الزعم أن أخذ الدولة الإسلامية خمس الغنائم فكرة جاهلية (*)
مضمون الشبهة:
يزعم بعض المدعين أن أخذ الدولة الإسلامية خمس الغنائم التي يحصل عليها الجيش، وضمه إلى خزينتها، مأخوذ عن عادات العرب في الجاهلية؛ إذ كان شيخ القبيلة - في الجاهلية يحصل على ربع الغنيمة. ويرمون من وراء ذلك إلى القول بتأثر أحكام الإسلام بالمجتمع الجاهلي توصلا إلى القول ببشرية هذه الأحكام وعدم إلهيتها.
وجوه إبطال الشبهة:
1) كانت نظرة العرب قبل الإسلام إلى الغنيمة على أنها هي الباعث على القتال والحرب، بينما أحلت الغنائم في الإسلام نزعا للوسيلة الأساسية - وهي المال - التي يعتمد عليها الكافرون في محاربة الإسلام وأهله.
2) كان الحصول على الغنائم في الجاهلية يأتي - غالبا - من الإغارة على الآمنين وغيرهم، وكان للمقاتل كل ما يغنم، إلا ما كان لشيخ القبيلة، أما في الإسلام، فكانت تأتي الغنائم من المحاربين للمسلمين فقط، وكان الجند لا يأخذون منها شيئا إلا بعد تقسيم الإمام لها.
3) كان نصيب شيخ القبيلة - قبل الإسلام - من الغنائم فيه ظلم وجور، بينما كان نصيب بيت المال - وهو ما يقابل نصيب شيخ القبيلة - الخمس، وكان يقسم على الفقراء والمساكين واليتامى.. وغيرهم من المستحقين.
التفصيل:
إن هناك فروقا شاسعة بين نظرة الإسلام إلى الغنائم التي يحصل عليها الجنود بعد الحرب، وبين ما كان معروفا عند عرب الجاهلية: سواء في كيفية الحصول عليها، أو في طريقة توزيعها. ولهذا لا بد أن نوضح موقف عرب الجاهلية من الغنيمة، وكذلك موقف الإسلام منها لنتبين أصالة التشريع الإسلامي وتميزه عن غيره.
أولا. نظرة عرب الجاهلية إلى الغنيمة، ونظرة الإسلام إليها:
لقد كان العرب في الجاهلية ينظرون إلى القتال على أنه وسيلة لجمع الغنائم؛ فقد كانت الغنيمة هي الباعث على الحرب، وكان جمع المال والأسرى والسبايا هو المقصد من وراء شن الغارات على القبائل الآمنة أو القوافل المسافرة للتجارة؛ لا يحكمهم في هذا قانون، ولا يضبطهم أي وزاع أخلاقي سوى النهب والسلب وجمع المال.
أما الناظر إلى الإسلام ونظرته إلى الجهاد، فيجد أنه ليس المقصود الحصول على الغنائم، ولا الرغبة في جمعها، وإنما المقصود منه إعلاء كلمة الله، ودفع العدوان عن المسلمين، ورفع الظلم عن المستضعفين، وإن كان ثمة غنيمة، فقد أباحها الإسلام؛ لأن في ذلك نزعا للوسيلة الأساسية - وهي المال - التي يعتمد عليها الكافرون في محاربة الإسلام وأهله[1].
ثانيا. كيفية الحصول على الغنائم في الجاهلية والإسلام:
كانت الغنائم تحل للمقاتلين في الجاهلية - سواء في حرب أو اعتداء على آمنين من قبائل أخرى أم قوافل تجارية - بمجرد الحصول عليها، وكل مقاتل يمتلك من الغنائم ما يستطيع جمعه منها، إلا ما يريده شيخ القبيلة لنفسه.
أما في الإسلام، فلا يمتلك المقاتلون شيئا من الغنيمة إلا بعد تقسيمها من قبل الإمام على من له نصيب فيها، ولقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله لا يقبل من يغل من الغنيمة، وهو الأخذ منها قبل تقسيمها؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم:«لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول»[2].
ولقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الغلول وشدد على ذلك كثيرا، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فذكر الغلول، فعظمه وعظم أمره، ثم قال: لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له ثغاء يقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا، قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة، فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا، قد بلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت، فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا، قد بلغتك»[3].
وغير ذلك من الأحاديث التي تنهى عن الغل، وتخبر أن كل من غل يأت به يحمله على رقبته يوم القيامة، تصديقا لقول الله تعالى: )ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون (161)( (آل عمران: ١٦١).
ولقد عملت هذه الآية القرآنية والأحاديث النبوية عملها في تربية الجماعة المسلمة، حتى أتت بالعجب العجاب، وحتى أنشأت مجموعة من الناس تتمثل فيهم الأمانة والورع والتحرج من الغلول في أية صورة من صوره، كما لم تتمثل قط في مجموعة بشرية، وقد كان الرجل من أفناء الناس من المسلمين يقع في يده الثمين من الغنيمة، لا يراه أحد، فيأتي به إلى أميره، لا تحدثه نفسه بشيء منها[4].
وكذلك يستوي كل المقاتلين في نصيبهم من الغنائم؛ فلا يفضل شجاع جبانا، ولا يعلو من ساق مغنما - قل أو كثر - على من لم يسق شيئا[5].
ثالثا. نصيب شيخ القبيلة في الجاهلية ونصيب الدولة في الإسلام:
كان شيخ القبيلة في الجاهلية يستأثر بأجزاء من الغنيمة لا يشاركه فيها أحد، وهي:
· المرباع: وهو الربع؛ كما قال قطرب: المرباع: الربع، والمعشار: العشر، ولم يسمع في غيرهما - من الأعداد - وكانوا في الجاهلية إذا غزا بعضهم بعضا وغنموا؛ أخذ الرئيس ربع الغنيمة خالصا لنفسه دون أصحابه؟!
· الصفي: وهو ما كان يصطفيه الرئيس في الحرب - قبل الإسلام - لنفسه من الغنيمة دون أصحابه، وما لا يستقيم أن يقسم على الجيش.
· النشيطة: وهي ما يصيبه الجيش قبل أن يصلوا إلى الحي الذي يريدون أن يغيروا عليه، فينشطه الرئيس من أيديهم، ويأخذه قبل القسمة.
· الفضول: وهو بقايا تبقى من الغنيمة لا تستقيم قسمتها على الجيش؛ لقلتها أو كثرتها وكثرة الجيش فيختص بها رئيس الجيش[6].
هذا هو نصيب شيخ القبيلة في الجاهلية من الغنيمة، مع العلم أن كل ما يحصل عليه شيخ القبيلة يكون له خاصة، ويستأثر به لنفسه، ولا يسأله أحد عن شيء منه.
أما نصيب الدولة في الإسلام من الغنائم فهو الخمس: وهو خمس الغنيمة فقط، وقد اتفق الفقهاء على وجوب تخميس الغنيمة لقوله عز وجل: )واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل( (الأنفال:41)[7]. ويكون الخمس لإمام المسلمين ينفقه في مصارفه الشرعية، ولا يستأثر به لنفسه، وباقي الغنمية يوزع على الجنود بالتساوي.
كيفية توزيع الخمس في لإسلام:
1. اتفق الفقهاء على وجو ب تخميس الغنيمة لقوله عز وجل)واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل( (الأنفال:41)، ويوزع الخمس كما يأتي:
2. سهم لله - عز وجل - ولرسوله صلى الله عليه وسلم: وكان هذا السهم له - صلى الله عليه وسلم - في حياته يضعه في مصارفه التي يراها، ثم صار من بعده يصرف في مصالح المسلمين، مثل: سد الثغور وشحنها بالعدد والمقاتلة، وعمارة المساجد والقناطر والحصون، وأرزاق القضاة والأئمة والعلماء بعلوم تتعلق بمصالح المسلمين، ويقدم الأهم فالمهم وجوبا.
3. سهم لبني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف: وهو المراد بقوله عز وجل: )ولذي القربى( وهم أقارب النبي - صلى الله عليه وسلم - ويشترك في الاستحقاق من هذا السهم الذكور والإناث، والفقراء والأغنياء من أقارب النبي صلى الله عليه وسلم.
4. سهم اليتامى: وهم الذين مات آباؤهم ولم يبلغوا الحلم[8]، فإن بلغوا الحلم لم يكونوا يتامى لحديث: "لا يتم بعد احتلام". [9] وهو يشمل كل يتيم، الفقير منهم والغني.
5. سهم للمساكين: وهم أهل الحاجة، ويدخل فيهم الفقراء؛ فالمساكين والفقراء في الاستحقاق من هذا السهم صنف واحد.
6. سهم لابن السبيل: وهو المتغرب عن وطنه ولا مأوى له، وليس له من المال ما يعود به إلى وطنه[10].
هذه هي مصارف الخمس التي تحصل عليه الدولة الإسلامية، والتي لا يختص بها الأمير لنفسه، عكس ما كان يفعل شيخ القبيلة في الجاهلية، ويلاحظ أن خمس الغنائم التي تحصل عليها الدولة في الإسلام ثابت لا يتغير، فلم يتعد نصيب الدولة عن الخمس، بينما نجد تنوع نصيب شيخ القبيلة في الجاهلية بين مرباع وصفي ونشيطة وفضول؛ يقول الشاعر:
وحكمك والنشيطة والفضول
لك المرباع منها والصفايا
ومن ثم يبقى التشريع الإسلامي - بأخذ الدولة خمس الغنائم، وإنفاقها على مواطنيهاـ أبعد ما يكون عن الاقتباس من عرب الجاهلية، مما يؤكد إلهية هذه الشريعة، وملائمتها لأحوال الإنسان، وتلبية حاجاته في كل زمان ومكان؛ فهي أسمى من أن تشابه تلك القوانين التي يضعها الحكام الذين يفضلون أنفسهم على سائر الرعية، فلا تناسب هذه القوانين إلا مصالح السادة فقط.
الخلاصة:
· إن الفروق شاسعة بين موقف الإسلام من الغنائم وبين موقف عرب الجاهلية، مما يؤكد ألوهية وأصالة التشريع الإسلامي، وعدم تقليده لعرب الجاهلية.
· كانت نظرة العرب الجاهليين إلى القتال على أنه وسيلة لجمع الغنائم؛ فهي الباعث الحقيقي للحروب، بينما نظر إليها الإسلام على أنها نزع الوسيلة الأساسية التي يعتمد عليها الكافرون في محاربة الإسلام.
· كان كل مقاتل يمتلك من الغنائم في الجاهلية ما يستطيع جمعه، بينما في الإسلام يقسمها الإمام على الجنود، بلا تفرقة بينهم.
· كان شيخ القبيلة في الجاهلية يستأثر بأجزاء من الغنيمة لا يشاركه فيها أحد، مثل: المرباع والصفي والنشيطة والفضول، بينما نصيب الدولة في الإسلام لم يتعد خمس الغنيمة.
· كان نصيب شيخ القبيلة في الجاهلية مقصورا على حاجاته الشخصية؛ فيكون مالا خاصا به، لايسأل عنه، بينما الخمس في دولة الإسلام يقسم خمسة أسهم توزع كما يأتي: سهم لله - عز وجل - و رسوله - صلى الله عليه وسلم - وسهم لأقارب النبي - صلى الله عليه وسلم - وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل.
· وبهذا يتضح أن البون شاسع بين نظرة الإسلام إلى الغنائم وبين نظرة العرب قبل الإسلام إليها؛ مما يوضح عظمة الإسلام في تشريعه، وتفرده في نظمه، وعدله في قسمته.
(*) اليسار الإسلامي وتطاولاته المفضوحة على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والصحابة، د. إبراهيم عوض، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة، 1420هـ/ 2000م.
[1]. افتراءات على الإسلام والمسلمين، د. أمير عبد العزيز، دار السلام، القاهرة، ط1، 1422هـ/ 2002م، ص23 بتصرف.
[2]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة (557).
[3]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب الغول (2908)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب غلظ تحريم الغول (4839)، واللفظ له.
[4]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج1، ص504، 505 بتصرف.
[5]. الجهاد في الإسلام: دراسة فقهية مقارنة، د. أحمد محمود كريمة، الدار الهندسية، مصر، ط1، 2003م، ص383.
[6]. الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، ط1، 1409هـ/ 1988م، ج20، ص11،10 بتصرف.
[7]. الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، ط1، 1409هـ/ 1988م، ج20، ص12.
[8]. الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، ط1، 1409هـ/ 1988م، ج20، ص15:13 بتصرف.
[9]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الوصايا، باب ما جاء متى ينقطع اليتم (2875)، والطبراني في المعجم الصغير، حرف الهمزة، باب من اسمه إسماعيل (266)، وصححه الألباني في الإرواء (1244).
[10]. الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، ط1، 1409هـ/ 1988م، ج20، ص16،15.
husbands who cheat
open my boyfriend cheated on me with a guy
generic viagra softabs po box delivery
viagra 50 mg buy viagra generic