مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

دعوى عدم وجود نظام اقتصادي إسلامي مميز (*)

مضمون الشبهة:

ينكر بعض المغالطين اشتمال أصول الإسلام على مبادئ اقتصادية تشكل أسسا لاقتصاد إسلامي مميز، يواكب المستجدات المعاصرة، ويترتب على زعمهم هذا ترسيخ دعوى عدم صلاحية مبادئ الشريعة الإسلامية للتطبيق الحالي والمستقبلي في الجانب الاقتصادي، وأن أحكامها تاريخية انتهى دورها وبطل مفعولها.

وجوه إبطال الشبهة:

1) الإسلام عقيدة وشريعة، فرسالته لا تقتصر على مبادئ اعتقادية فقط، وإنما انطوت على أصول تنظيم سياسي واجتماعي واقتصادي للمجتمع. ومن ثم فمبادئ الاقتصاد الإسلامي أصيلة أصالة الإسلام نفسه.

2)  للاقتصاد الإسلامي وجهان:

·        ثابت: يتعلق بالمبادئ والأصول الاقتصادية الإسلامية التي جاء بها الشرع الحنيف.

·   متغير: يتعلق بالتطبيق العملي، بمعنى: كيفية إعمال الأصول الاقتصادية الإسلامية في مواجهة المتغيرات المجتمعية والمستجدات في حياة البشر.

3) البحث في الاقتصاد الإسلامي بشقيه - الثابت والمتغير - مهمة شاقة عسيرة، تتطلب إعداد العالم الاقتصادي الإسلامي الذي يجمع بين الثقافة الفقهية الواسعة وبين الثقافة الاقتصادية الفنية المعاصرة.

التفصيل:

أولا. أصالة الاقتصاد الإسلامي وذاتيته:

بحكم كون الإسلام رسالة سماوية عالمية خاتمة - كما هو معروف وبدهي - فقد تناول الإسلام حياة البشر من مختلف نواحيها بالضبط والتنظيم؛ ومنها الناحية الاقتصادية، وعلى هذا فإن مبادئ الاقتصاد الإسلامي قديمة قدم الإسلام نفسه. وبناء عليه فإن الاقتصاد الإسلامي اقتصاد متميز له ذاتيته المستقلة.

لكن الالتفات إلى أصالة المبادئ الاقتصادية في الإسلام، وإظهارها في ثوب حديث، وإدارة الدراسات العلمية حولها - أمر قد تأخر كثيرا.

فقد ظلت المعاهد العلمية في العالم الإسلامي تدرس تفصيلا نظريات الاقتصاد الرأسمالي والاشتراكي، وتتجاهل أو تجهل أصول الاقتصاد الإسلامي. إلي أن رادت الطريق في هذا المجال جامعة الأزهر، فأدخلت تدريس الاقتصاد الإسلامي كمادة علمية مستقلة في ستينات القرن الماضي.

بسبب هذا التواني والتأخر في الالتفات إلى الجانب الاقتصادي في تشريعات الإسلام، ظن الناس خلوها منه وعدم مبالاتها به أو - كما زعم المغرضون - افتقادها إياه وافتقارها إليه [1].

ثانيا. وجها الاقتصاد الإسلامي:

للاقتصاد الإسلامي وجهان:

1.  ثابت: يتعلق بالمبادئ والأصول الاقتصادية التي جاء بها الإسلام في تشريعاته.

2.  ومتغير: يتعلق بكيفية ضبط المستجدات المجتمعية المتغيرة المتجددة وتوجيهها في إطار هذه الأصول الثابتة.

يبين لنا طبيعة هذين الوجهين د. الفنجري بقوله:

الوجه الثابت:

هو خاص بالمبادئ أو الأصول الاقتصادية التي جاء بها الإسلام حسبما وردت بنصوص القرآن والسنة؛ وذلك ليلتزم بها المسلمون في كل زمان ومكان، بغض النظر عن درجة التطور الاقتصادي للمجتمع أو أشكال الإنتاج السائدة فيه، ومن قبيل ذلك:

الأصل أن المال مال الله والبشر مستخلفون فيه: وذلك بقوله عز وجل: )ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى (31)( (النجم)، وقوله عز وجل: )آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير (7)( (الحديد)، وقوله سبحانه وتعالى: )وآتوهم من مال الله الذي آتاكم( (النور: ٣٣).

أصل ضمان حد الكفاية لكل فرد في المجتمع الإسلامي: وذلك بقوله عز وجل: )أرأيت الذي يكذب بالدين (1) فذلك الذي يدع اليتيم (2) ولا يحض على طعام المسكين (3)( (الماعون)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من ترك كلا أو ضياعا؛ فأنا وليه فلأدعي له». [2] أي: من ترك ذرية ضعيفة فليأتني؛ فأنا مسئول عنه كفيل به، وفي رواية: "من ترك دينا أو ضياعا فإلي" [3].

أصل تحقيق العدالة الاجتماعية وحفظ التوازن الاقتصادي بين أفراد المجتمع الإسلامي: وذلك في قوله عز وجل: )كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم( (الحشر: ٧)، يعني أنه لا يجوز أن يكون المال متداولا بين فئة قليلة من أفراد المجتمع أوأن يستأثر بخيراته فئة دون أخرى، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم»[4].

أصل احترام الملكية الخاصة: وذلك بقوله عز وجل: )للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن( (النساء: ٣٢)، وقوله عز وجل: )والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم (38)( (المائدة)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» [5]، وقوله صلى الله عليه وسلم:«من قتل دون ماله فهو شهيد» [6].

أصل الحرية الاقتصادية المقيدة: وذلك بتحريم أوجه النشاط الاقتصادي التي تتضمن استغلالا أو ربا أو احتكارا بقوله عز وجل: )ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل( (البقرة: ١٨٨)، وقوله تعالى: )وأحل الله البيع وحرم الربا( (البقرة: ٢٧٥)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من احتكر فهو خاطئ» [7].

أصل التنمية الاقتصادية الشاملة: وذلك بقوله سبحانه وتعالى: )هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها( (هود: ٦١)، أي: كلفكم بعمارتها. وأنه تعالى جعل الإنسان خليفة الله في أرضه، قال عز وجل: )إني جاعل في الأرض خليفة( (البقرة: ٣٠)، وأنه سخر له ما في السموات والأرض؛ ليستغلها، وينعم بخيراتها، ويسبح بحمده قال عز وجل: )وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (13)( (الجاثية)، وقوله: )فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون (10)( (الجمعة)، بل لقد بلغ حرص الإسلام على التنمية الاقتصادية وتعمير الدنيا، أن قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة - أي شتلة - فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها فله بذلك أجر» [8].

أصل ترشيد الاستهلاك والإنفاق: وذلك بتحريم التبذير في قوله عز وجل: )إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا (27)( (الإسراء)، والحجر[9] على السفهاء الذين يصرفون أموالهم على غير مقتضى العقل بقوله: )ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا (5)( (النساء)، وكذا النهي الشديد عن الترف والبذخ واعتباره جريمة في حق المجتمع بقوله: )واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين (116)( (هود)، فالأصول الاقتصادية التي وردت بنصوص القرآن والسنة، هي أصول إلهية من عند الله: )لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42)( (فصلت). ومن ثم فإنه لا يجوز الاختلاف فيها أو الخروج عنها، وإلا كان ذلك خروجا عن الإسلام وحكما بغير ما أنزل الله، وهي أصول اقتصادية خالدة بخلود القرآن والسنة، بحيث يخضع لها المسلمون في كل عصر، بغض النظر عن درجة التطور الاقتصادي وبغض النظر عن أشكال الإنتاج السائدة في المجتمع.

ويلاحظ على الأصول أو المبادئ الاقتصادية الإسلامية، حسبما وردت بنصوص القرآن والسنة، أمران أساسيان:

أولهما: أنها قليلة للغاية.

ثانيهما: أنها عادة تتعلق بالحاجات الأساسية لكل مجتمع.

ولهذين السببين كانت المبادئ أو الأصول الاقتصادية الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، وغير قابلة للتغيير أو التعديل، وهي تعتبر سر عظمة الاقتصاد الإسلامي ورسوخه.

الوجه المتغير:

وهو خاص بالتطبيق أي إعمال الأصول والمبادئ الاقتصادية الإسلامية في مواجهة مشكلات المجتمع المتغيرة. فهي عبارة عن الأساليب والخطط العملية والحلول الاقتصادية التي تتبناها السلطة الحاكمة في كل مجتمع إسلامي لإحالة أصول الإسلام ومبادئه الاقتصادية إلى واقع مادي يعيش المجتمع في إطاره. ومن قبيل ذلك:

بيان مقدار حد الكفاية أي المستوى اللائق للمعيشة، مما يختلف باختلاف الزمان والمكان، والذي تلتزم الدولة الإسلامية بتوفيره لكل مواطن فيها متى عجز أن يوفره لنفسه؛ لسبب خارج عن إرادته كمرض أو عجز أو شيخوخة.

إجراءات تحقيق عدالة التوزيع، وحفظ التوازن الاقتصادي بين أفراد المجتمع، وتقريب الفوارق بينهم.

إجراءات تحقيق كفاية الإنتاج والتخطيط الاقتصادي، ومتابعة تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية.

بيان العمليات التي توصف بأنها ربا، وصور الفائدة المحرمة.

بيان نطاق الملكية العامة، ومدى تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي.

إلى آخر ذلك مما يتسع فيه مجال الاجتهاد، وتتعدد فيه صور التطبيق بحسب ظروف كل مجتمع، ونعبر عنه على المستوى النظري أو الفكري باصطلاح: "النظرية أو النظريات الاقتصادية الإسلامية"، وعلى المستوى العملي أو التطبيقي باصطلاح: "النظام أو النظم الاقتصادية الإسلامية".

وهذه النظريات أو التطبيقات هي من عمل المجتهدين في الاقتصاد الإسلامي، وهو ما قد يختلفون فيه تبعا لتغير ظروف الزمان والمكان، بل في الزمان والمكان الواحد باختلاف فهمهم للأدلة الشرعية. وتعتبر هذه النظريات أو التطبيقات الاقتصادية في الاصطلاح الشرعي كاشفة عن حكم الله، وذلك حسب ظن المجتهد واعتقاده، لا حسب الحقيقة والواقع، التي لا يعلمها إلا الله. وهي لا تعتبر كذلك، أي كاشفة عن حكم الله، ولا توصف بأنها إسلامية، إلا إذا توافر لها شرطان أساسيان:

أولهما: التزامها بالأصول الاقتصادية الإسلامية؛ أي: المذهب الاقتصادي الإسلامي، حسبما كشفت عنه نصوص القرآن والسنة.

ثانيهما: أن يتوصل إليها بالطرق الشرعية المقررة، من قياس[10] واستصحاب[11] واستحسان[12] واستصلاح[13].

إنه بناء على النصوص الإسلامية القليلة التي وردت في المجال الاقتصادي، أقام الخلفاء الراشدون البنيان الاقتصادي للدولة الإسلامية، وأدلى الفقهاء القدامي بحلولهم الاقتصادية العديدة بحسب مشكلات مجتمعاتهم، وإن أولي الأمر وطلاب البحث اليوم مطالبون بمتابعة المسيرة، واستظهار الحلول الإسلامية لمختلف المسائل والمشكلات الاقتصادية المعاصرة، مقدرين أن التحدي الحقيقي الذي يواجه كل مجتمع إسلامي هو ربط تعاليم الإسلام بالواقع الذي يعيش فيه، وإن في إمكان تباين تلك التطبيقات، باختلاف ظروف كل مجتمع، يكمن سر مرونة الاقتصاد الإسلامي. وأنه في حدود مبادئه وأصوله الاقتصادية، مجال واسع للاجتهاد يترخص فيه المسلمون وفقا لمصالحهم المتغيرة" [14].

بهذه القواعد والأصول الحاكمة والاجتهادات المتأسسة عليها، والمنطلقة منها، والمحكومة بإطارها، نستطيع أن نقرر مطمئنين أن مبادئ الإسلام وتطبيقاتها تنطوي على ملامح اقتصاد إسلامي له طبيعته المستقلة المميزة.

بغية اتضاح الصورة أكثر - لتنجلي الفكرة وتستحكم في النفوس، فتقر بعلاقة وطيدة للإسلام بالقضايا الاقتصادية القديمة والمستجدة يحكمها منهج محدد - إذ بالمثال يتضح المقال، نضرب أمثلة لاجتهادات فقهية في مستجدات اقتصادية.

فحول حكم دخول المصرف الإسلامي كعنصر جديد في المضاربة واستحقاقه الربح، يقول د. شبير: " اتفق العلماء والباحثون المعاصرون على جواز دخول المصرف الإسلامي كعنصر جديد في المضاربة - تقوم المضاربة على أساس أن يتشارك شخصان: أحدهما بماله والآخر بعمله، والربح بينهما بالاتفاق، والخسارة على صاحب رأس المال - واختلفوا في تحديد علاقته بكل من أصحاب الأموال والمستثمرين على عدة أقوال:

الأول: ذهب د. محمد عبد الله العربي إلى أن المصرف مضارب مضاربة مطلقة، وأصحاب الأموال - بمجموعهم - هم أرباب المال، فيتصرف المصرف في الأموال كمضارب يعطي تلك الأموال إلي غيره مضاربة بمقتضى المضاربة المطلقة أو التفويض العام. فهل يصح هذا التصرف؟

اختلف الفقهاء القدامى في جواز دفع المضارب مال المضاربة إلى غيره مضاربة بناء على التفويض العام - المضاربة المطلقة -، فأجاز الحنفية والحنابلة عملا بعرف التجار، فقد جرى عرف التجار على أن التفويض العام يقتضي دفع المال إلى الغير مضاربة، لأنه قد يكون أبصر وأحذق بالتجارة من المضارب، وخالف في ذلك المالكية والشافعية فلم يجيزوا ذلك إلا بإذن صريح.

والراجح في ذلك ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة؛ لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا. ولتخريج هذه المسألة على المضارب الذي دفع المال بضاعة - أي ليعمل فيه بدون اشتراك في الربح - وبناء على القول الراجح يستحق المضارب الأول الربح؛ لأن عمل المضارب الثاني واقع للمضارب الأول، فكأنه عمل بنفسه، كمن استأجر خياطا لخياطة ثوب بدينار، فاستأجر الخياط خياطا آخر على خياطة الثوب بنصف الدينار، طاب له الفضل. ولأن المضارب الأول باشر العقدين عقد المضاربة مع رب المال وعقد المضاربة مع المضارب الثاني، فيجوز للمصرف الإسلامي أن يعطي المال لغيره مضاربة، ويستحق على عمله الربح.

الثاني: ذهب السيد محمد باقر الصدر إلى أن المصرف الإسلامي وكيل عن أصحاب الأموال، وهو ليس عنصرا أساسيا في عقد المضاربة؛ لأنه ليس هو صاحب رأس المال ولا صاحب العمل؛ أي: المستثمر، وإنما يتركز دوره في الوساطة بين الطرفين، فبدلا من أن يذهب رجال الأعمال إلى المودعين يفتشون عنهم واحدا بعد الآخر، ويحاولون الاتفاق معهم، يقوم البنك بتجميع أموال هؤلاء المودعين ويتيح لرجال الأعمال أن يراجعوه ويتفقوا معه مباشرة على استثمار أي مبلغ تتوفر القرائن على إمكان استثماره بشكل ناجح. وهذه الوساطة التي يمارسها البنك تعتبر خدمة محترمة يقدمها البنك لرجال الأعمال، ومن حقه أن يطلب مكافأة عليها على أساس الجعالة [15].

الثالث: ذهب د. سامي حمود إلى أن المصرف له صفة مزدوجة تتمثل في كونه مضاربا مرة، ورب مال مرة أخرى، فبالنظر إلى علاقة المصرف بأصحاب الأموال يكون مضاربا، وبالنظر إلى علاقته مع المستثمرين يكون رب مال.

والراجح ما ذهب إليه صاحب القول الأول من أن المصرف مضارب في مضاربة مطلقة ويستحق الأرباح، لأن الفقهاء"قرروا أن كل ما للمضارب أن يعمله، فله أن يوكل فيه غيره" [16].

وحول تحديد علاقة المصرف الإسلامي بالبنوك التجارية وحكم تعامله معها، يقول د. شبير: "يرى بعض المعاصرين عدم جواز تعامل المصرف الإسلامي مع البنوك التجارية في جميع مجالاتها ومعاملاتها ما يجوز منها وما لا يجوز؛ لأن التعامل معها مساعدة لها على المضي في معاملاتها الربوية المحرمة.

ويرى كثير من العلماء المعاصرين جواز تعامل المصرف الإسلامي مع البنوك التجارية فيما يتعلق بالمعاملات الخالية من الربا للحاجة وعموم البلوى، واستدلوا لذلك بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام كانوا يتعاملون مع اليهود في المدينة المنورة على أساس التعامل المباح، ويتركون معهم التعامل بالحرام، ومن المعروف عن اليهود أنهم كانوا يتعاملون بالربا، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستدين منهم - بغير الربا بالطبع - فقد توفي ودرعه مرهونة عند يهودي. وكان الصحابة رضوان الله عليهم يتعاملون مع مشركي مكة ومع التجار الكفار عندما يذهبون إلى بلاد الشام واليمن قبل دخول الإسلام إلى تلك البلاد.

وفي استفتاء وجه للمستشار الشرعي لبيت التمويل الكويتي عن قيام البيت بإيداع مبالغ لدى البنوك التجارية بدون فوائد على أن تتبع هذه البنوك مبدأ التعامل بالمثل، فأجاب: بالرغم من إني أكره المعاملة مع البنوك الربوية، حتى ولو كانت المعاملة غير ربوية، ولكن لعموم البلوى، ولحاجة المجتمع إلى التعامل معها، لا بأس من إقراضها قرضا حسنا، والاقتراض منها كذلك تشجيعا لها على المعاملة غير الربوية.

وقد أجابت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية عن حكم التعامل مع البنوك التجارية بقولها: "وأما التعامل مع البنوك بتأمين النقود بدون فائدة وبالتحويلات، فأما بالنسبة لتأمين النقود بدون ربح، فإن لم يضطر إلى وضعها في البنك، فلا يجوز أن يضعها فيه؛ لما في ذلك من إعانة أصحاب البنوك على استعمالها في الربا، وقد قال عز وجل: )وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب (2)( (المائدة)، وإن دعت إلى ذلك ضرورة فلا نعلم في ذلك بأسا إن شاء الله. وأما بالنسبة لتحويل النقود من بنك لآخر، ولو بمقابل زائد يأخذه البنك المحول فجائز؛ لأن الزيادة التي يأخذها البنك أجرة له مقابل عملية التحويل.

والذي أميل إليه جواز تعامل المصرف الإسلامي مع البنوك التجارية الأخرى في الداخل والخارج لحاجة تلك المصارف إلى ذلك شريطة أن يجتنب الربا وما هو ممنوع شرعا في ذلك التعامل" [17].

فها هي القواعد الشرعية الإجمالية في الشأن الاقتصادي قد صلحت لأن يتحرك العلماء المجتهدون في إطارها، وأن يؤسسوا عليها ليفتونا في مسائل عصرية مستجدة. ألا يكذب هذا زعم الزاعمين أن تعاليم الإسلام خلو مما يتصل بدنيا الاقتصاد ومستجداته؟

ثالثا. البحث في مجال الاقتصاد الإسلامي مهمة شاقة:

نعم للإسلام علاقة بالاقتصاد، كما له علاقة بغيره من جوانب الحياة، وهناك اقتصاد إسلامي ذو ملامح مميزة، لكن البحث في هذا الميدان مهمة غاية في المشقة وطريق وعر يحتاج صبرا وأناة وجلدا؛ للاستقراء[18] والموازنة والاستنباط والخروج بضوابط تحكم مستجدات حياة البشر.

إذن تعوز المتصدي للاجتهاد في هذا الشأن شروط لازمة يجملها د. شبير بقوله: "فإذا كانت معالجة القضايا المستجدة تتوقف على فتح باب الاجتهاد، فلا بد أن يكون المتصدي لبحثها أهلا للاجتهاد. فتشترط فيه الشروط التالية:

1. العلم بالقرآن الكريم، فيعرف مواقع آيات الأحكام، والناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، والعام والخاص، وأسباب النزول، والمكي والمدني وغير ذلك.

2.  العلم بالسنة النبوية، فيعرف مواقع أحاديث الأحكام، والصحيح منها والضعيف، والجرح والتعديل.

3.  العلم بمواطن الإجماع والخلاف في الأحكام الفقهية.

4.  الإحاطة بعلم أصول الفقه واللغة العربية.

5. أن يكون فقيه النفس، بأن تكون لديه ملكة فقهية تعينه على فهم مسائل الفقه واستنباط الأحكام، وحضور البديهة فيها والتمييز بين المتشابه من الفروع بإبداء الفروق والموانع والجمع بينها بالعلل والأشباه والنظائر، بحيث تصبح هذه الأمور ملكة قائمة في نفسه.

6.  أن يكون مأمونا في قوله، عدلا في دينه؛ بأن يجتنب الكبائر ويترك الإصرار على الصغائر.

7.  أن يكون على معرفة بمقاصد الشريعة مما يكسبه قوة في فهم مراد الشارع من تشريع الأحكام فيراعيها عند اجتهاده.

8.  أن يكون قادرا على تخريج الأحكام من المسائل المنصوص عليها في فقه المجتهدين.

9.  أن يكون على معرفة بالواقع والظروف التي تحيط به [19].

ثم إن عليه بعد ذلك - في رأي د. شبير -، وبعد أن يدعو الله أن يفتح عليه فتوح العارفين ويلهمه الصواب، أن يحاول فهم القضية المعاصرة فهما دقيقا مستعينا بأهل الاختصاص في موضوعها، ثم يعرض القضية المستجدة على النصوص الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع وأقوال الصحابة واجتهاداتهم واجتهادات أئمة المذاهب الفقهية وقرارات المجامع الفقهية.

فأصل المسألة إذن، وهو الاقتصاد الإسلامي، موجود، وليس منتفيا ولا منعدما، والبحث فيه ممكن، لكن دون ذلك شروط تحتاج صدق إرادات وقوة عزائم.

الخلاصة:

الإسلام عقيدة وشريعة تشمل من بين ما تشمل أصول تنظيم اقتصادي مميز.

للاقتصاد الإسلامي وجهان: ثابت: هو هذه الأصول، ومتغير: يحاول ضبط المستجدات في إطار هذه الأصول.

البحث في الاقتصاد الإسلامي يتطلب جهدا شاقا ويستلزم شروطا عدة تمكن الباحث من الجمع بين الثقافة الفقهية الواسعة وبين الثقافة الاقتصادية الفنية المعاصرة.

الاقتصاد الإسلامي كيان موجود، والبحث فيه ممكن، لكنه يستلزم إرادات جادة وعزائم قوية.

 



(*) المذهب الاقتصادي في الإسلام، د. محمد شوقي الفنجري، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، 1997م.

[1]. المذهب الاقتصادي في الإسلام، د. محمد شوقي الفنجري، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، 1997م، ص26 وما بعدها.

[2]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الفرائض، باب ابني عم أحدهما أخ للأم والآخر زوج (6364).

[3]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفرائض، باب من ترك مالا فلورثته (4244).

[4]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة (1331)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام (132).

[5]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم الناس وخذله واحتقاره ودمه، (6706).

[6]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم، باب من قاتل دون ماله (2348)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق كان القاصد مهدر الدم في حقه (378).

[7]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب تحريم الاحتكار في الأقوات (4206).

[8]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أنس رضي الله عنه (13004)، والبخاري في الأدب المفرد، باب اصطناع المال (479)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1424).

[9]. الحجر لغة: المنع، يقال: حجر عليه حجرا: منعه من التصرف، فهو محجور عليه. واصطلاحا: صفة حكمية توجب منع موصوفها من نفوذ تصرفه فيما زاد على قوته، أو من نفوذ تبرعه بزائد على ثلث ماله؛ لعجز أو سفه أو جنون.

[10]. القياس: مساواة المسكوت عنه بالمنصوص عليه في علة الحكم، والفرق بينه وبين الاستصلاح: أن للقياس أصلا يقاس عليه الفرع، في حين أن ليس للاستصلاح هذا الأصل.

[11]. الاستصحاب لغة: الملازمة، واصطلاحا: عبارة عن الحكم بثبوت أمر في الزمن الآتي، بناء على ثبوته في الزمن الأول، ومثاله: أن المتوضئ بيقين يبقى على وضوئه، وإن شك في نقض طهارته.

[12]. الاستحسان لغة: عدا الشيء حسنا، وفي علم أصول الفقه: اسم لدليل يقابل القياس الجلي، يكون بالنص أو الإجماع أو الضرورة أو القياس الخفي.

[13]. الاستصلاح: استنباط الحكم في واقعة لا نص فيها ولا إجماع، بناء على مصلحة عامة لا دليل على اعتبارها ولا إلغائها. ويعتبر عنه أيضا بالمصلحة المرسلة.

[14]. المذهب الاقتصادي في الإسلام، د. محمد شوقي الفنجري، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، 1997م، ص31 وما بعدها.

[15]. الجعالة: أن يجعل الرجل للرجل أجرا معلوما، ولا يفقده إياه على أن يعمل له في زمن معلوم أو مجهول، مما فيه منفعة للجاعل، على أنه إن أكمل العمل كان له الجعل وإن لم يتمه فلا شيء له، مما لا منفعة فيه للجاعل إلا بعد تمامه. أو التزام عوض معلوم على عمل معين أو مجهول يعسر ضبطه.

[16]. المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي، محمد عثمان شبير، دار النفائس، الأردن، ط2، 1418هـ/ 1998م، ص303 وما بعدها.

[17]. المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي، محمد عثمان شبير، دار النفائس، الأردن، ط2، 1418هـ/ 1998م، ص326، 327.

[18]. الاستقراء لغة: التتبع، واصطلاحا: تصفح جزيئات كلي ليحكم بحكمها على ذلك الكلي.

[19]. المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي، محمد عثمان شبير، دار النفائس، الأردن، ط2، 1418هـ/ 1998م، ص40 وما بعدها.

click website dating site for married people
click here My wife cheated on me women cheat husband
open read here black women white men
signs of a cheater reasons people cheat website
signs of a cheater why married men cheat on their wives website
husbands who cheat open my boyfriend cheated on me with a guy
go link how long for viagra to work
where to order viagra online buy cheap deal online viagra viagra viagra sipari verme
where to order viagra online buy cheap deal online viagra viagra viagra sipari verme
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق 
نص التعليق 
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  1534
إجمالي عدد الزوار
  38107804

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع