صورة لا تبعد عن درجاته في الإسلام بكثير؛ وكل ما هنالك أن الإسلام منهج الحجاب بمنهج، وشرطه بشروط وكيفه بكيفية، ولم يتركه كما كان عند الجاهلية تابعا لحزم حازم - يلتزمه -، أو تحرر متحرر يسقطه - ومن هنا خرج "الحجاب" عن الهوى، ونود ألا يعود إليه، وحسبنا أن نعلم الحكمة منه ونقف على مقاصده لنقيم أمره على نحو ما شرط الدين، وبالكيفية التي كيفها له.
وإذا كان هذا بشأن الحجاب - وهو أعم من النقاب - فإن النقاب - بوصفه صورة من صوره - داخل تحته ضمنا من باب أولى وأحرى، "فالواقع أن وصف النقاب بأنه بدعة دخيلة، وأنه ليس من الدين، ولا من الإسلام في شيء، وأنه إنما دخل على المسلمين في عصور الانحطاط الشديد - الواقع أن هذا الوصف غير علمي، ولا موضوعي، وهو تبسيط مخل بجوهر القضية، ومضلل عن تبيين الموضوع على حقيقته.
فمما لا يمارى فيه عاقل أن أحدا من علماء المسلمين - في القديم أو الحديث - لم يقل بتحريم لبس النقاب على المرأة بصفة عامة إلا ما جاء في حالة الإحرام فحسب، إنما اختلفوا فيه بين القول بالوجوب، والقول بالاستحباب، والقول بالجواز.
أما التحريم، فلا يتصور أن يقول به فقيه، بل ولا الكراهة، وقد عجبت كل العجب مما نشره بعضهم - والكلام للدكتور القرضاوي - من أقوال مؤادها: "إن القول بتغطية الوجه تحريم لما أحل الله" وهو قول من ليس له في الكتاب والسنة، أو الفقه وأصوله قدم راسخة.
ولو كان الأمر مجرد مباح - فضلا عن أن يكون مستحبا أو واجبا - لكان من حق المسلمة أن تمارسه، ولم يجز لأحد أن يمنعها منه؛ لأنه خالص حقها الشخصي، وليس في ممارسته إخلال بواجب، ولا إضرار بأحد.
والدساتير الوضعية نفسها تقرر هذه الحقوق الشخصية، وتحميها كما تحميها مواثيق حقوق الإنسان([31])، على أننا لا يعنينا هذا الأمر بقدر ما نهتم بمشروعيته - النقاب - وأصوليته كفرع عن الحجاب وصورة رئيسة له، تتزيا به المرأة خارج المنزل على نحو ما كان يفعل أسلافها من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ونساء الصدر الأول من زوجات الصحابة الأخيار ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا.
ثانيا. الحكمة العامة والمقاصد العليا من تشريع الحجاب:
لقد نزلت الشريعة لتحقيق مصلحة العباد، ودفع المفاسد عنهم في العاجل والآجل، ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وشريعة هذا مقصدها الكلي؛ حتمي أنها حين تشرع للمرأة فرضا كالحجاب لا بد مسبقا من حكمة عامة ومقاصد هذه الحكمة، وتلك المقاصد هو ما نبينه فيما يلي:
المقصد الأول: التدبير الوقائي:
فقد أمرت الشريعة بالحجاب لما في ذلك من تدبير وقائي من الوقوع في الفاحشة، أو ما يقرب لها؛ لذلك فإن التحذير من الزنا لم يكن مقصورا على الزنا فحسب، بل جاء التحذير مما يدعو إليه أو يقرب منه، ولما كانت المرأة فتنة، وكانت فتنة بني إسرائيل في النساء، وكان حفظ العرض من المقاصد العليا للشريعة، كان لزاما أن يسد الإسلام تلك الذريعة بوصف ذلك تدبيرا وقائيا يسير على جانب التدبير الإيجابي في منع وقوع الفاحشة "تعظيما لحرمات الله، وصيانة للأعراض، ومحافظة على النسل، وتطهيرا للمجتمع من الرذيلة"([32]).
ومعلوم أن "فرضية الحجاب تتواءم مع مقاصد الشريعة، لكن الشريعة المحكمة حين تحرم شيئا من الجرائم لا تلقي في روع الناس أن العقوبة قد وجدت لمجرد التنكيل بهم، ومحاسبتهم فقط، بل تشعرهم بأنها ناصحة لهم، ومصلحة لمفاسدهم، ومذللة لمشاكلهم، فتستخدم كل ما يؤثر فيهم من التدابير الوقائية الممكنة، وكذا الإجراءات العلاجية التي توصد باب الفتنة، وتعين على اجتناب الموبقات"([33]).
المقصد الثاني: دفع الأذى:
فالمرأة المؤمنة تتأذى من نظر الأجانب إليها، وتعرض المتسكعين لها، وتشعر أن في ذلك خدشا لحيائها، وزعزعة لعفافها، لهذا وجب الحجاب تأمينا لها من ذلك الإيذاء، وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: )يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما (59)( (الأحزاب).
ويحكي المفسرون عند تفسير هذه الآية أن أناسا من فساق أهل المدينة كانوا يخرجون بالليل حين يختلط الظلام إلى طرق المدينة فيتعرضون للنساء، فإن رأوا المرأة عليها جلباب قالوا: هذه حرة فكفوا عنها، وإلا تعرضوا لها.
ومن هنا ندرك أهمية الحجاب الذي يصد الفاسقين عن المتحجبات، والوقار الذي يخلفه ذلك الشعار الإسلامي على المؤمنات، فيحفظهن من الأذى، ويقيهن من عوادي السوء، ويصونهن من كيد الأشرار.
المقصد الثالث: تمييز الخبيث من الطيب:
ومن حكمة مشروعية الحجاب تمييز المسلمة من الكافرة، والعفيفة من الفاجرة، فلا يتعرض لها السفهاء الذين يغريهم المبذول. وهو في الوقت نفسه يدفع ذوي الغيرة والشهامة والمروءة إلى حماية المرأة المتحجبة والدفاع عنا؛ إكبارا لها، وتقديرا للبيت الذي أنجبها أو انتسبت إليه. يشير إلى هذا قوله سبحانه وتعالى: )ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين( (الأحزاب: 59) وفي هذه الآية تركيز على المرأة وتوجيه الاهتمام إليها.
المقصد الرابع: درء الفتنة:
من المعلوم أن قلب الإنسان معرض للفتنة والخواطر الشيطانية إذا وجدت أسباب ذلك، لذا فإن الشارع الحكيم أمر بقطع أسباب هذه الخواطر والهواجس، ومن أجل ذلك شرع الحجاب، ونهى عن السفور والتبرج، وحظر إظهار المحاسن وإبراز المفاتن؛ لما فيها من إلهاب للعواطف وإثارة للغرائز، وما تبعثه من أوهام وظنون ساقطة.
فالحجاب لا يمكن ذوي القلوب المريضة من التفكير في التعدي على المرأة، أو المساس بشرفها، فمن كانت متحجبة عرف الناس أنها تأبى الفجور، والاستسلام للمتعرضين لها. ويشير إليه قوله سبحانه وتعالى: )فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض( (الأحزاب: 32)، وهذه الحكمة، وإن كانت تتلاقى مع الحكمة السابقة إلا أن التركيز هنا على الرجل، للحيلولة دون وقوعه في الفساد.
المقصد الخامس: تطهير القلب:
بعدم إثارة الغريزة الجنسية، وتهييجها بين الرجل والمرأة، في الوقت الذي لا داعي فيه لإثارتها، وإبعاد الأفكار السيئة عن قلبيهما، فقد ينصرف قلب الرجل عن زوجته عند إعجابه بأخرى، كما قد ينصرف قلبها عن زوجها عند إعجابها بآخر، ومعروف أن المألوف مملول، والنفس طلعة إلى الجديد، ولو لمجرد جدته، حتى لو كان في وضع أدنى من المألوف، يشير إلى هذا قوله سبحانه وتعالى: )ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن( (الأحزاب: ٥٣)، والتركيز هنا على الطرفين على السواء، لا على طرف واحد، كما يلمح في النصين السابقين، والكل تجمعه الفتنة([34]).
المقصد السادس: الحفاظ على الحياء:
بالمحافظة على فطرة الله التي فطر المرأة عليها، حيث فطرها على الحياء؛ لأن حالها مبني على الستر، وطبيعة الحجاب تضمن لها ذلك لكونه من مقتضيات الخفر - الحماية أو شدة الحياء - فهو مادة من قانون حياتها الذي لا يجوز لها الخروج عليه، وحين تعيش المرأة في نطاق هذا القانون وتحيا ضمن تلك الطبيعة تشعر براحة النفس وهدوء البال، فلا نظرات تلاحقها ولا تسكع يتبعها ولا قلق يؤرقها، كما أن نبذ المرأة للحجاب يعتبر خروجا عن الفطرة التي فطرت عليها ومظهرا لزوال حيائها.
المقصد السابع: الارتقاء بالمرأة عن الابتذال الجاهلي:
فقد كانت المرأة الجاهلية ترتدى ثوبا بسيطا مفتوحا من الصدر يتصف بالاتساع، وكانت تعنى بإظهار محاسنها للرجال وتخرج متبرجة، وتمشي أمام الرجال مظهرة عنقها، وذوائب شعرها، وأقرطة أذنها، فجاء الإسلام ونهى عن ذلك بقوله سبحانه وتعالى: )ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى( (الأحزاب: ٣٣)، ولكي يبقي لجمال المرأة وفتنتها خصوصيتها ويبعدها عن الابتذال، كان الحجاب؛ حتى تقوم بدورها في المجتمع، وتشارك في نشاطاته العلمية والفكرية، والاجتماعية، دون خلط بين فتنتها الأنثوية الجذابة، وإمكاناتها الفكرية الخلاقة، ولكن لا ينظر إليها جسدا، ومصدرا للإثارة يستمتع به الرجل متجاهلا قدراتها العقلية، وملكاتها الذهنية وإمكانياتها الخلاقة"([35]).
المقصد الثامن: توقي الشبهات:
فمن أهداف الإسلام إبعاد الشبهة عن الشخصيات العفيفة، والحيلولة دون أن يدنس الرجس الساحات الكريمة، والبيوت الأصيلة، وتطهيرها من الشكوك والاتهامات؛ ذلك أن السفور الذي تعرض به المرأة مفاتنها على الأجانب دون مبالاة أمارة على دخيلة نفسها، وميل قلبها إلى غير زوجها، ولو إلى حد ما، إن كانت متزوجة، أو رغبتها الشديدة في الرجال إن لم تكن متزوجة([36])، وليس جميع الرجال محصنين، وليس كل محصن ذا أخلاق، وإحصائيات الاغتصاب في الدول الغربية وسواها من المجتمعات لا حدود لها؛ لسفور المرأة بها، يبرهن على خطورة عدم تقيد المرأة باللباس الساتر لمفاتنها ([37]).
"وهذا رجس لا يرضاه الله للمرأة، ولا للبيت الذي تعيش فيه. كما أن السفور باعث على اتهامها وإثارة الشكوك حولها، والله يحب للمرأة ولكل من يتصل بها أن يطهروا من هذه الشبهات.
والحجاب أمارة على كرامة ولي المرأة وغيرته ورجولته، وعلى طهارة البيت الذي يحافظ على الآداب الإسلامية، وتنبت فيه هذه النبتة الزكية المصونة، يشير إلى هذا كله قوله سبحانه وتعالى: )إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (33)( (الأحزاب)، فالتركيز في هذه الآية على الأسرة كلها رجالا ونساء، أزواجا وأولادا وأقارب.
ولعل مما يؤكد ذلك هو التعبير بأهل البيت، والخطاب بصيغة الجمع الشاملة للجنسين، والحديث وإن كان عن بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه يشير إلى المحافظة على سمعة البيوت، والأسر عامة، فذلك مطلب شرعي يحظى في الدين باهتمام كبير"([38]).
المقصد التاسع: حفظ الاستقرار الأسري:
وهو مقصد اجتماعي راعى أن الرجل حين يرى "مفاتن النساء الغريبات كما يرى مفاتن زوجته لا بد أن يقارن بين زوجته وسواها ممن رأى، وغالبا ما يكون الطرف الخاسر جراء تلك المقارنة الزوجة بحكم الإلف والعادة، ولا بد أن ذلك يؤثر في استقرار الأسرة، وربما يحدث شرخا بين الزوجين"([39]).
هنا بالنسبة للمتزوج، وعلى صعيد آخر فإن الشاب العزب حين تتحجب المرأة وتتمنع يعلم أن الطريق الوحيد لها هو الزواج؛ "ففي الحجاب إغراء للرجال بتكوين الأسر، ودفعهم إلى حياة الاستقرار عن طريق الزواج"([40])، أما حال السفور والتكشف فما حاجته للزواج إن كان ما يشتهيه أمامه ظاهرا باديا لكل رائح وغاد.
ثالثا. تقنين الإسلام للحجاب وتكييفه بكيفية وشرطه بشروط:
والستر أهم ما أكدته الشريعة الغراء في مجال اللباس الذي تتحدد به كيفية الحجاب وتتحقق به شروطه؛ ولذا فإن أحكامها وآدابها تبين أن ليس في الإسلام لباس خاص يجب التقيد به، وأن الرجال والنساء في الحكم سواء، شريطة ألا يتشبه أحد الجنسين بالآخر، قال تعالى مخاطبا النوع الإنساني: )يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا( (الأعراف: 26).
وإذا عرفنا أن ستر العورة بالنسبة للمرأة هو المطلوب شرعا عرفنا أن أي لباس يحصل به ذلك الستر هو المطلوب أيضا، وهو ما يعبر عنه بالحجاب الشرعي، ولكن يجب أن نعرف أن هذا اللباس لا يكون شرعيا بالمعنى الصحيح إلا إذا توافرت فيه الشروط اللازمة لتحقيق الستر والعفة؛ إذ بدونهما ربما تكون فتنة، فيخل بالمقصود([41]).
الشرط الأول: استيعاب جميع البدن:
وهذا الشرط على خلاف بين العلماء - من فقهاء ومفسرين ومحدثين - قديما، ولا يزالون مختلفين إلى اليوم([42]).
ومدار اختلافهم حول:
· تعميم جميع البدن بالتستر بما فيه الوجه والكفان.
· استثناء الوجه والكفين عن سائر البدن.
وسبب الاختلاف يرجع إلى موقفهم من النصوص الواردة في الموضوع، ومدى فهمهم لها؛ حيث لم يرد فيه نص قطعي الثبوت والدلالة - حسبما يرى د. يوسف القرضاوي - ولو وجد لحسم الأمر([43]).
"ومن المناسب قبل أن نشرع في سرد نقول علماء المذاهب الأربعة المتبوعة - رحمهم الله - أن ننبه إلى أن واجب المسلم أن يأخذ بالدليل مع وافر الحرمة والتقدير لأئمة الفقه والحديث، في القديم والحديث، ولا لوم في الانتساب المذهبي المجرد من العصبية، هذا هو المذهب الحق، والقول الصدق، وله مخالفة إمامه إلى إمام آخر، حجته في تلك المسألة أقوى، بل عليه اتباع الدليل فيما تبرهن له، لا كمن تمذهب لإمام، فإذا لاح له ما يوافق هواه عمل به من أي مذهب كان، محتجا بأن الخلاف في الفروع يتسامح فيه على الإطلاق، ومتجاهلا أنه:
ليس كل خلاف جـــاء معتبــرا
إلا خــلاف لــه حــظ من النظر
ونظرية "جواز التعبد بالخلاف" التي يتبناها في زماننا عوام فسدت فطرتهم بفعل التربية المعوجة ما هي إلا صدى لقول سلفهم: "من قلد عالما لقى الله سالما"، مع فارق وهو أن الأولين كانوا يلزمون مذهبا واحدا لا يحيدون عنه، أما هؤلاء فقد تركوا الحبل على الغارب، وأطلقوا لأهوائهم العنان حتى تظفر بمرادها في زلة عالم، أو رخصة متكلفة، أو قول شاذ ملفق دون أي اعتبار لمخالفة العالم غير المعصوم لقول النبي المعصوم - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى، قال سبحانه وتعالى: )إن هو إلا وحي يوحى (4)( (النجم).
لقد وصف لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دواء داء الفرقة والاختلاف في قوله: «فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين»([44]). فالسنة تجمع المتفرقين، وتوحد المختلفين.
ولقد جعل الله - عز وجل - الإجماع حجة معصومة من الضلال، فلا يصح أن نجعل ما يضاده وهو الاختلاف حجة أيضا، بل علينا أن نردد مع ابن مسعود - رضي الله عنه - قوله: «الخلاف شر» ([45]).
وما أحسن قول حافظ المغرب الإمام أبي عمر بن عبد البر - رحمه الله -: "الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له، ولا معرفة عنده، ولا حجة في قوله"، وشتان بين أن يقع اختلاف بين العلماء المخلصين في طلب الحق، المجتهدين في تحري الأدلة، الدائرين في حالتي الصواب والخطأ بين مضاعفة الأجر مع الشكر، وبين الأجر الواحد مع العذر، وبين من يتتبع الزلات، ويتحكم بالتشهى، ويرجح بالهوى، فيئول حاله إلى البطالة، ورقة الدين، ونقص العبودية.
ومع أن دائرة الخلاف في القضية التي نحن بصددها قد ضاقت جدا في زماننا كما سيتبين لك عما قليل إن شاء الله - عز وجل - إلا أنه لزم التحذير من بدعة التعبد بالخلاف مطلقا لشيوع استدلال "أنصار البدعة" بها في قضايا أشد خطورة مما نحن بصدده([46]).
فبعد أن نسوق الأدلة والبراهين "من آيات الكتاب وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ما على كل قارئ أو سامع بعد ذلك - إن أراد النجاة والفوز - إلا أن يسمع ويطيع، قال سبحانه وتعالى: )إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون (51) ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون (52)( (النور).
إن امتثال أوامر الله تعالى، والوقوف عند حدوده أمر لازم، غير قابل للتردد أو النظر والمراجعة، سواء في ذلك ما وافق الرغبة أو خالفها، وإنه هو السبيل الوحيد للوصول إلى السعادة الحقة، والفوز بالنعيم المقيم، وأما الذين لا ينظرون إلا إلى رغباتهم، ولا يذعنون إلا لما وافق مآربهم وأهواءهم، فأولئك هم الظالمون لأنفسهم إذ أوقعوها في الهلاك والشقاء - والعياذ بالله - قال تعالى في بيان حال هذا الفريق من الناس: )إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون (51) ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون (52)( (النور).
فاربئي بنفسك - أيتها الأخت المسلمة - أن تحشري في صفوف المنافقين، فتطبقي من شريعتك ما يوافق هواك، وتطرحي ما عداه، بل اجتهدي أن تكوني من المؤمنات الصادقات، اللواتي استجبن لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - فحيين حياة طيبة، وفزن بسعادة الدارين، حين خسر غيرهن حتى شم ريح الجنة الذي يوجد من مسيرة خمسمائة عام([47]).
ومع علمنا بأن هذا الشرط من شروط الحجاب - استيعاب جميع البدن - على خلاف بين العلماء قديما وحديثا والجدل في هذه القضايا الخلافية لن ينتهي بمقالة تدبج، أو بحث يحرر، أو كتاب يؤلف، وما دامت أسباب الاختلاف قائمة، فلن يزول الاختلاف بين الناس وإن كانوا مسلمين متدينين مخلصين، بل قد يكون التدين والإخلاص أحيانا من أسباب حدة الخلاف، حيث يتحمس كل طرف لرأيه الذي يعتقد أنه الحق، وأنه الدين الذي يحاسب عليه ثوابا أو عقابا.
سيظل الاختلاف قائما ما دامت النصوص نفسها - التي تستنبط منها الأحكام - قابلة للاختلاف في ثبوتها ودلالتها - والكلام للدكتور يوسف القرضاوي - وما دامت أفهام البشر متفاوتة في القدرة على الاستنباط، ومدى الأخذ بظاهر النص، أو بفحواه، بالرخصة أو بالعزيمة،([48]) بالأحوط أم بالأيسر، سيظل الاختلاف قائما ما دام في الناس من يأخذ بشدائد ابن عمر، ومن يأخذ برخص ابن عباس، وما دام فيهم من يصلي العصر في الطريق، ومن لا يصليها إلا في بني قريظة([49]).
نقول إنه مع إيماننا بأن الخلاف سيظل قائما إلا أننا سنعرض بمنتهى الموضوعية لأدلة هؤلاء - القائلين بعموم ستر البدن بما فيه الوجه والكفان - وأدلة أولئك - القائلين باستثناء الوجه والكفين - ورد هؤلاء على أولئك، ورد أولئك على هؤلاء.
1.أدلة القائلين بوجوب ستر الوجه والكفين مع سائر البدن بوصف هذا شرطا رئيسا من شروط الحجاب:
ويحسن بنا أن نعرض أدلتهم من وجهة نظر د. يوسف القرضاوي - وهو من القائلين بجواز كشف الوجه والكفين - رادا على كل دليل، يقول د. يوسف القرضاوي: "الحق أني لم أجد للقائلين بوجوب لبس النقاب، ووجوب تغطية الوجه واليدين دليلا شرعيا صحيح الثبوت، صريح الدلالة، سالما من المعارضة، بحيث ينشرح له الصدر ويطمئن به القلب.
وكل ما معهم متشابهات من النصوص تردها المحكمات، وتعارضها الأدلة الواضحات، وأذكر هنا أقوى ما استدلوا به، وأرد عليه:
· ما جاء عن بعض المفسرين في قوله تعالى في: "آية الحجاب"في سورة الأحزاب، وهي قوله سبحانه وتعالى: )يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما (59)( (الأحزاب).
فقد روي عن عدد من مفسري السلف تفسير إدناء الجلابيب عليهن، أنهن يسترن بها جميع وجوههن، بحيث لا يظهر منهن شيء إلا عين واحدة تبصر بها.
وممن روي عنه ذلك ابن مسعود وابن عباس وعبيدة السلماني وغيرهم، ولكن ليس هناك اتفاق على معنى "الجلباب" ولا على معنى "الإدناء" في الآية.
والعجب أن يروى هنا عن ابن عباس، ما روي عنه خلافه في تفسير آية النور: )إلا ما ظهر منها( (النور: ٣١).
وأعجب منه أن يروي بعض المفسرين هذا وذاك، ويختاروا في سورة الأحزاب ما رجحوا عكسه في سورة النور!
وقد ذكر الإمام النووي في شرح مسلم في حديث أم عطية في صلاة العيد:«إحدانا لا يكون لها جلباب..»إلخ،([50]) قال: قال النضر بن شميل: الجلباب ثوب أقصر - وأعرض - من الخمار، وهي المقنعة تغطي به المرأة رأسها، وقيل: هو ثوب واسع دون الرداء تغطي به صدرها وظهرها، وقيل: هو كالملاءة، وقيل: هو الإزار،([51]) وقيل: الخمار.
وعلى كل حال، فإن قوله سبحانه وتعالى: )يدنين عليهن من جلابيبهن( (الأحزاب:59) لا يستلزم ستر الوجه لغة ولا عرفا، ولم يرد باستلزامه ذلك دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع، وقول بعض المفسرين: إنه يستلزمه معارض بقول بعضهم: إنه لا يستلزمه، كما قال صاحب "أضواء البيان" رحمه الله وبهذا سقط الاستدلال بالآية على وجوب ستر الوجه.
· تفسير ابن مسعود لقوله عز وجل: )ما ظهر منها(ومما جاء عن ابن مسعود في تفسير قوله سبحانه وتعالى: )ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن(أن ما ظهر منها هو الرداء والثياب الظاهرة.
وهذا التفسير يعارضه ما صح عن غيره من الصحابة كابن عباس، وابن عمر، وعائشة وأنس - رضي الله عنهم - أنه الكحل والخاتم، أو موضعهما من الوجه والكفين، وقد ذكر ابن حزم أن ثبوت ذلك عن الصحابة في غاية الصحة.
ويؤيد هذا التفسير ما ذكره أحمد بن أحمد الشنقيطي في "مواهب الجليل من أدلة خليل" قال: من يتشبث بتفسير ابن مسعود )إلا ما ظهر منها(: يعني الملاية، يجاب بأن خير ما يفسر به القرآن القرآن، وأنه فسر زينة المرأة بالحلي، قال سبحانه وتعالى: )ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن( (النور: 31)، فتعين حمل زينة المرأة على حليها.
يؤكد ذلك ما ذكرناه أن الاستثناء في الآية يفهم منه قصد الرخصة والتيسير، وظهور الثياب الخارجية كالعباءة والملاية ونحوهما أمر اضطراري لا رخصة فيه ولا تيسير.
· آية: )فاسألوهن من وراء حجاب(: ذكر صاحب "أضواء البيان" من الاستدلال بقوله - سبحانه وتعالى - في نساء النبي: )وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن( (الأحزاب: 53)، فإن تعليله تعالى لهذا الحكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة في قوله سبحانه وتعالى: )ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن( قرينة واضحة على إرادة الحكم، إذ لم يقل أحد من جميع المسلمين أن غير أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن، ولكن المتأمل في الآية وسياقها، يجد أن "الأطهرية" المذكورة في التعليل ليست من الريبة المحتملة من هؤلاء وأولئك، فإن هذا النوع من الريبة بعيد عن هذا المقام، ولا يتصور من أمهات المؤمنين، ولا ممن يدخل عليهن من الصحابة دخول هذا اللون من الريبة على قلوبهم وقلوبهن، إنما الأطهرية هنا من مجرد التفكير في الزواج الحلال قد يخطر ببال أحد الطرفين، بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد خطر لبعضهم ذلك بالفعل.
وأما استدلال بعضهم بنفس قوله سبحانه وتعالى: )فاسألوهن من وراء حجاب( فلا وجه له؛ لأنه خاص بنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - كما هو واضح، وقول بعضهم: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب - لا يرد هنا؛ إذ اللفظ في الآية ليس عاما، وقياس بعضهم سائر النساء على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - مردود؛ لأنه قياس مع الفارق، فإن عليهن من التغليظ، ما ليس على غيرهن، ولهذا قال سبحانه وتعالى: )يا نساء النبي لستن كأحد من النساء( (الأحزاب:٣٢).
· حديث: "لا تنتقب المحرمة": جاء عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين». ([52]) مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللواتي لم يحرمن.
ونحن لا نعارض أن يكون بعض النساء في غير حالة الإحرام، يلبسن النقاب والقفازين اختيارا منهن، ولكن أين في هذا الحديث ما يدل على أن هذا كان واجبا؟ فإن محظورات الإحرام أشياء كانت في الأصل مباحة؛ مثل لبس المخيط، والطيب، والصيد، ونحوها، وليس منها شيء كان واجبا ثم صار بالإحرام محظورا؛ ولهذا استدل كثير من الفقهاء بهذا الحديث نفسه: أن الوجه واليدين ليسا عورة، وإلا لما أوجب كشفهما.
· حديث عائشة في سدل الجلباب على وجهها في الحج: ما جاء عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها علي وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه» ([53]).
والحديث - كما يرى د. القرضاوي لا حجة فيه لوجوه:
o أن الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده يزيد بن أبي زياد، وفيه مقال، ولا يحتج في الأحكام بضعيف.
o أن هذا الفعل من عائشة - رضي الله عنها - لا يدل على الوجوب، فإن فعل الرسول نفسه لا يدل على الوجوب، فكيف بفعل غيره؟
o ما عرف في الأصول من أن وقائع الأحوال، إذا تطرق إليها الاحتمال، كساها ثوب الإجمال، فسقط بها الاستدلال.
والاحتمال يتطرق هنا بأن يكون ذلك حكما خاصا بأمهات المؤمنين في جملة أحكام خاصة بهن، كحرمة نكاحهن بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما إلى ذلك.
· حديث: "المرأة عورة": وهو ما جاء عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان». ([54]) وأخذ منه بعض الشافعية والحنابلة: أن المرأة كلها عورة ولم يستثنوا منها وجها ولا كفا ولا قدما.
والصحيح أن الحديث لا يفيد هذه "الكلية" التي ذكروها، بل يدل على أن الأصل في المرأة هو التصون والستر، لا التكشف والابتذال، ويكفي لإثبات هذا أن يكون معظم بدنها عورة، ولو أخذ الحديث على ظاهره ما جاز كشف شيء منها في الصلاة، ولا في الحج، وهو خلاف الثابت بيقين، وكيف يتصور أن يكون الوجه والكفان عورة، مع الاتفاق على جواز كشفهما في الصلاة، ووجوب كشفهما في الإحرام؟ وهل يعقل أن يأتي الشرع بتجويز كشف العورة في الصلاة، ووجوب كشفها في الإحرام؟ على أن الحديث مما تفرد به الترمذي عن سائر أصحاب السنن، ولم يصفه بالصحة، بل اكتفى بوصفه بالحسن والغرابة، وذلك لأن بعض رواته ليسوا في الدرجة العليا من القبول والتوثيق، بل لا يخلون من كلام في حفظهم.
· سد الذريعة: وهو دليل يلجأ إليه دعاة النقاب إذا لم يجدوا الأدلة المحكمة من النصوص، ذلك هو "سد الذريعة" فهذا هو السلاح الذي يشهر إذا فلت([55]) كل الأسلحة الأخرى، وسد الذريعة يقصد به منع شيء مباح، خشية أن يوصل إلى الحرام، وهو أمر اختلف فيه الفقهاء ما بين مانع ومجوز، وموسع ومضيق، وأقام ابن القيم في "إعلام الموقعين" تسعة وتسعين دليلا على مشروعيته.
ونحن مع القائلين بسد الذريعة، ولكن من المقرر لدى المحققين من علماء الفقه والأصول: أن المبالغة في سد الذرائع كالمبالغة في فتحها، فكما أن المبالغة في فتح الذرائع قد تأتي بمفاسد كثيرة تضر الناس في دينهم ودنياهم، فإن المبالغة في سدها قد تضيع على الناس مصالح كثيرة أيضا في معاشهم ومعادهم.
وإذا فتح الشارع شيئا بنصوصه وقواعده، فلا ينبغي لنا أن نسده بآرائنا وتخوفاتنا، فنحل بذلك ما حرم الله، أو نشرع ما لم يأذن به الله.
وقد تشدد المسلمون في العصور الماضية تحت عنوان "سد الذريعة إلى الفتنة" فمنعوا المرأة من الذهاب إلى المسجد، وحرموها بذلك خيرا كثيرا، ولم يستطع أبوها ولا زوجها أن يعوضها ما يمنحها المسجد من علم ينفعها أو عظة تردعها، وكانت النتيجة أن كان كثير من النساء المسلمات يعشن ويمتن، ولم يركعن لله ركعة واحدة!
هذا مع أن الحديث الصحيح الصريح يقول: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله». ([56]) «إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المساجد فأذنوا لهن». ([57]) «ولا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل»([58]).
وفي وقت من الأوقات دارت معارك جدلية بين بعض المسلمين حول جواز تعليم المرأة، وذهابها إلى المدارس والجامعات، وكانت حجة المانعين سد الذريعة، فالمرأة المتعلمة أقدر على المغازلة والمشاغلة بالمكاتبة والمراسلة.. إلخ، ثم انتهت المعركة بإقرار الجميع بأن تتعلم المرأة كل علم ينفعها، وينفع أسرتها ومجتمعاتها، من علوم الدين أو الدنيا، وأصبح هذا أمرا سائدا في جميع بلاد المسلمين، من غير نكير من أحد منهم، إلا ما كان من خروج على آداب الإسلام وأحكامه.
ويكفينا هنا الأحكام والآداب التي قررها الشرع، لتسد الذرائع إلى الفساد والفتن، من فرض اللباس الشرعي، ومنع التبرج، وتحريم الخلوة، وإيجاب الجد والوقار في الكلام والمشي والحركة، مع وجوب غض البصر من المؤمنين والمؤمنات، وفي هذا ما يغنينا عن التفكير في موانع أخرى من عند أنفسنا.
· عرف بعض الأقطار الإسلامية بتغطية وجوه النساء: فالعرف العام الذي جرى عليه المسلمون عدة قرون، بستر وجوه النساء بالبراقع والنقب وغيرها.
وقد قال بعض الفقهاء:
والعـــرف في الشــرع لــه اعــتبار
|
|
لــذا عــليه الحــكم قــد يــدار
|
وقد نقل النووي وغيره عن إمام الحرمين - في استدلاله على جواز نظر المرأة إلى الرجل - اتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات.
ونرد على هذه الدعوى بجملة أمور:
o أن هذا العرف مخالف للعرف الذي ساد في عصر النبوة، وعصر الصحابة وخير القرون، وهم الذين يقتدى بهم فيهتدى.
o أنه لم يكن عرفا عاما، بل كان في بعض البلاد دون بعض وفي المدن دون القرى والريف، كما هو معلوم.
o أن فعل المعصوم - وهو النبي صلى الله عليه وسلم - لا يدل على الوجوب، بل على الجواز والمشروعية فقط، كما هو مقرر في الأصول، فكيف بفعل غيره؟ ومن هنا لا يدل هذا العرف - حتى لو سلمنا أنه عام - على أكثر من أنهم استحسنوا ذلك، احتياطا منهم، ولا يدل على أنهم أوجبوه دينا.
أن هذا العرف يخالفه عرف حادث الآن، دعت إليه الحاجة، وأوجبته ظروف العصر، واقتضاه التطور في شئون الحياة، ونظم المجتمع، وتغير حال المرأة من الجهل إلى العلم، ومن الخمود إلى الحركة، ومن القعود في البيت إلى العمل في ميادين شتى، وما بني من الأحكام على العرف في مكان ما، وزمان ما، يتغير بتغيره.
· فساد العصر: وخلاصة هذه الحجة أننا نسلم بالأدلة التي أوردتموها بمشروعية كشف المرأة وجهها، كما نسلم بأن المرأة في العصر الأول - عصر النبوة والراشدين - كانت غير منقبة إلا في أحوال قليلة.
ولكن يجب أن نعلم أن ذلك العصر كان عصرا مثاليا، وفيه من النقاء الخلقي، والارتقاء الروحي، ما يؤمن معه أن تسفر المرأة عن وجهها، دون أن يؤذيها أحد، بخلاف عصرنا الذي انتشر فيه الفساد، وعم الانحلال، وأصبحت الفتنة تلاحق الناس في كل مكان، فليس أولى من تغطية المرأة وجهها، حتى لا تفترسها الذئاب الجائعة التي تتربص بها في كل طريق.
وردي - والكلام للدكتور القرضاوي - على هذه الشبهة بأمور:
o إن العصر الأول - وإن كان عصرا مثاليا حقا، ولم تر البشرية مثله في النقاء والارتقاء - لم يكن إلا عصر بشر مهما كانوا، ففيهم ضعف البشر، وأهواء البشر، وأخطاء البشر، ولهذا كان فيهم من زنى، ومن أقيم عليه الحد، ومن ارتكب ما دون الزنى، وكان فيه الفساق والمجان الذين يؤذون النساء بسلوكهم المنحرف، وقد نزلت آية سورة الأحزاب التي تأمر المؤمنات بإدناء الجلابيب عليهن؛ حتى يعرفن بـأنهن حرائر عفيفات فلا يؤذين: )ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين( (الأحزاب: ٥٩).
وقد نزلت آيات في سورة الأحزاب تهدد هؤلاء الفسقة الماجنين إذا لم يرتدعوا عن تصرفاتهم الشائنة، فقال عز وجل: )لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا (60) ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا (61)( (الأحزاب).
o إن أدلة الشريعة - إذا ثبتت صحتها وصراحتها - لها صفة العموم والخلود، فليست هي أدلة لعصر أو عصرين، ثم يتوقف الاستدلال بها، ولو صح هذا لكانت الشريعة مؤقتة لا دائمة، وهذا ينافي أنها الشريعة الخاتمة والخالدة.
o إننا لو فتحنا هذا الباب؛ لنسخنا الشريعة بآرائنا، فالمشددون يريدون أن ينسخوا ما فيها من أحكام ميسرة؛ بدعوى الورع والاحتياط، والمتسيبون يريدون أن ينسخوا ما فيها من أحكام ضابطة؛ بدعوى مواكبة التطور، ونحوها.
والصواب أن الشريعة حاكمة لا محكومة، ومتبوعة لا تابعة، ويجب أن نخضع نحن لحكم الشريعة، لا أن تخضع الشريعة لحكمنا؛ لأن الله يقول: )ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن( (المؤمنون: ٧١) ([59]).
وبهذا نأتي إلى ختام عرض د. القرضاوي لأدلة القائلين بوجوب ستر الوجه والكفين غير أن ما ذكره د. القرضاوي من أدلة القائلين بوجوب ستر الوجه والكفين، ليست - كما أشار فضيلته - كل ما استدلوا به، وأدلتهم في ذلك أكثر وأقوى وأدل([60])، لكننا وقد آثرنا أن نعرضها من وجهة نظر الفريق الآخر من العلماء ممثلا في عرض د. يوسف القرضاوي - سالف الذكر - سنعيد الصنيع مثله مع أدلة هذا الفريق من وجهة نظر الفريق الأول - القائل بالوجوب - لتحقيق شيء من الموضوعية توخيناه في هذه المسألة، إيمانا منا بأن الروح العلمية المتجردة والنظرة الموضوعية الحيادية في العرض ستصل بنا إن شاء الله في نهاية المطاف لنتائج أكثر إنصافا وأدق منهجية وأقوى حجية وأشمل للقضية، دون نية سالفة أو رأي مبيت.
2.أدلة القائلين بجواز كشف الوجه والكفين واستثنائهما من سائر البدن في شروط الحجاب:
وسوف نعرض لأدلتهم في عجالة شافعينها بالرد - كل على حدة - من وجهة نظر الفريق القائل - بوجوب ستر الوجه والكفين - على أننا - وإن تنوعنا في عرض الأدلة مرة على لسان الشيخ الغزالي، وأخرى على لسان د. القرضاوي - سوف نكتفي في الرد على ما ذكره د. محمد إسماعيل المقدم، وإن تنوعت نقوله هو وآراؤه - في حد ذاتها - ففيها من الإجمال والإحكام ما يكفي لعرض الرأي والرأي الآخر.
وهذه أدلتهم:
الدليل الأول: "احتج المبيحون للسفور بنصوص وردت في الأمر بغض البصر على أن هذا يلزم أن تكون وجوه النساء مكشوفة، وإلا فعن ماذا يغض البصر إذا كانت النساء مستورات الوجوه ([61])؟
وها هو الشيخ الغزالي يقول: "إذا كانت الوجوه مغطاة فمم يغض المؤمنون أبصارهم؟ كما جاء في الآية الشريفة: )قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون (30)( (النور). أيغضونها عن القفا والظهر؟ الغض يكون عند مطالعة الوجوه بداهة، وربما رأى الرجل ما يستحسنه من المرأة فعليه ألا يعاود النظر عندئذ كما جاء في الحديث، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي رضي الله عنه: «يا علي، لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة»([62]) ([63]).
"وفي حديث جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: «سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظرة الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري». ([64]) فاستنبطوا من الآية القرآنية الآمرة بغض البصر أن في المرأة شيئا مكشوفا، ثم أثبتوا - باجتهادهم - أن هذا الشيء المكشوف هو الوجه والكفان، ثم استشهدوا لذلك بالأحاديث التي فيها أيضا أمر بغض البصر"([65]).
ويجيب د. المقدم قائلا: "إن هذا الأمر بغض البصر أمر من الله تعالى، وأمر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي بوجوب التزامه طاعة لله - عز وجل - ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - أما كونه يقضي بأن هناك شيئا مكشوفا للأجانب من المرأة المسلمة هو الوجه والكفان، فهذا قول غير صحيح يرده النقل والعقل، ويأباه الواقع، وبيان ذلك من وجوه:
الوجه الأول: أن المدينة المنورة في زمن التنزيل كان فيها نساء اليهود والسبايا([66]) والإماء، ونحوهن، وربما بقي النساء غير المسلمات في المجتمع الإسلامي سافرات كاشفات الوجوه، فيكون الأمر بغض البصر عنهن لا عن غيرهن من المسلمات الحرائر.
وغاية ما في الأمر بغض البصر إمكان وقوع النظر على الأجنبيات، وهذا لا يستلزم جواز كشف الوجوه والأيدي أمام الأجانب، قال البخاري - رحمه الله -: قال سعيد بن أبي الحسن للحسن: إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن. قال: اصرف بصرك عنهن، يقول الله عز وجل: )قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم( (النور: ٣٠) قال قتادة: عما لا يحل لهم.
والقرآن اليوم يخاطبنا كما خاطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - من قبل، فنحن اليوم أيضا لا نخاطب الكوافر والفواسق بستر الوجه، وإنما نخاطب المؤمنين والمؤمنات، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وإذا اجترأت المرأة - غير مسلمة، أو مسلمة - على هتك أوامر الله، وتعمدت كشف زينتها - وهذا ما عمت به البلوى في زماننا - فالواجب هنا - على الأقل - أن يؤمر الرجل بغض البصر، مع العلم بأن هذا لا يقتضي أن ما فعلته هذه المرأة من كشف الوجه وغيره تجيزه الشريعة بغير عذر أو مصلحة.
الوجه الثاني: أن الله - سبحانه وتعالى - أمر بغض البصر؛ لأن المرأة - وإن تحفظت غاية التحفظ، وبالغت في الاستتار عن الناس - فلا بد أن يبدو بعض أطرافها في بعض الأحيان كما هو معلوم بالمشاهدة من اللاتي يبالغن في التحجب والتستر، فلهذا أمر الرجال بغض البصر عما يبدو منهن في بعض الأحوال.
وهذا الأمر بالغض لا يستلزم أنها تكشف ذلك عمدا وقصدا، فكم من امرأة تحرك الريح ثيابها، أو تقع فيسقط الخمار عن وجهها من غير قصد منها فيراها بعض الناس على تلك الحال، كما قال النابغة الذبياني:
سقـط النصـــيف ولم ترد إسقــاطه
|
|
فتناولتــه، واتـــقتـــنا بالـــيد
|
أي تناولته بيد، واتقتنا فسترت وجهها باليد الأخرى.
ومن هنا قال سبحانه وتعالى: )ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها( ولم يقل (إلا ما أظهرنه) لأن "أظهر" فيه معنى التعمد، بخلاف "ظهر" الذي يفيد أنه عن غير قصد منها فهذا معفو عنه، لا ما تظهره هي بقصد، فعليها حرج في تعمد ذلك، وكثيرا ما يصادف الرجل المرأة وهي غافلة، فيرى وجهها أو غيره من أطرافها، فأمره الشارع حينئذ بصرف بصره عنها؛ كما في حديث جرير بن عبد الله سالف الذكر قال رضي الله عنه: «سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظر الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري». ([67]) فهذا هو موقع نظر الفجأة.
وفي سؤال جرير عن نظر الفجأة دليل على مشروعية استتار النساء عن الرجال الأجانب وتغطية وجوههن عنهم، وإلا لكان سؤاله عن نظر الفجأة لغوا لا معنى له، ولا فائدة من ذكره.
الوجه الثالث: ما روي عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أذن لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج في آخر حجة حجها، وبعث معهن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وعبد الرحمن بن عوف عليه السلام.
قال: فكان عثمان ينادي: ألا لا يدنو إليهن أحد، ولا ينظر إليهن أحد، وهن في الهوادج على الإبل، فإذا نزلن أنزلهن بصدر الشعب، وكان عثمان وعبد الرحمن بذنب الشعب،([68]) فلم يصعد إليهن أحد.
ومن المقطوع به أن أمهات المؤمنين كن يحتجبن حجابا شاملا جميع البدن بغير استثناء، ومع هذا قال عثمان رضي الله عنه: ولا ينظر إليهن أحد، يعني إلى شخوصهن لا إلى وجوههن؛ لأنها مستورة بالإجماع، ومع ذلك نهى عن النظر إلى شخوصهن تعظيما لحرمتهن، وإكبارا وإجلالا لهن، وذلك لشدة احترام الصحابة - رضي الله عنهم - أمهات المؤمنين.
ويستفاد من هذا أن من حفظ حرمة المؤمنة المحجبة غض البصر عنها - وإن تنقبت - خاصة وأن جمالها قد يعرف، وينظر إليها لجمالها وهي مختمرة، وذلك لمعرفة قوامها أو نحوه، وقد يعرف وضاءتها وحسنها من مجرد رؤية بنانها، ولذلك فسر ابن مسعود - رضي الله عنه - قوله تعالى: )ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها( أن الزينة هي الملاءة فوق الثياب، ومما يوضح أن الحسن قد يعرف مع الاحتجاب الكامل قول الشاعر:
طــافـــت أمـــامة بالـــركبــان آونــة
يا حسنها من قوام مــا ومنتــقبا
فقد بالغ في وصف حسن قوامها مع أن العادة كونه مستورا بالثياب لا منكشفا، وهو يصفها بهذا الحسن أيضا مع كونها منتقبة؛ ومن ثم قال العلماء: إنه لا يجوز للرجل أن ينظر إلى بدن المرأة نظر شهوة، ولو كانت مستورة؛ لأن ذلك مدعاة إلى الافتتان بها كما لا يخفى، ووقوعه فيما سماه النبي صلى الله عليه وسلم: "زنا العين" قال صلى الله عليه وسلم: «فزنا العينين النظر». ([69])
ولا مخرج من ذلك إلا بغض البصر عنها، ولو كانت محجبة؛ لأنه إذا نظر إليها نظر شهوة - ولو كانت محجبة - لكان حراما عليه كما تقدم.
الوجه الرابع: أنه قد تعرض للمرأة المحجبة ضرورات تدعو إلى كشف وجهها، ويرخص لها في ذلك، مثل نظر القاضي إلى المرأة عند الشهادة، والنظر إلى المرأة المشتبه فيها عند تحقيق الجرائم، ونظر الطبيب المعالج إلى المرأة بشروطه، والنظر إلى المراد خطبتها، وهذا كله يكون بقدر الحاجة فقط ولا يجوز للناظر أن يتعداها، فإن دعته نفسه إلى الزيادة عن قدر الحاجة فهو مأمور بغض البصر عنها، والله أعلم.
الوجه الخامس: أن اعتبار أمر الله تعالى المؤمنين بغض الأبصار دليلا على أن وجوه المسلمات كانت مكشوفة للأجانب مجرد وهم وظن، بدليل ترتيب آيات الحجاب حسب نزولها؛ وذلك لأن الأمر بالحجاب الكامل الذي جاء في قوله عز وجل: )وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى( (الأحزاب: 33). وقوله سبحانه وتعالى: )وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن( (الأحزاب: 53). وقوله سبحانه وتعالى: )يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما (59)( (الأحزاب).
كل هذه الأوامر بالحجاب إنما نزلت في سورة الأحزاب في السنة الخامسة من الهجرة النبوية، وشاع الحجاب بعدها في المجتمع المسلم بعد نزولها، وقبل الأمر بغض البصر، الذي جاء في سورة النور التي نزلت في السنة السادسة من الهجرة.
ومما يدل على ذلك أيضا قول أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - في قصة الإفك: «بينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني، فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأدلج،([70]) فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت - وفي رواية: فسترت - وجهي بجلبابي» ([71]).
فهذا الحديث يؤكد أن الأمر بغض البصر الوارد في سورة النور متأخر عن الأمر بالحجاب الذي ورد في سورة الأحزاب التي نزلت في السنة الخامسة، ثم جاء الأمر بغض البصر في السنة السادسة بعد عام من شيوع الحجاب، وامتثال المجتمع الإسلامي للأمر بالحجاب حتى صار هو القاعدة.
ومن هنا يتضح أن استنباط البعض من الأمر بغض البصر أن وجوه النساء كانت سافرة غير صحيح، بدليل أن الأمر بالحجاب نزل أولا، وامتثله نساء المؤمنين، ثم نزل في السنة التي تليها الأمر بغض البصر، ولعل الحكمة في ذلك أن الأمر بغض البصر مع بقاء الوجوه سافرة قد يشق على بعض النفوس، ولكنه مع الحجاب أيسر، ومن ثم فإن الأمر بغض البصر، نزل تأكيدا للحجاب القائم فعلا، أي أنه - أي إطلاق البصر - لا يجوز للمرأة الأجنبية، وإن كانت محجبة سدا للذرائع، ودرءا للفتنة، فتناولت الشريعة الحكيمة إخماد الفتنة وسد ذريعتها من الجانبين؛ من جانب المرأة حيث كلفتها بالحجاب، ثم من جانب الرجل حيث كلفته بغض البصر.
ولقد صار الحجاب بعد نزول الأمر بغض البصر في سورة النور أصلا من أصول النظام الاجتماعي في الدولة المسلمة، واستمر عليه المسلمون قرونا مديدة، ولم يستطع أحد أن يشكك في وجوب التزامه، ولم يطالب أحد أن يشكك في وجوب التزامه، ولم يطالب أحد ببتر جزء من هذا الحجاب خوفا من تفريغ آية غض البصر من مضمونها، أو تعطيلها عن مجال عملها، تالله إنها لشبهة أوهى من بيت العنكبوت يغني فسادها عن إفسادها.
الوجه السادس: سلمنا جدلا أن الأمر بغض البصر يشعر بأن هناك شيئا مكشوفا من المرأة هو الوجه، فإذا أضفنا إلى ذلك أن الأمر بغض البصر يفيد تحريم النظر إلى وجه الأجنبية، ينتج أن النظر إلى الوجه المكشوف حرام.
فلننتقل إلى السؤال التالي: كيف يكون الحكم لو شاع الفسق، وعاشت المرأة في مجتمع لا يتورع رجاله عن النظر إلى وجهها بشهوة، وأرادت هي ألا تتسبب في حدوث هذا المنكر؟
والجواب لا يخرج عن أحد احتمالات:
1.أن تلزم المرأة بيتها، ولا تغادره أبدا، ولا يخفى ما فيه من مشقة لبعض النساء.
2.أنها إذا خرجت لحاجتها تكلف كل من تمر عليه من الرجال بأن يغمض عينيه، حتى لا تتسبب بسفورها في معصية النظر المحرمة، ولا يخفى ما فيه.
3.أنها إذا خرجت لحاجتها تغطي هي وجهها؛ منعا لحدوث هذا المنكر الغالب على الظن وقوعه، ولا يخفى أن هذا أيسرها، والله أعلم.
ومن هنا قال بعض العلماء: نعم، من تحققت من نظر أجنبي لها يلزم ستر وجهها عنه، وإلا كانت معينة له على حرام، فتأثم.
الوجه السابع: أن الأمر بغض البصر مطلق، فيشمل كل ما ينبغي أن يغض البصر عنه، قال سبحانه وتعالى: )قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم(، ولم يبين الشيء الذي يغض عنه البصر، فدل على أن هذا الأمر مطلق فيشمل كل ما ينبغي غض البصر عنه، سواء أكان ذلك عن المسلمة المحجبة حتى في حالة احتجابها لشدة حرمتها، ودرءا للفتنة أو حينما يظهر شيء من بدنها عفوا من غير قصد، أو بقصد عند الضرورة أو الحاجة الشرعية، وسواء كان غض البصر عن الإماء المسلمات السافرات، أو عن نساء أهل الكتاب والسبايا اللائي لا يحتجبن، درءا للفتنة بهن كذلك.
ومما ينبغي أن نلتفت إليه أن من مقاصد الأمر بغض البصر: ألا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، وكذلك ألا تنظر المرأة إلى عورة المرأة؛ وقد جاء في تفسير قوله سبحانه وتعالى: )ويحفظوا فروجهم( أن حفظ الفروج قسمان:
أحدهما: حفظها عن أي شيء محرم سواء المباشرة كالزنا، واللواط، وإتيان الزوجة في الدبر أو المحيض وما إلى ذلك، فيكون موافقا لقوله سبحانه وتعالى: )والذين هم عن اللغو معرضون (3) والذين هم للزكاة فاعلون (4) والذين هم لفروجهم حافظون (5) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (6) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون (7)( (المؤمنون).
وأما الثاني: فأن يحفظوها عن أن تنكشف للناس، وقد بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك حينما سأله معاوية بن حيدة - رضي الله عنه - قال: قلت: «يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك"، قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: " إن استطعت ألا يراها أحد فلا يرينها"، قلت: فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: فالله - سبحانه وتعالى - أحق أن يستحيا منه من الناس». ([72]) وقال صلى الله عليه وسلم: «إننا نهينا أن ترى عوراتنا» ([73]).
وعن أبي سعيد الخدري مرفوعا: «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد» ([74]).
وبين - صلى الله عليه وسلم - عورة الرجل التي ينبغي غض البصر عنها في قوله صلى الله عليه وسلم: «الفخذ عورة».([75]) وقوله - صلى الله عليه وسلم - لجرهد الأسلمي رضي الله عنه: «غط فخذك، فإن الفخذ عورة».([76]) وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما بين السرة والركبة عورة». ([77]) فإذا تبين لك أن هذه المقاصد كلها تندرج تحت الأمر بغض البصر تبين لك فساد استدلالهم به، وجواب تساؤلهم: ما معنى الأمر بغض البصر إذا لم تكن وجوه النساء مكشوفة؟! والعلم عند الله سبحانه وتعالى"([78]).
الدليل الثاني: "ما رواه جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: «شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئا على بلال، فأمر بتقوى الله، وحث على طاعته، ووعظ الناس، وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن، وذكرهن، فقال: "تصدقن؛ فإن أكثركن حطب جهنم"، فتكلمت امرأة من سطة النساء،([79]) سفعاء الخدين،([80]) فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: "لأنكن تكثرن الشكاية، وتكفرن العشير"، قال: فجعلن يتصدقن من حليهن، يلقين في ثوب بلال من أقراطهن([81]) وخواتمهن» ([82]) ([83]).
والسؤال: من أين عرف الراوي أن المرأة سفعاء الخدين؟ - والخد الأسفع هو الجامع بين الحمرة والسمرة - ما ذلك إلا لأنها مكشوفة الوجه.
وفي رواية أخرى: كنت أرى النساء وأيديهن تلقي الحلي في ثوب بلال، فلا الوجه عورة ولا اليد عورة"([84]).
ويجيب د. المقدم قائلا: "إن الحديث ليس حجة على إثبات ما أورد لإثباته - من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رآها كاشفة عن وجهها وأقرها على ذلك - بل إن غاية ما يفيده الحديث - كما يقول العلامة الشنقيطي - أن جابرا رأى وجهها، وذلك لا يستلزم كشفها عنه قصدا، وكم من امرأة يسقط خمارها عن وجهها من غير قصد، فيراه بعض الناس في تلك الحال، كما قال نابغة ذبيان:
سقـط النصـــيف ولم ترد إسقــاطه
فتناولتــه، واتـــقتـــنا بالـــيد
فعلى المحتج بحديث جابر المذكور أن يثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - رآها سافرة، وأقرها على ذلك، ولا سبيل له إلى إثبات ذلك.
وقد روى هذه القصة المذكورة من الصحابة غير جابر - رضي الله عنه - ولم يذكروا كشف المرأة المذكورة عن وجهها، وقد ذكر مسلم في صحيحه ممن رواها - غير جابر - أبا سعيد الخدري، وابن عباس، وابن عمر - رضي الله عنهم - وذكره غيره عن غيرهم، ولم يقل أحد ممن روى القصة غير جابر إنه رأى خدي تلك المرأة سفعاء الخدين.
"فلعل هذا كان لقبا للمرأة، أو أن الراوي كان يعرفها قبل الحجاب"؛ كما يقول صاحب كتاب "حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة".
ثم إن هذه المرأة ربما تكون من القواعد اللاتي لا يرجون نكاحا، فلا تثريب عليها في كشف وجهها على النحو المذكور، ولا يمنع ذلك من وجوب الحجاب على غيرها، قال سبحانه وتعالى: )والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم (60)( (النور).
يؤيد ذلك أن الراوي وصفها بأنها سفعاء الخدين، أي فيهما تغير وسواد فهي من الجنس المعذور في السفور حيث لم يكن بها داع من دواعي الفتنة، ويؤيده أيضا ما تعارف عليه النساء غالبا من أن المرأة التي تجرؤ على سؤال الرجال هي أكبرهن سنا، والعلم عند الله تعالى.
كذلك فإن هذا الحديث ليس فيه ما يدل على أن هذه القصة كانت قبل الحجاب أو بعده، فيحتمل أنها كانت قبل أمر الله تعالى النساء أن يضربن بخمرهن على جيوبهن، وأن يدنين عليهن من جلابيبهن، فإذا ثبت - كما يقول الشيخ صالح البليهي - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى المرأة سفعاء الخدين وأقرها، وأنها لم تكن من القواعد، فالجمع هو أن حديث جابر كان قبل الأمر بالحجاب، فيكون منسوخا بأدلة الحجاب، وهي أكثر من أربعين دليلا، ومن ترك الدليل ضل السبيل، وليس على قوله تعويل"([85]).
الدليل الثالث: حديث سهل بن سعد رضي الله عنه «أن امرأة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، جئت لأهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله فصعد النظر إليها وصوبه، ثم طأطأ رأسه - لم يجبها بشيء - فلما رأت أنه لم يقض فيها شيئا جلست»([86]).
وفي رواية أخرى أن أحد الصحابة خطبها، ولم يكن معه مهر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «التمس ولو خاتما من حديد» ([87]) وانتهت القصة بزواجه منها.
والسؤال: فيم صعد النظر وصوبه إن كانت منتقبة ([88])؟
والجواب - كما يقول د. المقدم - من وجوه:
· ليس في الحديث أنها كانت سافرة الوجه، ونظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها لا يدل على سفورها؛ لأن تصويب النظر لا يفيد رؤية الوجه، فيمكن أن يكون نظره إليها لمعرفة نبلها وشرفها، وكرامتها، فإن هيئة الإنسان قد تدل على ذلك.
· ما ذكره القاضي أبو بكر بن العربي من أنه "يحتمل أن ذلك قبل الحجاب، أو بعده لكنها كانت متلفعة.
وسياق الحديث يبعد ما قال سيما الأخير، بل إنه يشير إلى وقوع ذلك في أوائل الهجرة؛ لأن الفقر كان قد تخفف كثيرا بعد بني قينقاع والنضير وقريظة، ومعلوم أن نزول الحجاب كان عقب قريظة، وفي الحديث إشارة إلى شدة فقر الرجل الذي تزوجها حتى أنه لم يكن يملك خاتما من حديد.
· إن النبي - صلى الله عليه وسلم - معصوم، ولا يقاس عليه غيره من البشر.
· إنه ثبت في صحيح السنة أنه يباح للرجل أن ينظر إلى وجه المرأة لقصد الخطبة، ويباح لها النظر إليه وكشف وجهها له، وعليه فلا حجة في الحديث على إباحة كشف الوجه لأجنبي غير خاطب، ومن استدل به على ذلك فقد حمل الحديث على غير محمله، والله أعلم"([89]).
الدليل الرابع: "ما جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: «كان الفضل رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها، وتنظر إليه، وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر». الحديث ([90]).
ويعرض د. يوسف القرضاوي بعده قول ابن حزم: "فلو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها - صلى الله عليه وسلم - على كشفه بحضرة الناس، ولأمرها أن تسبل عليه من فوق، ولو كان وجهها مغطى ما عرف الفضل ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء؟ فصح كل ما قلنا يقينا! والحمد لله كثيرا"([91]).
ويجيب د. المقدم على هذا الدليل بمجموعة من الأجوبة، منها: ما قاله الشيخ صالح بن فوزان أثناء رده على د. يوسف القرضاوي: "وأما استدلال المؤلف على جواز نظر الرجل الأجنبي إلى وجه المرأة بحديث الفضل بن العباس ونظره إلى الخثعمية، وصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - وجه الفضل عنها، فهذا من غرائب الاستدلال؛ لأن الحديث يدل على خلاف ما يقول؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يقر الفضل على ذلك، بل صرف وجهه، وكيف يمنعه من شيء مباح!".
قال النووي رحمه الله عند ذكره لفوائد هذا الحديث: "ومنها تحريم النظر إلى الأجنبية، ومنها إزالة المنكر باليد لمن أمكنه".
وقال العلامة ابن القيم: "وهذا منع إنكار بالفعل، فلو كان النظر جائزا لأقره عليه".
وقال د. البوطي معلقا على نفس الحديث: "قالو: فلولا أن وجهها عورة لا يجوز نظر الرجل الأجنبي إليه لما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك بالفضل، أما المرأة ذاتها فقد كان عذرها في كشفه أنها كانت محرمة بالحج"([92]).
الدليل الخامس: ما حدثت به عائشة قالت: «كان نساء مؤمنات يشهدن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الفجر، ملتفعات بمروطهن - مستورات الأجساد بما يشبه الملاءة - ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يعرفهن أحد من الغلس».([93]) تعني أنه لولا غبش الفجر لعرفن لانكشاف وجوههن ـ" ([94]).
فالحديث كما يقول د. القرضاوي: "يدل بمفهومه على أنهن يعرفن في غير حالة الغلس، وإنما يعرفن إذا كن سافرات الوجوه"([95]).
ويجيب د. محمد إسماعيل المقدم على هذا الدليل بعرض أقوال أئمة اللغة في تفسير "التلفع"،([96]) و "التلحف" ويورد قول الشيخ عبد العزيز بن خلف: "وهذا الحديث أيضا ليس فيه دلالة على كشف الوجه مطلقا، وحينما تكون المرأة في ظلمة لا تعرف فيها، فلا جناح عليها في كشف وجهها؛ لأن المقصود من لزوم التخمير هو عدم تمييز محاسن الوجه، وهذا ظاهر"([97]).
وقول التويجري في الحديث استشهاد على خلاف ما استشهد به القوم يقول فضيلته: "وهذا الحديث يدل على أن نساء الصحابة كن يغطين وجوههن، ويستترن عن نظر الرجال الأجانب، حتى إنهن من شدة مبالغتهن في التستر وتغطية الوجوه لا يعرف بعضهن بعضا، ولو كن يكشفن وجوههن لعرف بعضهن بعضا كما كان الرجال يعرف بعضهم بعضا، قال أبو برزة رضي الله عنه: "وكان - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - ينفتل - ينصرف، أي: ينهى الصلاة - من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه" ([98]).
قال الداودي في قوله "ما يعرف من الغلس" معناه: لا يعرفن أنساء أم رجال؟ أي لا يظهر للرائي إلا الأشباح خاصة ([99]).
الدليل السادس: قوله تعالى: )وليضربن بخمرهن على جيوبهن( (النور: 31) يحتاج إلى تأمل؛ إذ لو كان المراد إسدال الخمار على الوجه لقال: ليضربن بخمرهن على وجوههن، ما دامت تغطية الوجه هي شعار المجتمع الإسلامي، وما دامت للنقاب هذه المنزلة الهائلة التي تنسب إليه.. وعند التطبيق العملي لهذا الفهم اضطرت النساء لاصطناع البراقع، أو حجب أخرى على النصف الأدنى للوجه كي يستطعن السير، فإن إسدال الخمار من فوق يعشي([100]) العيون، ويعسر الرؤية. ومن ثم فنحن نرى الآية لا نص فيها على تغطية الوجوه([101]).
ويجيب د. المقدم بعد الآية - السالفة الذكر - قائلا: "وهذا يتضمن أمر النساء بتغطية وجوههن ورقابهن، وبيان ذلك أن المرأة إذا كانت مأمورة بسدل الخمار من رأسها على جيبها لتستر صدرها فهي مأمورة ضمنا بستر ما بين الرأس والصدر وهما الوجه والرقبة، وإنما لم يذكر هاهنا للعلم بأن سدل الخمار إلى أن يضرب إلى الجيب لا بد أن يغطيهما.
وقد يطلق الاختمار لغة على تغطية الوجه:
قال بعضهم في وصف امرأة بالجمال وهي مخمرة وجهها:
قـل للمليحة في الخــمار المــذهب
أفسدت نسك أخي التقي المترهب
نــور الخمار ونــور خــدك تحته
عجبا لوجهك كـــيف لم يتلــهب
قال الألباني: فقد وصفها - يعني المليحة - بأن خمارها كان على وجهها أيضا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: الخمر التي تغطي الرأس والوجه والعنق، والجلابيب التي تسدل من فوق الرؤوس حتى لا يظهر من لابسها إلا العينان"([102]).
ثم يعرض فضيلته لقول الشيخ عبد العزيز بن خلف - حفظه الله - في الآية مناط الاستشهاد والدليل - عند القائلين بجواز كشف الوجه والكفين فيقول: "قد أمر الله تبارك وتعالى المرأة بعدم إبداء شيء من زينتها إلا ما ظهر منها عن غير قصد الفتنة، ثم أراد - جل ذكره - أن يعلمها كيف تحيط مواضع الزينة بلف الخمار الذي تضعه على رأسها، فقال: )وليضربن بخمرهن( يعني من الرأس وأعالي الوجه: )على جيوبهن( يعني الصدور حتى تكون من الرقبة وما حولها، لتضمن المرأة بذلك ستر الزينة الأصلية والفرعية، فمن استثنى شيئا من تلك المنطقة المحرمة بنص القرآن العزيز، فعليه الدليل الذي يخصص هذا، ويحدد المستثنى، وهذا غير ممكن قطعا؛ لأنه يحتاج إلى نص صريح من القرآن العزيز، أو من السنة المطهرة، وأني لأولئك الذين قد استثنوا الوجه من تلك المنطقة بالأمور الظنية أن يأتوا بالدليل القطعي؟ ويشهد لما قلناه من تحريم خروج الزينة الأصلية والمنقولة فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزوجته صفية، وفعل أمهات المؤمنين، وفعل نساء المؤمنات في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول هذه الآية، وآية الأحزاب، من الستر الكامل بالخمر والجلابيب"([103]).
الدليل السابع: يقول الشيخ محمد الغزالي:
وأدل على ذلك السفور المباح، ما رواه لنا مسلم أن سبيعة بنت الحارث ترملت من زوجها وكانت حاملا، فما لبثت أياما حتى وضعت، فأصلحت نفسها، وتجملت للخطاب! فدخل عليها أبو السنابل - أحد الصحابة - وقال لها: مالي أراك متجملة؟ لعلك تريدين الزواج، إنك والله ما تتزوجين إلا بعد أربعة أشهر وعشرة أيام.
قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت على ثيابي حين أمسيت فأتيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي! وأمرني بالتزوج إن بدا لي.
كانت المرأة مكحولة العين مخضوبة الكف، وأبو السنابل ليس من محارمها الذين يطلعون بحكم القرابة على زينتها، والملابسات كلها تشير إلى بيئة يشيع فيها السفور!
وقد وقع ذلك بعد حجة الوداع، فلا مكان لنسخ حكم أو إلغاء تشريع، وأعرف أن هناك من ينكر كل ما قلناه هنا، فبعض المتحدثين في الإسلام أشد تطيرا من ابن الرومي! وهم ينظرون إلى فضائل الدنيا والآخرة، من خلال مضاعفة الحجب والعوائق على الغريزة الجنسية ([104]).
ويجيب د. المقدم بوجوه:
· ليس في الحديث دليل على أنها كانت سافرة الوجه حين رآها أبو السنابل بل غاية ما فيه أنه رأى يديها وكحل عينيها، ورؤية ذلك لا تستلزم رؤية الوجه.
· وقد أشارالألباني - وهو من القائلين بجواز كشف الوجه والكفين - في الحاشية إلى هذا الاحتمال بقوله: "والحديث صريح الدلالة على أن الكفين ليسا من العورة في عرف نساء الصحابة، وكذلك الوجه أو العينان على الأقل".
· قال الحافظ ابن حجر في الفوائد المستنبطة من قصة سبيعة: وفيه جواز تجمل المرأة بعد انقضاء عدتها لمن يخطبها؛ لأن في رواية الزهري التي في المغازي:«فقال: ما لي أراك تجملت للخطاب؟» ([105]) وفي رواية معمر عن الزهري: «فلقيها أبو السنابل وقد اكتحلت». ([106]) وفي رواية الأسود: «فتطيبت وتصنعت».
ويتضح من هذا أن إظهار زينتها إنما كان للخطاب، وعليه ينبغي حمل هذه الروايات، وقد سبق ذكر جملة من النصوص في الترخيص في نظر الخاطب إلى المخطوبة بإذنها، أو بغير إذنها، فعلم أبو السنابل بخضابها واكتحالها، وقال لها: "ما لي أراك تجملت للخطاب"، وكان قد نظر إليها مريدا خطبتها، لكنها أبت أن تنكحه. فأين في الحديث جواز كشف الوجه والكفين لغير الخاطب؟
أما استدلال محدث الشام بقصة سبيعة على أن الكفين لم يكونا عورة في عرف نساء الصحابة: فيرده ما سبق ذكره مرارا من أدلة الكتاب والسنة وأقوال العلماء على أن عرفهن الغالب كان الاستتار الكامل عن الرجال"، ويرده كذلك قول سبيعة نفسها في رواية أخرى: «فلما قال لي ذلك - أي أبو السنابل - جمعت علي ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن ذلك...» الحديث". ([107])
فقولها: "جمعت علي ثيابي" يوحي بأنها خرجت عن حال التزين المذكورة، وإذا ضممنا إليه قولها: "حين أمسيت" فهمنا من سلوكها - رضي الله عنها - حرصها الشديد على الاستتار عن الأجانب ليس فقط بالحجاب، بل أيضا بظلام الليل ([108]).
الدليل الثامن: تغير الفتوى بتغير الزمان:
يقول د. القرضاوي: "إن من المقرر الذي لا خلاف عليه كذلك، أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال.
وأعتقد أن زماننا هذا الذي أعطى للمرأة ما أعطى، يجعلنا نتبنى الأقوال الميسرة، التي تدعم جانب المرأة، وتقوي شخصيتها.
فقد استغل خصوم الإسلام من المنصرين والماركسيين والعلمانيين وغيرهم سوء حال المرأة في كثير من أقطار المسلمين، ونسبوا ذلك إلى الإسلام نفسه، وحاولوا تشويه أحكام الشريعة وتعاليمها حول المرأة، وصوروها تصويرا غير مطابق للحقيقة التي جاء بها الإسلام.
من هنا أرى أن من مرجحات بعض الآراء على بعض في عصرنا: أن يكون الرأي في صف المرأة وإنصافها وتمكينها من مزاولة حقوقها الفطرية والشرعية"([109]).
ويجيب د. المقدم على وجه الاستدلال بهذه القاعدة على إباحة السفور قائلا: تقرر عند أهل العلم أن "الحكم الشرعي" لا يتبدل مهما تبدلت الأزمان، وتغيرت الأعراف، اللهم إلا عن طريق النسخ، وقد أغلق بابه بعد تكامل هذا الشرع الحنيف بانتقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى.
وقاعدة "تبدل الأحكام بتبدل الأزمان" مبنية على قاعدة فقهية أخرى وهي أن "العادة محكمة"، أي أن عرف الناس محكم في الأحكام الشرعية، وقد فهم القوم من ذلك أنه ما دامت أعرافهم متطورة بتطور الأزمان، فلا بد أن تكون الأحكام الشرعية كذلك. ولا ريب أن هذا الكلام لو كان مقبولا على ظاهره، لاقتضى أن يكون مصير شرعية الأحكام كلها رهنا بيد عادات الناس وأعرافهم، وهذا لا يمكن أن يقول به مسلم.
وإذا تحرر المعنى المراد من قولهم: "العادة محكمة"، علمت أنها لا تستلزم تغيير الأحكام بتغير الأزمان، وعندئذ يصبح قول من قال: "تتبدل الأحكام بتبدل الأزمان" إما كلاما باطلا لا صحة له إن حمل على ظاهره كما قد يفهمه كثير من الناس، وإما كلاما متجوزا فيه محمولا على غير ظاهره، وذلك بأن يقصد به الأحكام المرتبطة من أصلها بما قد يتبدل ويتغير من أعراف الناس ومصالحهم التي لم يقض فيها بحكم مبرم، كتلك الأمثلة التي مر ذكرها، ولكن ينبغي أن يعلم أن دوران تلك الأحكام مع مناطاتها لا يمكن أن يعتبر تبدلا أو تغييرا حقيقيا لها، بل هذا الذي يظهر في مظهر التغيير منه إنما هو ممارسة حقيقية له.
مما تقدم يتضح أنه لا يصح احتجاج أعداء الحجاب بهذه القاعدة على استباحة التبرج الذي حرمه الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذه القاعدة ونظائرها هي كل ما يحفظه أولئك المفتونون بالحياة الغربية من قواعد الشريعة الإسلامية وأصولها، وإنما يتعلقون بها في مجال التخفيف والتسهيل والسير مع مقتضيات التحلل من الواجبات فقط، ولكنهم يتناسون هذه القاعدة تماما عندما يقتضيهم الأمر عكس ذلك.
بل نستطيع أن نقول أيضا: إنه لا يصح احتجاج من يبيح السفور اعتمادا على نفس القاعدة؛ لأنه لا يستطيع منصف ناصح للأمة - ممن يرى إباحة كشف وجه المرأة - أن يعثر على مثال تتجلى فيه ضرورة تبدل الأحكام بتبدل الأزمان؛ مثل ضرورة القول بوجوب ستر المرأة وجهها عن الأجانب عنها، نظرا لمقتضيات الزمان الذي نعيشه، ونظرا لما تكاثر فيه من المنزلقات التي تستوجب مزيدا من الحذر في السير، والتبصر بمواقع الأقدام، ريثما يهيئ الله - عز وجل - للمسلمين مجتمعهم الإسلامي المنشود([110]).
الدليل التاسع: عموم البلوى:
يقول د. القرضاوي: "إن مما لا نزاع فيه: أن عموم البلوى من أسباب التخفيف والتيسير كما يعلم ذلك المشتغلون بالفقه وأصوله، ولهذا شواهد وأدلة كثيرة.
وقد عمت البلوى في هذا العصر، بخروج النساء إلى المدارس والجامعات وأماكن العمل، والمستشفيات والأسواق وغيرها، ولم تعد المرأة حبيسة البيت كما كانت من قبل، وهذا كله يحوجها إلى أن تكشف عن وجهها وكفيها، لضرورة الحركة والتعامل مع الحياة والأحياء، في الأخذ والعطاء، والبيع والشراء، والفهم والإفهام.
وليت الأمر وقف عند المباح أو المختلف فيه من كشف الوجه والكفين، بل تجاوز ذلك إلى الحرام الصريح من كشف الذراعين والساقين والرؤوس والأعناق والنحور، وغزت نساء المسلمين تلك البدع الغربية التي تلعب بعقول النساء، وغدونا نجد بين المسلمات: الكاسيات العاريات، المميلات المائلات، اللاتي وصفهن الحديث الصحيح أبلغ الوصف وأصدقه.
فكيف نشدد في هذا الأمر، وقد حدث هذا التسيب والتفلت أمام أعيننا؟
إن المعركة لم تعد حول "الوجه والكفين": أيجوز كشفهما أم لا يجوز؟ بل المعركة الحقيقية مع أولئك الذين يريدون أن يجعلوا المرأة المسلمة صورة من المرأة الغربية، وأن يسلخوها من جلدها ويسلبوها هويتها الإسلامية، فتخرج كاسية عارية، مائلة مميلة".
ويجيب د. المقدم بما أجاب به الشيخ النجدي أن هذا لا يصح لأمور:
1.أنه لا حاجة تدفع إلى كشفه كالمذكورات، ويمكنها أن تحجب ما سوى العينين في طريقها دائما كما تشهد التجارب عند كل من أوجب ستره، كما أنها مستغنية عن إبدائه.
2.أنه أزين شيء في المرأة، وأجمل ما يدعو إليها، ويغري بها، وهذا معترف به عند جميع الناس ممن يدين بالحجاب، ومن لا يدين به.
3.أن كشفه أكبر مثير لشهوة الناظرين إليه من الرجال ما لم يكونوا من محارمها، كما أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينظر إليه منها؛ لأن حسنه يحمل على الرغبة فيها، كما يمنع قبحه عنها، وإن إدامة النظر إليه هي بريد الزنا، وانتهاك الأعراض، ووسيلة إلى اختلاط الأنساب وفشو الفواحش، وما ينتج عنه من أمراض وسفك دماء عند ذوي الغيرة.
4.أن من حكمة التشريع الإلهي وكذلك البشري العمل على تقليل الشر بمنع وسائله، وتكثير الخير بتقريب أسبابه وتسهيلها على طالبيه.
5.أنه قد شوهد عيانا أن الفجور المتفشي في الأمم اليوم، وقبل الأيام الحاضرة، أول أساس له كشف وجوه النساء عند غير محارمهن، وذلك أنه إذا كشفته زال عنها الحياء، الذي هو أكبر حصن عليها لعفتها، وسياج عن الرجال إليها، وحينئذ تجترئ على مخاطبة الرجال، وتأنس من الدنو من فلان وعلان، ويطمع فيها كل فاجر يتمكن من الاتصال بها للين حديثها، وارتفاع الخفر عنها، كما تيقن هذا من لم يغلب هواه على عقله ودينه وفطرته، ويصدقه التجارب عند جميع أجناس البشر في كل زمان([111]).
الدليل العاشر: المشقة([112]) تجلب التيسير:
يقول د. القرضاوي: "إن إلزام المرأة المسلمة - وخصوصا في عصرنا - بتغطية وجهها ويديها فيه من الحرج والعسر والتشديد ما فيه، والله تعالى قد نفى عن دينه الحرج والعسر والشدة، وأقامه على السماحة واليسر والتخفيف والرحمة، قال تعالى: )وما جعل عليكم في الدين من حرج( (الحج: 78)، وقوله عز وجل: )يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر( (البقرة: 185)، وقال أيضا: )يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا (28)( (النساء).
وقال صلى الله عليه وسلم: "أرسلت بحنيفية سمحة". ([113]) فهي حنيفية في العقيدة، سمحة في الأحكام، وقد قرر فقهاؤنا في قواعدهم: أن المشقة تجلب التيسير، وقد أمرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن نيسر ولا نعسر، ونبشر ولا ننفر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا». ([114]) وقد بعثنا ميسرين ولم نبعث معسرين([115]).
وبعد أن يقرر د. المقدم الأدلة القرآنية والنبوية ويذكر إجماع علماء الأمة على عدم وقوع المشقة غير المألوفة في التكاليف الشرعية يقول: "والحاصل أن الشارع لا يقصد أبدا إعنات المكلفين أو تكليفهم ما لا تطيقه أنفسهم، فكل ما ثبت أنه تكليف من الله للعباد فهو داخل في مقدورهم وطاقتهم.
أما دعوى أن إباحة السفور مصلحة معتبرة؛ نظرا لمشقة التزام الحجاب خصوصا في البلاد التي شاع فيها التبرج والانحلال، وحتى لا يرمي الإسلام بالتشدد، والمسلمون بالتطرف. سنبين فيما يلي - إن شاء الله - ضوابط المصلحة الشرعية، وعلاقة التكليف بالمشقة.
يقول الوضعيون: "حيثما وجدت المصلحة فثم وجه الله"، أما الأصوليون فيصدق على منهجهم أنه "حيثما وجد الشرع فثمة مصلحة العباد".
وحتى نفرق بين المنهجين، ونميز بين من أسلم وجهه لله ومن أسلم نفسه للهوى نحدد ما هي ضوابط المصلحة الشرعية:
الأول: اندراجها في مقاصد الشرع - وهي حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال - فكل ما يحفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول أو بعضها فهو مفسدة.
الثاني: عدم معارضتها للقرآن الكريم؛ وذلك لأن معرفة مقاصد الشريعة، إنما تم استنادا إلى الأحكام الشرعية المنبثقة من أدلتها التفصيلية، والأدلة كلها راجعة إلى الكتاب، فلو عارضت المصلحة كتاب الله لاستلزم ذلك أن يعارض المدلول دليله، وهو باطل.
قال تعالى: )وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم( (المائدة: 49)، وقال سبحانه وتعالى: )يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (59)( (النساء).
الثالث: عدم معارضتها للسنة، وإلا اعتبرت رأيا مذموما، وقد تواتر عن الصحابة - رضي الله عنهم - تواصيهم باجتناب الرأي في الدين.
قال عمر رضي الله عنه: "إياكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، وتفلتت منهم أن يعوها، واستحيوا حين سئلوا أن يقولوا: لا نعلم، فعارضوا السنن برأيهم، فإياكم وإياهم" ([116]).
الرابع: عدم معارضتها القياس الصحيح.
الخامس: عدم تفويتها مصلحة أهم منها، أو مساوية لها.
وإذا أحسنا تطبيق هذه الضوابط في مسألتنا فلن نشك أن هذه المصلحة الموهومة غير معتبرة لمنافاتها هذه الضوابط.
فإذا كان لا بد للمصلحة من أن تنضبط بكل ما ذكرنا، فما معنى قولهم إذن: المشقة تجلب التيسير؟
معناها: أن المشقة التي قد يجدها المكلف في تنفيذ الحكم الشرعي سبب شرعي صحيح للتخفيف فيه بوجه ما.
لكن ينبغي ألا تفهم هذه القاعدة على وجه يتناقض مع الضوابط السابقة للمصلحة، فلا بد للتخفيف ألا يكون مخالفا لكتاب ولا سنة، ولا قياس صحيح ولا مصلحة راجحة.
ومن المصالح ما نص على حكمه الكتاب والسنة، كالعبادات والعقود والمعاملات، وهذا القسم لم يقتصر نص الشارع فيه على العزائم فقط، بل ما من حكم من أحكام العبادات والمعاملات إلا وقد شرع إلى جانبه سبل التيسير فيه:
كالصلاة شرعت أركانها وأحكامها الأساسية، وشرع إلى جانبها أحكام ميسرة لأدائها عند لحوق المشقة كالجمع،([117]) والقصر،([118]) والصلاة من جلوس، وكالصوم شرع إلى جانب أحكامه الأساسية رخصة الفطر بالسفر والمرض، وكالطهارة من النجاسات في الصلاة شرع معها رخصة العفو عما يشق الاحتراز منه، وحرم الله - عز وجل - أخذ مال الغير، ورخص للمضطر أن يأخذ قدر ضرورته منه.
وأوجب الله سبحانه وتعالى الحجاب على المرأة، ثم نهى عن النظر إلى الأجنبية، ورخص في كشف الوجه والنظر إليه عند الخطبة، والعلاج، والتقاضي، والتعليم، والمعاملة، والإشهاد.
إذن فليس في التيسير الذي شرعه الله سبحانه وتعالى في مقابلة عزائم أحكامه ما يخل بالوفاق مع ضوابط المصلحة، ومعلوم أنه لا يجوز الاستزادة في التخفيف على ما ورد به النص، كأن يقال: إن مشقة الحرب بالنسبة للجنودتقتضي وضع الصلاة عنهم، أو تأخيرها إلى القضاء فيما بعد، أو كأن يقال: إن مشقة التحرز عن الربا في هذا العصر،تقتضي جواز التعامل به، أو كأن يقال: إن مشقة التزام الحجاب في بعض المجتمعاتتقتضي أن يباح للمرأة التبرج مثلا بدعوى عموم البلوى به.
قال ابن نجيم: المشقة والحرج إنما يعتبران في موضع لا نص فيه، وأما مع النص بخلافه، فلا يجوز التخفيف بالمشقة"([119]).
الدليل الحادي عشر:
إن في الحجاب الكامل لسائر البدن من القسوة والقهر والإجحاف([120]) التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرا». ([121]) وقال: «لا تكسر القوارير» ([122]) ([123])ـ ففي ذلك من مخالفة وصيته - صلى الله عليه وسلم - ما يقف بأولئك - القائلين بالستر عموما - في معارضة تلك النصوص الثابتات.
وجواب ذلك - كما يرى د. المقدم - أن وصيته - صلى الله عليه وسلم - بالنساء خيرا حق لا ريب فيه، ولكن السؤال: هل السفور من الخير الذي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم؟
إن النصوص الواردة في الوصية بالنساء خيرا في جملتها تأتي بحسن العشرة، وإلزامهن بالخير لهن في أمري الدين والدنيا، بأسلوب الرفق وحسن الخلق، وما إلى ذلك؛ فالحق الذي يصح به اتباع وصيته - صلى الله عليه وسلم - هو اتباع هديه القائم بنفسه، وفي أهله وبناته، ونساء المؤمنين من الأقوال والأفعال، ومن خالف ذلك فإنه لم يعمل بوصيته صلى الله عليه وسلم.
أما قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تكسر القوارير" فهو يعني أمهات المؤمنين ومن خالطهن من نساء الصحابة - رضي الله عنهم وعنهن - وأما قياس السافرات عليهن في هذا الخطاب فهو خطأ، وليس من الحق في شيء.
ويؤخذ من وصفه - صلى الله عليه وسلم - النساء بالقوارير أن ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم: «فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها» ([124]).
ومعلوم أن غالب النساء ضعيفات بالخير، قويات بالشر والفتنة، فالرجل قائم على المرأة مسئول عنها بالمعنى الكامل في جميع أوجه الخير، وإلزامها بلوازم الإسلام، وما يجب لها، وعليها، من إيصال النفع، ودفع الشر.
إذا تبين هذا، فإننا نقول: إن استجابة المرأة للحق، أو عدم استجابتها ليس شرطا في تحريم السفور أو إباحته، وإنما ذلك يبنى على أمرين:
الأول: أن السفور شر عام للمرأة والرجل، سواء في ذلك من رضي أو من كره، ولا يمكن لفرد مسلم أن يقول: "إنه من الخير"، وإذا كان الأمر كذلك، فإنه يجب علينا وجوبا شرعيا محاربة الشر أيا كان مصدره، سواء تغلبنا عليه بمحاربتنا إياه أو لا، وعلى قدر المراتب التي أقامها - صلى الله عليه وسلم - كأساس لمن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر في قوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» ([125]).
الثاني: أن النزاع في إثبات الواجب إنما يكون في الدعوة إلى ما هو الحق الذي شرعه الله تبارك وتعالى وشرعه نبينا - صلى الله عليه وسلم - وعليه السلف الصالح، وامتثلته المرأة المؤمنة في عهده - صلى الله عليه وسلم - وهم القدوة الحسنة في الاتباع"([126]).
الدليل الثاني عشر:
أن امرأة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقال لها "أم خلاد" وهي منتقبة تسأل عن ابنها الذي قتل في إحدى الغزوات، فقال لها بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: «جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة؟ فقالت المرأة الصالحة: إن أرزأ([127]) ابني فلم أرزأ حيائي!»([128]) واستغراب الصحابة لتنقب المرأة دليل على أن النقاب لم يكن عبادة ([129])!
والجواب على ما استدل به فضيلة الشيخ الغزالي: أن فضيلته استنبط من الحديث - وإن لم يثبت - دليلا لا يتحمل الحديث وجه الاستدلال به، وجانب فضيلته الصواب حين ظن أن الاستفهام التعجبي الذي وجهه الصحابة لـ "أم خلاد" دافعه تنقب المرأة على وجه العموم، وبنى على ذلك دليله: أن النقاب لم يكن عبادة، ولو كان كذلك، لما استغرب الأصحاب له.
والواقع أن استغراب الأصحاب لتنقب المرأة يحمل على وجهين:
الأول: أن هذه المرأة يحتمل أنها كانت من الكبيرات اللاتي قال الله فيهن: )والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة( (النور: 60)، وقرينة ذلك أن نص الحديث يقول: "تسأل عن ابنها"، وسؤالها عن الابن أدل على كبر السن، وأظهر من كونها - مثلا - جاءت تسأل عن الأخ أو الزوج، هذا أمر.
والأمر الآخر: أن سؤالها عن الابن فقط دون أحد من ذويها غيره، أدل على أنه عائلها الوحيد، فليس له إخوة كبار، ولا أب يحاربون معه، وإلا لسألت عنهم جميعا، أو جلست في بيتها حتى يخبرها من بقي ورجع عمن استشهد. وهذه القرينة([130]) وتلك تعضدان احتمال أن تكون من القواعد، وعليه يكون تعجب الصحابة في مكانه الصحيح، ويكون تنقب المرأة عملا بقوله سبحانه وتعالى: )وأن يستعففن خير لهن(.
الثاني: وهو الأرجح - في ظننا - أن تعجب الصحابة من التنقب لم يكن للتنقب - في حد ذاته - عموما؛ بل لكونها متنقبة في تلك الحال التي يغلب فيها أن يهمل الإنسان - خاصة الأمهات - نفسه، فيذهل عن ستره الذي اعتاده في غير تلك الحال، وقرينة ذلك أن السؤال اشتمل على ذلك التخصيص: "جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة"؟!
على أن تعجبهم ذاك من تنقبها واستغرابهم له لا يدل على أن النقاب لم يكن عبادة - كما قال الشيخ - بل يدل - أو لا يدل - على إعجابهم بالتزامها هيئتها تلك في ذاك الحال وتماسك مشاعرها في المصائب، هذا وإعجابهم ذاك لا يقل عن إعجاب ذلك الشاعر بزوجته حين قال يمدحها:
محجبة الكفــين والوجــه زوجتي
إذا مــا نساء في المصــائــب كــشفت
وعلى هذا نجد الوجه الذي استنبطه فضيلة الشيخ - رحمه الله - ليس أحد الوجهين اللذين يحتملهما الحديث، ولعله - رحمه الله - حين استدل بتعجب الصحابة اقتطع التعجب عما قبله، وما بعده من النص وهذا في الاستدلال إلا أننا نعتذر به عن فضيلته.
وبعد هذا العرض نترك القارئ يقف بنفسه على حجم الخلاف الحاصل في هذا الشرط على وجه الدقة، مراعيا ما صدرنا به المسألة - من أدب الخلاف واتباع الدليل متى ثبت وبدعة التعبد بالخلاف مطلقا - ومراعيا كذلك جملة تنبيهات سنعقب بها؛ لنختم كلامنا في هذا الصدد بشيء من الإجمال.
وهذا د. يوسف القرضاوي - وهو من القائلين بجواز كشف الوجه والكفين كما هو معلوم - يقول: "على أن هنا بعض تنبيهات مهمة ينبغي أن نذكرها:
1.أن كشف الوجه لا يعني أن تملأه المرأة بالأصباغ والمساحيق، وكشف اليدين لا يعني أن تطيل أظافرها، وتصبغها بما يسمونه "المانوكير"، وإنما تخرج محتشمة غير متزينة ولا متبرجة، وكل ما أبيح لها هنا هو الزينة الخفيفة، كما جاء عن ابن عباس وغيره: الكحل في عينيها والخاتم أو الخضاب([131]) في يديها"([132]).
وبصدد الكلام عن الزينة نذكر ما قاله الشنقيطي من أن أقوال السلف عنها راجع إلى ثلاثة أقوال:
الأول: بعض بدن المرأة (الوجه والكفان) وهذا مخالف لاستخدام لفظ الزينة في القرآن، فالزينة في القرآن هو كل ما يتزين به خارجا عن أصل الخلقة، فليس المراد.
الثاني: ما يتزين به خارجا عن أصل الخلقة، والنظر إليها يستلزم رؤية شيء من بدن المرأة كالخضاب والكحل، وليس المراد أيضا، أخذا بالأحوط، لقوله تعالى: )يدنين عليهن من جلابيبهن( (الأحزاب: 59)، أي يسترن جميع البدن.
الثالث: ما تتزين به المرأة خارجا عن أصل خلقتها، ولا يلزم النظر إليه رؤية شيء من بدنها، كقول ابن مسعود ومن وافقه أنها ظاهر الثياب"([133]).
2.أن القول بعدم وجوب النقاب، لا يعني عدم جوازه، فمن أرادت أن تنتقب فلا حرج عليها، بل قد يستحب لها ذلك إذا كانت جميلة يخشى الافتتان بها، وخصوصا إذا كان النقاب لا يعوقها، ولا يجلب عليها القيل والقال. بل ذهب كثير من العلماء إلى وجوب ذلك عليها، ولكني لا أجد من الأدلة ما يوجب عليها تغطية الوجه عند خوف الفتنة؛ لأن هذا أمر لا ينضبط، والجمال نفسه أمر ذاتي، ورب امرأة يراها إنسان جميلة، وآخر يراها عادية، أو دون العادية.
على أن هذا أمر يختلف من بيئة لبيئة، ومن عصر لآخر، فالمرأة في الغرب غير المرأة في الشرق، والمرأة في الحضر غير المرأة في البادية أو في الريف، والمرأة العاملة غير المرأة التي لا تعمل.. وهكذا.
وقد ذكر بعض المؤلفين أن على المرأة أن تستر وجهها إذا قصد الرجل اللذة بالرؤية أو وجدها! ومن أين للمرأة أن تعرف قصده للذة أو وجدانها؟
وأولى من ستر الوجه أن تنسحب من مجال الفتنة وتبتعد عنه، إذا لاحظت ذلك.
3.أنه لا تلازم بين كشف الوجه وإباحة النظر إليه، فمن العلماء من جوز الكشف، ولم يجز النظر، إلا النظرة الأولى العابرة، ومنهم من أباح النظر إلى ما يباح كشفه لكن بغير شهوة، فإذا وجد شهوة أو قصدها حرم النظر عليه. وهو الذي أختار([134]).
"فالممنوع بلا شك هو النظر بتلذذ وشهوة، فهذا هو باب الخطر وموقد الشرر، ولهذا قيل: النظرة بريد الزنى، ولله در شوقي حين قال:
نظـــرة، فابتســـامة، فسلام
فكــــلام، فمــوعد، فــلقــــاء!
كما أن النظر إلى غير الزينة الظاهرة، كالشعر والنحر([135]) والظهر والساقين والذراعين ونحوها، لا يجوز لغير محرم بالإجماع ([136]).
وهناك قاعدتان تحكمان هذا الأمر وما يتعلق به:
الأولى: أن الممنوع يباح عند الضرورة أو الحاجة، مثل الحاجة إلى التداوي والعلاج، والولادة ونحوها، والتحقيق في القضايا الجنائية، وأشباه ذلك، مما تدعو إليه الحاجة وتحتمه الضرورة الفردية أو الاجتماعية.
والثانية: أن المباح يمنع عند خوف الفتنة، سواء أكان الخوف على الرجل، أم على المرأة، وهذا إذا قامت دلائل بينة على ذلك، لا مجرد هواجس وتخيلات"([137]).
يسجل د. محمد إسماعيل المقدم - بعد عرض المذاهب الفقهية في كشف الوجه والكفين - عدة تنبيهات وهي:
الأول: نستطيع أن نخلص مما تقدم بأن علماء المذاهب الأربعة يكادون يتفقون على وجوب تغطية المرأة جميع بدنها عن الأجانب، سواء منهم من يرى أن الوجه والكفين عورة، ومن يرى أنهما غير عورة لكنه يوجب تغطيتهما في هذا الزمان لفساد أكثر الناس، ورقة دينهم، وعدم تورعهم عن النظر المحرم إلى وجه المرأة الذي هو مجمع المحاسن، ومعيار الجمال، ومصباح البدن.
الثاني: أجمع العلماء على مشروعية احتجاب النساء عن الرجال الأجانب فقد نقل الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" عن ابن المنذر أنه قال: "أجمعوا على أن المرأة المحرمة تلبس المخيط كله، والخفاف، وأن لها أن تغطي رأسها، وتستر شعرها إلا وجهها، فتسدل عليه الثوب سدلا خفيفا تستتر به عن نظر الأجانب". اهـ. وهذا يقتضي أن غير المحرمة مثل المحرمة فيما ذكر، بل أولى، وفيه دليل واضح، وكشف فاضح لجهل من ادعى أن النقاب بدعة لا أصل لها في الإسلام.
الثالث: أنه رغم الخلاف القديم بين الفقهاء في هذه المسألة إلا أنه بقي خلافا نظريا إلى حد بعيد، حيث ظل احتجاب النساء هو الأصل في الهيئة الاجتماعية خلال مراحل التاريخ الإسلامي، وفيما يلي نقول عن بعض الأئمة تؤكد أن التزام الحجاب كان أحد معالم "سبيل المؤمنين" في شتى العصور:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "كانت سنة المؤمنين في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الحرة تحتجب، والأمة تبرز"، ونقل الإمام ابن رسلان رحمه الله: اتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات، وقال أبو حامد الغزالي - رحمه الله -: "لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات".
وقال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله -: "إن العمل استمر على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال"([138]).
ونختم بما قاله د. القرضاوي في تأريخه لمسألة ستر الوجه وكشفه وأنصار الرأيين، يقول فضيلته: "ومن المعاصرين الأحياء المنادين بوجوب تغطية الوجه الكاتب الإسلامي السوري المعروف د. محمد سعيد رمضان البوطي، الذي أصدر في ذلك رسالة "إلى كل فتاة تؤمن بالله".
وهناك رسائل وفتاوى تظهر بين الحين والحين، تندد بكشف الوجه، وتنادي الفتيات باسم الدين والإيمان، أن يلتزمن النقاب، ولا يخضعن للعلماء "العصريين" الذين يريدون أن يطوعوا الدين للعصر، ولعلهم يجعلونني منهم!!
فإذا وجد من بنات المسلمين من تقتنع بهذا الرأي، وترى أن كشف الوجه حرام، وأن تغطيته فريضة، فكيف نفرض عليها الرأي الآخر، الذي تراه هي خطأ، ومخالفا للنص؟
إنما ننكر عليها حقا إذا رأت أن تفرض هي رأيها على الآخرين أو الأخريات، وأن تحكم بالإثم أو الفسق على كل من عمل بالرأي الآخر، وتعتبر هذا منكرا يجب محاربته، مع اتفاق المحققين من العلماء على أن لا إنكار في المسائل الاجتهادية الخلافية.
ولو أنكرنا نحن العمل بالرأي الذي يخالف رأينا - وهو رأي معتبر داخل نطاق الفقه الإسلامي الرحب - لوقعنا نحن في المحظور، الذي نقاومه وندعو إلى التحرر منه، وهو إلغاء الرأي الآخر، وعدم إعطائه حق الحياة، لمجرد أنه يخالفنا، أو نخالفه، بل لو فرض أن هذه المسلمة لا ترى وجوب التغطية للوجه، وإنما تراه أورع وأتقى، خروجا من الخلاف، وعملا بالأحوط فقط. فمن ذا الذي يمنعها من أن تأخذ بالأحوط لنفسها ودينها؟ وكيف يسوغ أن تلام على ذلك ما دام هذا لا يؤذي أحدا، ولا يضر بمصلحة عامة ولا خاصة"([139]).
إلى جانب ما أثاره د. القرضاوي من أسئلة، نريد أن نطرح هذه الأسئلة وبدون توسع - على لسان د. الكبيسي - لتكون نورا يشع في طريق الأخت المسلمة التي عقدت العزم على أن تجعل رضوان ربها هو غايتها العظمى، معرضة عن رضا الناس أو سخطهم، فنقول:
· إذا كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم - وهن من هن رضي الله عنهن أدبا وعفة وإيمانا وهمة - يطالبن بذلك، ويعلل الحكم بأنه أطهر للقلوب - قلوبهن، وقلوب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين اختارهم الله لصحبته ورضي عنهم ورضوا عنه - فكيف بغيرهن؟
· ثم إذا لم يقتد نساؤنا بنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - فبمن يقتدين؟
· وأيضا إذا قيل لنساء النبي صلى الله عليه وسلم: )فلا تخضعن بالقول(، فهل يعني ذلك جواز هذا لغيرهن من نساء الأمة؟
· وهل التبرج الذي نهى الله عنه أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن - مباح لغيرهن من نساء المؤمنين ([140]).
وبعد.. فالشرط الأول - ستر البدن عامة - يعرض للأحكام الخمسة حسب الأحوال والملابسات:
· فيعرض الندب للقاء المرأة الرجال أحيانا، ومثال ذلك: حال طلب العلم أو معاونة المجاهدين.
· ويعرض الوجوب أحيانا، ومثال ذلك: حال أداء الشهادة، أو كسب الرزق عند الحاجة أو نجدة مصاب.
· وتعرض الكراهة أحيانا، ومثال ذلك: حالة فتنة راجحة أو عند الإخلال ببعض الآداب الشرعية.
· وتعرض الحرمة أحيانا، ومثال ذلك: حال فتنة مؤكدة أو وقوع محظور كالخلوة.
· كما يعرض الندب لاحتجاب المرأة أحيانا، ومثال ذلك: عند وجود فتنة راجحة.
· ويعرض الوجوب أحيانا، ومثال ذلك: عند بروز الفتنة وتأكدها.
· وتعرض الكراهة أحيانا، ومثال ذلك: عندما يعوق الاحتجاب عمل المعروف.
· وتعرض الحرمة أحيانا، ومثال ذلك: عندما يحول الاحتجاب دون عمل الواجب([141]).
إن هذا هو الشرط الأول من شروط الحجاب - استيعاب جميع البدن - طال فيه الحديث؛ لما كان ينبغي أن نراعيه فيه من الخلاف الفقهي القائم بصدده.
أما وقد فصلنا القول فيه، فيحسن أن نكمل بقية الشروط، ونختار في تلك البقية ما اختصره د. المقدم من كلام العلامة الألباني، يقول الأول في كتابه "أدلة الحجاب":
الشرط الثاني: "ألا يكون زينة في نفسه":
ومن أدلة ذلك قوله تعالى: )ولا يبدين زينتهن( (النور: 31)؛ لأنه بعمومه يشمل الثياب الظاهرة إذا كانت مزينة تلفت أنظار الرجال إليها، ويشهد لذلك قوله تعالى: )وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى( (الأحزاب: 33)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا، وأمة أو عبد أبق([142]) فمات، وامرأة غاب عنها زوجها، قد كفاها مؤونة الدنيا، فتبرجت بعده، فلا تسأل عنهم» ([143]).
والتبرج: هو أن تبدي المرأة من زينتها ومحاسنها وما يجب عليها ستره مما تستدعي به شهوة الرجل. قال العلامة الألباني: "والمقصود من الأمر بالجلباب إنما هو ستر زينة المرأة، فلا يعقل حينئذ أن يكون الجلباب نفسه زينة، وهذا كما ترى بين لا يخفى، ولذلك قال الإمام الذهبي في كتاب "الكبائر": ومن الأفعال التي تلعن عليها المرأة إظهار الزينة والذهب، واللؤلؤ تحت النقاب، وتطيبها بالمسك والعنبر والطيب إذا خرجت، ولبسها الصباغات والأزر الحريرية والأقبية القصار، مع تطويل الثوب وتوسعة الأكمام وتطويلها وكل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه، ويمقت فاعله في الدنيا والآخرة، ولهذه الأفعال التي قد غلبت على أكثر النساء، قال عنهن النبي صلى الله عليه وسلم:«واطلعت في النار، فرأيت أكثر أهلها النساء» ([144]).
قلت: ولقد بلغ الإسلام في التحذير من التبرج إلى درجة أنه قرنه بالشرك والزنى والسرقة، وغيرها من المحرمات، وذلك حين بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - النساء على ألا يفعلن ذلك، فعن أميمة بنت رقيقة أنها قالت: «أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نسوة بايعنه على الإسلام، فقلن: يا رسول الله، نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيما استطعتن وأطقتن"، قالت: فقلن: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، هلم نبايعك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة، أو مثل قولي لامرأة واحدة» ([145]).
قال الألوسي في "روح المعاني": "ثم اعلم أن عندي مما يلحق بالزينة المنهي عن إبدائها ما يلبسه أكثر مترفات النساء في زماننا فوق ثيابهن ويستترن به إذا خرجن من بيوتهن، وهو غطاء منسوج من حرير ذي ألوان عدة، وفيه من النقوش الذهبية والفضية ما يبهر العيون، وأرى أن تمكين أزواجهن ونحوهم لهن من الخروج بذلك ومشيهن به بين الأجانب من قلة الغيرة، وقد عمت البلوى بذلك.
ومثله ما عمت به البلوى أيضا من عدم احتجاب أكثر النساء من إخوان بعولتهن، وعدم مبالاة بعولتهن بذلك، وكثيرا ما يأمرونهن به، وقد تحتجب المرأة منهم بعد الدخول أياما إلى أن يعطوها شيئا من الحلي ونحوه فتبدو لهم، ولا تحتجب منهم بعد، كل ذلك مما لم يأذن به الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وأمثال ذلك كثير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
الشرط الثالث: "أن يكون صفيقا لا يشف":
أما الصفيق فلأن الستر لا يتحقق إلا به، وأما الشفاف فإنه يزيد المرأة فتنة وزينة، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهم كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا»([146]).
قال ابن عبد البر: "أراد - صلى الله عليه وسلم - النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر، فهن كاسيات بالاسم، عاريات في الحقيقة".
وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: «كساني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبطية كثيفة كانت مما أهداها دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لك لم تلبس القبطية"؟ قلت: يا رسول الله، كسوتها امرأتي. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرها فلتجعل تحتها غلالة، ([147]) إني أخاف أن تصف حجم عظامها» ([148]).
وعن أم علقمة بن أبي علقمة قالت: رأيت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر دخلت على عائشة وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها، فشقته عائشة عليها، وقالت: "أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟! ثم دعت بخمار فكستها" ([149]).
وعن هشام بن عروة: أن المنذر بن الزبير قدم من العراق، فأرسل إلى أسماء بنت أبي بكر بكسوة من ثياب مروية([150]) وقوهية([151]) رقاق عتاق بعدما كف بصرها، قال: فلمستها بيدها ثم قالت: "أف، ردوا عليه كسوته"، قال: فشق ذلك عليه، وقال: "يا أمة، إنه لا يشف"، قالت: "إنها إن لم تشف فإنها تصف"([152]).
وعن عبد الله بن أبي سلمة: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كسا الناس القباطي، ثم قال: "لا تدرعها نساؤكم"، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، قد ألبستها امرأتي، فأقبلت في البيت وأدبرت، فلم أره يشف، فقال عمر: "إن لم يشف فإنه يصف" ([153]).
قال الألباني رحمه الله([154]): "وفي هذا الأثر والذي قبله إشارة إلى أن كون الثوب يشف أو يصف كان من المقرر عندهم أنه لا يجوز، وأن الذي يشف شر من الذي يصف، ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: "إنما الخمار ما وارى البشرة والشعر" وقالت شميسة: "دخلت على عائشة - رضي الله عنها - وعليها ثياب من هذه السير([155]) الصفاق([156]) من درع وخمار ونقبة([157])، قد لونت بشيء من عصفر".
من أجل ذلك كله قال العلماء: "ويجب ستر العورة بما لا يصف لون البشرة من ثوب صفيق أو جلد أو رق([158])، فإن ستر بما يظهر فيه لون البشرة من ثوب رقيق لم يجز فيه؛ لأن الستر لا يحصل بذلك".
وقد عقد ابن حجر الهيتمي في "الزواجر" بابا خاصا في لبس المرأة ثوبا رقيقا يصف بشرتها وأنه من الكبائر، ثم استدل بحديث: «صنفان من أهل النار لم أرهما»" الحديث المتقدم. ([159]) ثم قال: "وذكر هذا من الكبائر ظاهر لما فيه من الوعيد الشديد، لم أر من صرح بذلك، إلا أنه معلوم بالأولى مما مر في تشبههن بالرجال".
الشرط الرابع: أن يكون فضفاضا غير ضيق فيصف شيئا من جسمها:
وذلك لأن الغرض من الثوب إنما هو رفع الفتنة، ولا يحصل ذلك إلا بالفضفاض الواسع، وأما الضيق فإنه وإن ستر لون البشرة، فإنه يصف حجم جسمها أو بعضه، ويصوره في أعين الرجال، وفي ذلك من الفساد والدعوة إليه ما لا يخفى، فوجب أن يكون واسعا.
وقد قال أسامة بن زيد - رضي الله عنهما -: «كساني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال: "مالك لم تلبس القبطية"؟ قلت: كسوتها امرأتي، فقال: مرها فلتجعل تحتها غلالة، فإني أخاف أن تصف حجم عظامها» ([160]).
فقد أمر - صلى الله عليه وسلم - بأن تجعل المرأة تحت القبطية الثخينة غلالة - وهي شعار يلبس تحت الثوب - ليمنع بها وصف بدنها، والأمر يفيد الوجوب كما تقرر في الأصول. قال الألباني: "ومما يحسن إيراده هنا استئناسا ما روي عن أم جعفر بنت محمد بن جعفر: أن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: "يا أسماء، إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أن يطرح على المرأة الثوب فيصفها"، فقالت أسماء: "يا ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة"؟ فدعت بجرائد رطبة، فحنتها، ثم طرحت عليه ثوبا، فقالت فاطمة: "ما أحسن هذا وأجمله، تعرف به المرأة من الرجل! فإذا مت أنا فاغسليني أنت وعلي، ولا يدخل علي أحد"، فلما توفيت غسلها علي وأسماء، رضي الله عنهم جميعا ([161]).
قال الألباني: فانظر إلى فاطمة بضعة النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف استقبحت أن يصف الثوب المرأة وهي ميتة، فلا شك أن وصفه إياها وهي حية أقبح وأقبح، فليتأمل في هذا مسلمات هذا العصر اللاتي يلبسن من هذه الثياب الضيقة، ثم ليستغفرن الله تعالى، وليتبن إليه، وليذكرن قوله صلى الله عليه وسلم: «الحياء والإيمان قرنا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر» ([162]).
الشرط الخامس: ألا يكون مبخرا مطيبا:
وذلك لأحاديث كثيرة تنهى النساء عن التطيب إذا خرجن من بيوتهن، منها: ما رواه أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية»([163]).
وعن زينب الثقفية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربن طيبا»([164]).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة أصابت بخورا، فلا تشهد معنا العشاء الآخرة» ([165]).
وعن موسى بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن امرأة مرت به تعصف ريحها، فقال: يا أمة الجبار، المسجد تريدين؟ قالت: نعم، قال: وله تطيبت؟ قالت: نعم، قال: فارجعي فاغتسلي، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ما من امرأة تخرج إلى المسجد تعصف ريحها فيقبل الله منها صلاة حتى ترجع إلى بيتها فتغتسل»([166]).
قال الألباني - رحمه الله -: ووجه الاستدلال بهذه الأحاديث على ما ذكرنا العموم الذي فيها، فإن الاستعطار والتطيب كما يستعمل في البدن يستعمل في الثوب أيضا لا سيما وفي الحديث الثالث ذكر البخور فإنه بالثياب أكثر استعمالا وأخص.
وسبب المنع منه واضح وهو ما فيه من تحريك داعية الشهوة، وقد ألحق به العلماء ما في معناه كحسن الملبس والحلى الذي يظهر والزينة الفاخرة وكذا الاختلاط بالرجال.
قلت: فإذا كان ذلك حراما على مريدة المسجد فما يكون الحكم على مريدة السوق والأزقة والشوارع؟ لا شك أنه أشد حرمة، وأكبر إثما، وقد ذكر الهيتمي في "الزواجر" أن خروج المرأة من بيتها متعطرة متزينة من الكبائر، ولو أذن لها زوجها.
ثم إن هذه الأحاديث عامة تشمل جميع الأوقات، وإنما خص بالذكر العشاء الآخرة في الحديث الثالث لأن الفتنة وقتها أشد، فلا يتوهمن منه أن خروجها في غير هذا الوقت جائز.
وقال ابن عبد الملك: والأظهر أنها خصت بالنهي؛ لأنها وقت الظلمة وخلو الطريق، والعطر يهيج الشهوة، فلا تأمن المرأة في ذلك الوقت من كمال الفتنة، بخلاف الصبح والمغرب، فإنهما وقتان فاضحان، وقد تقدم أن مس الطيب يمنع المرأة من حضور المسجد مطلقا.
الشرط السادس: ألا يشبه لباس الرجل:
وذلك لما ثبت من الأحاديث التي تتوعد المرأة إذا تشبهت بالرجل في لباس أو غيره باللعن والطرد من رحمة الله، ومنها: ما رواه عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال» ([167]).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:«لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل» ([168]).
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء، وقال: "أخرجوهم من بيوتكم"، قال: فأخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فلانا، وأخرج عمر فلانا». ([169])، وفي لفظ: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال» ([170]).
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق والديه، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال، والديوث...» ([171]).
وعن أبي مليكة - واسمه عبد الله بن عبيد الله - قال: «قيل لعائشة - رضي الله عنهاـ: إن المرأة تلبس النعل؟ فقال: لقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجلة من النساء» ([172]).
وفي هذه الأحاديث دلالة واضحة على تحريم تشبه النساء بالرجال، وعلى العكس، وهي عامة تشمل اللباس وغيره إلا الحديث الأول، فهو نص في اللباس وحده.
وقد قال أبو داود في "مسائل الإمام أحمد": سمعت أحمد سئل عن الرجل يلبس جاريته القرطق: قال: لا يلبسها من زي الرجال، لا يشبهها بالرجال.
وقد عد الهيتمي - رحمه الله - هذه المعصية من كبائر الذنوب، فقال: "عد هذا من الكبائر واضح لما عرفت من هذه الأحاديث الصحيحة، وما فيها من الوعيد الشديد، والذي رأيته لأئمتنا أن ذلك التشبه فيه قولان: أحدهما: أنه حرام، وصححه النووي، بل صوبه، وثانيهما: أنه مكروه، وصححه الرافعي في موضع، والصحيح، بل الصواب: ما قاله النووي من الحرمة، بل ما قدمته من أن ذلك كبيرة، ثم رأيت بعض المتكلمين على الكبائر عده منها، وهو ظاهر".
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: قال الطبري: لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء ولا العكس، وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: ظاهر اللفظ الزجر عن التشبه في كل شيء، لكن عرف من الأدلة الأخرى أن المراد التشبه في الزي وبعض الصفات والحركات ونحوها، لا التشبه في أمور الخير.
قال: والحكمة في لعن من تشبه: إخراجه الشيء عن الصفة التي وضعها عليه أحكم الحكماء، وقد أشار إلى ذلك في لعن الواصلات بقوله: "المغيرات خلق الله".
فثبت مما تقدم أنه لا يجوز للمرأة أن يكون زيها مشابها لزي الرجل، فلا يحل لها أن تلبس رداءه وإزاره ونحو ذلك، كما تفعله بعض بنات المسلمين في هذا العصر من لبسهن ما يعرف بـ "الجاكيت" و "البنطلون"، وإن كان هذا في الواقع أستر لهن، من ثيابهن الأخرى الأجنبية، فاعتبروا يا أولي الأبصار!
الشرط السابع: ألا يشبه لباس الكافرات:
وذلك لما ثبت من أن مخالفة الكفار، وترك التشبه بهم من المقاصد العليا للشريعة الإسلامية، ولما يترتب على التشبه بالكفار من آثار سيئة على عقيدة المسلمين وسلوكياتهم.
ومما ينبغي أن يعلم أن أدلة هذه القاعدة الجليلة كثيرة جدا في الكتاب والسنة:
فمن أدلة الكتاب قوله تعالى: )ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون (19)( (الحشر)، ومنها قوله تعالى: )ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون (18)( (الجاثية).
يخبر تعالى أنه جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على شريعة من الأمر شرعها له، وأمره باتباعها، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، وقد دخل في )الذين لا يعلمون( كل من خالف شريعته، و "أهواؤهم" ما يهوونه، وما عليه المشركون من هديهم الظاهر الذي هو من موجبات دينهم الباطل وتوابع ذلك فهم يهوونه، وموافقتهم فيه: اتباع لما يهوونه، ولذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين لهم في بعض أمورهم، ويسرون بذلك، ويودون أن لو بذلوا مالا عظيما ليحصل ذلك، وقال تعالى: )ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون (16)( (الحديد).
قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله: قوله: )ولا يكونوا( نهي مطلق عن مشابهتهم، وهو خاص أيضا في النهي عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم، وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية: ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية، وفي الباب آيات أخرى كثيرة وفيما ذكرنا كفاية.
فتبين من هذه الآيات أن ترك هدى الكفار، والتشبه بهم في أعمالهم وأقوالهم وأهوائهم من المقاصد التي أسسها، وجاء بها القرآن الكريم، وقد قام - صلى الله عليه وسلم - ببيان ذلك وتفصيله للأمة، وحققه في أمور كثيرة من فروع الشريعة فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من عمل بسنة غيرنا».([173])حتى عرف ذلك اليهود الذين كانوا في مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - وشعروا أنه - صلى الله عليه وسلم - يتحرى أن يخالفهم في كل شئونهم الخاصة بهم، فقالوا: «ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه» ([174]).
وهذا لا ينحصر في باب واحد من أبواب الشريعة المطهرة كالصلاة مثلا، وإنما تعداها إلى غيرها من العبادات، والآداب، والعادات، وسوف نقتصر هنا على إيراد ما له علاقة بموضوعنا إن شاء الله تعالى: فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم» ([175]).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: «رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي ثوبين معصفرين فقال: إن هذه من ثياب الكفار، فلا تلبسها». ([176]) وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى...» ([177]).
وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: «خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم، فقال: "يا معشر الأنصار، حمروا أو صفروا وخالفوا أهل الكتاب"، قال: فقلنا: يا رسول الله، إن أهل الكتاب يتسرولون، ولا يأتزرون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسرولوا، وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب"، قال: فقلنا: يا رسول الله، إن أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فتخففوا وانتعلوا وخالفوا أهل الكتاب"، قال: فقلنا: يا رسول الله، إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم،([178]) ويوفرون سبالهم،([179]) فقال صلى الله عليه وسلم: قصوا سبالكم، ووفروا عثانينكم وخالفوا أهل الكتاب». ([180]) وفي كتاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى عتبة بن فرقد رضي الله عنه: «... وإياك والتنعم، ([181]) وزي أهل الشرك، ولبوس الحرير...» ([182]).
الشرط الثامن: ألا يكون لباس شهرة:
وذلك لحديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة، ثم ألهب فيه نارا» ([183]).
ولباس الشهرة هو كل ثوب يقصد به الاشتهار بين الناس، سواء كان الثوب نفيسا يلبسه تفاخرا بالدنيا وزينتها، أو خسيسا يلسبه إظهارا للزهد والرياء، وقال ابن الأثير: "الشهرة ظهور الشيء، والمراد أن ثوبه يشتهر بين الناس لمخالفة لونه لألوان ثيابهم، فيرفع الناس إليه أبصارهم، ويختال عليهم بالعجب والتكبر"، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث: "ألبسه الله ثوب مذلة".
قال ابن رسلان: لأنه لبس الشهرة في الدنيا ليعز ويفتخر على غيره، ويلبسه الله يوم القيامة ثوبا يشتهر بمذلته واحتقاره بينهم عقوبة له، والعقوبة من جنس العمل، وقال المناوي: "ثم تلهب فيه النار" عقوبة له بنقيض فعله، والجزاء من جنس العمل، فأذله الله كما عاقب من أطال ثوبه خيلاء بأن خسف به فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.
تنبيهات:
الأول: ليس هذا الحديث مختصا بنفيس الثياب، بل قد يحصل ذلك ممن يلبس ثوبا يخالف ملبوس الفقراء من الناس، ليراه الناس فيتعجبوا من لباسه، وإذا كان اللبس لقصد الاشتهار في الناس، فلا فرق بين رفيع الثياب ووضيعها، والموافق لملبوس الناس والمخالف؛ لأن التحريم يدور مع الاشتهار، والمعتبر القصد، وإن لم يطابق الواقع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» ([184]).
الثاني: لعل الحكمة في تحريم أو كراهة لباس الشهرة، أنه يزري بصاحبه، وينقص مروءته. وفي "الغنية" للشيخ عبد القادر - رحمه الله -: "من اللباس المنزه عنه كل لبسة يكون بها مشتهرا بين الناس، كالخروج عن عادة بلده وعشيرته.
فينبغي أن يلبس مما يلبسون لئلا يشار إليه بالأصابع، ويكون ذلك سببا إلى حملهم على غيبته، فيشركهم في إثم الغيبة له".
ومن فعل ذلك خيلاء حرم كما هو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله، أما لغير ذلك فقد رأى الإمام أحمد رجلا لابسا بردا مخططا بياضا وسوادا، فقال: "ضع هذا، والبس لباس أهل بلدك"، وقال: "ليس هو بحرام، ولو كنت بمكة أو المدينة لم أعب عليك"يعني: لأنه لباسهم هناك.
الثالث: إذا تقرر أن المعتبر في الشهرة القصد والنية، فلا بأس حينئذ:
· بلبس المنخفض من الثياب كسرا لسورة النفس الأمارة بالسوء التي لا يؤمن عليها من التكبر إن لبست غالي الثياب، وتواضعا لله - عز وجل - واحتسابا للثواب الموعود على ذلك، فعن معاذ بن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من ترك اللباس تواضعا لله وهو يقدر عليه، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق، حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها» ([185]).
· ولا بأس أيضا بلبس الغالي من الثياب التي تحل شرعا عند الأمن على النفس من التسامي المشوب بنوع من التكبر، إذا نوى بذلك تحصيل مطالب دينية صالحة:
o كإظهار نعمة الله عليه، والتحدث بها امتثالا لقوله تعالى: )وأما بنعمة ربك فحدث (11)( (الضحى)، وليجمع بين الجمال الظاهر بالنعمة، والجمال الباطن بالشكر عليها، ولموافقة ما يحبه الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده» ([186]).
وعن أبي الأحوص عن أبيه قال: «أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثوب دون، فقال: "ألك مال"؟ قال: نعم، قال: "من أي المال"؟ قال: من كل المال قد آتاني الله: من الإبل والغنم والخيل والرقيق، قال: فإذا آتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته» ([187]).
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك اثنتان: سرف ومخيلة» ([188]).
o أو ليتعرف على غناه الفقراء، فيقصدوه لطلب الزكاة والصدقات وقضاء الحاجات.
o أو للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند من لا يلتفت إلا إلى ذوي الهيئات كما هو الغالب على عوام زماننا، وبعض خواصه.
· يتميز العلماء بلباس خاص حتى يعرفهم المستفتي وطالب العلم.
الرابع: يدندن بعض ذوي الأغراض بدعوى أن التزام الحجاب فيه خروج عما ألفه المجتمع، واعتاده، وقد يشتبه الأمر على البعض فيتساءل: وهل يكون الحجاب حينئذ لباس شهرة؟
ولإزالة هذا التوهم نقول:
· إن هذا الأمر - أي كون الحجاب نفسه لباس شهرة - محتمل في حالة واحدة فقط وهي: "مجتمع التزم نساؤه بكل شروط الحجاب، وشذت شرذمة منهن، فالتزمت كل شروط الحجاب ما عدا الشرط الأخير، وهو ألا يكون لباس شهرة"، وإلا فإن شروط الحجاب السابق ذكرها، والواجب توافرها مجتمعة لا تتناقض.
· أما في مجتمع شاع فيه السفور والتبرج والتهتك، ثم التزمت فئة قليلة من نسائه بزي يستوفي كل شروط الحجاب، غير أنهن قصدن من وراء ذلك الشهرة أو التكبر والتفاخر، ولم يقصدن طاعة الله سبحانه، وطاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلهؤلاء النسوة حظ من الوعيد الوارد فيمن لبس ثوب شهرة؛ لأن المدار في اعتبار الثوب ثوب شهرة من عدمه إنما هو على النية والقصد، فالواجب هنا تصحيح النية، وتوجيهها خالصة لله - عز وجل - لا مطالبة هؤلاء النسوة بخلع الحجاب موافقة للمجتمع الفاسد.
مثال ذلك: رجل هاجر من دار الكفر إلى دار الإسلام، لا يقصد وجه الله - عز وجل - وإنما هاجر لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، هل نكلفه بالبقاء في دار الكفر، أم نأمره بتصحيح النية، ونذكره بقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» ([189]).
فأين يا عباد الله من يلبس الثوب ليباهي به الناس، ويختال عليهم، ويشار إليه فيهم بالبنان عزا وتعظيما، ويخالف زجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لباس الشهرة، أين هذا من نساء مسلمات عفيفات، يتجشمن المشاق لاستمساكهن بحبل الله المتين، ويعانين من أذى السفهاء، وأعوان الشياطين ويقاسين الغربة في أوطانهن وبين الأهلين؟!
· إن الشرع - وإن اعتبر موافقة لباس أهل البلدة، وعد مخالفتهم شهرة - إلا أن هذا مشروط بأن يكونوا مستقيمين على طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أما إذا فسدت فطرتهم، وانحرفوا عن الجادة، بحيث صار المعروف عندهم منكرا، والمنكر معروفا، فليس ذلك العرف الكاذب مسوغا لأن نجاريهم في ضلالهم بحجة عدم الاشتهار.
فإن واجبنا حينئذ ألا نقصد الاشتهار، بل نقصد التمسك بقوله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم( (المائدة: 105)، أما الزعم بأن مخالفة أزياء قوم قد أسرفوا في محاكاة المشركين رجالا ونساء، ولم يرفعوا بآيات الله تعالى، وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسا، هو من الشهرة لشذوذه عما ألفه المجتمع، فهذا من أعجب الأشياء! إذ كيف يكون التمسك بالآيات القرآنية والنصوص النبوية شذوذا؟!
وهل يستقيم أن يكون اتباع سبيل الإفرنج المجرمين في التبرج والسفور استقامة واعتدالا، واتباع سبيل المؤمنين في التستر والصيانة شذوذا واعوجاجا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا، فهو رد»([190]), وإذا كان الأمر كذلك فأين تقع الأحاديث الشريفة التالية موقعها وهي: ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريبا، وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء» ([191]).
وما رواه عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: «سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ونحن عنده يقول: "طوبى للغرباء"، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم» ([192]).
وما رواه أنس بن مالك - رضي الله عنه -: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأتي على الناس زمان، الصابر فيه على دينه، كالقابض على الجمر»([193]).
أين تقع هذه النصوص موقعها من الترغيب، إن لم يكن التمسك بالكتاب والسنة هو المتعين ([194])؟!.
وهكذا نقف على شروط الحجاب الشرعي كما شرطها الإسلام، وعلى نحو يكيف فرضيته بكيفية تخرج به من عشوائية اتسم بها في الجاهلية، على أن الشروط السالف ذكرها يجب التزامها جملة فإذا ما تخلف منها شرط لم يعد الحجاب شرعيا.
مع مراعاة الخلاف الفقهي الحاصل في الشرط الأول - على نحو ما بينا - بين القائلين بعموم استيعاب جميع البدن بالستر والقائلين باستثناء الوجه والكفين من عموم البدن، على أن الخلاف منحصر في الوجه والكفين دون غيرهما، فلا وجه من الصحة لقائل بسفور أكثر منهما إن كان متخذا رأي الفريق الثاني.
رابعا. إن موازنة سريعة بين الحجاب وفضائله، والتبرج ومثالبه؛ تقف بنا على أفضلية التستر والتحجب، ورذيلة التكشف والتبرج، وأثر ذلك كله في ارتقاء المجتمعات أو ترديها:
ونعرض لفضائل الحجاب ومثالب التبرج - حسبما أوردها د. محمد إسماعيل المقدم - بشيء من الاختصار غير المخل بمراده، المحقق لمرادنا، المتمم للفائدة، الشافي لمراد القارئ - بإذن الله تعالى - فيما يلي:
فضائل الحجاب:
· الحجاب طاعة لله - عز وجل - وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
أوجب الله طاعته وطاعة رسوله فقال: )ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا (60)( (النساء)، وقال عز وجل: )فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (65)( (النساء)، وقد أمر الله النساء بالحجاب فقال عز وجل: )وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن( (النور:٣١)، وقال عز وجل: )وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى( (الأحزاب:33)، وقال عز وجل: )وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن( (الأحزاب: ٥٣)، وقال عز وجل: )يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن( (الأحزاب:٥٩).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرأة عورة». ([195]) وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - «أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أخت له نذرت أن تحج حافية غير مختمرة، فقال: مروها فلتختمر، ولتركب، ولتصم ثلاثة أيام». ([196]) قال الخطابي رحمه الله: أما أمره إياها بالاختمار، فلأن النذر لم ينعقد فيه؛ لأن ذلك معصية، والنساء مأمورات بالاختمار والاستتار.
· الحجاب إيمان:
والله - عز وجل - لم يخاطب بالحجاب إلا المؤمنات، فقد قال عز وجل: )وقل للمؤمنات( (النور: ٣١)، وقال عز وجل: )ونساء المؤمنين( (الأحزاب: ٥٩).
ودخل نسوة من بني تميم على أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، عليهن ثياب رقاق، فقالت: "إن كنتن مؤمنات، فليس هذا بلباس المؤمنات، وإن كنتن غير مؤمنات، فتمتعن به"، وأدخلت امرأة عروس عليها - رضي الله عنها -، وعليها خمار قبطي معصفر، فقالت أم المؤمنين - رضي الله عنها -: "لم تؤمن بسورة النور امرأة تلبس هذا".
· الحجاب طهارة:
بين الله - عز وجل - الحكمة من تشريع الحجاب، وأجملها في قوله عز وجل: )وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن( (الأحزاب:٥٣)، فنص سبحانه على أن الحجاب طهارة لقلوب المؤمنين والمؤمنات.
وبيان ذلك أنه إذا لم تر العين لم يشته القلب، أما إذا رأت العين فقد يشتهي القلب، وقد لا يشتهي، فالقلب عند عدم الرؤية أطهر، وعدم الفتنة حينئذ أظهر؛ لأن الرؤية سبب التعلق والفتنة، فكان الحجاب أطهر للقلب، وأنفى للريبة، وأبعد للتهمة، وأقوى في الحماية والعصمة.
· الحجاب عفة:
رغب الإسلام في التعفف، وعظسم شأنه، وكان - صلى الله عليه وسلم - يأمر به، ويحث عليه، ففي الحديث أن هرقل سأل أبا سفيان: «ماذا يأمركم؟ - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال: قلت: يقول: اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق، والعفاف، والصلة» ([197]).
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «أسألك الهدى والتقى والعفة»([198])، وفي لفظ آخر «إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى» ([199]).
والعفة صفة من صفات الحور العين التي أشار إليها قوله تعالى: )حور مقصورات في الخيام (72)( (الرحمن)، وقوله سبحانه وتعالى: )وعندهم قاصرات الطرف أتراب (52)( (ص)، وقوله عز وجل: )وعندهم قاصرات الطرف عين (48)( (الصافات).
فقوله عز وجل: )قاصرات الطرف( يعني: أنهن عفيفات لا ينظرن إلى غير أزواجهن، )عين( أي: حسان الأعين، جميلات المظهر، عفيفات تقيات نقيات.
فقد جعل سبحانه عفتهن قرينة حجابهن وقرارهن في خيامهن، وامتدحهن بالعفة مع الجمال، فأعظم ما تكون العفة إذا ما اقترنت بالجمال، وقد وصف بهما يوسف - عليه السلام - في قول امرأة العزيز: )فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم( (يوسف: ٣٢).
ومن إعظام الإسلام لأمر العفاف أن شرط في إباحة الزواج من الكتابيات كونهن محصنات أي عفائف، كما أن العفة في القرآن خلق المؤمنات وسجية المحجبات.
وقد جعل الله - عز وجل - الحجاب عنوان عفة المرأة عن التهمة الموجبة للتأذي:
فقال الله عز وجل: )يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن( (الأحزاب: 59)، الإدناء )ذلك أدنى أن يعرفن( بأنهن عفائف )فلا يؤذين( نص على أن في معرفة محاسن المرأة إيذاء لها ولذويها بالفتنة والشر.
وقال سبحانه وتعالى: )والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة( رخص لهن في وضع الجلابيب، ورفع الإثم عنهن في ذلك، ثم عقبه ببيان المستحب فقال عز وجل: )وأن يستعففن( باستبقاء الجلابيب: )خير لهن والله سميع عليم (60)( (النور)، فحرض القواعد العجائز على الاستعفاف، وأوضح أنه خير لهن وإن لم يتبرجن.
فظهر بذلك فضل التحجب والتستر بالثياب ولو من العجائز، فوجب أن يكون التحجب الكامل والاستعفاف عن إظهار الزينة خيرا لغير العجائز من باب أولى، وأبعد لهن عن أسباب الفتنة، فظهر بذلك أن الحجاب عفة ونقاء وصيانة.
· الحجاب ستر:
عن يعلى بن شداد بن أوس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى حيي ستير، يحب الحياء والستر» ([200]).
وقد امتن الله سبحانه وتعالى على الأبوين بنعمة الستر فقال عز وجل: )إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى (118)( (طه)، وقال سبحانه ممتنا على عباده: )يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير( (الأعراف: 26). قال عبد الرحمن بن أسلم: "يتقي الله فيواري عورته، فذاك لباس التقوى".
ولذلك تجد وظيفة اللباس عند من لا يتقون الله ولا يستحيون منه - كعامة الغربيين مثلا - لا يتجاوز غرض الزينة والرياش، وأما المؤمنون المتقون فإنهم يحرصون على اللباس، أولا لستر العورات التي يستحيي من إظهارها، ثم بعد ذلك لهم سعة في إباحة الزينة والتجمل.
إن الذنوب معايب يبتعد عنها، ويستتر منها، والعورات كذلك معايب يجب أن تستر، ويبتعد عما يحرم منها، وكأن المكثرين من الخطايا هم الذين لا يبالون بما يبدو من عوراتهم، ومن هنا ترى المؤمنين المبتعدين عن الذنوب بعيدين عن إظهار العورات([201]).
وحب الستر من أخلاق الأنبياء جميعا، والآثار في ذلك عن الأنبياء والصحابة والصحابيات كثيرة تغني الإشارة إليها عن ذكرها.
· الحجاب حياء:
والحياء نوعان:
1.نفسي فطري: وهو الذي خلقه الله تعالى في جميع النفوس، كحياء كل شخص من كشف عورته أمام الناس.
2.إيماني مكتسب: وهو خصلة تمنع المؤمن من ارتكاب المعاصي خوفا من الله تعالى، وهذا القسم من الحياء فضيلة يكتسبها المؤمن، ويتحلى بها، وهي أم كل الفضائل الأخرى.
فلذلك وجب على المسلمين أن يعودوا بناتهم على الحياء، والتخلق بهذا الخلق الذي اختاره الله تعالى لدينه القويم، لأن عدم الحياء علامة لزوال الإيمان، ولا يخفى ما يتولد عن ذلك من العواقب الوخيمة. عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الحياء والإيمان قرنا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر» ([202]).
والحياء من أخلاق الملائكة.
وكانت شدة الحياء من أخلاق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو المثل الأعلى لكل مسلم ومسلمة.
فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال:«كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه» ([203]).
ولهذا تأدب أصحابه - رضي الله عنهم - بهذا الخلق الإيماني، واختص بعضهم بمزية ظاهرة فيه، منهم أمير البررة، وقتيل الفجرة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فعن النبي الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن عثمان رجل حيي» ([204]).
وكذلك كان حال نساء الصحابة رضي الله عنهن، فلقد«جاءت فاطمة بنت عتبة - رضي الله عنها - تبايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ عليها: )لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين( (الممتحنة: ١٢)، فوضعت يدها على رأسها حياء، فأعجبه ما رأى منها، فقالت عائشة - رضي الله عنها -: "أقري أيتها المرأة، فوالله ما بايعنا إلا على هذا"، قالت: "فنعم إذا"، فبايعها بالآية»([205]) ([206]).
هذا وستر الوجه كصورة من صور الحجاب أفضل حارس للحياء؛ ومما يؤكد ارتباط تغطية الوجه بشدة الحياء ما ثبت عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: «جاءت أم سليم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأت الماء"، فغطت أم سلمة - يعني وجهها - وقالت: يا رسول الله، وتحتلم المرأة؟ قال: نعم، تربت يمينك، ففيم يشبهها ولدها» ([207])؟
وفي التجرد من خلق الحياء مدرجة الهلاك، والسقوط من درك إلى درك إلى أن يصبح الإنسان صفيق الوجه، وينزع منه خلق الإسلام، فيجترئ على المخالفات، ولا يبالي بالمحرمات، وهناك تلازم بين ستر ما أوجب الله ستره، وبين التقوى، كلاهما لباس، هذا يستر عورات القلب ويزينه، وذاك يستر عورات الجسم ويزينه، وهما متلازمان.
فمن شعور التقوى لله والحياء منه ينبثق الشعور باستقباح التكشف والحياء منه. قال تعالى: )يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير( (الأعراف: 26)، قال الشاعر:
إذا المرء لـم يلبس ثيابا من التــقى
تقلب عـــريانا وإن كـان كــاسيا
وخــير خصــال المــرء طــاعة ربه
ولا خــير فيمــن كــان لله عاصيا
وفي مسارعة آدم وحواء إلى ستر عورتيهما بأوراق الشجر دليل على أن الحياء عنصر أصيل مركوز في فطرة الإنسان، فعليه أن يهتم به، ويحافظ عليه، ويصونه من أن يلثم، ففي صيانته وسلامته سلامة للفطرة من أن تمسخ أو تحرف، لأن في انحرافها مسخا وتشويها لآدميته، ولأن الحياء شعبة من شعب الإيمان، فمن تمسك به فقد تحصن ضد الشيطان، وأغلق في وجهه بابا منيعا، لو قدر له أن يدخل منه، لنال صاحبه شر عظيم، والعياذ بالله.
إذا لــم تخـــش عـــاقبة اللــيالي
ولم تــستحي فــاصنع مــا تشــــاء
فــلا والله مــا في العـــيش خـير
ولا الـــدنيا إذا ذهــب الحـــــياء
· الحجاب يناسب الغيرة:
إن الحجاب يتناسب مع الغيرة التي جبل عليها الإنسان السوي، والغيرة غريزة تستمد قوتها من الروح، والتحرر عن القيود غريزة تستمد قوتها من الشهوة، فهذه تغري بالسفور، وتلك تبعث على الاحتجاب.
إن المدنية الغربية انحازت إلى الطبيعة الأولى، وقررت ألا تحرم المنتسبين إليها التمتع بسفور النساء، واختلاط الجنسين، وضحت بالطبيعة الثانية في سبيل ذلك، فالرجل الغربي يخالط نساء الناس، ويجالسهن متهتكات، مقابل التنازل عن غيرته على زوجته وأخته وبنته، فيخالطهن ويجالسهن غيره.
إن القضاء على الغيرة بلغ عند مدنية الغرب إلى أن اعتبرتها من النقائص، بالرغم من أن الإنسان يشعر بفطرته أنها فضيلة، وتواضع كتابها وشعراؤها على تغيير هذه الفطرة.
ومن الدليل على كون السفوريين يتكلفون إسكات صوت الغيرة في قلوبهم، وإماتتها مقابل ما يتمتعون به من الاختلاط بنساء غير نسائهم، أن مقلدتهم من المسلمين لا يسمحون بالدخول على نسائهم إلا لمن يسمح لهم بالدخول على نسائه، فلو قصدوا بالسفور الذي يدعون له إلى تحرير المرأة من أسر الاحتجاب كما يدعونه، لما حافظوا على شرط المعاوضة في سفور نسائهم عند أي رجل من معارفهم.
وإن من ضروب الغيرة المحمودة: أنفة المحب وحميته أن يشاركه في محبوبه غيره، ومن هنا كانت الغيرة نوعا من أنواع الأثرة، لا بد منه لحياطة الشرف، وصيانة العرض، وكانت أيضا مثار الحمية والحفيظة فيمن لا حمية له ولا حفيظة.
وضد الغيور الديوث، وهو الذي يقر الخبث في أهله، أو يشتغل بالقيادة، وقال العلماء، أيضا: الديوث الذي لا غيرة له على أهل بيته، وفي المحكم: الديوث الذي يدخل الرجال على حرمه بحيث يراهم، وقد ورد الوعيد الشديد في حقه:
فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ينظر الله - عز وجل - إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث» ([208]) ([209]).
قال ابن القيم: "وذكر الديوث في هذا، يدل على أن أصل الدين الغيرة، ومن لا غيرة له لا دين له. فالغيرة تحمي القلب، فتحمي له الجوارح، فترفع السوء والفواحش، وعدمها يميت القلب، فتموت الجوارح فلا يبقى عندها دفع ألبتة. والغيرة في القلب كالقوة التي تدفع المرض وتقاومه، فإذا ذهبت القوة كان الهلاك"([210]).
إن الغيرة على حرمة العفة ركن العروبة، وقوام أخلاقها في الجاهلية والإسلام، لأنها طبيعة الفطرة البشرية الصافية النقية، ولأنها طبيعة النفس الحرة الأبية.
لقد رأينا هذا الخلق يستقر في نفوس الجاهليين الذين تذوقوا معاني تلك الفضائل، وتحلوا بها، فإذا هم يغارون على عرض جيرانهم من هوى أنفسهم ذاتهم، استمع معي إلى عنترة يقول مفتخرا بنفسه:
وأغض طــرفي إن بدت لي جــارتــي
حتــى يــواري جارتي مــأواهــا
ولو أن المرأة التزمت درجة الحجاب المثلى وقرت في بيتها، ولو أنها إذا احتاجت للخروج فخرجت، حجبت كل بدنها عن الأجانب، لما كان لهذه الفتن مكان في حياتنا. ولو أننا تأملنا الواقع من حولنا لأدركنا أن بداية الفتنة إنما هي النظرة المحرمة على حد قول القائل:
نظـــرة فـــابتســـامــة فســـلام
فـــكلام فــموعــد فلـــقـــاء
فلو أسدل الحجاب على وجه المرأة أيضا، إذن لأخمدت الفتنة من أصلها، )وكفى الله المؤمنين القتال( (الأحزاب: ٢٥).
ولقد سبق أن بينا أن من الغيرة المحمودة أنفة المحب، وحميته أن يشاركه في محبوبه غيره، فإذا كان النظر المحرم إلى وجه المرأة وغيره هو "زنا العين" بنص حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم نحتج إلى إثبات أن هذا النظر نوع من المشاركة فيما ينبغي أن يستأثر به الزوج أو المحارم لأمن الفتنة من جانبهم.
ومن هنا يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ألا تستحون؟ ألا تغارون؟ يترك أحدكم امرأته بين الرجال تنظر إليهم، وينظرون إليها"([211]).
هذه بعض فضائل الحجاب، اختصرناها من كلام د. المقدم في كتابه "أدلة الحجاب"، ويواصل فضيلتة الحديث فيقول في الشق الآخر:
التبرج لغة: هو إبداء المرأة زينتها، وإظهار وجهها، ومحاسن جيدها للرجال، وكل ما تستدعي به شهوتهم حتى التكسر والتبختر في مشيتها، ما لم يكن ذلك للزوج.
التبرج شرعا: هو إظهار الزينة، وإبراز المرأة لمحاسنها، وقيل: هو التبختر والتكسر في المشية.
وهذه بعض مثالب التبرج:
· التبرج معصية لله ورسوله صلى الله عليه وسلم:
ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟! قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى» ([212]).
واعلم - رحمك الله - أن كل آية أو حديث اشتملت، أو اشتمل على الزجر عن معصية الله - عز وجل - ومعصية رسوله - صلى الله عليه وسلم - يصلح أن يستدل به هنا، غير أننا - اختصارا - نورد فيما يلي ما جاء في النهي عن معصية التبرج بخصوصها، فمن ذلك:
ما جاء عن كيسان مولى معاوية قال: «خطبنا معاوية فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن سبع، وأنا أنهاكم عنهن، ألا إن منهن النوح والغناء والتصاوير والشعر والذهب وجلود السباع والتبرج والحرير»([213]).
· التبرج كبيرة موبقة:
جاءت أميمة بنت رقية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبايعه على الإسلام، فقال: «أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا، ولا تسرقي، ولا تزني، ولا تقتلي ولدك ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك، ولا تنوحي، ولا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى» ([214]).
· التبرج يجلب اللعن والطرد من رحمة الله:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرجال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة([215]) البخت([216]) العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات، لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدمن نساؤكم نساءهم كما يخدمنكم نساء الأمم قبلكم» ([217]).
· التبرج من صفات أهل النار:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما؛ قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا».([218]) وعن عمارة بن خزيمة قال: «بينما نحن مع عمرو بن العاص - رضي الله عنه - في حج أو عمرة، فإذا نحن بامرأة عليها حبائر([219]) لها، وخواتيم، وقد بسطت يدها على الهودج،([220]) فقال: بينما نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الشعب إذ قال: "انظروا، هل ترون شيئا"؟ فقلنا: نرى غربانا فيها غراب أعصم؛ أحمر المنقار والرجلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة من النساء إلا من كان منهن مثل هذا الغراب في الغربان». ([221])
· التبرج نفاق:
فعن أبي أذينة الصدفي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «خير نسائكم الودود الولود، المواتية المواسية([222]) إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات، وهن المنافقات، لا يدخلن الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم» ([223]).
· التبرج فاحشة:
فإن المرأة عورة، وكشف العورة فاحشة ومقت، قال تعالى: )وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون (28)( (الأعراف)، والشيطان هو الذي يأمر بهذه الفاحشة: )الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء( (البقرة: ٢٦٨)، المتبرجة جرثومة خبيثة ضارة تنشر الفاحشة في المجتمع الإسلامي، قال تعالى: )إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون (19)( (النور).
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة استعطرت، ثم خرجت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية، وكل عين زانية» ([224]).
· التبرج تهتك وفضيحة:
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها، فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله» ([225]).
ومثل ذلك ما ثبت عن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة، وعصى إمامه، فمات عاصيا، وأمة أو عبد أبق من سيده فمات، وامرأة غاب عنها زوجها، وقد كفاها مؤنة الدنيا، فتبرجت بعده، فلا تسأل عنهم» ([226]).
· التبرج سنة إبليسية:
المعركة مع الشيطان معركة جدية وأصيلة ومستمرة وضارية؛ لأنه عدو عنيد يصر على ملاحقة الإنسان في كل حال، وعلى إتيانه من كل صوب وجهة، كما وصفه الله تعالى في قوله: )قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم (16) ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (17)( (الأعراف)، ولا عاصم لبني آدم من الشيطان إلا التقوى والإيمان والذكر، والاستعلاء على الشهوات، وإخضاع الهوى لهدي الله عز وجل.
ومن استعراض ما حدث لآدم - عليه السلام - مع عدوه إبليس نرى أن الحياء من التعري وانكشاف السوءة شيء مركوز في طبع الإنسان وفطرته في مقابل حرص الشيطان على إيقاع آدم - عليه السلام - وبنيه في المعصية المؤدية لضد هذا التستر من التعري والتكشف والتبرج السافر؛ إذ يقول الله سبحانه: )فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما( (الأعراف: 20). وقال عز وجل: )فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة( (الأعراف: 22). وقال عز من قائل: )فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة( (طه: ١٢١).
لقد نسي آدم وأخطأ وتاب واستغفر، فقبل الله توبته وغفر له، وانتهى أمر تلك الخطيئة الأولى، ولم يبق منها إلا رصيد التجربة الذي يعين ابن آدم في صراعه الطويل المدى مع الشيطان الذي يأتيه من مواطن الضعف فيه، فيغويه، ويمنيه، ويوسوس له حتى يستجيب فيقع في المحظور.
إن قصة آدم وحواء مع إبليس تكشف لنا مدى حرص عدو الله على كشف السوءات، وهتك الأستار، وإشاعة الفاحشة، وأن هذا هدف مقصود له وغاية عليا.
ومن ثم حذرنا الله - عز وجل - من هذه الفتنة خاصة، فقال عز وجل: )يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون (27)( (الأعراف).
ومن هنا فإن إبليس هو رائد الدعوة إلى كشف العورات، وهو مؤسس الدعوة إلى التبرج بدرجاته المتفاوتة، بل هو الزعيم الأول لشياطين الإنس والجن الداعين إلى "تحرير المرأة" من قيد الستر والصيانة والعفاف؛ ومن ثم قال الله عز وجل: )إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير (6)( (فاطر).
· التبرج من سنن اليهود والنصارى:
قال الله - عز وجل - واصفا حال هؤلاء: )ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين (64)( (المائدة).
وقد حكت كتبهم أن الله - عز وجل - عاقب بنات صهيون على تبرجهن؛ ففي سفر إشعياء: "وقال الرب: من أجل أن بنات صهيون يتشامخن، ويمشين ممدودات الأعناق، وغامزات بعيونهن، وخاطرات في مشيهن، ويخشخشن بأرجلهن، يصلع السيد هامة بنات صهيون، ويعري الرب عورتهن. ينزع السيد في ذلك اليوم زينة الخلاخيل والضفائر والأهلة، والحلق والأساور والبراقع والعصائب والسلاسل". (إشعياء 3: 16 - 20).
وقد كان نساء العجم من اليهود أو النصارى الذين يعيشون مع المسلمين يحرصن على هذا التبرج، قال سعيد بن أبي الحسن للحسن البصري أخيه: إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن، قال: اصرف بصرك عنهن: )قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم( (النور: 30).
ومع تحذير الرسول - صلى الله عليه وسلم - من التشبه بالكفار، وسلوك سبلهم خاصة في مجال المرأة إلا أن أغلب المسلمين خالفوا هذا التحذير، وتحققت نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم"، قيل: اليهود والنصارى؟ قال: فمن» ([227]).
فما أشبه هؤلاء اللاتي أطعن اليهود والنصارى، وعصين الله ورسوله بهؤلاء اليهود المغضوب عليهم الذين قابلوا أمر الله بقولهم: "سمعنا وعصينا"، وما أبعدهن عن سبيل المؤمنات اللاتي قلن حين سمعن أمر الله: "سمعنا وأطعنا"، قال تعالى: )ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا (115)( (النساء).
· التبرج جاهلية منتنة:
قال تعالى: )وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى( (الأحزاب: 33).
وقد وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - دعوى الجاهلية بأنها منتنة أي خبيثة، وأمرنا بنبذها، وقد جاء في صفته - صلى الله عليه وسلم - أنه: )ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث( (الأعراف: 157).
وقد تبرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كل من يدعو بدعوى الجاهلية، فقال صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية» ([228]).
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال صلى الله عليه وسلم: «أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه» ([229]).
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: وسنة الجاهلية اسم جنس يعم جميع ما كان أهل الجاهلية يعتمدونه.
ودعوى الجاهلية شقيقة تبرج الجاهلية، كلاهما منتن خبيث، أبغضه الله تعالى، وحرمه علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في الأولى:«ما بال دعوى الجاهلية؟ دعوها فإنها منتنة» ([230])، بل ضعوها حيث وضعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قال: «ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع»([231]).
فلا يجوز لأي مسلمة بحال أن ترفع ما وضعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو تعظم ما حقره من أمر الجاهلية، أو حكم الجاهلية، أو ظن الجاهلية، أو حمية الجاهلية، أو سنة الجاهلية.
· التبرج انتكاس وتخلف وانحطاط:
من استعراض ما حدث لآدم - عليه السلام - مع عدوه إبليس نرى أن الحياء من التعري وانكشاف السوءة شيء مركوز في طبع الإنسان وفطرته - كما أسلفنا -، وأن الفطرة السليمة تنفر من انكشاف سوءاتها الجسدية والنفسية، وتحرص على سترها ومواراتها، والذين يحاولون تعرية الجسم من اللباس، وتعرية النفس من التقوى ومن الحياء من الله، ثم من الناس، والذين يطلقون ألسنتهم، وأقلامهم، وأجهزة التوجيه والإعلام كلها لتأصيل هذه المحاولة - في شتى الصور والأساليب الخبيثة - هم الذين يريدون سلب الإنسان خصائص فطرته، وخصائص إنسانيته، التي بها صار إنسانا متميزا عن الحيوان. قال سبحانه وتعالى: )ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا (70)( (الإسراء).
إن العري فطرة حيوانية، ولم تزل الحيوانات في انكشاف منذ خلقت، لم يتغير حالها يوما، بعكس الإنسان الذي يصح أن نصفه بأنه حيوان مستور. وهذه الفطرة الحيوانية لا يميل الإنسان إليها إلا وهو يرتكس إلى مرتبة أدنى من مرتبة الإنسان.
إن رؤية العري والتكشف جمالا هو انتكاس في الذوق البشري قطعا، ومؤشر واضح يبين انتشار التخلف في المجتمع البشري.
وحتى هؤلاء الذين يتشدقون بالتقدم المزعوم، يقولون: إن الإنسان بدأ حياته على طريقة الحيوان عاريا من كل ستر إلا شعره، ثم رأى أن يستر جسمه بأوراق الشجر، ثم بجلود الحيوانات، ثم جعل يترقى في مدارج الحضارة حتى اكتشف الإبرة، وابتدع وسيلة الحياكة، فاستكمل ستر جسمه.
وهكذا كانت نزعة التستر وليدة التقدم المدني، فكل زيادة في هذا التقدم كانت مؤدية إلى زيادة في توكيد الحشمة، وكل خلل في كمال الستر عنوان التخلف والرجعية.
وآية ذلك أن المتخلفين في أواسط أفريقيا عراة، حين تشرق حضارة الإسلام في هذه المناطق، يكون أول مظاهر هذه الحضارة اكتساء العراة، وانتشالهم من وهدة([232]) التخلف، والتسامي بهم إلى مستوى الحضارة بمفهومها الإسلامي الذي يستهدف استنقاذ خصائص الإنسان وإبرازها.
قال الشيخ مصطفى صبري - رحمه الله -: لا خلاف في أن السفور حالة بداوة وبداية في الإنسان، والاحتجاب طرأ عليه بعد تكامله بوازع ديني أو خلقي يزعه عن الفوضى في المناسبات الجنسية الطبيعية، ويسد ذرائعها، ويكون حاجزا بين الذكور والإناث.
ثم إن الاحتجاب كما يكون تقييدا للفوضى في المناسبات الجنسية الطبيعية، ويضاد الطبيعة من هذه الحيثية، فهو يتناسب مع الغيرة التي جبل عليها الإنسان، ويوافق الطبيعة من ناحيته الأخرى، إلا أن الغيرة غريزة تستمد قوتها من الروح، والتحرر عن القيود في المناسبة الجنسية غريزة تستمد قوتها من الشهوة الجسمانية، فهذه تغري بالسفور، وتلك تبعث على الاحتجاب، وبين هاتين الغريزتين تجاف وتحارب يجريان في داخل الإنسان.
· التبرج باب شر مستطير:
وذلك لأن من يتأمل نصوص الشرع، وعبر التاريخ يتيقن مفاسد التبرج وأضراره على الدين والدنيا، لا سيما إذا انضم إليه الاختلاط المستهتر.
فمن هذه العواقب الوخيمة:
· تسابق المتبرجات في مجال الزينة المحرمة لأجل لفت الأنظار إليهن، مما يجعل المرأة كالسلعة المهينة الحقيرة المعروضة لكل من شاء أن ينظر إليها.
· الإعراض عن الزواج، وشيوع الفواحش، وسيطرة الشهوات.
· انعدام الغيرة، واضمحلال الحياء.
· كثرة الجرائم.
· فساد أخلاق الرجال خاصة الشباب، خاصة المراهقين، ودفعهم إلى الفواحش المحرمة بأنواعها.
· تحطيم الروابط الأسرية، وانعدام الثقة بين أفرادها، وتفشي الطلاق.
· المتاجرة بالمرأة، كوسيلة دعاية أو ترفيه في مجالات التجارة وغيرها.
· الإساءة إلى المرأة نفسها، والإعلان عن سوء نيتها، وخبث طويتها، مما يعرضها لأذية الأشرار والسفهاء.
· انتشار الأمراض؛ قال صلى الله عليه وسلم: «لم تظهر الفاحشة في قوم قط؛ حتى يعلنوا بها؛ إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا» ([233]).
· تسهيل معصية الزنا بالعين، قال صلى الله عليه وسلم: «فزنا العينين النظر». ([234]) وتعسير طاعة غض البصر التي أمرنا بها إرضاء لله سبحانه.
· استحقاق نزول العقوبات العامة التي هي قطعا أخطر عاقبة من القنابل الذرية، والهزات الأرضية، قال تعالى: )وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا (16)( (الإسراء). وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقابه» ([235]) ([236]).
وبعد كانت هذه موزانة سريعة بين مثالب التبرج - الذي يبتغيه دعاته لنسائنا - وفضائل الحجاب - الذي شرعه الله لهن - وللمتأمل الفطن أن يقيس أثر هذا وذاك ويحدد قبل ذلك أي المصيرين يبتغي لنسائه خاصة ولمجتمعه عامة.
وجدير بالذكر أن ننوه على أن كون التبرج عندنا - وحسب ما ذكرنا وفصلنا من صور الحجاب ودرجاته - يبدأ بالتفريط في الصورة المثلى منه ويتنامى التبرج شيئا فشيئا بالتفريط في تلك الصور وهاتيك الدرجات صورة بعد صورة ودرجة بعد درجة.
ومن نافلة القول أن نشير إلى أنه ما من ديانة ولا شريعة يحمد منها أن تأذن بالتبرج ولا تنهى عنه، أو يحمد منها أن تغضي عنه ولا تفرض له أدبا يهذبه ويكف أذاه.
فمثل هذا التبرج في الجاهلية الأولى هو الذي منعه الرومان بقانون، وتغاضوا عنه يوم تغاضوا عن الفتن والملذات التي أطاحت بالدولة وأعقبت العالم سآمة من نزوات الجسد جاوزت حدودها، وأوشكت أن تنقلب من نقيض الإباحة لكل شيء إلى نقيض الحرمان من كل شيء.
ومثل هذا التبرج هو الذي توعده النبي إشعياء بالدمار الذي يعصف بالزينة فلا يبقي لها باقية؛ فقال: "وقال الرب: من أجل أن بنات صهيون يتشامخن، ويمشين ممدودات الأعناق، وغامزات بعيونهن، وخاطرات في مشيهن، ويخشخشن بأرجلهن، يصلع السيد هامة بنات صهيون، ويعري الرب عورتهن. ينزع السيد في ذلك اليوم زينة الخلاخيل والضفائر والأهلة، والحلق والأساور والبراقع والعصائب والسلاسل". (إشعياء 3: 16 - 20).
ومثل هذا التبرج هو الذي تمنعه جميع الشرائع على الورق، حيث تسميه "التهتك" أو تسميه "الإخلال بناموس الحياء"، ثم لا تفلح في منعه؛ لأنها تمنعه بعصا القانون ولا تمنعه بوازع الوجدان والإيمان"([237]).
وهذا الوازع الداخلي الذي يجسد المراقبة في أروع صورها هو ما أردناه من الموازنة السالفة؛ فالفطرة النقية في أعماق المؤمنين خليق بها أن تختار العفة والحجاب وأن تربأ بأصحابها عن ضده.
وصفوة القول في هذا الصدد وما يحسن أن نذيل به ذاك العرض لفضائل الحجاب ومثالب التبرج - مجموعة من الفوائد الصحية التي يقدمها الحجاب للمرأة بالإضافة إلى أن العديد من الدراسات والأبحاث تفيد بأن الحجاب أفضل ثوب للمرأة من منظورات عدة نلخصها فيما تأتي:
o من المنظور الصحي:
إن حماية الرأس مهمة جدا حيث توضح نتائج الاختبارات الطبية أن 40ـ60 % من حرارة الجسم تفقد خلال الرأس؛ لذا فإن المرأة التي تلبس الحجاب تكون أقل عرضة لفقد الحرارة من جسمها أثناء فترات البرد بنسبة خمسين بالمائة عن التي لا ترتدي غطاء للرأس، وقد أخذت بعض النصوص الطبية هذا الموضوع بشيء من الاهتمام، حيث ذكرت أن الرياح تسبب تغيرات مفاجئة في الجسم بالإضافة إلى الاهتزاز والتذبذب والتأثيرات الأخرى التي من شأنها أن تخل من توازن الجسم وبالتالي تؤدي إلى آثار صحية سيئة.
وقد أرجعت هذه النصوص الإصابة بنزلات البرد إلى التعرض المباشر للرياح التي تسبب الأعراض المعروفة للبرد من الزكام والسعال وغيرها. ونجد في النصوص الإسلامية القديمة لابن قيم الجوزية العديد من الإشارات إلى أربعة عناصر: النار والماء والهواء والأرض، وكيفية تأثير هذه العناصر على جسم الإنسان بطرق مختلفة.
وكما أن تغطية الرأس مهمة في أثناء البرد، فهي مهمة وضرورية أيضا في الطقس الحار، فقد وجد العالم V. G. Rocine - وهو اختصاصي في أبحاث المخ - أن المواد الفسفورية في المخ تنصهر عند درجة حرارة 108 درجة فهرنهايت، وهي درجة يمكن الوصول إليها بسهولة لمن يقف تحت أشعة الشمس المباشرة بدون غطاء للرأس لفترة طويلة.
وعملية الانصهار هذه تعتبر عملية ذات اتجاه واحد، أي أن المواد المنصهرة لا يمكن استرجاعها أو تعويضها مما يؤدي إلى خلل في خلايا المخ وفقدان جزئي للذاكرة بالإضافة إلى اضطراب في قيام المخ بالوظائف المعتادة.
وبالرغم من أن هذا التدمير للمخ يحدث عند الظروف المتطورة جدا من التعرض للحرارة إلا أن هذه العملية يمكن أن تحدث ولكن بدرجة أقل ضررا إذا تعرضت الرأس للشمس لفترات قليلة دون وقاية أو غطاء.... ولكن هناك ضررا.
وقد ذكر المعالج بيرنارد أيضا - وهو خبير بالمعالجة الطبيعية بدون عقاقير - أن المخ يعتمد على معادن الفسفور وهي شديدة التأثر بالحرارة وبالتالي فإن ارتفاع درجة الحرارة المعرض لها المخ تؤدي بلا شك إلى إلحاق أضرار بالمخ واختلال الوظائف الحيوية له.
ولهذه الأغراض الصحية يعتاد معظم الناس على ارتداء غطاء الرأس أو الحجاب نظرا لأغراض متعلقة بالعمل لضمان النظافة. كما نرى ذلك في عديد من المجالات مثل الممرضات، وعمال المطاعم، والخادمات، والأطباء وغيرهم.
وفي الحقيقة عندما نقارن عدد العمال الذي يغطي رأسه بمن لا يرتدي غطاء للرأس أثناء العمل نجد أن الغالبية هم الذين يرتدون غطاء للرأس؛ وعليه فغطاء الرأس يعتبر إحدى الضرورات لإنجاح العمل، وهذا جانب اقتصادي جيد.
o من المنظور الاجتماعي:
بعيدا عن المنافع الصحية سواء الشخصية أو العامة للحجاب فإن هناك فوائد أخرى من الناحية الاجتماعية.
فقد قام كل من Ball و Smith بدراسة وتفسير البيانات البصرية وتوصلوا إلى أن التمثيل البصري له دور كبير ومؤثر في تشكيل وجهات نظر الناس بالنسبة لطريقة رؤيتهم للحياة وطريقة التفاعل معها.
وأشارت الدراسة إلى أن الرجل يستعمل هذه البيانات البصرية بدرجة كبيرة لترجمة وتفسير العلاقات مع النساء اللاتي يراهن.
وقد أوضحت الدراسات الدماغية أننا نتواجد في عالم من المتغيرات التي تكاد تكون ثابتة، ولكنها تتغير بشكل طفيف، مما يجبر العقل على القيام بما يسمى "كبح التفكير الجانبي"، وبالتالي فإن العقل يمد الإنسان بصورة ثابتة لا تتغير حتى وإن كانت الصورة المرئية في الوقت الحاضر مغايرة لتلك التي وجدت في العقل من خلال التصورات الفطرية التي تحدثنا عنها.
وتتم هذه العملية "كبح التفكير الجانبي" في جزء اللاوعي من المخ بصورة ملحوظة، حيث تقوم بالاستجابة للمؤثرات من خلال التصور المسبق دون الاهتمام بالمعلومات التي يدركها الجزء الواعي من المخ (الصورة الحقيقية التي تراها).
لذا فإن الدماغ يمكن أن يكون تصورات مختلفة من العالم بدون أن نشعر بما يتكون داخلنا من أفكار وتصورات قد تؤثر على تقدير الأشياء فيما بعد.
وقد أوضحت دراسات أخرى منقولة عن الموسوعة البريطانية كيف أن المرأة تقدم نفسها للمجتمع من خلال تصرفات نمطية والتي من خلالها أيضا - أي التصرفات - تقوم الحيوانات بتناقل المعلومات والأحاسيس بين الجنس الواحد.
واقعيا فإن الكائنات الراقية مثل الإنسان تستعمل هذه الإيماءات إلى حد ما، لتناقل الأحاسيس والتصورات، وأكثر هذه الإيماءات تأثيرا ووضوحا هي الإيماءات البصرية.
حتى إن بعض علماء الأحياء يقصر هذه الإيماءات على البصرية منها فقط حيث إن هذه الإشارات البصرية بين الحيوانات - التي تكون عادة عبارة عن اللون أو شكل الذيل أو الريش - تؤدي إلى الانجذاب والتأثر للمتلقي.
وبالنسبة للإنسان فهذه الإيماءات تتمثل في الزينة والجمال الظاهري من أشكال الملابس وقصات الشعر المختلفة، بالإضافة إلى وسائل التجميل الأخرى.
وفي الوقت الراهن يمتلئ العالم بأشكال مختلفة ومتنوعة للشعر والملابس التي ترتديها النساء بغرض الزينة وجذب الانتباه؛ كما في الإعلانات والبرامج التلفزيونية وحتى في الأماكن العامة.
وكل هذه التنوعات في الموضات والأزياء تؤثر على العقل بصورة نموذجية لما وصف سابقا بالتصورات الفطرية؛ حيث يجد العقل صعوبة كبيرة في التكيف الفكري مع كل هذه التنوعات في الأشكال والظلال، وبالتالي ونظرا لعملية "كبح التفكير الجانبي" يقوم العقل تلقائيا بتحليل هذه الصور في اللاوعي، على أن هذه الأنماط المختلفة وأشكال الملابس والشعر هي عبارة عن إشارات أو إيماءات بصرية، الهدف منها هو إثارة الانتباه وجذب الأنظار.
ونتيجة لذلك... يمكننا أن نرى كيف يتقبل الرجال الإشارات الجاذبة من المخ نتيجة رؤية النساء مباشرة وقبل أن يكون لدى الرجل الوقت لمنعه بتحويل نظره والنظر إلى شيء آخر (غض البصر).
يقوم العقل بتجديد الصورة التي سبق أن عالجها بكبح التفكير الجانبي، ويستنتج أن الهدف هو جذب الانتباه، مما يؤدي إلى ضغوط نفسية هائلة على الرجل دون أن يدري.
وبتكرار ذلك - رؤية كل يوم النساء - وبعد فترة من رؤية هذه الإشارات البصرية، تتكون تراكمات كبيرة من الضغوط على أفراد المجتمع، وهذه الضغوط والاضطرابات تنتج من أشياء كثيرة؛ يأتي في مقدمتها العدد الهائل من المدخلات البصرية والحسية إلى العقل التي نتعرض لها في عصر المعلومات وحرية الإنسان بصورة مستمرة... والمشلكة هنا هي أن الجسم يستمر في الاستجابة لهذه المدخلات في كل مرة بنفس الطريقة نتيجة كبح التفكير الذي يقوم به اللاوعي، مما يؤدي إلى تكرار نفس الصورة الموجودة في العقل، مما يؤدي إلى إفراز كميات كبيرة من الهرمونات التي قد تكون مضرة جدا؛ حيث تسبب ارتفاع ضغط الدم، وتدمير الأنسجة العضلية، مما يؤدي إلى الخمول والهزال، كما تؤدي أيضا إلى تأخر النمو الطبيعي للجسم، بالإضافة إلى حدوث اضطرابات شديدة في الجهاز المناعي.
ويوجد حلان هما الأكثر فاعلية لهذه المشكلة:
الأول: هو إقناع وسائل الإعلام والصناعة والمجتمع ككل بالتوقف عن إظهار المرأة في الإعلانات أمام الرجال بالصورة الموجودة الآن.
والثاني: والذي ربما يكون أسهل في تطبيقه - هو إقناع النساء بارتداء ملابس محتشمة مما يضمن أنه عندما يرى الرجل هذه المرأة فإنه لن توجد هناك أية إشارات بصرية غير مناسبة ترسلها المرأة لعقل الرجل؛ نظرا لعدم وجود تصور فطري لهذه الملابس المحتشمة وبالتالي تسمح للعقل الواعي بالتفكير والعمل بشكل طبيعي دون الاحتكام إلى قرارات اللاوعي.
o من المنظور النفسي:
وأخيرا وليس آخرا، يجب القول إن غطاء الرأس له آثار نفسية على المرأة نفسها أيضا وليس على الرجل فقط؛ حيث توضح دراسات أجريت على النساء اللاتي يتقدمن لمقابلة شخصية في أي وظيفة أن هناك ارتباطا وثيقا بين ما ترتديه المرأة وبين مدى نجاحها في هذه المقابلة.
وهناك العديد من الأمثلة التي توضح كيفية تأثير الملابس التي ترتديها المرأة على سلوكها العام وتصرفها بين الناس.
فارتداء الحجاب يذكر المرأة دائما بعقيدتها وبدينها وبواجباتها مما يؤثر إيجابيا على تصرفاتها في المواقف المختلفة؛ حيث إن أي إنسان يتصرف وفق معايير يحددها الدين والقيم، تكون تصرفاته وقراراته صائبة إلى حد كبير.
والحجاب بالنسبة للمرأة أيضا يشعرها بأنها ليست وحيدة، ولكنها تنتمي إلى هذه الملايين من النساء اللاتي يرتدين الحجاب ويشعرها بأنها سفيرة لهم في مكانها، مما يجعلها تراقب جميع تصرفاتها وسلوكها العام، وهذا بالطبع له تأثير إيجابي عميق على الاستقرار النفسي للمرأة" ([238]).
وهكذا وافق الشرع بفرضية الحجاب مصلحة المرأة النفسية والصحية، بالإضافة لما راعاه من مصلحة المجتمع وتقديم المصالح العليا. فهل من المصلحة أن تعرض المسلمة عن كل هاتيك المصالح المتراكبة بعضها فوق بعض وتتجاهلها كلية - كغيرها من غير المسلمات - فتحرم هذا الخير الذي جمع بين مشروعية الإسلام ومصلحة المجتمع بما فيه المرأة نفسها " فماذا بعد الحق إلا الضلال... ".
خامسا. فرض الإسلام الحجاب ليس جمودا وتحجرا يعوق المرأة عن التفاعل الإيجابي والمشاركة الفعالة في شتى مناحي الحياة:
إن ثمة حالات يرخص فيها بالسفور أمام الأجنبي؛ وذلك نظرا لأن الشرع الحنيف إنما حرم السفور سدا لذريعة الفتنة، ونظرا للقاعدة الفقهية التي تنص على أن: ما منع سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، فقد رفع الله الحرج عن المرأة حيث احتاجت إلى كشف وجهها، وكذا عن الرجل إذا طرأت حاجة إلى النظر إليه؛ فمن هذه الحالات:
1. عند الخطبة: فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل، فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها، وتزوجتها»([239]).
وعن محمد بن مسلمة - رضي الله عنه - قال: «خطبت امرأة فجعلت أتخبأ لها حتى نظرت إليها في نخل لها، فقيل له: أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا ألقى الله في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها» ([240]).
2. عند التداوي إذا فقدت طبيبة تداويها، بشرط عدم الخلوة، وقصر النظر على موضع الحاجة، وتحري الطبيب العدل الثقة.
3. عند تعليمها العلم الواجب إذا افتقدت امرأة تعلمها، وكذا محرما صالحا، وأن يتعذر التعليم من وراء حجاب، وإلا لم يحل لها الكشف، ولا له النظر، وأن تؤمن الفتنة من الجانبين.
4. عند التقاضي والشهادة، وزاد بعضهم: المعاملة التي تستوجب الشهادة.
5. قال القاضي أبو بكر بن العربي - رحمه الله -: للمفتي والقاضي والشاهد أن ينظر إلى وجه المرأة إذا كلمتهم في الفتوى والقضاء والشهادة، فأما القاضي والشاهد فلا بد من كشف وجهها له ليعلم على من يقضي، وعلى من شهد، إذ العلم بالمقضي عليه والمشهود عليه شرط، فأما المفتي فينظر إليها إذا كانت سافرة بسبب، أو كان ذلك مما يتعلق بالفتوى، ومن العلماء من قال: ينظر إليها، فإنها مأمورة بسؤاله، وهو مأمور بإجابتها، وكلاهما عورة أباحته الفتوى، فكذلك رؤيتها لأن ذلك يتم بالرؤية.
6. عند الإكراه، كما في حالة العيش في ظل حكومات إرهابية جائرة، تسلط جلاوزتها([241]) على المنتقبات لإيذائهن، أو اعتقالهن، أو فصلهن من وظائفهن إذا كانت المصدر الوحيد لرزقهن، فإن الأمر إذا ضاق اتسع، والصبر أولى"([242]).
على أن الإسلام وإن أباح للمرأة السفور في تلك الحالات الاستثنائية السالفة الذكر - مرعاة للمصلحة الراجحة ورفعا للحرج الواقع - فإنه لا يبيح لها إظهار زينتها كالحلي وغيره من الأصباغ وما شابه ذلك فلا مصلحة فيه، بل كله مدعاة لما لا تؤمن عقباه من الحوادث التي مبدؤها من النظر - على حد قول الشاعرـ.
ولقد جاء الإسلام والحجاب في كل مكان قد وجد فيه تقليد سخيف وبقية من بقايا العادات الموروثة، لا يدرى أهو أثرة فردية أم وقاية اجتماعية، بل لا يدرى أهو مانع للتبرج وحاجب للفتنة أم هو ضرب من ضروب الفتنة والغواية، فصنع الإسلام بالحجاب ما صنعه بكل تقليد زال معناه، وتخلفت بقاياه بغير معنى، فأصلح منه ما يفيد ويعقل، ولم يجعله كما كان عنوانا لاتهام المرأة، أو عنوانا لاستحواذ الرجل على ودائعه المخفية، بل جعله أدبا خلقيا يستحب من الرجل ومن المرأة، ولا يفرق فيه بين الواجب على كل منهما، إلا لما بين الجنسين من اختلاف في الزينة واللباس والتصرف بتكاليف المعيشة وشواغلها" ([243]).
ومما نهمس به في أذن العامة والخاصة: أن الشريعة المحكمة ترمي من وراء تشريع الحجاب إلى منع الفتنة ابتداء من مجرد الاستحسان والتلذذ بالنظر الذي هو زنا العين، وانتهاء بالفاحشة الكبرى، وآية ذلك:
· أن للمرأة أن تكشف وجهها في الصلاة والحج إذا أمنت نظر الرجال إليها.
· وأن لها أن تكشفه في الظلام إذا كانت بحيث لا ترى، وعليه حمل حديث: «فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس». ([244]) إن احتمل كونهن سافرات.
· وأن لها أن تكشفه أمام رجل أعمى لا يراها.
· وأن لها أن تكشفه إذا كانت عجوزا قاعدا لا يشتهى مثلها.
· وأن لها أن تكشفه أمام صبي غير ذي شهوة، وكذا أمام من ذهبت شهوته من الرجال، أو من لا شهوة له منهم أصلا ([245]).
والمفهوم من الحجاب على هذا واضح بغير تفسير، فليس المراد به إخفاء المرأة وحبسها في البيوت، لأن الأمر بغض الأبصار لا يكون مع إخفاء النساء وحبسهن وراء جدران البيوت وتحريم الخروج عليهن لمزاولة الشئون التي تباح لهن، ولم يكن الحجاب كما ورد في جميع الآيات مانعا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تخرج المرأة مع الرجال إلى ميادين القتال، ولا أن تشهد الصلاة العامة في المساجد، ولا أن تزاول التجارة ومرافق العيش المحللة للرجال والنساء على السواء، ومهما يكن من عمل تزاوله المرأة في مصالحها اللازمة، فلا عائق له من الحجاب الذي أوجبه القرآن الكريم، ولا غضاضة عليها فيه؛ لأنه يطلب من الرجل فيما يناسبه كما يطلب منها فيما يناسبها.
ومن الحسن أن نذكر أن الأمر بالقرار في البيوت إنما خوطب به نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - لمناسبة خاصة بهن لا تعرض لغيرهن من نساء المسلمين، ولهذا بدئت الآية بقوله تعالى: )يا نساء النبي لستن كأحد من النساء( (الأحزاب: ٣٢)، ثم اقترن هذا الأمر بأمر آخر يعم الرجال الذين يفدون على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيدخلون مسكنه بغير استئذان وفيه زوجاته، غير قارات في بيوتهن من المسكن الشريف، فيدخل الزائرون ويخاطبون آله على غير إذن منهن، ولذلك نهي الزائرون أن يدخلوه حتى يؤذن لهم في قوله عز وجل: )يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما (53)( (الأحزاب).
وهذا أدب من آداب الزيارة ينبغي أن يتأدب به الزوار كيفما كانت تقاليد الحجاب في غير البيوت فلا حجاب إذن في الإسلام بمعنى الحبس والحجر والمهانة، ولا عائق فيه لحرية المرأة حيث تجب الحرية وتقضي المصلحة، وإنما هو الحجاب المانع من الغواية والتبرج والفضول، وحافظ الحرمات وآداب العفة والحياء([246]).
وبعيدا عن الجدل الحاصل في المسألة، وبعيدا عن الخلاف القائم بين العلماء حول مسألة تعميم جميع البدن بالستر بما فيه الوجه والكفان - بعيدا عن كل هذا دعونا نتفق معا أن الحجاب عامة أفضل وسيلة وقائية تحفظ الحرمة وتصون المجتمعات، وإن مما ينبغي أن يذكر هنا: أن هناك أمورا لا يختلف فيها اثنان من عقلاء المسلمين ومنصفيهم وهي:
· أن ستر وجه المرأة وكفيها هو الأفضل، وأنه دليل التقوى وحسن الاتباع، وأن التي تفعل ذلك على خير كثير، وأجرها - إن شاء الله - عند الله - عز وجل - كبير.
· أن ذلك الستر يتأكد متى عمت الفتنة وانتشر الفساق، وأصبحت المرأة لا تأمن على نفسها من النظرات المريبة.
· وأنه يتأكد - أيضا - في حق المرأة الجميلة الوسيمة التي تخشى فتنتها، إذ هي ملزمة بستر جميع بدنها.
· أن النظر إلى وجه المرأة وأي موضع من جسمها يحرم، متى ما كان عن ريبة وشهوة.
هذه أمور لا ينبغي أن تخضع لنقاش وجدل، بل هي من القضايا المسلمة، وحتى ولو وجد من ينازع في ذلك، فينبغي ألا يؤبه له ولا يلتفت إليه؛ إذ لا اعتداد بخلافه.
وليس كل خلاف جاء معتبرا
إلا خلاف له حظ من النظر([247])
يقول العلامة القرآني محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى: وبالجملة فإن المنصف يعلم أنه يبعد كل البعد أن يأذن الشارع للنساء في الكشف عن الوجه أمام الرجال الأجانب، مع أن الوجه هو أصل الجمال، والنظر إليه من الشابة الجميلة هو أعظم مثير للغرائز البشرية وداع إلى الفتنة، والوقوع فيما لا ينبغي، ألم تسمع قول بعضهم:
قلت اسمحوا لي أن أفوز بنظرة
ودعوا القيامة بعد ذاك تقوم ([248])
أترضى أيها الإنسان أن تسمح له بهذه النظرة إلى نسائك وبناتك وأخواتك... إلخ ([249])؟!!
وإن مما تجدر الإشارة إليه والتنبيه عليه - أيضا - هو أن تقف الأخت المسلمة وقفة تأمل، وتقرأ قراءة متبصر لهذه الإرشادات الغالية:
· أن تحافظي على لباسك الشرعي الذي أنت عليه الآن - وإن كان غير ساتر للوجه والكفين -، وعليك أن تطمئني بأنك في طريق طاعة الله ورضوانه، وحذار أن تتقهقري إلى الوراء، بل كوني تقدمية بحق، أي تقدمية إلى الله، إلى مزيد من التمسك بشرعه والتزام أوامره وتعاليمه، واربئي عن الرجعية، أي لا ترجعي إلى الشيطان وشريعة الغاب، ويكون همك متاعا قليلا وظلا زائلا.
· أن تحاولي - أنت أيتها الكاشفة عن مفاتن جسمها - البدء في الستر ولو شيئا فشيئا، وأن تعلمي أن الموت قد يأتي فجأة، وأنك إن مت على ما أنت عليه، فلن ينفعك المروجون للفساد، ولن ينقذك عباد الشهوات، وأنه لن يحصد الندامة غيرك، ولن يشقى سواك، فالله الله في نفسك قبل فوات الأوان.
· أن تطرحي على نفسك وعلى أخواتك هذا السؤال: ماذا يضير من الحجاب؟ ولم يحاربه أعداء الإسلام؟ ولماذا يرهبونه؟ ثم بعين الإنصاف، وبمزيد من النظر والتروي، بعيدا عن الهوى والتعصب، حاولي أن تقولي كلمة الحق في الجواب([250]).
واعلمي أن موقف الشريعة - بفرضها الحجاب - موقف قوي بذاته مدعوم بشواهد ونماذج مشرفة، خاصة إذا علمت أن الحجاب لا يؤخر عن علم ولا يعوق عن عمل.
تلك قضية لا امتراء فيها لدى كل منصف، وهي حقيقة ثابتة، قامت التجربة على صدقها ورسوخها، فمنذ أن شرع الحجاب وحتى زماننا هذا، ونحن نرى عبر هذا التاريخ الطويل الكثيرات من النسوة اللاتي يتقيدن بتعاليم الإسلام، ويرتدين لباس الحشمة والاحترام، وهن على مستوى عال من العلم والمعرفة، وعلى جانب مهم من ممارسة العمل ومزاولته، من مختلف الأعمال التي تتناسب ومكانة المرأة وطبيعتها.
وقبل أن نسوق لك الدلائل والوقائع، التي تثبت ما كانت عليه أختك المسلمة الملتزمة، نود أن ننبه إلى قضية أخرى لها مساس قوي بهذه القضية التي نتكلم عنها، هي: أن نفع الحجاب وفائدته لا تقتصر عليك وحدك، وإنما تتعدى - أيضا - إلى الرجال، بل إن حظ الرجل من ذلك أكثر، ونصيبه أوفر.
ذاك لأن صفاء الذهن، وخلو الخاطر، والتركيز على العمل، والسلامة من الأمراض النفسية والجسمية وغيرها، كل ذلك لا بد منه في سرعة التحصيل، ووفرة الإنتاج، وذلك إنما يتأتى بالتزام المرأة بقيمها وأخلاقها، وبعدها عن كل مظاهر الزينة والفتنة، التي توقع الشباب فيما لا تحمد عقباه، من تفشي المعاكسات والمضايقات بمختلف الألفاظ والأفعال، ثم الانزلاق إلى هاوية الزنا الوخيمة، فإذا انتشر ذلك فحدث ولا حرج عن الضياع والبوار، وهل كثرت البطالة، وشاعت الفوضى، وعمت الأمراض، إلا من جراء مثل هذه التصرفات؟ ولا نظن أن في الأمر بقية خفاء بعد الإعلانات المتكررة عن مرض الإيدز والتحذير الشديد من أسبابه ونتائجه.
ومن هنا يبرز الدور الفعال في أهمية الحجاب الشرعي للمرأة، ذلك الحجاب الذي رسمته الشريعة السمحة من غير إفراط ولا تفريط، إنه حجاب الطهر والعفاف، وليس بحجاب عن أسباب التقدم والفضيلة، إنه حجاب تراه على المرأة المتعلمة العاقلة، لا على المرأة الكسولة الجاهلة، إنه حجاب يحول بين الرجل والمرأة عن كل دنية، ليأخذ كل منهما طريقه الصحيح، وينهج نهجه القويم في هذه الحياة التيتقتضي عملا وكدا وجهدا متواصلا، من غير كلل ولا ملل، إنه حجاب يعصم من سقطات الاختلاط، ويحفظ من ويلاته المريرة القاتلة؛ ولهذا فإنا نرى أن العقلاء من الأوربيين وغيرهم من الذين قطعوا شوطا بعيدا في طريق الاختلاط بين الجنسين، والذين كانوا بالأمس من الدعاة المتحمسين له، نراهم اليوم قد بدءوا يفكرون بجد، ويعملون جاهدين من أجل الحد من ذلك التسيب، والتقليل من ظاهرة الاختلاط، والحيلولة دون اتساع رقعة التفسخ والانحلال الخلقي الذي وصلت إليه حضارتهم، وذلك لما لمسوه من ردود عكسية، ونتائج خطيرة توشك أن تقتلع كل ما توصلوا إليه من تقدم وإبداع، أجل إن العقلاء منهم بدءوا يدركون جيدا أن حضارتهم القائمة اليوم على مبادئ الاختلاط والتحلل واللامبالاة ستذوى وتنزوي إن هم استمروا فيما هم عليه من مدنيتهم المائعة الماجنة ([251]).
وها هي فتاة أمريكية ينحصر كل اعتقادها في أن قيمتها تقتصر على مظهرها وجمالها، وبالفعل تواظب على ذلك حتى تحصل على شهادة متخصصة لتدريب الفتيان على اللياقة لتنمية الرشاقة، وترتاد الشواطئ وتستمتع بنظرات الإعجاب وعبارات الإطراء.
ومضت السنوات واكتشفت بعدها أن شعورها بالرضا عن نفسها وسعادتها كانا آخذين بالانحدار كلما ازداد تقدمها بمقياس الجاذبية والجمال، لكن أين شعرت بنفسها هذه الرشيقة الفاتنة؟!
إنها لم تشعر بذاتها وكينونتها إلا بعد ارتدائها الحجاب، ولندع لها المجال تلخص تجربتها تلك وتتوجه بالنصيحة لنساء العالم من تلك التجربة. تقول سارة بوكر: "دفعني فضولي الجديد لاقتناء رداء جميل طويل وغطاء للرأس يشبه زي نساء مسلمات رأيت صورهن في إحدى المجلات، وتجولت بردائي الجديد في نفس الأحياء والطرقات التي كنت حتى الأمس أختال فيها، مرتدية إما البكيني أو الأردية الكاشفة أو سترات العمل الأنيقة، على الرغم من أن المارة والوجوه وواجهة المحلات والأرصفة كلها بدت تماما كما تعودت رؤيتها، إلا شيئا ما كان مختلفا كل الاختلاف، ذلك هو أنا.
لأول مرة في حياتي شعرت بالوقار كامرأة، أحسست بأن أغلالي - كأسيرة لإعجاب الناس - قد تحطمت، شعرت بالفرحة العارمة لرؤيتي نظرات الحيرة والاستغراب في وجوه الناس وقد حلت محل نظرات الصائد يترقب فريسته. فجأة أحسست بالجبال قد أزيحت عن كاهلي، لم أعد مجبرة أن أقضي الساعات الطوال مشغولة بالتسوق والمكياج وتصفيف الشعر وتمارين الرشاقة. أخيرا وبعد طول عناء نلت حريتي.
من بين كل البلاد وجدت إسلامي في قلب الحي الذي غالبا ما يوصف بأكثر بقاع الأرض إباحية وانحلالا، مما أضفى على شعوري بإيماني الجديد المزيد من الإجلال والإكبار على الرغم من سعادتي بارتداء الحجاب شعرت بالفضول تجاه النقاب عند رؤيتي لبعض المسلمات يرتدينه. ذات مرة سألت زوجي المسلم، والذي كنت قد تزوجته بعد إسلامي بشهور، إن كان يجب على ارتداء النقاب أم الاكتفاء بالحجاب الذي كنت أرتديه. أجاب زوجي بأنه، على حد علمه، هناك إجماع بين علماء المسلمين على فرضية الحجاب في حين لا يوجد ذلك الإجماع على فرضية النقاب.
كان حجابي، في ذلك الوقت يتكون من عباءة تغطي سائر بدني من العنق حتى أسفل القدم وغطاء يستر كل رأسي عدا مقدمة الوجه، وبعد مرور حوالي سنة ونصف أخبرت زوجي برغبتي في ارتداء النقاب، أما سبب قراري بارتداء النقاب فقد كان إحساسي برغبتي في التقرب إلى الله وزيادة في شعوري بالاطمئنان في ازدياد حشمتي. لقيت من زوجي كل دعم، حيث اصطحبني لشراء إسدال، وهو رداء من الرأس حتى القدم، ونقاب يغطي سائر رأسي وشعري ما عدا فتحة العينين.
سرعان ما أخذت الأنباء تتوالى عن تصريحات لسياسيين ورجال الفاتيكان وليبراليين وما يسمى بمدافعين عن حقوق الإنسان والحريات، كلهم أجمعوا على إدانة الحجاب في بعض الأحيان والنقاب في أحيان أخرى، بدعوى أنهما يعيقان التواصل الاجتماعي، حتى بلغ الأمر مؤخرا بأحد المسئولين بأن يصف الحجاب بأنه "ردة إلى الوراء".
في خضم هذا الهجوم المجحف على مظاهر عفة المسلمة إني لأجد هذه الحملة تعبيرا صريحا عن النفاق، خصوصا في الوقت الذي تتسابق فيه الحكومات الغربية وأدعياء حقوق الإنسان في الدفاع عن حقوق المرأة وحريتها في ظل الأنظمة التي تروج لمظاهر معينة من العفة، في حين يتجاهل هؤلاء "المقاتلون من أجل الحرية" عندما تسلب من المرأة حقوقها في العمل والتعليم وغيرها من الحقوق لا لشيء إلا لإصرارها على حقها في اختيار ارتداء الحجاب أو النقاب.
وتواصل السيدة سارة بوكر حديثها قائلة: اليوم أنا ما زلت ناشطة لحقوق المرأة، ولكنني ناشطة مسلمة، تدعو سائر نساء المسلمين للاضطلاع بواجباتهن لتوفير كل الدعم لأزواجهن وإعانتهم على دينهم، وأن يحسن تربية أبنائهن بوصفهن مسلمات ملتزمات حتى يكونوا أشعة هداية ومنارات خير لسائر الإنسانية مرة أخرى، لنصرة الحق أي حق ولدحر الباطل أي باطل، ليقلن حقا وليعلو صوتهن ضد كل خطيئة، ليتمسكن - بثبات - بحقهن في ارتداء النقاب أو الحجاب وليتقربن إلى خالقهن بأي القربات يبتغين. ولعله بنفس القدر من الأهمية أن يبلغن تجربتهن الشخصية في الطمأنينة التي جلبها عليهن حجابهن لأخواتهن من النساء اللاتي قد يكن حرمن من لذة هذه الطاعة، أو فهم ما يعنيه الحجاب والنقاب لمن يختار أن يرتديه وسبب حبنا الشديد وتمسكنا بهذه الطاعة.
غالبية النساء المرتديات للنقاب اللاتي أعرفهن هن من نساء الغرب، بعض الأخوات المنتقبات أعزاب، أما البعض الآخر فلا يجدن كامل الدعم من أسرهن أو بيئتهن، ولكن ما يجمعنا كلنا على ارتداء النقاب أنه كان خيارا بمحض إرادة كل منا وأن كلا منا يجمع على رفض قاطع لأي إنكار لحقنا في ارتدائه.
بالأمس كان البكيني رمزا تحرريا، في حين أنه لم يحررني إلا من حيائي وعفتي، من روحانيتي وقيمتي كمجرد شخص جدير بالاحترام، واليوم حجابي هو عنوان حريتي، لعلي أصلح في هذا الكون بعض ما أفسدت بغير قصد مني.
لم أفرح قط كفرحتي بهجري للبكيني وبريق حياة التحرر؛ لأنعم بحياة ملؤها الأمن والوقار مع خالقي، ولأحظى بنعمة العبودية له كسائر خلقه، ولنفس السبب أرتدي اليوم نقابي، وأعاهد خالقي أن أموت دون حقي في عبادته على الوجه الذي يرضيه عني.
لكل النساء اللاتي استسلمن لحملات التشهير بالحجاب والطعن في فضائله أقول: ليس لديكن أدنى فكرة كم تفتقدن!
أما أنتم أيها المخربون أعداء الحضارة، يا من تسميتم بالصليبيين الجدد، فليس لدي ما أقول سوى: فلتعلنوا الحرب" ([252]).
على أن هذه القصة ليست اليتيمة في هذا الصدد فالشواهد من كلامهم عدة، وهذا كاتب أمريكي يسجل شهادة للنقاب، على الرغم من كونه لا يدافع عنه كما أشار إلى ذلك بنفسه - يقول هذا الكاتب واسمه Henry Makow: "عندي على حائط مكتبي صورتان: صورة امرأة مسلمة مغطاة بالنقاب، وإلى جانبها صورة أخرى لامرأة أمريكية تتنافس في إحدى مسابقات الجمال وهي لا تلبس شيئا إلا المايوه البكيني. امرأة محتجبة كلية عن العالم، والأخرى مكشوفة تماما، صورتان شديدتا التناقض تقولان الكثير عما يعرف بـ "تصادم الـحضارات".
إن الدور الذي تقوم به المرأة يمثل ركيزة أي ثقافة، وبعيدا عن سرقة البترول العربي، فإن حربا غير معلنة تدور رحاها الآن... ميدانها هو الشرق الأوسط وهدفها انتزاع المرأة المسلمة من دينها وثقافتها، واستبدال البكيني بالنقاب.
بادئ ذي بدء، أنا لست خبيرا بواقع حياة المرأة المسلمة، كما أني أحب الجمال الأنثوي كثيرا لدرجة تمنعني من الدفاع عن النقاب في مقالي هذا، ولكني الآن أدافع عن بعض القيم التي يمثلها النقاب بالنسبة لي.
إن النقاب من وجهة نظري يمثل تكريس المرأة حياتها لزوجها وعائلتها، إنهم فقط من يرونها، إن النقاب يؤكد الخصوصية وعدم الاختلاط وأهمية الجو الأسري.
إن البيت هو بؤرة اهتمام المرأة المسلمة، إنه العش الذي فيه يولد أطفالها وفيه ينشأون، إن المرأة المسلمة حين تطعم أطفالها وتقوم بتربيتهم، وحين تصبح لزوجها بمثابة الحصن الذي إليه يلجأ والدعم الذي به يتقوى فإنها بذلك تعتبر "صانعة" هذا البيت والوتد الذي يحفظ بناء الحياة الروحية فيه من السقوط.
وعلى النقيض من ذلك، تتبختر ملكة الجمال الأمريكية صاحبة البكيني شبه عارية أمام أعين الملايين القابعين خلف شاشات التلفاز، وهي كامرأة متحررة تعتقد أنها ملك نفسها، ولكن عمليا هي ملكية عامة؛ وذلك لأنها لا تنتمي إلى شخص أو إلى كل شخص، بل تمنح جسدها لمن يدفع أكثر، إنها تعرض نفسها في المزاد طوال الوقت.
إن الإغراء الجنسي هو المعيار الثقافي الذي تقاس به قيمة المرأة في أمريكا؛ ولأن هذه القيمة سريعا ما تنخفض بذهاب جمال المرأة، تجد المرأة الأمريكية يسيطر عليها الاهتمام المرضي بمظهرها وتجدها معذبة دائما بقضية وزنها، إن تحقيق المرأة لذاتها وسعادتها يكمن في جعل حياتها الزوجية وأسرتها على قمة أولوياتها.
إن الجماعات النسائية - منظمات تحريرالمرأة - هي خديعة أخرى قاسية يقوم بها النظام العالمي الجديد، هذه الجماعات قامت بإغواء المرأة الأمريكية، وإفساد الحضارة الغربية، لقد أفسدت هذه الجماعات ملايين البشر، وتمثل أيضا تهديدا مميتا للدين الإسلامي.
أنا لا أدافع عن النقاب، وإنما عن بعض القيم التي يمثلها النقاب، وبالتحديد عن تكريس المرأة نفسها لزوج وأسرة المستقبل، وما يستتبع ذلك من احتشام وكرامة، إن النقاب والبكيني يمثلان طرفي نقيض، والحل لمشكلتنا يوجد في مكان ما بينهما([253]).
هذا ولا نريد أن نسترسل في إيراد أقوال أولئك ولا شهادات تلك؛ لأنها كثيرة جدا، ثم إنه لا طائل من إيرادها إلا بمقدار ما نذكر به أنفسنا وأخواتنا، لنأخذ العبرة من غيرنا، ونربأ بأنفسنا عن الوقوع في الأخطاء التي وقعوا فيها، ولا شك أن مثل هذه الأقوال والنقول إنما تنفع أولئك النفر من أبناء جلدتنا، الذين يميلون إلى التقليد بمختلف ضروبه وأشكاله، ومن ذلك تقليد الأجانب في شيوع الاختلاط بين الجنسين، وأما أقوياء الإيمان: فإن في تعاليم دينهم، وإرشادات نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ما يغنيهم ويكفيهم ([254]).
وإلى هؤلاء الأخيرين نقول: إن تحكيم دستور الشريعة - الكتاب والسنة - الذي لا يصلح لها سواه ولن يصلحها غيره إذا أحسنت تعاملها معه، نقول: إن تحكيم هذا الدستور الكريم - أيتها الأخت الكريمة - الذي يفرض عليك الحجاب الشرعي، ولا يحجبك عن العلم والتعلم، بل على العكس، إنه يطلب ذلك منك، ويحثك عليه، كما أن هذا الحجاب بصورته الشرعية، ليس بعائق ولا مانع من مواصلة حياتك الدراسية والعملية، في كل ما شأنه أن يعود بالنفع التام والخير العام عليك وعلى أبناء أمتك جميعا.
ثم لتعلمي - أيتها الأخت المسلمة - أن أولئك الذين يتهكمون بالحجاب، ويعتبرونه سببا في التخلف، ويصمون أصحابه ودعاته بالرجعية والتقهقر، ليسوا بصادقين، إنهم كاذبون حتى مع أنفسهم؛ إذ لو علموا أن الحجاب سبب تأخر المسلمين وتخلفهم، لما تكلموا بمثل هذا الكلام، بل لروجوه وزينوه لنساء المسلمين بكل ما أوتوا من وسائل الترويج والتزيين.
لتعلمي - يا أختاه - أنهم ما حاربوه هذه الحرب الضروس التي لا هوادة فيها، إلا لما قدمناه سابقا من أنهم أحسوا أن فيه طاعة لله وصلابة في الحق، وسلامة للمجتمع، ومظهرا من مظاهر عودة المسلمين إلى دينهم، مما من شأنه أن يمكن لهم في الأرض، ويعيد لهم مجدهم وعزهم، وذلك من أخشى ما يخشونه ويرهبونه، ومن ثم حاربوه، ووقفوا ضده بكل ما أوتوا من قوة، وبمختلف السبل والوسائل.
والآن فهلمي واطلعي على ما كانت عليه أختك المسلمة من قبل، يوم كنا سادة الدنيا وقادة العالم، يوم كنا ننصر الله فينصرنا، ونعلي كلمته فيعلي من شأننا، ونحكم شرعه ومن ثم حكمنا، فتعالي - يأختاه - لنقف وقفة قصيرة وننظر نظرة سريعة إلى ما كانت عليه أختك المتحجبة، وما أبدعته في مختلف ميادين البحث العلمي والنشاط الفكري والواقع العلمي.
هذه باقة عطرة من سيرة أخواتك المسلمات المتحجبات، نضعها بين يديك - في هذه العجالة - لتري أن حجابهن لم يكن عائقا لهن عن العلم، ولا مانعا لهن من العمل اللائق بهن، ولا حائلا دون النهضة والنبوغ.
وخير ما نبدأ به البيت النبوي الطاهر الشريف، فنذكر طرفا من أخبار أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن وأرضاهن - اللواتي كن يرتدين الحجاب الكامل، ولم يفرطن في شيء منه منذ فرض في حقهن حتى لقين الله عز وجل.
وعلى رأس نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب، السيدة عائشة - رضي الله عنها - فقد تبوأت الصدارة في العلم والمعرفة، وبلغت مرتبة عليا تتقاصر عن إدراكها همم كثير من الرجال، بل إن العلماء الأجلاء من سادات الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يرجعون إليها، ويستفتونها فيما أشكل عليهم من مسائل العلم المتنوعة، لا نقول في الفقه فحسب، بل في الفقه والحديث والتفسير، والشعر والأدب، والفرائض التي تتوقف معرفتها على معرفة علم الحساب، بل وحتى في علم الطب وألوان الدواء. ولننقل لحضراتكم طرفا من ذلك فيما تأتي:
· عن مسروق بن الأجدع قال: رأيت مشيخة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألونها - أي السيدة عائشة - رضي الله عنها - عن الفرائض.
· وقال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيا في العامة.
· وقال هشام بن عروة عن أبيه: ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة.
· وقال أبو بردة بن أبي موسى عن أبيه: ما أشكل علينا أمر فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها فيه علما.
· وقال الزهري: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل.
· وأسند الزبير بن بكار عن أبي الزناد: ما رأيت أحدا أروى لشعر من عروة، فقيل له: ما أرواك! فقال: ما روايتي في رواية عائشة؟! ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعرا.
هذه بعض أقوال أهل العلم من صحابة وتابعين في بيان ما كانت عليه أم المؤمنين عائشة بنت الصديق من ألوان العلوم والمعرفة السائدة في زمانها، وقد رأينا أن الجهابذة من علماء الصحابة كانوا يرجعون إليها يسألونها ويستفتونها - رضي الله عنها وعنهم أجمعين.
ومن العالمات المجتهدات وصاحبات الإفتاء في البيت النبوي: أم سلمة، وحفصة، وأم حبيبة، وميمونة - رضي الله عنهن -.
وقد كانت السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - ممن يجدن الكتابة زيادة على إفتائها وتحديثها.
ومن بين المحدثات والمفتيات: السيدة فاطمة البتول بضعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزينب بنت أبي سلمة ربيبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأسماء بنت أبي بكر الصديق، وفاطمة بنت قيس، وأم سليم، وأم أيمن... وغيرهن - رضي الله عنهن وأرضاهن -.
ومن المحدثات البارزات عبر التاريخ الإسلامي: حفصة بنت سيرين (توفيت بعد المائة)، وكريمة بنت أحمد المروزية (ت 463 هـ)، وبيبى بنت عبد الصمد الهرثمية (ت 477هـ)، وفاطمة بنت عبد الله الجوزدانية (ت 524 هـ)، وشهدة بنت أحمد الإبري الدينورية (ت 574هـ)، وعفيفة بنت أحمد الفارفانية (ت606هـ)، وزينب بنت مكي الحرانية (ت 688هـ)، وهدية بنت علي بن عسكر (ت 712هـ)، وست الوزراء بنت عمر التنوخية (ت 716هـ)، وزينب بنت أحمد المقدسية (ت 722هـ).
وأما زينب بنت أحمد بن عبد الرحيم المقدسية (ت 740 هـ)، فقد كانت من أشهر محدثات القرن الثامن الهجري، حيث كان الطلبة يتزاحمون عليها لقراءة الكتب الكبار والأجزاء الصغار في بيتها وفي جامع بني أمية بدمشق.
ومن الشاعرات والأديبات والكاتبات: أروى بنت عبد المطلب عمة النبي - صلى الله عليه وسلم - والخنساء بنت عمرو السلمية، وزينب بنت العوام، والشيماء بنت الحارث أخت النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة، وصفية بنت عبد المطلب عمة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعاتكة بنت زيد العدوية، وأم ذر زوجة أبي ذر الغفاري... وغيرهن - رضي الله عنهن -.
وقد شهدت جامعات بغداد وقرطبة في العصور اللاحقة كثيرا من النسوة اللاتي برعن في مختلف العلوم، ومن ذلك علم الطب، فقد كان منهن المتخصصات بالجراحات، وجبر العظام، والضماد والكي، وأمراض النساء بأنواعها وجراحات العيون وغير ذلك من الأمراض التي كانت سائدة في تلك العصور، ويأتي في رأس القائمة من هؤلاء النسوة أخت الحفيد بن زهر الأندلسي وابنتها، والسيدة زينب طبيبة بني الأود.
إن نبوغ النسوة المتحجبات في مضمار العلم والمعرفة كان لا يقل عن نبوغ الرجال في ذلك، لأنهن قد علمن من دينهن أنه يحث أبناءه جميعا على العلم والتعلم، لا يفرق في ذلك بين ذكر وأنثى.
وإن ما ذكرناه من بعض الأسماء ما هو إلا مقتطفات يسيرة سقناها أمثلة لبيان الحقيقة، وإنا لنجد في زماننا الحاضر الذي طغت فيه المادية، وانتشر التحلل، بعض العالمات اللواتي جمعن بين البحث العلمي والحجاب الشرعي، وإن مما يبشر بالخير ويدعو إلى البهجة والسرور، أن ترى ذلك منتشرا في مختلف المدارس والمعاهد والكليات والجامعات، فهلمي - يا أختاه - باقتفاء أثر الصالحات من العالمات السالفات، وادخلي في عدد العالمات المعاصرات لتعيدي لنا الكرة وتحافظي على المسيرة، وترينا أصالة المرأة المسلمة وشخصيتها، وتبرهني للأجيال الحاضرة أن الحجاب لا يؤخر عن علم، ولا يعوق عن عمل، كما برهنت أختك المسلمة من قبل، وكما يبرهن بعض أخواتك الآن([255]).
ويستكمل د. عيادة الكبيسي تلك النماذج المشرقة للمتحجبات المسلمات ليكون ذلك خير قدوة للمسلمة المعاصرة من جانب، وردا صريحا قاطعا على مثيري التهم من واصمي الحجاب بالتعطيل عن العمل والإعاقة لمسيرة العلم ووقوفه حجر عثرة أمام التقدمية من جانب آخر - يقول فضيلته: ولم تقف المرأة المسلمة المتحجبة - في مجال الإبداع - عند العلم والمعرفة فحسب، بل إنها أسهمت في مجالات أخرى كثيرة.
ففي طريق الجهاد والتضحية، نجد أن المرأة المسلمة قد أبلت بلاء حسنا، وجاهدت في الله جهادا مباركا، ولم يمنعها حجابها وسترها عن مواصلة السير والفداء، كما أنه لم يمنعها من تقديم الخدمات وإسداء المساعدات، وقد جاء في صحيح الإمام البخاري - رحمه الله -: أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ونساء المؤمنين كن يصحبن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ميادين القتال، فيسقين المجاهدين، ويداوين الجرحى، وبقي العمل عليه جاريا بعد نزول الحجاب.
ومن بين أولئك المجاهدات:
· السيدة فاطمة الزهراء بضعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقصتها في غسل جرح النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد في الصحيح.
· وصفية بنت عبد المطلب عمة النبي - صلى الله عليه وسلم - العالمة الشجاعة، المشاركة في الجهاد والغزوات، وقصتها في غزوة الخندق، وقتلها لليهودي معروفة.
· شهيدة البحر أم حرام بنت ملحان، خالة أنس بن مالك - رضي الله عنهما -، وقصة شهادتها في صحيح البخاري (2580).
· أسماء بنت يزيد بن السكن، التي كان يقال لها: خطيبة النساء من المبايعات المجاهدات، كان لها شأن كبير يوم اليرموك، حيث لم تقتصر على مداواة الجرحى وسقي العطشى، بل شاركت في القتال حتى إنها قتلت بعمود خبائها تسعة من الروم.
· أم سليم بنت ملحان، ذات الجهاد المشكور مع النبي - صلى الله عليه وسلم - المبشرة بالجنة بقوله صلى الله عليه وسلم: «دخلت الجنة فسمعت خشفة([256]) فقلت: من هذا؟ قالوا: هذه الغميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك»([257]).
وفي الصحيح أنها اتخذت خنجرا يوم حنين، فسألها النبي صلى الله عليه وسلم: «ما هذا الخنجر؟ قالت: اتخذته، إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه،([258]) فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك»([259]).
· أم عطية نسيبة بنت الحارث الأنصارية التي رافقت النبي - صلى الله عليه وسلم - في عدة غزوات، حيث تقول - رضي الله عنهاـ: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى.
· أم عمارة وهي السيدة نسيبة بنت كعب الأنصارية - رضي الله عنها - لها قصة مشهورة في جهادها وصبرها وقوة بأسها، تلك المرأة الشجاعة البطلة التي رفعت من شأن المرأة المسلمة وأعلت من مكانتها، فقد شهدت أم عمارة معركة من أروع المعارك، فر منها كثير من الشجعان والفرسان، لكن أم عمارة لم تفر، بل كانت تصول وتجول وتقاتل دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولنستمع إليها وهي تجيب أم سعيد بنت سعد بن الربيع، وقد طلبت منها أن تحدثها خبرها يوم أحد، فقالت أم عمارة - رضي الله عنها -:
خرجت أول النهار ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في أصحابه والريح والدولة للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلت أباشر القتال وأذب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسيف وأرمي بالقوس حتى خلصت إلي الجراحة، قالت أم سعيد: فرأيت على عاتقها جرحا له غور وجوف، وذكر أنها قتلت يومئذ فارسا من المشركين.
ويكفي أم عمارة شرفا وفخرا وفضلا أن يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم: "ما التفت يوم أحد يمينا ولا شمالا إلا وأراها تقاتل دوني"([260]).
وقد شهدت أم عمارة - رضي الله عنها - بعد أحد: الحديبية وخيبر، والقضية، والفتح، وحنينا، واليمامة، وكانت لها يوم اليمامة وقفة مشهودة ومشهورة، فقد قاتلت قتال الأبطال الأشاوس([261]) حتى إنها جرحت يومئذ اثنتي عشرة جراحة، وقطعت يدها، وقتل ولدها خبيب - رضي الله عنهما - ([262]).
وانظري - أيتها الأخت المسلمة - هذه النماذج وتلك؛ لتري كيف يزكي الإسلام النفوس وكيف يربي الشخصيات، ويمنحها صلابة في الحق، وقوة في الفداء، وصبرا عند الابتلاء، ولتعلمي - أيضا - أن الإسلام ليس مجرد طقوس تؤدي، أو شعارات ترفع، بل إنه عبادة وجهاد، وصبر وثبات، وعزيمة وإقدام، إنه تغيير في حياة الإنسان من جميع جوانبها، لطرح كل نقص ورذيلة، والتحلي بكل كمال وفضيلة، وبعبارة جامعة: إن الإسلام دين كامل، فلا يظهر جماله في حياة الفرد إلا إذا تحلى بجميع تعاليمه، وكذلك لا تتم سعادة الأمة المسلمة، ولا يتحقق نصرها إلا إذا أقامت جميع حدوده، والتزمت كافة أحكامه ونظمه.
وأين جهودك وجهادك اليوم يا أختاه؟
نقول وقد اطلعت على ما قدمناه من مقتطفات يسيرة، ونبذ مختصرة وسريعة، من سير أخواتك في عصور الإسلام المشرقة، وعلمت أن حجابهن لم يكن عائقا لهن، ولا حائلا دون الإسهام في سبل الخير، أو الانتهال من مناهل العلم، أو الغوص في بحور المعرفة.
وعرفت - أيضا - أن التزام النهج السليم، والتمسك بأحكام الشرع الحكيم - بما في ذلك ارتداء زي الحجاب - قد كان سببا مهما في تفتق تلك الروح الوثابة، وصقل تلك النفوس المنيرة حتى استطاعت - بتوفيق الله سبحانه وتعالى - أن تنبغ في مختلف فنون العلم والمعرفة، وتصمد بوجه كل التحديات والمغريات، وتصبر على تحمل كل الشدائد والآلام، مع شدة الشوق لتتبوأ منازل الشهداء، والهمة العالية لنيل درجات المقربين، وبعد كل ما قدمناه لك - يا أختاه - نقول: واليوم - وقد بعدت الشقة، وطالت المسافات الزمنية بينك وبين هاتيك النسوة الصالحات الموفقات - ألا تريننا إبداعك وصبرك وثباتك وتمسكك بتعاليم دينك من جديد، كما رأيناه من أختك من قديم؟!
ألا تعيدين لنا الكرة، وتجعليننا نعيش جو المشاهدة والعيان، بعد أن عشنا جو السماع والبيان؟! ألا تبرهنين عمليا على أن الحجاب الشرعي لا يتعارض أبدا مع التقدم الصحيح، ولا يصطدم مع العلم النافع؟!
ألا تعلنينها واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، بأن المرأة أنثى، وشرف لها أنوثتها، بل وجميل بها أن تعتز بهذه الأنوثة وتصونها عن أي خدش أو مساومات؟!
ألا تخرجين إلى دور العلم والعمل - اللائق بك - وقد جملك الحجاب، وأنت فخورة معتزة بلباس الحشمة والعفاف، ولتصفعي بذلك المتاجرين بالأعراض، عباد الشهوات؟ وتؤيدي بذلك أخواتك المتحجبات؟!
ألا ترفعين صوتك بكل صدق وصراحة قائلة: إنني امرأة مسلمة، حرة كريمة، نزيهة عفيفة، أثبت أنني أقدم الخدمة الصادقة، وأكتسب المعرفة الناصعة، من غير انتهاك لحرمة تعاليم ديني، ولا هتك لشيء من كرامتي، فلا أرضى ولن أقبل أن أنحط إلى مستوى سلعة رخيصة تنمق أمام الناظرين، أو لقمة سائغة يسيل من ورائها لعاب المتعطشين، لأني أعلم يقينا لا يساوره الشك، أن من ينظر إلى مفاتني، ويبتهج برؤية زينتي لا يريد من وراء ذلك إلا إشباع شهوته، وإرواء عطش نفسه، فأبدا أبدا لن أكون كذلك، ولن أنزل إلى هذا المستوى من الانحطاط!
لقد علمت أن ما يسمونه تحريرا لي، إن هو إلا تغرير بي، وما يدعونه في حقي مؤازرة ومناصرة، ما هو في الحقيقة إلا خذلان ومتاجرة، إنني امرأة مسلمة ألزمني ديني بتعاليم، ورسم لي أحكاما لا يسعني مخالفتها، وحد لي حدودا لا ينبغي لي أن أتجاوزها هناك أدب وحياء، وحشمة وعفاف، وطهر ونقاء.
وبكلمة جامعة: هناك حلال وحرام.
نعم يا أختاه - نريدك هكذا - وأنت وحدك التي يمكنها أن تلعب هذا الدور البطولي في دنيا الحياة، وترفض كل أشكال الميوعة والتبذل والانحطاط والتفسخ.
نعم - يا أختاه - إننا نطالبك بالإبداع العلمي والعملي، على طريقة أخواتك المباركات في عصور الإسلام النيرة الزاهرة.
أجل نطالبك بعلم وعمل مقيدين ومضبوطين بضوابط شرعية، وقيود أخلاقية، فهذا العلم والعمل المقيد المضبوط هو التقدم الصحيح والتحرر الصادق، وبمثل هذا نهضت أمتنا، وبه سبقت أمم العالم، وأخرجت شعوب الأرض من الظلمات إلى النور، ولا يمكن لنا أن ننهض ثانية إلا إذا انطلقنا بمثل انطلاقتنا الأولى، وأنت طبعا - أيتها الأخت الكريمة - سبب مهم جدا في إنجاح الانطلاقة أو إخفاقها.
ولذا فإن أعداء هذه الأمة حين خططوا لإسقاطها، كان أول ما فكروا به من أسباب السقوط هو أنت، لأنهم يدركون حق الإدراك أنك إذا ما وقعت في الحضيض، وانحدرت إلى الدركات، فإن الشباب ستزل أقدامهم ويسقطون، وبذلك يتداعى كيان الأمة، ويتصدع بنيانها، وتفقد عزتها، وتغدو تابعة لغيرها، بعد أن كانت قائدة رائدة، وهذا ما حصل فعلا كما هو مشاهد في واقعنا المعاصر.
فكيف يسوغ لك أن تكثري سواد أعدائك، وتمنحيهم القوة والدعم المعنوي، وتخذلي أخواتك من أبناء أمتك؟!
أليس من المحزن أن نراك بهذا الزي المخجل من الميوعة والتهتك، وأن نسمع منك كلمات تشجع غيرك، ليسلك مسلكك وينهج نهجك في هذا العري الفاضح؟!
في حين تطالعنا الأخبار بأن بعض نساء الغرب بدأن في نقد جوانب الاستهتار في شأن المرأة، وإنكار كل ما من شأنه أن يسيء إلى مكانتها كأنثى، من أمثال عرضها بالصور المخجلة المنافية للذوق الإنساني؛ ففي أمريكا وألمانيا وغيرهما تكونت جمعيات نسائية لمحاربة كل أنواع المتاجرة بالمرأة؛ لأنها تعدت مرحلة المساواة بالرجل، فصارت بضاعة بالنسبة له بطريقة أخرى.
وقد رفعت جمعية نسائية في ألمانيا دعوى أمام القضاء ضد أكبر مجلة أسبوعية في ألمانيا هي "شترن" لمنع المجلة من نشر صور النساء العاريات، لأن هذا إهانة للمرأة وجريمة في حق الذوق العام.
أجل: إن المرأة الأوربية نفسها بدأت تكتشف أن تحررها الذي وصل إلى آخر المدى، قد انقلب عليها، حيث جعل منها سلعة في يد الرجل من جديد.
أفتريدين - يا أختاه - أن تستمري في تقليد أعدائك حتى تصلي إلى ما وصلوا إليه؟! فلماذا، وأنت ابنة دين قد بين لك كل شيء، وبصرك بعاقبة كل فعل؟!
وفي ختام هذه النصيحة الغالية، مؤكدا أن الحجاب الشرعي لا يعني الرجعية والجمود، ولا التخلف والقعود، إنه لا يصد عن علم، ولا يعوق عن عمل، كما أن التقدم ليس بالخلاعة والسفور، والإبداع ليس بالتحلل والمجون، إذن فلم تهدرين كرامتك، وتخسرين آخرتك؟ ولم تعرضين نفسك لحساب الله العسير، الذي قد تكون نتيجته - إن لم يرحمك الله ويتوب عليك - فلن تشمي رائحة الجنة والعياذ بالله؟!!
فكري في مثل هذا - ثم لا يهم بعد ذلك أن تجيبي أو لا تجيبي.
وعساك - بتوفيق الله تعالى - أن تستجيبي([263]).
ومن العجب بمكان أن دعاة السفور وأهله أغفلوا - جهلا أو تجاهلا، أو حسدا من عند أنفسهم - السواد العظيم من تلك النماذج المشرفة - سالفة الذكر - وعمدوا إلى حفنة مبعثرة في هامش التاريخ الإسلامي، واحتجوا قائلين إن في شهيرات النساء المسلمات على اختلاف طبقاتهن كثيرا ممن لم يضربن على وجوههن الحجاب، رغم ما عرفن به من الاختلاط بالرجال.
ولقد عمد المروجون لهذه الشبهة إلى التاريخ وكتب التراجم، يفتشون في طولها وعرضها، وينقبون فيها بحثا عن هؤلاء النساء، حتى ظفروا بضالتهم المنشودة، ودرتهم المفقودة، فالتقطوا أسماء عدد من النساء لم يكن يبالين - فيما نقلته الأخبار عنهن - أن يظهرن سافرات أمام الرجال، وأن يلتقين معهم في ندوات أدبية وعلمية دونما تحرز أو تحرج.
وجواب هذا من وجوه:
الأول: أن نسألهم - وقد علمنا الأدلة الشرعية التي عليها تبنى الأحكام من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس - فضمن أي مصدر من مصادر التشريع تندرج مثل هذه الأخبار، خاصة وأن أغلبها وقع بعد زمن التشريع وانقطاع الوحي؟
الثاني: فإذا علم أن حكم الإسلام إنما يؤخذ من نص ثابت في كتاب الله تعالى، أو حديث صحيح من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو قياس صحيح عليهما، أو إجماع التقى عليه أئمة المسلمين وعلماؤهم؛ لم يصح حينئذ الاستدلال بالتصرفات الفردية من آحاد الناس، أو ما يسميه الأصوليون بـ "وقائع الأحوال" ([264]).
فإذا كانت هذه الوقائع الفردية من آحاد الناس لا تعتبر دليلا شرعيا لأي حكم شرعي حتى لو كان أصحابها من الصحابة - وهناك فرق بين قول الصحابي وواقعة حاله - رضوان الله عليهم أو التابعين من بعدهم، فكيف بمن دونهم؟
بل المقطوع به عند المسلمين جميعا أن تصرفاتهم هي التي توزن - صحة وبطلانا - بميزان الحكم الإسلامي، وليس الحكم الإسلامي هو الذي يوزن بتصرفاتهم، ووقائع أحوالهم، وصدق القائل: "لا تعرف الحق بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله".
الثالث: ولو كان لتصرفات آحاد الصحابة أو التابعين مثلا قوة الدليل الشرعي دون حاجة إلى الاعتماد على دليل آخر، لبطل أن يكونوا معرضين للخطأ والعصيان، ولوجب أن يكونوا معصومين مثل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس هذا لأحد إلا للأنبياء عليهم وعلى خاتمهم الصلاة والسلام، أما من عداهم فحق عليهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل بني آدم خطاء»([265])، وإلا فما بالنا لا نقول - مثلا - بحل شرب الخمر، وقد وجد فيمن سلف في القرون الخيرية من شربها؟
الرابع: وما بال هؤلاء الدعاة إلى السفور قد عمدوا إلى كتب التاريخ والتراجم فجمعوا أسماء مثل هؤلاء النسوة من شتى الطبقات والعصور، وقد علموا أنه كان إلى جانب كل واحدة منهن سواد عظيم، وجمع غفير، من النساء المتحجبات الساترات لزينتهن عن الأجانب من الرجال؟
فلماذا لم يعتبر بهذه الجمهرة العظيمة، ولم يجعلها حجة بدلا من حال أولئك القلة الشاذة المستثناة؟
أما علموا أن "الاستثناء" يؤيد القاعدة، ولا ينقضها؟ وأن ندرة هذه الحفنة المبعثرة في هامش التاريخ الإسلامي، أقوى دليل على صحة قول الإمام أبي حامد الغزالي رحمه الله: "لم تزل الرجال على مر الأزمان تكشف الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات، أو يمنعن من الخروج".
والإمام ابن رسلان رحمه الله: "اتفق المسلمون على منع النساء من الخروج سافرات".
وشيخ الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "إن النساء كن يخرجن إلى المساجد والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال".
ولماذا لم يحتج هؤلاء - لو أرادوا إنصافا - بمواقف نساء السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان في تمسكهم بالحجاب الكامل، واعتباره أصلا راسخا من أصول البنية الاجتماعية ([266])؟!
وتحت هذه القائمة من الادعاءات يروجون أقاويل لا تستند إلى حجة ولا منطق، ولا على دليل قوي، ومن ذلك قولهم: إن الحجاب يسهل عملية إخفاء الشخصية، وقد يتستر وراءه بعض النساء اللواتي يقترفن الفواحش، ويتعاطين المآثم إنه قول بوار لا يصدر إلا ممن أكلهم الهوى، وأعجزهم البيان، فغفلوا عن حرمة الحق الذي أنزله علام الغيوب، ونسوا أن الله - سبحانه وتعالى - يحكم ولا معقب لحكمه، ويقضي ولا راد لقضائه: )لا يسأل عما يفعل وهم يسألون (23)( (الأنبياء: ٢٣)، وقوله تعالى: )ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون (30)( (التوبة).
فما حكم الله به عدل، وما أخبر به صدق يقول الله عز وجل: )وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا( (الأنعام: ١١٥). فقد حكم سبحانه بوجوب الحجاب، وأخبر أنه أزكى وأطهر لقلوب المؤمنين والمؤمنات.
فحينما يأتي مرضي القلوب ويشغبون بهذه الأراجيف، فلا يمكن بأي حال أن يسوقنا هذا التخوف المحتمل من سوء استخدام النقاب إلى التخلي عن حكم الله - عز وجل - وكل عاقل يفهم من سلوك المرأة التي تبالغ في ستر نفسها حتى إنها لا تبدي وجها ولا كفا، فضلا عن سائر بدنها، أن هذا دليل الاستعفاف والصيانة، قال تعالى بعد الأمر بالحجاب: )ذلك أدنى أن يعرفن( (الأحزاب: ٥٩)، قال أبو حيان: "لتسترهن بالعفة، فلا يتعرض لهن، ولا يلقين ما يكرهن، لأن المرأة إذا كانت في غاية التستر والانضمام لم يقدم عليها بخلاف المتبرجة، فإنها مطموع فيها".
وكل عاقل يعلم أن تبرج المرأة وإظهارها زينتها، يشعر بوقاحتها، وقلة حيائها، وهوانها على نفسها، ومن ثم فهي الأولى أن يساء بها الظن بقرينة مسلكها الوخيم حيث تعرض زينتها كالسلعة، فتجر على نفسها وصمة خبث النية، وفساد الطوية، وطمع الذئاب البشرية، ومن أوقع نفسه مواقع التهمة، فلا يلومن من أساء به الظن.
إن هولاء الذين يتشدقون بأن الحجاب يمكن أن يكون وسيلة لإخفاء هوية البغي، يجب أن يؤدبوا ويعزروا أشد التأديب وأعنف التعزير؛ لأن لهم نصيبا وافرا من قوله تعالى: )والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا (58)( (الأحزاب).
ولقد كان إخوانهم من منافقي المدينة أفقه منهم وأعقل حينما كانوا يتجرءون على السافرة، فإذا أخذوا في ذلك قالوا - تخفيفا لجريمتهم -: حسبناها أمة، لأنهم فهموا من المبالغة في التستر أن صاحبتها عفيفة محصنة.
واليوم انعكس الحال وانقلبت المفاهيم رأسا على عقب، بفضل أنصار المرأة ومحرريها، فصارت التي تحتجب مستعبدة، وصارت المتبرجة امرأة حرة متحررة، لقد شرع الله - عز وجل - حكمه في مثل هؤلاء المنافقين فقال مباشرة بعد الأمر بإدناء الجلابيب: )لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا (60) ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا (61) سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا (62)( (الأحزاب).
وإذا حاولت فاسقة مستهترة ساقطة أن تتجلبب بجلباب الحياء، وتواري عن الأعين زلتها بارتداء شعار العفاف ورمز الصيانة، وتستر عن الناس آفتها وفجورها بمظهر الحصان الرزان فما ذنب الحجاب إذن؟
إن الاستثناء يؤكد القاعدة ولا ينقضها كما هو معلوم لكل ذي عقل، مع أن نفس هذه المجتمعات التي تروج فيها هذه الأراجيف، قد بلغت من الانحدار والتردي في مهاوي التبرج والفسوق والعصيان ما يغني الفاسقات عن التستر، ولا يحوجهن إلى التواري عن الأعين.
وإذا كان بعض المنافقين يتشدقون بأن في هذا خطرا على أمن المجتمع فليخبرونا بالله كيف يهتز المجتمع ويتزلزل بسبب المحجبات والمنتقبات، مع أنه لم يتزلزل مرة واحدة بسبب السافرات المتبرجات؟
هب أن رجلا انتحل شخصية قائد عسكري وارتدى بزته، واستغل هذا الثوب فيما لا يباح له كيف تكون عقوبته؟ وهل يصلح سلوكه - في نظركم - مبررا للمطالبة بإلغاء الزي المميز للعسكريين مثلا خشية أن يسيء أحد استعماله؟
وما يقال عن البزة العسكرية،([267]) يقال عن لباس الفتوة، وزي الرياضة، فإذا وجد المجتمع الجندي الذي يخون، والفتى الذي يسيء، والرياضي الذي يذنب، هل يقول عاقل إن على الأمة أن تحارب شعار العسكر، ولباس الفتوة، وزي الرياضة،... خيانات ظهرت، وإساءات تكررت؟
فإذا كان الجواب: لا، فلماذا يثيرون حوله الشائعات الباطلة المغرضة؟
إن الهدف البعيد من وراء هذه الأراجيف الكاذبة هو تنفير المسلمات من الحجاب الذي فرضه الله - عز وجل - وترسيخ روح الاشمئزاز والكراهية من التجلبب به، والتحصن بعفافه، حتى إذا خلعن الحجاب ظهرن في المجتمع بأقبح ما تظهر به امرأة في تهتكها وانحلالها.
إن الإسلام كما يأمر المرأة بالحجاب، يأمر أن تكون ذات خلق ودين، إنه يربي من تحت الحجاب قبل أن يسدل عليها الجلباب، ويقول له: )ولباس التقوى ذلك خير( (الأعراف: ٢٦)، حتى تصل إلى قمة الطهر والكمال، قبل أن تصل إلى قمة الستر والاحتجاب، فإذا اقتصرت امرأة على أحدهما دون الآخر، تكون كمن يمشي على رجل واحدة، أو يطير بجناح واحد.
إن التصدى لهؤلاء المستهترات - إن وجدن - أن تصدر قوانين صارمة بتشديد العقاب على كل من تسول له نفسه استغلال الحجاب لتسهيل الجرائم وإشباع الأهواء، فمثل هذا التشديد جائز شرعا في شريعة الله الغراء التي حرصت على صيانة النفس، ووقاية العرض، وجعلتهما فوق كل اعتبار، وإذا كان التخوف من سوء استغلال الحجاب خطورة محتملة، إلا أن الخطورة في التبرج والسفور بنشر الفاحشة وفتح ذرائعها مقطوع بها لدى كل عاقل.
ويدلي بعضهم بحجة مقلوبة فيقول: إن عفة الفتاة حقيقة كامنة في ذاتها، وليست غطاء، يلقى ويسدل على جسمها، وكم من فتاة محتجبة عن الرجال في ظاهرها، وهي فاجرة في سلوكها، وكم من فتاة حاسرة الرأس سافرة الوجه لا يعرف السوء سبيلا إلى نفسها أو سلوكها؟
قال د. محمد سعيد رمضان البوطي في دفع الشبهة: "إن هذا صحيح، فما كان للثياب أن تنسج لصاحبها عفة مفقودة، ولا أن تخلق له استقامة معدومة، ورب فاجرة سترت فجورها بمظهر سترها، ولكن من هذا الذي زعم أن الله - سبحانه وتعالى - إنما شرع الحجاب لجسم المرأة ليخلق الطهرة في نفسها أو العفة في أخلاقها؟
ومن هذا الذي زعم أن الحجاب إنما شرعه الله ليكون إعلانا بأن كل من لم تلتزمه فهي فاجرة تنحط في وادي الغواية؟
إن حكمة الله - عز وجل - في تشريع الحجاب وفرضه على المرأة المحافظة على عفة الرجال الذين تقع أبصارهم عليها، وليس فقط حفاظا على عفتها من الأعين التي تراها، ولئن كانت تشترك معهم هي الأخرى في هذه الفائدة في كثير من الأحيان، فإن فائدتهم من ذلك أعظم وأخطر، وإلا فهل يقول عاقل - تحت سلطان هذه الحجة المقلوبة - إن للفتاة أن تتجرد أمام الرجال ما دامت ليست في شك من قوة أخلاقها وصدق استقامتها؟!
إن بلاء الرجال بما تقع عليه أبصارهم من فتنة المتبرجات هو المشكلة التي أحوجت المجتمع إلى حل، فتكفل به شرع الله على أفضل وجه، وبلاء الرجال إذا لم يجد في سبيله هذا الحل الإلهي، ما من ريب سيتجاوز بالسوء إلى النساء أيضا، ولا يغني عن الأمر شيئا أن تعتصم المتبرجة عندئذ باستقامة في سلوكها أو عفة في نفسها، فإن في ضرام([268]) ذلك البلاء الهائج في نفوسهم ما قد يتغلب على كل استقامة، ويقضي على كل عفة قد تتصف بها المرأة المتبرجة التي تعرض فنون التبرج والفتنة أمامهم"([269]).
وبعد... فهذه إشارات لجملة مسودة وقائمة مطولة - بهذا الصدد - وأكثرها في الأعم الأغلب لا يثبت كثيرا أمام قوة الدليل وعظم المقاصد وشرف الغاية ومناط الحكم - على نحو ما أسلفنا - وكلها كما قال الشاعر:
حجج تهافت كالزجاج تخالها
حقا وكل كاسر مكسور
لكن بقي - بعد أن وقفنا على عظيم أثر الحجاب في المجتمع - التزاما به وتفريطا فيه - سلبا وإيجابا - بقي أن نتساءل: الحجاب مسئولية من؟! لمن تنسب إيجابيات الالتزام به؟! ومن يؤاخذ على سلبيات التفريط فيه وكثيرة ما هي؟!
والحق أن مسئولية الحجاب تتوزع على ثلاثة هم: المرأة المسلمة، وولي المرأة، والحاكم وإليكم تفضيل ذلك من كلام الشيخ المقدم، فيما يلي:
1. المرأة المسلمة:
ما دامت عاقلة مكلفة، وقد خاطبها القرآن بالحجاب، ونوع أساليب الخطاب، فتارة يأمرها على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - كما في قوله سبحانه وتعالى: )يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن( (الأحزاب: ٥٩).
وقوله سبحانه وتعالى: )وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها( (النور: ٣١). وخاطبهن في شخص أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن - فقال سبحانه وتعالى: )وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى( (الأحزاب:٣٣). فالمرأة مسئولة - أمام الله - عن الحجاب ليس لها أن تتخلى عنه، ولو رضي وليها بالتبرج أو أمرها به وحثها عليه. قال سبحانه وتعالى: )وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا (13) اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا (14)( (الإسراء). وقال سبحانه وتعالى: )كل امرئ بما كسب رهين (21)( (الطور).
وعن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف»([270]).
2. ولي المرأة:
سواء أكان أبا أو ابنا أو أخا، أو زوجا، أو غيره. قال الله سبحانه وتعالى: )الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم( (النساء: ٣٤). وليس المقصود بالقوامة - كما يظن بعض الجهلة - ظلم المرأة، والاستبداد بها، والاستعلاء عليها، وإنما هي المبالغة بالقيام على رعاية المرأة والإنفاق عليها، وإعطائها حقوقها، والحفاظ على عرضها وعفافها، قال عز وجل: )يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة( (التحريم: ٦).
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عن رعيته»([271]).
وعنه - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يسترعي الله تبارك وتعالى عبدا رعية قلت أو كثرت إلا سأله الله تبارك وتعالى عنها يوم القيامة، أقام فيهم أمر الله تبارك وتعالى أم أضاعه، حتى يسأله عن أهل بيته خاصة»([272]), وفي رواية: «ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة»([273]).
وعن أنس - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته»([274]).
ولا شك أن أحوال أغلب النساء اليوم تعكس مدى تفريط الرجال في أداء حق هذه الرعاية التي جعلها الله واجبا حتما في أعناقهم، ومن هنا شدد العلماء النكير على هؤلاء المفرطين، ورتبوا على ذلك أحكاما، وأصدروا فتاوى.
ومن ذلك ما قاله الشيخ الشنقيطي - رحمه الله: أما خروج النساء متبرجات بذلك اللباس الضيق القصير الذي يحدد العورة، فقد أجمع علماء المسلمين على منعه، ونصوص الكتاب والسنة ممتلئة به، فيحرم على كل مسلم أن يترك ابنته، أو زوجته، أو أخته تخرج إلا وعليها الدروع السابغة مع طول الذيول لأجل الستر.
وكل من ترك زوجته تخرج بادية الأطراف على صفة تبرج الجاهلية الأولى، فهو آثم شرعا وعليه وزر ذلك وعلى المرأة أيضا، لقوله تعالى: )ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى( (الأحزاب: ٣٣)، ولقوله سبحانه وتعالى: )وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن( (النور: ٣١).
ولا تصح أيضا إمامة رجل ترك امرأة له عليها ولاية تخرج متبرجة ذلك التبرج، وكذا لا تصح شهادته، ولا يجوز إعطاؤه شيئا من الزكاة الواجبة ولو كان فقيرا مظهرا للشكوى، كما في فتاوى المالكية لسيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم الشنقيطي.
وقد أشار إلى ذلك أخونا الشيخ محمد العاقب - رحمه الله - دفين فاس في نظمه لهذه الفتاوى بقوله:
مـــن تــرك الزوجة عمدا تخرج
بـــاديـــة أطــــرافهــا تبــرج
فـــلا إمـــــامة ولا شــــهاده
لــه وإن جـــرت بــذاك العـاده
ولا لـــه قســــط مـــن الزكاه
ولــو فقـــيرا مظــهر الشـــكاه
يعني ولو كان فقيرا مظهر الشكوى للأغنياء من شدة فقره.
3. الحاكم:
فإن واجب الخليفة أو الحاكم المسلم حراسة الدين، وسياسة الدنيا بالدين، وإن أحد حقوق الإنسان المسلم صيانة عرضه، الأمر الذي لا يتم إلا بمراعاة التدابير الشرعية في هذا الباب. وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: "ما يزع الناس السلطان أكثر مما يزعهم القرآن"([275]).
وإن حفظ حدود الحجاب الشرعي بين الرجال والنساء، وتعليم ذلك، والترغيب فيه، ومعاقبة المنحرفين والمنحرفات عن هذه الحدود، وتعزير الداعين إلى ما يضاده، ونفيهم؛ حماية للبلاد والعباد من شرورهم، وتسخير أجهزة التعليم والإعلام لنصرة دين الله تعالى، وترسيخ هذه المفاهيم الإسلامية من أهم ما يناط بالحكام الذين استرعاهم الله هذه الأمة ([276]).
وهكذا نخلص من هذا كله أن الحجاب بما له من فضائل، وما في تشريعه من حكم ومقاصد، وما في تطبيقه من شروط وكيفية، وما في ذلك كله من مراعاة للفطرة التي فطرت المرأة عليها، ومن صون للمجتمعات وسد للذرائع وتهذيب للشهوات وارتقاء بالغرائز إلى آفاق سامقة يقوم فيها كل بدوره - رجالا وإناثا - سواء بسواء دون سفور فاحش أو اختلاط مخل، من غير ما ضمير يهذب أو ولي ينصح ويضبط أو حاكم يقنن ويقوم - نقول: إن الحجاب هو التشريع الأنسب والأصلح للمجتمع، وليس فيه ما وصم به من حجر وحبس وتقييد للمرأة، وما ينبغي له أن يكون كذلك، وحسبنا في ذلك ما قدمنا، وحسب القارئ ضميره فهو القسطاس الذي لا يحيد والله الهادي إلى سواء السبيل: )فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء( (الأنعام: ١٢٥).
الخلاصة:
· ليس من نافلة القول أن نشير إلى فضل الحجاب الذي اتشحت به المرأة في صدر الإسلام وما تبعه من عصور، بل في تقدم المجتمع ورفعة أفراده؛ لما في الحجاب من عفة وطهارة من شأنهما أن يصونا المجتمع عن مظان الإثارة ويحجباه عن الانغماس في مستنقعات الشهوة، ويحفظاه من التردي في مهاوي الرذيلة.
· أما ما نحن فيه اليوم مما عمت به البلوى - على حد تعبير الفقهاء -، فمرده الوقوف على عتبات الموضة والتباهي بالسفور والتكشف، وفي هذا من المضار التي كفاهم الحجاب خطورتها وابتلانا التبرج والسفور بها، وذهب الانتكاس بالبعض إلى القول ببدعيته ومضاره ومثالبه وهذا ما فصلنا القول فيه - آنفا - ونجمله فيما تأتي:
· إن المتأمل لمعنى الحجاب، المدرك لصوره، الواقف على درجاته يجزم - بما لا يدع مجالا لشك شاك أو ادعاء مدع - أن ليس الحجاب بدعة إسلامية؛ بل عرفه أهل الكتاب وعرب الجاهلية.
· للحجاب صور متعددة يمكن أن تحتجب بها المرأة عن الأجنبي؛ فقد يكون الحائط مثلا، أو الستارة السميكة، أو الباب حجابا بينهما، وقد تغطي وجهها بالنقاب.
· ليس صحيحا ما شاع على ألسنة الناس من قولهم: أيهما الفرض الواجب: آلحجاب أم النقاب؟ - قاصدين بالحجاب كشف الوجه وبالنقاب تغطيته، والصواب أن يقال: آلحجاب أم السفور؟ أو يقال: آلنقاب أم السفور؟ ذاك أن الحجاب والنقاب ليسا شيئين مختلفين؛ بل الأول أعم من الثاني، وكما لا تصح تسمية "اللباس الشرعي" حجابا، كذلك لا يصح إطلاق لفظ محجبة على تلك التي ترتدي اللباس الشرعي لأنهما مختلفان.
· إن للشريعة الإسلامية في فرض الحجاب مقاصد عليا، رابطها جميعا قاعدة عريضة تقول إن "درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة"، ومن هذه المقاصد:
o التدبير الوقائي.
o دفع الأذى.
o درء الفتنة.
o تطهير القلب.
o تقوية الحياء.
o توقي الشبهات.
o حفظ الاستقرار الأسري.
o تمييز الخبيث من الطيب.
o الارتقاء بالمرأة عن الابتذال الجاهلي.
هذا ما قصد من الحجاب في مقابل ما أريد من السفور، وحسبه قبحا عرض المرأة جسدها وتركه ظاهرا باديا للرائح والغادي.
إن الإسلام حين افترض الحجاب خرج به عن تقاليد الجاهلية الموروثة، فأصلح منه ما يفيد ويعقل وكيف له كيفية وشرط له شروطا، وهي:
o استيعاب جميع البدن (على خلاف بين العلماء).
o ألا يكون زينة في نفسه.
o أن يكون صفيقا لا يشف.
o أن يكون فضفاضا غير ضيق.
o ألا يكون مبخرا مطيبا.
o ألا يشبه لباس الرجل.
o ألا يكون لباس شهرة.
o ألا يشبه لباس الكافرات.
· هذه الشروط يجب التزامها ليصبح الحجاب شرعيا وإلا فلا، مع مراعاة الخلاف الفقهي الحاصل في الشرط الأول واستقراء الأدلة، وترجيح الأرجح، ومجانبة المرجوح وإن اتبعه كثير من الناس وإن لاقى في أنفسنا هوى؛ والله يقول: )فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (65)( (النساء).
· إن موازنة سريعة بين الحجاب وفضائله، والتبرج ومثالبه، ومقارنة ما في الحجاب من طاعة لله - عز وجل - وإيمان وطهارة وعفة وستر وحياء ومناسبة للغيرة والفطرة، في مقابل ما في التبرج من معصية لله - عز وجل - واستحقاق للطرد من رحمته وما فيه من نفاق وفاحشة وتهتك وفضيحة وسنة إبليسية وما فيه من جاهلية وانتكاس وتخلف وانحطاط وشر مستطير - نقول: إن موازنة بين هذا وذاك تقف بنا على أفضلية الحجاب؛ إيمانا بفضائله، ورذيلة التبرج؛ تلافيا لمثالبه!
· إن الإسلام حين افترض الحجاب وحبب ستر المرأة سائر بدنها عن غير محارمها، لم يكن بالجمود والتحجر اللذين من شأنهما أن يعوقاها عن التفاعل الإيجابي، والمشاركة الفعالة في شتى مناحي الحياة؛ بل رخص لها بالسفور أمام الأجنبي - مع تجنب الزينة من الحلى والأصباغ وغيرهما - في الخطبة والتداوي والتعليم والتقاضي والشهادة وعند الإكراه.
· إن الإسلام أباح للمرأة أن تكشف وجهها إذا كانت عجوزا قاعدا لا يشتهي مثلها، وأن لها أن تكشفه أمام صبي غير ذي شهوة، وكذا أمام من ذهبت شهوته من الرجال، أو من لا شهوة له منهم أصلا؛ وهذا وذاك مما يؤكد أن حكمة الشريعة من الحجاب - في المقام الأول - منع الفتنة ليس إلا، وتعضد إيجابية الإسلام في المشاركة ومرونته في التشريع من جهة أخرى، على خلاف ما ادعاه بعضهم من جموده وتحجره وإعاقته المرأة.
· إن الحجاب في الإسلام لا يعني الحبس والمهانة والحجر، ولا عائق فيه لحرية المرأة حيثتقتضي المصلحة وتوجب الضرورة، وإنما هو الحجاب مانع الغواية والتبرج، وحافظ الحرمات وآداب الحياء والعفة.
· إن من العجب بمكان أن يعمد السفوريون إلى حفنة من المبعثرات في هامش التاريخ الإسلامي ويتجاهلون النماذج المشرفة من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ونساء المؤمنين رائدات الصدر الأول وفيهن - من المحجبات - من بلغن آفاقا سامقة؛ فهذه السيدة عائشة - رضي الله عنها - تبلغ في العلم مبلغا لا يطاول، وتلك أم سلمة وحفصة وأم حبيبة وميمونة، وتلك السيدة فاطمة الزهراء، وحفصة بنت سيرين من المحدثات البارزات عبر التاريخ الإسلامي، ومن الشاعرات والأدبيات والكاتبات: أروى عمة النبي - صلى الله عليه وسلم - والشيماء أخته في الرضاعة، وعاتكة بنت زيد العدوية وأم ذر وغيرهن كثيرات في صفحات التاريخ البيضاء الناصعات.
· ولم تقف المرأة المسلمة المتحجبة - في مجال الإبداع - عند العلم والمعرفة فحسب، بل إنها أسهمت في مجالات كثيرة، منها ما كان في الجهاد والتضحية، وعلى رأس هؤلاء نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - والسيدة فاطمة الزهراء وأم حرام بنت ملحان وأختها أم سليم بنت ملحان، وأم عمارة وغيرهن.
· ليس في الحجاب من تسهيل عملية إخفاء الشخصية وتيسير اقتراف الفواحش وتعاطي المآثم ما يدفعنا للتخوف منه، وقد أوجبه الله وأخبر أنه أزكى وأطهر لقلوب المؤمنين والمؤمنات، ثم لو افترضنا جدلا هذا الاحتمال، فهل في ذلك مانع لارتدائه؟! وهل يحسب سبة فيه في حد ذاته؟!
· إن هذا لا يقول به عاقل؛ وكان الأمر كذلك - وهو ليس كذلك؛ لكان ما ينتحل به بعض المجرمين شخصيات رجال الشرطة بلباسهم الرسمي مانعا من ارتداء العسكرين أنفسهم لزيهم العسكري؟!
· وهل ما تستخدم له بعض المنازل من أغراض سلبية أو السيارات يمنع تلك المنازل أو هاتيك السيارات من الاستعمال وتصير محظورة؟! بالطبع لا وهذه كتلك.
(*) تحرير المرأة، قاسم أمين، الهيئة العامة للكتاب، مصر، 1993م. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م. السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، الشيخ محمد الغزالي، دارالشروق، القاهرة، 1996م. حجاب المسلمة بين الانتحال والتأويل، د. محمد فؤاد البرازي، دار أضواء السلف، القاهرة، ط5، 2006م. لباس التقوى والتحديات المعاصرة للمرأة المسلمة، د. عيادة بنت أيوب الكبيسي، دار البحوث والدراسات الإسلامية وإحياء التراث، دبي، ط2، 2001م. مهلا يا صاحبة القوارير، رد على كتاب "رفقا بالقوارير"، يسرية محمد أنور، دار الاعتصام، القاهرة. المرأة في القرآن، عباس محمود العقاد، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2000م. تحرير المرأة في عصر الرسالة، عبد الحليم محمد أبو شقة، دار القلم، القاهرة، الكويت، ط6، 1422هـ/2002م. المرأة إلى أين؟ خيرية حسن الفربيدي، دار الفكر، دمشق، ط1، 2006م.
[1]. صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الأوائل، باب أول ما فعل ومن فعله (35829)، والبيهقي في دلائل النبوة، باب اعتراف مشركي قريش بما في كتاب الله تعالى من الإعجاز، هلم إلى الله ـ عز وجل ـ وإلى رسوله أدعوك إلى الله (512)، وصححه الألباني في صحيح السيرة النبوية (1/162).
[2]. السدانة: خدمة الكعبة.
[3]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص75: 77 بتصرف.
[4]. تحرير المرأة في عصر الرسالة، عبد الحليم محمد أبو شقة، دار القلم، القاهرة، الكويت، ط6، 1422هـ/2002م، مج 2، ج3، ص67.
[5]. المحجر: محجر العين: هو ما أحاط بها.
[6]. الوصوص: وصصت المرأة نقابها: ضيقته.
[7]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص77، 78. والسفور هنا بمعنى: كشف الوجه.
[8]. تحرير المرأة في عصر الرسالة، عبد الحليم محمد أبو شقة، دار القلم، القاهرة، الكويت، ط6، 1422هـ/2002م، مج 2، ج4، ص15، 16 بتصرف.
[9]. الخدر: هو الستر، والجمع خدور، ويطلق الخدر على البيت إن كان فيه امرأة.
[10]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص78، 79.
[11]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص81: 84 بتصرف.
[12]. لباس التقوى والتحديات المعاصرة للمرأة المسلمة، د. عيادة بنت أيوب الكبيسي، دار البحوث والدراسات الإسلامية وإحياء التراث، دبي، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص32.
[13]. العقيقة: ما يذبح عن المولود شكرا لله تعالى بنية وشرائط مخصوصة.
[14]. التطواف: ثوب تلبسه المرأة تطوف به.
[15]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب التفسير، باب في قوله تعالى: ) خذوا زينتكم عند كل مسجد ( (الأعراف: 31) (7736).
[16]. المهلهل: الرقيق الذي كاد يبلى.
[17]. الهفاف: الرقيق الشفاف من الثياب.
[18]. كثيف الحوك: سميك النسج.
[19]. خراجة ولاجة: كثيرة الخروج بلا داع.
[20]. لا ريث ولا عجل: الريث: الإبطاء. والعجل: السرعة، فهي لا هي بطيئة ولا مسرعة.
[21]. الفتخات: جمع فتخة، وهي الخاتم بدون فص.
[22]. الروع: الفزع.
[23]. يخلن إماء: يتشبهن بالجواري.
[24]. السدل: الإرخاء.
[25]. الدلال: التدلل، وهو حسن حديث المرأة ومزحها.
[26]. السجية: الطبيعة الخلق.
[27]. الأصلتي: الخد الحسن.
[28]. الغراء: البيضاء.
[29]. البلهاء: من ضعف عقلها.
[30]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص84: 93.
[31]. النقاب للمرأة، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 2005م، ص10: 17 بتصرف.
[32]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص28.
[33]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص71 بتصرف.
[34]. موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، عطية صقر، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1424هـ/2003م، ج2، ص204 بتصرف.
[35]. المرأة إلى أين؟ خيرية حسن الفربيدي، دار الفكر، دمشق، ط1، 2006م، ص167.
[36]. موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، عطية صقر، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1424هـ/2003م، ج2، ص205.
[37]. المرأة إلى أين؟ خيرية حسن الفربيدي، دار الفكر، دمشق، ط1، 2006م، ص167.
[38]. موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، عطية صقر، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1424هـ/2003م، ص205.
[39]. المرأة إلى أين؟ خيرية حسن الفربيدي، دار الفكر، دمشق، ط1، 2006م، ص168.
[40]. موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، عطية صقر، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1424هـ/2003م، ص205.
[41]. لباس التقوى والتحديات المعاصرة للمرأة المسلمة، د. عيادة بن أيوب الكبيسي، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، دبي، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص54.
[42]. النقاب للمرأة بين القول ببدعيته والقول بوجوبه، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 2005م، ص10.
[43]. النقاب للمرأة بين القول ببدعيته والقول بوجوبه، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 2005م، ص10.
[44]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الشاميين، حديث العرباض بن سارية، (17184)، وصححه شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند.
[45]. صحيح: أخرجه عبد الرزاق في المصنف، كتاب الصلاة، باب الصلاة في السفر (4269)، وأبو داود في سننه، كتاب المناسك، باب الصلاة بمنى (1962)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1726).
[46]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص457، 458.
[47]. لباس التقوى والتحديات المعاصرة للمرأة المسلمة، د. عيادة بن أيوب الكبيسي، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، دبي، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص32، 33.
[48]. العزيمة: هي ما شرع ابتداء على وجه العموم، أي شرع ليكون قانونا عاما لكل المكلفين في الأحوال العامة؛ كالصلوات بمقاديرها الأصلية، والحج، وصوم رمضان، وسائر شعائر الإسلام.
[49]. النقاب للمرأة بين القول ببدعيته والقول بوجوبه، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 2005م، ص20، 21.
[50]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحيض، باب شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين ويعتزلن المصلي (318)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة العيدين، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلي وشهود الخطبة (2093)، واللفظ له.
[51]. الإزار: ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن.
[52]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أبواب الإحصاء وجزاء الصيد، باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة (1741).
[53]. ضعيف: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث السيدة عائشة رضي الله عنها (24067)، وأبو داود في سننه، كتاب المناسك، باب في المحرمة تغطي وجهها (1835)، وضعفه الألباني في المشكاة (2690).
[54]. صحيح: أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة، باب اختيار صلاة المرأة في بيتها على صلاتها في المسجد إن ثبت الخبر (1685)، والترمذي في سننه، كتاب الرضاع، باب منه (1173)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2688).
[55]. فل السيف: كسر.
[56]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم (858)، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة (1018).
[57]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب صفة الصلاة، باب وضوء الصبيان ومتى يجب عليهم الغسل والطهور وحضورهم الجماعة (827)، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة (1019).
[58]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المسجد إذا لم يترتب عليه فتنة (1020).
[59]. النقاب للمرأة بين القول ببدعيته والقول بوجوبه، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 2005م، ص48: 65 بتصرف يسير.
[60]. نستعيض عن تفصيل أدلتهم بما سنورده من ردهم على ما استدل به القائلون باستثناء الوجه والكفين؛ ففيه خلاصة رأيهم، ولمزيد من التفصيل يرجى مطالعة الجزء الثالث من مجموعة "عودة الحجاب" بعنوان: " أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م ، ص191 وما بعدها.
[61]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص408.
[62]. حسن لغيره: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه (23024)، وأبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب ما يؤمر به من غض البصر (2151)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1903).
[63]. السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، الشيخ محمد الغزالي، دار الشروق، القاهرة، ط14، 2006م، ص45.
[64]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأدب، باب نظر الفجأة (5770).
[65]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص408.
[66]. السبايا: جمع سبية، وهي المرأة المأسورة في الحرب.
[67]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأدب، باب نظر الفجأة (5770).
[68]. ذنب الشعب: آخره.
[69]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستئذان، باب زنا الجوارح دون الفرج (5889)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره (6924).
[70]. الدلج: المسير أول الليل.
[71]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب حديث الإفك (3910)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف (7196).
[72]. حسن: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الكوفيين، حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه (20046)، وابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب التستر عند الجماع (1920)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (1559).
[73]. صحيح: أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم، باب ذكر مناقب جبار بن صخر ـ رضي الله عنه ـ أحد البدرين (4984)، والبيهقي في شعب الإيمان، باب الحياء بفصوله، فصل في ستر العورة (7754)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1706).
[74]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحيض، باب تحريم النظر إلى العورات (794).
[75]. أخرجه البخاري في صحيحه، أبواب الصلاة في الثياب، باب ما يذكر في الفخذ، معلقا عنه به.
[76]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكيين، حديث جرهد الأسلمي رضي الله عنه (15974)، والترمذي في سننه، كتاب الأدب، باب أن الفخذ عورة (2798)، وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (7606).
[77]. حسن: أخرجه الطبراني في الصغير، حرف الميم، باب الميم من اسمه محمد (1033)، والبيهقي في السنن الصغير، كتاب الصلاة، باب ستر العورة (243)، وحسنه الألباني في الإرواء (271).
[78]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص408: 417 بتصرف يسير.
[79]. سطة النساء: وسطهم.
[80]. سفعاء الخدين: سوداء.
[81]. القرط: ما يعلق في شحمة الأذن من در أو ذهب أو فضة أو نحوها.
[82]. [82]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص392.
[83]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب (1393)، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة العيدين، باب وحدثني محمد بن رافع (2085)، واللفظ له.
[84]. السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، الشيخ محمد الغزالي، دار الشروق، القاهرة، ط14، 2006م، ص46.
[85]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص392، 393 بتصرف.
[86]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب النظر إلى المرأة قبل التزويج (4833)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك (3553).
[87]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب السلطان ولي (4833)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك (3553).
[88]. السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، الشيخ محمد الغزالي، دار الشروق، القاهرة، ط14، 2006م، ص46.
[89]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص404.
[90]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب وجوب الحج وفضله (1442)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب الحج عن العاجز لزمانه وهرم ونحوهما أو للموت (3315).
[91]. النقاب للمرأة بين القول ببدعيته والقول بوجوبه، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 2005م، ص39، 40.
[92]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص419، 420.
[93]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت الفجر (553)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها وهو التغليس (1490).
[94]. السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، الشيخ محمد الغزالي، دار الشروق، القاهرة، ط14، 2006م، ص47.
[95]. النقاب للمرأة بين القول ببدعيته والقول بوجوبه، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 2005م، ص44.
[96]. التلفع: تلفعت المرأة بثوبها: اشتمل عليها.
[97]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص428، 429.
[98]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت العصر (522).
[99]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص427.
[100]. العشى: مرض يصيب العيون فتسوء الرؤية ليلا.
[101]. السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، الشيخ محمد الغزالي، دار الشروق، القاهرة، ط14، 2006م، ص47.
[102]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص310، 311.
[103]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م ، ص311.
[104]. السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، الشيخ محمد الغزالي، دار الشروق، القاهرة، ط14، 2006م، ص48، 49.
[105]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب فضل من شهد بدرا (3770)، ومسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل (3795).
[106]. صحيح: أخرجه عبد الرزاق في المصنف، كتاب الطلاق، باب المطلقة يموت عنها زوجها وهي في عدتها أو تموت في العدة (11722)، وأحمد في مسنده، مسند القبائل، حديث سبيعة الأسلمية رضي الله عنها (27475)، وصححه الألباني في جلباب المرأة المسلمة (1/69).
[107]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب فضل من شهد بدرا (3770)، وملسم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل (3795).
[108]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص406 , 407.
[109]. النقاب للمرأة بين القول ببدعيته والقول بوجوبه، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 2005م، ص67 , 68.
[110]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص442: 445 بتصرف.
[111]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص437.
[112]. المشقة: ما كان فوق ما يتحمله الناس في مجاري العادات، فإذا كانت مشقة العمل فوق ما يتحمله الناس كان ذلك مدعاة إلى التخفيف عنهم، ومن هنا جاءت القاعدة "المشقة تجلب التيسير".
[113]. إسناده جيد: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث السيدة عائشة رضي الله عنها (24899)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1829).
[114]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب ما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا (69)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير (4626) بلفظ: وسكنوا ولا تنفروا.
[115]. النقاب للمرأة بين القول ببدعيته والقول بوجوبه، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 2005م، ص70، 71.
[116]. ذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم، باب ما جاء في ذم القول في دين الله تعالى بالرأي، إياكم وأصحاب الرأي؛ فإنهم أعداء السنن (1195).
[117]. الجمع: هو الجمع بين صلاتي الظهر والعصر تقديما أو تأخيرا، وبين صلاتي المغرب والعشاء تقديما أو تأخيرا، وذلك له أسبابه؛ كالسفر والمرض وفي عرفة ... إلى غير ذلك.
[118]. القصر: هو قصر الصلوات الرباعية؛ وهي الظهر والعصر والعشاء، وذلك في السفر، وهو رخصة رخصها الله لعباده تخفيفا عنهم، وصدقة تصدق الله تعالى بها على المسلمين رفعا للحرج والضيق عنهم.
[119]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص431: 434 بتصرف.
[120]. الإجحاف: الإضرار.
[121]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء (3720).
[122]. القوارير: جمع قارورة، وهي الإناء، وهو ما قر فيه الشراب وغيره، والمقصود النساء.
[123]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب المعاريض مندوحة عن الكذب (5857)، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب رحمة النبي للنساء وأمر السواق مطاياهن بالرفق بهن (6185.
[124]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب خلق آدم صلوات الله عليه وذريته (3153)، ومسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء (3719)، واللفظ له.
[125]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان (186).
[126]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص439: 441.
[127]. الرزء: المصيبة.
[128]. ضعيف: أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب فضل قتال الروم على غيرهم من الأمم (2490)، والبيهقي في سننه الكبرى، باب ما جاء في فضل قتال الروم وقتال اليهود (18372)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (535).
[129]. السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، الشيخ محمد الغزالي، دار الشروق، القاهرة، ط14، 2006م، ص47، 48.
[130]. القرينة: النفس، والزوجة؛ لأنها تقارن زوجها، والقرينة: ما يدل على المراد من غير كونه صريحا.
[131]. الخضاب: التلوين بالحناء وغيره.
[132]. النقاب للمرأة بين القول ببدعيته والقول بوجوبه، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 2005م، ص72.
[133]. مهلا يا صاحبة القوارير، رد على كتاب "رفقا بالقوارير"، يسرية محمد أنور، دار الاعتصام، القاهرة. المرأة في القرآن، عباس محمود العقاد، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2000م، ص67.
[134]. النقاب للمرأة بين القول ببدعيته والقول بوجوبه، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 2005م، ص72 , 73.
[135]. النحر: أعلى الصدر.
[136]. الإجماع: اتفاق المجتهدين من أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عصر من العصور بعد وفاته على حكم شرعي.
[137]. فتاوى المرأة المسلمة، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1416هـ/1996م، ص25.
[138]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص474: 476.
[139]. النقاب للمرأة بين القول ببدعيته والقول بوجوبه، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط3، 2005م، ص14: 16.
[140]. لباس التقوى والتحديات المعاصرة للمرأة المسلمة، د. عيادة بن أيوب الكبيسي، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، دبي، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص44، 45.
[141]. تحرير المرأة في عصر الرسالة، عبد الحليم محمد أبو شقة، دار القلم، القاهرة، الكويت، ط6، 1422هـ/2002م، مج 2، ج3، ص119.
[142]. الآبق: الهارب.
[143]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، مسند فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه (23988)، والبخاري في الأدب المفرد، باب النفي (590)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (542).
[144]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (3069)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الرفاق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء (7114).
[145]. صحيح: أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الجامع، باب ما جاء في البيعة (3602)، وأحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها (27053)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (529).
[146]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب اللباس والزينة، باب النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات (5704)، وفي موضع آخر.
[147]. الغلالة: ثوب رقيق يلبس تحت الثياب.
[148]. حسن: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الأنصار، حديث أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم (21834)، والبيهقي في سننه الكبرى، كتاب الحيض، باب الترغيب في أن تكثف ثيابها أو تجعل تحت درعها ثوبا إن خشيت أن يصفها (3079)، وحسنه الألباني في جلباب المرأة المسلمة (1/131).
[149]. جلباب المرأة المسلمة،الألباني، المكتبة الإسلامية، عمان، الأردن، ط1، 1413هـ، ص126.
[150]. مروية: ثياب مشهورة بالعراق منسوبة إلى "مرو" قرية بالكوفة.
[151]. قوهية: من نسيج "قوهستان" ناحية نجرسان كما في "الأنساب للسمعاني" (10/268).
[152]. جلباب المرأة المسلمة،الألباني، المكتبة الإسلامية، عمان، الأردن، ط1، 1413هـ، ص127.
[153]. جلباب المرأة المسلمة،الألباني، المكتبة الإسلامية، عمان، الأردن، ط1، 1413هـ، ص128.
[154]. جلباب المرأة المسلمة،الألباني، المكتبة الإسلامية، عمان، الأردن، ط1، 1413هـ، ص128.
[155]. لعلها: السيراء. والحلة السيراء: ذات الخطوط العريضة.
[156]. ثوب صفيق: متين الصفاقة، وثوب صفيق وسفيق جيد النسيج.
[157]. النقبة: ثوب كالإزار يشد السروايل.
[158]. الرق: بفتح الراء أو كسرها: جلد رقيق يكتب فيه.
[159]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب اللباس والزينة، باب النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات (5704)، وفي موضع آخر.
[160]. حسن: أخرجه أحمد في المسند، مسند الأنصار، حديث أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم (21834)، والبيهقي في سننه الكبرى، كتاب الحيض، باب الترغيب في أن تكثف ثيابها أو تجعل تحت درعها ثوبا إن خشيت إن يصفها (3079)، وحسنه الألباني في جلباب المرأة المسلمة (1/131).
[161]. جلباب المرأة المسلمة،الألباني، المكتبة الإسلامية، عمان، الأردن، ط1، 1413هـ، ص135.
[162]. صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الأدب، باب ما ذكر في الحياء، وما جاء فيه (5350)، والبخاري في الأدب المفرد، كتاب آداب عامة، باب الحياء (1313)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2636).
[163]. حسن: أخرجه أحمد في المسند، مسند الكوفيين، حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه (19762)، وابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة، باب التغليظ في تعطر المرأة عند الخروج ليوجد ريحها وتسمية فاعلها زانية (1681)، وحسنه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (4466).
[164]. صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الحديث بالكراريس، باب من كره للمرأة الطيب إذا خرجت (26338)، والنسائي في المجتبى، كتاب الزينة، باب النهي للمرأة أن تشهد الصلاة إذا أصابت من البخور (5131)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1094).
[165]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة (1026).
[166]. صحيح: أخرجه أبو يعلى في المسند، مسند الأعرج عن أبي هريرة (6385)، والبيهقي في سننه الكبرى، كتاب الجمعة، باب ما يكره للنساء من الطيب عند الخروج وما يشتهرن به (5767)، وصححه الألباني في جلباب المرأة المسلمة (1/138).
[167]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب اللباس، باب المتشبهين بالنساء والمتشبهات بالرجال (5546).
[168]. صحيح: أخرجه أحمد في المسند، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة رضي الله عنه (8292)، وأبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب لباس النساء (4100)، وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (9226).
[169]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب اللباس، باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت (5547)، وفي موضع آخر.
[170]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب اللباس، باب المتشبهين بالنساء والمتشبهات بالرجال (5546).
[171]. حسن: أخرجه أحمد في المسند، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (6180)، والنسائي في المجتبى، كتاب الزكاة، باب المنان بما أعطى (2562)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (674).
[172]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب لباس النساء (4101)، والبيهقي في الشعب، باب الحياء بفصوله، فصل في حجاب النساء والتغليظ في سترهن (7804)، وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (9227).
[173]. حسن: أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، باب العين، أحاديث عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف (11335)، وحسنه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (9570).
[174]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها (720).
[175]. صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الجهاد، باب ما ذكر فضل الجهاد والحث عليه (19401)، وأحمد في المسند، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (5115)، وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (5142).
[176]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن لبس الرجل الثوب المعصفر (5555).
[177]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الاستئذان، باب كراهية إشارة اليد بالسلام (2695)، والطبراني في الأوسط، باب الميم، من اسمه محمد (7380)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2194).
[178]. العثانين: جمع عثنون، وهو ما نبت على الذقن وتحته سفلا، وشعيرات طوال عند مذبح البعير والتيس، وما تدلى تحت منقار الديك.
[179]. السبال: الشوارب.
[180]. حسن: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث أبي أمامة الباهلي الصدي بن عجلان بن عمر بن وهب الباهلي عن النبي (22337)، والطبراني في المعجم الكبير، باب الصاد، صدي بن العجلان أبو أمامة الباهلي نزل الشام ومات بها ومن أخباره (7924)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (1245).
[181]. التنعم: الترف.
[182]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء (5532).
[183]. حسن: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (5664)، وابن ماجه في سننه، كتاب اللباس، باب من لبس شهرة من الثياب (3607)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (2906).
[184]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنية" (5036) بلفظ: إنما الأعمال بالنية.
[185]. حسن: أخرجه الترمذي في سننه، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب منه (2481)، والطبراني في المعجم الكبير، باب الميم، معاذ بن أنس الجهني (387)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (718).
[186]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة رضي الله عنه (8092)، والترمذي في سننه، كتاب الأدب، باب إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده (2819)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1290).
[187]. صحيح: أخرجه أحمد في المسند، مسند المكيين، حديث مالك بن نضلة أبي الأحوص رضي الله عنه (15928)، وأبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب في غسل الثوب وفي الخلقان (465)، وصححه الألباني في المشكاة (4352).
[188]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب اللباس، معلقا عنه به.
[189]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنية" (5036) بلفظ: إنما الأعمال بالنية.
[190]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب النجش ومن قال لا يجوز ذلك البيع، معلقا عنه به، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور (4590).
[191]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا (389).
[192]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما (6650)، والطبراني في الأوسط، من اسمه مقدام (8986)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1619).
[193]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، منسد أبي هريرة رضي الله عنه (9063) من طريق أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ بلفظ: المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر، والترمذي في سننه، كتاب الفتن، باب منه (2260)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (957).
[194]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص154: 175 بتصرف يسير.
[195]. صحيح: أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة، باب اختيار صلاة المرأة في بيتها على صلاتها في المسجد إن ثبت الخبر (1686)، والترمذي في سننه، كتاب الرضاع، باب منه (1173)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2688).
[196]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الإيمان والنذور، باب من رأى عليه كفاءة إذا كان في معصية (3295)، والطبراني في المعجم الكبير، باب العين، عقبة بن عامر الجهني يكنى أبا حماد كان ينزل مصر (886)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2930).
[197]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله r (7)، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام (4707) بنحوه.
[198]. إسناده صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (3692)، وأبو يعلى في المسند، مسند عبد الله بن مسعود (5283)، وصحح إسناده الأرنؤوط في تعليقات مسند أحمد (3692).
[199]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل (7079).
[200]. حسن: أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الحمام، باب النهي عن التعري (4014)، والنسائي في المجتبى، كتاب الغسل والتيمم، باب الاستتار عند الاغتسال (406)، وحسنه الألباني في المشكاة (447).
[201]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص102: 97.
[202]. صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الأدب، باب ما ذكر في الحياء وما جاء فيه (25350)، والبخاري في الأدب المفرد، كتاب آداب عامة، باب الحياء (1313)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2636).
[203]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب من لم يواجه الناس بالعتاب (5751)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب كثرة حيائه (6176).
[204]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عثمان بن عفان (6363).
[205]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص114: 117 بتصرف.
[206]. صحيح: أخرجه عبد الرزاق في المصنف، كتاب أهل الكتاب، باب بيعة النساء (9827)، أحمد في المسند، باقي مسند الأنصار، حديث السيدة عائشة رضي الله عنها (25216)، وصححه الأرنؤوط في تعليقات مسند أحمد (25216).
[207]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب الحياء في العلم (130)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الحيض، باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها (738).
[208]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص123: 119 بتصرف.
[209]. حسن: أخرجه أحمد في المسند، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (6180)، والنسائي في المجتبى، كتاب الزكاة، باب المنان بما أعطى (2562)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (674).
[210]. حجاب المسلمة بين الانتحال والتأويل، د. محمد فؤاد البرازي، دار أضواء السلف، القاهرة، ط5، 2006م، ص322، 321.
[211]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص124: 132.
[212]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (6851).
[213]. إسناده حسن: أخرجه أبو يعلى في المسند، حديث ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم (7374)، والطبراني في الكبير، باب الميم، من اسمه معاوية (877)، وحسن إسناده حسين سليم أسد في تعليقات مسند أبي يعلى (7374).
[214]. حسن: أخرجه أحمد في المسند، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما (6850)، والطبراني في مسند الشاميين، مسند أبي مسلمة سليمان بن سليم الكناني المكي، سلميان عن عمرو بن شعيب (1390)، وحسنه الألباني في جلباب المرأة المسلمة (1/121).
[215]. الأسنمة: جمع سنام، وهو كتلة اللحم الموجودة على ظهر الجمل.
[216]. البخت: الإبل.
[217]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما (7083)، وابن حبان في صحيحه، كتاب الحظر والإباحة، باب اللعن (5753)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2683).
[218]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب اللباس والزينة، باب النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات (5704)، وفي موضع آخر.
[219]. الحبائر: جمع حبرة، وهي ثوب من قطن أو كتان مخطط.
[220]. الهودج: أداة ذات قبة، تشبه الخيمة، توضع على ظهر الجمل لتركب فيها النساء.
[221]. صحيح: أخرجه أحمد في المسند، مسند الشاميين، حديث عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم، والهيثمي في مجمع الزوائد، كتاب صفة أهل النار، باب فيمن يدخل الجنة من النساء (18663)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1850).
[222]. المواتية المواسية: الموافقة لزوجها.
[223]. صحيح: أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب النكاح، باب استحباب التزوج بالودود الولود (13256)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1849).
[224]. حسن: أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، كتاب الصلاة، باب التغليظ في تعطر المرأة عند الخروج ليوجد ريحها وتسمية فاعلها زانية (1681)، وابن حبان في صحيحه، كتاب الحدود، باب الزنا وحده (4424)، وحسنه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (4466).
[225]. صحيح: أخرجه أحمد في المسند، باقي مسند الأنصار، حديث السيدة عائشة رضي الله عنها (26347)، وابن ماجه في سننه، كتاب الأدب، باب دخول الحمام (3750)، وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (4475).
[226]. صحيح: أخرجه أحمد في المسند، باقي مسند الأنصار، مسند فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه (23988)، والبخاري في الأدب المفرد، كتاب المريض، باب البغي (590)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (542).
[227]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم" (6889)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى (6952).
[228]. أخرحه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب ليس منا من ضرب الخدود (1235)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب (296).
[229]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب من طلب دم امرئ بغير حق (6488).
[230]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، سورة المنافقون (4622)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والأدب، باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما (6748).
[231]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب حجة النبي (3009).
[232]. الوهدة: الأرض المنخفضة، ووهدة التخلف: أي مستنقع التخلف.
[233]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الفتن، باب العقوبات (4019)، والطبراني في مسند الشاميين، مسند أبي معيد حفص بن غيلان، أبو معيد عن عطاء بن أبي رباح (1558)، وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (13938).
[234]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستئذان، باب زنا الجوارح دون الفرج (5889)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره (6924)، واللفظ له.
[235]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه (16)، وابن ماجه في سننه، كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (4005)، وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (3737).
[236]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص133: 150 بتصرف.
[237]. المرأة في القرآن، عباس محمود العقاد، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2000م، ص62، 61.
[238]. موقع المسافرون www. Almosaferon. com
[239]. صحيح: أخرجه أحمد في المسند، مسند المكثرين من الصحابة، مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه (14626)، وأبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب في الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها (2084)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (99).
[240]. صحيح: أخرجه أحمد في المسند، مسند الشاميين، حديث محمد بن مسلمة الأنصاري رضي الله عنه (18005)، وابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب النظر إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها (1864)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (98).
[241]. الجلاوزة: جمع جلوز، وهو الضخم الشجاع من الرجال.
[242]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص352، 353، ص476، 477.
[243]. المرأة في القرآن، عباس محمود العقاد، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2000م، ص59.
[244]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب صفة الصلاة، باب انتظار الناس قيام الإمام العالم (829)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد، باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها وهو التغليس (1491).
[245]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص477، 478.
[246]. المرأة في القرآن، عباس محمود العقاد، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2000م، ص60، 61.
[247]. لباس التقوى والتحديات المعاصرة للمرأة المسلمة، د. عيادة بن أيوب الكبيسي، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، دبي، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص147، 148.
[248]. لباس التقوى والتحديات المعاصرة للمرأة المسلمة، د. عيادة بن أيوب الكبيسي، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، دبي، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص147، 148.
[249]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص132.
[250]. لباس التقوى والتحديات المعاصرة للمرأة المسلمة، د. عيادة بن أيوب الكبيسي، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، دبي، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص148، 149.
[251]. لباس التقوى والتحديات المعاصرة للمرأة المسلمة، د. عيادة بن أيوب الكبيسي، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، دبي، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص69: 71 بتصرف.
[252]. جريدة الرياض، العدد 14080، www. alaiyadh. com بتصرف يسير.
[253]. مقالة للكاتب الأمريكي Henry Makow على موقع: www. eavathemales. cal
[254]. لباس التقوى والتحديات المعاصرة للمرأة المسلمة، د. عيادة بن أيوب الكبيسي، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، دبي، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص73، 74.
[255]. لباس التقوى والتحديات المعاصرة للمرأة المسلمة، د. عيادة بن أيوب الكبيسي، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، دبي، ط2، 1422هـ/ 2001م، ص86: 78 بتصرف.
[256]. الخشفة: صوت حركة، أو وقع النعل.
[257]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أم سليم أم أنس بن مالك وبلال (6474).
[258]. بقرت بطنه: شقته.
[259]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة النساء مع الرجال (4783).
[260]. فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب، محمد فؤاد عبد الباقي، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/1987م، ج6، ص93.
[261]. الأشاوس: الشجعان.
[262]. فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب، محمد فؤاد عبد الباقي، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/1987م، ص86: 90 بتصرف.
[263]. فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب، محمد فؤاد عبد الباقي، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/1987م، ص93: 98 بتصرف.
[264]. وقائع الأحوال وقضايا الأعيان: هي عبارة عن مواقف فردية وقعت في عصر التشريع، على خلاف مقتضى أدلة العموم، كاعتباره شهادة خزيمة بمنزلة شاهدين، فهذه وأمثالها لا يقام عليها أحكام عامة، لأنها وردت متأثرة بأسباب استثنائية خاصة، فبقيت محصورة في نطاق الحال الذي ظهرت فيه، ولم يجز أن يمتد لها ذيل من التشريع العام المتجاوز لطبيعة تلك الحال، ومن أبرز قرائن وقائع الأحوال أنها تأتي معارضة لعموم حكم كلي لا شبهة فيه من أجل سبب استثنائي لو نقبت عنه لاكتشفته.
[265]. حسن: أخرجه أحمد في المسند، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أنس بن مالك رضي الله عنه (13072)، وابن ماجه في السنن، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة (4251)، وحسنه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (8644).
[266]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص448: 451.
[267]. البزة العسكرية: نوع من الثياب، أو السلاح.
[268]. الضرام: اشتعال النار.
[269]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص451: 456 بتصرف.
[270]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب قول الله سبحانه وتعالى: ) أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ( (النساء: ٥٩) (6719)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية (4828).
[271]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التمني، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم (6830)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (4871)، واللفظ له.
[272]. صحيح: أخرجه أحمد في المسند، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (4637)، وصححه الأرنؤوط في تعليقات مسند أحمد (4637).
[273]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب من استرعى رعية فلم ينصح (6732)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار (381) بلفظ: لا يسترعي الله عبدا.
[274]. صحيح: أخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب عشرة النساء، باب مسألة كل راع عما استرعى (9174)، وابن حبان في صحيحه، كتاب السير، باب في الخلافة والإمارة (4493)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة(1636).
[275]. ذكره ابن الأثير في جامع الأصول، كتاب الخلافة والإمارة (2071).
[276]. أدلة الحجاب، د. محمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، الإسكندرية، ط3، 2005م، ص185: 188.
why do men have affairs
redirect why men cheat on beautiful women
click
website dating site for married people