مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

التشكيك في جدوى مناهج المصلحين وحركات التجديد ما دام الدين تاما(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المشككين أن حركات الإصلاح ومناهجه التي يقوم بها بعض علماء الإسلام - لا فائدة منها، بل هي مخالفة لتعاليم الدين الصحيح في نظرهم، ويتساءلون: إذا كان الدين الإسلامي تاما - كما يدعي المسلمون - فما الفائدة من حركات التجديد التي تظهر على الساحة الإسلامية كل يوم؟! ويرمون من وراء ذلك إلى التقليل من دور مثل هذه الحركات التجديدية.

وجها إبطال الشبهة:

1) هذه الدعوى الباطلة نابعة من الاضطراب الداخلي الذي ساد المجتمع الإسلامي، ومن جهود الاستعمار التي تهدف إلى محو شخصية المسلمين.

2) وضع الإسلام مجموعة من الأسس التي يجب مراعاتها عند التجديد، فلم يترك الأمر مباحا لكل من يريد أن يدلي بدلوه في هذه العملية، وأكد العديد من علماء الإسلام على أن مجالات التجديد والإصلاح مجالات محدودة.

التفصيل:

أولا. هذه الدعوى الباطلة نابعة من الاضطراب الداخلي، الذي ساد المجتمع الإسلامي، ومن جهود الاستعمار التي تهدف إلى محو شخصية المسلمين:

إن المجتمع المسلم تتنازعه عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية شتى، وتحكمه أنظمة مختلفة الوجوه والألوان، وأوضاعه ليست واحدة، أو ثابتة بحال من الأحوال.

والإنسان المسلم المثقف يعيش صراعا فكريا عميق الجذور، بين التمسك بهويته الإسلامية، والتبعية لتيارات العصر الوافدة، التي تجتاح الساحة العالمية كلها، والتي تكاد تصبح هي السائدة بالنسبة لكافة شعوب العالم الإسلامي؛ لأنها لا تملك أسباب المقاومة، وليست محصنة داخليا حتى تواجه هذه التيارات، فهناك صراع رهيب يدور داخل المجتمع الإسلامي بين التيارات الإسلامية المتعددة والعلمانيين الذين تأثروا بالفكر الغربي بمختلف أشكاله[1].

لقد كانت خطة الاستعمار - في غالب الأحوال - هي التغريب وإفساد شخصية المسلم ومحوها، ويتضح ذلك من قول اللورد كرومر - أول معتمد بريطاني في مصر -: "إن مهمة الرجل الأبيض الذي وضعته العناية الإلهية على رأس البلاد - يقصد مصر - هي تثبيت دعائم الحضارة المسيحية إلى أقصى حد ممكن، بحيث تصبح هي أساس العلاقات بين الناس، وإن كان من الواجب - منعا من إثارة الشكوك - ألا يعمل على تنصير المسلمين، وأن يرعى من منصبه الرسمي المظاهر الزائفة للدين الإسلامي، كالاحتفالات الدينية، وما شابه ذلك".

إن هدف المستعمرين هو تحويل الناس عن الإسلام، وإن اختلفت الأساليب والوسائل، إلا أن النتائج المتوقعة هي واحدة تقريبا، والأدلة على ذلك كثيرة منها ما يأتي:

· ما فعله الاحتلال البريطاني في مناهج التعليم للإضرار بالإسلام والمسلمين.

· عملية الغزو الفكري عن طريق جميع وسائل الإعلام التي تسعى دائبة لمحو الإسلام، وإزالته من الوجود.

· صناعتهم لأبطال وهميين؛ ليخفوا في ظل بطولتهم محاولاتهم التخريبية للإسلام[2].

· محاولاتهم المستمرة لطمس قيم إسلامية تحت دعاوى التحرر والمدنية والتطور.

وهذه الأمور من الوضوح بمكان بحيث لا تحتاج إلا لعقلية محايدة، لتكتشفها وتظهر بواعثها، مما يجعلنا في أشد الحاجة إلى وضع القواعد التي تنقذنا من هذا التشتت، وتحافظ على هويتنا الإسلامية المستهدفة.

ثانيا. وضع الإسلام مجموعة من الحدود والأسس التي يجب مراعاتها عند التجديد:

إن هذا الادعاء لا يرقى لأن يكون شبهة إلا عند الذين لا يفرقون بين العقيدة والتشريع، فالعقيدة التي تعني أن الدين واحد لا يختلف عليها. أما الشرائع فتختلف باختلاف الزمان والمكان؛ لهذا اختلف الأنبياء مع أنهم يدعون إلى إله واحد؛ وذلك لأن الأدواء التي يحاصرونها تتغير من زمان إلى آخر، فقد اتفقوا في أساس واحد هو التوحيد، ثم اختلفوا بعد ذلك في تفاصيل التشريع لكل منهم، وإن اهتمام أحدهم بوضع ما في بيئته، لا يعني قلة اكتراثه بالأوضاع الأخرى.

أما المصلحون فهم ينتمون إلى عقيدة واحدة وتشريع واحد، لكن فهمهم لتطبيق هذا التشريع قد يختلف من واحد لآخر، باختلاف الزمان والمكان، أو الاختلاف في فهم أولويات التطبيق هنا أو هناك، فمثلا عندما ينتشر مرض بعينه في بلد ما، يكون علاج المرض ومحاصرته أولى من معالجة بعض الأمراض البسيطة، التي لا يؤثر تأجيلها على فناء البشر في هذا الموضع، وعليه تختلف وجهات المصلحين والمجددين ويمكن أن تتكامل لو تم الاتصال الجيد بينهم.

لقد قامت فلسفة إرسال الرسل وبعثة الأنبياء بدين الله على عدة حقائق منها:

·        الدعوة إلى دين واحد وعقيدة واحدة وأصول عبادة واحدة.

·   تجديد الدعوة إلى ذلك الدين الواحد، بعدما اندثرت معالمه وانحرفت تعاليمه، وذلك من خلال إرسال الرسل والأنبياء لدعوة أقوامهم إلى دين الأنبياء السابقين في أصوله العامة وقواعده الكلية، وهي توحيد الله وعبادته دون سواه، والتمسك بالفضائل، والتخلص من الرذائل. قال تعالى: )اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون (50)( (هود: 50)، )ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط( (هود:85)، )أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون (54)( (النمل)، والدعوة إلى الإيمان بعقيدة البعث والمعاد: )إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم (26)( (هود)، )اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر( (العنكبوت: 36).

·   استحضار تاريخ الأديان وما حاق بالأقوام السابقين نتيجة رفضهم دعوة أنبيائهم؛ قال تعالى: )ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد (89)( (هود).

فلما جاء الإسلام وقضت مشيئة الله أن يكون آخر رسالة سماوية لأهل الأرض، وأن يكون محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم المرسلين؛ لزم أن يضمن الإسلام في أصوله وقواعده وفلسفة وجوده قيام علماء ودعاة ومصلحين، يسهرون على تجديد أمر الدين، وإصلاح ما يعوج من فهم أحكامه، أو تطبيق مبادئه، وإحياء ما يندرس من أصوله، أو يتعثر من قواعده، فجاءت في هذا الباب البشارة النبوية بالبعث التجديدي لكل جيل وحقبة تاريخية يعيشها المسلمون فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث من هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها».[3] فلا نبي بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - ولكن مجددون ومصلحون، ومن ثم ظهر في تاريخ الإسلام عبر قرونه الأربعة عشرة، مصلحون ومجددون في مناحي الإسلام المختلفة، كما قامت حركات إصلاحية كثيرة تتحرى إصلاح شأن المسلمين، والعودة بهم إلى أصول الإسلام الأولى.

حدود التجديد والإصلاح:

لقد وضع الإسلام مجموعة من الحدود والأسس التي يجب مراعاتها في عملية التجديد، فلم يترك الأمر مباحا لكل من يريد أن يدلي بدلوه، وأكد علماء الإسلام على أن مجالات التجديد والإصلاح والإحياء مجالات محددة.

