إنكار إباحة تعدد الزوجات في الإسلام
مضمون الشبهة:
ينكر بعض المغالطين إباحة الإسلام تعدد الزوجات للمسلم، زاعمين أن التعدد:
1. أمر دنيوي لا شأن للدين به، فهو من قبيل الأمور التي ورد فيها قوله صلى الله عليه وسلم: «أنتم أعلم بأمر دنياكم».
2. من ابتداع محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي شرعه ليستميل النفوس نحو دينه.
3. نظام بدائي، وقد أباحه الإسلام لأن العرب كانت أكثر شهوانية، فهو شكل من أشكال الرجعية والتخلف.
4. ظلم للمرأة وإهدار لكرامتها، وتمييز للرجل عنها.
5. سبب لفساد الأسرة، وتشرد الأطفال، والنزاع بين الضرائر.
6. منعه النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أنكر على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الزواج على ابنته فاطمة.
7. يمتنع بالنظر إلى تعذر العدل بين الزوجات الضرائر، كما ورد قوله عز وجل: )فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة( (النساء: ٣)، وقوله عز وجل: )ولن تستطيعوا أن تعدلوا( (النساء: ١٢٩).
8. بناء على هذا كله؛ فإن للحاكم سلطة منع تعدد الزوجات، كما قيد عمر الزواج بالكتابيات.
ويهدفون من هذا كله إلى التشكيك في جدوى التعدد، راغبين في إلغائه كلية أو تقييده على الأقل.
وجوه إبطال الشبهة:
1) تعدد الزوجات في الإسلام أمر ديني تشريعي، وردت أدلته في القرآن والسنة، بل هو إعجاز تشريعي.
2) فقه الحديث النبوي المشار إليه لا يؤدي إلى المعنى الذي ذهب إليه هؤلاء المدعون في زعمهم الباطل.
3) التعدد ليس بدعة إسلامية، فقد عرفته الأمم الأخرى ونظمه الإسلام، وهو ليس ظاهرة قاصرة على المجتمعات البدائية وحدها، بل هو نظام ساد الإنسانية عبر مختلف الأمصار والأعصار والشرائع والمذاهب.
4) لم تكن العرب أكثر شهوانية من غيرها - لا في القديم ولا في الحديث - حتى يجيز الإسلام لها خاصة تعدد الزوجات، كما أن التعدد لا يقتضي بالضرورة جموح الشهوة.
5) التعدد في الإسلام رخصة مقيدة، فليس واجبا ولا مطلقا، وهو مسئولية للرجل تجاه مجتمعه.
6) للتعدد دوافع موضوعية وضرورات اجتماعية تحتم تعدد الزوجات في بعض الأحيان؛ حتى لا يضار أحد، أو ينصرف عن طريق الحلال إلى ما عداه.
7) إن تعدد أزواج المرأة لا يعد تكريما لها أو مساواة لها بالرجل، بل هو إهانة لها؛ إذ إنه يؤدي إلى اختلاط الأنساب، كما أنه يتنافى مع طبيعة المرأة التي تنفر من التعدد.
8) توفير الرعاية الاجتماعية والاقتصادية للمرأة لا يغني عن الزواج.
9) صان الإسلام كرامة المرأة وحفظ منزلتها حتى في ظل التعدد، وفي حالة طلاقها واستبدال أخرى بها.
10) إنكار النبي زواج علي - رضي الله عنه - على فاطمة ليس دفعا للتعدد، ولا رفضا له.
11) العدل غير المستطاع بين الزوجات هو المتعلق بميل القلوب ووجدان النفوس، وما يعرض لها من ميل لا إرادي نحو طرف دون آخر.
12) التعدد تشريع رباني ليس بيد الحاكم تقييده أو منعه.
13) البحث المحايد والتحري الدقيق يفضيان إلى أن الإباحة المطلقة للتعدد، هي الأفضل من التقييد أو المنع.
التفصيل:
أولا. تعدد الزوجات تشريع ديني:
إن تعدد الزوجات ورابطة الزواج من أحكام الدين لا من شئون الدنيا، وهنا نفصل مواطن تشريعه الواردة في القرآن والسنة النبوية والفقه الإسلامي على النحو الآتي:
1. القرآن الكريم:
قال عز وجل: )وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا (3)( (النساء)، وقال عز وجل: )يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا (28)( (الأحزاب).
فالآيتان تقرران بوضوح مشروعية التعدد وتطبيقه، وقد شمل هذا عموم المسلمين وخاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - والحكم عام لا يخضع لهوى أحد، ولا يزال المسلمون منذ نزول القرآن وصدر الإسلام يرون تعدد الزوجات أمرا دينيا معروفا مستمدا حكمه من القرآن الكريم.
2. السنة النبوية:
«عن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس: هل تزوجت؟ قلت: لا، قال: تزوج؛ فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء».
وعن أنس بن مالك قال: «لو شئت أن أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكنه قال: السنة إذا تزوج الرجل البكر على امرأته أقام عندها سبعا، وإذا تزوج الثيب على امرأته أقام عندها ثلاثا».
والمتأمل في جميع كتب السنة يجد أحكاما مفصلة عن تعدد الزوجات في كتاب النكاح، فهل - بعد هذا كله - يعد التعدد أمرا لا علاقة له بالدين؟
3. الفقه الإسلامي:
عالجت كتب الفقه الإسلامي مسألة تعدد الزوجات بكل تفاصيلها، بما لا يمكن الادعاء معه أن هذه المسألة من الأمور الدنيوية، بل هي من صميم الأحكام التشريعية الدينية المستمدة من القرآن والسنة.
فالباحث في كتاب النكاح في كتب الفقه العامة أو الخاصة بالمذاهب، يجد تفصيلات في مسألة التعدد، ففي:
· الفقه الحنفي: نجد في "المبسوط" للسرخسي، كتاب النكاح، باب النكاح في العقود المتفرقة، وقد بدأه بأنه: "لا يحل للرجل أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة بالنكاح".
· الفقه المالكي: نجد في "بداية المجتهد" لابن رشد استعراضا لكل الآراء في مسألة التعدد، قال ابن رشد: "واتفق المسلمون على جواز نكاح أربعة من النساء معا، وذلك للأحرار من الرجال، واختلفوا في موضعين في العبيد، وفيما فوق الأربع".
· الفقه الشافعي: تناول الإمام الشافعي في كتابه "الأم" ما يحرم الجمع بينه، ومن يحل الجمع بينه، بما يؤكد أن المسألة تتناولها الأحكام الشرعية وتخضع للحرام والحلال، وليس للأهواء الشخصية أو الشئون الدنيوية.
· الفقه الحنبلي: فقد تناول ابن قدامة في كتابه "المغني" مسائل التعدد؛ ومنها: "ليس للحر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات".
ونعتقد أنه - بعد هذا العرض لمواطن تشريع التعدد في القرآن والسنة والفقه الإسلامي - من العبث بمكان أن يتشدق أحدهم بأن التعدد أمر دنيوي لا دخل للدين فيه.
تعدد الزوجات إعجاز تشريعي:
إن هذا الدين القويم جاء من لدن حكيم عليم على يد صادق أمين، فلا بد أن لكل حكم حكمة، ظهرت أم خفيت، ومن ذلك تشريع تعدد الزوجات، ويحدثنا د. عبد الناصر العطار عن الحكمة من وراء تشريعه، فيقول: حقا إن تعدد الزوجات إعجاز تشريعي، لا مفر منه ولا بديل له، حتى تظفر كل فتاة بزوج، وهو لم يشرع أصلا لصالح الرجل؛ لأن التعدد بالنسبة له مسئولية وتبعات، وإنما شرع لمصلحة مجتمع النساء.
فالزيادة المروعة في عدد النساء غير المتزوجات تشير إلى أن مشكلة المشكلات الاجتماعية اليوم هي أزمة الزواج، وتعدد الزوجات أحد الحلول السليمة والنافعة لهذه المشكلة، بعد ثبوت فشل الاقتصار على نظام الزواج الفرد وحده؛ ولعل هذا هو السر في أن القرآن الكريم أحل تعدد الزوجات بصيغة الجمع لا بصيغة المفرد، فقد قال الله عز وجل: )وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا (3)( (النساء).
والقرآن الكريم يدلنا بذلك على أن تعدد الزوجات علاج لصالح المجتمع وبخاصة مجتمع النساء، قبل أن يكون حلا فرديا لمشكلة أحد من الناس.
ولقد أشارت الدراسات الحديثة إلى أنه يوم أن يحرم تعدد الزوجات؛ سيكثر الزواج العرفي، ويتفشى تعدد الخليلات، وتزيد نسبة الطلاق، كما أن أزمة الزواج ستكون أكثر حدة، ويوم أن يقيد تعدد الزوجات أمام القضاء بمسوغ عدم القدرة على العدل بين الزوجات، والقدرة على الإنفاق؛ ستكثر شهادة الزور وتصبح التصرفات الصورية تجارة بين أصحاب الأملاك والراغبين في تعدد الزوجات، كما سيكثر الطلاق، ويزداد الزواج العرفي انتشارا، وستضيع بذلك حقوق كثير من النساء. ولا تغيب عن بال دارسي القانون الحيل القانونية الكثيرة التي تجعل هذه الشروط حبرا على ورق، كما حدث بالنسبة لشروط الطلاق في كثير من بلاد العالم.
فالالتزام بأحكام الإسلام هو خير عاصم للعقل البشري من الانحراف الفكري، وأصلب سد أمام طوفان الغزو الفكري، وأحسن حل لمشكلات المجتمع؛ فشريعة الإسلام تخاطب جميع الأجناس وسائر الأجيال، وفيها من السعة والمرونة ما يرضي المعتدل وما يهذب المفرط، فيها من النظم ما يعالج الانحراف وما يعين على الإصلاح، وفيها ما يدفع المجتمع نحو التقدم، وما يداوي جراحه، ويحفزه على مواصلة النضال وقت السلم ووقت الحرب على سواء، وفيها من الرحمة باليتامى والنساء ما يكفل للأولين حقوقهم وما يكفل للأخريات عزتهن وكرامتهن، فيها ما يكفل العناية باليتامى، وما يستوعب كل امرأة في ظل حياة زوجية كريمة فاضلة.
ثانيا. فقه حديث«أنتم أعلم بأمر دنياكم»:
إن من الأمور العجيبة حقا أن يستدل هؤلاء المشككون على أن تعدد الزوجات من أمور الدنيا بقوله صلى الله عليه وسلم: «أنتم أعلم بأمر دنياكم»؛ لأن المتأمل في هذا الحديث ومناسبته لا يجد بينه وبين إباحة تعدد الزوجات أي علاقة، لا من قريب ولا من بعيد، ويمكننا أن نوضح هذه الحقيقة بتوضيح الفقه الصحيح لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - من خلال السياق الكامل للحديث على النحو التالي:
جاء عن موسى بن طلحة عن أبيه قال: «مررت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوم على رؤوس النخل، فقال: "ما يصنع هؤلاء"؟ فقالوا: يلقحونه، يجعلون الذكر في الأنثى، فيلقح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أظن يغني ذلك شيئا"، قال: فأخبروا بذلك فتركوه، فخرج التمر فاسدا، فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فقال: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنا، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عز وجل»,وفي رواية عن أنس: «أنتم أعلم بأمر دنياكم».
إن هذا الحديث دال بطرقه ورواياته في كتب السنة على ما يلي:
1. أن تأبير النخل وتلقيحه من أمور المعاش التي يرجع فيها إلى الخبرة وأهل الاختصاص في الزراعات والنباتات، وما قاله الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في هذا الشأن رأي وظن، ولم يكن خبرا عن الله ولا تشريعا منه، فلا يؤاخذ الرسول بالظن في ذلك.
أما ما قاله وفعله على جهة التشريع فيجب العمل به، ولو كان من اجتهاده، وليس تأبير النخل من هذا النوع.
2. إن تعميم قوله صلى الله عليه وسلم: «أنتم أعلم بأمر دنياكم»تعميم باطل إذا فهم منه استبعاد التشريع الإسلامي وفصله عن شئون الحياة، فهذا لا يخطر على بال من عنده فقه في دين الله تعالى.
فالقرآن الكريم قد فصلت آياته المعاملات، وأحكام الحلال والحرام، والأحوال الشخصية من زواج وطلاق وظهار ولعان، وأحكام القصاص والديات والمواريث.
فهل يقول عاقل: إن هذه الأحكام وغيرها، التي نصت عليها آيات القرآن، وبينتها سنة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليست من الدين، وإنما تتعلق بأمور الدنيا؟ ويترك للبشر معرفتها، وبيان ما ينفعهم وما يضرهم؟
إن فقه الحديث يدلنا على أن الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم: «أنتم أعلم بأمر دنياكم» على أن تعدد الزوجات من أمور الدنيا التي لا علاقة للدين بها، استدلال غير صحيح؛ لأن الحديث في أمور المعايش مما ليس فيه تشريع.
3. إن علاقة الدين بالدنيا علاقة وثيقة، وأحكام الشريعة صدرت لتحقيق المصلحة، والقواعد الشرعية لصالح الإنسانية، فلا نتصور بحال من الأحوال فصل الدين عن الدنيا، لكن المقصود أن الإسلام احترم العادات، ومن قواعده الشرعية: "العادة محكمة"، كما أنه احترم التخصصات، ومن أصوله القرآنية: )وقل رب زدني علما (114)( (طه)، )فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون (7)( (الأنبياء).
ومن ثم فإن الحديث في ضوء هذا الفهم لا يعني أن أمور الدنيا بمعزل عن أمور الدين, فهي خاضعة - بشكل من الأشكال - لقواعده العريضة وأصوله الثوابت وأركانه المؤصلة وأحكامه السماوية ومقاصده العليا وحكمه الكلية.
ثالثا. التعدد ليس بدعة إسلامية، بل كان معروفا لدى الإنسانية عامة:
معلوم أن الإسلام لم يكن مبتدعا لتعدد الزوجات، وإنما نظمه وقننه بأحكام، وكيفه بكيفية وقيده بضوابط؛ فخرج به عن العشوائية التي كان يتسم بها في كثير من المجتمعات التي أخذت به في مختلف العصور، وما تزال.
والمتأمل في نظام التعدد يجد أنه لم يسد العالم البدائي وحده كما يزعمون، بل ساد الإنسانية في جميع عصورها، ومختلف شرائعها على النحو الآتي:
1. أباحت اليهودية تعدد الزوجات، والتسري بالإماء، وكانت الجارية زوجة شرعية حسب الناموس اليهودي، ولكنها في درجة أقل من درجة سيدة البيت:
لقد تزوج نبي الله داود عليه السلام - كما جاء في العهد القديم - عشرات النساء, أما سليمان - عليه السلام - الملك الحكيم بعد أبيه داود فقد نص سفر الملوك الأول في مقدمته: "وأحب الملك سليمان نساء غريبة كثيرة مع بنت فرعون: موآبيات وعمونيات وأدوميات وصيدونيات وحثيات من الأمم الذين قال عنهم الرب لبني إسرائيل: لا تدخلون إليهم وهم لا يدخلون إليكم؛ لأنهم يميلون قلوبكم وراء آلهتهم، فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة، وكانت له سبعمائة من النساء السيدات، وثلاثمائة من السراري".
ويقول ول ديوارنت عن اليهود: وإذا كان الرجل ثريا أبيح له أن يتزوج بأكثر من واحدة.
2. أباحت النصرانية تعدد الزوجات، والقول بالتحريم لا يستقيم للأسباب الآتية:
o من الناحية النظرية:
1. لا يجوز نقض العهد القديم الذي قرر التعدد دون خلاف، والمسيح - عليه السلام - يقول ما نصه: "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء, ما جئت لأنقض بل لأكمل؛ فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل". (متى 5: 17 - 19).
2. ليس هناك نص يحرم التعدد، وأما ما يستشهد به بعضهم من سؤال المسيح من قبل الفريسيين: "هل يحل للرجل أن يطلق امرأته؟ ليجربوه, فأجاب وقال لهم: بماذا أوصاكم موسى؟ فقالوا: موسى أذن أن يكتب كتاب طلاق فتطلق، فأجاب يسوع وقال لهم: من أجل قساوة قلوبكم كتب لكم هذه الوصية, ولكن من بدء الخليقة ذكرا وأنثى خلقهما الله، من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان جسدا واحدا، إذا ليسا بعد اثنين، بل جسد واحد، فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان". (مرقس 10: 2 - 9).
فمفهوم هذا النص ومنطوقه على هذا النحو:
· أن اليهود - في شريعتهم - يعطون المطلقة كتابا فيه تاريخ الطلاق وموضوعه وسببه، ويسمح لها بالزواج بمن شاءت، من ذلك: "إذا أخذ رجل امرأة وتزوج بها، فإن لم تجد نعمة في عينيه؛ لأنه وجد فيها عيب شيء، وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته، ومتى خرجت من بيته ذهبت وصارت لرجل آخر، فإن أبغضها الرجل الأخير وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته، أو إذا مات الرجل الأخير الذي اتخذها له زوجة، لا يقدر زوجها الأول الذي طلقها أن يعود يأخذها لتصير له زوجة بعد أن تنجست؛ لأن ذلك رجس لدى الرب، فلا تجلب خطية على الأرض التي يعطيك الرب إلهك نصيبا". (24: 1 - 4)، ومنه أيضا: "فرأيت أنه لأجل كل الأسباب إذ زنت العاصية إسرائيل فطلقتها وأعطيتها كتاب طلاقها، لم تخف الخائنة يهوذا أختها، بل مضت وزنت هي أيضا". (أرميا 3: 8).
· أن الأنبياء قد جمعوا بين أكثر من امرأة، ويكفي أن نقول: إن إبراهيم - عليه السلام - أبو الأنبياء في اليهودية والمسيحية والإسلام قد تزوج بسارة، وجمع معها هاجر المصرية زوجة، فولدت هاجر إسماعيل كما جاء في سفر التكوين: "وأما ساراي امرأة أبرام فلم تلد له. وكانت لها جارية مصرية اسمها هاجر، فقالت ساراي لأبرام: «هوذا الرب قد أمسكني عن الولادة. ادخل على جاريتي لعلي أرزق منها بنين». فسمع أبرام لقول ساراي. فأخذت ساراي امرأة أبرام هاجر المصرية جاريتها، من بعد عشر سنين لإقامة أبرام في أرض كنعان، وأعطتها لأبرام رجلها زوجة له. فدخل على هاجر فحبلت. ولما رأت أنها حبلت صغرت مولاتها في عينيها". (التكوين 16: 1 - 4)، وقد تزوج يعقوب - أحد الآباء الثلاثة للعبرانيين - أكثر من زوجة، فقد جمع بين أربع من النساء.
· أن هذه الوحدة المجازية التي تشير إلى وحدة الزوج مع زوجته لا تمنع تعدد الزوجات. فقد جاء في إنجيل يوحنا ما يفيد أن الوحدة المجازية يمكنها أن تتجاوز الاثنين؛ ليكون الجميع واحدا، من ذلك: "ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط، بل أيضا من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم، ليكون الجميع واحدا، كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك، ليكونوا هم أيضا واحدا فينا، ليؤمن العالم أنك أرسلتني. وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني؛ ليكونوا واحدا كما أننا نحن واحد. أنا فيهم وأنت في ليكونوا مكملين إلى واحد، وليعلم العالم أنك أرسلتني، وأحببتهم كما أحببتني". (يوحنا 17: 20 - 23).
3. ضرب المسيح - عليه السلام - أمثالا من واقع الحياة وأصدر أحكامه فيها صراحة، ومن تلك الأمثال التي تقرر تعدد الزوجات ما جاء في إنجيل متى: "حينئذ يشبه ملكوت السماوات عشر عذارى، أخذن مصابيحهن وخرجن للقاء العريس. وكان خمس منهن حكيمات، وخمس جاهلات. أما الجاهلات فأخذن مصابيحهن ولم يأخذن معهن زيتا، وأما الحكيمات فأخذن زيتا في آنيتهن مع مصابيحهن. وفيما أبطأ العريس نعسن جميعهن ونمن. ففي نصف الليل صار صراخ: هوذا العريس مقبل، فاخرجن للقائه! فقامت جميع أولئك العذارى وأصلحن مصابيحهن. فقالت الجاهلات للحكيمات: أعطيننا من زيتكن فإن مصابيحنا تنطفئ. فأجابت الحكيمات قائلات: لعله لا يكفي لنا ولكن، بل اذهبن إلى الباعة وابتعن لكن. وفيما هن ذاهبات ليبتعن جاء العريس، والمستعدات دخلن معه إلى العرس، وأغلق الباب. أخيرا جاءت بقية العذارى أيضا قائلات: يا سيد، يا سيد، افتح لنا! فأجاب وقال: الحق أقول لكن: إني ما أعرفكن". (25: 1 - 13)، حيث جمع عشر عذارى لمقابلة عريس واحد، وهو بهذا المثل ينسجم تماما مع الناموس الذي جاء به موسى - عليه السلام - وفيه مشروعية تعدد الزوجات.
o من الناحية العلمية:
إن تعدد الزوجات أمر معروف ومطبق عند بعض الطوائف النصرانية قديما وحديثا، فعلى سبيل المثال لا الحصر: فإن الكنيسة الأسقفية الإنجليكانية - التي ظهرت في عام 1521، والتي تنطلق من إنجلترا وتنتشر في أمريكا والهند وباكستان وبورما وسيلان واستراليا ونيوزيلاندا - تسمح بتعدد الزوجات للمسيحيين في أفريقيا، بل تجازو الأمر ذلك إلى الدفاع عن الشواذ جنسيا، وادعاء أن بعض الناس قد خلقهم الله يميلون إلى الجنس، وأنه لا ذنب لهم في هذا الأمر.
أما طائفة المورمون التي أسسها جوزيف سميث عام 1830م فتعتقد أنها تمثل الكنيسة الحقيقية التي أسسها يسوع المسيح، وأما باقي الكنائس في العالم فليست هي التي أرادها السيد المسيح.
ومما دعت إليه طائفة المورمون تعدد الزوجات، وقد تزوج برجهام يونج - الذي تولى قيادتهم بعد جوزيف سميث - سبع عشرة زوجة وأنجب ستة وخمسين ولدا.
والمورمون أكثر المجتمعات الأمريكية استقرارا ومحافظة على القديم، ومعروف أن الإرساليات النصرانية لا تمنع الأفارقة من تعدد الزوجات حتى للقسيس في الكنيسة الإفريقية، وتحرم هذا على زميله في أوربا، والسبب في ذلك أنها لو حاولت منع الأفارقة من التعدد فلن يعتنقها أحد منهم إلا نادرا.
ولا ندري أي النصرانيتين موافقة لرسالة المسيح؟ هل هي التي تحرم التعدد، أم التي تبيحه؟
بقي أن نقول: إن القديس أوغسطين (354 - 430م) قد استحسن أن يتخذ الرجل سرية - جارية - مع زوجته إذا عقمت، كما اعترفت الكنيسة بأبناء شرعيين للملك شارلمان (742 - 814م) من عدة زوجات.
ويذكر ديورانت عن شارلمان بأنه قد جرى على سنة أسلافه، "فاتخذ له أربع أزواج واحدة بعد الأخرى، وأربع عشيقات أو حظايا، ذلك أن حيويته الموفورة جعلته شديد الإحساس بمفاتن النساء، وكانت نساؤه يؤثرن أن يكون للواحدة منهن نصيب منه على أن يكون لها رجل آخر بمفردها، وقد ولدت له نساؤه نحو ثمانية عشر من الأبناء والبنات، فيهم أربعة شرعيون".
يقول وستر مارك: "إن تعدد الزوجات باعتراف الكنيسة بقي إلى القرن السابع عشر، وكان يتكرر كثيرا في الحالات التي لا تحصيها الكنيسة والدولة.
إن سياسة الكنيسة في نشر عقائدها أن تحرم وتحلل لترغيب الناس في اعتناق المسيحية، ثم يصير ما حللته أو حرمته بمرور الزمن شريعة تدافع عنها الأجيال اللاحقة كأنه نزل من السماء، ولم يكن سوى تحريف لشريعة الله"!
3. التعدد عند العرب في الجاهلية:
لقد كان من حق الرجل في الجاهلية أن يتزوج ما يشاء من النساء من غير تحديد ولا حصر؛ إذ لم تحدد شرائعهم للرجال عددا معينا من نسائهم. ومما أطلقه العرب على زوجات الرجل الواحد: الضرائر, قال ابن منظور في لسان العرب: وضرة المرأة امرأة زوجها، والضرتان: امرأتا الرجل، كل واحدة منهما ضرة لصاحبتها، وسميتا ضرتين؛ لأن كل واحدة منهما تضار صاحبتها، وكره في الإسلام أن يقال لها ضرة، وقيل: جارة.
وفي كلام عمر - رضي الله عنه - لابنته حفصة: "ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم". يريد عائشة، فقد عبر عمر بكلمة "جارتك".
وإذا كان الإسلام قد كره لفظ الضرة للزوجة الأخرى، فقد عمل على تحديد عدد الزوجات، فقد جاء عن ابن عمر قال: «أسلم غيلان الثقفي وعنده عشر نسوة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك أربعا وفارق سائرهن».
وجاء «عن وهب الأسدي أنه قال: أسلمت وعندي ثماني نسوة، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: اختر منهن أربعا». والروايات في هذا المعنى كثيرة.
4. التعدد في حضارات العالم القديم:
أما العبقرية اليونانية فقد جعلت تعدد الزوجات أمرا معروفا بين المواطنين والحكام.
لقد ذكر ديورانت أنه كان لتسيوس زوجات بلغن من الكثرة درجة لم يحاول معها مؤرخ أن يترك لنا إحصاء لهن موثوقا به.
فإذا انتقل ديورانت إلى الآلهة اليونانية فهو يقرر أن اليونان لم يكونوا يفرقون بين الآدميين والآلهة بقدر ما نفرق نحن بينهم، فقد كان كثير من آلهتهم لا يقلون في آدميتهم عن القديسين عندنا، اللهم إلا في مولدهم، وكانوا قريبين إلى عبادهم قرب القديسين إلينا...
ويفصل لنا ديورانت زوجات رب الأرباب زيوس: "زوجته الأولى: متيس إله الكيل والعقل والحكمة، والثانية: ثميس، والثالثة: يورنيوم، والرابعة: فموسيني، والخامسة: ليتو، والسادسة: دمتر، والسابعة: هيرا، والزوجات السبع من الآلهة، ثم ينتقل من الزواج الإلهي إلى الزواج الآدمي، وكانت نيوبي أولى زوجاته من الآدميين، وكانت آخرهن ألكمينا".
ويذكر ديورانت أنه كان في وسع الرجل أن يتخذ له - فضلا عن زوجته - خليلة يعاشرها معاشرة الأزواج، وينقل ديورانت لنا قول ديمستين السياسي والخطيب اليوناني الشهير: "إنا نتخذ العاهرات للذة، والخليلات لصحة أجسامنا اليومية، والأزواج ليلدن لنا الأبناء الشرعيين، ويعتنين ببيوتنا عناية تنطوي على الأمانة والإخلاص".
وفي هذه الجملة الواحدة العجيبة جمع دمستين رأي اليونان في المرأة إبان عصرهم الذهبي، وتبيح "قوانين دراكون" التسري، ولما أن قضت الحروب على العدد الكبير من المواطنين بعد الحملة التي سيرت على صقلية سنة 415 ق. م، ولم تجد كثيرات من البنات أزواجا لهن، أباح القانون صراحة التزوج باثنتين.
· إن الزواج بأكثر من واحدة من الناحية القانونية لم يمنع انتشار الانحلال الأخلاقي بجميع صوره في المجتمع اليوناني، وقد استمر ذلك في المجتمع الروماني، وفي هذا المعنى يقول ديورانت: "ولكن الرجال في روما لم يكونوا يلامون كثيرا على عدم العفة قبل الزواج إذا أظهروا الاحترام الواجب لرياء بني الإنسان ونفاقهم، شأنهم في هذا شأن الرجال في بلاد اليونان".
ويقدم لنا ديورانت أنواع الزواج عند الرومان، من ذلك زواج وضع اليد، وكان يتم إما بالمعاشرة مدة عام، أو بالشراء من قبل الرجل أو من قبل المرأة بعد ذلك.
"وكان القانون يعترف بالتسري بديلا عن الزواج لا مصاحبا له، ولم يكن أبناء السرارييعدون أبناء شرعيين، أو يجعل لهم حق الإرث، ومن أجل ذلك كان اتخاذ السراري أمرا محببا كل الحب للرجال الذين يتكالب عليهم من يسعون لأن يوصى لهم بأملاكهم".
· أما في مصر فيذكر ديورانت شيوع النساء والزواج بالأخوات بين المصريين، فيقول: "وكثيرا ما كان الملك يتزوج أخته، بل كان يحدث أن يتزوج ابنته، ليحتفظ بالدم الملكي نقيا خالصا من الشوائب... وانتقلت عادة الزواج بالأخوات من الملوك إلى عامة الشعب... وكان للملك - فضلا عن أخواته - عدد كبير من النساء من أسيرات الحروب، وبعضهن من بنات الأعيان، أو ممن أهداهن إليه الأقيال الأجانب، من ذلك أن أحد أمراء بلاد نهريتا أهدى إلى أمنحوتب الثالث ابنته الكبرى وثلثمائة من صفوة الفتيات".
"والواقع أننا نجد مقادير لزوجات كل ملك أو فرعون مصري كما هو واقع في كثير من المواقع الأثرية".
· أما في فارس فقد كان تعدد الزوجات فيها أمرا مباحا,بل يعد تعدد الزوجات في مصر مصدرا لشيوع تعدد الزوجات في بلاد الإغريق، وكان التعدد حقا للملوك وعامة الشعب"إلا أن النساء المصريات كن يحتطن ضد هذا التعدد بتضمين عقد الزواج شروطا: الهدف منها حماية الزوجة، وقد اقتفى القانون البطلمي أثر القانون المصري في هذا الخصوص, حيث لم يرد به نص صريح يحرم التعدد...".
يقول ديورانت: ولم يكن القانون يشجع البنات على أن يظللن عذارى، ولا العزاب على أن يبقوا بلا زواج، ولكنه يبيح التسري وتعدد الزوجات.
· أما في الهند فإن ديورانت ينقل لنا عن الأخلاق والزواج في الهند ما يأتي: "وأحكم الزواج بزواج يدبره الوالدان مراعيين فيه كل قواعد الزواج من داخل أو خارج؛ فالشاب ينبغي أن يتزوج داخل طبقته الاجتماعية، لكنه يختار زوجته من خارج مجموعته العائلية، وله أن يتزوج من زوجات كثيرات، لكن واحدة منهن فقط يكون لها السيادة على الأخريات" .
وفي موضع آخر يقول: "وفي مقدور الزوج إذا ما شربت زوجته الخمر، أو إذا مرضت، أو إذا شقت عليه عصا الطاعة، أو كانت مسرفة أو شكسة أن يتزوج من غيرها في أي وقت شاء لا أن يطلقها" .
· أما في بلاد الصين فقد كان تعدد الزوجات نظاما شائعا، يعدونه وسيلة لتحسين النسل، والحفاظ على الزوج، ويقر ديورانت ذلك بوضوح، ومما قاله: "وكثيرا ما كان يحدث أن الزوجات اللاتي يرغبن في أن يحتفظن بأزواجهن داخل بيوتهن يطلبن إليهم أن يتزوجوا بالمحاظي اللاتي يؤثرونهن بالعناية والصلات الجنسية، وأن يأتوا بهن إلى منازلهم ويتخذونهن فيها زوجات من الدرجة الثانية" .
هذه سياحة سريعة في الأمم القديمة ذات الحضارات المعروفة، وليس منها مجتمع بدائي، وقد ظهر في تلك الأمم نظام تعدد الزوجات دون نكير.
بقي أن نتناول أوضاع الغرب بعيدا عن عصور الظلام حتى لا نتهم بالتحامل على أحد، فلننطلق من عصر النهضة إلى حضارتنا المعاصرة بعيدا عن المجتمعات البدائية، ومعنا صاحب الشبهة ول ديورانت ليدحض الشبهة من أساسها، كما صنع في حديثه عن الحضارات القديمة في اليونان والرومان ومصر وفارس والهند والصين، فمن كلامه يرد عليه.
5. عصر النهضة الأوربية:
يحدثنا ول ديورانت بكل أسى وأسف عن الانحلال الخلقي ومنابع الفساد الخلقي وأشكاله، ويصور لنا بشاعة أخلاق رجال الدين، والحياة الخليعة التي يصورها الأدب الإيطالي عن حياة رجال الدين، وما فيها من دعارة وقذارة، ووصف الرهبان بأنهم خدم الشيطان، وأنهم منغمسون في الفسق واللواط والشره وبيع الوظائف الدينية، والخروج على الدين.
والعجيب أن ديورانت حين ينتقل إلى أخلاق غير رجال الدين، ويبدأ بذكر العلاقة بين الرجال والنساء تسجل عليه هذه الحقيقة: "أن الإنسان بفطرته ينزع إلى تعدد الزوجات، وأنه لا شيء يستطيع أن يقنعه بالزوجة الواحدة إلا أقسى العقوبات، ودرجة كافية من الفقر والعمل الشاق، ومراقبة زوجته له مراقبة دائمة".
أليست هذه الشهادة كافية في الرد على هذه الشبهة التي أثارها ديورانت نفسه، فهو يعترف بما لا يدع مجالا للشك أن التعدد فطرة، وليست نظاما بدائيا يتناسب مع المجتمعات البدائية.
رابعا. العرب ليسوا أكثر شهوانية من غيرهم:
نسارع منذ البدء ونوجه سؤالا إلى مثيري هذه الشبهة مؤداه: هل كان العرب أكثر شهوانية من غيرهم حتى أجاز لهم الإسلام تعدد الزوجات؟
وقبل أن نجيب عن هذا السؤال لا بد أن نوضح حقيقة مهمة قد تغافل عنها هؤلاء المغالطون، وهي أن التعدد لا يقتضي بالضرورة جموح الشهوة، فمنطق هؤلاء هنا مبني على قاعدة منطقية في نظرهم:
مقدمة سليمة: العرب يتزوجون بعدد من النساء.
إذن: كان العرب شهوانيين لا صبر لهم عن النساء.
ولنضرب من الطعام مثلا لتوضيح ذلك: زيد رجل نهم شره.. لماذا؟ لأننا نرى على مائدته العديد المتنوع من الألوان والصحاف, وعمرو رجل قنوع.. لماذا؟ لأنه لا يأكل إلا من طعام واحد، صحفة واحدة تتكرر بعينها كل وجبة, وعصام رجل زاهد.. لماذا؟ لأنه قلما يذوق الطعام، وإذا تذوقه فهو من الخبز القفار لا يمس الإدام، وما رأى الراءون من زيد وعمرو وعصام إلا ما على المائدة وما يدخلونه في أفواههم، أما ما داخل كل منهم من الشهوة للطعام والتعلق به فلم يره الراءون، بل تخيلوه تأسيسا على ظاهر المطعوم.
أجل.. قد يكون الأول غير بطين ولا شره، وإنما ذلك عليه هين، تيسر له فيصيب منه غير محتفل ولا مكترث، أو لا يتيسر له فلا يهتم ولا يأسى, وقد يكون الثاني بطينا شرها يكترث لما يصيب منه فيسرف، ويغتم إن غاب عنه، فالشراهة فيه طبع لا يتعلق بالمظهر الخارجي، وإنما هي نوع من العلاقة بين الآكل والمأكول، علاقة متينة لأسباب عميقة الجذور في نفس المرء ذي البطنة، بل أكثر من هذا.. قد يكون الثالث - الممتنع عن الأكل - أكثر بطنة وشراهة في واقع الطبع من سابقيه؛ فالعبرة بالعلاقة بين الآكل والمأكول، سواء حضر المأكول أو غاب، وليست العبرة بالامتناع، إنما العبرة بتعلق النفس ومدى الاهتمام في باطن الشعور.
ومن المائدة إلى الفراش، فقد لا يكون شهوانيا صاحب الزوجات الكثيرة يجمع بينهن, وعلى العكس تماما.. كيف بحال نزلاء السجون وليس لهم إلى امرأة من سبيل، فهل ننسبهم إلى العفة وسكون الشهوة؟!! [36] فلا توجد أي علاقة تربط بين تعدد الزوجات وجموح الشهوة.
إن المتأمل في تاريخ الحضارات الإنسانية يدرك بما لا يدع مجالا للشك أن العرب ما كانوا أكثر شهوانية من غيرهم حتى يجيز لهم الإسلام تعدد الزوجات.
ولندع ول ديورانت - دون غيره - يدحض هذا القول، كما دحض قوله السابق، واعترف - صراحة - أن الإنسان بفطرته ينزع إلى تعدد الأزواج, وها هو يسوق في موسوعته قصة الحضارة ما ينافي ما ادعاه هو نفسه من أن العرب كانوا أكثر شهوانية من غيرهم حتى أجاز لهم الإسلام تعدد الزوجات، حيث بلغت الحضارات السابقة على الإسلام واللاحقة ما يؤكد أن شهوانية هذه الحضارات تجاوزت السلوكيات الفردية أو الجماعية إلى الاعتقاد الديني بمشروعيتها؛ فأصبحت معتقدات تلك الحضارات لا تبيح الجنس فحسب، بل تعده واجبا مقدسا يمارسه الكهنة، وينغمس فيه رجال الدين، حتى غدت الشهوانية والعلاقات الجنسية ليست مقصورة على الطبيعة الإنسانية، وإنما صارت عقيدة دينية تمارسها الآلهة، ونواب الآلهة، وهو أمر فاق الحياة العربية ولم نجد له أثرا عند العرب لا في تاريخهم القديم ولا الحديث.
ففي حضارة سومر كانت عاهرات المعابد، وكان يتصل بالهياكل عدد من النساء منهن خادمات ومنهن سراري للآلهة أو لممثليهم الذين يقومون مقامهم على الأرض، ولم تكن الفتاة السومارية ترى شيئا من العار في أن تخدم الهياكل على هذا النحو، وكان أبوها يفخر بأن يهب جمالها ومفاتنها لتخفيف ما يعتري حياة الكهان المقدسة من ملل وسآمة.
وفي حضارة مصر برزت آلهة العلاقات الجنسية، وكان المصريون يقدسون المعز والعجل تقديسا خاصا، ويعدونهما رمز القدرة الجنسية الخارقة، ولم يكونا مجرد رمزين لأوزير, بل كانا تجسيدا له، وكثيرا ما كان أوزير يرسم وأعضاؤه التناسلية كبيرة بارزة، دلالة على قوته العظمى، وكان المصريون في المواكب الدينية يحملون له نماذج بهذه الصورة، أو أخرى ذات ثلاثة قضبان، وكانت النساء في بعض المناسبات يحملن مثل هذه الصور الذكرية، ويحركنها تحريكا آليا بالخيوط، والعبادة الجنسية لا تظهر فقط في الرسوم الكثيرة التي نراها في نقوش الهياكل ذات قضبان منتصبة، بل إنا - فضلا عن هذا - نراها كثيرا في الرموز المصرية على هيئة صليب ذي مقبض كان يتخذ رمزا للاتصال الجنسي وللحياة القوية.
وفي حضارة بابل شاع العهر المقدس، وغير المقدس، وعم الانحلال الأخلاقي، ومما سجله ديورانت في هذا الشأن: ينبغي لكل امرأة بابلية أن تجلس في هيكل الزهرة مرة في حياتها، وأن تضاجع رجلا غريبا، وكانت عاهرات الهياكل كثيرات في غربي آسيا، نجدهن عند بني إسرائيل وفي فيرجينيا وفينيقية وغيرها من الأقطار, وظلت الدعارة المقدسة عادة متبعة في بابل حتى ألغاها قسطنطين - حوالي عام 325 ق. م - وكان بجانبها عهر مدني منتشر في حانات الشرب التي تديرها النساء، وكان يسمح للبابليين في العادة بقسط كبير من العلاقات الجنسية قبل الزواج...، وسرت عادات العاهرات إلى جميع الأوساط، ليس ثمة أغرب من أخلاق هذه المدنية، فلسنا نجد في أي مكان آخر ما نجده فيها من تهيئة كل شيء على خير وجه لإشباع الملذات الشهوانية.
وفي حديث ديورانت عن اليهود يشير بسرعة إلى نبي الله داود - عليه السلام - وما ارتكبه - حاشاه - من خطيئة الزنا فيقول: "ويأخذ امرأة أوريا الحثي بين نسائه في غير حياء، ويرسل أوريا إلى الصف الأول في ميدان القتال ليتخلص منه، وتقبل زجر ناثان له في ذلة" .
وهو يشير إلى ما ورد في الكتاب المقدس ونصه: "وكان في وقت المساء أن داود قام عن سريره، وتمشى على سطح بيت الملك فرأى من على السطح امرأة تستحم، وكانت المرأة جميلة المنظر جدا فأرسل داود وسأل عن المرأة، فقال واحد: أليست هذه بثشبع بنت أليعام امرأة أوريا الحثي، فأرسل داود رسلا وأخذها فدخلت عليه فاضطجع معها وهي مطهرة من طمثها ثم رجعت إلى بيتها، وحبلت المرأة؛ فأرسلت وأخبرت داود وقالت: إني حبلى...".
والقصة مفصلة في سفر صموئيل الثاني، الإصحاح الحادي عشر لمن يريد أن يقرأها.
أما سليمان فعنه يقول ديورانت: "واستخدم بعض هذه الثروة في ملاذه الشخصية، وأخص ما استخدمها فيه إشباع شهواته في جمع السراري، وإن كان المؤرخون ينقصون زوجاته السبعمائة وسراريه الثلثمائة إلى ستين وثمانين على التوالي"، ومع أننا نرفض رفضا قاطعا ما هو منسوب إلى الأنبياء الأتقياء، إلا أننا نريد أن نسجل على هذا أقواله ردا على شبهته، وإذا كان هذا ما يقولونه عن أبناء الله، فكيف بما يقولونه عن غيرهم من البشرية؟!
ويتناول ديورانت القصص الغرامية الساحرة الواردة في التوراة مثل قصة إسحاق ورفقة، ويعقوب وراحيل، وشمشون ودليلة... ويذكر ديورانت أن مزامير داود تحتل المكان الأول في شعر العالم الغنائي، ثم يمضي في حديثه ويقول: "وإذا ما وضعنا إلى جانب هذه المزامير - نشيد سليمان - لاح لنا ما في الحياة اليهودية من عنصر شهواني دنيوي، لعل كتاب العهد القديم - وهم الذين يكادون كلهم أن يكونوا من الأنبياء والكهنة - قد أخفوه عنا، كما يكشف "سفر الجامعة" عن تشكك لا نتبينه فيما عني الكتاب باختياره ونشره من أدب الأقدمين, ولسنا ندري كيف غفل - أو تغافل - رجال الدين عما في هذه الأغاني من عواطف شهوانية فأجازوا وضعها بين أقوال إشعيا والخطباء".
ونحن نقول لديورانت: إذا كنت لا تدري كيف غفل - أو تغافل - رجال الدين عن تلك الأغاني والعبارات الساقطة التي لا يليق أن نسجلها، فإننا ندري أن الذين نسبوا إلى أنبيائهم - زورا وبهتانا - خطايا يندى لها الجبين، لا يتورعون أن يجعلوا كتابهم المقدس صورة حقيقية تعكس طبيعة حياتهم وأخلاقهم، حتى صار اليهود عند كل المراقبين في القديم والحديث هم ملوك الجنس والدعارة في العالم.
وها هو ديورانت يعترف صراحة بهذا الانحلال الأخلاقي رغم الوصية بالزواج فيقول: "ولكن الزنا كان رغم هذا منتشرا بين اليهود، ويلوح أن اللواط لم ينقطع بعد تدمير سدوم وعمورة - مكان قوم لوط -، ولما كان القانون فيما يلوح لم يحرم الاتصال بالعاهرات والأجنبيات، فإن السوريات والمؤابيات والمدنيات وغيرهن من النساء العزبات انتشرن في الطرق العامة, حيث كن يعشن في مواخير وخيام، ويجمعن بين الدعارة وبيع مختلف السلع الصغيرة، ولما كان سليمان لا يتشدد كثيرا في هذه الأمور، فإنه قد تساهل في تطبيق القانون الذي كان يحرم على تلك النساء السكنى في أورشليم، وسرعان ما تضاعف عددهن حتى كان الهيكل نفسه في أيام المكابيين ماخورا للفسق والفجور...".
فإذا انتقلنا إلى حضارة الهند فإن ديورانت ينقل لنا أن كتاب "كاما سوترا" - ومعناها: مذهب الشهوة - هو أشهر كتاب من بين مجموعة كبرى كلها يعبر عن افتنان عقولهم - أي الهنود - إلى حد ملحوظ بفنون العلاقة الجنسية في صورتها الجسدية والعقلية.
ويذكر ديورانت أن الزنا في الأعم الأغلب كان مقصورا على المعابد، ففي الأصقاع الجنوبية كانت رغبات الرجل الشهواني تشبعها له من كن يطلق عليهن "خادمات الله" طائعات في ذلك أوامر السماء، وما خادمات الله إلا العاهرات.
أما بلاد الرومان فقد كان ازدياد الثراء وفساد الأخلاق من أكبر العوامل في الانحلال الخلقي وانفصام رابطة الزواج، وظلت الدعارة منتشرة في البلاد، ويعترف ديورانت صراحة بهذا الانحلال الخلقي بقوله: "وكان الرومان - كما كان اليونان - يتغاضون عن اتصال الرجال بالعاهرات، وكانت هذه المهنة ينظمها القانون، ويخضعها لإشرافه، ويتهم المؤرخون المسيحيون الرومان بأن الدعارة كانت تمارس داخل الهياكل الرومانية وبين مذابحها، وكان في البلاد أيضا رجال مخنثون، وكان اللواط محرما بحكم القانون، ولكنه كان مباحا بحكم العادة، واسع الانتشار لا يرى فيه مسبة ولا عار".
وكان ثمة صراع شديد بين الزواج وبين هذه المنافذ الجنسية المنافسة له, وكان الزنا منتشرا بين نساء الرومان في أوسع نطاق، وكانت المرأة المتزوجة تسلم جسدها إلى عشاقها، ويعتقد الرومان أن المرأة المتزوجة التي تقنع بعاشقين تعد آية في الإخلاص لزوجها، وأن الرجل الذي يغضب من صلات زوجته الغرامية رجل جلف، وللزوجين أن يتفقا على أن يفعل كل واحد منهما ما يحلو له، وكان للمرأة في ذلك العهد مثل ما لها الآن من الحرية الكاملة، إذا ما استثنينا من ذلك الحقوق السياسية الشكلية، وحرفية القوانين الميتة، لقد كان التشريع يبقي المرأة خاضعة أسيرة، ولكن العادة جعلتها طليقة!!
ولقد ورثت الحضارة الغربية هذه الأخلاق منذ عصر النهضة إلى يومنا هذا, يقول ديورانت: "كانت هناك - بلا شك - مغامرات كثيرة من فتيان وفتيات قبل الزواج، ولولا هذا لما استطعنا أن نفسر وجود ذلك العدد الجم من الأبناء غير الشرعيين في كل بلد من بلاد إيطاليا في عصر النهضة، ويروى أنهم - أي الشباب - كانوا يقولون: إن الفسق ليس من الخطايا، وإن العفة من الأوامر التي عفا عليها الزمن، وإن عادة احتفاظ البنات بعذريتهن آخذة في الزوال، وحتى مضاجعة المحارم كان لها من يحبذونها ويتباهون بها، وأما اللواط فقد كاد يصبح من مستلزمات بعث الحضارة اليونانية، وكان الكتاب الإنسانيون يكتبون عنه بما يشبه الاعتزاز العلمي.
وفي وسعنا أن نقول هذا القول نفسه عن الدعارة, ويقدر التعداد الذي أجري في البندقية عام 1509 عن العاهرات بـ 65411 عاهرة من بين سكانها البالغ عددهم نحو 300000، ولما ازداد الثراء وازدادت الرغبة في التنعم؛ بدأ الأثرياء المنعمون يطلبون المحاظي اللائي يتمتعن بقسط من التعليم والمفاتن الاجتماعية، وكما أن طائفة من الخليلات قد نشأن في أثينا أيام سفكليز للوفاء بهذا المطلب، كذلك نشأت في روما في أواخر القرن الخامس عشر، وفي البندقية في القرن السادس عشر طبقة من الخليلات المهذبات ينافسن أظرف السيدات في ثيابهن وآدابهن وثقافتهن بل وفي تقاهن، وترددهن على الكنائس في أيام الآحاد، وبينما كانت العاهرات العموميات يمارسن حرفتهن في المواخير، كانت الخليلات الرومانيات السالفات الذكر يقمن في بيوتهن..".
ونحن بدورنا نكمل صورة الحضارة الغربية حتى لا نرهق ديورانت معنا، فنقول: "لم تعرف الإنسانية في تاريخها الطويل ما عرفته في تاريخنا المعاصر من شهوانية لا حدود لها، طوعا وكرها، حتى غدت تجارة البغاء من أربح أشكال التجارة، ومن أكبر مصادر الدخل للجريمة المنظمة؛ لدرجة أنها أغرت تجار السلاح والمخدرات بتغيير نشاطهم إلى تجارة البغاء، وقالت الشرطة الدولية - الإنتربول -: إن مهربي السلاح والمخدرات يهربون بشكل متزايد نساء من إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا لدول متقدمة؛ حيث يتعرضن للخداع للعمل في الدعارة".
وتجدر الإشارة إلى أن منظمة الهجرة الدولية كانت قد كشفت عن إدخال عصابات متخصصة لأربعة ملايين شخص في سوق الدعارة كل سنة، وهي تجارة تدر عليهم سبعة بلايين دولار سنويا. وفي تايلاند وحدها تبلغ عائدات الدعارة ما بين 5، 22 مليار دولار سنويا.
إن من يريد أن يتعرف على حجم الإباحية الذي وصلت إليه الإنسانية المعاصرة عليه أن يعلم الحقائق الآتية:
1. أصبح الجنس أسهل الطرق لتحقيق الثراء، خذ على سبيل المثال "هيوج هافنر" هذا الصعلوك الأمريكي الذي طرد من المدرسة الابتدائية وعمل في مهن عديدة كغسل الصحون وتنظيف المراحيض، والذي انتهى به المطاف إلى لاس فيجاس؛ حيث أندية القمار وأوكاره، وتمكن من تكوين مجموعة من الفتيات خاصة به لإغراء المترددين على المقامرة وتمضية الأوقات السعيدة، وأقبل العملاء على فتياته بشكل لم يكن يتوقعه، فتأكد أنه على وشك تحقيق أحلامه، وعرف أن الجنس هو طريق سهل لجمع ثروة كبيرة في وقت قصير.
وكانت فكرة صورة الحائط التي أعدها الناشر الأمريكي هورانيو اليجري للممثلة الأمريكية مارلين مونرو وهي عارية تماما، الموضة الجديدة التي حققت نصف مليون دولار لصاحبها خلال خمسة عشر يوما، وعلقت الفكرة في رأسه، وطورها إلى عمل صحفي يعتمد على الجنس والصور العارية فكانت "مجلة البلاي بوي"، أي: الولد اللعبي، وخلال ثلاثين عاما من إصدار العدد الأول 1953م، وصل توزيع المجلة إلى تسعة ملايين نسخة من كل عدد، وارتفعت قيمة الصفحة الإعلانية إلى 250 ألف دولار، وخلال أعوام قليلة كانت مؤسسة "البلاي بوي" داخل أمريكا وخارجها محققة عشرات المليارات من الدولارات بعد دفع رسوم الضرائب.
والجدير بالذكر أن هذا الصهيوني يطلق على نفسه "الأعزب".
وفي أمريكا بلغ عدد الشركات الجنسية التي تتخذ من المرأة بطاقة رائجة ما يقرب من مائتين وخمسين شركة جنسية.
وفي نيويورك يوجد أغرب مجمع في العالم يضم أعضاء من مختلف الولايات المتحدة، يقدر عددهم بحوالي خمسة عشر مليونا هم المنحرفون جنسيا.
2. أصبح للجنس مصادره المتعددة من ذلك وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وأصبحت الاكتشافات الحديثة في البلاد النامية على سبيل الخصوص وبالا عليها، فأضحت شبكة المعلومات الدولية - الإنترنت - خرابـا ودمارا بدلا من أن تكون ثقافة وعمارا، واحتلت المواقع الإباحية الصدارة بأرقامها القياسية التي تجاوزت الملايين وارتادها - أيضا - الملايين من الشباب والفتيات المتعطشين حتى غدت الرذيلة شيئا مألوفا، بل تجاوز الأمر إلى المتزوجين حتى أصبحت العلاقة الزوجية فارغة من معناها، فالخيانة الزوجية شيء طبيعي، ومما نقلته " مجلة الشرق الأوسط": أن شابا إيطاليا ذكر أنه خان زوجته 480 مرة خلال ستة أشهر وهي تعرف ذلك، ويريد تسجيل اسمه وتجربته في موسوعة الأرقام القياسية.
كما أن الموضة والأزياء الخليعة والغزو الفكري وإباحة الجنس، ومعوقات الزواج، والخلافات الزوجية، وغياب العقوبات الرادعة، وانشغال الزوجة عن تربية الأولاد، وكثرة المطلقات والأرامل والعوانس كل هذه الأشياء تعد من روافد الجنس ومصادر الزنا ومنابع الفساد، ويكفي أن نتذكر أن منظمة الأمم المتحدة أعلنت عن مرض واحد فقط من الأمراض الجنسية وهو الإيدز, فذكرت وفاة 25 مليون شخص منذ اكتشاف المرض في 1981م، وأن هناك ثمانية آلاف حالة وفاة كل يوم، وأن هناك أربعين مليون مصاب، وأنها تحتاج إلى 23 مليار دولار سنويا لمحاربة الإيدز!
3. أصبحت الدعارة نشاطا عالميا رسميا، وممارسة البغاء تحولت في دول عديدة إلى مهنة معترف بها، لها قوانين وأنظمة وتديرها شبكة ضخمة، لكن الجديد أن دولا عديدة باتت تلجأ إلى تقنين الدعارة بهدف محاربة شبح البطالة والفقر، فبدلا من بقاء النساء في البيوت بلا عمل، فلماذا لا يخرجن ليبعن أجسادهن لكل الرجال؟
والأخطر في هذا المجال مؤتمرات السكان التي تحاول عولمة الجنس وإصدار القوانين الدولية التي تحمي الدعارة من خلال المصطلحات التالية:
· الجندر Gender شعور الإنسان بنفسه ذكرا أو أنثى؛ حيث لا مانع من عملية التحويل التي يرغب فيها الشخص، واختيار النوع الذي يريده.
· حرية الحياة غير النمطية، ومعناها: عدم وضع أي قيد على حرية التوجه الجنسي خارج إطار الأسرة والزواج التقليدي النمطي المعروف ويشمل هذا: تقنين الشذوذ ، ومعناه إعطاء الشاذ جنسيا الحق القانوني في ممارسة ما يريد، ومن الشذوذ عمل قوم لوط، واللواط أي: إتيان الذكران بعضهم بعضا، والسحاق أي: إتيان النساء بعضهن بعضا.
· الإجهاض الآمن، أي: إعطاء المرأة الحق القانوني غير المجرم في إسقاط الجنين بما لا يعرضها للخطر.
· حرية الجسد الأنثوي فالمرأة حرة في جسدها تفعل به ما تشاء، وليس لأحد - أيا كان - سلطان على حرية المرأة.
· ما يطالعه الإنسان خلال شبكة المعلومات الدولية في هذا الشأن ما يقشعر منه البدن، فلم تعد هناك أسرة على المعنى المعروف إلا في أضيق الحدود، ونحن نظلم الحيوانات حين نشبه بها أعمال المنحرفين الذين توحي إليهم شياطينهم أنهم بتلك الأعمال متحضرون!!
وبهذا العرض ــ الذي تعمدنا الإطالة فيه ــ يتضح لنا أن العرب لم يكونوا قط أشد شهوانية من غيرهم لا قديما ولا حديثا، ومن ثم فإنهم لم يكونوا بحاجة إلى تشريع خاص بالتعدد، الذي كان منتشرا في الأمم والديانات السابقة عليهم.
خامسا. التعدد في الإسلام رخصة مقيدة، وهو مسئولية الرجل:
إن تعدد الزوجات في الإسلام رخصة وأمر مباح، وليس فرضا لازما تجب مباشرته ويأثم تاركه، وهو - في أصل الشريعة - رفع للحرج، ومتسع للبعد عن الظلم لأي امرأة، وعدم التضييق على أي رجل,قال عز وجل: )وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا (3)( (النساء).
وقد جاء عن عائشة - رضي الله عنها -: «أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها، وكان لها عذق وكان يمسكها، ولم يكن لها من نفسه شيء, فنزلت فيه: )وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى( أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله».
وقد جاء عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول الله عز وجل: )وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى( فقالت: يا ابن أختي، هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله، ويعجبه مالها وجمالها؛ فيريد وليها أن يتزوجها، بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا عن أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا لهن أعلى سنتهن في الصداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.
قال عروة: «قالت عائشة: وإن الناس استفتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد هذه الآية؛ فأنزل الله: )ويستفتونك في النساء( (النساء: 127)، قالت عائشة: وقول الله - عز وجل - في آية أخرى: )وترغبون أن تنكحوهن( (النساء: ١٢٧) رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال، قالت: فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها في يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن، إن كن قليلات المال والجمال».
فالذي يظهر من آية التعدد وسبب نزولها ما يلي:
· تكريم لليتيمة، وهي الصغيرة التي مات أبوها، وتولي أمرها من الأولياء من رغب في نكاحها طمعا في مالها وجمالها، دون أن يعطيها المهر الذي تستحقه.
· فجاءت الآية تنهى عن ذلك، وتقول للأولياء: اعدلوا مع يتامى النساء إذا أردتم الزواج منهن، فإن خفتم ألا تعدلوا، فالنساء غيرهن كثيرات، فانكحوا غير اليتيمات رفعا للحرج، ففي الآية تعظيم لتقوى الله - عز وجل - في معاملة النساء، وخاصة اليتامى منهن، وتأكيد على حفظ حقوقهن، )وآتوا النساء صدقاتهن نحلة( (النساء: 4)، وتحذير من الطمع فيهن، وبعد عن الشبهات في التعامل معهن.
· التأكيد على العدالة مع النساء، والتحذير من ظلمهن، والمعنى: أيها الأولياء إن كنتم تخافون ألا تقسطوا مع اليتامى في المعاملة، فخافوا ألا تقسطوا مع النساء، فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع.
· وقاية المجتمع من أضرار الزنا، والمعنى: إن خفتم الجور في حق اليتامى، فخافوا الزنا؛ فانكحوا ما حل لكم من النساء ولا تحوموا حول المحرمات.
· لا يطلق الإسلام الزواج بأي عدد من النساء بل حدد هذا الأمر، ولم يتركه لهوى الرجل، فأقصى ما يمكن أن يجمعه رجل في عصمته أربع نساء.
وإباحة تعدد الزوجات مقيدة بشرطين:
الأول: عدم خوف الميل والجور.
الآخر: القدرة على الإنفاق، وعدم خشية الإهمال.
أما الشرط الأول: ففيه جاء قوله عز وجل: )فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة( (النساء: 3)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل», وفي رواية: «وشقه ساقط».
وأما الشرط الآخر: ففيه جاء قوله عز وجل: )ذلك أدنى ألا تعولوا( (النساء: 3).
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته».
ولقد اتفق الفقهاء على أن هذين الشرطين لا بد من توافرهما لكل من يبغي أن يتزوج وعنده زوجة، بل إن الزواج الأول الذي لا يرعى فيه الزوج العدل مع زوجته، أو لا يستطيع الإنفاق عليها لا يجوز أصلا.
ثم إن إساءة استخدام هذه الرخصة، لا ينفي تحقق الفائدة منها، وإن فساد الناس وسوء أخلاقهم في تعدد الزوجات لا يلغي الحكمة من تشريعه، وإن الواقع المؤسف ليس دليلا على أن التعدد لا يجوز؛ إنه تشريع العليم الحكيم، الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.
سادسا. هناك دوافع موضوعية وضرورات اجتماعية، تجعل تعدد الزوجات حلا مقبولا ومشروعا ومعقولا:
إن تعدد الزوجات يقع في إطار مسئولية الرجل في حماية المجتمع، فالتعدد ليس محاباة للرجل، بل هو تكليف يجعل الرجل يتحمل أعباء إضافية، في إطار المسئولية الجماعية، لقد أدرك المسلمون الصادقون هذه المسئولية، فلم يتركوا المرأة المسلمة لحما رخيصا تنهشه الكلاب المسعورة، كما لم يفرضوا عليها رهبانية قاتلة، وحرمانا ظالما، لقد استجابوا لشرع الله، والتزموا منهج الله الذي يتوخى دائما أن ينشيء واقعا يساعد على صيانة الخلق، وطهارة المجتمع، وحفظ الأعراض، وصيانة الحرمات.
تعدد الزوجات حق للمرأة على الرجل، وواجب على الرجل تجاه المرأة.
إنه حق تصرخ به كل شريفة عفيفة وجدت نفسها محرومة من تحقيق فطرتها، وإشباع غريزتها، تنادي الرجل الكريم بلسان الحال:
من يسترني ويحميني من الضياع؟
من يقف بجانبي ويكون لي خير راع؟
من يؤنس وحدتي؟
من يرحم غربتي؟
كيف يجيب الرجل؟
هل يهز الأكتاف...
وأصوات الهتاف:
نريدها عشيقة...
نبغيها رفيقة...
نطلبها طليقة؟!
هكذا تكون النهاية.
لا، إن على المرأة أن تطالب بحقها في أن تكون زوجة لا عشيقة، وأن تكون سيدة لا رفيقة، وأن تكون مصونة لا طليقة.
ومن كلام الأستاذ قاسم أمين نفسه - وهو من دعاة تقييد تعدد الزوجات - نرصد بعض الدوافع التي تقف وراء تعدد الزوجات، إذ يقول: ولا يعذر رجل يتزوج أكثر من امرأة، إلا في حالة الضرورة المطلقة، كأن أصيبت امرأته الأولى بمرض مزمن لا يسمح لها بتأدية حقوق الزوجية. أقول ذلك، ولا أحب أن يتزوج الرجل بامرأة أخرى، حتى في هذه الحالة وأمثالها، حيث لا ذنب للمرأة فيها، والمروءة تقضي أن يتحمل الرجل ما تصاب به امرأته من العلل، كما يرى من الواجب أن تتحمل هي ما عساه أن يصاب به.
وكذلك توجد حالة تسوغ للرجل أن يتزوج بثانية، إما مع المحافظة على الأولى إذا رضيت، أو تسريحها إن شاءت وهي: إذا كانت الزوجة عاقرا لا تلد؛ لأن كثيرا من الرجال لا يتحملون أن ينقطع النسل في عائلاتهم.
أما في غير هذه الأحوال فلا أرى تعدد الزوجات إلا حيلة شرعية لقضاء شهوة بهيمية، وهو علامة تدل على فساد الأخلاق، واختلال الحواس، وشره في طلب اللذائذ[61].
ولنا وقفات مع كلام الأستاذ قاسم أمين:
إذا كان يرى أن هناك مسوغا لتعدد الزوجات في حالتين، فلم لا يعطي الآخرين فرصة لتقديم حالات أخرى؟!
ومعنى هذا ببساطة شديدة: أن هناك حاجة لتعدد الزوجات، وأيا كانت تلك الحاجة فلا عبرة بعبارات التنديد؛ لأن الاعتراف سيد الأدلة.
إن إساءة استخدام الحكم الشرعي ليس دليلا على فساده، ولا بد أن نفرق بين جانبين: المسلم في واقعه، والإسلام في أحكامه.
فقد يكون المسلم ظالما مع أن الإسلام لا يقر الظلم بحال من الأحوال حتى مع غير المسلمين، ومع كل الذين تنشأ بيننا وبينهم خصومة أو بغضاء، وصدق الله القائل: )يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون (8)( (المائدة)، )يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا (135)( (النساء).
إن الأستاذ قاسم أمين يتناقض مع نفسه,فهو حين يذكر الحالة الأولى فهو يرى أن مرض المرأة المزمن مبرر للزواج بأخرى، وإن كان لا يفضل ذلك من باب الشهامة والمروءة.
وحين يذكر الحالة الثانية من عقم المرأة، لا نجد أثرا لتلك الشهامة والمروءة رعاية لحال كثير من الرجال الذين لا يتحملون أن ينقطع النسل في عائلاتهم.
ونحن نتساءل: لو أن رجلا بصحته وقوته مرضت زوجته بما لا تقوم معه بحقوق الزوجية، هل يمكن أن يصبر على ذلك؟ ومن هو هذا الرجل؟ وكم نسبة هؤلاء؟
إن المزايدة على دين الله لا تصدر من عاقل حكيم، يحترم الواقع ويقدر الظروف!
لكن حسبنا في هذه النقطة أن الأستاذ قاسم أمين فتح لنا الباب في إدراك الحكمة من تعدد الزوجات، حيث ذكر لنا حالتين:
الأولى: مرض الزوجة مرضا مزمنا تعجز معه عن القيام بحقوق الزوجية.
الأخرى: عقم الزوجة.
ونحن بدورنا سنذكر بعض الحالات الأخرى التي تقرر الحكمة من تعدد الزوجات بما ينسف الاتهام القائم على أن التعدد ظلم وامتهان لكرامة المرأة، ونستهل هذا بكلام لصاحب الظلال الأستاذ سيد قطب في هذا الشأن، إذ يقول: إن الإسلام نظام للإنسان، نظام واقعي إيجابي، يتوافق مع فطرة الإنسان وتكوينه، ويتوافق مع واقعه وضروراته، ويتوافق مع ملابسات حياته المتغيرة في شتى البقاع، وشتى الأزمان، وشتى الأحوال.
إنه نظام واقعي إيجابي، يلتقط الإنسان من واقعه الذي هو فيه، ومن موقفه الذي هو عليه، ليرتفع به في المرتقى الصاعد إلى القمة السامقة، في غير إنكار لفطرته أو تنكر، وفي غير إغفال لواقعه أو إهمال، وفي غير عنف في دفعه أو اعتساف!
إنه نظام لا يقوم على الحذلقة الجوفاء، ولا على التظرف المائع، ولا على المثالية الفارغة، ولا على الأمنيات الحالمة، التي تصطدم بفطرة الإنسان وواقعه وملابسات حياته، ثم تتبخر في الهواء!
وهو نظام يرعى خلق الإنسان، ونظافة المجتمع، فلا يسمح بإنشاء واقع مادي من شأنه انحلال الخلق، وتلويث المجتمع، تحت مطارق الضرورة التي تصطدم بذلك الواقع، بل يتوخى دائما أن ينشيء واقعا يساعد على صيانة الخلق، ونظافة المجتمع، مع أيسر جهد يبذله الفرد ويبذله المجتمع.
فإذا استصحبنا معنا هذه الخصائص الأساسية في النظام الإسلامي، ونحن ننظر إلى مسألة تعدد الزوجات, فماذا نرى؟
نرى - أولا - أن هناك حالات واقعية في مجتمعات كثيرة - تاريخية وحاضرة - تبدو فيها زيادة عدد النساء الصالحات للزواج، على عدد الرجال الصالحين للزواج, والحد الأعلى لهذا الاختلال الذي يعتري بعض المجتمعات لم يعرف تاريخيا أنه تجاوز نسبة أربع إلى واحد. وهو يدور دائما في حدودها.
فكيف نعالج هذا الواقع، الذي يقع ويتكرر وقوعه بنسب مختلفة, هذا الواقع الذي لا يجدي فيه الإنكار؟
أنعالجه بهز الكتفين؟ أم نتركه يعالج نفسه بنفسه حسب الظروف والمصادفات؟!
إن هز الكتفين لا يحل مشكلة! كما أن ترك المجتمع يعالج هذا الواقع حسبما اتفق، لا يقول به إنسان جاد، يحترم نفسه، ويحترم الجنس البشري!
ولا بد إذن من نظام، ولا بد إذن من إجراء..
وعندئذ نجد أنفسنا أمام احتمال من ثلاثة احتمالات:
1. أن يتزوج كل رجل صالح للزواج امرأة من الصالحات للزواج,ثم تبقى واحدة أو أكثر - حسب درجة الاختلال الواقعة - بدون زواج تقضي حياتها - أو حياتهن - لا تعرف الرجال!
2. أن يتزوج كل رجل صالح للزواج واحدة فقط زواجا شرعيا نظيفا، ثم يخادن أو يسافح واحدة أو أكثر، من هؤلاء اللواتي ليس لهن مقابل في المجتمع من الرجال، فيعرفن الرجل خدينا أو خليلا في الحرام والظلام!
3. أن يتزوج الرجال الصالحون - كلهم أو بعضهم - أكثر من واحدة، وأن تعرف المرأة الأخرى الرجل ــ زوجة شريفة ــ في وضح النور، لا خدينة ولا خليلة في الحرام والظلام!
والاحتمال الأول: ضد الفطرة وضد الطاقة بالقياس إلى المرأة التي لا تعرف في حياتها الرجال، ولا يدفع هذه الحقيقة ما يتشدق به المتشدقون من استغناء المرأة عن الرجل بالعمل والكسب، فالمسألة أعمق بكثير من هذا، وألف عمل وألف كسب لا يغني المرأة عن حاجتها الفطرية إلى الحياة الطبيعية, سواء في ذلك مطالب الجسد والغريزة، ومطالب الروح والعقل من السكن والأنس بالعشير, والرجل يجد العمل ويجد الكسب; ولكن هذا لا يكفيه فيروح يسعى للحصول على العشيرة، والمرأة كالرجل - في هذا - فهما من نفس واحدة!
والاحتمال الثاني: ضد اتجاه الإسلام النظيف; وضد قاعدة المجتمع الإسلامي العفيف; وضد كرامة المرأة الإنسانية، والذين لا يحفلون أن تشيع الفاحشة في المجتمع هم أنفسهم الذين يتعالمون على الله ويتطاولون على شريعته؛ لأنهم لا يجدون من يردعهم عن هذا التطاول، بل يجدون من الكائدين لهذا الدين كل تشجيع وتقدير!
والاحتمال الثالث: هو الذي يختاره الإسلام، يختاره رخصة مقيدة؛ لمواجهة الواقع الذي لا ينفع فيه هز الكتفين; ولا تنفع فيه الحذلقة والادعاء، يختاره متمشيا مع واقعيته الإيجابية في مواجهة الإنسان كما هو - بفطرته وظروف حياته - ومع رعايته للخلق النظيف والمجتمع المتطهر، ومع منهجه في التقاط الإنسان من السفح والرقي به في الدرج الصاعد إلى القمة السامقة، ولكن في يسر ولين وواقعية!
ثم نرى - ثانيا - في المجتمعات الإنسانية - قديما وحديثا - وبالأمس واليوم والغد - إلى آخر الزمان - واقعا في حياة الناس لا سبيل إلى إنكاره كذلك أو تجاهله - نرى أن فترة الإخصاب في الرجل تمتد إلى سن السبعين أو ما فوقها، بينما هي تقف في المرأة عند سن الخمسين أو حواليها، فهناك في المتوسط عشرون سنة من سني الإخصاب في حياة الرجل لا مقابل لها في حياة المرأة، وما من شك أن من أهداف اختلاف الجنسين ثم التقائهما امتداد الحياة بالإخصاب والإنسال، وعمران الأرض بالتكاثر والانتشار، فليس مما يتفق مع هذه السنة الفطرية العامة أن نكف الحياة عن الانتفاع بفترة الإخصاب الزائدة في الرجال.
ولكن مما يتفق مع هذا الواقع الفطري أن يسن التشريع - الموضوع لكافة البيئات في جميع الأزمان والأحوال - هذه الرخصة، لا على سبيل الإلزام الفردي, ولكن على سبيل إيجاد المجال العام الذي يلبي هذا الواقع الفطري، ويسمح للحياة أن تنتفع به عند الاقتضاء,وهو توافق بين واقع الفطرة وبين اتجاه التشريع ملحوظ دائما في التشريع الإلهي، لا يتوافر عادة في التشريعات البشرية؛ لأن الملاحظة البشرية القاصرة لا تنتبه له، ولا تدرك جميع الملابسات القريبة والبعيدة ولا تنظر من جميع الزوايا ولا تراعى جميع الاحتمالات.
ومن الحالات الواقعية - المرتبطة بالحقيقة السالفة - ما نراه أحيانا من رغبة الزوج في أداء الوظيفة الفطرية مع رغبة الزوجة عنها - لعائق من السن أو من المرض - مع رغبة الزوجين كليهما في استدامة العشرة الزوجية وكراهية الانفصال، فكيف نواجه مثل هذه الحالات؟
نواجهها بهز الكتفين؛ وترك كل من الزوجين يخبط رأسه في الجدار؟! أو نواجهها بالحذلقة الفارغة والتظرف السخيف؟
إن هز الكتفين - كما قلنا - لا يحل مشكلة، والحذلقة والتظرف لا يتفقان مع جدية الحياة الإنسانية ومشكلاتها الحقيقية.
هل كل شاب صالح للزواج قادر عليه؟
لنفرض جدلا أن عدد النساء يساوي عدد الرجال، فهل لكل امرأة صالحة للزواج رجل صالح قادر على تكاليف الزواج؟ لا شك أن التقارير الواردة في هذا الشأن - وهي لا تحتاج إلى مراجعة، فالواقع يؤكدها - تؤكد أن الأزمة الاقتصادية هي السبب الرئيس في عزوف كثير من الشباب عن الزواج، وهذه الأزمة الاقتصادية لها أشكال متعددة منها: ارتفاع نسبة البطالة ونسبة الفقر.
ففي تقرير عن حالة العالم الإسلامي عام 2000م (أرقام ومؤشرات) بلغ عدد سكان العالم الإسلامي 883, 1. 361. 441، أي أكثر من مليار وثلث مليار، وقد بلغت نسبة السكان تحت مستوي خط الفقر 37%، ومعدل التضخم 14%، ونسبة البطالة 19. 2% ومعنى ذلك أن ما يعادل 455 مليون شخص تقريبا تحت مستوى خط الفقر، والأرقام الواردة هنا تخص الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، وعددها ست وخمسون دولة.
إن الأحلام والأماني لا تعالج المشاكل، فقد يقول قائل: لنصدر قانونا يوزع ثروات الأمة على الفقراء، ومنهم الشباب الذي لا يجد تكاليف الزواج، لا سيما أن هناك أكثر من سبعين مليارا تنفق على التسليح وهو اقتراح وجيه، لكن هل يمكن أن يقضي على مشكلة العنوسة والطلاق والترمل؟ أم أن هناك بالضرورة أعدادا زائدة لن تجد من يتزوجها؟! فماذا تصنع؟
وقد يقال: لنصدر تشريعا بمحاربة المغالاة في المهور حتى نشجع الشباب على الزواج، ونزيح أكبر عقبة أمامهم لإتمام زواجهم.
والسؤال هو: هل تحديد المهور علاج للمشكلة؟
والجواب: أنه يساعد في ذلك، لكنه لا يقضي عليها من كل جانب، كما أن الناس ليسوا سواء في مستوياتهم الاجتماعية، وقديما أراد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن يصنع ذلك، فماذا جرى؟
جاء في تفسير ابن كثير عن مسروق قال: "ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: أيها الناس، ما إكثاركم في صداق النساء،[63] وقد كان رسول الله وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم، فما دون ذلك، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها، فلا أعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم، قال: ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين، نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم؟ قال: نعم, فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ قال: وأي ذلك؟ فقالت: أما سمعت الله يقول: )وآتيتم إحداهن قنطارا( (النساء: 20) قال: فقال: اللهم غفرا، كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر، فقال: أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب، قال أبو يعلى: وأظنه قال: فمن طابت نفسه فليفعل.
زيادة نسبة الإناث عن نسبة الذكور:
وموارد هذه الزيادة كثيرة منها:
· ما سبق بيانه من معارك وحروب تحصد الرجال دون النساء، فالرجال هم العنصر الغالب في خوض المعارك، وهم الذين يتعرضون للقتل؛ كما حدث في ألمانيا حيث قلت نسبة الرجال إلى النساء، عقب الحرب العالمية الثانية إذ بلغت: 1: 9.
· نسبة الوفيات في المواليد و الكبار تزيد في الذكور عن الإناث، إذ إن تحمل الطفل الذكر أقل من تحمل الأنثى؛ ولذلك تزيد نسبة الوفيات في المواليد الذكور عن الإناث، كما أن معدلات الوفيات عند الرجال الكبار أكثر منها عند النساء؛ فإن معدلات الأعمار حاليا - على سبيل المثال - في البلاد العربية قد تراوحت بين أعلى مستوياتها 74. 9 عاما للرجال، و79. 3 عاما للنساء في الكويت، وأكثرها انخفاضا 39. 9 للرجال، و41. 6 للنساء في جيبوتي.
· تؤكد الدراسات الديمغرافية[67] كثرة عدد الإناث على جهة العموم عن عدد الرجال، وبالتالي كان التعدد ضرورة سكانية.
هناك ثروات اقتصادية تجعل من التعدد وسيلة لتكثير النسل، وفي العالم الإسلامي ثروات ضخمة حيث تبلغ مساحته أكثر من 28مليون كم2، والناتج المحلي الإجمالي 3500 مليار دولار تقريبا، ويشكل العالم العربي أكبر مساحة جغرافية لأمة واحدة على ظهر الأرض، حيث تبلغ مساحة العالم العربي حوالي 13. 487. 814كم، تقع 22% تقريبا في قارة آسيا، 78% في أفريقيا، ويبلغ عدد السكان أكثر من ثلاثمائة مليون نسمة، ففي تقديرات عام 2000م بلغ عدد السكان 291 مليونا.
وتعتبر مصر أكبر الدول العربية فقد زاد عدد سكانها في إحصاء 2006م عن 72 مليون نسمة.
وبالنظر إلى الثروات الاقتصادية المتنوعة في العالم العربي نجد أن نسبة السكان مقارنة بالمساحة نسبة غير متوازنة، ومن المتوقع أن تنخفض نسبة السكان عن المعدلات السابقة.
إن الموارد الطبيعية المتنوعة في العالم العربي والإسلامي تشكل تحديا كبيرا يحتاج إلى مزيد من البشر، حيث تبلغ نسبة الأراضي الزراعية 11. 3%، ناهيك عن إنتاج النفط والغاز الطبيعي.
وانظر بلدا مثل السودان كم يحتاج إلى أعداد هائلة من البشر للاستفادة من ثروته الاقتصادية, فلا غرابة أن نجد رئيسه البشير يشجع على تعدد الزوجات ويبدأ بنفسه!
التعدد مخرج من ارتكاب جريمة الزنا:
إن تعدد الزوجات علاج من عنت الحرام، وتحصين للرجل من الزنا والوقوع في الفاحشة, وفي هذا المعنى يؤكد الأستاذ الدكتور محمد البهي أن التعدد مخرج من ارتكاب جريمة الزنا، وحل لأزمة العلاقة الجنسية؛ فيقول: إن انتشار المخادنة في الغرب والتحول الآن في النظرة إلى الزنا، واعتباره أمرا ليس مثيرا للقلق في العلاقة الزوجية، ولا يكون بسببه فرقة بين الزوجين إن ثبت في جانب أي منهما، يوضح أن العلاقة الزوجية في الغرب أصبحت شكلا لا موضوع له.
ولو قورن مبدأ تعدد الزوجات بتعدد الخدينات في نظام الزوجة الواحدة، لكان ما تعاني منه المجتمعات المعاصرة من النظام الأخير في مشكلة الطفولة غير الشرعية، ومشكلة انتشار الأمراض التناسلية كافيا على البرهنة على أن تعدد الزوجات أهون السبل وأقلها ضررا وخطرا.
إن تعدد الزوجات لا يتمحض مع ذلك لمساوقة حيوانية الرجل في العلاقات الجنسية، وإنما افترض هذا السبب؛ لأنه أدنى الأسباب درجة في الاعتبار، وأكثرها مأخذا في العلاقات الإنسانية والأسرية.
ومعنى ذلك أن تعدد الزوجات خير من تعدد العشيقات والخليلات، وأيهما أصون للمرأة: أن تكون زوجة أم أن تكون عشيقة؟!
النزاع بين الضرائر نتيجة فساد الأخلاق لا التعدد:
أما دعوى أن تعدد الزوجات مثير للخصومات بين الضرائر، وما يترتب على ذلك من ضغائن بين الأولاد من أمهات شتى, فإنها دعوى مقبولة حين تسوء الأخلاق وتفسد التربية، ونبتعد عن دين الله تعالى.
والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا عاش المسلمون في تاريخهم الطويل مع وجود التعدد، ولم نقرأ لأحد أنه طالب بمنع التعدد تجنبا لهذه الخصومة، وتخليصا للأولاد من تلك الضغائن؟!
إن الفساد حين يعم يفسد الأنام، ويشوه الأحكام، وحين يعم الخير، وتسود الشريعة، ونتحاكم إلى الدين؛ فلن نجد إلا كل خير للزوجات وللأولاد.
فالزوجة لها حقوق على الرجل، سواء أكانت الزوجة الأولى أم الثانية أم الرابعة، وحسن العشرة هو منبع الحب، ومصدر الوئام، وللأولاد حقوق، سواء أكانوا أشقاء، أم إخوة لأب، أم أخوة لأم.
ولا شك أن حقوقهم - على اختلاف مراتبهم - دليل على تقدير الإسلام لهم جميعا، وتقرير بإباحة أن يتزوج الرجل ويجمع بين أكثر من امرأة، وأنه لا مانع إذا طلقت المرأة أن تتزوج بآخر، المهم إشاعة الفضيلة في ظل علاقة مشروعة تتحدد فيها الحقوق والواجبات، وتصان فيها الحرمات.
فعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أولاد زوجاته بمنزلة أولاده، واقتدى الصحابة الأطهار بسيد الأبرار، فكان الرجل بمنزلة الأب لأولاد زوجته، سواء مات عنها زوجها أم تم طلاقها، فعاش الجميع في ظل منهج الإسلام إخوة متحابين لا أعداء متخاصمين، وإذا كان الواقع الأليم يشهد بوجود خصومات في بيت الزوجية؛ فليس مرد ذلك أبدا إلى تعدد الزوجات، فكل القضايا - إلا النادر منها - التي تنتهي بالطلاق تكون بين رجل وامرأة واحدة لم يجمع عليها أخرى؛ فإن الثابت أن نسبة التعدد لا تكاد تذكر، فالمسألة لا علاقة لها بتعدد الزوجات، وإنما تتعلق بفساد التربية وسوء الأخلاق؛ بما يهدد الأسرة بالضياع، إن هذه الشماعة لا معنى لها مع أعداد الطلاق للزوجة الواحدة وشيوع الفاحشة، وانتشار الرذيلة.
وإذن فالعيب ليس في تعدد الزوجات, وإنما العيب من فساد الأخلاق.
سابعا. طبيعة الأنوثة تنكر تعدد الأزواج وتأباه:
أما ما يثيره هؤلاء المغالطون من أن تعدد الزوجات فيه كثير من المحاباة للرجل وتمييز له عن المرأة؛ إذ لا تتيح الشريعة للمرأة الحق في تعدد الأزواج، ثم يتساءلون: لماذا لا تتساوى النساء بالرجال في تعدد الزوجات؟ أليس هذا تمييزا وعدم مساواة بين الطرفين؟!
فالجواب ببساطة - كما ذكره الأستاذ الدكتور محمد البهي - يتضمن ما يأتي:
1. إن الرجل الذي يجمع أكثر من واحدة إلى أربع في زيجة واحدة يتحمل مسئولية كل واحدة منهن على استقلال، ويتحمل مسئولية من يأتي منها من أولاد في غير شبهة أو اختلاط، فمن يتحمل مسئولية الرجال الأربعة - مثلا - لزوجة واحدة؟ أهي الزوجة نفسها أو واحد من الأزواج؟ وأيهم؟ أم الأزواج جميعا مسئولون مسئولية مشتركة متضامنة عن المرأة؟ ومن يتحمل مسئولية الأولاد؟
2. أتستطيع الزوجة الواحدة لأربعة رجال مثلا في زيجة واحدة أن تعاشرهم الأربعة معاشرة جنسية بصفة مستمرة، وفي غير انقطاع، وبما لها من وقت حيض ونفاس وما تقوم به من إرضاع ورعاية للأولاد؟
3. إن طبيعة الأنوثة في المرأة نفسها تنكر تعدد الأزواج وتأباه لعوامل صحية ونفسية، وكذلك طبيعة المجتمع السليم؛ لأن ذلك يتنافى مع المسئولية الفردية في بناء الأسرة، ولأنه يتنافى - أيضا - مع وضع العلاقات المطمئنة بين الأفراد، وهي علاقات المحبة وتجنب الشحناء والخصومة.
4. إن العاهرة لا تمكن الرجال منها حبا في المعاشرة الجنسية، وفي رضا نفس، إنها تكون مكرهة من أجل زلة لا تستطيع تجاوزها، أو من أجل لقمة العيش، إنها في واقع الأمر تستهلك نفسها وحياءها بجانب استهلاكها لإنسانيتها، إنها لا تعيش إلا في صورة إنسان، وإنها إذ تضحك تبكي، إنها بائسة يائسة، وذلك كله من أجل العدد من الرجال معها[70].
وفوق هذا وذاك فإن تعدد الأزواج للمرأة الواحدة، زيادة على أنه يؤدي إلى اختلاط الأنساب، وما يستتبعه من إهمال الرجل في تربية نشء ليس واثقا أنه من صلبه - يخالف الطبيعة البشرية والفطرة السليمة القويمة, يقول د. عبد الناصر العطار في ذلك: قد يثور التساؤل: كيف للرجل أن يعدد زوجاته، بينما يحرم على المرأة أن تعدد أزواجها؟ أليس في ذلك إخلال بالمساواة بين المرأة والرجل في حق الزواج؟ ذلك أن مقتضى هذه المساواة - بداهة - ألا يباح لأحدهما ما قد يحرم على الآخر، فالمساواة بين المرأة والرجل في حق الزواج تعني: الاقتصار على نظام الزوجة الواحدة والزوج الواحد,أو الأخذ بنظام تعدد الزوجات مع نظام تعدد الأزواج!! أما إباحة تعدد الزوجات مع تحريم تعدد الأزواج، فهو أمر يخالف - دون شك - قضية المساواة المطلقة، فلماذا نرى كثيرا من النظم الاجتماعية والقانونية والدينية يجيز ذلك، خصوصا تلك التي تفتح طريق التقدم وتنشد العدالة كالإسلام؟!
وفي حدود البحث العلمي المجرد عن الهوى والمصالح نلاحظ أن المساواة بين المرأة والرجل في نظام الزواج لا ينبغي أن تكون مساواة مطلقة، وإنما يتعين الأخذ بها فيما قد يصلح له كل من المرأة والرجل، وبالقدر الذي يتفقان فيه في هذه الصلاحية, أما إذا كان هناك اختلاف بين المرأة والرجل في صلاحيات كل منهما، كان من الظلم مساواة المرأة بالرجل في هذا النطاق؛ لأن المساواة بين مختلفين تعني ظلم أحدهما حتما.
وعلى هذا الأساس نجد أن حق الزواج مكفول للمرأة وللرجل على السواء باعتبار أن كلا منهما إنسان، غير أن نطاق هذا الحق يتحدد بمدى صلاحية المرأة أو الرجل للزواج بأكثر من زوج واحد في ظل نظام الأسرة المسئولة عن أبنائها.
وإذا نزلنا إلى الواقع وجدنا أن سنة الله في الكون جعلت نظام الزوجة الواحدة والزوج الواحد نظاما يصلح لكل من المرأة والرجل، إلا أنها فرقت بعد ذلك بين المرأة والرجل، ذلك أمر واضح من وجود رحم للمرأة معد للإنجاب، قد يتأثر بما يقذف فيه من ماء الرجل بحسب المجرى العادي للأمور، بينما لم يكن للرجل مثل ذلك مع نظام تعدد الأزواج، خشية أن يأتي الجنين من دماء متفرقة فيتعذر تحديد المسئول عنه اجتماعيا وقانونيا على أساس من الواقع ومن الحق، وقد يستحيل معرفة والد هذا الجنين من بين الأزواج المتعددين, كما تأخذ كل زوج الحيرة لمعرفة أبنائه، ومن هنا نشأ شرف المرأة، وكان لطهارتها أهمية خاصة، هي أهمية الحفاظ على الروابط الاجتماعية وفقا لأصولها الطبيعية.
وعلى العكس تصلح طبيعة الرجل لأن يأتي زوجات متعددات ليس لهن إلا هذا الزوج الواحد، فيأتي الجنين من نطفته ودمه وحده؛ فيسأل عن رعايته اجتماعيا وقانونيا ودينيا.
بل إن طبيعة المرأة تنفر من تعدد الأزواج، حتى إن المرأة التي تتزوج عدة مرات زواجا شرعيا تتعرض - أكثر من غيرها - للإصابة بسرطان الرحم، والمرأة العاهرة تتعرض للإصابة بالزهري... إلخ، بينما لا يتعرض الرجل لمثل ذلك إذا عدد زوجاته الشرعيات، كذلك يفتح تعدد الزوجات فرص الزواج أمام كثير من العانسات والأرامل والمطلقات، بينما لو أبيح للمرأة أن تتزوج مثلا بأربعة رجال لزاد عدد العانسات زيادة عظمى.
ثامنا. توفير الرعاية الاجتماعية والاقتصادية لا يغني عن الزواج:
قد يقول قائل: إن علاج مشاكل المطلقات والأرامل يمكن أن يكون بإيوائهن في مؤسسات اجتماعية توفر لهن حياة شريفة، أو بتوفير الرعاية الاجتماعية والاقتصادية لهن، بحيث لا يحتجن إلى أزواج؟
والجواب على ذلك من وجوه:
1. إن العامل الاقتصادي والرعاية الاجتماعية وحدها لا تغني المرأة عن الغريزة الجنسية، ولو كانت المسألة تتعلق بالإنفاق على المرأة وحده، ما انتشر البغاء بين نساء الطبقات الراقية، وفي قصة يوسف - عليه السلام - رد شاف وجواب كاف، فما الذي كان ينقص امرأة العزيز حتى تراود يوسف عن نفسه؟ وما الذي حمل النسوة في المدينة على إغرائه ودعوته للحرام حتى استجار بربه واعتصم بخالقه؟
فقال بعد تهديد ووعيد لكي يقع في الحرام، ليس مع امرأة العزيز وحدها، وإنما شمل نساء الطبقة الراقية: )قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين (33)( (يوسف: 33)، لقد استجاب الله دعاءه، وصرف عنه كيدهن.
وعلى سنة امرأة العزيز قديما تتجدد المواقف بما لا يدع مجالا للشك في أن العامل الاقتصادي ليس كافيا في صرف المرأة عن الزواج، بل إن المرأة الغربية ذات الاستقلال الاقتصادي تعيش محنة أخلاقية؛ فقد وصل الاستقلال الاقتصادي، عن طريق العمل خارج المنزل، بحرية المرأة الشخصية: إلى رفض الزواج كنظام في بناء الأسرة، وإيثار العلاقة المؤقتة بين الرجل والمرأة عليه في الإقامة والسكنى، وممارسة العلاقة الجنسية بينهما كي تبتعد كلية عن قيود الطلاق المعقدة هناك...
2. لقد بات معلوما أن الغريزة الجنسية فطرة لا يمكن للإنسان الطبيعي أن يقضي عليها؛ لذا حرم الإسلام الرهبانية، ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التبتل والانقطاع للعبادة، كما صرف أصحابه عن الإخصاء، ولو أذن لهم لاختصوا، ولا شك أن المجتمعات الغربية أكثر من غيرها، لا تقبل صرف المرأة عن الشهوة الجنسية.
ويعتمد الغرب نظرية فرويد التي تذهب إلى أن الجنس غريزة لدى الطفل بعد ولادته، وأن الأولاد الذكور يحبون أمهاتهم بدافع الجنس (عقدة أوديب)، وأن الإناث يحبون آباءهم بدافع الجنس (عقدة أليكترا)، وأن كبت الطاقة الجنسية يؤدي إلى جلب الأمراض النفسية, وأن تحقيق الفرد لذاته لا يكون بغير الإشباع الجنسي.
3. إننا لا نجد سببا معقولا يمكن أن تعيش فيه المرأة بعيدة عن جو الأسرة وحياة الأمومة، ذلك النداء الذي لا يمكن أن تستغني عنه امرأة، إنه الحلم الكبير، والأمل العريض، وهذا لا يمكن أن يتحقق في ظل ابتعاد المرأة عن الرجل.
إن المرأة العربية قبل الإسلام كانت أكثر حكمة من تلك الأصوات المنكرة، ففي وصية أمامة بنت الحارث لابنتها أم إياس تقول: إن الوصية لو تركت لفضل أدب، تركت لذلك منك، ولكنها تذكرة للغافل، ومعونة للعاقل، و لو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها، وشدة حاجتهما إليها، كنت أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خلقن، ولهن خلق الرجال.
بل إن الأمر ليس قاصرا على الحاجة إلى الإشباع الغريزي الجنسي فحسب، بل تتقدم عليه الحاجة إلى الإشباع العاطفي النفسي.
فحرمان المرأة من العواطف أشد خطورة من حرمانها الجنسي، فمتعة الإشباع الجنسي بدون عواطف ليس لها أي تأثير لدى المرأة، بينما الكلمة الرقيقة واللمسة الحانية تأثيرها أكثر بكثير، وتجعلها تنعم بالإشباع الجنسي، وهذا ما يؤكده د. سعيد عبد العظيم - أستاذ الأمراض النفسية والعصبية بطب القاهرة - قائلا: إن الحرمان العاطفي عند المرأة هو الطريق السريع إلى الانحراف أو البرود الجنسي إضافة إلى العديد من الأمراض الجسدية والنفسية وغيرها.
ويقول د. محمد هلال الرفاعي - أخصائي أمراض النساء والتوليد -: عدم الزواج أو تأخيره يعرض المرأة لأمراض الثدي أكثر من المتزوجة، وكذلك سرطان الرحم والأورام الليفية، وقد سألت كثيرا من المترددات على العيادة: هل تفضلين عدم الزواج أم الاشتراك مع أخرى في زوج واحد؟ كانت إجابة الأغلبية الساحقة هي تفضيل الزواج من رجل متزوج بأخرى على العنوسة الكئيبة، بل إن بعضهن فضلن أن تكون حتى زوجة ثالثة أو رابعة على البقاء في أسر العنوسة.
وإذا كان هذا هو رأي العلم، فإن المرأة الطبيبة تكون أقدر على وصف الحال بأصدق مقال، تقول طبيبة في رسالة بعثت بها إلى الكاتب أحمد بهجت: إنها قرأت إحصائية تقول: إن هناك ما يقرب من عشرة ملايين سيدة وآنسة بمصر يعشن بمفردهن، وهن إما مطلقات أو أرامل لم ينجبن,أو أنجبن ثم كبر الأبناء وتزوجوا أو هاجروا، أو فتيات لم يتزوجن مطلقا.
وتقول الطبيبة: هل يستطيع أحد أن يتخيل حجم المأساة التي يواجهها عالم النساء الوحيدات؟ إن نساء هذا العالم لا يستطعن إقامة علاقات متوازنة مع الآخرين، بل يعشن في حالة من التوتر والقلق والرغبة في الانزواء بعيدا عن مصادر العيون والألسنة، والاتهامات المسبقة بمحاولات خطف الأزواج من الصديقات أو القرينات أو الجارات، وهذا كله يقود إلى مرض الاكتئاب ورفض الحياة، وعدم القدرة على التكيف مع نسيج المجتمع.
وتدق الطبيبة ناقوس الخطر؛ محذرة مما يواجه هؤلاء النسوة من أمراض نفسية وعضوية مثل: الصداع النصفي وارتفاع ضغط الدم والتهابات المفاصل وقرحة المعدة والاثنى عشر والقولون العصبي...
والطريف أن بعض الدول الغربية التي تعاني من المشكلة المزعجة، وهي زيادة عدد النساء فيها عن عدد الرجال، اضطرت إلى الإقرار بمبدأ تعدد الزوجات؛ لأنه الحل الوحيد أمامها لتفادي وقوع انفجار جماعي لا قبل لها بمواجهته، أو علاج آثاره المدمرة، حدث هذا في الوقت الذي يرفع فيه بعض المسلمين - اسما فقط - راية الحرب على تعدد الزوجات وشرعيته!!
ويحكي د. محمد يوسف موسى ما حدث في مؤتمر الشباب العالمي الذي عقد عام 1948م بمدينة ميونخ الألمانية، فقد وجهت الدعوة إليه وإلى زميل له للمشاركة في حلقة نقاشية داخل المؤتمر كانت مخصصة لبحث مشكلة زيادة عدد النساء أضعافا مضاعفة عن عدد الرجال بعد الحرب العالمية الثانية.
وناقشت الحلقة كل الحلول المطروحة من المشاركين الغربيين، وانتهت إلى رفضها جميعا لقصورها عن معالجة المشكلة، فتقدم د. موسى وزميله بالحل الطبيعي الوحيد وهو ضرورة إباحة تعدد الزوجات، فقوبل بالنفور في البداية، لكن الدراسة المتأنية العاقلة انتهت إلى إقراره واعتباره توصية من توصيات المؤتمر الدولي، ثم ما لبث أن أدرج في دساتير بعض البلدان الغربية، وهكذا يتبين الحق ولو كره العلمانيون المتحذلقون.
تاسعا. الإسلام حفظ منزلة المرأة حتى مع طلاقها أو استبدال أخرى بها:
قد يسأل سائل: كيف يسمح القرآن باستبدال الزوجات كأنهن شيء عديم القيمة على الرغم من أن علاقة الزواج علاقة طاهرة؟
وهو بهذا يشير إلى قوله عز وجل: )وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا( (النساء: 20).
وفي تفسير تلك الآية - وما جاء على شاكلتها - يقول صاحب الظلال: لقد كانت الجاهلية العربية - كما كانت سائر الجاهليات من حولها - تعامل المرأة معاملة سيئة, لا تعرف لها حقوقها الإنسانية، فتنزل بها عن منزلة الرجل نزولا شنيعا يدعها أشبه بالسلعة منها بالإنسان، وذلك في الوقت الذي تتخذ منها تسلية ومتعة بهيمية، وتطلقها فتنة للنفوس، وإغراء للغرائز، ومادة للتشهي والغزل العاري المكشوف, فجاء الإسلام ليرفع عنها هذا كله، ويردها إلى مكانها الطبيعي في كيان الأسرة، وإلى دورها الجدي في نظام الجماعة البشرية، المكان الذي يتفق مع المبدأ العام الذي قرره في مفتتح هذه السورة: )الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء( (النساء: 1)، ثم ليرفع مستوى المشاعر الإنسانية في الحياة الزوجية من المستوى الحيواني الهابط إلى المستوى الإنساني الرفيع، ويظللها بظلال الاحترام والمودة والتعاطف والتجمل، وليوثق الروابط والوشائج فلا تنقطع عند الصدمة الأولى وعند الانفعال الأول:
قال عز وجل: )يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا (19) وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا (20) وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا (21) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا (22)( (النساء).
كان بعضهم في الجاهلية العربية - قبل أن ينتشل الإسلام العرب من هذه الوهدة، ويرفعهم إلى مستواه الكريم - إذا مات الرجل منهم فأولياؤه أحق بامرأته، يرثونها كما يرثون البهائم والمتروكات! إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها وأخذوا مهرها - كما يبيعون البهائم والمتروكات - وإن شاءوا عضلوها وأمسكوها في البيت دون تزويج حتى تفتدي نفسها بشيء.
وكان بعضهم إذا توفي عن المرأة زوجها، جاء وليه فألقى عليها ثوبه فمنعها من الناس، وحازها كما يحوز السلب والغنيمة! فإن كانت جميلة تزوجها; وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها أو تفتدي نفسها منه بمال! فأما إذا فاتته فانطلقت إلى بيت أهلها قبل أن يدركها فيلقي عليها ثوبه، فقد نجت وتحررت، وحمت نفسها منه!
وكان بعضهم يطلق المرأة، ويشترط عليها ألا تنكح إلا من أراد حتى تفتدي نفسها منه بما كان أعطاها.. كله أو بعضه!
وكان بعضهم إذا مات الرجل حبسوا امرأته على الصبي فيهم حتى يكبر فيأخذها!
وكان الرجل تكون اليتيمة في حجره يلي أمرها، فيحبسها عن الزواج حتى يكبر ابنه الصغير ليتزوجها ويأخذ مالها!
وهذا مما لا يتفق مع النظرة الكريمة التي ينظر بها الإسلام لشقي النفس الواحدة؛ ومما يهبط بإنسانية المرأة وإنسانية الرجل على السواء, ويحيل العلاقة بين الجنسين علاقة تجار، أو علاقة بهائم!
ومن هذا الدرك الهابط رفع الإسلام تلك العلاقة إلى ذلك المستوى العالي الكريم اللائق بكرامة بني آدم، الذين كرمهم الله وفضلهم على كثير من العالمين, فمن فكرة الإسلام عن الإنسان، ومن نظرة الإسلام إلى الحياة الإنسانية، كان ذلك الارتفاع الذي لم تعرفه البشرية إلا من هذا المصدر الكريم.
حرم الإسلام وراثة المرأة كما تورث السلعة والبهيمة، كما حرم العضل الذي تسامه المرأة، ويتخذ أداة للإضرار بها - إلا في حالة الإتيان بالفاحشة، وذلك قبل أن يتقرر حد الزنا المعروف - وجعل للمرأة حريتها في اختيار من تعاشره ابتداء أو استئنافا، بكرا أم ثيبا، مطلقة أو متوفى عنها زوجها، وجعل العشرة بالمعروف فريضة على الرجال - حتى في حالة كراهية الزوج لزوجته ما لم تصبح العشرة متعذرة - ونسم في هذه الحالة نسمة الرجاء في غيب الله وفي علم الله، كي لا يطاوع المرء انفعاله الأول؛ فيبت وشيجة الزوجية العزيزة، فما يدريه أن هنالك خيرا فيما يكره، هو لا يدريه - خيرا مخبوءا كامنا - لعله إن كظم انفعاله واستبقى زوجه سيلاقيه: )يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا (19)( (النساء).
وهذه اللمسة الأخيرة في الآية تعلق النفس بالله، وتهدئ من فورة الغضب، وتهدئ من حدة الكره، حتى يعاود الإنسان نفسه في هدوء, وحتى لا تكون العلاقة الزوجية ريشة في مهب الرياح, فهي مربوطة العرى بالعروة الوثقى، العروة الدائمة، العروة التي تربط بين قلب المؤمن وربه وهي أوثق العرى وأبقاها.
والإسلام الذي ينظر إلى البيت بوصفه سكنا وأمنا وسلاما، وينظر إلى العلاقة بين الزوجين بوصفها مودة ورحمة وأنسا، ويقيم هذه الآصرة على الاختيار المطلق؛ كي تقوم على التجاوب والتعاطف والتحاب - هو الإسلام ذاته الذي يقول للأزواج: )فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا(؛ كي يستأنس بعقدة الزوجية، فلا تفصم لأول خاطر، وكي يستمسك بعقدة الزوجية فلا تنفك لأول نزوة، وكي يحفظ لهذه المؤسسة الإنسانية الكبرى جديتها، فلا يجعلها عرضة لنزوة العاطفة المتقلبة، وحماقة الميل الطائر هنا وهناك.
وما أعظم قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لرجل أراد أن يطلق زوجه لأنه لا يحبها؛ إذ قال: "ويحك! أوكل البيوت تبنى على الحب؟ فأين الرعاية وأين التذمم"؟
وما أتفه الكلام الرخيص الذي ينعق به المتحذلقون باسم "الحب"، وهم يعنون به نزوة العاطفة المتقلبة، ويبيحون باسمه لا انفصال الزوجين وتحطيم المؤسسة الزوجية فقط، بل خيانة الزوجة لزوجها! أليست لا تحبه؟! وخيانة الزوج لزوجته! أليس لا يحبها؟!
وما يهجس في هذه النفوس التافهة الصغيرة معنى أكبر من نزوة العاطفة الصغيرة المتقلبة، ونزوة الميل الحيواني المسعور، ومن المؤكد أنه لا يخطر لهم أن في الحياة من المروءة والنبل والتجمل والاحتمال ما هو أكبر وأعظم من هذا الذي يتشدقون به في تصور هابط هزيل, ومن المؤكد طبعا أنه لا يخطر في بالهم كلام الله, فهم بعيدون عنه في جاهليتهم المزوقة! فما تستشعر قلوبهم ما يقوله الله - عز وجل - للمؤمنين: )فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا(.
إن العقيدة الإيمانية هي وحدها التي تسمو بالنفوس، وترفع الاهتمامات، وترتقي بالحياة الإنسانية عن نزوة البهيمة، وطمع التاجر، وتفاهة الفارغ!
فإذا تبين بعد الصبر والتجمل والمحاولة والرجاء, أن الحياة غير مستطاعة، وأنه لا بد من الانفصال واستبدال زوج مكان زوج؛ فعندئذ تنطلق المرأة بما أخذت من صداق وما ورثت من مال، لا يجوز استرداد شيء منه - ولو كان قنطارا من ذهب - فأخذ شيء منه إثم واضح، ومنكر لا شبهة فيه: )وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا (20)( (النساء)، وهنا لمسة وجدانية عميقة، وظل من ظلال الحياة الزوجية وارف، في تعبير موح عجيب: )وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا (21)( (النساء).
ويدع الفعل: )أفضى( بلا مفعول محدد، يدع اللفظ مطلقا يشع كل معانيه، ويلقي كل ظلاله، ويسكب كل إيحاءاته، ولا يقف عند حدود الجسد وإفضاءاته، بل يشمل العواطف والمشاعر، والوجدانات والتصورات، والأسرار والهموم، والتجاوب في كل صورة من صور التجاوب, يدع اللفظ يرسم عشرات الصور لتلك الحياة المشتركة آناء الليل وأطراف النهار، وعشرات الذكريات لتلك المؤسسة التي ضمتهما فترة من الزمان.
وفي كل اختلاجة حب إفضاء، وفي كل نظرة ود إفضاء، وفي كل لمسة جسم إفضاء، وفي كل اشتراك في ألم أو أمل إفضاء، وفي كل تفكر في حاضر أو مستقبل إفضاء، وفي كل شوق إلى خلف إفضاء، وفي كل التقاء في وليد إفضاء.
كل هذا الحشد من التصورات والظلال والأنداء والمشاعر والعواطف يرسمه ذلك التعبير الموحي العجيب: )وقد أفضى بعضكم إلى بعض(، فيتضاءل إلى جواره ذلك المعنى المادي الصغير، ويخجل الرجل أن يطلب بعض ما دفع، وهو يستعرض في خياله وفي وجدانه ذلك الحشد من صور الماضي، وذكريات العشرة في لحظة الفراق الأسيف!
ثم يضم إلى ذلك الحشد من الصور والذكريات والمشاعر عاملا آخر من لون آخر: )وأخذن منكم ميثاقا غليظا(, هو ميثاق النكاح باسم الله، وعلى سنة رسول الله, وهو ميثاق غليظ لا يستهين بحرمته قلب مؤمن، وهو يخاطب الذين آمنوا، ويدعوهم بهذه الصفة أن يحترموا هذا الميثاق الغليظ.
وعليه، فإن إباحة الإسلام طلاق المرأة واستبدال أخرى مكانها لا يعد - بحال من الأحوال - إهانة للمرأة أو انتقاصا من شأنها، بل لقد حفظ الإسلام لها في هذه الحالة كرامتها وحقوقها كاملة، هذا إذا استحالت الحياة الزوجية بين الزوجين وكان لا بد من الطلاق.
عاشرا. إنكار النبي - صلى الله عليه وسلم - على علي - رضي الله عنه - لا يعني منع التعدد:
أما ما يزعمه هؤلاء من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد منع التعدد بدليل عدم إذنه لزوج ابنته علي بن أبي طالب من الزواج عليها، فاستدلال خاطئ، ودليل على سوء النية من هؤلاء في فهمهم لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتوضيح ذلك:
فقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال من فوق المنبر: «إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم - وهي ابنة أبي جهل - علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما هي بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها».
وقد استنبط الإمام البخاري من هذا الحديث أنه يجوز للأب ألا يأذن بزواج صهره على ابنته من باب صلة الرحم والغيرة على ابنته، ولم يرد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه اختص فاطمة - رضي الله عنها - بأحكام خاصة، بل الثابت عنه أنه كان يعاملها كما يعامل سائر المسلمين، وقد قال: "والذي نفسي بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها". وحاشا للرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يحيد عن العدل مع المسلمين في معاملته، فلا يبيح الزواج على ابنته، بينما يبيح الزواج على بنات غيره، )وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)( (النجم).
ويؤكد ذلك ما في رواية الزهري من زيادة في الحديث، هي قوله صلى الله عليه وسلم: «وإني لست أحرم حلالا، ولا أحل حراما، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله مكانا واحدا أبدا».
إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يحرم حلالا، أي: لا يحرم تعدد الزوجات على زوج ابنته علي بن أبي طالب، ولا على غيره من المسلمين، يؤكد ذلك أنه لم يعترض - صلى الله عليه وسلم - على رغبة علي ابن أبي طالب في الزواج على فاطمة - رضي الله عنها - إلا بعد استئذانه، بدليل أن عليا عندما استشار النبي - صلى الله عليه وسلم - في زواجه ببنت أبي جهل، قال له: «أعن حسبها تسألني؟ فقال علي: لا، ولكن أتأمرني بها؟ وعندئذ قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم: لا»، كما قال لأهل بنت أبي جهل: "لا آذن"، يؤكد ذلك أيضا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وضح أن اعتراضه ليس على تعدد زوجات علي, وإنما على جمعه بين بنته وبنت أبي جهل بالذات, بحيث لو اختار علي بن أبي طالب غيرها لما اعترض الرسول صلى الله عليه وسلم.
فليس في القصة إذن أي دليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أنكر التعدد أو منعه. ونضيف إلى ما سبق إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا زوج ابنته اشترط على زوجها ألا يتزوج عليها؛ ويدل ذلك على أنه في هذا الوقت مدح صهره العاص ابن الربيع زوج السيدة زينب بأنه كان وفيا؛ لأنه نفذ شرطه مع النبي صلى الله عليه وسلم.
حادي عشر. العدل غير المستطاع بين الزوجات هو المتعلق بميل القلوب والنفوس:
لقد ورد في القرآن الكريم ذكر لموضوع تعدد الزوجات في أكثر من موضع، قال عز وجل: )وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا (3)( (النساء)، وقال عز وجل: )ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما (129)( (النساء)، وقد فهم بعضهم خطأ من الآيات بعض التناقض أو المنع، وهذا غير مقصود القرآن، ولبيان المعنى الصحيح لآيات تعدد الزوجات تفصيلا نذكر الآتي من أقوال المفسرين في هاتين الآيتين:
يقول الحافظ ابن كثير: "لن تستطيعوا أيها الناس أن تساووا بين النساء من جميع الوجوه، فإنه وإن وقع القسم الصوري: ليلة وليلة، فلا بد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع، كما قاله ابن عباس، وعبيدة السلماني، ومجاهد، والحسن البصري، والضحاك بن مزاحم".
أما صاحب تفسير المنار فيقول: هذه فتوى أخرى غير الفتاوى المبينة في الآيتين قبلها، والمستفتون عنها هم الذين كان عندهم زوجتان أو أكثر من قبل نزول )فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة( (النساء: 3)، ومثلهم من عدد بعد ذلك ناويا العدل حريصا عليه, ثم ظهر له وعورة مسلكه واشتباه أعلامه، والتحديد بين ما يملكه، وما لا يملكه اختياره منه، فالورع من هؤلاء يحاول أن يعدل بين امرأتيه حتى في إقبال النفس والبشاشة والأنس وسائر الأعمال والأقوال، فيرى أنه يتعذر عليه ذلك؛ لأن الباعث على الكثير منه: الوجدان النفسي، والميل القلبي، وهو مما لا يملكه المرء، ولا يحيط به اختياره، ولا يملك آثاره الطبيعية، ولوازمه الفطرية، فخفف الله برحمته على هؤلاء المتقين الورعين، وبين لهم أن العدل الكامل بين النساء غير مستطاع، ولا يتعلق به التكليف، كأنه يقول:
مهما حرصتم على أن تجعلوا المرأتين كالغرارتين المتساويتين في الوزن - وهو حقيقة معنى العدل - فلن تستطيعوا ذلك بحرصكم عليه، ولو قدرتم عليه، لما قدرتم على إرضائهما به، وإذا كان الأمر كذلك في الواقع )فلا تميلوا كل الميل( (النساء: 129) إلى المحبوبة منهن بالطبع، المالكة لما لا تملكه الأخرى من القلب، فتعرضوا بذلك عن الأخرى )فتذروها كالمعلقة( (النساء: 129) كأنها غير متزوجة وغير مطلقة, فإن الذي يغفر لكم من الميل، وما يترتب عليه من العمل بالطبع، هو ما لا يدخل في الاختيار، ولا يكون من تعمد التقصير أو الإهمال، فعليكم أن تقوموا بحقوق الزوجية الاختيارية كلها )وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما (129)( (النساء), أي: وإن تصلحوا في معاملة النساء، وتتقوا ظلمهن وتفضيل بعضهن على بعض في المعاملات الاختيارية كالقسم والنفقة؛ فإن الله يغفر لكم ما دون ذلك، مما لا ينضبط بالاختيار، كالحب ولوازمه الطبيعية من زيادة الإقبال وغير ذلك؛ لأن شأنه سبحانه المغفرة والرحمة لمستحقهما.
ومن ثم فلا يوجد أي تنافض بين الآيتين الكريمتين، كما أن قوله عز وجل: )ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم( (النساء: 129) لا يعد دليلا على ضرورة منع التعدد بحجة تعذر العدل بين الضرائر، فما ظنه هؤلاء من أن المستفاد من قوله عز وجل: )ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم(، وقوله عز وجل: )فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة( (النساء: 3)أن التعدد غير جائز؛ لأن من خاف عدم العدل لا يجوز له أن يزيد على الواحدة، وقد أخبر الله - عز وجل - أن العدل غير مستطاع، وخبره حق، لا يمكن لأحد بعده أن يعتقد أنه يمكنه العدل بين النساء، فعدم العدل صار أمرا يقينيا، ويكفي في تحريم التعدد أن يخاف عدم العدل بأن يظنه ظنا، فكيف إذا اعتقده يقينيا؟
نقول كان يمكن لهذا الدليل أن يكون صحيحا؛ لو قال تعالى: )ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم( ولم يزد على ذلك, ولكنه لما قال: )فلا تميلوا كل الميل( علم أن المراد بغير المستطاع من العدل: هو العدل الكامل الذي يحرص عليه أهل الدين والورع كما بيناه في تفسير الآية، وهو ظاهر من قوله: )ولو حرصتم(.
فإن العدل من المعاني الدقيقة التي يشتبه الحد الأوسط منها بما يقاربه من طرفي الإفراط والتفريط، ولا يسهل الوقوف على حده، والإحاطة بجزئياته، ولا سيما الجزئيات المتعلقة بوجدانات النفس كالحب والكره، وما يترتب عليهما من الأعمال، فلما أطلق في اشتراط العدل اقتضى ذلك الإطلاق أن يفكر أهل الدين والورع والحرص على إقامة حدود الله وأحكامه في ماهية هذا العدل وجزئياته، ويتبينوها كما تقدم آنفا، فبين لهم - سبحانه وتعالى - في هذه الآية ما هو المراد من العدل، وأنه ليس هو العدل الكامل الذي يعم أعمال القلوب والجوارح؛ لأن هذا غير مستطاع، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
أما السنة النبوية: فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: هذه قسمتي، ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك».
وقد ذكر الإمام البخاري في صحيحه في "كتاب النكاح"، باب: العدل بين النساء: )ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما (129) وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما (130)( (النساء).
وقد علق الحافظ ابن حجر على ما ذكره البخاري بقوله: أشار بذكر الآية إلى أن المنفي فيها العدل بينهن من كل جهة، وبالحديث إلى أن المراد بالعدل التسوية بينهن بما يليق بكل منهن، فإذا وفى لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والإيواء إليها, لم يضره ما زاد على ذلك من: ميل قلب، أو تبرع بتحفة... إلخ.
وعند أبي داود وغيره من حديث عروة بن الزبير قال: «قالت عائشة: يا ابن أختي، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفضل بعضنا على بعض في القسم».
وعند أبي داود وغيره عن عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها, غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة».
ومن كتب الفقه نختار كتاب "المغني" لابن قدامة، حيث أفرد في مؤلفه هذا كتابا سماه "كتاب عشرة النساء والخلع"، ومما ذكره في هذا الكتاب ما يلي: )وعاشروهن بالمعروف( (النساء: 19)، وقال ابن عباس: إني لأحب أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تتزين لي؛ لأن الله عز وجل يقول: )ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف( (البقرة: 228)، وقال ابن قدامة: لا نعلم بين أهل العلم في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم خلافا، وقد قال الله عز وجل: )وعاشروهن بالمعروف(، وليس مع الميل معروف، وقال الله عز وجل: )فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة( (النساء: 129)، وروي أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقه مائل».
إذا ثبت هذا، فإنه إذا كان عنده نسوة، لم يجز له أن يبتدئ بواحدة منهن إلا بقرعة؛ لأن البداية بها تفضيل لها، والتسوية واجبة، ولأنهن متساويات في الحق، ولا يمكن الجمع بينهن فوجب المصير إلى القرعة, كما لو أراد السفر بإحداهن.
ثم: أليس من البدهي أن المسلمين - في القديم والحديث - لو علموا أن التعدد حرام وأن العدل المفهوم من الآيات لا يتحقق؛ فكيف خالفوا كتاب الله تعالى؟ ألم يفهم الصحابة رضي الله عنهم - وهم الذين عاصروا التنزيل وفهموا التأويل - مراد الله من كتابه؟ ألم يكن تعدد الزوجات أمرا معروفا مألوفا، دون نكير، أو تفلسف أو معارضة من أحد، في عصر الرسالة؟ هل كان إجماع الأمة على ضلالة؟ واتفاقهم على انحراف؟ سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم!
ثاني عشر. التعدد تشريع رباني، ليس بيد الحاكم تقييده أو منعه:
سبقت مناقشة ادعاء أن التعدد أمر دنيوي لا شأنه للدين به. والخلوص إلى أن التعدد شأن ديني نزل فيه تشريع رباني أوضحته آيات قرآنية وأحاديث نبوية، وفي هذا يقول الشيخ عطية صقر: لقد قال بعض الداعين إلى تدخل الحاكم في تقييد التعدد: إن ذلك من قبيل الأمور الدنيوية التي جاء فيها الحديث: «أنتم أعلم بشئون ديناكم».
لكن رابطة الزواج ليست من الشئون الدنيوية المحضة كالزراعة، بل هي رابطة مقدسة، تدخل فيها الدين بقدر كبير وتفصيل واف لكل جوانبها؛ فالمنع من الزواج الثاني ليس إجراء دنيويا، بل هو مساس بحكم شرعى فيه تحريم ما أحل الله, قال عز وجل: )ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون (116)( (النحل).
والتعدد شرع لحكم جليلة ومصالح جمة؛ منها: ما هو لصالح المرأة، وما هو لصالح الرجل، ومنها ما هو لصالح الاثنين معا، وما هو لصالح الأسرة والمجتمع بشكل عام، ولا شك أن هذه المصالح ترجح - إجمالا - رجحانا واضحا ما قد يجره التعدد من مضار, كخلق مشاكل أسرية من شقاق وتباغض وتشرد أطفال... إلخ، إن صح أن سبب هذه المضار الوحيد هو التعدد.
ويعرض د. محمد بلتاجي لحجج الداعين لتقييد التعدد ومنعه للمضار الناتجة عنه، ويناقشها ويرجح عليها الأصل الشرعي القائل بإطلاق التعدد لمنافعه وجدواه، فيقول: "وممن قال بهذا - أي: بتحريم التعدد بحكم الحاكم تحقيقا للمصلحة ودرءا للمفسدة - قاسم أمين ورشيد رضا، وقد اقترب الإمام محمد عبده - في بعض كلامه - منه شيئا ما، بيد أني لم أقرأ له فيه كلاما صريحا، والأرجح - عندي - أنه كان يطالب بتشريع يمنع مفاسد التعدد في عصره، وأنه كان يكتفي في ذلك بتقييد التعدد فيمن تتحقق فيه شروط العدالة المطلوبة شرعا، وعقاب من يخالف العدل الواجب من المعددين، كما أشار إلى ذلك في تعزير الحنفية للمعدد الذي لا يعدل بعد نهيه وزجره.
أما الذي قال بهذا الرأي صراحة فهو قاسم أمين الذي يقول: إنه عند شيوع الفساد بسبب التعدد فإنه يجوز للحاكم - رعاية للمصلحة العامة - أن يمنع تعدد الزوجات مطلقا، أو يقيد جوازه بشروط، وقد وافقه رشيد رضا في قوله: إن للإمام أن يمنع المباح الذي يترتب عليه مفسدة، ما دامت المفسدة قائمة به والمصلحة بخلافه، وقد وافقهما غيرهما في ذلك.
ويستند القائلون بهذا إلى القاعدة الفقهية التي تقول: إن للحاكم المسلم أن يمنع جمهور المسلمين من بعض ما هو مباح في الأصل، إذا ترتبت على فعلهم لهذا المباح مفاسد كبيرة تبرر هذا الحظر، على أن يكون هذا الحظر مقدرا في نوعه وزمنه بمقدار ما يترتب عليه من المفاسد، فهو أشبه بمنع الطبيب المريض من بعض الأطعمة - المباحة في الأصل - لعلة مؤقتة ينتهي المنع بانتهائها.
ولذلك نظائر في الشريعة الإسلامية من عمل الخلفاء الراشدين وحكم الأئمة الفقهاء، ومن أشهر نماذج ذلك في عصر الصحابة نهى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعض ولاته على البلاد المفتوحة عن التزوج بالكتابيات أو إمساكهن مع علمه بأن أصل نكاحهن حلال بقوله عز وجل: )اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم( (المائدة: ٥)، لكن عمر بن الخطاب أقدم على هذا النهي لما تضمن هذا الزواج من الأضرار الكبيرة وعملا بمصلحة المجتمع الإسلامي عامة.
وإذا كنا قد انتهينا إلى أن الله - عز وجل - لم يشترط لإباحة التعدد سوى الأمن من الجور، وإذا كان الناس في عصر محمد عبده وقاسم أمين ورشيد رضا - وفي غيره من العصور - لم يلتزموا بما أوجبه الله من عدل عندما عددوا زوجاتهم، فترتبت على ذلك مفاسد اجتماعية وخلقية ودينية كثيرة، فهل يحملنا ذلك كله على مطالبة الحاكم وولي الأمر بأن يمنع التعدد بقانون نظرا للمصلحة، كما طالب به قاسم أمين ورشيد رضا وغيرهما؟
قلنا إن المستند الفقهي لهذه المطالبة هو أن من حق الحاكم أن ينهي عن بعض المباحات لمصلحة عامة كما فعل عمر في النهي عن نكاح الكتابيات، لكننا عندما ننعم النظر في هذا الاقتراح نرى أن هناك أضرارا ستترتب على العمل به، لا تقل - إن لم تزد - عن الأضرار التي دعت إلى اتخاذ هذا القانون لتحقيق المصلحة ودرء المفسدة.
ومن هذه الأضرار أننا نمنع رجالا محتاجين إلى الزوجة الثانية حاجة مشروعة، ثم هم بعد ذلك من الدين والقدرة بحيث يثقون من العدل ويقدرون على مطالبه، وندفعهم دفعا إلى طلاق زوجاتهم لاستبدال أخريات بهن، مع أن الزوجة الأولى قد تكون في ظروف تجعل أضرار الطلاق بالنسبة لها أكثر بكثير من مرارة التعدد مع العدل الواجب المقدور عليه من زوجها.
ولم يقل أحد في أي عصر - وما أظن أن أحدا يستطيع أن يقول - إن جميع المسلمين الجامعين بين أكثر من زوجة واحدة في أي عصر ظالمون جائرون، فمهما انتشر الجور والظلم بين المعددين، فسيبقى منهم في نهاية الأمر عادلون، قلة كانوا بعد ذلك أم كثرة، لكنهم موجودون.
وإذن سيبقى دائما هؤلاء الرجال المحتاجون إلى التعدد لحاجات مشروعة، القادرون على العدل فيه بما شرع الله، الذين يحمل إليهم هذا القانون مضار كثيرة من الطلاق لاستبدال الزوجة، بل إن هذا القانون ليحمل إلى زوجاتهم الأوليات وإلى أبنائهم منهن وإلى المجتمع كله من الأضرار ما يفوق ضرر التعدد ومرارته، حين لا يكون الطلاق أفضل سبيل للزوجة الأولى، بخاصة إذا كانت مريضة أو أم أولاد أو عقيما أو محبة لزوجها، مستبقية له على كل حال، وحين يكون في الطلاق تشريد للصغار وضياع، بما يزيد الانحراف في المجتمع وتفكك روابط القرابة بما لا تقاس به مضار التعدد العادل.
ومن أضرار هذا القانون المقترح أنه يؤدي ببعض النساء والفتيات في المجتمع إلى الزنا، والعلاقات غير المشروعة، وأحيانا إلى امتهان الدعارة، وذلك في ظروف زيادة عدد النساء عن عدد الرجال في المجتمع، وظروف خاصة تمر بها المرأة وتجعل أمر الزواج غير ميسر لها إلا مع ذي زوجة أخرى، قادر على إعفافها جسديا وماليا، مع العدل بينها وبين الزوجة الأولى، وتلك حالة الأرملة ذات الأولاد التي ما تزال تطلب الزواج، سواء كانت ذات مال بعد ذلك أم لم تكن، وهي أيضا حالة نساء كثيرات في منتصف العمر، لا تستغني كل منهن عن الرجل، ولا يقدم على الزواج منهن عادة الشباب من الرجال الذين هم في مقتبل العمر، إنما يقبل على الزواج منهن زوج المريضة ذات الأولاد، أو زوج العاقر الذي لا يريد أن يطلقها، ويريد الولد من غيرها، وهي أيضا حالة المرأة - وأحيانا الفتاة - التي تحب رجلا متزوجا من غيرها وترتضي أن تكون زوجة ثانية له، وتفضل ذلك على أن تكون الزوجة المفردة لغيره - وهذا يحدث ولا ينكره مطلع على أمور الواقع - ومن شأن هذا القانون أن يدفع هؤلاء جميعا إلى العلاقات غير المشروعة مع الرجال، وربما دفع بعضهن - عند الحاجة - إلى نوع من الدعارة المستترة.
ومن هنا قلنا: إن تحريم التعدد مطلقا بقانون, يؤدي إلى أضرار تلحق بعض الرجال وبعض النساء وبعض الأولاد، ثم تؤدي إلى مفاسد في المجتمع لا تقل عن المفاسد التي من أجلها فكر المصلحون في هذا القانون - إن لم تزد عليها - حتى لو سلمنا بصحة ما يذكر عن مفاسد تطبيق بعض الناس للتعدد.
ولو لم يكن من مفاسد المنع إلا إيقاع الرجال والنساء - ذوي الحاجة إلى التعدد بحسب ظروفهم - في العنت وإكثار ظروف الزنا، والعلاقات غير الشرعية والأولاد غير الشرعيين، والإكثار من الطلاق، وتشريد الأولاد في المجتمع الإسلامي، لكفى هذا في رجحان مفاسد المنع من التعدد على ما يقع من مفاسد بسبب عدم التزام بعض الناس بالعدل الواجب عند التعدد.
ومن القواعد المقررة في أصول التشريع الإسلامي: أن الضرر لا يزال بالضرر الراجح عليه ولا بضرر مساو له، وأي ضرر أكبر مما ذكرناه؟ وقد قرأنا أن بعض من عددوا زوجاتهم في بعض البلاد - التي حرمت التعدد بقانون وعاقبت عليه - كان يخرج نفسه من العقاب بأن يقول: إن المرأة التي ثبتت عليه معاشرتها ليست زوجة ثانية له إنما هي عشيقة، وذلك اعتمادا على أن القانون الوضعي في هذا البلد لا يعاقب على الزنا إلا عقابا تافها في حالات خاصة؛ فلا وجه إذن للاحتجاج بمفاسد التعدد لتقييده أو منعه.
ولا وجه لقياس منع تعدد الزوجات بتقييد عمر بن الخطاب للزواج من الكتابيات؛ لأنه - رضي الله عنه - نظر إلى ظروف إعمال الحكم الشرعي وتطبيقه، فوجدها غير مناسبة لتطبيقه، موازن بين المضار والمنافع فمنعه، وفي الوقت نفسه لم يقل بحرمة هذا الزواج، وإنما أقر بحله، ولكنه رأى المضار الناتجة عن زواج رجل معين من كتابية أكثر من المنافع التي قصدها الشارع من إباحة مثل هذا الزواج، فأفتى في هذه الحالة بعينها بمنعه.
وإذا نظرنا إلى المفاسد الناتجة عن منع التعدد نجدها تفوق بكثير المفاسد الناتجة عن التعدد مع عدم العدل من بعض الناس، وعليه فلا يمكن القول بمنع التعدد.
وفي هذا يقول د. محمد بلتاجي: نريد أن نخلص من هذا إلى أن تزوج المسلمين من الكتابيات قد أحل بالقرآن، ولم يصح أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه، وقد فعله بعض الصحابة، وجوزه جمهورهم، ثم إن عمر بعث إلى حذيفة - بعد أن ولاه المدائن - إنه بلغني أنك تزوجت امرأة من أهل المدائن من أهل الكتاب، فطلقها, فكتب إليه حذيفة: لا أفعل حتى تخبرني أحلال أم حرام؟ وما أردت بذلك؟ فكتب إليه عمر: لا بل حلال، ولكن في نساء الأعاجم خلابة، فإذا أقبلتم عليهن غلبنكم على نسائكم، فقال حذيفة: الآن - أي: اقتنعت -، فطلقها.
ولا شك أن الإقبال على التزوج من الأجنبيات فتنة كبري للمسلمات، قد تؤدي إلى نتائج نفسية وخلقية سيئة، كما أنه لم يكن مطمئنا - كل الاطمئنان - إلى أخلاق الكتابيات اللاتي سوف يعاشرهن المسلمون، وينشأ أبناؤهم تحت رعايتهن.
لقد كان عمر في هذا المنع يتحرى مصلحة المجتمع الإسلامي، ولا شك في أن لولي الأمر أن يمنع من بعض المباحات، إذا رأى أن الإقدام عليها يؤدي بالمجتمع إلى مفاسد كبيرة، يجب سد الطريق أمامها.
رأى عمر إذن أن التضحية ببعض الأهواء الفردية خير من تعرض المجتمع لمثل هذه الأخطار الكبيرة، وهو هنا لم يلغ النصوص أو ينسخها، لكنه أوقف العمل بها فترة من الزمن، وفي حالات خاصة تحقيقا للمصلحة العامة، ومن ثم يزول هذا الإيقاف بزوال ظروفه، وما تزال للنصوص قدسيتها على مر العصور، ألا نرى أن للطبيب أن يمنع بعض الأطعمة المباحة عن مريض؛ لأن في تناولها أخطارا يضحى إلى جانبها بالرغبة في الطعام، لكن هذا المنع مؤقت بالأحوال الصحية، وليس فيه تحريم هذه الأطعمة على الإطلاق أو منع منها لذاتها.
كانت المصلحة العامة وسد الذرائع وراء أمر عمر هنا إذن، وهذه المصلحة نفسها هي التي تتحراها - كما ذكر د. بلتاجي - الدول الآن حين تمنع بعض الوظائف الحساسة من مواطنيها الدبلوماسيين، وغيرهم من الزواج بأجنبيات لأسباب تمس المصلحة العامة، وقد لا يحدث الضرر, ولكن كون الاحتمال قائما فذلك يكون سببا للمنع.
فالتقييد إذن - لا للمنع والتحريم - قد يباح فقهيا في وقت ما، بشرط الموازنة بين المنافع والمضار، على أن يعود الأمر إلى أصله وهو التعدد عند زوال دوافع التقييد المؤقت، وعلى أن يفتي بحل التقييد علماء مجتهدون مؤتمنون، وإن كانت هذه الإباحة صعبة التقييد عند التطبيق الواقعي.
ثالث عشر. البحث المحايد والتحري الدقيق يفضيان إلى أن الإباحة المطلقة للتعدد هي الأفضل:
على الرغم من أن إباحة التقييد فقهيا إذا دعت إليه مفاسد عامة ترتبت على الإباحة المطلقة جائز، إلا أن استقراء الواقع يوحي - كما سبقت الإشارة - إلى أن الإمكان النظري للتقييد - غير صالح للتطبيق، أو على الأقل تقوم دونه صعوبات ترجح كفة الإباحة المطلقة، مع محاولة التخفيف مما يصحابها أحيانا من سلبيات بوسائل أخرى.
بناء على ما سبق يحسم د. بلتاجي القضية لصالح الإباحة المطلقة بقوله: "ومن ثم ننتهي من ذلك كله إلى أن حجم تعدد الزوجات في مصر الآن - ومثله أو قريب منه كثير من البلاد العربية والإسلامية - واتجاه المستقبل فيه، والآثار المترتبة عليه، لا يمكن أن تكون مسئولة - مسئولية أساسية أو خاصة أو معتبرة في التشريع - عن ظواهر: التشرد والسرقة والقتل والخيانة والتزوير والكذب والجبن، كما كان الحال فيما يروى عن عصور سابقة, فإذا أضفنا إلى ذلك المضار والمفاسد الكبيرة التي تترتب على المنع أو التقييد والتي لا تقارن بها المضار القليلة في عصرنا، المترتبة على الإباحة المطلقة؛ فإننا ننتهي - من وجهة المصلحة العامة كما تبدو لنا، ومن موازنة كافة الاعتبارات الاجتماعية والتشريعية في القضية - إلى رفض مطلبي المنع والتقييد، مقررين الأمور الآتية:
1. أن الظروف والاعتبارات الاجتماعية الآن لا توفر مبررات تشريعية تبيح حظر التعدد أو تقييده؛ لأن المفاسد التي يمكن أن تترتب على أحد هذين القرارين ترجح كل ما يقال عن مفاسد التعدد المعاصرة، مع وضعنا في الاعتبار أيضا أن كثيرا مما يقال يتضمن مبالغات وتهويلات غير دقيقة.
2. أن الحجم الحقيقي للمفاسد المترتبة على أخذ قلة من الناس بالتعدد يمكن معالجته في إطار خطة عامة لإرجاع المسلمين إلى التمسك الحق بدينهم، وفهمه بصورة سليمة من الانحراف والزيف والخرافة.
وإذا وازنا مثلا بين الحجم الحقيقي لمفاسد التعدد الآن، والحجم الحقيقي للمفاسد المترتبة على انتشار ظاهرتي الرشوة والإهمال مثلا - مع وجود قوانين صارمة تعاقب عليهما إن ثبتا - لانتيهنا إلى أن الحل الحقيقي لكثير من مشكلات حياتنا المعاصرة يكمن في المسلمين، والتمسك بمبادئ دينهم، وتكوين ضميرهم الداخلي أكثر مما يكمن في إصدار تشريعات لا يعدم المنحرفون وفاقدو الضمير الديني سبلا متعددة لمخالفتها والتحايل عليها بكل طريق.
3. فيما يتصل بالزوجة الأولى فإنه لو وقع بها - بسبب الزواج الثاني - ضرر بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالها، فإنها تستطيع أن تطلب من القاضي التفريق، وحينئذ يطلقها القاضي طلقة بائنة، إذا ثبت الضرر وعجز عن الإصلاح بينهما.
4. وفيما يتصل بالزوجة الجديدة - في حالة جهلها بما في ذمة المتقدم إليها من نساء - فإن ذلك يعتبر إضرارا بها تستطيع معه طلب التفريق إذا رغبت، وسقط حقها في طلب التفريق بمضي سنة من تاريخ علمها بقيام السبب الموجب للضرر، ما لم تكن قد رضيت بذلك صراحة أو ضمنا[95].
فلا جدوى إذن من التقييد، ولتترك الأمور على سجيتها، مع محاولة تفادي المضار بشتى السبل المشروعة الممكنة.
تعقيب عام حول القضية:
حول هذه القضية المثيرة للجدل كتب د. محمد بلتاجي فصلا رائعا يحسن أن نقتطف جزءا منه هنا، تأكيدا على الأفكار التي تضمنتها مناقشة هذه المسألة ودعائمها، يقول: من أهم القضايا التي اتخذت مجالا لغمز التشريع الإسلامي واتهامه بظلم المرأة والانحياز المطلق إلى جانب الرجل هذه القضية، أعني إباحة الشريعة الإسلامية أن يجمع الرجل بين أكثر من زوجة واحدة.
وفي أحيان كثيرة كان الهجوم على التشريع الإسلامي من هذه الناحية يتخذ وضعا مكثفا ومركزا إلى حد يوحي لسامعه أو قارئه بأن الرجل المسلم لا هم له في الحياة إلا أن يعمل جاهدا للجمع بين النساء والاستمتاع بهن، بحيث لا تخلو ذمته في وقت ما من أقل من أربع زوجات، وهو الحد الأعلى الذي أباحته الشريعة الإسلامية له,كأن الجمع بين الأربع - في إيحاء هؤلاء الطاعنين وزعمهم - هو الدرجة العليا في الكمال الإسلامي في الدين والدنيا، بحيث ينبغي على المسلم الصادق حقا أن يتجه بكل طريق إلى أن يحقق لذاته هذا الكمال الأعلى ليكون مسلما مثاليا، وكل هذا أوهام وأباطيل انبنت على الجهل أو سوء الطوية والكيد للإسلام، واتباع الشبه الباطلة والنفخ فيها بكل بهتان.
وقد أثمرت هذه المحاولات ثمارها في طائفة - ليست قليلة العدد - من أبناء المسلمين وبناتهم، وقد هيأت ظروف وأوضاع متعددة في المجتمعات الإسلامية في عصورها الأخيرة مجالا خصبا لازدهار هذه الثمار التي غرست بذورها كلمات المبشرين وصنائعهم من بين مواطنينا، ووجدت هذه البذور الأرض المهيأة - في ظل أوضاع معظم المجتمعات الإسلامية البعيدة عن فهم تشريعها الإسلامي بصورة سليمة متكاملة، والواقعة نهبا - لكل فكرة غريبة، مهما بلغ شذوذها وبعدها عن تحقيق المصلحة الدنيوية أو الدينية لنا.
وقد وصل هذا الثمر المر إلى مجال التقنين والتشريع في بعض البلاد الإسلامية؛ فحرمت - في هذا المجال - ما أحله الله تعالى بنص القرآن الكريم، وأصبح من المعاد المكرر أن نقرأ بين الآونة والأخرى دعوات ملحة إلى أن يحتذي التشريع في مصر حذو هذه البلاد الإسلامية التي أقدمت على هذا التحريم لما أحله الله، وعاقبت عليه.
لسنا أول من نقرر أن كثيرا من التشريعات قد أباحت لرجالها تعدد الزوجات، وفيما يتصل بالأديان السماوية الكتابية, فإننا نجد التعدد بصورة واضحة في التوراة التي يقدسها اليهود اليوم, ويشاركهم المسيحيون أيضا في تقديسها تحت اسم العهد القديم, ونعتقد أنه من حقنا بعد هذا أن نطلب من هؤلاء المهولين أن يستخدموا في هجومهم على تعدد الزوجات في الإسلام كلمات أصغر، وأن ينطلقوا بها في أصوات أكثر خفوتا، وأقل جلبة مما يفعلون.
وجماع الأمر في ذلك كله أن الله تعالى أباح الجمع بين أكثر من زوجة عند أمن الجور، وفرض الاكتفاء بواحدة عند خوف الظلم أو تيقنه، ثم قرر أنه لا يطلب من المسلم العدل في الميل القلبي؛ لأن أمور القلوب لا سلطان عليها لغير الله، لكنه فرض العدل المادي المستطاع، ونبه المسلمين إلى أنه يجب عليهم ألا ينساقوا وراء ميل القلوب إلى ما يجعلهم مقصرين فيما افترضه عليهم من عدل مستطاع، وخلاصة هذا أن تعدد الزوجات أمر مشروع لمن عدل بين زوجتيه أو زوجاته عدلا ماديا مستطاعا لا يكلف غيره، ولم تشترط الآية - كما رأينا - شرطا آخر غير هذا العدل المستطاع.
ومفهوم من نص آية الإباحة: )فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة( (النساء: ٣) أن الله - عز وجل - إذا كان قد أمر بالاقتصار على واحدة عند خوف عدم العدل، فإنه بالأولى لو تيقن المسلم من أنه لن يعدل إذا عدد، فقد حرم عليه التعدد، ووجب عليه الاقتصار على واحدة، وأيضا فإنه لو غلب على ظنه أن لن يعدل إذا عدد، فقد حرم عليه التعدد؛ لأن غلبة الظن أقوى من الخوف منه، أو هي على الأقل متضمنة فيه.
وخلاصة الأمر في تقدير معنى "الخوف" في الآية أن المسلم يجب عليه عند إرادة الزوجة الثانية - أو من بعدها - أن يقدر الأمر ويرجع إلى شواهد حاله ومقدرته النفسية والمالية والجسدية، فإن تيقن أنه لن يعدل فيجب عليه الاقتصار على الواحدة, وإن غلب على ظنه عدم العدل فيجب عليه أيضا ألا يعدد, ولا يباح له التعدد شرعا إلا إذا أمن الظلم ووثق من إمكان العدل، أو غلب على ظنه.
إن التشريع الإسلامي بكل ما يتضمنه من أحكام، صادر في أصله عن الحق، ومن ثم فإن ما ثبت من تشريعاته - بنص القرآن الكريم أو السنة الصحيحة أو ما أخذ منهما بطريق الاجتهاد - هو الحق والعدل الذي لا يظلم الناس فيه شيئا، وبناء على هذه العقيدة فإن كل ما قرره هذا التشريع في النساء هو الملائم للفطرة المحقق للمصلحة، وحيث أباح تعدد الزوجات على التفصيل السابق، فلا بد أن يكون هذا هو الملائم تماما لصلاح الخلق، ولا بد أن يكون فيما يخالفه انحراف عن الحق والمصلحة بقدر ما يتضمنه من خلاف له.
وفي الآداب الأوربية المعاصرة - على ما تربى عندهم من النفور الشديد من التعدد - حالات رضيت فيها المرأة بأن تحتل موضع المرأة الثانية في حياة رجل متزوج، وأن تضحى بحياتها كلها في هذه العلاقة غير المشروعة، بل أن تضحى في سبيلها بزواج آخر شرعي من رجل مرموق ناجح في حياته الاجتماعية، والأوربيون يقرأون ذلك ويشاهدونه فلا ينكرونه، والشرقيون يقرأون ذلك ويشاهدونه فيبلغ إعجابهم إلى تعريب القصة وإخراجها في السينما والمسرح[96]، فإذا ما حدثناهم عن نساء يقبلن راضيات أن يكن زوجات ثانيات نظروا إلينا في دهش وعجب.
وخلاصة القول في هذا كله أنه حيث لم يكن الزنا مقبولا في الإسلام على أي نحو، وكانت مطالبة الزوج بسحق غريزته توقع الرجل في العنت والضرر الشديد، بل الاستحالة، وكل ذلك مما يرفضه التشريع الإسلامي، ولم يكن طلاق الزوجة الأولى هو أفضل الطرق بالنسبة لها ولأولادها - وبالنسبة للزوج أيضا - فإن الزوجة الثانية عندئذ تكون أفضل لكل الأطراف - وللمجتمع عامة - من كل ما سبق أفضلية ظاهرة، وإن لم تكن هي - في ذاتها - أمثل حياة ولا أفضلها، إذا أردنا المثالية والأفضلية المطلقة، لكن حياة الناس لا تسير دائما - مهما حرصوا - على ما تقتضيه الأفضليات والمثاليات المطلقة في كل شيء، حيث تخضعهم سنن الحياة للقيود والنسبيات في الصحة والمال والأبناء، وفي كل شيء.
وهكذا قضت إرادة الله - عز وجل - على الخلق في ابتلاء الناس بوقائع الحياة وفتنتهم بعضهم ببعض؛ حتى يعلم المجاهدين منهم والصابرين على الابتلاء الواقفين عند حدود الله وشرعه في كل ما يصيبهم: )وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا (20)( (الفرقان).
ويمكننا أن نمثل لهؤلاء الطاعنين على التشريع الإسلامي في إباحته للتعدد بتشريعات الأحوال الشخصية التي وصلت إليها دولة من أعظم الدول الأوربية المعاصرة حضارة وتقدما ماديا وتكنولوجيا، حيث روت جريدة الأهرام القاهرية عن وكالات الأنباء العالمية أن برلمان ألمانيا الغربية - قبل دمج الألمانيتين - وافق في 8 يونيو سنة 1973م بأغلبية 254 صوتا ضد 203 أصوات على مشروع قانون قدمته الحكومة بإجراء تعديلات خطيرة في القوانين المتعلقة بالجنس، في مقدمتها: رفع الحظر عن تبادل الزوجات، وإباحة ممارسة الشذوذ الجنسي بموافقة الطرفين بين الرجال ابتداء من 18 بدلا من 21 سنة، والسماح ببيع مطبوعات الجنس الفاضحة لأي مواطن جاوز عمره 18 سنة.
واستندت الأغلبية المؤيدة للتعديلات إلى أن تلك القوانين لم تعد توافق التطورات العصرية الحديثة؛ إذ يرجع تاريخها إلى القرن التاسع عشر.
وعندما تشرع الدول المتحضرة التي يحتذيها هؤلاء الطاعنون تبادل الأزواج للزوجات - وهو وضع قائم عندهم فعلا من قبل, لكنهم جعلوه مشروعا بحكم القانون - فإننا لا نسمع اعتراضا أو طعنا من هؤلاء، لكن المسلم حينما يتكلم عن شريعة الله التي أباحت التعدد إباحة حكيمة عادلة معللة بما سبق، فإن هؤلاء يسارعون على الفور بالقول بأن جمع الرجل بين أكثر من زوجة أمر شهواني رجعي متخلف، تجاوزته التشريعات الحضارية المتمدينة، هذه التشريعات التي تطالعنا كل يوم بإباحات لا حكمة لها إلا متابعة أحط درك يمكن أن تصل إليه الشهوات البهيمية، إباحة تبادل الأزواج لزوجاتهم: هل له سبب غير الانسياق وراء الشهوة الحرام في الاستمتاع بزوجة الغير أخ وصديق وقريب؟ وهل هم يبيحون أيضا أن تبادل الزوجات أزواجهم عملا بالمساواة بين الجنسين أم يقصرون هذا الحق على الأزواج؛ لأنه يؤدي بالضرورة أيضا إلى تبادل الأزواج بين الزوجات؟
أما إباحة الشذوذ الجنسي بتشريع قانوني، وإباحة زواج فردين من جنس واحد - كما يحدث عند هؤلاء القوم - فتلك أمور نمسك عن التفصيل فيها، ونشير فحسب إلى ما نقلته وكالات الأنباء من أن قيادات الكنيسة النرويجية اجتمعت لدراسة مطلب الشواذ جنسيا في العمل كقسس ورجال دين، وأعلنت رئيسة الكنيسة تأييدها لمطلبهم، بل قامت بتعيين أحدهم في منصب قسيس، بعد أن حصلوا - منذ أكثر من عامين - على حق الارتباط العرفي بالزواج وحق المشاركة في اقتسام الإرث في حالة الوفاة (أهرام 25/1/96) - وإن كنا نذكر بهذا هؤلاء الذين يهاجمون أحكام التشريع الإسلامي في العلاقة بين الجنسين, مطالبين بأن نحتذي حذو الشعوب المتحضرة التي وصلت فيها العلاقة بين الجنسين - كما يزعمون في كذب بارد سخيف - إلى حد من السمو يرتفع عن النظر إلى المرأة كمجرد متاع.
وإننا في مجال التعرض للقول بأن في إباحة تعدد الزوجات إهدارا لكرامة النساء ووضعهن موضع المهانة، نسوق حديث الرحالة الفرنسي جيراردي نر فال الذي زار الشرق في الماضي القريب، وأقام به وكتب عنه كتابه "رحلة إلى الشرق".
وأضاف إليه ملحقا عن "أخلاق المصريين الحديثة"، كتب فيه عن الحالة الاجتماعية للنساء المسلمات مقارنا بينهن وبين النساء الأوربيات، فقال: ظل الناس لمدة طويلة يعتقدون أن الإسلام يضع المرأة في مكانة أقل بكثير من مكانة الرجل، ويجعل منها جارية لزوجها.
وتلك فكرة لا تلبث أن تنهار أمام الدراسة الدقيقة للأخلاق في الشرق، وكان الأحرى أن يقال: إن محمدا قد جعل المرأة تتبوأ مكانة أعلى بكثير مما كانت عليه من قبل.
ثم يستدل على صحة ذلك بدراسة مقارنة انتهى فيها إلى تعدد الزوجات حيث قال فيه: وتلاحظ لادي مورجان بحق أن تعدد الزوجات الذي لم يقره إلا محمد أقل انتشارا في الشرق مما هو عليه في أوربا، حيث يمارس تحت أسماء أخرى.
لكنه ينبغي علينا أيضا ألا تحملنا إساءة الناس - أو جمهورهم - لتشريع ما على أن نلقي على هذا التشريع نفسه - وقد قصد منه مصلحة الناس ويسرهم - بكل ما ترتب عليه من سوء استعمال الناس له, إنما يكمن الحل في اعتقادي - في البحث عن أفضل الطرق لحمل الناس على الالتزام بما شرعه الله، مع بقاء أصل التشريع كما شرعه الله خالدا لا يجوز لمسلم أن يطالب بنسخه وإلغائه.
وفي الشأن ذاته كتب الأستاذ محمد علوان تحت عنوان "تعدد الأزواج" يقول: هناك الذين ينادون ويدعون للمساواة التامة بين الرجل والمرأة من خلال رفعهم لشعار: لماذا لا تتمتع المرأة بتعدد الأزواج أسوة بتعدد الزوجات؟
وقد سمعت ذلك يتردد في لجنة المرأة التي عقدت ضمن مؤتمر للمحامين العرب في مؤتمر سوسة بتونس، ونادت به بعض النساء المثقفات بكل تبجح وفحش قول، وكان ذلك سنة 1984م، وأعيد على سمعي في مؤتمر آخر، ومن حسن الصدف تصدت سيدات كثيرات من الحاضرات لهذا الطرح الشاذ مع الاستنكار بشكل حاد، إلا أن هذا لا يمنع من وجود انحراف فكري شاذ باسم المساواة التامة، ولا يمكن لنا إنكار ما تردد، ويتعين التصدي لمثل هذه الأفكار الخاوية من كل قيمة أو حياء بما فيها من إهدار لكرامة المرأة، والنظر إليها كجسد يشبع المتعة الحسية والشهوانية الجامحة كسلعة قابلة للاستهلاك تباع وتشترى في سوق النخاسة، أمر مشين يؤدي إلى اختلاط الأنساب بلا خصوصية واحترام لذات العلاقة السوية بين الرجل والمرأة وضبطها كرائد لاستمرار البشرية، وإن المرأة هي التي يتدفق منها استمرار البشرية، مما يتنافى مع تعدد الأزواج مناقضا طبائع الأمور وطبيعة المرأة في حفظ وحدة الأصل والنسل والبنوة والحب الأسري، وهو غريزة بشرية، وحفظ النسب غريزة، وكل إنسان يحب أن يكون له نسله الخاص به من صلبه في تواصل دائم للأجيال من صلب الرجال بلا اختلاط.
وجعل الله المرأة الوعاء المحافظ على تلك الغريزة، وأما تعدد الأزواج فيهدر هذا الكيان فتذروه الرياح؛ لأنه ليس إلا تعبيرا عن الشهوة الجنسية، وإشباعا للمتعة الجنسية، وإرضاء لنزوات شيطانية. فتعدد الأزواج ليس إلا صورة من صور البغاء فيه التحلل من القيم والآداب والأخلاق، وإهدار للخصوصية وإفساد للكيان الأسري، فتعدد الأزواج يتنافى وطبيعة المرأة؛ إذ يعتبرها سلعة لإشباع غريزتها الجنسية، لا امرأة تتمتع بحب رجل يبادلها المودة في سكينة ووئام وحياة مستقرة، بل قلب متقلب كل لحظة مع رجل، لا رجل تفوز بحبه وتقديره، ويتبادلان التضحية والإخلاص ويدافعان عن بعضهما بعضا ويضحيان من أجل بعضهما.
فالمرأة تنعم بحب الرجل لها وتفتديه، مما يبعث في النفوس الاطمئنان ويغذي القيم النبيلة والإحساس بالإنسانية مشوبة بالعواطف السامية، وهذا ما يتدنى إذا تعدد الأزواج؛ لأن الزنا مما يثير الاشمئزاز في نفس المرأة والرجل، ويهدد مقومات المجتمع الأساسية التي تبدأ بالأسرة مما يتوافق مع الطبيعة الإنسانية وليست النزعة الحيوانية.
فتعدد الأزواج أمر شائن ومكر شاذ، يهدر أساس تجديد النسل، ويهمل حق الأسرة، مما يؤدي إلى الانحلال الاجتماعي وانتساب الأطفال للأم, قلبا للأوضاع، وفيه ضياع لحقوق الأطفال، وإهدار لواجبات الآباء، ويخالف جميع الشرائع والأديان، ويجعل الأنساب كالبهائم والحيوانات.
وهنا سؤال: هل التعدد تشريع مؤقت؟
كثر هذه الأيام الزعم من قبل الكارهين لأحكام الإسلام والجاهلين بعض هذه الأحكام أن بعض تشريعات هذا الدين جاءت مؤقتة؛ أي لزمان نزولها فقط، وأن تطور البشرية وتبدل أحوالها أبطل مفعول هذه الأحكام المؤقتة، ومن ثم انتفت الحاجة إليها.
وقد لفت النظر إلى هذه المغالطة وفندها الشيخ عطية صقر فقال: إن موضوع تعدد الزوجات في الإسلام ظل طوال أربعة عشر قرنا من الزمان لم يفكر أحد من جمهور المسلمين، وعلى رأسهم أهل السنة في مناقشته، ولم يكثر حوله الكلام إلا منذ عهد قريب، عندما حاول أعداء الإسلام من المستعمرين والمبشرين والمستشرقين أن يشوهوا جماله، بإثارة الشبه حول بعض تشريعاته التي أثبتت جدارتها وكفاءتها في تنظيم المجتمع الإسلامي على مدى تاريخه الطويل.
وعندما حاول بعض الجهلة من المفتونين بنظم الغرب، الذين لم يفقهوا تعاليم الإسلام فقها يبرز لهم حكمة التشريع، حاولوا أن يكونوا أبواقا لسادتهم الأجانب في نشر أفكارهم في المجتمع الإسلامي، فانبرت أقلام العلماء الأجلاء لتفنيد كل هذه الشبه، وإبراز حكمة التشريع من واقع الأحداث التي مرت بالمسلمين، والأحداث الدامية التي يشكو منها المنصفون من مصلحي الغرب، نتيجة لتحريم تعدد الزوجات في شرائعهم، في الوقت الذي أباحوا فيه اتخاذ العشيقات والخليلات.
وقد رأينا بعض الكاتبين الذين لا يستسيغون تشريع التعدد يقولون: إن ما كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والسلف من تعدد الزوجات, هو لضرورة اقتضتها ظروف الدعوة من جهتين:
1. ضم النساء اللاتي يموت أزواجهن في الحروب، أو يموت عائلهن إلى كفالة شرعية عند أحد المسلمين بطريق الزواج، تحقيقا للتكافل الاجتماعي.
2. زيادة النسل للحاجة إليه في حروب الفتح ونشر الدعوة والتعمير والإصلاح في الدولة الواسعة.
أما الآن فلا حاجة للتعدد، وذلك لأمور:
· ضمان الحكومات لمن يفقد عائلهن عن طريق المعاشات، والتأمينات الاجتماعية.
· أن الحروب أصبحت تعتمد الآن على الأسلحة والأجهزة الفنية أكثر مما تعتمد على كثرة المحاربين.
· أن الأولين كانوا يراعون العدل بين الزوجات، فقلت أخطار التعدد، أما الآن فإن الوازع الديني قد ضعف، ونتجت عنه أخطار كثيرة في تعدد الزوجات.
هكذا قالوا، وبرروا ما قالوا، ولكن يجاب على ذلك بما يأتي:
1. أن التعدد لم يكن فقط لضم أيامي الحرب ومن مات عائلهن، ولكن كان لحكم أخرى سبق بيان كثير منها.
2. أن تكثير عدد المسلمين - وإن كان التعدد إحدى وسائله لمواجهة ظروف الفتح والدعوة والتعمير - مطلوب في كل وقت من الأوقات لعمارة الأرض بالخير، على هدي الدين الجديد في ميادينها المختلفة وقطاعاتها المتنوعة.
والخبرات البشرية هي التي تبتكر الآلآت والأدوات اللازمة للحروب وغيرها.
وبحكم عالمية الدعوة الإسلامية يجب على المسلمين أن ينتشروا في جميع أرجاء الأرض ليبلغوا الدعوة ويقودوا مسيرة النهضة الإنسانية في كل مكان، ولا بد من وجود أعداد نموذجية من المسلمين تقوم بهذه المهمة الواسعة.
على أن العدد الكثير لا تقتصر الحاجة إليه على الحروب، كما يزعم من يدعي ذلك، فهناك الميادين والمجالات المختلفة لمزاولة النشاط الحضاري الواسع.
والمتعلل بهذه العلة نظرا إلى سياسة الدول الإسلامية بالذات في إسهامها في الحملة العالمية لتحديد النسل، فهو يحارب التعدد الذي يناهض هذه الحملة، والواقع أن الدول الإسلامية في حاجة إلى من يعمرها، ويستغل خيراتها، وموارد ثرواتها البكر، بل إن العالم كله كوحدة إنسانية جعله الله ميدانا واسعا لنشاط المسلم العالمي، لا يضيق بهذه الأعداد المتكاثرة، على أن التعدد ليس أقوى وسائل التكاثر العددي للنسل، فلماذا يحارب بهذه التعللات الواهية؟
3. أن عدم ضمان العدل بين الزوجات - الآن - لا ينهض دليلا على مناهضة التعدد؛ فالخطأ لا يصلح بالخطأ، فلماذا لا نقوي الشعور الديني بوجوب العدل حتى نتلافى أخطار تعدد الزوجات، ونبقى التعدد يؤدي رسالته الدينية والاجتماعية والحضارية، كما كان عليه في القرون الخوالي التي نحاول إعادة صورتها المشرفة؟
على أن ما ينسب للتعدد من أخطار تفكك الأسرة، وتشرد الأولاد مثلا ليس صحيحا؛ فهذه المشاكل لها أسباب أخرى أقوى من التعدد، وحالات التعدد بين المسلمين من الضآلة بحيث لا تلقى عليها كل تبعات هذه الأخطار.
4. أننا لو فتحنا الباب للقول بأن حكما معينا من أحكام الإسلام كان إجراء مؤقتا ينتهي إذا استنفد أغراضه، لأمكن لكل مدع أن يقول ذلك فيما لا يعجبه من أحكام إسلامية، كالحجاب، والطلاق، بل كالصلاة والزكاة والصيام، كما كان يقول بعض الحاقدين على الإسلام الذين يريدون التخلص من أحكامه لأوهى الأسباب.
وبهذا نعلم أن التعدد تشريع مستمر دائم، وهو بشروطه وضماناته التي وضعها الإسلام يكون أداة فعالة من أدوات الإصلاح.
وقد شكت بعض الدول حديثا من قلة النسل، فلجأت إلى حيل للإكثار منه، بالتلقيح الصناعي، وبترحيل الفتيات إلى الخارج، كما فعلت فرنسا عقب الحرب العالمية الثانية، إذ رحلت مئات الألوف من الفتيات إلى المستعمرات لتلقيحهن بالفحول، وكما لجأت هيئة التعمير بعد الحرب العالمية الثانية إلى استقدام الشبان إلى أوربا لتلقيح النساء اللاتي خلفتهن الحرب العالمية، ذلك للحاجة إلى النسل، وشرطوا في الشبان العزوبة وعدم زيادة سنهم على خمس وعشرين سنة.
وفي مدينة "بون" بألمانيا طالب أهلها أن يكون تعدد الزوجات ضمن مواد الدستور؛ لأن عدد العوانس حسب الإحصائيات الأخيرة بلغ حوالي 4.300.000 امرأة، وقد اقترحت بعض الهيئات هنا إقامة يوم للترفيه عن العوانس، بما يخفف عنهن آلامهن النفسية، ولكن العانس لا ترضى من الترفيه والهدايا إلا بقسيمة الزواج، وهي مستعدة لدفع أي شيء في سبيل الحصول على ابن حقيقي.
وجاء في أهرام 13/12/1960م أنه قد اكتشف وثيقة بخط مارتن بورمان نائب هتلر، كان قد كتبها سنة 1944م، يقول: إن هتلر كان يفكر جديا في أن يبيح للرجل الألماني الزواج من اثنتين شرعا لضمان مستقبل قوة الشعب الألماني.
هذه هي بعض فوائد تعدد الزوجات التي جعلت بعض الدول التي كانت محرمة له تنادي به، مع لجوئهم إليه بصورة أخرى غير شرعية، فقد استباحوا دينا وقانونا ما حرمه الله، وحرموا دينا وقانونا ما أحل الله، وعرفوا حقا أنهم مخطئون، وظهر بوضوح أن القرآن يهدي للتي هي أقوم.
وقد يخفف من غلواء مثيري هذه الضجة حول مبدأ التعدد إذا رجعوا إلى الوثائق واكتشفوا أن عدد الرجال الجامعين بين امرأتين في مصر مثلا، لا يعدو بضع عشرات من الآلاف من بين بضع عشرات من الملايين، وأقل منهم بكثير من زادوا عن اثنتين، وأندر من الكل من جمعوا بين أربع,كشفت إحصائيات مصرية عن وجود 151. 920 رجلا متزوجا من امرأتين، بينما يوجد 8. 250 رجلا يجمع بين ثلاث زوجات أما عدد من يعيشون مع أربع زوجات 3. 242 رجلا[100].
فهل يحق لنا في النهاية أن نقول: إن رحا المنددين بمبدأ التعدد تطحن ضجيجا لا طحينا؟
خاتمة في قضية تعدد الزوجات:
لعله قد تبين الآن أن الإسلام بهذا التشريع - وبغيره أيضا - قد كرم المرأة ولم يلجئها إلى مواطن المهانة الحقيقة بقبول العهر والزنا والعلاقات غير المشروعة، التي يقضي فيها الرجل شهوته ويمضي دون أية مسئولية عنها، وعما قد تكون حملته في بطنها سفاحا من هذه العلاقة.
أما ما يقع عليها من مهانة بسبب عمل بعض الرجال بتشريع التعدد فليست المسئولية فيه على الإسلام، بل على جهل هؤلاء به ومخالفتهم له!
وقد ورد في كتابات غير المسلمين أن البشرية عرفت الشيوعية الجنسية أولا، التي يعيش فيها الرجال والنساء في علاقات تزاوج مختلطة، وأن ظهور الأسرة متعددة الزوجات لرجل واحد كانت خطوة شديدة إلى الوراء حتى بالنسبة للشيوعية الجنسية؛ إذ إنها نزلت بإنسانية النساء إلى مستوى الحيوان.
فعند هؤلاء أن يعيش الرجال والنساء في شيوعية جنسية مختلطة، أكثر تقدما وإنسانية من أن تعيش زوجتان أو ثلاث زوجات أو أربع مع زوج واحد في علاقة شرعية محددة معترف بها شرعا وعرفا، أشرع الله تعالى هو الذي يهبط بالنساء إلى مستوى الحيوان، والشيوعية الجنسية هي الارتقاء بها؟!
لقد علم الناس جميعا أن الأوربية المثقفة العالمة القائدة - مهما علت مكانتها - لا تستنكف - في حالات كثيرة - أن تكون عشيقة ممتهنة لرجل متزوج من غيرها، وفي تصريح الأميرة ديانا - زوجة ولي العهد البريطاني وأم ولديه اليافعين - بأنها كان لها عشيق تعبده - وهو أحد مدربي الخيول في القصر الملكي - مثال على ما نقول، وقد صرحت بهذا على رؤوس الأشهاد في التلفاز، وباع عشيقها الأسرار الخاصة جدا لعلاقتها مقابل المال! وما هذا إلا مثال واحد لآلاف الأمثلة المعلنة! ومع هذا نجد من كبار المفكرين من يعيب مثنى وثلاث ورباع لصالح هؤلاء الساعين إلى حتفهم بظلفهم.
الخلاصة:
· إن تعدد الزوجات أمر مباح في التشريع الإسلامي، جاءت أحكامه في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، وقد تناول الفقهاء هذا الموضوع بالتفصيل في كتب النكاح؛ إذ لا يخرج التعدد عن كتب النكاح وما اشتملت عليه من أحكام شرعية تتعلق بالحياة الزوجية، سواء لزوجة واحدة أم أكثر من زوجة.
· التوجيه الصحيح لمعنى حديث: «أنتم أعلم بأمر دنياكم». لا يفهم منه أن التعدد أمر دنيوي، فقد ورد بشأن مشروعيته قرآن وسنة,ولقد فهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة - رضي الله عنهم - الأمر على هذا النحو، وانعقد الإجماع على مشروعية التعدد.
· إن العدل المنفي في الآية: )ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء( (النساء:129) هو العدل الكامل من كل وجه لا سيما العدل القلبي، وهو ليس مقدورا عليه، ولا يطالب به الرجل؛ لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها.
إن العدل المطلوب هو المتعلق بحسن العشرة والتسوية في الحقوق المقدور عليها من نفقة وكسوة ومبيت، ونحو ذلك بما لا يؤدي إلى ميل وانحراف وظلم، تشعر معه المرأة أنها معلقة، لا هي زوجة ولا هي مطلقة.
· لقد أباح الإسلام للرجل - إذا دعت الدواعي وتوافرت الشروط - أن يضم في عصمته أكثر من زوجة، بحد أقصى أربع زوجات، فهو أباح ولم يوجب، والفرق كبير بين الإباحة والإيجاب، فالمباح لا يجب فعله، والواجب لا يجوز تركه.
· إن تعدد الزوجات ليس من ابتداع محمد - صلى الله عليه وسلم - وإنما كان أمرا معروفا قبل الإسلام، ولا يزال مألوفا لدى غير المسلمين، ولم يحل الإسلام للرجل أن يتزوج ما شاء من النساء، بل قيد ذلك بشروط محددة.
· ليس تعدد الزوجات شكلا من أشكال الرجعية والتخلف يتهم به الإسلام، بل هو نظام حضاري لم تتخلف عنه حضارة إنسانية قديما وحديثا.
· إن العرب لم يكونوا أكثر شهوانية من غيرهم، لا في القديم ولا في الحديث؛ فقد ظهر أن غيرهم شاعت فيهم الرذائل، وعمهم الانحلال الأخلاقي، بدرجة لم يصل إليها العرب حتى يكون تعدد الزوجات مسوغا لشهواتهم.
· التعدد هو العلاج المحقق والسليم والمناسب لما يتعرض له المجتمع بأسره من تزايد عدد الإناث على الذكور تزايدا فاحشا، كما يحدث في أعقاب الحروب، في مثل هذه الحالات يترأس مبدأ تعدد الزوجات قائمة الحلول، وقد تعرضت إيران والعراق مثلا لظاهرة تزايد الإناث على الذكور عقب حربهما المعروفة، فكانتا في أمس الحاجة إلى الأخذ بهذا التوجيه الإسلامي الحكيم.
· ليس في مبدأ التعدد إهانة للمرأة، بل على العكس فيه تكريم لها وإعزاز؛ لأن التعدد يجري بين النساء، لا بين الرجال؛ فالرجل يتزوج واحدة أو اثنتين أو حتى أربعا، فأيهما أفضل للمرأة عموما، أن يصون الرجل ويعف أربعا منهن مع قدرته على ذلك، أم يقتصر على واحدة وتتعرض الأخريات للضياع والحرمان واليأس القاتل؟!
· ليس في مبدأ التعدد إسراف في الشهوة، بل هو تسام بها وتنسيق على وجه يدفع الفساد ومغبات السلوك، والتعدد لم يبح بغير ضوابط، بل أحيط بضمانات خلقية ومادية كالحاجة إليه، ووجوب العدل، ومع هذه الإباحة فإن التعدد في أقصى صوره لم يتجاوز نسبة الاثنين في المائة بالنسبة لجميع الزيجات حتى في أكثر المجتمعات الإسلامية تطبيقا له، فأين الإسراف في الشهوة يا ترى؟
· التعدد تستفيد منه النساء كاستفادة الرجال، أو أكثر استفادة؛ فإن المرأة إذا وقع عليها ضرر من مفاجآت ظهرت بعد الزواج حالت دون قيام الحياة الزوجية على الوجه المطلوب، فإن لها أن ترفع أمرها للقضاء ويصدر القاضي حكما بتطليقها منه، مع ملاحظة أن الرجل حين يطلق زوجته قادر على الاقتران بأخرى في أسرع وقت، أما هي فقد يعرضها الطلاق للخطر أو الوحدة الدائمة؛ إذ ليس في مقدورها كأنثى أن تتقدم هي لخطبة الرجل؟!
· القول بإطلاق التعدد بالنسبة للنساء كالرجال, أي أن تقترن المرأة بعدد من الرجال على سبيل المساواة، فهو أمر ــ فوق أنه يؤدي إلى اختلاط الأنساب ــ يصادم الطبيعة البشرية والفطرة السليمة القويمة للمرأة.
· هؤلاء الشانئون على الإسلام يغمضون أعينهم عن عيوب حقيقية في أوطانهم، عيوب جرت عليهم وبالا؛ ولذلك فإننا نسأل سؤالا نراه ضروريا هنا مؤداه: لما منع هؤلاء التعدد ماذا كان مصير مجتمعاتهم؟!
· إن المجتمعات الغربية تقبل الباطل وترفض الحق؛ فالمجتمع الغربي الذي يرفض تعدد الزوجات الشرعيات يقبل ويعترف بالعلاقة الآثمة - غير المشروعة - التي يقيمها الزوج مع واحدة أو أكثر من الخليلات والعشيقات، بينما لا يعترف ولا يقبل أن تكون هناك زوجة أخرى؛ وما ذلك إلا لأن نوازع الدين والإيمان قد تبخرت من كثير من العقول والقلوب، فأصبحت فريسة لحساب الأمور بالمكسب والخسارة، وهذا هو أسوأ الموازين في تقدير القيم.
· من المعروف أن العلاقات الجنسية في الغرب لم تعد تخضع لضوابط أو معايير خلقية؛ لذلك نتج عن هذه الفوضى في الممارسات الجنسية عندهم الآفات المدمرة الآتية:
o تفكك الأسر وإهدار العلاقات الزوجية والانفصال بين الآباء والأمهات وبين الأبناء ذكورا وإناثا.
o كثرة المواليد غير الشرعيين إلى نسبة تبلغ 45% أو 50% في بعض المجتمعات الغربية.
· تفشى الأوبئة والأمراض الخطيرة كالإيدز مثلا، وهو أخطر مرض نجم عن الشذوذ الجنسي في الغرب، أما الشرق الإسلامي فقد حمته مبادئ التشريع الإسلامي من اللجوء إلى طرق قد تسبب له العدوى بهذه الأمراض قدر التزامهم بالإسلام.
· المراجع لأعداد المعددين لاثنين - فضلا عن ثلاث وأربع - يكتشف تدني الأرقام بصورة مذهلة، مما قد يصح معه القول بأن القضية - بل الزوبعة - التي يثيرها المناوئون للتعدد بلا جسم حقيقي، أو وجود فعلي واضح، فكان رحى صياحهم تطحن ضجيجا لا طحينا.
· لا وجه للقول بمنع التعدد أو تقييده قياسا على ما قرره عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في تقييد الزواج بالكتابيات؛ لأنه نظر إلى ظروف إعمال الحكم الشرعي، مراعيا للمصالح والمفاسد وموازنا بينهما فقال بذلك، لكنه في الوقت نفسه لم يقل بحرمة هذا الزواج، وإنما أقر بحله. وإذا وازنا بين المصالح والمفاسد المترتبة على التعدد انتهينا إلى أن الإباحة المطلقة خير من التقييد أو المنع.
· لقد شرع التعدد لحكم جليلة ومصالح جمة منها ما هو لصالح المرأة، وما هو لصالح الرجل، وما هو لصالح الاثنين معا، وما هو لصالح الأسرة والمجتمع بشكل عام، وهي مصالح ترجح - إجمالا - ما قد يجره التعدد من مفاسد، فلا وجه إذن للاحتجاج ببعض المفاسد لتقييد التعدد أو منعه.
· البحث المحايد الدقيق والتحري والتثبت كلها تفضي في النهاية إلى أن الإباحة المطلقة للتعدد هي الأفضل، مع محاولة التخفيف مما يصاحبها أحيانا من سلبيات بوسائل أخرى غير محاولة التقييد غير المجدية.
(*) تحرير المرأة في عصر الرسالة، عبد الحليم محمد أبو شقة، دار القلم، القاهرة، الكويت، ط6، 1422هـ/2002م. تحرير المرأة، قاسم أمين، الهيئة العامة للكتاب، مصر، 1993م. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م. موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، عطية صقر، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1424هـ/2003م.
[1]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره من معايش الدنيا (6277).
[2]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب كثرة النساء (4782).
[3]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب إذا تزوج البكر على الثيب (4915)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها (3699).
[4]. تعدد الزوجات، د. عبد الناصر العطار، مؤسسة البستاني، القاهرة، ط5، ص184: 187 بتصرف.
[5]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره من معايش الدنيا (6277).
[6]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره من معايش الدنيا (6275).
[7]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م, ج2, ص379.
[8]. قارن هذا النص مع (متى 5: 31/ 19: 9)، ومع (لوقا 16: 18).
[9]. الطوائف المسيحية في مصر والعالم، ماهر يونان، طبعة خاصة، ط31، ص174: 176 بتصرف.
[10]. الطوائف المسيحية في مصر والعالم، ماهر يونان، طبعة خاصة، ط31، ص239، 240 بتصرف.
[11]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ج14، ص243.
[12]. بين الإسلام والمسيحية، أبو عبيدة الخزرجي، تحقيق: محمد عبد الغني أبو شامة، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1975م، ص84.
[13]. انظر: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، د. جواد علي، دار العلم للملايين، بيروت، مكتبة النهضة، بغداد، ط3، 1980م، ج4، ص633، 634.
[14]. أوضأ: أحسن.
[15]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم، باب الفرقة والعلية المشرقة في السطوح وغيرها (2336)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن (3768) بلفظ: جارتك هي أوسم.
[16]. صحيح: أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الطلاق، باب جامع الطلاق (2179)، والشافعي في مسنده، ومن كتاب أحكام القرآن (1315)، وصححه الألباني في الإرواء (1883).
[17]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة (1952) من طريق قيس بن الحارث، وأبو داود في سننه، كتاب الطلاق، باب في من أسلم وعنده نساء أكثر من أربع أو أختان (2243)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (2241).
[18]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ج7، هامش ص97.
[19]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ج7، ص327.
[20]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ج7، ص330.
[21]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ج7، ص330.
[22]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ج7، ص114، 115.
[23]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ج7، ص114، 115.
[24]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ج7، ج9، ص141.
[25]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ج7، ص143.
[26]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م،ج10، ص369.
[27]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ج2، ص95.
[28]. انظر: مصر القديمة، سليم حسن، مكتبة الأسرة، القاهرة، 2001م، ج3، ص37.
[29]. الأسرة بين التشريع الإسلامي والقوانين الوضعية، فوزي محمد شرف الدين، رسالة دكتوراه، كلية الآداب، الزقازيق، 1409هـ/ 1989م، ص143.
[30]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م, ج2, ص440.
[31]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ج3، ص177.
[32]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ج3، ص180.
[33]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ج4، ص270.
[34]. الخبز القفار: اليابس، أو خبز بدون طعام آخر.
[35]. الإدام: الطعام الذي يؤكل مع الخبز.
[36]. محمد في حياته الخاصة، د. نظمي لوقا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1994م، ص37: 40 بتصرف يسير.
[37]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ج2، ص32.
[38]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ج2، ص158، 159.
[39]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ج2، ص229: 235 بتصرف.
[40]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ج2، ص331.
[41]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ج2، ص333.
[42]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ج2، ص388.
[43]. المواخير: جمع ماخور، وهو بيت الريبة أو بيت أهل الفسق.
[44]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ج2، ص378.
[45]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ج3، ص174، 175.
[46]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة: محمد بدران، دار الجيل، بيروت، 1408هـ/ 1988م، ج21، ص89: 92.
[47]. موقع العربية نت، الصفحة الأولى، بتاريخ السبت 26 ربيع الأول، 1428هـ/ أبريل 2007م.
[48]. مجلة الوعي الإسلامي، الكويت، العدد 493، بتاريخ 23/ 12/ 2006م.
[49]. الأهرام العربي، العدد 208، مقال بعنوان "نقابة للعاهرات ومعاش عن التقاعد"، إبراهيم عيسى، 17/ 3/ 2001م.
[50]. ملوك المال والجنس في العالم، إبراهيم العربي، المركز العربي للنشر والتوزيع، الإسكندرية، د. ت، ص24: 28.
[51]. مجلة الشرق الوسط، العدد 367، شوال 1399هـ.
[52]. الأهرام العربي، العدد 208، مقال بعنوان "نقابة للعاهرات ومعاش عن التقاعد"، إبراهيم عيسى، 17/ 3/ 2001م.
[53]. وصل الأمر ببعض الدول الأوربية أن تسقط كلمة "الشاذ" وتستبدل بها كلمة "مثلي".
[54]. العذق: النخلة.
[55]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، سورة النساء (4297)، ومسلم في صحيحه، كتاب التفسير، باب حدثنا محمد بن رافع (7715) بنحوه.
[56]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، سورة النساء وقوله سبحانه وتعالى: ) وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ( (النساء: 3) (4298)، ومسلم في صحيحه، كتاب التفسير، باب حدثنا محمد بن رافع (7713).
[57]. انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، المكتبة التوفيقية، القاهرة، د. ت، ج2، ص146: 149. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج1، ص577.
[58]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة رضي الله عنه (8549)، وأبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب في القسمة بين النساء (2135)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (2133).
[59]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة على العيال والمملوك وإثم من ضيعهم (2359).
[60]. تنظيم الأسرة وتنظيم النسل، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، د. ت، ص62.
[61]. تحرير المرأة، قاسم أمين، الهيئة العامة للكتاب، مصر، 1993م، ص120، 121 بتصرف يسير.
[62]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط13، 1407هـ/1987م، ج1، ص579: 581 بتصرف يسير.
[63]. الصداق: المهر.
[64]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، المكتبة التوفيقية، القاهرة، د. ت، ج2، ص171.
[65]. الأسرة بين التشريع الإسلامي والقوانين الوضعية، فوزي محمد محمد شرف الدين، رسالة دكتوراه، كلية الآداب، الزقازيق، 1409هـ/1989م، ص137.
[66]. تقرير عن السكان في العالم العربي.
[67]. الديمغرافية: السكانية.
[68]. The world fact book 2000. وانظر: دليل التنمية البشرية لعام 1999م.
[69]. انظر: دليل التنمية البشرية لعام 1999م.
[70]. الإسلام واتجاه المرأة المعاصرة، د. محمد البهي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1401/ 1982م، ص43.
[71]. تعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية، د. عبد الناصر توفيق العطار، نشر المؤلف، ط5، 1988م، ص9: 11 بتصرف يسير.
[72]. الإسلام واتجاه المرأة المعاصرة، د. محمد البهي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1401هـ/1982م، ص9.
[73]. النظرية الفرويدية وموقف الإسلام منها، د. عوض النجار، رسالة دكتوراه، مكتبة الدعوة، القاهرة، 1422هـ/ 2002م، ص60.
[74]. أدب النساء في الجاهلية والإسلام، د. محمد بدر معبدي، مكتبة الآداب، القاهرة، ط1، 2005م، ص17.
[75]. انظر: موسوعة المفصل، د. الشحود، ج1, ص36 بتصرف.
[76]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط13، 1407هـ/1987م، ج1، ص604.
[77]. البضعة: القطعة.
[78]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب ذب الرجل على ابنته في الغيرة والإنصاف (4932)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم (6460).
[79]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب من شهد الفتح (4053)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود (4506).
[80]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الخمس، باب ما ذكر من درع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعصاه وسيفه وقدحه (2943)، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم (6462).
[81]. مرسل قوي: أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الطلاق، باب الغيرة (13268)، والحاكم في مستدركه، كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم، باب ذكر مناقب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم (4749)، والذهبي في التلخيص على المستدرك (4749).
[82]. تعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية، د. عبد الناصر توفيق العطار، نشر المؤلف، ط5، 1988م، ص163: 165 بتصرف.
[83]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، المكتبة التوفيقية، القاهرة، د. ت، ج2، ص311.
[84]. انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت ط2، د. ت، ج4، ص365، 366.
[85]. انظر: تحرير المرأة، قاسم أمين، سلسلة المواجهة، الهيئة العامة للكتاب، مصر، 1993م.
[86]. جيد: أخرجه الدارمي في سننه، كتاب النكاح، باب في القسمة بين النساء (2207)، وأبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب في القسم بين النساء (2136)، وقال الألباني في مشكاة المصابيح: جيد (3235).
[87]. حسن صحيح: أخرجه أبو دواد في سننه، كتاب النكاح، باب في القسم بين النساء (2137)، والطبراني في المعجم الكبير، ذكر زواج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منهن "سودة بنت زمعة رضي الله عنها" (81)، وقال الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود: حسن صحيح (2135).
[88]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الهبة وفضلها، باب هبة المرأة لغير زوجها وعشقها إذا كان لها زوج فهو جائر إذا لم تكن سفيهة (2453)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب جواز هبتها نوبتها لضرتها (3702) بلفظ: ما رأيت امرأة أحب إلى أن أكون مسلاخها.
[89]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة رضي الله عنه (8549)، وأبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب في القسمة بين النساء (2135)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (2133).
[90]. المغني, ابن قدامة, تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي, د. عبد الفتاح محمد الحلو, دار الهجر، القاهرة، ط2, 1413هـ/ 1992م, ج10, ص235، 236.
[91]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره من معايش الدنيا (6277).
[92]. التعزير: عقوبة غير مقدرة متروكة للحاكم المسلم يقدرها على حسب نوع المخالفة المرتكبة.
[93]. مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، د. محمد بلتاجي، مكتبة الشباب، القاهرة، 1996م، ص310: 317 بتصرف.
[94]. منهج عمر بن الخطاب في التشريع، د. محمد بلتاجي، دار السلام، مصر، ط2، 1424هـ/ 2003م، ص260: 263 بتصرف يسير.
[95]. مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، د. محمد بلتاجي، مكتبة الشباب، القاهرة، 1996م، ص332: 234 بتصرف يسير.
[96]. يشير د. بلتاجي هنا ـ على سبيل المثال ـ لقصة (الطريق الخلفي) Back Street للكاتبة هيرست.
[97]. انظر: مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، د. محمد بلتاجي، مكتبة الشباب، القاهرة، 1996م، ص217 وما بعدها.
[98]. تحرير المرأة بين الإسلام والغرب: افتراءات غربية وحقائق إسلامية، محمد علوان، طبعة خاصة، ط1، 1423 هـ/ 2002م.
[99]. انظر: موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، عطية صقر، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1424هـ/2003م، ج6، ص61: 99.
[100]. الأرشيف المعلوماتي الشهير، موقع العراقي.www.aliaqi.org
[101]. مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، د. محمد بلتاجي، مكتبة الشباب، القاهرة، 1996م، ص341: 343 بتصرف يسير.
[102]. سعى إلى حتفه بظلفه: أي: سعى إلى الموت بنفسه.
[103]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دون ما ذكره من معايش الدنيا (6277).
[104]. رسائل إلى عقل الغرب وضميره، د. عبد الصبور مرزوق، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، ط1 1427هـ/ 2006م، ص167 بتصرف.
why do men have affairs
redirect why men cheat on beautiful women
wives that cheat
link read here
open
online black women white men
husbands who cheat
open my boyfriend cheated on me with a guy
husband cheat
online online affair