ادعاء أن الدين لا علاقة له بالفن(*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المتوهمين أن الدين الإسلامي لا علاقة له بالفن، وأن الدين - بناء على هذا - لا تؤثر فيه الصور شبه العارية، ولا الأغاني الهابطة، ولا خوف عليه من الأطباق الهوائية - الدش - التي تنقل العري والشذوذ ليل نهار، فكل هذه الأمور بسيطة في نظر هؤلاء ولا تتهدد مسيرة الإسلام، ويستدلون على ذلك بأن مثل هذه المشاهد موجودة في تراث المسلمين الحافل بالكتابات والقصائد التي تتحدث عن الخلاعة والمجون، ككتاب "ألف ليلة وليلة" و "الأغاني" و "طوق الحمامة"، ويهدفون من وراء ذلك إلى ضرورة الفصل بين الدين والفن.
وجها إبطال الشبهة:
1) الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يطرأ ما يغير هذا الحكم، فهذا مبدأ إسلامي أصيل، والفن - كغيره من المعارف - مهارة من المهارات التي تنطبق عليها هذه القاعدة، فإن كان موافقا للأخلاق فهو مباح، وإن خالفها فهو محرم، وهذا ما تشهد به الفطرة والعقل، والقرآن والسنة وسيرة الصحابة؛ ولذا فإن في الإسلام فنا رفيعا ذا طابع خاص وواضح مباين لمفهوم الفن في الحضارت الأخرى.
2) هناك فرق شاسع بين الفساد الذي يخلع عليه أصحابه صفة الفن، وينزلونه منزلة الفن الأخلاقي، وبين الفن الصحيح الذي يهدف إلى تهذيب الأخلاق وتوسيع الحياة الشعورية لدى الإنسان.
التفصيل:
أولا. الفن - كأي لون من ألوان النشاط الإنساني - حلاله حلال وحرامه حرام، وهو في الإسلام ذو طابع خاص واضح:
الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يطرأ ما يقيد هذا الأصل، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، والفن بأنواعه - كأي لون من ألوان النشاط الإنساني - حلاله حلال وحرامه حرام.
وهذا ما يرصده د. محمد عمارة؛ إذ كتب تحت عنوان " المسلم والجمال " يقول: " من الناس من يحسب أن هناك خصومة بين الإسلام وبين الجمال، تدعو المسلمين إلى التجهم في النظر إلى الحياة، وإدارة الظهر إلى ما في الكون من آيات البهجة والزينة والجمال، يحسبون ذلك فيقولونه، أو يعبرون عنه بالسلوك المتهجم إزاء آيات الجمال والفنون والإبداعات الجمالية في هذه الحياة.
ولو كان هذا المسلك الخشن والغليظ والمتجهم أثرا من آثار المحن التي يمتحن بها المسلمون في مرحلة الاستضعاف التي يعيشونها، ورد فعل للتحديات المعادية التي تفرض الهم والحزن على الوجدان الإسلامي المرهف، أو مظهر الغضبة لحرمات الإسلام المنتهكة، لكان ذلك مسوغا ومفهوما.
لكن أن يكون هذا التجهم - في نظر هذا الفريق من الإسلاميين - هو مما يقتضيه المنهج الإسلامي في الحياة، فذلك هو الذي يدعو إلى استجلاء منظومة ومفهوم المنهج الإسلامي إزاء جماليات الحياة.
وجدير بالتنبيه أن هؤلاء الذين يحسبون قيام علاقة التلازم بين التجهم ومخاصمة الأحاسيس الجمالية وبين منهج الإسلام، منهم الإسلاميون الذين يحسبون أن هذا هو الموقف الحق للإسلام الصحيح في هذا الموضوع، ومنهم الخصوم الذين يتخذون من مسلك الغلظة لبعض الإسلاميين تجاه جماليات الحياة سبيلا للطعن في الإسلام.
فالقضية - إذن - أكبر من أن تكون خيارا خشنا لبعض الإسلاميين هم أحرار في سلوكهم، وإنما هي قد نمت واحدة من المطاعن التي يحاول نفر من خصوم المنهج الإسلامي استخدامها - ضمن مطاعن أخرى - لتشويه صورة منهج الإسلام في الفكر والحياة. الأمر الذي يكسب الحديث عن هذه القضية أهمية، ويجعل له مكانه الطبعي في سياق الحديث عن معالم منهج الإسلام"[1].
وفي محاضرة له - د. محمد عمارة - عن الإسلام والفنون الجميلة، قال كلاما مؤداه:
نحن ندرك أن المنهاج الإسلامي يجعل كل عمل الإنسان لونا من العبادة لله عز وجل: )قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (162)( (الأنعام)، لكن فقهاءنا وعلماءنا اصطلحوا على تقسيم الشريعة إلى عبادات ومعاملات، وهذا التقسيم مهم عندما ننظر في قضية الفنون الجميلة؛ لأن الأصل في العبادات أن تكون مما جاء به الشرع، فالعبادات توقيفية نقف فيها عند ما جاء به الشرع، لكن المعاملات تتميز بأن الأصل فيها ألا تخالف ما جاء به الشرع، حتى لو لم يأت بها الشرع، هذه قضية محسومة في منهاج النظر الإسلامي، وتحدث عنها كثير من علماء الإسلام عندما تحدثوا عن السياسة، فقالوا: إن السياسة هي التدابير التي يكون الناس معها أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، حتى ولو لم ينزل بها وحي، أو ينطق بها رسول، إذن نحن أمام المعاملات، أمام الأمور الحياتية التي لا تدخل في العبادات التوقيفية، لا نبحث عن الحل والحرمة انطلاقا من مجيئها في الشرع، وإنما انطلاقا من مصادمتها للشرع، أو عدم مصادمتها للشرع، هذه قضية أساسية في منهاج النظر إلى قضية الفنون الجميلة، فأنا لا أقول إنها مباحة؛ لأن الشرع جاء بها، وإنما تكون مباحة إذا لم تصادم وتخالف ما جاء به الشرع.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، ما هو الفن؟! الفن في كلمات موجزة: هو مهارة من المهارات - أي مهارة من المهارات - بصرف النظر عما إذا كانت هذه المهارة جيدة أو غير جيدة، أخلاقية أو غير أخلاقية، المهم إذا كانت هناك مهارة من المهارات تسمى فنا.
الفن - إذن - مهارة، لكن ليست أية مهارة تسمى فنا، وإنما الفن مهارة يحكمها الذوق الجميل والمواهب الرشيدة، وهي مهارة تعبر تعبيرا خارجيا عما في نفس الإنسان، فالفن باختصار شديد: هو محاولة الإنسان استشعار ما في هذا الكون من الجمال، وإذا كان الله - عز وجل - هو خالق هذا الجمال في هذا الكون، فلن يستطيع الإنسان المسلم أن يشكر نعمة الجمال التي أنعم بها الله عليه إلا إذا تعامل مع هذا الجمال، فالذين يقفون موقفا متجهما بين الإسلام والفنون، هؤلاء يغلقون قنوات استشعار ما في الكون من الجمال، ومن ثم لا يستطيعون - حتى لو أرادوا - أن يشكروا نعمة الله على هذا الجمال.
إن المجنون عاجز عن أن يشكر الله على نعمة العقل؛ لأنه إذا لم يمارس العقل والعقلانية، ويعرف نعمة العقل لا يستطيع أن يدرك قدر هذه النعمة حتى يشكر الله - عز وجل - عليها، فالذين يديرون ظهورهم لما في الكون من آيات الجمال، لا يستطيعون أن يقرروا نعمة الله - عز وجل - التي أنعم بها في هذا الجمال الذي خلقه الله وأفاضه في هذا الكون، إذن الحديث عن موقف الإسلام من الفنون، يتطلب منا أن ندخل من هذا المدخل المنطقي، وهو مدخل ديني في نفس الوقت.
إذا انتقلنا من هذا المنطق الفطري إلى المنطق القرآني، نجده يتحدث عن الزينة واتخاذها، وأنا أتصور أن كلمة "الزينة" من أرقى الكلمات التي تعبر عن الجمال في اللغة العربية، حتى إنني رأيت بعض محلات ومتاجر المجوهرات تستخدم كلمة الزينة عنوانا لها.
فالقرآن الكريم يتحدث عن اتخاذ الإنسان الزينة، ليس باعتبارها شيئا مباحا، وإنما باعتبارها فريضة، وهذا مستوى أعلى، ويتخذ الإنسان الزينة كفريضة في كل صلاة، فالإنسان يصلي خمس مرات فريضة في اليوم، فلا بد أن يتخذ الزينة سمة لها وسمتا عند أدائها، وأنتم لو تصورتم الكرة الأرضية وما بين مواقعها من اختلاف في المواقيت تدركون أن المسلمين يقيمون الصلاة، ويعبدون الله - عز وجل - أبد الدهر؛ كل لحظة من لحظات الليل والنهار هناك مسلمون يقيمون الصلاة ويتوجهون إلى الكعبة، ومعنى هذا أن الإنسان المسلم يقيم الصلاة، ويتخذ الزينة لله - عز وجل - دائما أبدا آناء الليل وأطراف النهار.
والقرآن الكريم يتحدث عن ضرورة اتخاذ الزينة، والرسول - صلى الله عليه وسلم - في مجتمع بسيط، وكان مجتمعا فقيرا، ومع ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - يعلم الناس أن يكون للمسلم ثياب لصلاته غير ثياب مهنته وعندما يتحدث القرآن الكريم عن نعم الله - عز وجل - على الإنسان في الحياة الدنيا، لا يلفت النظر فقط إلى الجانب النفعي، أو الجانب المادي، أو الجانب الدنيوي الذي يؤدي إلى المقاصد الدنيوية، وإنما يلفت النظر إلى ما في هذه المنافع والنعم من الجماليات، ومن الجانب الجمالي، يقول عز وجل: )والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون (5) ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون (6) وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم (7)( (النحل)، أي: لا يترك الأمر فقط عند الجانب النفعي والجانب المادي الدنيوي.
فالقرآن كتاب يعبر عن القضايا الفكرية والعقلية العميقة بالصور، فأنت عندما تقرأ القرآن كأنك ترى لوحات فنية تعبر عن القضايا المجردة، هذا كتاب لا يمكن أن يخاصم الفنون، كتاب يعبر عن معان مجردة بالصور ويعرض فيها لوحات.
إذن هو ينمي الحاسة الفنية عند الذين يتدبرون هذا القرآن ويتفكرونه ويعقلونه، يقول عز وجل: )ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء (24) تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون (25) ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار (26)( (إبراهيم)، وفي الإنفاق يقول تعالى: )مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم (261)( (البقرة).
هذا كتاب لا يمكن أن يخاصم الجمال في الكون، وإذا كان هذا هو البلاغ القرآني، فنفس الحال هو حال البيان النبوي للبلاغ القرآني، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو في دعاء السفر: «يستعيذ بالله من كآبة المنظر».[2] فيستشعر كل آيات الجمال في الكون، فيستعيذ بالله - عز وجل - من كآبة المنظر. ويقول صلى الله عليه وسلم: «زينوا القرآن بأصواتكم»[3].
والرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما تأتي فرقة من الأحباش لتلعب في المسجد يسأل زوجه السيدة عائشة - رضي الله عنها -: هل تريد أن تشاهد؟ فتقول: نعم، فيقف وخدها على كتفه إلى أن ترتوي وتشبع من المشاهدة. [4] فهذا منظر إنساني هو قدوة للعلاقات الإنسانية في بيوتنا ومع زوجاتنا.
وفي الحياة ملح وطرائف، والإمام أبو حامد الغزالي جعل كتابا في موسوعة "إحياء علوم الدين" لنكات وملح وطرائف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه بشر يوحى إليه، فإن وقفت عند ما يوحى إليه فهذا خطأ، وإن وقفت عند بشريته فهذا خطأ أكبر، وهذا هو التكامل في صورة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ونحن أحوج ما نكون إلى الفوارق في حياة المؤمن، فسر السعادة وسر النجاح هو التوازن في الشخصية الإنسانية، ونحن نعيب على الحضارة الغربية أن فيها قسوة الفرعونية، ووفرة القارونية، والخواء الروحي الذي جعلها كما ترون، ونحن لا نريد أن نكون رد فعل؛ فنكون الدراويش والزهاد الذين يديرون ظهورهم لجماليات الحياة الدنيا، وإنما نريد هذا الإنسان الذي يعمل لدنياه كأنه يعيش أبدا، ولآخرته كأنه يموت غدا، فارس النهار وراهب الليل، نريد هذا التكامل؛ لأن التوازن هو سر عبقرية الإسلام، وعبقرية الحضارة الإسلامية، والله - عز وجل - أنزل الكتاب والميزان - أي التوازن في الكون - وبدون التوازن في مكونات جسمك تمرض، فالتوازن بين هذه الطيبات والجماليات وبين الأمور النفعية في الحياة شيء أساسي لا بد أن نحرص عليه[5].
وهذه كانت سنة الخلفاء الراشدين أيضا: تروي كتب التاريخ أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقال له: يا أمير المؤمنين إن لنا إماما إذا فرغ من صلاته تغنى، فذهب أمير المؤمنين إلى هذا الإمام، وقال له: أتتمجن في عبادتك؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، ولكنها عظة أعظ بها نفسي فأغنيها، فقال له عمر رضي الله عنه: قلها، فإن كان كلاما حسنا قلته معك، وإن كان كلاما قبيحا نهيتك عنه - لاحظ تعبير أمير المؤمنين، فإنه لم يقل له: إن كان حسنا تركتك، بل قال له: قلته معك - فقال الإمام القصيدة، وآخر بيت فيها هو:
نفسي لا كنت ولا كان الهوى
راقبي المولى، وخافي وارهبي
فمضى عمر بن الخطاب مع هذا الرجل إلى المسجد وقال: على هذا فليغن من غنى، وهذا هو ما قاله الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله -: الغناء كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، فهو نفس كلام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فإذا كان هذا هو موقف الإسلام، فطرة وعقلا وقرآنا وسنة وصحابة[6]، فما الخلاصة إذن؟ يقول د. عمارة: "الفن مهارة، لكن، قد تكون هذه المهارة أخلاقية، وقد تكون غير أخلاقية، وأنا لاحظت اتفاق موقف الفيلسوف المسلم ابن سينا مع موقف ناقد روسي توفي عام 1848م اسمه "بلينسكي"، اتفقا على أن الشيء لا يكون جميلا إلا إذا كان أخلاقيا، وهذا هو لب القضية إذا ارتبط الفن بمقاصد أخلاقية في أي مجتمع من المجتمعات، فهذا يرضى عنه الإسلام وتباركه الشريعة الإسلامية.
أما إذا تحول الفن كما هو حادث في بعض المجتمعات إلى ألوان من الخنا والفسق والفجور، وإفساد الفطر السوية، وتحويل الإنسان إلى حيوان وقطع الصلات بين هذا الإنسان والروحانية والمثل العليا، لا يمكن أن يكون هذا فنا جميلا؛ لأنه لا يمكن أن يكون أخلاقيا، وحتى نجيب على سؤال مثل:أي الفنون نريد في الواقع العربي والمسلم الذي نعيشه؟ لأنه إذا كان هناك مجتمع لا تهدده مخاطر ولا تحيط به تحديات، سواء كانت هذه التحديات داخلية أو تحديات خارجية، فإني أتصور أن المجتمع المترف الآمن يتحمل من ألوان الترف ما لا تتحمله المجتمعات التي تحيط بها التحديات والمشكلات.
ومن هنا إذا تساءلنا: أية ألوان من الفنون نريد؟ فلا بد كي نجيب أن نسأل سؤالا آخر:أي إنسان نريد؟
في واقع كالواقع الإسلامي الذي نعيش فيه، وأمام المخاطر التي نشهدها ونلمسها، بل تقتحم علينا ديارنا، فإن الذين يبشرون بخمريات أبي نواس أو غزل وتغزل أبي نواس في الشذوذ وفي الغلمان، ويقولون أحيانا: لماذا تضيقون بهذا رغم أنه موجود في تراثنا؟ وهل أصبحت صدوركم أضيق من صدور السلف في القرون الماضية، وهم لم يضيقوا بأبي نواس وبغير أبي نواس؟
في رأيي أن الدولة الإسلامية التي تحملت مثل أبي نواس وأكثر كانت دولة قوية، ولم تكن تتهددها المخاطر التي تهدد الواقع الذي نعيش فيه الآن، وأيضا هناك فارق جوهري، فمن كان يقرأ أبا نواس في ذلك التاريخ؟ تعلمون أنه لم تكن هناك مطبعة ولا مذياع ولا تليفزيون ولا إنترنت، ولا كل هذه الأمور، إنما كان من يريد ويستطيع يذهب ليسمع أبا نواس، أما الآن فنحن عندنا أجهزة إعلامية وثورة في الاتصال تقتحم على الناس غرف نومهم، ومن ثم إذا تحول الفن إلى خنا وفسق وفجور وفحشاء، فإن هذه الأجهزة تشيع هذه الفحشاء في المجتمعات بشكل عام.
إننا مع إقرارنا بأن هناك شرائح في المجتمعات العربية والإسلامية تسلك هذه المسالك، يسوءنا أن تكون هذه هي السمات الأساسية للفنون التي تفرض على شبابنا ومجتمعاتنا، وليست القضية بالنسبة لنا هي خمريات وغزليات أبي نواس ولا الفن المكشوف أو التجاوزات التي تحدث من بعض من يدعون الفنون - على خطورتها -، بل القضية تكمن فيما يتعلق بمقدسات هذه الأمة، فنحن لا بد أن نسأل: أي إنسان نريد؟ حتى نجيب عن سؤال: أية فنون نريد؟ نحن نريد إنسانا قادرا على مواجهة التحديات الشرسة التي أصبحت تهدد وجود الأمة، حتى هذا الوجود أصبح مهددا الآن.
إذا ارتبطت الفنون بالأخلاق وكانت جميلة حقا، ومثلت قنوات لاستشعار ما في هذا الكون من آيات الجمال التي أبدعها اللهـ عز وجل - فإنني لا أتصور عاقلا ينطلق من منطلقات إسلامية يقيم خصومة بين الإسلام وبين هذه الفنون.
إن المفهوم الإسلامي للفن يقوم على استحالة التناقض مع الفطرة؛ فإذا كانت الفنون من روح الفطرة، وجب ألا تناقض أو تخالف دين الفطرة - دين الإسلام - في شيء، فإذا خالفت الفنون الدين في أصوله، ودعت صراحة أو ضمنا إلى رذيلة من أمهات الرذائل فهي فنون باطلة، فنون جانبت الحق وأخطأت الفطرة التي فطر الله عليها الناس والخلق.
ومفهوم الفن في الإسلام يقوم على أساس أنه عنصر من عناصر الفكر، يتكامل مع الأدب والاجتماع والأخلاق والدين والحضارة، وهو في الإسلام له طابعه الخاص الأصيل الواضح، وطابعه التوحيد، يتسامى بالغرائز، ويرتفع بالنفس والإنسانية إلى الكمال دون أن يبعد عن الواقع.
والفن في نظر الإسلام أداة تجميل الحياة، ووسيلة الإسعاد الروحي والنفسي على الكون والوجود، يعرف بها المسلم قدرة الله وعظمته، ويزداد بها إيمانا.
وإذا كان الفن اليوناني بطابعه المادي والوثني يجعل الأولوية للتماثيل المجسمة إعجابا بالأجساد وعبادة لصور الجمال ومظاهر القوة؛ فإن الفن الإسلامي مستمدا من مقدماته الأساسية يجعل البيان والشعر والأدب في مقدمة فنون الكلمة الموحية، وذلك انتقالا من عالم المادة إلى عالم الفكر، فالتأمل من أوسع العوالم، والتفكر في خلق الله أعظم معطيات العقل والروح: )ن والقلم وما يسطرون (1)( (القلم)، وبذلك أصبح رائد الفن: البيان الذي يتمثل في أسمى صوره في القرآن الكريم، وبذلك دفع الإسلام الفن البشري إلى الأمام، انتقالا من مفهوم الماديات في الفن إلى مفهوم المعنويات، وسلك المعنويات والماديات في إطار جامع متكامل، وبذلك فقد حرر البشرية من مفهوم المادية الخالصة التي تقدس الجسد والشهوات والغرائز والوثنيات وتقيم لها المهرجانات والطقوس، ودفع البشرية إلى الانتقال من تجسيد البطولة في صورة مادية إلى تكريم عمل الإنسان نفسه.
كما أن أبرز سمات الفن في الغرب لا تجد في الفكر الإسلامي مجالا لها؛ فالإسلام لا يقر عبادة الجسد الجميل عبادة وثنية بحيث يقدم له القرابين وكل ما يتصل بذلك من أساطير الحب والجمال عند الإغريق، وهي حافلة بالمباذل لا تجد في أفق المجتمع الإسلامي قبولا.
كما أن المسلم لا يؤمن بعبادة الطبيعة أو المحسوسات، ومن هنا فإن مفهوم الفن في الإسلام محرر من كثير من هذه القيم التي يقوم عيها الفن الغربي، والتي تتعارض أصلا مع الإيمان بالله الواحد.
وهكذا حقق الفن الإسلامي مذهبا جديدا مستمدا من حقائق الإسلامي، فكان فنا منطلقا وتجريدا معبرا وليس جامدا[7].
ثانيا. هناك فرق شاسع بين الفساد الذي يخلع عليه أصحابه صفة الفن، وبين الفن الصحيح الذي يهدف إلى تهذيب الأخلاق وتوسيع الحياة الشعورية لدى الإنسان:
لا يفوتنا أن ننقل هنا مقتطفات من مبحث نفيس بعنوان "الفن الجميل" ضمنه المفكر الكبير عباس العقاد - رحمه الله - كتابه "التفكير فريضة إسلامية"، حيث قال: إنما يقاس نصيب الفن الجميل من الدين بنظرة الدين إلى الحياة: فلا يقال عن دين: إنه يحيي الفنون الجميلة أو يتقبل إحياءها، إذا كانت له نظرة زرية إلى الحياة، وكان ينظر إليها كأنها وصمة زرية وإلى الجسد ومتاعه كأنه رجس مرذول وانحراف بالإنسانية عن عالم الروح والكمال، ولا يقال عن دين: إنه يزدري الفن الجميل إذا كان الجمال من مطالبه، وكانت نعمة الحياة مقبولة في شرعة المتدين به، بل واجبة عليه.
والإسلام بين الأديان قد انفرد بقبول نعمة الحياة وتزكيتها، والحض عليها وحسبانها من نعمة الله التي يحرم على المسلم رفضها ويؤمر بشكرها، وغيره من الأديان بين اثنتين: فإما السكوت عن التحريم والإيجاب معا، أو التصريح القاطع بالتحريم والتأثيم، أما الإسلام فإنه يحل الزينة ويزجر من يحرمها، ويصف الله بالجمال ويحسب الجمال من آيات قدرته وسوابغ نعمته على عباده[8].
أما الدعوة التغريبية الدخيلة على الفن الإسلامي والفكر الإسلامي والثقافة العربية، والتي تقول بأن الأدب فن حر يصور النفس الإنسانية فيه، وليس له أن يعطل عمله ليسأل عن قواعد الأخلاق، هذه دعوة غربية ومفهوم غربي خالص، وبعيد كل البعد من الذوق والضمير والمزاج العربي والإسلامي؛ لأن الفن والأدب في الفكر الإسلامي والثقافة العربية والأدب العربي يلتقي مع الدين والأخلاق ولا يتعارض معها؛ ليؤدي دورا بناء متساميا لحياة الجماعة والفرد معا. فليس هناك تعارض أصلا بين الأدب والأخلاق، أو الفن والأخلاق، أو الفن والدين، بل هناك تطابق واتفاق مثل ذلك التطابق بين العلم والدين[9].
وهناك بعض المفسدين ممن يحاولون الجمع بين الفساد والفن، على الرغم من الفارق الكبير بينهما، ويناقش الأستاذ محمد قطب أثر الفلسفات والمذاهب الوضعية الحديثة - كالعلمانية - في تحويل هذه السفاسف إلى أدب يكتسب المشروعية والعلنية، دون مواربة أو خجل، فيقول: "أما أدب الجنس المكشوف - إن كان يسمى أدبا - فهو أوضح من أن يحتاج إلى تعليق.
وفي تاريخ البشرية كله آداب تعالج الجنس بقصد الإثارة، أو تعبر عن تجارب هابطة لإنسان شهوان، ولكنها كانت تأخذ في عالم الأدب مكانا منزويا، يتستر بها صاحبها في الظلام، ويسقط عمن يتعاطونها رداء التوقير والاحترام، ويقبل عليها المراهقون من أي عمر كانوا، فليست المراهقة مدة معينة من عمر الإنسان، كما هي في اصطلاح علم النفس، إنما هي حالة نفسية غير مستقرة وغير متزنة يمكن أن يصاب بها الفتى في إبان طيشه، ويمكن أن يصاب بها ابن السبعين؛ فتخف أحلامه، ويذهب وقاره، وتذهب عنه قدرته على التحكم المتزن في الأشياء.
ولكن الجديد الذي أحدثه التطور العلماني، هو إعطاء الشرعية لهذا الهبوط الحيواني، وكشفه في النور، وإعطاؤه صفة الفن، ووضع منتجيه في قائمة المشاهير، بل في قائمة العظماء من الفنانين، وينشغل النقد الأدبي والنقد الفني بتتبع آثارهم، وكشف العظمة الفنية فيهم، بل يتبجح نقاد فيبحثون لهم عن عظمات نفسية في وسط الماخور - مجمع أهل الفسق - الكبير الذي يعيش فيه هؤلاء وهؤلاء من نقاد وفنانين.
لقد سقط الإنسان إلى السراديب وقرر المقام هناك، وأضاء الأنوار على قاذوراتها وعرضها على أنها البضاعة الحاضرة، لم تعد أمرا يستخفى منه، لم تعد قذارة تستنكر، أرأيت إلى دودة الأرض اللاصقة بالطين؟! إنها تستروح أنسام المستنقع الآسن الذي تعيش فيه وترى أنه بالنسبة لها هو الوضع الطبيعي، هو الأصل الذي ينبغي أن تعيش فيه. أرأيت لو أنك أردت أن ترفعها من الطين وتنظفها؟ إنها تستنكر وترفض وتنفلت من بين أصابعك لتزداد لصوقا بالطين.
وهكذا لم يعد أدب الجنس المكشوف قذارة يترفع عنها الفن، إنما صار هو الفن الذي يتفنن فيه الكتاب، يعرضون مفاتنه - أو بالأحرى مباذله - في تفصيل دقيق ومكشوف، ويعرضونه على أنه قاعدة الحياة أو قمة الحياة"[10].
وقد ناقش فضيلة الإمام الشيخ عبد الحليم محمود - رحمه الله - مسألة عدم الاعتبار لأن يكون الفن والأدب هادفا - عند بعض الباحثين والنقاد - وهو ما يطلق عليه هؤلاء الباحثون "نظرية الأدب للأدب والفن للفن"، أي: أن يكون الفن هدفا في حد ذاته بغض النظر عن أن يكون هادفا من عدمه، فأبان عن أصول هذه النظرية، إذ قال تحت عنوان " الأدب للأدب: " ويعنون بذلك: أن الأديب يجب ألا تقيده حدود من تقاليد أو عرف أو دين أو خلق أو فضيلة قومية، وأنه يجب أن يسير في كتابه حرا طليقا من كل تحديد.
هذه البدعة نشأت في الجو اليوناني القديم، وهو جو تخلى فيه الأدباء عن الدين، ونشأت في بيئة سادها جو السوفسطائيين،[11] إنها نشأت في مجتمع كان فيه أبيقور، وكانت مظاهرها الوثنية تحت بصر الإنسان، وأحاديثها تملأ سمعه، مجتمع آلهته الوثنية شهوانيون مرتشون، لا يعرفون عدالة ولا إنصافا، وكل ضلال يجد له من يتبعونه، وسادت بدعة الأدب للأدب.
وكتب الأدباء الأدب المكشوف: الأدب الجنسي، أدب الإثارة، أدب الشهوة، الأدب الذي يستثير الغرائز، ويحرض على الخيانة الزوجية ويدعو إلى التحلل، وهذا الأدب يروج عند المراهقين وعند الشباب في بواكير عهدهم بالشباب، وعند الفتيات المراهقات، ومن هن في بواكير العهد بالشباب، ومن وراء رواج هذا النوع المسف من الأدب، ثراء لما يكتبون، فلم يتورعوا عن الاندفاع في الكتابة بما يرضي شياطين الإنس والجن من أجل المال.
وفي عصرنا الحاضر طائفة من الكتاب من هذا النوع يلعنهم الله ورسوله، ويلعنهم كل من يحب الفضيلة، وكل مؤمن صادق الكمال، وإن كل من يضع لبنة في صرح الفضيلة، فإنما يضع لبنة في صرح الكمال، وإن كل من يضع لبنة في صرح الرذيلة، فإنما يضع لبنة في صرح النقص، وإن الأدباء الذين يجرون وراء الاستثارة الجنسية والأدب المكشوف خائنون للوطن ويعيشون في مقت الله؛ لأنهم مفسدون"[12].
وحول ضرورة أن يكون الأدب هادفا وفائدة ذلك يقول د. عون الشريف قاسم: " والأدب الحق إن أحسن التعبير والتصوير - محاولة جادة لسبر أغوار النفس والسيطرة على جماحها؛ بغرض تنظيم التنافر الداخلي وإحداث الانسجام بين العواطف المتناحرة عن طريق إشباع أكبر قدر منها، بحيث لا يجور جانب منها على جانب.
ولا يفعل ذلك كل أدب، إذ الأدب التافه يثير أتفه العواطف وأكثرها سطحية ويجعلها تطغى على غيرها، ومن هنا كان النجاح الشكلي لأدب الجنس الفاحش وما إليه، أما الأدب الصادق العميق فيحرك المشاعر وينظم أكبر قدر من العواطف، فيحدث الانسجام الداخلي ويتم التوحيد، فكما تنظم العلوم الطبيعية مظاهر الطبيعة المتنافرة في شكل قوانين ونظريات تحدث الانسجام في عقل الإنسان، تفعل الآداب هذه الفعلة في روح الإنسان وعاطفته، وبذلك يتم الانسجام بين الطبيعة والإنسان، وبين عنصري الإنسان: عقله وعاطفته.
فالأدب معرفة غايتها توسيع دائرة الحياة الشعورية وإثرائها عن طريق النظر في تجارب الآخرين الشعورية وإنجازاتهم الروحية، بحيث يتمكن الإنسان من مضاعفة تجاربه مئات المرات على قدر اطلاعه وثقافته، ومن هنا كان للآداب دور في معركة الحضارة لا يقل عن دور العلوم، فهما صنوان وهما رافدا المعرفة، وهما في نهاية المطاف خلاصة إنجاز الإنسان على الأرض، أي: حضارته"[13].
فإذا قيل: إن الأدب العربي القديم قد عرف الأدب المكشوف، قلنا: إن ذلك لم يكن بدافع الفطرة؛ بل كان غزوا شعوبيا على النحو الذي نواجهه اليوم ونسميه بالغزو التغريبي، وإن هذا اللون إنما دخل على أيدي المتصلين بالثقافة والديانات والفلسفات القديمة السابقة للإسلام، وفي مقدمتها وثنية اليونان ومجوسية الفرس وفلسفات الهند[14].
وقد كان هذا من خلال موجة القرن الثالث الهجري خلال العصر العباسي، وقد كشفت عن جوانب من التحلل والإباحة، تمثلت في شعر بعض الشعراء، وقد جاء هذا الطابع من الإباحة متمثلا في أبي نواس وبشار وغيرهما في ظل تحديات خطيرة واجهتها الحضارة الإسلامية والمجتمع، وهي تحديات اضطربت فيها معايير الفكر الإسلامي وتطبيق الشريعة الإسلامية حين ظهر طابع الترف العاصف وطوابع التسري وأسواق الجواري وغيرها مما كان مخالفا في حركته لمفهوم الإسلام نفسه، ومما أدى إلى رد فعل قوي من الناحية الأخرى بظهور فلسفات الزهادة والتصوف الفلسفي، إلى جوار مذاهب الباطنية وغيرها.
على أننا نؤكد ثانية أن هذه الدعوات والحركات انبعثت على أيدي رجال كانت لهم صلات سابقة بالديانات الفارسية والفلسفات الدخيلة، ولم يكونوا في حقيقة الأمر منطلقين من مفهوم أصيل للفكر الإسلامي بما غير مفاهيم المجتمع والحياة[15].
لقد كانت دعوة الفلسفة المادية إلى تحرير الفن والأدب الغربي والفن الأوربي إلى حد الإباحة، بمثابة رد فعل على موقف المسيحية والكنيسة والقسيسين في الغرب من مقاومتهم لحرية الفكر، فكانت تلك الاندفاعة التي أخرجت الفنان والأديب من ضوابط الأخلاق وقيم المجتمع، مما فتح الباب لموجة طاغية من موجات الإباحة في المجتمع نفسه، وكان ذلك متصلا أوثق الاتصال بالحضارة الإغريقية ومفهومها الإباحي المتحلل من مختلف القيم والضوابط الأخلاقية. فالفكر الغربي حين يندفع في موجة الإباحية والتحلل، إنما يجد من مصادره وتاريخه وسوابقه وجذوره ما يؤصل له هذا الاتجاه، أما الفكر العربي الإسلامي فأمره يختلف اختلافا كبيرا؛ ذلك لأن المجتمع العربي الإسلامي كان مرتبطا طوال حلقات تاريخه بمقومات وقيم ذات طابع خلقي في مختلف مجالات العلاقة بين المرأة والرجل، ومختلف علاقات المجتمع والسياسة والتجارة وغيرها، إلا ما شذ من بعض المسلمين الذي تأثروا بالفلسفات اليونانية والفارسية والمذاهب الخارجة عن الإسلام كما بينا سابقا[16].
ورغم المحاذير إلا أن كثيرين يرون أن الفن يمكن أن يكون وسيلة ناجعة في خدمة الدعوة، بناء على أن حلاله حلال وحرامه حرام.
وأخيرا، في سبيل تحرير علاقة الإسلام بالفن النبيل، هل نحن بحاجة إلى شهادة الآخرين كي يتأكد الكلام، ويكتسب المصداقية؟ فليكن، هذه شهادة "لاركيه" في كتابه "الفن والتاريخ" يقول فيها: "إن العرب ورثوا - فيما ورثوا عن الأمم التي دخلت في حوزتهم - الفنون والصناعات، وأخذوا يحذقونها، ويبرعون فيها في مدارس المورثين، إذ لم يكن في استطاعتهم أن يرتجلوا فنا كما ارتجلوا لهم ملكا.
ومع ذلك لم يمض زمن طويل حتى نبغ فيهم البناءون والحفارون والنقاشون، دون أن يروا في شيء من ذلك مخالفة لنصوص كتابهم، أو معارضة لشريعة نبيهم، ولم يقفوا عند حد الحذق والبراعة، بل تعدوه إلى التفنن والإبداع، فنقحوا وصححوا، وحذفوا وأضافوا ثم اخترعوا وابتكروا، حتى طبعوا تلك الفنون بالطابع العربي، وصبغوها بالصبغة الإسلامية؛ حرصا على شخصيتهم أن تفنى، فأصبح الروح العربي بارزا واضحا يندمج فيه غيره، ولا يندمج في شيء، ولهذا أوجدت العرب لها فنا يوافق ذوقها ويسير مع طبعها ودينها، وسرعان ما انتشر في أرجاء تلك المملكة الواسعة انتشار الكهرباء.
وقد خضعت الفنون الإسلامية لنواميس الطبيعة الإقليمية، فاصطبغت في كل قطر بصبغته الخاصة، وكانت في عادة أحوالها - من: أندلسي، ومغربي، وصقلي، ومصري، وشامي، وعراقي، وفارسي، وهندي، ومغولي - إسلامية أصيلة كريمة نبيلة، تنطق بما للإسلام من إباء ونجدة وشهامة ونخوة.
وإذا كان الفن الإسلامي قد تأثر بما وصل إليه من فنون البلدان المجاورة، حيث إن الإسلام يتنافى مع الجمود، فإن أيا من تلك الفنون لم يسلم من تحريف الفنان المسلم الذي أعاد بذلك سمته الخاصة به وبمعتقداته، وجردها من كل ما تنطوي عليه من رموز وإشارات لتستحيل إلى فن زخرفي تجريدي بعيد عن كل رمز تاريخي أو أسطوري"[17].
الخلاصة:
· الفن - كأي مهارة من المهارات، ونشاط من الأنشطة - مباح في الأصل من وجهة نظر الإسلام على قاعدة "الأصل في الأشياء الإباحة" ما لم يطرأ ما يقيد هذا الأصل بالكراهة أو التحريم، فإن طرأ هذا الطارئ يكون المعيار: هل هذه المهارة أخلاقية أم غير أخلاقية؟
· والقرآن الكريم في العديد من آياته يلفت الأنظار إلى ما في الكون من تناسق وإبداع وإتقان، وما يتضمنه ذلك من جمال وبهجة وسرور للناظرين، ومن هنا لا يعقل أن يرفض الإسلام الفن إذا كان جميلا.
· إذا ما ارتبط الفن بمقاصد أخلاقية رضي عنه الإسلام، وباركته تعاليمه، أما إذا تحول - كما هو حادث الآن - إلى ألوان من الخنا والفسق والفجور وإفساد الفطرة السوية، وحول الإنسان إلى حيوان، وقطع صلاته بالروحانيات والمثل العليا، لا يمكن أن يكون فنا، فضلا عن أن يكون جميلا؛ لأنه ليس أخلاقيا، ومن ثم ليس شرعيا.
· محاولة بعض المفسدين الجمع بين الفساد والفن في مكان واحد - على الرغم من الفارق الكبير بينهما - محاولة ظاهرة الفساد، معروفة الغايات والأهداف الخبيثة، ففي حين أن الفساد يدمر أركان المجتمع، ويحارب القيم الفاضلة، نجد أن الفن عبارة عن تهذيب الأخلاق، وتوسيع الحياة الشعورية لدى الإنسان، فأين المجال الذي يجمع بين الطرفين في نظر هؤلاء؟!
(*) المفترون: خطاب التطرف العلماني في الميزان، فهمي هويدي، دار الشروق، القاهرة، 1416هـ / 1996م. ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1414هـ/ 1993م. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1424هـ / 2003م.
[1]. الإسلام والفنون الجميلة، د. محمد عمارة، دار الشروق، القاهرة، ط2، 2005م، ص13، 14.
[2]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره (3339).
[3]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الكوفيين، حديث البراء بن عاذب رضي الله عنه (18539)، وابن ماجه في سننه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب في حسن الصوت بالقرآن (1342)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (771).
[4]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أبواب المساجد، باب أصحاب الحراب في المسجد (443)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد (2105).
[5]. الإسلام والفنون الجميلة، د. محمد عمارة، كلية آداب جامعة السلطان قابوس، 1998م.
[6]. الإسلام والفنون الجميلة، د. محمد عمارة، كلية آداب جامعة السلطان قابوس، 1998م.
[7]. الشبهات والأخطاء الشائعة في الفكر الإسلامي، أنور الجندي ، دار الاعتصام، القاهرة، ص39، 38 بتصرف يسير.
[8]. التفكير فريضة إسلامية، عباس محمود العقاد، دار القلم، القاهرة، ط1، ص102، 101.
[9]. الشبهات والأخطاء الشائعة في الفكر الإسلامي، أنور الجندي، دار الاعتصام، القاهرة، ص169 بتصرف.
[10]. مذاهب فكرية معاصرة، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط9، 2001م، ص492، 493.
[11]. السوفسطائية: فرقة تنكر الحسيات والبدهيات وغيرها، وتعنى بالجدل والتلاعب بالألفاظ بقصد الإقناع، وهي فرقة يونانية قديمة عارضها سقراط وكشف عن مغالطتها.
[12]. موقف الإسلام من الفن والعلم والفلسفة، د. عبد الحليم محمود، دار الرشاد، القاهرة، ط2، 2003 م، ص35:33.
[13]. من قضايا البعث الحضاري، د. عون الشريف قاسم، دار الفكر، بيروت، ط1، 1997م، ص95، 96.
[14]. الشبهات والأخطاء الشائعة في الفكر الإسلامي، أنور الجندي، دار الاعتصام، القاهرة، ص169، 170 بتصرف.
[15]. الشبهات والأخطاء الشائعة في الفكر الإسلامي، أنور الجندي، دار الاعتصام، القاهرة، ص168 بتصرف.
[16]. الشبهات والأخطاء الشائعة في الفكر الإسلامي، أنور الجندي، دار الاعتصام، القاهرة، ص168، 167 بتصرف يسير.
[17]. الحضارة والتمدن الإسلامي بأقلام فلاسفة النصارى، د. عبد المتعال الجبري ، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1993م، ص44: 46.
go
link how long for viagra to work
generic viagra softabs po box delivery
viagra 50 mg buy viagra generic
why do wife cheat on husband
website reasons why married men cheat
husband cheat
online online affair
My girlfriend cheated on me
find an affair signs of unfaithful husband