فالإسلام يفتح أبواب الاجتهاد والتجديد في أمور الحياة العامة، والتي لا تتعارض مع الثوابت في العقيدة أو في الشريعة، فإذا كان المجتمع الإسلامي في حاجة إلى التغيير والتجديد، فإن مناهج التغيير هي التي تمثل مسارات الجماعات، وتستوعب فعالياتها وطاقاتها، وكلما كانت مناهج التغيير متقنة ومحكمة، انعكس هذا الإتقان على تنظيم وحركة الفعاليات، والنظرة التقويمية لمناهج التغيير الإسلامي.

إن إحساس الإنسان المسلم بضرورة التغيير والتجديد يزداد يوما بعد يوم؛ لأن أسباب القوة انتقلت إلى غير المسلمين، وذلك بسبب واقعيتهم، وإقبالهم على الأخذ بالمناهج العملية والتربوية التي تنشئ أجيالا من العلماء والقادة الذين يمكنهم قيادة السفينة بنجاح في خضم هذا البحر المتلاطم من الدول المتقدمة والمتطورة؛ والتي تتنافس على اكتساب المعرفة التي تزيد من قدرتها على المواجهة، وعلى الدفاع عن كيانها، يقول الله عز وجل: )وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم( (الأنفال:60) [4].

وللتجديد والإصلاح والإحياء مجالاته ومظاهره المتعددة، نذكر منها:

1.   العودة إلى أصول الإسلام الثابتة وينابيعه الصافية.

2. محاربة الانحرافات العقائدية والفكرية، التي ظهرت بين المسلمين نتيجة الجهل والضلال في فهم مبادئ هذا الدين وأصوله.

3.   تلبية احتياجات الأمة الإسلامية، فيما يتعلق بحل مشكلاتها الفكرية والحضارية والتشريعية المختلفة.

4. ابتكار الوسائل والآليات المناسبة لروح العصر مع التأكيد على حفظ ثوابت الإسلام، وحمايتها من التحريف أو الإقصاء.

5. التأكيد على ضرورة بث روح الإخاء والمحبة بين أفراد الأمة الإسلامية، كخطوة أولى نحو الوحدة الإسلامية بين أمم وأفراد العالم الإسلامي.

وفي هذا الإطار ظهرت في العالم الإسلامي في العصر الحديث العديد من حركات النهضة والبعث، والإحياء الإسلامي التي كان لها أثر كبير في إيقاظ الشعور الإسلامي، وبعث الاتجاه إلى التحرر الوطني والنهضة الشاملة.

وحول هذا الموضوع يحدثنا د. عبد المقصود عبد الغني - رحمه الله - فيقول: "وعلى أي حال فإن الفكر الإسلامي أخذ يتطور شيئا فشيئا حتى تحقق له الاكتمال والازدهار على يد أعلامه ورواده الكبار، ولكن قدر لهذا الفكر أن يشهد حالة من الركود والجمود والخمود، بعد رحيل ابن رشد وابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ولم تقتصر هذه الحالة على الفكر وحده، بل إنها امتدت لتشمل الحياة الإسلامية في شتى مجالاتها ومختلف ميادينها، ودب الضعف والتخلف والتدهور والجهل والفقر بين المسلمين، وسيطر عليهم، كما سيطر التقليد والجدل والتعصب المذهبي على علمائهم وفقهائهم، وأصبح الدين مجرد رسوم وطقوس وشعائر، وصار جسدا بلا روح. والواقع أن هذه الحالة التي كانت تزداد سوءا قد سيطرت على المسلمين، وطغت على حياتهم لعدة قرون.

على أنه من المستحيل أن تستمر تلك الحالة إلى الأبد، فكلما ازدادت الحالة سوءا كان ذلك مؤذنا بضرورة التحول وبدء مرحلة جديدة، فمهما طال الليل، فلا بد أن يعقبه النهار، ومهما اشتد الظلام، فلا بد أن يبدده نور الفجر، ومهما اشتدت الأزمات، فلا بد أن يأتي الفرج.

أجل، ما كان للعقل أن يستمر في غفوته، ولا كان للتفكير الإسلامي أن تظل خابية جذوته بل كان من الضروري أن يتيقظ العقل من غفوته، وأن ينهض الفكر من جديد، وأن تبعث الأمة من رقدتها، وكانت نهضة الفكر الإسلامي مع مطلع العصر الحديث الذي نشهد فيه مرحلة جديدة تعتبر من أدق المراحل في مسيرته، وهذه النهضة ترجع إلى الظروف والملابسات التي كان لها تأثيرها في فكرنا الحديث واتجاهاته ".

