إنكار فرضية الجهاد لعدم حاجة الله إلى من يدافع عنه(*)
مضمون الشبهة:
ينكر بعض المشككين فرضية الجهاد، وأن يكون الله - عز وجل - قد أمر عباده المسلمين به، ويستدلون على ذلك بقولهم: إن الله ليس في حاجة للدفاع والذود عنه، ويتساءلون: على أي أساس إذا يجاهد المسلمون؟!
وجها إبطال الشبهة:
1) إن الجهاد في الإسلام شعيرة عظمى من شعائره، وقاعدة كبرى من قواعده، بل ذروة سنامه، وإن بواعثه ومقاصده ليس على ما يشاع عنه أو يتهم به، وقد ثبتت مشروعية الجهاد في القرآن والسنة والإجماع والأدلة العقلية.
2) لقد أمر الله - عز وجل - بالجهاد، لا من أجل الدفاع عنه - تعالى عن ذلك علوا كبيرا -، وإنما ليثيب المجاهدين، ويرفعهم أعلى الدرجات والمنازل، ويعلي صوت الحق في الأرض، وقد جعله اختبارا وابتلاء للمؤمنين، ليتبين الصادق من الكاذب: )وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز (25)( (الحديد).
التفصيل:
أولا. الجهاد في الإسلام شعيرة عظمى:
1. الجهاد لغة: مأخوذ من مادة "جهد"، والجهد: الطاقة والمشقة، والجهاد قتال العدو[1]. وفي لسان العرب: جاهد العدو مجاهدة وجهادا.. قاتله. والجهاد: محاربة الأعداء، وهو المبالغة واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل[2].
الجهاد شرعا: بذل الجهد في قتال الكفار، ويطلق أيضا على مجاهدة النفس والشيطان والفساق.
وأنواع الجهاد متعددة، ومنها: جهاد النفس، جهاد الشيطان وجهاد الفساق، وجهاد الكفار.
2. أما مجاهدة الشيطان: فتكون بعدم طاعة وسوسته، وعدم مجاراته في فعل الشر والأذى للنفس أو للغير، قال تعالى: )يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين (168)( (البقرة).
3. وأما مجاهدة الفساق: فتكون باليد، ثم باللسان، ثم بالقلب؛ لقوله صل ى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»[3].
4. أما مجاهدة الكفار: فتكون بالتصدي لهم بكل طريق.
ووسائل الجهاد متعددة، منها: الجهاد بالنفس، والجهاد بالمال، والجهاد باللسان والجهاد بالقلب، وأفضل هذه الأنواع الجهاد بالنفس والمال معا في سبيل الله؛ لأنه يوصل إلى السعادة في الدنيا والآخرة، لقوله تعالى: )إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم (111)( (التوبة).
1. الجهاد بالمال:
وهو واجب كوجوبه بالنفس، فيجب الجهاد بالمال على القادر عليه، كما يجب على القادر عليه بالبدن، ولايتم الجهاد بالبدن إلاببذل المال، ولا ينتصر إلابالعدد والعدد.
فإن لم يقدر أن يكثر العدد وجب عليه أن يمد بالمال والعدة، وإذا وجب الحج بالمال على العاجز بالبدن فوجوب الجهاد بالمال أولى وأحرى[4].
2. الجهاد بالقلب واللسان:
وهما أيضا في غاية الأهمية.. فالجهاد بالقلب يحفظ على الإنسان دينه وعمله، ويبقى أمام نظره المثل العليا ظاهرة واضحة لاتحجبها عدم المبالاة والسلبية في الأمور.
والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولاقطعتم واديا إلا كانوا معكم».[5] فهذه المعية هي بقلوبهم وهممهم، إذ كانوا بالمدينة قد حبسهم العذر، فكانوا معهم بأرواحهم وبدار الهجرة بأشباحهم وهذا من الجهاد بالقلب. وفي حديث آخر قوله صلى الله عليه وسلم: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم»[6].
وأما الجهاد باللسان فيتحقق بإقامة الحجة على الكفار، وبدعوتهم إلى الله - عز وجل - وبالأصوات عند اللقاء والزجر ونحوه، وكل مافيه نكاية للعدو تصديقا لقوله عز وجل: )ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح( (التوبة:120).
ويتحقق كذلك بهجاء العدو، كما قال - صلى الله عليه وسلم - لحسان بن ثابت وغيره من شعراء الصحابة:«اهجوا قريشا؛ فإنه أشد عليهم من رشق بالنبل»[7] [8].
مشروعية الجهاد:
والجهاد في الإسلام مشروع، ودليل مشروعيته القرآن والسنة والإجماع والعقل.
1. فمن القرآن الكريم:
· ثبت الجهاد بآيات قرآنية محكمة كثيرة منها قوله عز وجل: )وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين (190) واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين (191) فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم (192) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين (193)( (البقرة). فقد دلت الآيات على مشروعية قتال المعتدين، وأن يكون القتال لإعلاء كلمة الله - عز وجل - لا لمجرد الغنم أو الاستعلاء في الأرض. وقوله عز وجل: )كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون (216)( (البقرة). فقد جاء لفظ " كتب" بمعنى فرض، فالآية نص في فريضة الجهاد.
2. ومن السنة النبوية:
ورد كثير من الآثار والأخبار الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الدالة على مشروعية الجهاد والحث عليه، ومن هذه الأخبار ما يأتي:
· عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور»[9].
· وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال:«قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله"، قالوا: ثم من؟ قال: مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله، ويدع الناس من شره» [10].
فهذه الأحاديث في فضل الخروج للجهاد والرباط في سبيل الله - عز وجل - وتجهيز الغزاة ومنزلة الشهداء تتضافر - وما يناظرها - على بيان فضل الجهاد[11].
3. وأما مشروعية الجهاد من الإجماع:
· فقد أجمع العلماء على فرضية الجهاد، ويستند جمهور العلماء في قولهم إنه فرض إلى الآيات الكريمة: )انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله( (التوبة:41)، وقوله تعالى: )كتب عليكم القتال وهو كره لكم( (البقرة:216)، وقوله تعالى: )إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما( (التوبة:39).
· والذي جعلهم يقولون: إنه فرض كفاية وليس فرض عين على كل الناس قوله تعالى: )وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون (122)( (التوبة). وقوله تعالى: )لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما (95)( (النساء)[12].
والقرآن الكريم بذلك يبين أن هناك أمورا من الممكن أن يقوم بها بعض المسلمين فيغنون عن الكل في فعلها، ومن هذه الأمور تعلم العلم كما في آية التوبة 121، والجهاد في سبيل الله كما في آية النساء 95.
والسنة النبوية العملية فيها الدليل الواضح أيضا على كلام الجمهور، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يخرج قط إلى الجهاد إلا وترك بعض الناس، وهذا ما يؤكد مذهب الجمهور ويرجح كلامهم على من يقول: إن الجهاد تطوع كابن الحسن، وعلى من يقول: إنه فرض عين[13].
4. من الأدلة العقلية على مشروعية الجهاد:
إذا كان الجهاد قد شرع بالدليل القرآني، وأدلة السنة الصحيحة والإجماع، فإن العقل أيضا يبيح الجهاد، و يقر مشروعيته بوجوه منها:
· الجهاد في الإسلام ذروة سنامه، وسياج مبادئه، وسبيل حماية الدين الحق والأرض والعرض، فهو فريضة كبرى، وشعيرة عظمى، باقية دائمة، يحقق العزة والكرامة، ويصون الحقوق.
· الجهاد في الإسلام يدفع عدوان الظالمين، ويجهض مؤامرات المعاندين الجاحدين.
· الجهاد ضرورة لا مفر عنه؛ لاختلال طبائع البشر وميلهم إلى الطمع، وجنوحهم إلى الجشع - غالبا - وإيثار بعضهم الظلم، ومعلوم أن النفوس البشرية السوية تأبى الضيم، ولا تقيم على الخسف ولا ترضى بالمهانة والمذلة، ولا سبيل لدفع عوادي شرور المعتدين بعد استنفاد الوسائل السلمية إلا بالجهاد في سبيل الله عز وجل.
· الجهاد هو الوسيلة الفعالة للدفاع عن المستضعفين.
· الجهاد في الإسلام يتصل اتصالا وثيقا بمكونات الدين الحق، العقيدة والشريعة والأخلاق، وبحرية وكرامة أهل الإيمان، وأتباع الإسلام داخليا وخارجيا، فلا بد منه إعدادا وتهيئة واستعدادا وتنفيذا عند دواعيه وبواعثه للمحافظة على ما سلف.
· الجهاد في الإسلام وسيلة زجر وردع، ووسيلة ترسيخ السلم والسلام، والأمن والأمان.
فلا مناص من الجهاد للحفاظ على أنوار الإسلام في قلوب أتباعه وعقولهم وتصرفاتهم، ضد كيد أعدائه على مدار التاريخ[14].
حكم الجهاد:
تكلم العلماء في حكم الجهاد، ونظروا إليه في عهدين:
2. الجهاد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم:
ذكر العلماء في حكم الجهاد في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - عدة مذاهب تتلخص فيما يأتي:
· كان فرض عين.
· كان فرض كفاية.
· كان فرض عين على المهاجرين دون غيرهم، ويؤيده وجوب الهجرة قبل الفتح - على كل من أسلم - إلى المدينة لنصرة الإسلام.
· كان فرض عين على الأنصار دون غيرهم، ويؤيده مبايعتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة على أن يئووه وينصروه.
3. الجهاد بعد الرسول صلى الله عليه وسلم:
· إذا التقى الصفان حرم على من حضر الانصراف من المعركة والهروب من ميدان القتال، وأصبح الجهاد عليه فرض عين لا يسقط هذا الفرض عنه إلا إذا فعله، شأنه في ذلك شأن سائر الفروض العينية، كالصلاة والزكاة والحج وصيام رمضان، والدليل على ذلك قول الله عز وجل: )يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار (15) ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير (16)( (الأنفال). فهذا يوضح خطر الهروب من ميدان القتال، نظرا لما يترتب عليه من إضعاف القوى المعنوية، وإظهار الخور في نفوس المحاربين، ويكفي هذا الجرم الفظيع أن الله يغضب على صاحبه وليس بعد غضب الله من عقاب.
· إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهل هذه البلدة قتال الأعداء ودفعهم والوقوف في وجههم، مهما كانوا في قلة والعدو في كثرة.
· إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير، ولا يجوز لهم أن يتخلفوا عنه، والدليل على ذلك قوله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل (38) إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير (39)( (التوبة).
وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا استنفرتم فانفروا»[15] [16].
ثانيا. أمر الله - عز وجل - المسلمين أن يجاهدوا في سبيله؛ ليثيبهم ويعلي درجاتهم في الجنة:
أمر الله - عز وجل - المسلمين أن يجاهدوا في سبيله لا من أجل الدفاع عنه؛ ولكن ليثيب المجاهدين على جهادهم ابتغاء وجهه، وليعلي درجاتهم في الجنة، وليختبرهم أيضا في سبيل رفع كلمته والإخلاص في الدعوة إليه؛ ليميز الله الصادق من الكاذب، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز.
القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والسنة النبوية الشريفة فيهما شيء كثير عن تشريف الجهاد والمجاهدين، ورضاء الله عنهم وحبه لهم.
يقول الله عز وجل:)إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به( (التوبة:111). ويقول الله عز وجل: )يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم (10) تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (11) يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم (12)( (الصف).
لقد طلب الله - عز وجل - من المؤمنين أن يبذلوا أنفسهم وأموالهم في الجهاد في سبيل الله ليثيبهم الجنة، وذكر الشراء على وجه المثل؛ لأن الأنفس والأموال كلها لله، وكلها عندنا عارية، ولكنه - عز وجل ـأراد التحريض والترغيب في الجهاد.
"والباء" في قوله عز وجل: )بأن لهم الجنة( للمعاوضة، وهذا من فضله - عز وجل - وكرمه وإحسانه؛ فإنه قبل العوض عما يملكه بما تفضل به على عباده المطيعين له، ولذا قال الحسن البصري: بايعهم والله فأغلى ثمنهم.
وقال عبد الله بن رواحة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة: اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال: "أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم"، قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ فقال: "الجنة"، قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل. ونزلت::)إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة( (التوبة: ١١١)،[17] هذا تفسير الآية الأولى.
أما تفسير الآية الثانية - الصف 12:10 - فهي استفهام في اللفظ إيجاب في المعنى، فقوله عز وجل: )تؤمنون بالله( (الصف:11) استئناف مبين للتجارة، وهو الجمع بين الإيمان والجهاد، والمراد به الأمر، وإنما جيء بلفظ الخبر للإيذان بوجوب الامتثال كأنها وجدت وحصلت، وقوله تعالى: )يغفر لكم ذنوبكم( (الصف: ١٢) جواب للأمر المدلول عليه بلفظ الخبر.
ويكفي المجاهد شرفا ومجدا وعلوا هذا الفوز العظيم: غفران ذنوبه، ودخول جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين [18].
المجاهد خير الناس:
عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا أخبركم بخير الناس؟ رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، ألا أخبركم بالذي يتلوه؟ رجل معتزل في غنيمة له، يؤدي حق الله فيها. ألا أخبركم بشر الناس؟ رجل يسأل بالله ولا يعطي به»[19].
و«سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: "مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله". قالوا: ثم من؟ قال: مؤمن في شعب من الشعاب، يتقي الله ويدع الناس من شره»[20] [21].
الجنة للمجاهد:
أورد الترمذي «أن رجلا مالت نفسه إلى العزلة، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها، فقال: لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاما، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة؟ اغزوا في سبيل الله، من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة».[22] وفواق الناقة: الوقت بين الحلبتين، أو الوقت بين قبضتي الحالب للضرع.
المجاهد يرتفع مائة درجة في الجنة:
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«يا أبا سعيد، من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وجبت له الجنة، فعجب بها أبو سعيد، فقال: أعدها علي يا رسول الله. ففعل. ثم قال: وأخرى يرفع بها العبد مائة درجة في الجنة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: الجهاد في سبيل الله، الجهاد في سبيل الله»[23].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، فوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة»[24].
الجهاد لا يعدله شيء:
ومما يؤكد ذلك ما جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «قيل: يا رسول الله، ما يعدل الجهاد في سبيل الله عز وجل؟ قال: "لا تستطيعونه"، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا، كل ذلك يقول: "لا تستطيعونه"، وقال في الثالثة: مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صلاة ولا صيام، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله»[25] [26].
فضل الشهادة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يكلم أحد في سبيل الله - والله أعلم بمن يكلم في سبيل - إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم، والريح ريح المسك»[27].
وقال - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق، لئلا يزهدوا في الجهاد، فقال الله تعالى: "أنا أبلغهم عنكم" وأنزل: )ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون (169) فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون (170) يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين (171)( (آل عمران) [28].
وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الشهداء: «أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح في الجنة حيث شاءت». [29] وقال صلى الله عليه وسلم: «ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة». [30] وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين».[31] ويلحق بالدين مظالم العباد، مثل: القتل، وأكل أموال الناس بالباطل، ونحو ذلك[32].
الخلاصة:
· الجهاد هو بذل الجهد في قتال الكفار، وله عدة أنواع: جهاد النفس، جهاد الشيطان، جهاد الفساق، جهاد الكفار، وأفضل الجهاد هو الجهاد بالنفس والمال. وقد ثبتت مشروعية الجهاد في القرآن والسنة والإجماع وبالأدلة العقلية.
· الله - عز وجل - أكبر وأعظم من أن يدافع عنه أحد مخلوقاته، فهو غني عنهم، ولكنه - عز وجل - أمر عباده المسلمين بالجهاد ليثيبهم أفضل الثواب، ألا وهو الجنة؛ فالمجاهد هو أفضل الناس عند الله، ويرفعه الله مائة درجة في الجنة، كما أن الجهاد لا يعدله شيء من سائر الطاعات والعبادات، وبالجهاد نحمي الإسلام، ونعلي صوت الحق، ونرد كيد الأعداء.
(*) هذا هو الحق، ابن الخطيب، المكتبة المصرية، مصر، ط2، 1979م.
[1]. القاموس المحيط، الفيروزآبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1407هـ/ 1987م، مادة "جهد".
[2]. لسان العرب، ابن منظور، مادة "جهد".
[3]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان (186).
[4]. السلام والحرب في الشريعة الإسلامية: دراسة مقارنة، محمود محمد طنطاوي، مصر، د. ن، د. م، ط1، 1416هـ/ 1996م، ص22،21.
[5]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب نزول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الحجر (4161).
[6]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أنس بن مالك رضي الله عنه (12268)، وأبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب كراهية ترك الغزو (2506)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (2504).
[7]. خرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل حسان بن ثابت (6550).
[8]. السلام والحرب في الشريعة الإسلامية: دراسة مقارنة، محمود محمد طنطاوي، مصر، د. ن، د. م، ط1، 1416هـ/ 1996م، ص23.
[9]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل الحج المبرور (1447)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال (258)، واللفظ له.
[10]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله (2634)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والرباط (4994) بنحوه.
[11]. الجهاد في الإسلام: دراسة فقهية مقارنة، د. أحمد محمود كريمة، الدار الهندسية، مصر، ط1، 2003م، ص118.
[12]. السلام والحرب في الشريعة الإسلامية: دراسة مقارنة، محمود محمد طنطاوي، مصر، د. ن، د. م، ط1، 1416هـ/ 1996م، ص56 بتصرف.
[13]. السلام والحرب في الشريعة الإسلامية: دراسة مقارنة، محمود محمد طنطاوي، مصر، د. ن، د. م، ط1، 1416هـ/ 1996م، ص30:25 بتصرف.
[14]. الجهاد في الإسلام: دراسة فقهية مقارنة، د. أحمد محمود كريمة، الدار الهندسية، مصر، ط1، 2003م، ص130:127 بتصرف.
[15]. أخرجه البخاري في صحيحه، أبواب الإحصاء وجزاء الصيد، باب لا يحل القتال بمكة (1737)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد (4936)، وفي موضع آخر.
[16]. السلام والحرب في الشريعة الإسلامية: دراسة مقارنة، محمود محمد طنطاوي، مصر، د. ن، د. م، ط1، 1416هـ/ 1996م، ص27،26.
[17]. فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، محب الدين الخطيب، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، ج6، ص6.
[18]. السلام والحرب في الشريعة الإسلامية: دراسة مقارنة، محمود محمد طنطاوي، مصر، د. ن، د. م، ط1، 1416هـ/ 1996م، ص57:54 بتصرف.
[19]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه، كتاب فضائل الجهاد، باب أي الناس خير (1652)، وابن حبان في صحيحه، كتاب البر والإحسان، باب العزلة (605)، وصححه الألباني في صحيحه وضعيف سنن الترمذي (1652).
[20]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله (2634)، وفي موضع آخر بنحوه، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والرباط (4994).
[21]. فقه السنة، السيد سابق، دار الفتح للإعلام العربي، القاهرة، ط2، 1419هـ/ 1999م، ج3، ص372:370 بتصرف.
[22]. حسن: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة رضي الله عنه (10796)، والترمذي في سننه، كتاب فضائل الجهاد، باب فضل الغدو والرواح في سبيل الله (1650)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (1650).
[23]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب بيان ما أعده الله تعالى للمجاهد في الجنة من الدرجات (4987).
[24]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب درجات المجاهدين في سبيل الله، يقال: هذه سبيلي، وهذا سبيلي (2637)، وفي موضع آخر.
[25]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير (2633)، بلفظ: دلني على عمل يعدل الجهاد، قال: " لا أجده"، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى (4977).
[26]. فقه السنة، السيد سابق، دار الفتح للإعلام العربي، القاهرة، ط2، 1419هـ/ 1999م، ج3، ص373،372.
[27]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من يجرح في سبيل الله رضي الله عنه (2649).
[28]. الروض الأنف، السهيلي، دار الفكر، بيروت، 1409هـ/ 1989م، ج3، ص188.
[29]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب في بيان أن أرواح الشهداء في الجنة وأنهم أحياء عند ربهم (4993).
[30]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة رضي الله عنه (7940)، والترمذي في سننه، كتاب فضائل الجهاد، باب فضل المرابط (1668)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (1668).
[31]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين (4991).
[32]. الروض الأنف، السهيلي، ص376.