دعوى مخالفة المسلمين لحكم القرآن في الجهاد (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المغالطين أن المسلمين يخالفون أحكام القرآن في الجهاد، ويستدلون على ذلك بقوله عز وجل: )أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (39) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز (40)( (الحج)؛ زاعمين أن الجهاد قد شرع لقتال الذين أوقعوا الظلم على المسلمين وأخرجوهم من ديارهم فحسب، ويتساءلون: لماذا اتخذ المسلمون الجهاد فرضا عليهم، واستحبوا القتال؟!
وجوه إبطال الشبهة:
1) مرت مشروعية القتال في الإسلام بمرحلتين مختلفتين:
· مرحلة الإذن للمسلمين في القتال.
· مرحلة الأمر الوجوبي.
2) للجهاد في حياة الأمة أهمية عظيمة وأهداف جليلة، وهي:
· الجهاد هو الأداة الأخيرة في التعامل مع أذى العالم الخارجي.
· الجهاد كان تطورا طبيعيا اقتضته الدعوة ذاتها.
3) الإسلام يدعو إلى السلام، وهذا السلام لن يتحقق إلا بقوى مادية ومعنوية تدعمه، فهو ينصر الحق في العالم أجمع، ويحفظ الأمن والاستقرار في الأمة.
التفصيل:
أولا. مرت مشروعية القتال في الإسلام بمرحلتين مختلفتين[1]:
كان القتال قبل الهجرة محظورا؛ إذ لم تكن ظروف المسلمين في مكة تسمح لهم بقتال أعدائهم لقلة عددهم، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الفترة بتبليغ الدعوة والإنذار، ثم الصبر على أذى المشركين والصفح والإعراض عنهم، ثم لما هاجر - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة مر القتال بمرحلتين:
1. مرحلة الإذن في القتال (مرحلة الجواز):
جاء التشريع في الإذن بالقتال في قول الحق عز وجل: )أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (39) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز (40) الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور (41)( (الحج).
هذا أول نص قرآني تشريعي يأذن الله فيه بالقتال، بعد أربع عشرة سنة - تقريبا - من بدء نزول الوحي على خاتم المرسلين، ومع أن هذه الآية وقفت عند حد الإذن ولم تتجاوزه إلى الوجوب، فقد بينت وجه حكمة التشريع فيه، وهو رفع الظلم الواقع على المسلمين: )أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (39)( (الحج)، أي أن القتال المأذون فيه سببه الظلم الواقع من الذين قاتلوا على الذين قوتلوا، أي أنه قتال لردع الظلم ودفع العدوان.
فبالقتال يدفع الله ظلم الظالمين، وتصان الحرمات، وتحمي القيم الدينية، ولولا إذن الله فيه لكثر الفساد في الأرض، ولهدمت دور العبادة على مدى التاريخ النبوي كله، ولامتهنت الحقوق لدى من لا دين لهم ولا خلق.
ثم يبين - عز وجل - أن القتال المأذون فيه مقصور على أنصار الحق وحماة الفضيلة، الذين إن مكن لهم في الأرض، أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، أي لا يتخذون من تمكين الله لهم في الأرض وسيلة للظلم والفساد؛ وإنما هم يصرفون قدراتهم التي من الله عليهم بها في نصرة الحق، وامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، ويسيرون سيرة حسنة، لا كمن إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها، ويهلك الحرث والنسل.
وقد كان الإذن بالقتال للمسلمين في السنة الثانية من الهجرة النبوية الشريفة، وكان في هذه المرحلة مأذونا فيه، أي أنه مباح، وليس فرضا على المسلمين. قال ابن القيم: فلما استقر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة وأيده الله بنصره وبعباده المؤمنين - أذن الله - عز وجل - له - صلى الله عليه وسلم - حينئذ في القتال، ولم يفرضه عليهم فقال عز وجل: )أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (39)( (الحج).
2. مرحلة الأمر بالقتال (الوجوب):
في مرحلة الإذن بالقتال لم يكن القتال واجبا على المسلمين؛ لأن الإذن معناه رفع الحظر، ورفع الحظر يترتب عليه الإباحة لا الوجوب، وهكذا استمر الحال قرابة عامين بعد الهجرة، وفي شهر شعبان سنة (2هـ) نزل الأمر بالوجوب، أي قبيل غزوة بدر الكبرى - أولى الغزوات العظيمة في الإسلام - وذلك في قوله عز وجل: )وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين (190)( (البقرة).
ومجيء مرحلة الوجوب عقب مرحلة الإذن وقبيل غزوة بدر الكبرى - تشريع بالغ الحكمة؛ ففي مرحلة الإذن انتقال بالنفوس من مرحلة الحظر إلى مرحلة الإباحة، وهذا الانتقال فيه ترويض للنفوس على الاستعداد للقتال، وتدرج حكيم تأنس به النفوس، وتطمئن به القلوب، وتقوى به العزائم؛ لأن الانتقال الطفري أو المفاجئ ربما أصاب الناس بالقلق والانتكاس، وإنما تكون حكمة السياسة أو السياسة الحكيمة في الترفق والتدرج.
وهكذا كانت هذه هي سمة التشريع، وهي سمة نهجها القرآن في كثير من الأحكام التشريعية؛ كما في تحريم الخمر، فقد تدرج القرآن في تحريمها على أربع مراحل، لما كان لها من رواج في حياة الناس، ودور ملحوظ في وسائل الكسب المعيشي، أو الاقتصاد القومي بلغة العصر. والجهاد مشروع بالإجماع، لقوله عز وجل: )كتب عليكم القتال( (البقرة:216) إلى غير ذلك من الآيات، ولفعله - صلى الله عليه وسلم - وأمره به، قال صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه، مات على شعبة من نفاق»[2].
وقد كان الجهاد في مكة قبل الهجرة غير مأذون فيه؛ لأن الذي أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - في أول الأمر هو التبليغ والإنذار، ثم الصبر على أذى الكفار، والصفح والإعراض عن المشركين، وبدأت الدعوة سرية، ثم جهر بها. قال الله عز وجل: )فاصفح الصفح الجميل (85)( (الحجر)، وقال أيضا: )ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن( (النحل:125)، وقال أيضا: )فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين (94)( (الحجر)، ثم أذن الله بعد ذلك للمسلمين في القتال إذا ابتدأهم الكفار بالقتال، وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة، وذلك في قوله عز وجل: )أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا( (الحج:39)[3].
وعلى ضوء ما ذكرنا من مرحلتي مشروعية القتال، وانتقاله من الحظر إلى الإذن أو الإباحة ثم إلى الوجوب - يتبين لنا أن الزعم بأن المسلمين يخالفون القرآن في الجهاد، وإنهم أوجبوه من تلقاء أنفسهم زعم خاطئ لا أساس له؛ إذ الثابت أن المسلمين حين حظر عليهم القتال كفوا أيديهم، وحين أذن لهم فيه تهيأوا واستعدوا، وقاموا ببعض السرايا، وحين أوجبه الله عليهم امتثلوا لأمر الله ووهبوا أنفسهم وأموالهم ابتغاء لمرضاة الله، فالله - عز وجل - هو الذي حظر، وهو الذي أذن وأباح، وهو الذي أمر وأوجب، وما كان من المسلمين إلا أن أطاعوا ربهم في كل ذلك.
ثانيا. أهمية الجهاد في حياة الأمة:
يعتبر الجهاد الأداة الأخيرة من أدوات التعامل مع أذى العالم الخارجي، في حالة استنفاد الوسائل السلمية، فإذا استنفدت الوسائل السلمية قدراتها في تحقيق العزة والمنعة للأمة، والحفاظ على مقدساتها وحرماتها؛ فإن الجهاد يصبح ضرورة حتمية، لمواجهة كل ما يسحق إرادتها، عملا بقول القائل:
والناس إن ظلموا البرهان واعتسفوا
فالحرب أجدى على الدنيا من السلم
فالشر إن تلقه بالخير ضقت به
ذرعا، وإن تلقه بالشر ينحسم
إن الجهاد كان تطورا طبيعيا اقتضته طبيعة الدعوة ذاتها، وتهيئة ظروفها المناخية الملائمة لنشرها، والوقوف بعنف وحزم أمام أعدائها، سواء من مشركي العرب واليهود في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو من الروم، والفرس، وغيرهم من الأتباع في عهد الخلفاء الراشدين.
فالجهاد لم يفرض في بدء الدعوة؛ لأن الأصل في الإسلام السلم وليس الحرب؛ إنما فرض الجهاد بعدما تعرض المسلمون لكثير من الاعتداءات والظلم، وهضم الحقوق من جبهة الكفر، فجاء الإذن الإلهي بالقتال؛ لإعلاء كلمة الحق وحفاظا على كيان الأمة، من طمع الطامعين وحقد الحاقدين، وإرساء قاعدة حرية تقرير المصير للمسلمين، فقال عز وجل: )أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (39) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز (40)( (الحج).
إن الإسلام في حقيقته وشرعته ومنهاجه يدعو إلى السلام، وكل مبادئ الإسلام - السياسية والاجتماعية والاقتصادية - تدعو إلى مناخ مستقر يسوده السلام والعدل والحرية،ولكن هذا السلام لن يتحقق إلا بقوى مادية ومعنوية تدعمه، تصل إلى حد رهبة القوى المعادية من اجتياز حصون تلك القوى المنيعة.
ومن هنا فرض الإسلام الجهاد؛ وجعله ذورة الأمر وسنامه؛ حتى تكون الأمة في حالة تأهب دائم لمواجهة أي عدوان عليها، ينال من مكانتها أو كرامتها أو منعتها بين الأمم.
إن الجهاد في الإسلام لا يعني الدفاع عن الأمة الإسلامية فقط، بل يعني نصرة الحق في العالم أجمع، فتكون تلك الأمة ملاذ المستضعفين من كل شعوب العالم الذين يتعرضون للنهب والاضطهاد من قوى الغطرسة والاستعلاء، أي أن الجهاد الإسلامي يهدف إلى نشر الحق والعدل والحرية والمساواة بين الإنسانية جمعاء؛ لأنه جهاد ضد قوى الظلم والعدوان، التي تهدف إلى استنزاف خيرات الشعوب، وكبت إرادتها وحريتها في تقرير مصيرها.
إن الجهاد الذي فرضه الله على المسلمين كان في الواقع دحرا للعدوان وتخلصا من الظلم والطغيان، وتمكينا من حرية ممارسة الشعائر الدينية، وإرساء لمعالم الحق والعدل والفضيلة، وإعلان كرامة الإنسان، ومنع كل أشكال وممارسات الاستعباد والتسلط والظلم، وإنهاء محاور الفتنة وحبك المؤامرات ضد الدين الحق، والاعتداء على حرمات المسلمين، سواء في أشخاصهم وديارهم، أو على دعاتهم ورسلهم في كل مكان لتبليغ الدعوة الإلهية خاتمة الشرائع، والحفاظ على جوهر العقيدة التي جاء بها رسل الله الكرام من إقرار مبدأ وحدانية الألوهية والربوبية، والتزام طريق عبادة الله وحده، دون أن تشوبها أية شبهة من عبادة البشر أو الطواغيت المتجددة مع تجدد العصور، سواء في النظريات الفلسفية أو الأصنام المادية.
إن مشروعية الجهاد الإسلامي قد سبق بها الإسلام حقوق الدولة الطبيعية المعترف بها في القانون الدولي الحديث، والمستقاة أصلا من الاحتكاك بالحضارة الإسلامية في كل البلاد التي فتحها المسلمون ونشروا فيها نور الإسلام وتشريعاته الحكيمة العادلة، وتلك الحقوق التي لا تخرج عن كونها: حق البقاء، وحق الدفاع الشرعي، وحق المساواة، وحق الحرية، وحق الاحترام المتبادل، فإن نصرة الضعفاء وقمع الظلم ونشر نور الحق - هو مما تفرضه شريعة العدل الإلهي، وذلك في قوله عز وجل: )الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور (41)( (الحج).
وبذلك فإن أسباب الجهاد ودوافعه في المنهاج الإسلامي تعني تحقيق الاستقرار للأمة في الداخل والخارج، هذا الاستقرار يكون نابعا من علو شأنها وترابط أبنائها ومعرفة كيفية الحفاظ على ثرواتها وحرماتها ومقدساتها[4].
الخلاصة:
· مرت مشروعية القتال في الإسلام بمرحلتين مختلفتين أو ثلاث مراحل:
مرحلة الحظر، وكان ذلك في مدة العهد المكي وقبل الهجرة، حيث ضعف المسلمين وقلتهم.
مرحلة الإذن، وكانت بعد حوالي 14 سنة من بدء نزول الوحي، وكان سببه الظلم الواقع من الذين قاتلوا على الذين قوتلوا، أي قتال لردع الظلم ودفع العدوان.
مرحلة الوجوب، وكان ذلك في شعبان سنة 2هـ، قبيل غزوة بدر الكبرى.
كان لهذا التدرج حكمة بالغة، فهذا الانتقال يتم فيه ترويض للنفوس على الاستعداد للقتال، وتدرج حكيم تأنس به النفوس، وتطمئن به القلوب، وتقوى به العزائم.
· للجهاد أهمية كبيرة وعظيمة في حياة الأمة الإسلامية، لذا فرضه الله - عز وجل - عليهم؛ وذلك لأنه (الجهاد) هو الأداة الأخيرة في التعامل مع العالم الخارجي، في حالة استنفاد كل الوسائل السلمية، وهو تطور طبيعي اقتضته الدعوة ذاتها، وتهيئة ظروفها المناخية الملائمة لنشرها، والوقوف بعنف وحزم أمام أعدائها.
· الجهاد هو السبيل لتحقيق السلام الذي يعود على الأمة بالاستقرار، والسبيل لنصرة الحق في العالم أجمع، فتكون تلك الأمة ملاذ المستضعفين من كل شعوب العالم، ولم يخرج الأمر في كل الأحوال والمراحل عن مقاتلة الظالمين، ولم يتجاوزهم لمقاتلة المسالمين.
(*) أسئلة عن الإيمان، زكريا بطرس، قناة الحياة.
[1]. سماحة الإسلام، د. عمر بن عبد العزيز قريشي، مكتبة الأديب، السعودية، المكتبة الذهبية للنشر والترجمة، مصر، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص143،142.
[2]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب ذم من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو (5040).
[3]. الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، ط1، 1409هـ/ 1988م، ج16، ص125، 126.
[4]. موسوعة أصول الفكر، د. خديجة النبراوي، دار السلام، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2004م، ج5، ص2937.
click
read dating site for married people
go
online how long for viagra to work
husband cheat
online online affair
My girlfriend cheated on me
find an affair signs of unfaithful husband