ومن المقرر أنه: "إذا كان الإسلام قد تضمن من المبادئ ما يدفع الإنسان إلى التطور والحركة لمتابعة الحياة في سيرتها وتطورها؛ فإن السبيل إلى التجديد هو أن نبعد عن الإسلام ما يقف عقبة في طريق تطوره، وأن نزيل عنه ما أحاله إلى الجمود.

ولا شك أن الذي وقف عقبة في طريق تطوره، وأحاله إلى الجمود هو سيطرة التقليد، وإغلاق باب الاجتهاد؛ لأن الاجتهاد هو أساس الحركة والتطور، فإذا أهملناه وأغلقنا بابه توقف الإسلام عن الحركة، فكأن الاجتهاد هو الذي يضمن له الحيوية والطاقة، التي تجعل النشاط يدب في روحه".

ويقول محمد إقبال في ذلك: " السبيل الوحيد أمامنا أن ننزع عن الإسلام هذه القشرة الجافة التي أحالت إلى الجمود نظرته إلى الحياة التي كانت في جوهرها دائبة الحركة والنشاط؛ وأن نعيد الكشف عن الحقائق الأصلية، حقائق الحرية والمساواة والاتحاد، فنقيم على أساسها مثلنا العليا في الأخلاق والاجتماع والسياسة".

ويذكر إقبال أن أهل السنة سلموا بالاجتهاد من ناحية إمكانه النظري؛ وذلك لأن المذاهب التي وضعها الأئمة مع إحاطتها وشمولها ليست إلا تفسيرات فردية، وهي بوصفها هذا لا تستطيع الزعم أنها القول الفصل، ثم إن أصحاب هذه المذاهب الفقهية لم يدع أحد منهم إلزام أحد من المسلمين باتباع مذهبه دون غيره، وإذا كان أهل السنة قد سلموا بالاجتهاد من ناحية إمكانه النظري، فإنهم أنكروا تطبيقه منذ وضعت المذاهب؛ لأن الاجتهاد الكامل أحيط بشروط يكاد يستحيل - في نظرهم - توافرها في فرد واحد. [5].

أما عن أسس هذا التجديد فلقد ذكر فيلسوفنا إقبال أمورا مهمة تعتبر أسسا ينبغي مراعاتها في لمبدأ التجديد، وتعد ركائز أساسية يرتكز عليها، من هذه الأمور ما يأتي:

·   ضرورة التوفيق بين مراتب الدوام والتغير، ويوضح ذلك إقبال فيقول: "إن المبدأ الروحي الأول لكل حياة (وهو الذات الإلهية) مبدأ أبدي يرينا الآيات الدالة عليه في التنوع والتغير، والمجتمع الذي يقوم التصور العقلي فيه على أن يوفق وجوده بين مراتب الدوام والتغير، لا بد أن يكون له مبادئ أبدية تنظم حياته الجماعية وتضبط أموره؛ وذلك لأن الأبدي الخالد يثبت أقدامنا في عالم التغيير، ولكن إذا فهمنا أن المبادئ الأبدية تستبعد كل إمكان للتغيير، فإن هذا الفهم يجعلنا ننزع إلى تثبيت ما هو - أساسا - متغير في طبيعته.

وفي رأيه أن عدم اتخاذ مبادئ ثابتة لتنظيم الجماعة يؤدي إلى الإخفاق في السياسة والاجتماع كما حدث في أوربا، وكذلك فإن التمسك بالمبادئ الثابتة واستبعاد كل إمكان للتغيير يؤدي إلى الجمود والركود، كما حدث لدى المسلمين في خمسة القرون الأخيرة قبيل النهضة الحديثة، وإذن فلا بد لكي نتجنب الإخفاق الذي وقعت فيه أوربا، ونتخلص من الركود الذي سيطر على حياة المسلمين في زمن التدهور أن نوفق بين مراتب الدوام والتغيير، بمعنى أن تكون لنا مبادئ ثابتة لا تتغير نحتكم إليها ونحن نسعى للتغيير.

·   يجب أن يبدأ التجديد - كما يقول إقبال - بإعادة النظر في التراث العقلي الذي تكون حول الإسلام، وهذا التراث العقلي هو الفهم البشري الذي انتهت إليه جهود العقول في هذه الحقب السالفة، وفاء لمسئولية هذه الأجيال السالفة تجاه دينها، وفي رأينا أن إقبال يريد بذلك تمحيص التراث تمحيصا يكشف عما فيه من أفكار جديدة ثمينة فنبني عليها، كما يكشف عما فيه من أفكار خاطئة أو لم تعد صالحة فنعدل عنها.

ومعنى هذا أن نقف من تراثنا وقفة نقدية فاحصة حرة، نختار منه ما نراه صالحا، ونرفض منه ما لا نراه كذلك، ولكن لا ينبغي أن ننصرف عن تراثنا كله، وقد صرح إقبال أنه ليس في استطاعة أمة أن تتنكر لماضيها تنكرا تاما؛ لأن الماضي هو الذي كيف شخصيتها الحاضرة، وفيما يتعلق بمجتمع كالمجتمع الإسلامي تصبح إعادة النظر موجهة، فعليه أن ينظر إلى الأمور نظرة جدية، وأن يزن مالها من خطورة، وما دامت الأمة لا تستطيع - في نظره - أن تتنكر لماضيها، فلا بد أن تتمسك بتراثها وتعتز به، وأن تفحصه لتكشف ما فيه من كنوز ثمينة؛ لتكون هذه الكنوز ركيزة لها، تستند إليها في انطلاقها إلى حياة جديدة، وفي بنائها نظاما فكريا جديدا.

·   يرى إقبال أنه لا بد من تطور مختلف الجوانب، وأن نستفيد من الفكر الأوربي الحديث المعاصر، وأن الثقافة الأوربية ليست إلا ازدهارا لبعض الجوانب المهمة في ثقافة الإسلام.

ولكن إقبالا لا يعني بذلك تقليد الفكر الغربي تقليدا أعمى، والأخذ بجميع مناهجه في الحياة، وإنما يقف منه موقفا نقديا ممحصا … ولا شك في أن هذا التمحيص سوف يكشف عن الجوانب المشرقة والأفكار البناءة التي قد تفتح لفكرنا مسالك جديدة، دون أن تؤدي إلى انحرافه كما سيكشف عن الأفكار الهدامة التي ينطوي في باطنها عامل الهدم ويكمن في داخلها الإلحاد، وعندئذ نأخذ الأولى ونستفيد منها، ونرفض الأخرى ونصون فكرنا منها، ومعنى هذا أنه ينبغي أن نتخذ المثل السائر: "خذ ما صفا ودع ما كدر" نبراسا لكل عمل وجهد في سبيل تقدم حضارتنا وثقافتنا.

·   لا بد في التجديد كذلك من الاستفادة بالواقع وحقائق التجربة، إذ لا يكفي الاعتماد على تفكير الفقهاء المتفلسفين، ومعنى هذا أنه لا ينبغي الاعتماد على الفكر النظري المجرد والالتزام بما قاله السابقون، بل لا بد من إعادة النظر في مثل هذا الفكر من خلال التجارب الواقعية، فإذا أثبتت التجارب خطأ في جوانب من هذا الفكر، فينبغي أن نعدل عنها.

وهذا الرأي الذي يذهب إليه إقبال ليس بدعا، فقد ذهب من قبله الإمام الجويني إلى مثل هذا الرأي، إذ أسقط القرشية في الخلافة نتيجة لحقائق التجارب في الحياة وما أسفر عنه الاضمحلال السياسي الذي أدرك قريشا، وما نشأ عنه من عجزها عن حكم العالم الإسلامي، وهذا ما يؤكد صحة الذي يرى ضرورة الاستفادة بالواقع، وما أثبتته التجارب من حقائق.

هذه هي أهم الأسس التي ينبغي مراعاتها في التجديد، وقد لاحظنا أن إقبالا يرى ضرورة الجمع بين القديم والجديد، بين التراث الذي تركه الآباء والأجداد، وما يمكن أن ننتقيه من الفكر الأوربي ونظرياته، والحق أن هذا الموقف المعتدل والمتزن الذي يقفه إقبال يتسم بالوعي واليقظة، ويصدر عن روح مليئة بالوفاء والإخلاص المصحوب بالإيمان والاعتزاز بالإسلام وقيمته في الحياة.

وينبغي أن ننبه إلى أن التجديد يعتبر - في نظر إقبال - عملا شاقا يتطلب أفقا واسعا وعملا بصيرا، وفهما لغايات الإسلام ومراميه، ومعرفة بتاريخ الفكر والحياة في الإسلام" [6].

هذا نموذج من نماذج دعوات التجديد والإصلاح الإسلامي، ولعله اتضح إذن لم تعددت هذه الحركات؟ ولم تكرر المصلحون؟! ولعله ظهر أيضا أن تعددهم مصلحة للإسلام والمسلمين، وتصديقا لبشارة النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ أكثر من 1400 عام.

وقبل أن نسدل الستار على ما نحن بصدد الحديث عنه نؤكد على أمر في غاية الأهمية ولا مندوحة من ذكره، وهو أن ثمة ضوابط للتجديد في الفكر الإسلامي، وهي ضوابط تحفظ فكرنا التجديدي من الفوضى الفكرية التي قد تكون سببا لنشوء النزاعات وهدم المجتمعات.

ولعل أهم هذه الضوابط ما يأتي:

1. ألا يؤدي التجديد إلى التصادم مع النصوص الشرعية أو الإخلال به؛ لأن الأصل هو التمسك بالنصوص الشرعية؛ لقوله عز وجل: )وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين (92)( (المائدة). وغير ذلك من الآيات والأحاديث.

فأي فكر يتعارض مع النصوص الشرعية القطعية لا اعتبار له، كالفكر الذي يبيح الربا ويرفض الحجاب الشرعي للمرأة وينكر إقامة الحدود الشرعية.

2. ألا يكون هذا الفكر التجديدي فكرا رده العلماء، كآراء المعتزلة الذين كانوا يرون أن العقل هو الذي يحسن ويقبح، ويوجب ويحرم، وقد رد علماء السنة هذا الرأي واعتبروا أن الذي يحسن ويقبح، ويوجب ويحرم هو الشرع لا العقل.

3.   أن يراعي الفكر التجديدي القواعد الآتية في الإفتاء:

·   لا يجوز أن يتتبع الفكر التجديدي رخص المذاهب وزلل العلماء. قال الأوزاعي: من أخذ بنوادر العلماء خرج عن الإسلام. ونقصد برخص المذاهب الأخذ بالأسهل من كل مذهب وإن كان دليله ضعيفا أو مرجوحا.

·   ألا يكون الفكر التجديدي مجرد تلفيق بين المذاهب، والمراد بالتلفيق بين المذاهب أخذ صحة الفعل من مذهبين معا بعد الحكم ببطلانه على كل واحد منهما بمفرده في المسألة الواحدة، كالنكاح بلا ولي ولا شهود، فالنكاح بلا ولي صحيح عند الحنفية، والنكاح بلا شهود صحيح عند المالكية، فإن صحة النكاح حينئذ ملفقة من المذهبين معا، لكنه باطل عند كل مذهب على حدة.

·   ألا يكون الفكر التجديدي مستمدا من الآراء الشاذة في المذاهب، والمقصود بالشاذ - هنا - عكس الراجح والصحيح في المذهب؛ لأن العلماء متفقون على عدم جواز الإفتاء بالشاذ إلا أن يكون المفتي (المجدد) مجتهدا في المذهب، فيعمل حينئذ بما يراه أرجح أو أصح في نظره لقوة دليله، ولو كان هذا الرأي شاذا[7].

ولكن لنعلم أن هذا التجديد الذي أناطه الله بالنخبة الصالحة من علماء هذه الأمة، لا يمكن أن يستقيم على نهج سوي يرضي الله - عز وجل - وأن يكون مصداقا للتجديد الذي عناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا إذا كان القائمون به ربانيين في مواقفهم ومنطلقاتهم، لا يقيمون لدنيا الناس كلها وزنا أمام الهدف الأقدس، الذي يتمثل في بلوغ مرضاة الله وحده، ولا تصدهم عن التوجه إليه جنود الأهواء والمطامع، مهما تكاثرت وتسربت إليهم من هنا وهناك... ينهضون بواجبهم المقدس هذا، ولسان حال كل منهم يناجي الله قائلا: وعجلت إليك رب لترضى.

فإذا أكرم الله الأمة بهذه النخبة من العلماء، فسوف يكون تجديد الدين هو الحصن الذي يقيه من أطماع النيل منه والعبث به، ولسوف يكونون هم المعنيين بشهادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعظم بها من شهادة [8].

الخلاصة:

·   تعدد حركات التجديد ناتج عن تطور الحياة البشرية وتجدد أحوالها وما ينتج عن ذلك من طروء ظروف ومشكلات وعقبات تستلزم اجتهادا متجددا يواكبها ويرشدها ويضبطها بضابط الشرع، في إطار أصول الإسلام العامة الثابتة.

·        دين الله واحد وأنبياؤه تعددوا لإحياء ما اندثر من حقائق التوحيد والهدي السماوي، وتجديد صلة الأرض بالسماء.

·   لأنه لا نبي بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - كان لا بد من ظهور المصلحين وحركات التجديد في تاريخ هذه الأمة؛ ليرشدوها إلى صحيح رسالته صلى الله عليه وسلم.

·   التجديد ليس خروجا على القديم برمته، وإنما هو عمل في إطار الثوابت، ينظر إليها بعين، ويلمح الواقع بالعين الأخرى.

·   لا يخفى على صاحب عقل واع ذلك الدور الذي قام به الاستعمار لطمس ملامح الشخصية المسلمة ومحو قسماتها، متبعا في سبيل ذلك كل وسيلة ممكنة.

·   التجديد والإصلاح يكون في أمور محددة في تفاصيل الشريعة بما يلائم المستجدات، ولكنه لا يمس شيئا في "العقيدة"؛ لأنها هي الأساس الديني لكل مسلم، كما أن له ضوابط تحكمه لا يجوز إهمالها أو الغفلة عنها.

 

 



(*) مائة سؤال عن الإسلام، محمد الغزالي، نهضة مصر، القاهرة، ط2، 2004م.

[1]. ورقة عمل حول مشروع حضاري لنهضة العالم الإسلامي، مقال د. محمد علي الجوزو، ضمن أبحاث ووقائع المؤتمر الحادي عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1421هـ/ 2000م، ص223، 224 بتصرف.

[2]. واقعنا المعاصر، محمد قطب، مؤسسة المدينة للصحافة والطباعة والنشر، السعودية، ط3، 1410هـ/ 1989م، ص251 وما بعدها.

[3]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة (4293)، والطبراني في الأوسط، باب الميم، من اسمه محمد (6715)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (599).

[4]. ورقة عمل حول مشروع حضاري لنهضة العالم الإسلامي، مقال د. محمد علي الجوزو، ضمن أبحاث ووقائع المؤتمر الحادي عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1421هـ/ 2000م، ص225، 226.

[5]. الاتجاهات المعاصرة في الفكر الإسلامي، د. عبد المقصود عبد الغني ، دار الثقافة العربية، القاهرة، 1988م، ص4 وما بعدها.

[6]. الاتجاهات المعاصرة في الفكر الإسلامي، د. عبد المقصود عبد الغني ، دار الثقافة العربية، القاهرة، 1988م، ص251 وما بعدها.

[7]. ضرورة التجديد وضوابط في الفكر الإسلامي، مقال د. خالد عبد الله الشعيب، ضمن أبحاث ووقائع المؤتمر الثالث عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1423هـ/ 2002م، ص106، 105.

[8]. الإسلام بين التجديد المطلوب والتبديل المرفوض، مقال د. محمد سعيد رمضان البوطي ، ضمن أبحاث ووقائع المؤتمر الثالث عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1423هـ/ 2002م، ص164.

read women who cheat on husband want my wife to cheat
wives that cheat women who want to cheat read here
generic viagra softabs po box delivery viagra 50 mg buy viagra generic
why wife cheat cheat on my wife why women cheat in relationships
read all wife cheat click here
read here click here why women cheat on men
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق 
نص التعليق 
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  8923
إجمالي عدد الزوار
  38256238

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع