ادعاء أن الإسلام حرم ربا الجاهلية دون غيره من أنواع الربا(*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المشككين أن الشريعة الإسلامية لا تحرم إلا نوعا واحدا من الربا، وهو ربا الجاهلية - النسيئة -، وما عداه ليس بمحرم، وبناء عليه يعتبرون أن الفوائد البنكية كلها حلال، إذ إن البنك لا يقترض من الناس، بل يقوم باستثمار ودائعهم في مختلف المشروعات، ويعطيهم على ذلك فائدة ثابتة أو متغيرة، وهذا لا يلحق ضررا بأحد، ولم يحرم بأي نص حسب زعمهم، ويهدفون من وراء ذلك إلى حل التعامل مع البنوك الربوية.
وجوه إبطال الشبهة:
1) الربا لغة: الزيادة. واصطلاحا: فضل مال بلا عوض، ودليل تحريمه ثابت من القرآن والسنة والإجماع.
2) أنواع الربا في الفقه الإسلامي.
3) استشكالات ومزاعم حول تحريم الربا عامة، وربا القروض خاصة:
· إنكار الإجماع على حرمة الربا.
· التفريق بين الفائدة[1] والربا.
· القروض الاستهلاكية هي المقصودة وحدها بربا القروض.
· الفائدة الربوية بديل عن تضخم النقد.
· تحصيل الربا من المصارف الأجنبية مشروع.
· الربا المحرم هو الزيادة الطارئة مقابل الأجل الطارئ.
· الربا ضرورة حياتية لا مناص منها.
· الربا فيه مصلحة للفرد المقترض.
4) إن فوائد البنوك هي عين الربا، وليست مضاربة جائزة بين طرفين قائمة على الوضوح والصراحة ومبدأ المكسب والخسارة.
5) يعتمد تحريم الإسلام للربا على مجموعة من الدعائم الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، التي تبين المقاصد الشرعية التي حرم الإسلام الربا من أجلها.
6) أية محاولة يراد بها إباحة ما حرم الله، أو تبرير ارتكابه بأي نوع من أنواع التبرير، إنما هي جرأة على الله وقول عليه بغير علم، وضعف في الدين.
التفصيل:
أولا. تعريف الربا وأدلة تحريمه:
الربا لغة: الزيادة، ومنه: ربا الشيء يربو ربوا ورباء: زاد نما، وأربيته: نميته، وفي التنزيل: )ويربي الصدقات( (البقرة: ٢٧٦). [2] وشرعا: فضل مال لا يقابله عوض في معارضة مال بمال، ومعنى هذا: أن الربا المحرم هو الزيادة المأخوذة على القرض دون أن يقابلها عوض، سواء كان هذا العوض سلعة أو منفعة أو عملا ونحو هذا، وتكون هذه الزيادة ربا إذا كانت مشروطة في القرض.
أدلة تحريم الربا:
1. القرآن الكريم: فما كان للقرآن أن يترك مسألة كالربا دون أن يبرم فيها حكما؛ ولذا جاءت آياته تقطع بحرمته، فقال الله سبحانه وتعالى: )وأحل الله البيع وحرم الربا( (البقرة:٢٧٥)، وقوله سبحانه وتعالى: )يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون (130)( (آل عمران)، وقال سبحانه وتعالى: )يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين (278) فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون (279)( (البقرة).
2. السنة النبوية المطهرة: فقد وردت الآثار فيها بالتصريح بتحريم الربا؛ بحيث جاء بعضها تفسيرا للربا الذي نص عليه القرآن الكريم، وبعضها أتى بنوع آخر غير ما نص عليه القرآن الكريم؛ ومن الأول قوله صلى الله عليه وسلم: «وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله». [3] وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون». [4] وقال صلى الله عليه وسلم: «الربا في النسيئة» [5].
وربا النسيئة هو الربا المنصوص على تحريمه في القرآن الكريم، وهو أن يزيد المدين في الدين في نظير التأجيل؛ فهو زيادة بسبب النسيئة، أي التأجيل.
هذا بعض ما جاء في السنة تفسيرا أو تأكيدا لما جاء في القرآن الكريم من ربا محرم، والسنة قد حرمت نوعا آخر وسمته ربا، وهو الربا الذي يكون في المبيعات، وهي أشياء نص عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - وأوجب أن يكون البيع فيها بالمقايضة وبالمماثلة عند الاتحاد في جنس العوضين.
وأوضح حديث نبوي في ذلك ما رواه مسلم عن عبادة بن الصامت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد»[6].
وكما هو واضح فهذا الحديث الشريف يبين نوعا من الربا خاصا ببيع أشياء معينة قد يقاس عليها، وأوجب المماثلة في المقدار عند اتحاد الجنس، فبيع ذهب بذهب تجب المماثلة في القدر، ويجب القبض في الحال، وعند اختلاف الجنس لا تجب المماثلة في القدر، ولكن يجب القبض في الحال، فبيع الشعير بالقمح لا تجب فيه المماثلة في القدر، ولكن يجب القبض في الحال.
ويسمي الفقهاء الزيادة عند وجوب المماثلة "ربا الفضل"، ويسمى التأجيل عند وجوب القبض "ربا النساء"، وهذان النوعان خاصان بربا البيوع الذي ذكرته السنة النبوية الشريفة، كما يسمى ربا الديون الذي ذكرنا أن القرآن الكريم أتى به ربا النسيئة، وهو الزيادة في الدين في نظير الأجل [7].
3. الإجماع: اختلف الفقهاء فيما يلحق بالأصناف الستة، ويأخذ حكمها في حالة البيع، ويعد من الأموال الربوية، فإذا لم تتوافر الشروط المذكورة آنفا كان ربا الفضل أو النسيئة، وقد أفتت كل المجامع الفقهية بأن النقود الورقية لها ما للذهب والفضة من الأحكام. والاختلاف هنا إنما هو في حالة البيع فقط، أما في القرض فلا خلاف في تحريم أي زيادة مشروطة في العقد، ولا يقتصر هذا على الأصناف الستة وما يلحق بها، وإنما هو في كل شيء.
قال الإمام مالك في "المدونة": "كل شيء أعطيته إلى أجل فرد إليك مثله وزيادة فهو ربا". وقال ابن رشد الجد في مقدماته: "وأما الربا في النسيئة فيكون في الصنف الواحد وفي الصنفين. أما في الصنف الواحد، فهو في كل شيء من جميع الأشياء، لا يجوز واحد باثنين من صنفه إلى أجل من جميع الأشياء". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وليس له أن يشترط الزيادة عليه في جميع الأموال باتفاق العلماء".
وأهل الظاهر الذين خالفوا الجمهور، فوقفوا عند الأصناف الستة في البيع، لم يخرجوا على الإجماع في القرض. قال ابن حزم في "المحلى": "الربا لا يجوز في البيع والسلم[8] إلا في ستة أشياء فقط: في التمر، والقمح، والشعير، والملح، والذهب، والفضة. وهو في القرض في كل شيء". وقال: "وهذا إجماع مقطوع به". وقال ابن قدامة في "المغني": "كل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف". قال ابن المنذر: "أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية - فأسلف على ذلك - إن أخذ الزيادة على ذلك ربا". وقال القرطبي في تفسيره: "أجمع المسلمون نقلا عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - أن اشتراط الزيادة في السلف ربا، ولو كان قبضة من علف - كما قال ابن مسعود - أو حبة واحدة".
إذن: تحريم فوائد القروض ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، ومعلوم من الدين بالضرورة. قال الشيخ محمد أبو زهرة: إن النصوص القرآنية الواردة بالتحريم تدل على أمرين ثابتين لا مجال للشك فيهما:
الأول: أن كلمة الربا لها مدلول لغوي عند العرب كانوا يتعاملون به ويعرفونه، وأن هذا المدلول هو زيادة الدين نظير الأجل، وأن النص القرآني كان واضحا في تحريم ذلك النوع، وقد فسره النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه الربا الجاهلي، فليس لأي إنسان - فقيه أو غير فقيه - أن يدعي إيهاما في هذا المعنى اللغوي، أو عدم تعيين المعنى تعيينا صادقا، فإن اللغة عينته، والنص القرآني عينه بقوله سبحانه وتعالى: )وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم( (البقرة:٢٧٩).
الثاني: هو إجماع العلماء على أن الزيادة في الدين نظير الأجل هو ربا محرم ينطبق عليه النص القرآني، وأن من ينكره أو يماري فيه، فإنما ينكر أمرا علم من الدين بالضرورة، ولا يشك عالم في أي عهد من عهود الإسلام أن الزيادة في الدين نظير تأجيله ربا لا شك فيه [9].
ثانيا. أنواع الربا في الفقه الإسلامي:
يشير د. البوطي إلى أن أنواع الربا ترجع إلى نوعين رئيسيين:
الأول: ربا ناشئ عن القرض.
الثاني: ربا ناشئ عن مبادلة شيء بآخر، أو بيع شيء بآخر.
ولعلك تسأل عن الفرق بين القرض والبيع، أو بين القرض والمبادلة، إذن، فلنحرر الفرق بينهما، قبل المضي في بيان ما تفرع عن كل من هذين النوعين:
في عملية القرض يتعلق حق المقرض بذمة المقترض، دون أن يتمثل في أي بديل معين عن المال أو المتاع الذي أقرضه، أما في عملية المبادلة أو البيع، فإن حق المبادل أو البائع يتعلق بعين مشاهدة، أو مخصصة، وتتحدد مسئولية الطرف الآخر في تسليم هذه العين في الوقت المتفق عليه، حتى لو التزم هذا الطرف الثاني تجاه الأول أن يعطيه بديلا عنه من مماثل له أو متقوم به، وألزم ذمته بذلك، كان للطرف الأول أن لا يقبل؛ لأن حقه قد تخصص وتحدد بشيء معين بذاته. وهذا الفرق مما لا نعلم خلافا فيه بين أئمة الشريعة الإسلامية.
فإذا تبين أهم مظاهر الفرق بين القرض والبيع، فلنوضح الربا الناشئ عن كل منهما مع بيان حكمه:
أما الربا الناشئ عن القرض فله صورتان:
الأولى: أن يقول المقترض للمقرض: أنظرني في الأجل، أزدك في المال الذي لك علي، ولا فرق - كما هو واضح - بين أن يتفق الطرفان على هذه الزيادة مقابل الأجل ابتداء، أو يتفقا على ذلك فيما بعد.
فهذه الصورة محرمة بالإجماع، ولا نعلم أن هناك خلافا قد ظهر بين العلماء في أي من القرون الخالية، اللهم ما ظهر في عصرنا هذا من بعض الاجتهادات والآراء الباطلة.
الثانية: ما يعبرون عنه بقولهم: "ضع وتعجل"، وهو هنا جار على العكس من الصورة الأولى؛ وذلك بأن يقول المدين للدائن: ضع من الدين الذي لك علي أعجل لك في الدفع.
وقد اختلف الفقهاء في حكم هذه الصورة، فقد أجازها ابن عباس، وتبعه في ذلك زفر، وحرمها ابن عمر ومالك وأبو حنيفة والثوري، واختلف فيها قول الشافعي، ولسنا هنا بصدد تفصيل الأدلة والأقوال في هذه الصورة التي يكفي أن نقول عن الحكم فيها بأنه: حكم خلافي.
وأما الربا المحرم الناشئ عن المبادلة أو البيع فيتلخص في النوعين التاليين:
الأول: التفاضل في تبادل الأموال الربوية مطلقا إذا كانت من جنس واحد.
الثاني: النسيئة في تبادل الأموال الربوية مطلقا، أي سواء أكانت من جنس واحد أم من جنسين مختلفين.
وعلى هذا، فكل ما حرم التفاضل فيه بين البدلين حرمت فيه النسيئة أيضا، ولكن ليس كل ما حرمت فيه النسيئة حرم فيه التفاضل أيضا؛ إذ إن سبب حرمة النسيئة أعم من سبب حرمة التفاضل.
ولكن ما هي الأموال الربوية التي يجري فيها ربا الفضل أو النسيئة؟
هي قسمان:
الأول: منصوص عليه في الحديث الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويندرج تحت هذا القسم ستة أنواع، نص عليها رسول الله في حديث عبادة بن الصامت: «سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والتمر بالتمر، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، إلا سواء بسواء عينا بعين، فمن زاد أو استزاد فقد أربى» [10].
الثاني: ما يمكن أن يقاس على كل من الذهب والفضة، وعلى كل من المطعومات الأربعة التي ذكرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديثه هذا.
أما القسم الأول الذي شمل الأعيان الستة التي نص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أجمع المسلمون على تحريم الربا فيه؛ طبقا للبيان الذي ذكرناه.
وأما القسم الثاني وهو ما يمكن أن يقاس على هذه الأعيان الستة، فقد اختلفوا فيه بسبب اختلافهم في فهم علة الربا في هذه الأصناف المنصوص عليها: هل علة الربا في الذهب والفضة مطلق الثمنية أم جوهرية الأثمان، أو ما يعبر عنه برؤوس الأثمان؟
وهل علة الربا في الأصناف الأربعة الأخرى الاقتيات وقابيلة الادخار، أم مجرد الطعم، أم الخضوع لوحدة الكيل أو الوزن؟ [11].
تحريم القرآن والسنة قليل الربا وكثيره:
يفصل د. وهبة الزحيلي القول في ذلك موضحا الأمر وما قد يكتنفه من غموض أو لبس قائلا: حرمت الشريعة الإسلامية بصريح النصوص الشرعية والإجماع قليل الربا وكثيره بعبارة مطلقة عامة لا تحتمل التأويل، فقال الله سبحانه وتعالى: )وحرم الربا( (البقرة:٢٧٥)، وقال سبحانه وتعالى: )وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون (279)( (البقرة).
قال الطبري في بيان معني الآية الأولى: "يعني الزيادة التي يزدادها رب المال بسبب زيادته غريمه في الأجل وتأخير دينه عليه. وقال في تفسير الآية الثانية: يعني جل ثناؤه بذلك: إن تبتم فتركتم أكل الربا، وأنبتم إلى الله - عز وجل - فلكم رؤوس أموالكم من الديون التي لكم على الناس دون الزيادة التي أحدثتموها على ذلك ربا منكم، ولا تظلمون بأخذكم رؤوس أموالكم التي كانت قبل الإرباء على غرمائكم منهم، دون أرباحها التي زدتموها ربا على من أخذتم ذلك منه من غرمائكم، فتأخذون منهم ما ليس لكم أخذه، أو لم يكن لكم قبل، ولا تظلمون من الغريم فيمنعكم حقكم؛ لأن ما زاد على رؤوس أموالكم لم يكن حقا لكم عليه، فيكون بمنعه إياكم ذلك ظالما لكم، وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن عباس يقول وغيره من أهل التأويل" [12].
وذكر القرطبي أن عقد الربا مفسوخ، لا يجوز بحال، ودلت الآية الثانية على أن أكل الربا والعمل به من الكبائر لا خلاف في ذلك، وقال عن الآية الأولى: )وحرم الربا( "هذا من عموم القرآن، والألف واللام للجنس، لا للعهد؛ إذ لم يتقدم بيع مذكور يرجع إليه، أي: إن الله - عز وجل - حرم جنس الربا قليله وكثيره، وقال: )يمحق الله الربا( (البقرة: ٢٧٦)، يعني في الدنيا؛ أي: يذهب بركته، وإن كان كثيرا. وقال سبحانه وتعالى: )فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله( (البقرة: ٢٧٩)، هذا وعيد إن لم يذروا الربا، والحرب داعية القتل. وقال الإمام مالك: إني تصفحت كتاب الله وسنة نبيه، فلم أر شيئا أشر من الربا؛ لأن الله أذن فيه بالحرب؛ قال سبحانه وتعالى: )فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم( (البقرة: ٢٧٩)؛ تأكيد لإبطال ما لم يقبض منه، وأخذ رأس المال الذي لا ربا فيه" [13].
وفي السنة النبوية: عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه»[14]. وعن عبد الله بن حنظلة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «درهم ربا يأكله الرجل - وهو يعلم - أشد من ست وثلاثين زنية»[15].
والأحاديث في ذلك كثيرة، وكلها تفيد العموم من غير تقييد بقليل أو كثير.
قال الشوكاني في بيان معنى الحديث الثاني: "يدل على أن معصية الربا من أشد المعاصي التي تعدل معصية الزنا التي هي في غاية الفظاعة والشناعة، بمقدار العدد المذكور، بل أشد منها، لا شك أنها تجاوزت الحد في القبح؛ لأن إثمه عند الله أشد من إثم من زنى ستا وثلاثين زنية، هذا ما لا يصنعه بنفسه عاقل، نسأل الله تعالى السلامة" [16].
إذن فكثير الربا وقليله حرام؛ كما يشير إلى ذلك الفهم الصحيح؛ لقوله سبحانه وتعالى: )يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة( (آل عمران: ١٣٠)، وقد تقدم القول بتحريم أي زيادة على رأس المال صراحة في صريح قول الله سبحانه وتعالى: )وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم( (البقرة: ٢٧٩) [17].
ثالثا. استشكالات ومزاعم حول تحريم الربا:
الاستشكال الأول: إنكار الإجماع على حرمة الربا.
يعترض بعض الذين يتصدون لمسألة الربا على القول بأن الربا مجمع على تحريمه، ويقولون: كيف تتم دعوى الإجماع، وقد خالف في ذلك عدد من الصحابة؟ ويذكرون في هذا أن عمر بن الخطاب كان يشكو من إشكال بعص مسائل الربا عليه، ويتمنى أن يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين لهم حكم هذه المسائل بيانا شافيا، كما يذكرون خلاف ابن عباس وابن عمر في الربا، كما يذكرون اختلاف العلماء في دخول الربا في بعض الأصناف، ولوكان الربا محل إجماع ما اختلف العلماء فيه، فالاختلاف ينافي الإجماع.
وفي هذا الشأن يصرح د. عمر سليمان الأشقر: بأن كل هذا الذي جاءوا به مردود، فالربا الذي حرمه الله في كتابه الذي كان يتعامل به أهل الجاهلية لم يقع فيه اختلاف، ولم يذكر عن أحد من أهل العلم المعتد بهم قول بإباحته.
والذي وقع فيه شيء من الإشكال هو ربا الفضل، وقد خالف فيه بعض الصحابة في أول الأمر لعدم بلوغهم النصوص المحرمة له، فلما بلغتهم ممن سمعوها من الرسول - صلى الله عليه وسلم - سارعوا إلى الالتزام بها، والعمل بمقتضاها، والنقل عن عمر لا يجوز الاستشهاد به في هذا الموضع، فعمر - رضي الله عنه - أشكلت عليه بعض مسائله، ولكنه لم يخالف في حرمته، فالذي كان من عمر - رضي الله عنه - هو ما يسميه علماء الأصول بتحقيق المناط[18]، أي كون الربا متحققا في المسألة الفلانية أم لا.
يدلنا على هذا أمران:
الأول: أن عمر بن الخطاب أحد الصحابة الذين رووا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حديث حرمة الربا، فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذهب بالذهب، ربا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء» [19].
الثاني: أن عمر بن الخطاب أنكر على رجلين خالفا مقتضى أحاديث ربا الفضل، فقد حضر عمر - رضي الله عنه - مالك بن أوس بن الحدثان النضري، وقد أعطي طلحة بن عبيد الله مائة دينار على أن يأخذ مكانها فضة، فطلب طلحة من مالك المهلة في الدفع حتى يحضر خادمه، فقال عمر رضي الله عنه: «لا تفارقه حتى تأخذ منه»[20]، وقال - في رواية أخرى: «كلا والله، لتعطينه ورقه [21]، أولتردن إليه ذهبه، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الورق بالذهب ربا إلا هاء وهاء...» [22].
وإذا كان بعض أبواب الربا قد أشكل على عمر بن الخطاب، فإن الهدف الذي يرمي إليه عمر من إعلانه لهذا الأمر هو دعوة الناس إلي الاحتراس من مواضع الريبة، والبعد عن مظان الربا، وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: «إن آخر ما نزلت آية الربا، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبض، ولم يفسرها لنا، فدعوا الريبة والربا» [23].
إن الذي يريد عمر الوصول إليه مخالف بل مناقض لما يريد المحتجون بقوله الوصول إليه، هو يريد إبعاد الناس عن كل معاملة يظن أن فيها شائبة ربا، وهؤلاء الذين يحتجون بقوله يريدون إباحة التعامل بالربا بحجة أنه مختلف فيه، والأمران مختلفان ومتناقضان.
وأمر آخر نلمحه من كلام الخليفة الراشد، فكلامه يدل على أن مسائل الربا عويصة مشكلة، لا ينبغي أن يخوض فيها من لم يتعمق في العلم، ولم يصلب عوده فيه، كما يفعل بعض الذين يبحثون في مسائله اليوم، فيتجرأ هؤلاء على الفتوى فيه، وليس عندهم من العلم ما يؤهلهم للنظر في عويص المسائل، يقول العلامة المفسر ابن كثير: باب الربا من أشكل الأبواب على كثير من أهل العلم، وقد قال أمير المؤمنين: «ثلاث وددت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد إلينا فيهن عهدا ننتهي إليه: الجد والكلالة، وأبواب من الربا»[24]، يعني بذلك بعض المسائل التي فيها شائبة الربا.
أما دعوى مخالفة ابن عباس، وابن عمر في هذه المسألة، فإن هؤلاء الذين قالوا هذا أتوا من قصور في العلم، وقلة في الاطلاع، ولو كلفوا أنفسهم عناء البحث في كتب السنة لتكشف لهم أن هذين الصحابيين قالا ما قالاه قبل أن يبلغهما عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأحاديث المحرمة لربا الفضل، والمانعة منه، فلما بلغتهما لم يكن منهما أدنى تلكؤ أو تردد في أن يعلنا عودتهما إلى مقتضى النصوص.
وقد أورد الشيخ ناصر الدين الألباني في كتابه "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل" هذه الأحاديث وذكر مخرجيها ودرجتها من الصحة.
ونحن نورد ما أورده؛ حتى ينقطع القول بهذه الشبهة التي يضل بها بعض عباد الله. قال الشيخ: "روي في ربا الفضل عن ابن عباس، ثم رجع عنه". قال الترمذي وغيره، ثم قال: "صحيح، وله عنه طرق":
1. عن أبي نضرة قال: «سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف، فلم يريا به بأسا، فإني لقاعد عند أبي سعيد الخدري، فسألته عن الصرف؟ فقال: ما زاد فهو ربا، فأنكرت ذلك لقولهما، فقال: لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله، جاء صاحب نخل بصاع من تمر طيب، وكان تمر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا اللون، "وفي رواية: هو الدون" فقال له النبي: "إني لك هذا؟" قال: انطلقت بصاعين، فاشتريت به هذا الصاع، فإن سعر هذا في السوق كذا، وسعر هذا كذا، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ويلك أربيت، إذا أردت ذلك فبع تمرك بسلعة، ثم اشتر بسلعتك أي تمر شئت.
قال أبو سعيد: فالتمر بالتمر أحق أن يكون ربا، أم الفضة بالفضة؟ قال: فأتيت ابن عمر بعد فنهاني، ولم آت ابن عباس، قال: فحدثني أبو الصهباء، أنه سأل ابن عباس عنه بمكة فكرهه»[25].
وأصرح من رواية مسلم رواية الطحاوي عن أبي الصهباء: «أن ابن عباس نزع عن الصرف» [26].
2. الرواية الثانية صريحة في أن أبا سعيد الخدري حدث ابن عباس بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وروى عطاء بن يسار عن أبي سعيد قال: «قلت لابن عباس: أرأيت الذي تقول: الدينارين بالدينار، والدرهمين بالدرهم، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، لا فضل بينهما، فقال ابن عباس: أنت سمعت هذا من رسول الله؟ فقلت: نعم، قال: فإني لم أسمع هذا، إنما أخبرنيه أسامة بن زيد، قال أبو سعيد: ونزع عنها ابن عباس» [27].
3. عن أبي الجوزراء، قال: «سألت ابن عباس عن الصرف يدا بيد، فقال: لا بأس بذلك اثنين بواحد، أكثر من ذلك أو أقل، قال: ثم حججت مرة أخرى، والشيخ حي، فأتيت، فسألته عن الصرف، فقال: وزنا بوزن، قال: فقلت: إنك أفتيتني اثنين بواحد، فلم أزل أفتي به منذ أفتيتني، فقال: إن ذلك كان عن رأيي وهذا أبو سعيد الخدري يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتركت رأيي إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم» [28].
حديث آخر: روى أبو صالح قال: «سمعت أبا سعيد الخدري يقول: "الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، مثلا بمثل، من زاد أو ازداد فقد أربى، فقلت له: إن ابن عباس يقول غير هذا، فقال: لقد لقيت ابن عباس، فقلت: أرأيت هذا الذي تقول: أشيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم وجدته في كتاب الله عز وجل؟ قال: لم أسمعه من رسول الله، ولم أجده في كتاب الله، ولكني حدثني أسامة بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الربا في النسيئة»[29] وفي رواية بلفظ: «لا ربا إلا في النسيئة»[30] وفي أخري: «ألا إنما الربا في النسيئة» [31].
حديث آخر: «عن عبد الله بن حنين أن رجلا من أهل العراق، قال لعبد الله بن عمر، وهو علينا أمير: من أعطى بالدرهم مائة درهم فليأخذها، فقال عبد الله بن عمر: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب وزنا بوزن، فمن زاد فهو ربا"، قال ابن عمر، إن كنت في شك فسل أبا سعيد الخدري عن ذلك، فسأله فأخبره أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل لابن عباس ما قال ابن عمر - رضي الله عنه - فاستغفر ربه، وقال: إنما هو رأي مني» [32].
وقد يقال: فما جوابكم عن حديث أسامة بن زيد "الربا في النسيئة" الجواب أن هذا الحديث كقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة»[33]، وقوله: «ألا إن القوة الرمي»[34]. فمن المعلوم أن في الحج أعمالا كثيرة لا بد للحاج من القيام بها، ومراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن عرفة أعظم هذه الأعمال، ومعلوم أيضا أن استخدام السيف والطعن بالرمح من القوة، ولكن الرمي أعظم هذه الأنواع، ومثل هذا يقال في حديث أسامة، أي: أن الربا العظيم الخطورة في النسيئة.
أما ما أورده من كون العلماء اختلفوا في ربا الفضل، فالجواب أن الاختلاف ليس في أصل تحريم ربا الفضل، بل في نطاق هذا التحريم، فمن العلماء من يدخل فيه أنواعا لا يدخلها غيره فيها؛ بسبب اختلافهم في مناط الحكم وعلته، يدلنا على هذا أن الأصناف الربوية التي نص الرسول - صلى الله عليه وسلم - على حرمتها ليست محل اختلاف بين الفقهاء الأعلام [35].
الاستشكال الثاني: التفريق بين الفائدة والربا.
استخدم طواغيت الفكر في أوربا في مواجهة رجال الدين النصراني الذين كانوا يحرمون الربا لفظ "الفائدة" بدل لفظ "الربا"، وقالوا: المحرم الربا لا الفائدة.
والفائدة عند الاقتصاديين الوضعيين غير الربا، وهما سواء في الحكم الإسلامي.
أما الفائدة عند الاقتصاديين: فهي الزيادة في رأس مال المقرض في مقابل الزمن، وتعني أن يتقاضى المقرض مبلغا زائدا على رأس المال، بغض النظر عن القيمة الإنتاجية لرأس المال، أو القيمة المضافة إلى الثروة، نتيجة استخدام رأس المال في الإنتاج، واختلف الاقتصاديون في تبرير أو تسويغ الفائدة على نظريات، مثل:
· نظرية المخاطرة: الفائدة لتعويض مخاطر عدم سداد القرض للمقرض.
· ونظرية التثمير: كون الفائدة ثمرة تشغيل رأس المال، والريع المالي شبيه بالريع العقاري.
· نظرية الاستعمال: الفائدة هي ثمن استعمال المال.
· نظرية إنتاجية رأس المال: كون الفائدة مقابل إنتاج رأس المال.
· نظرية الزمن: كون الفائدة أجر الزمن.
· نظرية التفضيل الزمني: الفائدة هي: الفرق بين القيمة الحالية والقيمة المؤجلة؛ لأن للمال قيمة آجلة أقل من قيمته الحاضرة.
· نظرية تفضيل السيولة: كون الفائدة هي: تعويض عن النقود أو السيولة.
· نظرية العمل: كون الفائدة أجرا لادخار المال، حيث إن للمال أجرا كما أن للعمل أجرا.
· نظرية العمل المتراكم: المال مجرد متراكم فله مردود.
· نظرية الندرة: لأن رأس المال عنصر نادر بخلاف الموارد الحرة.
· نظرية التأمين: كون الفائدة مقابل قسط تأمين، كأن المقترض يقول للمقرض: أؤمنك من الخسارة مقابل معدل أقل.
وكل هذه النظريات منتقدة من وجهة النظر الإسلامية، وهي تصلح لمواجهة المذاهب الاشتراكية التي حرمت على رأس المال الفائدة والربح، ولا تصلح لمواجهة الإسلام الذي حرم فائدة القرض، وأجازها في البيع الآجل عند البيع لا عند الاستحقاق، وأجاز لرأس المال المشاركة بحصة من الربح، على أن حسابها في البيع بضمها إلى الثمن في الجملة، بحيث يصير قدرا مقطوعا لا يزيد مع الزمن، وهذه الزيادة لا تتغير بمرور الزمن، فهي في الحقيقة ليست من قبيل الفائدة.
وأما الربا عند الاقتصاديين: فهو في حال التضخم[36] يرتبط بالمعدلات العالية للتضخم التي تتجاوز 3% سنويا، وأما في حال الانكماش أو الكساد فيكون الإقراض مقابل الفائدة بمثابة الربا الفعلي، وأصبح الربا في المفهوم الغربي مميزا عن الفائدة، فالربا يتمثل بالفوائد الباهظة على القروض الاستهلاكية، أما الفائدة: فهي نتاج تلاقي العرض والطلب الإجمالي على رأس المال عند نقطة زمنية معينة، أي أن الفائدة بمثابة ريع الأرض، وإن كان الريع أشمل من الفائدة من وجهة نظر الاقتصاد الوضعي.
ويمكن تلخيص أوجه الاختلاف بين الربا والفائدة فيما يأتي:
1. المرابي يحدد المبلغ الذي سيحصل عليه، بينما الفائدة تحددها الدولة - المصرف المركزي مع الأجهزة الحكومية.
2. الربا يكون أضعافا مضاعفة، بينما الفائدة نسبة مئوية لا تتجاوز (10%) من قيمة القرض.
3. يسدد دين الربا دفعة واحدة عند حلول الأجل، بينما يسدد دين الفائدة، أو دين المصرف على أقساط شهرية، أو سنوية حسب طبيعة كل قرض.
4. لا يحدد المرابي شكل إنفاق القرض، بينما يحدد المصرف مجال الإنفاق؛ كالزراعة، أو الصناعة، أو التجارة.
وبهذه الفروق يرى رجال الاقتصاد الوضعي أن الفائدة تختلف عن الربا في الجوهر والشروط والزمان والمكان وجهة الاستثمار، وتكون الفائدة أداة مهمة بيد الدولة بحسب حاجة الاقتصاد الوطني، وليست بحسب رغبات الأفراد.
أما في المفهوم الإسلامي: فلا فرق بين الفائدة والربا، وكلاهما حرام وممنوع شرعا، سواء كان ذلك في عقد البيع - ربا الفضل وربا النسيئة - أم في عقد القرض، وقد تكون فوائد البنوك المركبة أسوأ من ربا الجاهلية الذي حرمه الشرع في القرآن والسنة تحريما قاطعا لأسباب أربعة؛ وهي:
1. كان أهل الجاهلية يقرضون نقودا فعلية، وهي الدنانير الذهبية والدراهم الفضية، أما البنوك فهي إما أن تأخذ فوائد على ما لديها من ودائع، وإما على نقود وهمية.
2. الفائدة في الجاهلية تتحدد بالتراضي، أما المقترض من البنوك فتفرض عليه الشروط فرضا، ولا يملك تغييرها.
3. كان أهل الجاهلية يحسبون الفوائد في نهاية المدة، أو على أقساط شهرية، أما البنوك فإنها تحسب الفائدة وتخصمها من البداية قبل أن يأخذ المقترض القرض، وينتفع به.
4. كانت القروض في الجاهلية تستخدم في الاستثمار الفعلي والتصدير والاستيراد، أما البنوك الربوية فهي مجرد وسيط بين المقرض والمقترض، ولا تستثمر ولا تشارك في تنمية فعلية، بل إن قوانين البنوك الربوية لا تسمح لها بالاستثمار، خلافا لما يتوهم بعض الناس أو المفتين جهلا وبعدا عن الحقائق، وتنظر هذه البنوك في الإقراض للضمانات فقط، ولا يعنيها النفع أو الضرر.
غير أن الربا في الإسلام محصور في بيع النقود والمطعومات أو الأشياء القابلة للادخار، وهو الرأي المتوسط فقها، وهي الذهب والفضة والقمح والشعير والتمر والملح وما في معناها، أي: كل ما يؤخذ أو يباع اقتياتا أو تفكها أو تداويا في رأي فقهاء الشافعية، وليست الفاكهة عند المالكية من الأموال الربوية، وكذلك يجري الربا في القروض، وكل قرض جر نفعا فهو ربا بالإجماع.
وقد نص قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم (10 / 10 - 2) على ما يأتي: "كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حل أجله، وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد، هاتان الصورتان ربا محرم شرعا" [37].
الاستشكال الثالث: القروض الاستهلاكية هي المقصودة وحدها بربا القروض.
يدعي بعض الذين يقولون بوجود غموض في أدلة حرمة ربا الفضل أن الله - عز وجل - إنما حرمه في القرض الذي يحتاجه المقترض ليستهلكه في حاجاته المعيشية الأصلية لنفسه أو لأهله وأولاده، وأما ما يقترضه التجار وأصحاب رؤوس الأموال لتجاراتهم وأعمالهم الإنتاجية، فإن الله لم يحرمها، والآيات والأحاديث الدالة على حرمة ربا الدين بمعزل عنها.
والشبهة التي يتمسكون بها هي أن القرض لما كان عقد إرفاق وتيسير على الناس في أصل مشروعيته، وندب الشارع الناس إليه، ناسب أن يكون بعيدا عن اشتراط الربا؛ إذ من شأنه أن يفسد هذه الحكمة، ويعود إليها بالنقض.
وإنما يكون القرض إرفاقا بالمقترض إذا كان اقتراضه يعود بالتيسير عليه بعد عسر؛ أي بحيث يستفيد المقترض من المال الذي اقترضه لحاجة من حاجاته الاستهلاكية التي يعود بها على نفسه، أو على أهله وأولاده.
فأما التاجر الموسر الذي يقترض؛ ليوسع من تجارته، وليزيد من أرباحه، فإن إقراض الناس له أبعد ما يكون عن معنى الإرفاق؛ إذ إن هذا الإقراض له لا ينجيه من عسر ولا يخلصه من كرب، كيف؟ وهو غير معسر ولا مكروب! وإذا اختفى الإرفاق الذي هو المانع من الربا، فقد جاز للممنوع أن يعود، وذلك طبقا للقاعدة الفقهية القائلة: إذا ذهب المانع عاد الممنوع.
وربما استدل بعض هؤلاء بدليل آخر؛ ألا وهو المصلحة الداعية في هذا العصر إلى تنشيط الأعمال التجارية والصناعية التي لا يمكن لها أن تنشط إلا بالتعامل مع المصارف الربوية، وإذا تحققت المصلحة جاز لها أن تخصص النص الدال على حرمة الربا عموما.
ويوضح د. البوطي هذا الاستشكال المصطنع في نقاط وهي:
1. من أين ثبت لهؤلاء الناس أن علة تحريم الربا هي تعارضها مع مقتضى الإرفاق؟ لو كان الأمر كذلك لكان امتناع المقرض عن الاستجابة للمقترض في إقراضه أشد حرمة من الربا؛ لأن ذلك أشد تناقضا مع الإرفاق، فهل من قائل أن امتناع الإنسان عن أن يقرض صاحبه مالا تورط في محرم؟
إن تحريم الشارع للربا ليس إلا تطبيقا لقاعدة اقتصادية معروفة، هي أن المال لا يولد من المال، وإنما يولد المال من المنفعة يطرحها على الإنسان في المجتمع، ولما كان التعامل بالربا استيلادا للمال من المال؛ أي على النقيض من هذا القانون الاقتصادي، فقد اقتضت المصلحة التي هي محور أحكام الشريعة تحريمه وسد كل ذريعة إليه.
أما الإرفاق فوصية أخلاقية، يدعى الناس إلى أن يتعاملوا على أساسها من وراء هذا القانون الراسخ الذي لا مناص من اتباعه، وجد الإرفاق أم لم يوجد.
2. ألم يكن الفقهاء من السلف، بدءا من عصر الصحابة، أهلا لأن يعلموا هذا الذي يقتضيه الإرفاق في القروض الاستهلاكية، ثم لا يقتضيه في القروض الإنتاجية؛ لينتبهوا هم الآخرون إلى أن الربا محرم في القروض الاستهلاكية وحدها؟
فهل سمع أحد ممن يحمل لواء هذه الشبهة أو من غيرهم أن في الفقهاء السابقين، أيا كانوا، وفي أي عصر وجدوا، من فرق بين القروض الإنتاجية والاستهلاكية فحرم الربا في الثانية وأباحها في الأولى؟
ربما جاء من يقول: إن القروض الربوية في العصر الجاهلي وصدر الإسلام كانت كلها قروضا استهلاكية، ولذلك حرم الشارع الربا فيها.
ولكني أقول: إنها لجهالة بالغة، أو لقحة بالغة ممن يدعي هذا الكلام أن يقول ذلك! كانت القروض العربية تبلغ عشرات الآلاف، وربما تجاوز القرض الواحد مائة ألف درهم، وكان المقرضون يتخذون من مراباتهم بهذه القروض تجارة رابحة كبرى.
أفكانت هذه القروض الضخمة كلها معونة استهلاكية ضرورية لمعسرين؟! ومتى كان الرجل البدوي الذي لا تكلفه معيشته - مهما ارتفعت - أكثر من بضعة دراهم، يحتاج في معيشته الاستهلاكية هذه إلى عشرات الآلاف من الدراهم، ومتى كان العربي البدوي في ذلك العصر يعيش هذه الحياة المترفة الباذخة؟
كانت الأعمال التجارية ناشطة في الجاهلية وصدر الإسلام، وكانت القوافل التجارية غادية رائحة ما بين الشمال والجنوب، ولعل رأس المال التجاري كان الأساس الاقتصادي الوحيد أو الأول آنذاك. وما أكثر ما كانت هذه القوافل تقترض وتقرض! بل محال أن تقوم تجارة مستمرة ناشطة دون اعتماد على قروض. وهل كان أصحاب رؤوس الأموال من بني عبد المطلب وأغنياء ثقيف وبني عمرو بن عوف، وغيرهم إلا ممولين لهذه القروض؟
فكيف يصح بعد هذا لمثقف أن يأتي فيزعم أن القروض الربوية المعروفة في صدر الإسلام كانت كلها قروضا استهلاكية؟ ومن هذا القارئ الساذج الذي يصدق هذا الكلام ليتصور أن الرجل العربي في العصر الجاهلي كان يسكن في قصر باذخ منيف، وكانت قيعان قصره هذا مملوءة بأدوات اللهو والترف التي تعج بها حضارة القرن العشرين، مما يضطره أن يقترض بين الحين والآخر عشرات الآلاف من الدراهم ليسد بها عوزه وفاقته؟!
3. من المبادئ الفقهية المفروغ منها هذا المبدأ الذي نلخصه فيما يلي:
المصلحة التي تتراءى للباحث الفقهي لا تعدو واحدة من ثلاثة أقسام:
· مصلحة نص الشارع على مشروعية الأخذ بها، فهذه داخلة ضمن سلطان النصوص؛ كمصالح البيوع والرهن[38] والشركات.
· مصلحة نص الشارع على حكم جار على وفقها، فهذه داخلة في الأحكام القياسية الموصولة بالنصوص عن طريق العلة القياسية؛ كمصلحة قتل سائر الحيوانات الضارة في الحرم، قياسا على الفواسق الخمسة التي أفتى رسول الله بقتلها في الحل والحرم.
· مصلحة داخلة في عموم المقاصد الخمسة[39] التي ثبت أنها محور أحكام الشريعة الإسلامية، ولكن لم يرد نص عليها بخصوصها، ولم يأت أي حكم من الشارع على وفقها، فهذه تسمى - مصلحة مرسلة -، ومعنى مرسلة: أي أنها طليقة عن أي نص يؤيدها أو يعارضها، كل ما في الأمر أنها مندرجة في عموم المقاصد الخمسة.
فهذه الأقسام الثلاثة من المصالح مرعية ومعتبرة من الشارع، أولها تستوعبه النصوص وهو أقواها، ثانيها يندرج في القياس، وهو يأتي في الرتبة الثانية، ثالثها، يندرج في المصالح المرسلة، وهو يأتي في الدرجة الثالثة والأخيرة.
فأما ما وراء ذلك، فلا يعدو أن يكون مصلحة موهومة باطلة، وهي المصلحة التي جاء نص من الكتاب أو السنة بنقيضها، وتسمى: مصلحة ملغاة.
مثال ذلك: تصور وجود مصلحة في خروج المرأة سافرة غير ملتزمة بالحجاب الذي أمرها الله به، أو تصور وجود مصلحة في ترويج الميسر أو تيسير أسباب الفواحش، أو تصور أي مصلحة في الأعمال الربوية المنصوص على تحريمها.
فهذه أمثلة لمصالح وهمية، ومن ثم فهي ملغاة في ميزان الشريعة الإسلامية؛ وذلك لمعارضة النصوص الشرعية لها، فكيف يمكن القول باعتبارها وهي ملغية، ثم كيف يمكن القول مع ذلك بنهوضها إلى تخصيص النصوص، أي إلى الهيمنة عليها والتحكم بها؟
أما من يرى أن المصالح المرسلة تقوى على تخصيص النصوص التي تعارضها، سواء كانت نصوصا من القرآن أو السنة، فهذا كلام لا يعقل؛ إذ كيف تسمى مصالح مرسلة، إذا كانت معارضة بنصوص في القرآن أو السنة؟ وما الفرق المتبقي عندئذ بين المرسلة التي لا يعارضها ولا يؤيدها أي نص، والملغاة التي سميت ملغاة؛ لأن نصا ما قد عارضها؟!
الواقع أنه لا يوجد في فقه أي إمام ما يسمى بتخصيص المصلحة المرسلة للقرآن والسنة، بل لا يمكن أن يتصور كيف تأتي المصلحة المرسلة مخالفة للكتاب أو السنة وهي مرسلة؟! إن من الوضوح بمكان أن هذه المخالفة يكون عندئذ إخلالا بإرسالها.
وبقطع النظر عن هذا كله فإننا نقول: أين هي المصلحة التي تدعو إلى التعامل بالربا في القروض الإنتاجية؟
إن الله - عز وجل - لم يلغ مفسدة ظهرت للناس في صورة مصلحة، إلا أقام في مكانها مصلحة حقيقية خالية عن الشوائب، وعندما ألغى الله - عز وجل - الربا من القروض أقام في مكانه عقد القراض أو ما يسمونه بـ "المضاربة"[40]، إن للمقرض بموجب هذا العقد أن يشترط على المقترض الذي يتاجر بالقرض الذي أخذ منه، أن يعطيه نسبة يتم الاتفاق عليها من الربح الذي يحققه المال الذي أقرضه إياه.
فهذه هي المصلحة الحقيقية، لا تلك، وبوسعك أن تعلم ذلك من خلال القواعد الاقتصادية والموازين الأخلاقية دونما حاجة إلى أي شرح أو تطويل.
الاستشكال الرابع: الفائدة الربوية بديل شرعي عن تضخم النقد.
يرى الذين يسوغون ربا القروض أن من مؤيدات مشروعيته ما يتعرض له النقد من هبوط قيمته في أسواق التداول، فألف ليرة سورية تهبط قيمتها خلال عام مثلا إلى تسعمائة أو أقل، فإذا أخذ المقرض بعد عام من إقراضه هذا المبلغ مائة ليرة إضافية، فهي في الحقيقة ليست إلا تعويضا عن خسارة النقد، وإن بدت في الظاهر فائدة زائدة.
والجواب عن هذا الاستشكال - كما يراه د. البوطي - يأتي من عدة جوانب:
الأول: أن القرض من حيث هو تعاون أخلاقي في ميزان الشريعة الإسلامية، ولا يكون التعاون كذلك إلا إذا قام على نوع من الإيثار؛ ولذلك كانت مثوبة الإقراض أجزل من مثوبة الصدقة؛ كما ورد ذلك في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تلك هي نظرة الشريعة الإسلامية إلى الإقراض، وهي مختلفة بحكم البداهة عن نظرة المجتمعات الغربية وغيرها، فاتخاذ النظرة الغربية المادية أساسا تقاس به أحكام الشريعة الإسلامية خطأ كبير في فهم الأسس والمنطلقات.
الثاني: أن الخسارة التي يتعرض لها المقرض بإقراضه ليست محصورة في هبوط قيمة النقد وحده، بل ثمة خسارة أخرى هي أكثر احتمالا ما دام الأمر يوزن بهذا الميزان المادي الأناني وحده؛ وهي أن المقرض عندما حجز نفسه عن المال الذي أقرضه لغيره طوال المدة التي أقرضه خلالها، فإنه خسر الأرباح التي كانت بوسعه أن يجنيها من ذلك المال لو أبقاه في حوزته، وأدخله ضمن مشاريعه وأعماله التجارية، وتلك هي بالضبط حجة المرابين، بدءا من اليهود الذين هم أول من روجوا الربا في أسواق العالم إلى الذين جاءوا فتبعوهم في ذلك من بعد.
فإذا جاز - في ميزان الشرع - أخذ الفائدة الربوية بدلا من هبوط قيمة النقد، فلماذا لا يجوز أخذ هذه الفائدة ذاتها في ميزان الشرع - أيضا -، بدلا من فوات فرصة الاستفادة من المبلغ الذي تم إقراضه خلال مدة الإقراض؟
الثالث: إننا لو سلمنا بأن المقرض يتضرر من جراء إقراضه المال لمدة هبطت قيمته خلالها، وبأنه ضرر مسلم به شرعا، وبأن المسألة تخضع للقاعدة القائلة: لا ضرر ولا ضرار، والقاعدة القائلة: الضرورات تبيح المحظورات، والقائلة: الضرر يزال - لو سلمنا بذلك كله، فإن علاج ذلك لا يتم عن طريق الربا؛ ذلك لأن القاعدة الفقهية تقول أيضا: الضرر لا يزال بمثله، وإذا كان رجوع المال إلى صاحبه المقرض صادف هبوطا في قيمته عن يوم الإقراض، فعاد من جراء ذلك ضرر على المقرض، فإن معالجة هذا الضرر بفرض فائدة ربوية فيه على المقترض، يعود بضرر أبلغ على المجتمع ونظامه الاقتصادي، وسيرتد هذا الضرر أخيرا على الأفراد، ومنهم الشخص المقرض ذاته؛ ذلك لأن هبوط قيمة النقد لا يعالج باستحصال كمية نقدية زائدة، وإنما يعالج بإعادة المواءمة بينه وبين المنفعة التي تطرح في المجتمع.
إننا لو طرحنا في السوق مزيدا من العملة الورقية، كلما ازدادت قيمته هبوطا، لخلقنا بأيدينا تضخما نقديا يعود بأبلغ الضرر على المجتمع كله، ونتيجة ذلك، إن عاجلا أو آجلا، أن يعود ذلك بالخسارة والضرر على الأفراد كلهم، وفي مقدمتهم هذا الذي عالج التضخم بتضخم أشد منه وأخطر.
الاستشكال الخامس: تحصيل الربا من المصارف الأجنبية.
وهذه شبهة أخرى من الشبه العجيبة التي يصطنعها هؤلاء الناس؛ لإباحة الربا، وهي تعتمد على رأي للأحناف في باب الربا.
ويوضح د. البوطي أولا الرأي الذي قال به الحنفية في هذا الموضوع، ثم يذكر النتيجة التي توصل إليها هؤلاء الناس؛ ليتبين بعد ذلك مدى الصلة بين ذلك الرأي الفقهي وهذه النتيجة.
الربا في دار الحرب عند الحنفية:
يرى الإمام أبو حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن أنه لو دخل مسلم دار حرب، فبايع حربيا درهما بدرهمين مثلا جاز ذلك على أن تكون الزيادة للمسلم، ومثل ذلك أن يقامر المسلم الحربي، وقد أيقن المسلم أن الغلبة ستكون له.
قال في "تنوير الأبصار" ما شرحه: "ولا ربا بين حربي ومسلم مستأمن، ولو بعقد فاسد أو قمار ثمة - أي في دار الحرب ـ؛ لأن ماله ثمة مباح، فيحل برضاه مطلقا بلا غدر".
وقال في "بدائع الصنائع": "إذا دخل مسلم أو ذمي دار الحرب بأمان فعاقد حربيا عقد الربا أو غيره من العقود الفاسدة في حكم الإسلام جاز عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله.. "، ثم قال مبينا وجهة نظرهما في ذلك: "وجه قولهما أن أخذ الربا في معنى إتلاف المال، وإتلاف مال الحربي مباح؛ وهذا لأنه لا عصمة لمال الحربي ".
إذن فالمسألة تتعلق:
1. بدار الحرب لا بدار الاستئمان أو الأمان.
2. هي تتعلق بربا المبادلة والبيوع لا ربا القرض؛ كما نصوا على ذلك في أكثر من موضع.
3. المسألة مشروطة بأن تكون الزيادة آيلة للمسلم لا للحربي.
النتيجة المستخلصة عند المروجين لإباحة الربا:
النتيجة التي يستخلصها هؤلاء الناس من رأي الإمام أبي حنيفة وصاحبه، أن المسلمين يحل لهم اليوم أن يتعاملوا مع المصارف الأجنبية بالربا، فيودعوا فيها أموالهم، ثم يأخذوا الفوائد الربوية عليها!!
فانظر إلى بعد ما بين البرهان والنتيجة، هل تجد إلا ما يثير الاشمئزاز المضحك، والتلاعب المفضوح الخائب؟
الحنفية يتكلمون عن دار الحرب والحربيين، وهؤلاء يتحدثون عن البلاد التي يقوم بيننا وبينها أمان دبلوماسي كامل!
الحنفية يتكلمون عن ربا النقود المتبادلة التي لا مجال فيها لاستيداع ثروات مالية في صناديق أجنبية، وهؤلاء يتحدثون عن ربا القروض، إذ تذهب من عندنا الملايين والمليارات إلى الصناديق الأجنبية، وتعود دريهمات لا تذكر باسم الفوائد إلى جيوب عربية!
والحنفية يتكلمون عن معاملة يعود كامل الكسب فيها - أصلا وفرعا - إلى خزينة المسلمين، وهؤلاء يتكلمون عن معاملة تستجر فيها الثروات الإسلامية كلها، أو جلها؛ لتوضع تحت تصرف الدولة الأجنبية، تفعل بها ما تشاء، وتستغلها في كل ما يؤذي هذه الأمة ويدعم عدوان المعتدين عليها، ويزيدها ضعفا وخبالا.
إذن ليس ثمة أي علاقة بين مسألة ربا التبادل والبيوع في دار الحرب من وجهة نظر الحنيفة، ومسألة ربا القروض التي تتمثل في توظيف المسلمين أموالهم الطائلة في مصارف أجنبية مقابل فوائد ربوية من وجهة نظر أصحاب هذه الشبهات.
أما مناقشة مذهب الحنفية في هذه المسألة وعرض أدلة أصحابه، وأدلة جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، وترجيح المذهب المختار، فهو شيء لا يعنينا في هذا المقام، ولسنا بصدده قط.
وليكن واضحا أننا لا نعني بتفنيد هذا الاستخلاص العابث العجيب، أن الفوائد التي تسجلها المصارف الأجنبية لأصحاب الأموال المودعة فيها يجب أن تترك لتلك المصارف، فالقول بذلك استجرار لبلاء فوق بلاء، ولكن الذي نعنيه أن ترك المسلمين أموالهم الطائلة في مصارف البلاد الأجنبية جناية مركبة من معصيتين اثنتين.
أولاهما: وضع المسلمين أموالهم التي أنعم الله بها عليهم بين أيدي أعدائهم؛ ليتقووا بها عليهم، ولتعود أخيرا دعما للقوى الصهيونية وغيرها من أعدائهم وأعداء هذا الدين.
ثانيهما: توظيف هذه الأموال في فوائد ربوية محرمة.
اختلاق المبررات الوهمية الباطلة لكلتا المعصيتين:
وأحب أن أقول بهذه المناسبة كلمة عن مصير الفوائد الربوية بالنسبة لمن تورط، فوضع أمواله في مصارف ربوية:
ليكن معلوما أنه ليس في قواعد الشريعة وأحكامها ما يصلح أن يكون فتوى بشرعية استحصال هذه الفوائد وأخذها امتلاكا؛ ذلك لأن ما بني على باطل فهو باطل، وقد بنيت هذه الفوائد على باطل متفق على بطلانه، وهو ترك أصل هذه الفوائد في مصارف ربوية توظفها في مشاريع ربوية، دون ضرورة ملجئة.
إلا أن السؤال الذي يظل مطروحا هو: فما الذي يجب أن يفعله صاحب الأموال المودعة في هذا المصرف بهذه الفوائد المتجمعة؟
والجواب أننا نعلم يقينا أنه ممنوع شرعا من أن يأخذها ويتملكها، كما أنه ممنوع شرعا من أن يتركها لذلك المصرف؛ ليكون مادة جديدة للمشاريع الربوية.. فإذا تجنب هذين السبيلين، فإن عليه بعد ذلك أن يجتهد - على مسئوليته، لا استنادا إلى فتوى شرعية جاهزة - في توجيه هذه الفوائد إلى الجهة التي يراها مناسبة؛ كأن يصرفها إلى حيث ينبغي أن تصرف الأموال الضائعة.
وعليه بعد هذا أن يكثر التضرع والالتجاء إلى الله أن يغفر ذنبه، ويقبل هذا الحل الذي لم يهتد إلى سبيل أمثل منه؛ فإن سلوك هذا السبيل أحرى أن يكون شفيعا له عند الله من أن يعتمد على فتوى شرعية مبتكرة تفتح له وللناس آفاق تصرفات محظورة من الشرع، ثم يركن منها إلى طمأنينة تامة بأنه لم يخالف الشرع، ولم يأت بأي مغامرة قد تعرضه لعقاب الله عز وجل.
الاستشكال السادس: الربا المحرم هو الزيادة الطارئة مقابل الأجل الطارئ.
يرى الشيخ رشيد رضا والإمام محمد عبده - رحمهما الله - أن الربا المحرم بنص القرآن والذي أكدته السنة: هو ذاك الذي يتوالد بعد العقد الأول للقرض، كأن يعجز المدين عن الوفاء عند حلول الأجل، فيطلب من المقرض أن يمد في الأجل على أن يزيد له في الفائدة، وهكذا.
أما ما اتفقنا عليه من الربا في العقد الأول، فليس في نظره مشمولا بالنص القرآني، ومن ثم فليس محرما.
وهو يستدل على هذا بقوله عز وجل: )يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة( (آل عمران: ١٣٠).
فتقييد الربا بكونه أضعافا مضاعفة، يكشف أولا عن الجانب المحرم من عمل العرب في الجاهلية، وهو فرض المقرض على المقترض زيادة إضافية طارئة من الربا بعد حلول الأجل؛ وذلك بسبب رغبة المقترض في مزيد من الإمهال، ثم هو ينبه ثانيا إلى المفهوم المخالف المبني عن عدم حرمة الربا المتفق عليه عند أول التعاقد بين الطرفين.
ويفند د. البوطي هذه الأقاويل وذلك من خلال النقاط الآتية:
1. كيف خفيت دلالة المفهوم المخالف لقيد )أضعافا مضاعفة( على المفسرين كلهم بدءا من الصحابة فالتابعين فمن بعدهم، حتى جاء الشيخ رشد رضا فعلم ما لم يعلمه العلماء والمفسرون كلهم من قبله، من أن الربا المحرم، إنما هو تلك الزيادات الإضافية التي تفرض مقابل مزيد من الإمهال، فأما ما قد اشترطه المقرض من أول يوم فهو ليس محرما بالغا من الكثرة ما بلغ؟!
والسؤال الأهم هو: كيف يتاح لي أو لأي قارئ مثلي يقف على هذا التفسير للشيخ رشيد رضا أن يقنع عقله ووعيه بأن كل الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة والعلماء غفلوا عن معنى الآية، من حيث لم يتنبه إليه إلا هذا الشيخ الجليل؟
2. إذا كان من شأن القيد كلما وجد في الجملة أن يسوق معه دلالة على المفهوم المخالف؛ كما هو مقتضى فهم الشيخ رشيد رضا - رحمه الله - إذن فعليه أن يكتشف لنا المفهوم المخالف للقيد الوارد في قوله سبحانه وتعالى: )ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا( (النور: ٣٣)، وفي قوله سبحانه وتعالى: )ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم( (الإسراء:٣١)، وفي قوله سبحانه وتعالى: )وربائبكم اللاتي في حجوركم( (النساء: ٢٣)، فإن هذه المفاهيم قد خفيت هي الأخرى على سائر العلماء والصحابة السابقين.
ولا شك أن هذه المفاهيم المخالفة التي لا بد أن يسوقها الشيخ لنا، اقتداء بالمفهوم المخالف لـ: )أضعافا مضاعفة(، ستقضي بأن يترك الرجل فتاته تمارس البغاء إن لم ترد تحصنا، وبأن يباح قتل الرجل طفله إن لم يكن ذلك خشية إملاق، وبأن الربيبة التي هي بنت الزوجة لن تكون محرمة على الزوج إن لم تنشأ في حجره!
وليس من حق أي باحث أو مفكر أن يستعظم القول بهذه المفاهيم بعد أن استساغ الشيخ - رحمه الله - ما لا يقل عن هذه المفاهيم بشاعة، فقرر بأن للمقرض أن يفرض على المقترض من الفائدة الربوية ما يشاء، بالغا من الكثرة ما بلغ، بشرط أن يكون يقظا فيفرضها من أول يوم، ولا يجزئها مقسمة على المدد الآتية!
أما ما عرفناه نحن من أصول اللغة العربية ودلالاتها، فهو أن القيد الذي يكون في الجملة لا يجوز أن يحمل أي دلالة على مفهوم مخالف، حتى نستقرئ الاحتمالات والأدلة كلها، فنجزم بأن ليس ثمة أي فائدة أو معنى لهذا القيد إن أغضينا الطرف عما يشير إليه من المفهوم المخالف.
فأما إن بحثنا فرأينا أن القيد سيق مساق التعليل، أو لبيان الواقع، أو إبرازا لشناعة الفعل وقبحه، فلا مجال عندئذ لربط أي مفهوم مخالف بالقيد.
وقد أجمع المفسرون أن قيد الحال في قوله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة( سيق لبيان شناعة ما كان عليه العرب من عدم الاكتفاء بقدر محدد من الربا الذي يفرضونه، واستغلال حاجة المقترض إلى مزيد من الإنظار، لمضاعفة الربا عليه، وهو الأمر الذي يعبر عنه شعارهم الشائع: أتقضي أم تربي؟ ولذا فلم يخطر ببال أي من أولئك العلماء المفسرين أن يحملوا الآية أي مفهوم مخالف.
على أن الذي يقطع دابر أي لجج أو جدل في هذه المسألة، قوله سبحانه وتعالى: )يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين (278) فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون (279)( (البقرة)، فلم يبق هذا النص القرآني الجازم المبين أي مجال لتحميل القرآن هذا اللغو الباطل في العقل، والثقيل على النفس.
غير أننا نضيف إلى هذا، فنذكر بأن تحريم الربا لم يكن له - يوما ما - مقياس ناظر إلى الكمية التي تصل إليها الفائدة الربوية، ولا يقول هذا بصير بمعنى التشريع أو القانون قط، فحرمة الربا منوطة بحكمة تشريعية تعود إلى جوهر الربا من حيث ذاته، بقطع النظر عن الكمية، وما قد تتصف به من زيادة أو نقص.
إن الشارع الذي خلق لعباده المنافع، ثم قوم المنافع بما يضبطها في نطاق التبادل والتداول، وجعل من النقدين - أو ما يقوم مقامهما - ضابطا لذلك علم عباده من خلال تحذيرهم من الربا وتحريمه والتشديد في ذلك أن المال لا يلد المال، وإنما المنفعة المتقومة وحدها هي التي تلد المال، فمن حاول أن يستولد المال من مال مثله بعيدا عن المنفعة التي يجب أن تقابله، فقد جر المجتمع بذلك إلى مهلكه.
إذن فالأمر يتعلق بمبدأ علمي وحقيقة ذاتية، دون أي نظر إلى الكم، مهما تفاوت صعودا أو هبوطا [41].
الاستشكال السابع: الربا ضرروة لا مناص منها.
يرد الشيخ أبو زهرة على ذلك قائلا: لا مساغ لأحد يؤمن بالله ورسوله، ويجعل لحكمهما المقام الأعلى أن يقول إن شيئا من فائدة المصارف حلال، ولقد وجدنا بعض العلماء يفتح لهم نافذة أخرى، وهي نافذة الضرورة، فقد زعموا أن الاقتصاد في البلاد الإسلامية يقوم على المصارف. والمصارف تقوم على الربا، وفوق ذلك، فإن هذه الفائدة فيها مصلحة اقتصادية؛ إذ تنمي الادخار وتجعل المجتمع ينتفع بكل الأموال بدل أن تكون الأموال في الخزائن لا تنتج كالماء الآسن الذي لا ينتفع به أحد.
وفي الحق إن نظرية الضرورة قد لاقت رواجا، وخصوصا أنها جاءت علي لسان رجل تقي غير متحلل من الأوامر الدينية، ولا ممن يخضعون المقررات في الإسلام لأعراف الناس.
ومع إجلالنا لصاحب هذا القول نقرر أن الضرورة لا يتصور أن تتقرر في نظام ربوي، بل تكون في أعمال الآحاد؛ إذ إن معناها أن النظام كان يحتاج الربا كحاجة الجائع الذي يكون في مخمصة إلى أكل الميتة، أو لحم الخنزير، أو شرب الخمر، وأن مثل هذه الضرورة لا تتصور في نظام كهذا النظام، ولقد قيد العلماء الضرورة التي تبيح الحرام فيما إذا لم يأكل الحرام هلكت نفسه.
فهل الحاجة إلى التعامل بالربا من هذا الصنف حتى نستحل ما حرم الله تعالى، هل يكون الدائن فيه كمن لا يجد الأكل في الصباح، ولا في المساء؟ قد يكون المقترض في حال قريبة من هذا، ولكن المقرض لا يمكن أن يكون في مثل هذه الحال، قد يحتاج إنسان إلى الاقتراض؛ لأجل قوته الضروري، ولكن لا يمكن أن يكون المقرض في مثل هذه الحال.
إن من المقررات أن الضرورات تبيح المحظورات، ولقد قال الفقهاء إن الإسلام منع الحرج في الدين؛ ولذلك قسموا المحرمات قسمين: محرم لذاته لا يباح إلا للضرورة، ومحرم لغيره كرؤية جسم المرأة؛ فإنه يحرم لأنه ذريعة إلى الزنى. والمحرم لغيره يباح للحاجة كعلاج أو نحوه، والحاجة ما يمكن أن يعيش الإنسان من غيره، ولكن يكون في حرج وضيق.
أما الضرورة فهي ما يترتب علي تركه تلف النفس أو عضو من أعضاء الجسم، ومن أي نوع حاجة الاقتصاد الإسلامي إلى الربا؟ مع العلم بأن ربا النسيئة هو الربا الجلي وهو محرم لذاته، لا لغيره، فهو لا يباح إنما يباح فقط للضرورة.
أحاجة الاقتصاد الإسلامي إلى الربا من الضرورة التي تتلف النفس إن لم يؤخذ به، أم من قبيل الحاجة؟
قد عرفنا معنى الضرورة من الحديث النبوي الشريف الذي أوردناه، فهل الحاجة إلى الربا من هذا الصنف، وهل غلقت كل أبواب الإنتاج الحلال، أو سلكناها كلها ولا نجد مع ذلك ما يسد رمقنا إلا الربا، وهل حيل بيننا وبين الحلال، فلا نجد إلا الربا سبيلا لسد الجوع؟ اللهم: لا.
إن الفقهاء قد قرروا أنه لا يؤخذ من المحرمات التي تباح للضرورة إلا ما يسد الرمق، وقد توسع مالك فأجاز الشبع والتزود عند الضرورة، ومع ذلك فإن ذلك الإمام الجليل يقرر أنه لو طبق الحرام الأرض، أو ناحية منها بعسر الانتقال، وانسدت طرق المكاسب الطيبة، ومست الحاجة الزيادة عن سد الرمق، يسوغ لآحاد الناس - إذا لم يستطيعوا تغيير الحال وتعذر الانتقال إلى أرض تقام فيها الشريعة ويسهل الكسب الحلال - أن ينالوا كارهين بعض هذه المكاسب الخبيثة.
فهل نحن الآن قد انسدت أمامنا كل طرق الكسب الحلال، ولا يمكننا التغيير حتى نستبيح الربا باسم الضرورة؟ اللهم: لا.
إن الحلال بين والحرام بين، وإننا قبل أن نستحل الربا علينا أن نعمل على تغيير هذه الأوضاع الاقتصادية التي قامت عليه، وأن نفتح باب الكسب الحلال على مصراعيه، والله الهادي إلى سواء السبيل.
لقد تحدثنا في الضرورات التي تبيح المحظورات، ولم نتصور أن ثمة ضرورة اقتصادية، أو اجتماعية تجعل المسلمين في حال اضطرار إلى التعامل بالربا، وجعله نظاما قائما ولو كان على سبيل التوقيت، وقلنا إن أساس الضرورة ألا تكون منجاة إلا بارتكاب المحرم، وقد تأيد نظرنا بالبحث القيم الذي نشرته مجلة "المسلمون" للأستاذ محمود أبو السعود مستشار بنك الدولة بباكستان، ففيه رسم منهاج قويم لتنظيم اقتصاد الأمة الإسلامية الذي يحل محل النظام الاقتصادي الربوي، وأحسب أنه لو اتبع لكان أطيب ثمرة، وأبرك رزقا، وأكثر خيرا، وفيه رضا الله، والبعد عن مآثم الربا، فإن الربا من السحت؛ كما وردت بذلك الآثار، وكما هو الحق الذي تدركه العقول.
لقد وجهت الأسئلة الآتية في إحدى الندوات العلمية المباركة:
الأول: إذا ألغى الربا فما مآل العقود والالتزمات التي بنيت عليه، فهل تذهب ديون البنك العقاري على الأراضي سددا بددا. ويتحلل كل عاقد مما أوجبه عليه العقد. والعقد شريعة المتعاقدين؟
والثاني: إذا اضطرت الدولة إلى شراء أسلحة، هي مضطرة إليها؛ لأن عدوا يساورها ويهجم عليها، وهي لا محالة مأكولة إذا لم تشتر أسلحة، وليس في خزانتها نقد تؤديه، ولا بضائع تزجيها، ولا سبيل إلا بالشراء نسيئة على فائدة تدفع، فهلا تكون هذه حالة ضرورة توجب قبول ذلك العقد الربوي؟
والثالث: إذا كان شخص في حال اضطرار إلى القرض، ولم يجد إلا من يقرضه بربا؛ كأن يحتاج إلى جراحة تجرى في جسمه؛ ليقطع جزءا تالفا منه، ولا مال معه، والطبيب لا يعمل إلا بأجرة، والموت يترصده وهو واقع لا محالة إن لم تجر الجراحة، فهلا يكون في حال اضطرار تسوغ له أن يقترض بالربا؟
هذه هي الأسئلة، وقبل أن نخوض في الأجوبة عنها، أو تسجيل ما كان جوابا لها نقرر أن الآراء قد اتفقت على أنه لا توجد ضرورة اقتصادية تسوغ أن يكون الربا نظاما للتعامل الإسلامي، ولو على سبيل التأقيت، وأن إقرار النظم الربوية القائمة بدعوى أن الضرورة تلجئ إليها ليست من الشرع في شيء، وإنما هو تحلل العزائم وتقاعد الهمم، وضعف الوجدان الديني.
وبعد تقرير هذه الحقيقة التي تم الاتفاق عليها نبتدئ في الإجابة عن الأسئلة الثلاثة، ونتبدئ بالثالث حتى نعود إلى الأول.
إن هذا السؤال يومئ إلى أن الشخص يكون في اضطرار لأن يقترض بالربا، وتلك حال لا تحتاج إلى بحث ولا تنقيب، وهي من البدهيات المقررة؛ فإنه إن لم يقترض بالربا فسيتلف جسمه لا محالة، فهي ضرورة فردية لا شك في ذلك، وهي تسوغ له أن يقترض بالربا، وهذا لا يسمى تعاملا بالربا في حال الاختيار، وهي مرتبة عفو بالنسبة للمقترض، أما المقرض فإنه يبوء بإثمه وإثم المقترض معا، والكسب لا يحل له بحال من الأحوال، فهو كسب خبيث لا شك في ذلك، وإذا كان قد أكله فقد اقتطع لنفسه قطعة من النار.
وأما السؤال الثاني: وهو اضطرار الأمة إلى شراء أدوات حرب بالربا، وإلا أبيدت خضراؤها واجتثت من أرضها، أو ضربت عليها الذلة، فإنا نجيب عنه، ولا نقول إنه سؤال فرضي يشبه أسئلة الفقهاء الذين يفرضون بعض المستحيلات؛ ليحلوا مشاكل يحسبونها متوقعة، وهي لا يمكن أن تكون واقعة، ولا أنه يشبه أسئلة بعض الفقهاء الذين وصفهم "الشعبي" بأنهم الأرأيتيون الذين يتبعون كل مسألة بقوله: أرأيت لو كان كذا وكذا: يفرضون ويقدرون ما ليس واقعا.
وتكون في هذه الحال غير آكلة للربا، ولكنها تؤكله، ولكن هل تخلو الأمة في مجموعها من إثم الربا في هذه الحال؟، لا لأنها إنما أهملت أمرها، فلم تعد المصانع، ولم تأخذ بقوله عز وجل: )وأعدوا لهم ما استطعتم( (الأنفال: ٦٠)، وفرطت حتى صار أمرها فرطا، فلم تنم مواردها، ولم تنم موارد الآحاد ولا موارد المجموع، ولم تستخرج ما في الأرض من ينابيع الخير، ثم مع ذلك فقد التعاون فيها حتى صارت مطمع الفاتحين. إن هذه كلها آثام تضافرت حتى تأدت بها إلى هذه الحال.
على أنا على أي حال لا نعتبر ذلك من قبيل تنظيم التعامل بالربا أوجدته الضرورة، إنما هي حال تشبه حال المكره الملجأ، وإنا بعد هذا نقول: إن هذه صورة تفرض ولا تقع.
على أنه يجب أن نقرر هنا أن أكل الربا حرام لذاته لا يحل إلا لضرورة تكون على الحد الذي بيناه نقلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما الاقتراض بالربا فهو حرام لغيره، فهو حرام سدا لذريعة الربا، وما يحرم سدا للذريعة يباح للحاجة لا للضرورة، ويبوء بالآثمين من لا يقرض إلا بالربا ومؤكله وشاهده وكاتبه، ولكن اللعنة متفاوتة، فهي على الأول بالأصالة، وعلى الآخرين بالتبع.
ننتهي من هذه إلى أنه لا ضرورة تبيح الاقتراض بالربا مطلقا، بل لا ضرورة تبيح الاقتراض إلا في أحوال فردية، وليست جماعية حتى لا يكون ثمة ضرورة لنظام اقتصادي قائم على الربا.
وأما السؤال الأول: وهو خاص بالعقود الربوية التي أبرمت تحت ظل النظام الربوي، أتبقى نافذة الأثر؛ لأن القانون الجديد المحرم لا يطبق عليها، إذ المقرر أن القانون لا يطبق على الماضي، فإنا نتلو في الجواب عنه قول الله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين (278) فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون (279)( (البقرة).
هذا هو حكم الله الصريح فيما بقي من الربا، فالعقود الربوية التي عقدت لا ينفذ منها إلا رأس المال، كما هو نص القرآن الكريم، وهو قضاء الله ورسوله: )وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم( (الأحزاب: ٣٦).
هذا جواب صريح نقرره معتمدين على الله، ولا عبرة بما يقال من أن ذلك تطبيق للقانون على الماضي، فمحمد - صلى الله عليه وسلم - قد طبق قاعدة تحريم الربا على الماضي، فنادى في حجة الوداع: «وإن ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب»[42] فقد أزال كل عقود ربا الجاهلية، ولم يوجب على المدين إلا رأس المال.
وقد يقول قائل: إن في ذلك هدما لعقود أبرمت بالتراضي، فنقول: إنها عقود أبرمت في إثم، وفي مفسدة للجماعة، ولا ضرر ولا استحالة في إنهاء الربا فيها.
إن الأمر لا يحتاج إلا إلى إيمان قوى، وإخلاص ديني، وعزمة صادقة، ونية مخلصة لله ولرسوله [43].
الاستشكال الثامن: الربا فيه مصلحة للفرد.
ويفند الشيخ أبو زهرة دعوى أن المصلحة في الربا، فقد رددها الأكثرون، وقالوا إن نظام الفائدة نظام اقتصادي، يجعل الأموال كلها مدخرة، وقبل أن نخوض في الإجابة عن هذه الشبهة التي يثيرها أكلة الربا، ويتداعون عليه باسمها، ويحاول أن يطوع الشرع الإسلامي لتفكيرهم بعض الذين يتصدون للفتيا، فقد بين الشيخ أن تحريم الربا في الإسلام هو لبناء اقتصادي سليم، تتحقق فيه أوجه المصلحة الفاضلة التي ليس فيها أكل لمال الناس بالباطل، وليس فيه كسب مطلق من غير تعرض لتحمل الخسارة، فليس تحريم الربا للمروءة أو الأخلاق، كما توهم بعض الكتاب، وقد أزلنا ذلك الوهم في بحثنا هذا.
وإذا كان تحريم الربا للمصلحة، أو بعبارة أدق للتخفيف من طغيان رأس المال طغيانا مطلقا؛ حتى يكون ربح المال كسبا مضمونا مستمرا، فإن الإسلام - بهذا - يراعي مصلحة المجتمع كلية.
والآن نناقش أي النظامين أصلح للاقتصاد؟ النظام الذي يبيح الفائدة أم النظام الذي يمنعها؟ يقولون: إن وجه المصلحة في نظام الفائدة؛ لأنه يجعل كل رؤوس الأموال تعمل، فبدل أن يترك المال في الخزائن يتنقل في الأيدي، ندخله في الصناعات وفي المتاجر وفي الزراعات، وفي كل أبواب الإنتاج المختلفة فينميها، وفوق عمله في الإنتاج، يحمل الأفراد على الادخار، فإذا علم كل عامل أو ذي مورد محدود أنه يستطيع أن يستغل القدر القليل الذي يدخره من غير أن يتعرض للخسارة أدخل أكبر قدر يمكنه، فتكون ثمة فائدتان:
إحداهما: فائدة المدخر الشخصية.
والثانية: الفائدة الاقتصادية العامة بزيادة الإنتاج.
ونظرية الفائدة - فوق ذلك - عادلة؛ لأنه إذا كان المقترض يستفيد، فمن حق المقرض أن يشركه في هذه الاستفادة، ولكل منهما حظ معلوم؛ ولأنه إذا كانت الأسهم في الشركات الصناعية والعقارية والزراعية والتجارية تسوغ المشاركة في الربح، فإن الاستدانة توجب المشاركة أيضا في الربح، ولا فرق بينهما إلا أن هذا ربح معلوم محدود، بينما ربح الأسهم ربح شائع غير محدود المقدار.
تلك هي المصلحة التي يقررها الربويون للفائدة! ونحن إذا قلبنا القرطاس، ودرسنا من ناحية ثانية، وهي ناحية الإسلام وسائر الأديان، نجد أن هذه المصلحة تتضاءل إزاء المصلحة في منع الفائدة؛ ذلك أن الفائدة قد تعوق المصلحة، وقد تعوق الإنتاج، ذلك أن المصلحة في الفائدة لا تتجه رأسا إلى الإنتاج عن طريق تحمل صاحبه التبعة، بل تتجه إلى الإنتاج عن طريق المنتج، فلو أن صاحب رأس المال أسهم في شركات صناعية أو زراعية أو نحوها ابتداء، لكان في ذلك تقوية للإنتاج مباشرة بالاشتراك فيه، بدل أن يقرضه بفائدة يسيرة ثم يقرضه الآخر بفائدة أكبر وهكذا.
وإن الإسلام إذ منع الربا فقد حث على الإنتاج المباشر، فأمر بالاتجار في الأموال وإعمالها في كل الوسائل المنتجة، وحرم إهدار المال أو إفساده؛ فقد روى المغيرة بن شعبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال» [44].
وقد اعتبر الإسلام النقود أموالا نامية بالقوة لتؤخذ منها الزكاة، وليحمل صاحبها على الإنتاج بها؛ لكيلا تأكلها الزكاة المنتظمة كل عام، وفي ذلك حث لصاحب رأس المال على العمل المباشر بالإسهام في المصانع والمتاجر والمزارع، تنمية للإنتاج بطرق أكثر تنظيما وأعدل وأقوم.
وإن الربا بجوار مصلحته التي تتضاءل إذا قورنت بمنفعة الاستغلال المباشر فيه ضرر؛ لأن الربح من غير تحمل للخسارة قد يؤدي إلى ألا يأتي المقترض بكسب يعادل الفائدة، فتكون الأزمات، بينما لا يتصور هذا إذا أسهم صاحب رأس المال في الكسب والخسارة، ولقد قرر الاقتصاديون في العصر الحاضر أن الفائدة لا تؤدي إلى التوظيف الكامل للأموال؛ لأنه سيوجد من يتخذون الفائدة كسبا لذاتها من غير نظر إلى ما يشتمل عليه من إنتاج، ويحبسون أموالهم لهذا الغرض.
والادخار لا تبعث عليه الفائدة، بل تبعث عليه الرغبة في أن يكون للشخص رأس مال يدخر، أو ينتج به، ولقد قرر هذه النظرية اللورد "كينز" وخلاصتها: أن الأفراد لا يدخرون بقصد الدخول، ولكن بقصد تكوين رؤوس الأموال، وفي سبيل هذه الغاية تنشط المضاربات، بغض النظر عن مقدار سعر الفائدة؛ وسبب ذلك هو أن المغنم الذي يحصل عليه الأفراد من جراء ذلك أكبر من الاستثمار المضمون الذي قد يعود عليهم إذا استغلوا مدخراتهم، وعلى هذا يكون سعر الفائدة لا يثبته إلا مجرد التعارف عليه، وسيظل الادخار مستمرا ولو نزلت الفائدة إلى الصفر.
وإن اللورد "كينز" لا يكتفى ببيان أن الفائدة ليست هي الباعث النفسي على الادخار، بل يبين أن الفائدة إذا قررت تكون سريعة التغير، بينما النظام الاقتصادي متغير مستقل، وفي هذه الحال تكون الفائدة أكبر من الإنتاج، فتكون سببا لكساده لا لتشجيعه، وهذه عبارته كما ترجمت: "إن أي مستوى للفائدة يرتضيه الناس يمكن أن يظل في مجتمع متغير يخضع لمختلف التغيرات والعوامل... ".
ثم يقرر - كما ذكرنا - أنه إذا تعامل المجتمع بالأرباح التي لا تتكافأ مع سعر الفائدة يؤدي ذلك إلى كساد الإنتاج، فيقول: "السعر المرتفع يعمل على كساد السوق أو النشاط الصناعي، وبالتالي يؤثر سلبا على الدخول التي هي مصدر الإنتاج".
وبهذا يتبين أنه لا توجد مصلحة عامة في الفائدة، وليس من شأنها أن تنمى الاقتصاد، بل إنها تضعفه، وإذا كانت هناك مصلحة فهي مصلحة المقرض في كل الأحوال، ومصلحة المقترض في بعض الأحوال.
ومن المقررات الاجتماعية الشرعية أن المصلحة الخاصة لا يلتفت إليها بجوار المصلحة العامة، وأن العبرة هي في أكبر قدر من المنفعة لأكبر عدد، كما أنه من المقررات الشرعية، أن الضرر القليل يحتمل بجوار دفع الضرر الأكبر.
وقد يقول قائل: إن بعض دور الإنتاج قد تحتاج إلى قروض لتقوية إنتاجها، فتصدر سندات محدودة الربح وهي فائدة، وأن هذه بلا شك تقوي إنتاج هذه الشركات.
ونحن نقول: لماذا لا تصدر أسهما بدل أن تصدر سندات؟ إن ذلك ليس إلا احتكارا لرأس مال الشركات لمؤسسيها، وأن الاحتكار[45] بكل أنواعه ضار لا يجوز، فمنع المشاركة مع الاحتياج إلى تنمية رأس المال ليس إلا ضربا من الأثرة التي تضر ولا تنفع.
إذا كانت الحكومات في العصر الحاضر تحارب الإقطاع بكل أنواعه، فإن العدول عن زيادة الأسهم إلى إصدار سندات، ليس إلا من قبيل الإقطاع لرأس المال في الشركة، ومنع الغير من الاشتراك تجب محاربته.
على أن التجارب أثبتت - بالوقائع المادية - أن ذلك أدى إلى تعرض هذه الشركات للإفلاس إذا كان الكساد؛ إذ هي حينئذ تعجز عن سداد أرباح السندات، وإذا حل استيفاؤها عجزت عن سدادها، كما حدث هذا في أمريكا سنة 1933م، ولم يكن من سبيل منع هذه الفوائد بطريق تضخيم النقد، كما أشرنا من قبل.
وفي الحق أن العالم الاقتصادي الحديث يتضجر من الفائدة، ويعتبرها عبئا على الاقتصاد لا يتفق مع العصر وتطوراته، ولذلك بين اللورد "بويد أور" أن الفائدة سبب أصيل من أسباب الاضطراب الاقتصادي الراهن، سواء أخذ هذا شكل أزمات دورية، أم أخذ شكل التفاوت الظالم في توزيع الدخول الأهلية، أم أخذ شكل عقبات في سبيل السير نحو التوظيف الكامل، وأن الذي يشجع نظام الفائدة هو عدم الوصول إلى حل عملي للتغلب على هذه المشكلة التي تمس الاقتصاد في الصميم.
ومهما يكن فالاتجاه الحديث هو البحث عن نظام اقتصادي خال من الفائدة، ومن الدول من اتجه إلى تأميم[46] وسائل الإنتاج، ومنها من يحاول إخضاع الإنتاج إلى رقابة الدولة من غير تأميم، ومنهم من يحاول جعل الإنتاج بطريق الائتمان التعاوني، وكل هذه الصور فيها تخلص من نظام الفائدة المقيت.
وبهذا الكلام اتجه الاقتصاديون إلى الأديان التي حرمت الفائدة، ما قل منها وما كثر، وقررت أنه ليس للدائن إلا رأس المال، وأن على المستغل أن يكتفي بما يقدر عليه، وإن أراد أن يضيف إلى رأس ماله من غيره، أشركه في الكسب والخسارة لتكون تجارة أو كسبا حلالا.
ونحن لم نسق هذا الكلام لكي نثبت صدق ما جاءت به الأديان السماوية وخصوصا الإسلام؛ لأنها لا تحتاج إلى أدلة على صدقها، وهي حاكمة على الأزمان، وليست بمحكومة لأحوالهم الحاضرة بزخرفها، وظنوها خيرا لا شر فيه، إنها تجارب إنسانية منها ما يثبت صلاحه، ومنها ما لا يثبت صلاحه، ومنها ما يؤدي إلى أوخم العواقب، ومنها ما هو سليم النتائج، وإن الأديان خير كلها وصلاح كلها.
وسقنا هذا الكلام - أيضا - ليتنبه أولئك الذين يتجهون إلى تأويل النصوص الدينية إلى غير ما تدل عليه، لا في ظاهرها ولا في سياقها، إنهم يخطئون كل الخطأ في هذا الاتجاه؛ إذ يؤولون النصوص؛ لتتفق مع نظم ربوية مضطربة غير صالحة للبقاء، فإذا قرر الاقتصاد تحريم الفائدة، فماذا يصنعون؟ أيؤولونها مرة أخرى، وهكذا يجعلون النصوص هزوا ولعبا [47].
رابعا. تحريم فوائد البنوك إجماعا: [48]
أعمال البنوك الربوية قسمان: خدمات واستثمار، وأعمال الاستثمار مقصورة بحسب أنظمة البنوك وقوانين إنشائها على التعامل في القروض، وليس الاستثمار المشروع أو غير المشروع، وهذه هي الوظيفة الرئيسة للبنوك، وتبلغ نسبة القروض 81. 78% ونسبة الاستثمار 9. 37% من جملة الاستخدامات، ومعظم الاستثمار في الحرام؛ لأن السندات قروض ربوية، والأسهم في الشركات تتعامل باستمرار بالربا أخذا وعطاء.
هذه البنوك مجرد وسيط بين المقرض بفائدة، فتعطي المقرض مثلا فائدة بنسبة 4%، وتأخذ من المقترض فائدة بنسبة 7%، والفرق يكون حقا لها، فعملها واضح بأنها تأخذ أو تضم فائدة على القروض، وهو من ربا النسيئة المحرم شرعا، وإذا لم يسدد المقترض الفائدة المستحقة، يلجأ البنك إلى فرض فوائد مركبة[49] مع مرور الزمن، وهو مطابق تماما لربا أهل الجاهلية الذي حرمه القرآن الكريم، بل هو أسوأ منه؛ لأنه ضم فائدة أخرى تتم آليا دون رضا المقترض قرضا ربويا، وفوائد القروض حرام شرعا، وفوائد البنوك من الربا المحرم بالكتاب والسنة والإجماع.
وأما شبهة القائلين بحل الفائدة المصرفية وفتواهم الشاذة بأن ذلك من كون الإيداع في المصارف الربوية، والذي يعتمد على أساس شركة المضاربة - تقديم المال من جانب والعمل من جانب آخر - فهو خطأ محض؛ لأن مال المضاربة مجرد أمانة بيد المضارب، والبنك في الواقع لا يستثمر، ولا يحق له الاستثمار في مشروعات زراعية أو صناعية أو تجارية أو غيرها، وإذا استثمر فنسبة الاستثمار ضئيلة جدا، فلا توجد شركة مضاربة، وإنما هذا العقد يعد قرضا محضا بفائدة، والفائدة حرام شرعا أخذا وعطاء، وهو عين ما كان العرب يفعلونه في الجاهلية من إقراض المال وضم زيادة معينة عليه؛ بسبب الأجل، ولو فرض أن العقد مضاربة فيحرم شرعا تحديد نسبة معينة ثابتة سلفا؛ حيث نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فيما يشبه شركة المضاربة، وهو عقد المزارعة[50] والمساقاة [51].
وقد نص المحدثون والفقهاء على فساد عقد المزارعة إذا شرط أحد العاقدين لنفسه التبن أو بقعة معينة ونحوه. قال رافع بن خديج قال: «حدثني عماي أنهم كانوا يكرون[52] الأرض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما ينبت على الأربعاء [53]، أو شيء يستثنيه صاحب الأرض، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك» [54].
قال الشوكاني: نهى عنه؛ وذلك لما فيه من الغرر[55] المؤدي إلى التشاجر وأكل أموال الناس بالباطل. وهذا الحديث يدل على تحريم المزارعة على ما يفضي إلى الغرر والجهالة، ويوجب المشاجرة [56]. وكذلك الحكم في المضاربة التي هي شركة أيضا إذا التزم العامل المضارب مبلغا معينا أو ربحا معينا، فسد العقد ولم يصح، وإنما الصحيح اشتراط جزء مشاع من الربح، نسبة عشرية أو سهم من الربح، إن حدث الربح، وأما الخسارة فهي كلها على رب المال وحده، ويكفي المضارب أنه خسر جهده وعمله. واتفاق الفقهاء على هذا ليس من عند أنفسهم، وإنما مستنده الشرع والنص، وكل من المزارعة والمضاربة شركة، فالحكم فيهما واحد [57].
ربا الاستهلاك وربا الإنتاج أو الاستثمار:
أول من ميز بين ربا الاستهلاك وربا الإنتاج أو الاسثمار: هم اليهود، فحرموا الأول وأباحوا الثاني، وجاء بعض المسلمين فأخذ في بعض المؤتمرات الغربية في فرنسا وغيرها بهذه التفرقة، وظن أنه مجدد، وأراد الترويج لهذه الفكرة في الإسلام، سواء كان ذلك بحسن نية واجتهاد، أو بسوء نية وإفساد، وتبنى بعض الواعظين هذه التفرقة، زاعما: "أن الربا الذي حرمه الله ورسوله: هو ما يعرف بربا الاستهلاك، وهو خاص بالإنسان الذي يستدين لحاجته الشخصية؛ ليأكل ويشرب ويلبس؛ وذلك لما في هذا الربا من استغلال حاجة المحتاج، وفقر الفقير الذي دفعته الحاجة إلى الاقتراض، فرفض من يسمى بالمرابي الجشع أن يقرضه إلا بالربا؛ بأن يرد له المئة مئة وعشرين مثلا".
وهذا محض الافتراء والخطأ، فإن النصوص الشرعية عامة تشمل كل أنواع الربا الإنتاجي والاستهلاكي، ولم يكن ربا الاستهلاك هو السائد في الجاهلية، وإنما كان الشائع هو "ربا التجارة" [58]، ولو افترضنا العكس، لما كان في ذلك حجة؛ لأن الإسلام نقض كل قواعد الربا، ولعن آكل الربا، وموكله على الإطلاق، ويكون الموجود في الجاهلية إنما هو شيء واقع لا يتقيد النص الشرعي العام بمدلوله، ولا يقتصر تحريم الربا على القروض الاستهلاكية؛ لأن الربا كما تقدم هو كل زيادة مشروطة أو متعارف عليها على رأس المال، سواء كان استهلاكيا أم إنتاجيا.
ثم إن هذه التفرقة تجافي المنطق السليم والعدل، فكيف يلعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقط مرابي الاستهلاك لمجرد إشباع نفسه وأهله، ولا يلعن مرابي الإنتاج وتحسين التجارة والصناعة والزراعة وتنميتها وتوسيع نشاطها؟ إن ذلك محض الظلم والجور الذي لا يتقبله تشريع عادل، ولا عقل منصف؛ لأنه قتل للضعيف وعمل على استمرار ضعفه، وتقوية للقوي وعمل على تمجيد قوته وبغيه وتعزيز سلطانه.
إن محاولة تمييع الأحكام الشرعية بحجة تيسيرها للناس ومسايرة مزاعم التنمية - بسذاجة وغباء - مرفوضة قولا وعملا؛ لأن مجال التيسير إنما هو فيما يسرته الشريعة وحددته، لا في تخطي الحرام القطعي، أو الصريح المنصوص عليه في القرآن والسنة، فذلك هدم للشريعة، وتجاوز للنصوص تحت ستار أو غرور القول بالتجديد، ومسايرة الشريعة لأهواء الناس وشهواتهم، ولو درس هؤلاء حقيقة الاقتصاد وخطورة الربا فيه، لبادروا إلى تغيير آرائهم، وحينئذ يقولون: لقد خدعنا وأوقعنا الغوغائيون في الخطأ.
جاء في قرار مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة في المؤتمر الإسلامي الثاني عام 1358هـ - 1965م.
الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي، وما يسمى بالقرض الإنتاجي؛ لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين.
خامسا. المقاصد الشرعية من تحريم الربا:
اعتمد الإسلام في تحريمه الربا على دعائم ثلاث:
1. الدعامة الأخلاقية:
فهو من الناحية الخلقية جشع وشره، واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان استغلالا تأباه الأخلاق الكريمة، والفطر السليمة، وقواعد السلوك المستقيم، فالمرابي يستغل في الفقير المحتاج حاجته إلى المال، فيفرض عليه ما يشاء من أرباح، والإسلام لا يرضى أن تقوم علاقات الناس في هذه الحياة على أساس من المادية التي تتنكر لقواعد الأخلاق الفاضلة وآداب السلوك، وإنما يريد أن تقوم علاقتهم على أساس من الروحانية والإنسانية.
ولعلك تعجب إذا علمت أن الإسلام ينظر إلى القرض الحسن[59] وهو الذي لا فائدة عليه كما ينظر إلى الصدقة، ففي الحديث الشريف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقتها مرة»[60] [61].
والمراد أصل المضاعفة، وإلا فالله - عز وجل - يضاعف ثواب كل منهما أضعافا مضاعفة.
2. الدعامة الاجتماعية:
فهو يزرع الأحقاد والحزازات في النفوس بين أفراد المجتمع، ويقطع ما بينهم من أواصر الأخوة والمحبة والتعاون على الخير، والمال شقيق النفس، وليس آلم لنفس الإنسان من أن يرى ماله قد أكل أو أخذ منه بدون وجه حق، ولا يمكن لمحتاج مهما بلغ من السماحة أن يعتبر الفوائد الربوية مأخوذة بوجه شرعي، ولئن تظاهر بالرضا بهذه الفوائد فهو تظاهر المضطر الذي ألجأته الضرورة إلى هذا النوع من المعاملة، وحسبنا شاهدا على هذا أن المرابي - مهما كانت الفائدة التي يقرض بها - مغضوب عليه من الناس، حتى في البيئات التي لا تحرم الربا، ومن أنكر ذلك فقد أنكر المحسوس والمشاهد، وأيضا كم خرب الاقتراض بالربا كثيرا من بيوت المسلمين وقعد فيها أهلوها ملومين محسورين، وأصبحوا ممن يتكففون الناس بعد أن كانوا من أهل العزة والثراء، وكم عقارات وضياع استولى عليها الأجانب بسبب التعامل بالربا، حتى انتقل الكثير من ثروات المسلمين والعرب إلى أيدي اليهود المحتالين وغيرهم من المرابين.
وغير خفي علينا ما نال مصر بسبب الديون التي اقترضها الخديوي إسماعيل وغيره من الأجانب وفوائدها الربوية، وقد بقيت عبئا ثقيلا يرزح تحته الشعب المصري ما يقرب من قرن.
وأقرب مثل لذلك ما حدث في فلسطين المنكوبة، فقد استولى اليهود على كثير من أراضي العرب بسبب الإقراض بالربا لهم قبل النكبة، مما سهل لهم ما قاموا به من حرب وغدر وتنكيل، ودعاوى باطلة في هذه البلاد المغتصبة.
وكم أذل الإقراض بالربا شعوبا ودولا وأوقعها في ذل الدين ونير[62] الاستعمار.
3. الدعامة الاقتصادية:
فهو تعطيل للمال أن يستغل في طرقه المشروعة من تجارة، أو صناعة، أو زراعة، وهو استحلال لأموال الناس بالباطل، وإلا فبأي وجه حق يأخذ المقرض حق الزيادة عن رأس المال الذي أقرضه؟!
فإن قال قائل: إن المقرض إنما استحق هذه الزيادة نظير رأس المال الذي أخذه المقترض، وانتفع به في تحصيل الأرباح الكثيرة، وغالبا يكون ما أخذه المقترض بالربا أقل بكثير مما استفاده من المال، وعلى هذا فقد استفاد كل من المقرض المرابي والمقترض.
وهذا كلام قد يتراءى للبعض أنه في ظاهره حق، ولكنه في الحقيقة باطل: ذلك أن ربح المقترض غير مضمون لا محالة، فجائز أن يخسر، فهل من الحق والعدل أن يأخذ المقرض في الربح ولا يتحمل في الخسارة؟
وأيضا فقد جعل الشارع مندوحة عن هذا النوع من المعاملة الربوية وهو ما يعرف في الفقه الإسلامي بـ "المضاربة"، وهي: أن يكون عند بعض الأشخاص مال ولا يحسن الانتفاع به، وليس عند الآخر مال ولكن عنده خبرة للعمل، فيتفقان على أن يكون المال من جانب، والعمل من الجانب الآخر نظير جزء غير محدود من الربح، الربع أو النصف مثلا إن ربح المال وإلا فالغرم عليهما. فأيهما أحسن: هذه المعاملة العادلة الحلال، أم تلك المعاملة الربوية الجائرة الحرام؟!
ومما ينبغي أن يعلم أن النقدين - الذهب والفضة - إنما وضعا وجعلا أساسا ليكونا للتمول، وميزانا لتقدير قيم الأشياء التي ينتفع بها الناس في معايشهم، ولم يجعلا سلعا يتجر فيها، وإلا لصرف الناس عن وجوه الاكتساب بهما عن طريق البيع والشراء، والتجارات والصناعات، والشركات والمزارعات، واكتفوا باستغلالهما عن طريق المراباة، ولا يخفي ما يجره هذا من كساد التجارة والصناعة وغيرهما، فيضطرب الاقتصاد، وتقف عجلته، فيعم الفقر والخراب للعباد والبلاد، وأيضا إذا صار النقد مقصورا للاستغلال فإن هذا يؤدي إلى انتزاع الثروة من أيدي أكثر الناس، وحصرها في أيدي الذين يجعلون أعمالهم قاصرة على استغلال المال بالمال، فينمو المال ويربو عنده، ويخزن في الصناديق والبيوت المالية المعروفة بالبنوك، ويبخس العاملون قيم أعمالهم؛ لأن الربح يكون معظمه من المال نفسه، ويهلك الفقراء، ولو وقف الناس عند حد الضرورة في استغلال أموالهم لما كان فيه مثل هذه المضرات، ولكن أهواء الناس ليس لها حد تقف عنده بنفسها فلا بد من الوازع الذي يوقفها بالإقناع أو الإلزام؛ لذلك حرم الله الربا وهو - عز وجل - لا يشرع للناس الأحكام بحسب أهوائهم وشهواتهم؛ كأصحاب القوانين، ولكن بحسب المصلحة الحقيقية العامة الشاملة، وأما واضعو القوانين الوضعية فإنهم غير منزهين عن الأهواء والشهوات، هذا إلى قصور علمهم، وقصر نظرهم فإنهم إن أدركوا ما في أمسهم فلن يدركوا ما في يومهم، وإن أدركوا ما في يومهم فلن يدركوا ما في غدهم، فمن ثم فإنهم يضعون للناس الأحكام بحسب حالهم الحاضرة التي يرونها موافقة لما يسمونه الرأي العام من غير نظر في عواقبها، ولا في آثارها الضارة المترتبة عليها، وكذلك لا يهمهم في سن قوانينهم الجانب الأخلاقي بقدر ما يهمهم الجانب النفعي المادي، فلذا فشلت هذه القوانين في تكوين مجتمع فاضل يقدس الفضيلة، وينبذ الرذيلة، وهذا بعض ما بين الشريعة الإسلامية الخالدة والقوانين الوضعية من فروق نكتفي به في هذا المقام [63].
سادسا. أية محاولة يراد بها إباحة ما حرم الله أو تبرير ارتكابه إنما هي جرأة على الله، وقول عليه بغير علم، وضعف في الدين، وتزلزل في اليقين:
والذي نلفت النظر إليه هو أن الإنسان، مهما جنح في سلوكه عن أوامر الشارع ونهيه، وكان موقنا بجنوحه، يأمل رحمة ربه ويرجوه الصفح عن تقصيره، فإن المظنون بفضل الله أن يشمله، والمأمول - بناء على ما عرف الله به ذاته العلية - أن تسبق رحمته غضبه فيتجاوز عنه بالصفح.
ولكن الذي يقترف الوزر، ثم يأبى عليه كبره أن يعترف بأنه قد أخطأ أو أساء في حق ربه، وولي أمره ونعمته، فيصطنع المبررات لوزره، ويجهد جهده أن يبرز معصيته في مظهر الطاعة، ويلح على أنه ما فعل إلا الخير، بل ما كان ينبغي أن يفعل غير ذلك - أقول: إن الذي تذهب به الاستهانة بأمر ربه إلى هذا الحد، فإن من البعيد والبعيد جدا أن يتغمد الله ذنبه، وكيف يتغمد الله ذنب من حمله الكبر على أن لا يقر به، بل هو يصر إصراره على أنه لم يفعل إلا ما ينبغي فعله!!
إنني لم أر في كتاب الله تعالى بعد كثير تأمل وتدبر فيه، إلا تأميلا للعاصي المقر بمعصيته الطامع في مغفرة ربه، بالصفح والتوبة والغفران، ولكني لم أر في هذا الكتاب إلا تيئيسا للمتكبر الذي زين له سوء عمله فرآه حسنا، من رحمة الله وعفوه، ودونك فأقرأ كتاب الله في تدبر لتجد أمامك هذه الحقيقة بارزة ناصعة.
إليك هذه النذر المخيفة: )سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين (146)( (الأعراف)، )كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار (35)( (غافر)، )إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين (40)( (الأعراف).
ترى ما الذي يحول دون اعتراف هؤلاء الناس، الذين يقومون ويقعدون باختلاق وعرض هذه الشبهات التي لا وجود لها بالحق الذي أكدنا وضوحه أو زدناه وضوحا.
أجل، ما الذي يحول دون اعترافهم بأنه الحق، إلا أن يكون استكبارا أو عنادا؟
وإنه لمن المؤلم والمؤسف جدا أن يكون جل الذين يصطنعون هذه الشبهات، ويروجون لها ويدافعون عنها من العلماء المتخصصين بالشريعة الإسلامية والدعوة إلى الإسلام، وأن يكون جل من يكشف عن زيف هذه الشبهات ويهيب بأولئك العلماء الدينيين أن يتقوا الله ولا يمزجوا الحق بالباطل، سواء أكانوا رجالا متخصصين بالاقتصاد أم من أولى الحكم والسلطان، أم من رجال الأعمال، وليس لهم بالإسلام إلا صلة الولاء الصادق له!
وقف أحد البارزين من علماء الإسلام يبرز الفائدة الربوية التي تتقاضاها البنوك، والحديث على لسان د. البوطي بأنها في الحقيقة لا تعدو أن تكون أجورا للموظفين والعمال فيها، وأسفت كل الأسف من أن الرجل يخادعني بالقول، أملا في أن أكون من السذاجة والغباء بحيث لا يخطر في بالي أن أقول: هذا عندما يتقاضى البنك الفائدة، أما عندما يعطي البنك الفائدة، فأجور من من العمال والموظفين تكون؟!
هذا، بينما قال لي أحد أولي السلطة والحكم: إنني لا أشك في أننا آثمون في سائر المعاملات المصرفية التي انجرفنا في تيارها، وكيف لا نكون آثمين وهي لا تصب أخيرا إلا في مصلحة الصهيونية والأنظمة الخفية التي تحول جهد استطاعتها دون تحرر الشعوب العربية والإسلامية من الاستعمار الاقتصادي، الذي هو أخطر بكثير من الاستعمار العسكري.
الأول: يخادع ويزيف، ويحمل الإسلام نفسه جريرة ما يحصل، وهو يعلم الحق في قرارة نفسه، ويملك أن يصدع به، ثم يخفيه - متجاهلا إياه - في قرارة نفسه.
وهذا الثاني: يصدق ويصارح، ويحمل نفسه لا الإسلام جريرة ما يحصل، ثم يعترف بعد ذلك بعجزه عن القدرة على الإصلاح والتبديل.
فأي الرجلين أقرب إلى رحمة الله وعفوه؟ وأيهما أكثر تعرضا لسخط الله ومقته؟!
الكل يعلم الجواب.. ولكني أسأل الله - عز وجل - أن يدخل الفريق الأول في شفاعة الفريق الثاني، إنه عفو رحيم [64].
هذا وقد أجملت د. خديجة النبراوي التعللات الفارغة - بل المماحكات الفجة - المثارة لتبرير المعاملات المالية الربوية المعاصرة، وردت عليها بحسم، فقالت: "ولذلك فقد تحايل الناس على تحريم ربا الديون الذي شاع بيننا كالماء والهواء، سواء ديون البنوك أم الديون الخارجية، والتمسوا شبهات واهية في سبيل تبرير تلك المعاملات منها:
· التعلل بغموض مفهوم الربا: مع أنه واضح وجلي إذا تعرفنا على كل نواحي الربا التي عاصرت نزول القرآن، بحيث خاطبهم الله بأل المعرفة.
· العقد المبرم بين البنك والمودعين ليس عقد قرض، ومن ثم لا تدخل الفائدة المصرفية ضمن ربا الديون المحرم: وهذا باطل؛ لأنه عقد قرض بالقانون المدني المصري المادة 726، وكذلك بمفهوم الشرع الذي أرساه القرآن والسنة المحمدية.
· عدم ورود نص شرعي صحيح بحرمة الربا في عقد القرض: وكيف ذلك؟ والقرآن يخاطب العرب الذين كانوا يرابون في القروض، ويتكلم عن رؤوس الأموال بصراحة في قوله سبحانه وتعالى: )وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون (279)( (البقرة).
· التعامل المصرفي يكيف على أنه من قبيل عقد المضاربة، أو عقد الوديعة، أو عقد الإجارة: [65] فنقول لهم: إذن أنتم لم تفهموا حقا معنى الربا، والغرض الشرعي من تحريمه، فشتان بين التعامل المصرفي الذي يقتصر على تجارة النقود وزيادتها وبين العقود الإسلامية التي تثري الناتج القومي، وتوفر السلع والخدمات الأساسية، مما يوفر الرفاهية الحقيقية للأمة الإسلامية: )إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى (23)( (النجم). فإنشاء عقود فاسدة، وتسميتها بمسميات إسلامية يشبه عبادة آلهة الهوى.
· الفائدة المصرفية ليس فيها ظلم من طرف لطرف، بل هي تحقق مصلحة الطرفين، كما أنها تقوم على التراضي: وهذا القول فيه زور كبير؛ فهي علاقة تقوم على مصلحة طرف واحد هو البنك، أما الفرد فإن الفائدة التي يحصل عليها لا تقابل التضخم الذي حدث نتيجة تصرف البنك نفسه من خلق النقود، وزيادة كميتها بدون إنتاج حقيقي يقابلها، أما حكاية التراضي هذه، فالزنا يقوم علي التراضي، ولكن هل معناه أن يقره المجتمع مع إيمانه بالشريعة الإسلامية؟
فما المانع أن يقوم استثمار الأموال على رضا الطرفين، وفي نفس الوقت رضا الله؟ وكذلك على تحقيق مصلحة الطرفين ومصلحة الأمة؟ علمتنا التجربة أن لا يوجد مانع من تطبيق شرع الله إلا هوى في النفس، يهدف إلى تحقيق مصلحة أكبر لصالح الطرف الذي يتحايل على ذلك التطبيق بطرق وادعاءات شتى.
· الربا مجاله الحاجات الضرورية الاستهلاكية؛ وإذن لتحظر الفائدة في مجال الاستهلاك، وتباح في مجال الإنتاج: سبق أن أوضحنا أن الربا المحرم أساسا هو الربا الإنتاجي؛ لأنه كان شائعا في مجال التجارة في رحلتي الشتاء والصيف، وفي مجال البيع حيث التبادل السلعي، أما الربا الاستهلاكي فلم يكن له نفس الشيوع؛ نظرا لانتشار الكرم والمروءة عند العرب، فلم يكن يحتاج الكثيرون للاقتراض من أجل الطعام.
علاوة على أن الربا الإنتاجي هو الأخطر أثرا على مستقبل الأمة في مجموعها، سواء من الناحية الاقتصادية أم السياسة أم الاجتماعية؛ لذلك شدد الله عليه العقوبة، على عكس جميع المعاصي الأخرى، وهي حرب من الله ورسوله، فلو كان الظلم يقع على أفراد فقط ما كان يستحق تلك العقوبة المغلظة، ولكن آثار الربا تتعلق بمصير الأمة الإسلامية.
· المعاملات المصرفية تتم من خلال نقود غير ذهبية وغير فضية: إن هذا حجة على المعاملات المصرفية، وليست حجة لها، فمن ناحية أقر الفقهاء بأن جميع الأحكام الشرعية تسري على النقود الورقية، أما الخلاف فيدور حول: مدى قدرة النقود الورقية على الوفاء بالالتزامات الآجلة، وهذا معناه أن البنك يظلم المودعين ويرتكب الربا مرتين: مرة بالربا الإيجابي: وهو زيادة النقود بدون استثمار سلعي يقابلها، مما يؤدي إلى التضخم.
ومرة بالربا السلبي؛ لأنه يأخذ النقود الورقية لمدد وآجال مختلفة قد تقل قيمتها الحقيقية، ثم يعطيهم فائدة لا تساوي الزيادة التي حدثت في الأسعار. فالفائدة قد تكون 10%، والتضخم قد يكون 15 % أو 30% أو أكثر في بعض الأحيان.
الفائدة المصرفية ليست من الربا؛ لأن الزيادة في باب الربا كانت تحدث عند حلول الأجل، وعدم دفع المدين للدين، أما الفائدة المصرفية فتحدث عند ثبوت الدين، وليس عند حلوله: نقول: إن اتباع الشيطان أمر مخز في حد ذاته، أما أن يكون شيطانا جاهلا، فهذا أشد خزيا.
إن دراسة الربا وأنواعه في العصر الجاهلي عند نزول القرآن تكفي حتى عن ترديد تلك الشبهات: )وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا (81)( (الإسراء).
· الفائدة المصرفية لا تدخل في الربا؛ حيث إن الربا المحرم بنص القرآن الكريم هو ما كان أضعافا مضاعفة، والفائدة ليست كذلك: والرد على تلك الشبهة يقوم على محورين:
أولهما: أن كلمة "أضعافا مضاعفة" هي المرحلة الثالثة من مراحل تحريم الربا، أما المرحلة الرابعة فقد نهت عنه كلية بكل صوره، صغيرة أم كبيرة، جلية أم خفية.
ثانيهما: أن الفوائد المركبة التي تقرض بها البنوك الأموال للمستثمرين، هي من قبيل الأضعاف المضاعفة، الذي يخرب بيوت هؤلاء المستثمرين، إن هم عجزوا عن السداد، وهو ما يعوق حركة الاستثمار الفعلية، وليس تنشيطها كما تدعي البنوك.
· الفائدة المأخوذة من غير المسلمين - البنوك الأجنبية - لا تدخل في باب الربا، طبقا للمذهب الفقهي القائل بأنه لا ربا مع الحربيين: إن المذهب الفقهي الذي قال ذلك قد يقصد أن ذلك واقع في أوقات الحرب وفي عزة الإسلام وقدرته، أما اليوم فنحن لا نحارب، وكل علاقتنا مع الأجانب علاقات سلمية بل تبعية.
وعموما نحن نؤمن أساسا بالله ورسوله، والإسلام كل لا يتجزأ، ولا يتعامل بمكيالين مثل اليهود - يجوزون الربا مع غير اليهود -، فالإسلام لا يعرف غير الصراط المستقيم، وقد شرحنا فيما سبق كيف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر القبائل التي لم تدخل الإسلام، وتعيش تحت ظل الدولة الإسلامية بعدم التعامل بالربا.
وقد روى أبو عبيدة القاسم بن سلام عن عبد الله بن أبي مليح الهذلي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صالح أهل نجران فكتب إليهم كتابا في آخره: "على ألا تأكلوا الربا، فمن أكل الربا فذمته مني بريئة" [66].
· الفائدة المصرفية في غالب حالاتها هي ناتجة عن تعامل بين الحكومة والأفراد، ولا ربا بين الدولة والأفراد: ونقول: إن القول بهذا هو خروج عن الفكر الإسلامي كلية إلى الفكر الشيوعي؛ لأن الإسلام وهو يقيم دعائم الدولة لا يحرم شيئا على الأفراد ويحله للدولة، أو يحله بين الأب وابنه، قال شمس الدين السرخسي: ويجري الربا بين الوالدين والولد، والزوجين، والقرابة، وذلك عكس الفائدة بين العبد وسيده؛ لما ورد في الأثر: "ولا ربا بين العبد وسيده"[67]؛ لأن هذا ليس بيعا؛ إذ كسب العبد لمولاه، والبيع مبادلة ملك بملك غيره، فأما جعل بعض ماله في بعض فلا يكون بيعا.
أما بين الدولة والأفراد فلا يحق لها أن تقرضهم بفائدة أو العكس. بل نقول لهؤلاء: إن الإسلام يحتم على الدولة الإسلامية المحافظة على مال الأفراد ورعايتهم وكفالتهم وتحمل ديونهم بعد الموت، كما يفهم من الحديث الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - «أن رسول الله كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين، فيسأل: هل ترك لدينه من قضاء؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال: صلوا على صاحبكم، فلما فتح الله عليه الفتوح، قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم. من توفي وعليه دين فعلي قضاؤه» [68].
والتاريخ الإسلامي حافل بورع الصحابة عن التعامل بأي صورة عن صور الربا، سواء أكانوا حكاما أم محكومين.
· الفائدة المصرفية نتيجة عمليات مصرفية لم تكن موجودة من قبل، خاصة في التشريع، ومن ثم فلا تدخل في الربا المنصوص على تحريمه: نقول لأصحاب هذا الادعاء: إن السرقة بالطرق الحديثة جدا لم تكن في عصر التشريع، فهل لا تدخل في قانون العقوبات المنصوص عليه في القرآن؟ وكذلك الزنا المتطور مع كل العصور، هل لا يدخل في قانون العقوبات المنصوص عليه في القرآن كذلك، كل المتطور في عالم الجرائم، هل نمنع عنه تطبيق القانون؛ لأنه جريمة مستحدثة؟
هذا من جهة، أما الرد من الجهة الأخرى فقد وجدنا أن المصارف ما هي إلا تطور لعملية المرابي الذي يقرض الفائدة؛ حيث زادت النقود مع المرابين، وتوحدوا في الجهة والهدف، وأنشأوا المصارف، فما هو الجديد إذن في الموضوع الذي لا يطبق عليه الشرع؟!
· عوائد صناديق التوفير، وشهادات الاستثمار وسندات الخزانة والتنمية لا تدخل في باب الربا: نقول لهم: اخترعوا من أبواب الاستثمار ما شئتم، وسموها كما تريدون بشرط واحد: أن تراعى فيها عدالة الشريعة من كل الجهات، ولجميع الأطراف. فما هي المشكلة في تلك العدالة؟ هل هي صعوبة الحسابات؟ نقول: إن اختراع الآلات الحاسبة نتيجة تطور العصر - الكمبيوتر - قد حل تلك المشكلة.
هل هي صعوبة الفهم؟ إن تقصي الحقائق واجب على كل مسلم؛ لإبراء ذمته أمام الله.
هل هي صعوبة التطبيق؟ كيف كانوا في عصر النبوة يخرجون قافلة كبيرة نيابة عن بقية الناس، ويتاجرون في أموالهم، ثم يعودون بالنتائج المثمرة؟ وكذلك نفس مفاهيم الاستثمار الإسلامي هي التي حققت ازدهار الحضارة في الأمة الإسلامية من حدود الصين شرقا إلى جنوب فرنسا غربا.
الفائدة المصرفية في ظل التضخم الحالي لا تعتبر زيادة حقيقية؛ فهي ليست من باب الربا: نقول لهم: إن هذا ادعاء يدل - أيضا - على الجهل بمفهوم الربا: فالله حرم الزيادة النقدية التي لا يقابلها زيادة سلعية.
واستمرار التعامل بالفائدة المصرفية معناه: زيادة كمية النقود بدون أن يقابلها زيادة إنتاج، وهذا معناه: زيادة التضخم، ومعناه: ظلم على المودعين؛ لأنه يخفض القيمة الحقيقية لنقودهم.
فتشريع الله هدفه تحقيق الصالح العام، وليس صالح فئة تقدس المال، وتجعل تنميته هي الهدف الوحيد في الحياة، فالمال في نظر الإسلام ليس هو زيادة النقود في حد ذاتها، إنما ما تنتجه النقود من ثروات البحر والأنهار والمحيطات والصحراء والجبال.
وهكذا فالله يريد لنا الرفعة والسمو، والذكر الحسن بين الأمم، بدل عالم النسيان الذي نعيش فيه، ولكننا نعرض عن هذا كله؛ اتباعا لأهوائنا: )ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون (71)( (المؤمنون) [69].
الخلاصة:
· الربا لغة: الزيادة، وشرعا: فضل مال لا يقابله عوض في معاوضة مال بمال، وهو محرم بالقرآن والسنة والإجماع؛ فمن القرآن قال سبحانه وتعالى: )وأحل الله البيع وحرم الربا( (البقرة: ٢٧٥)، ومن السنة: يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:«اجتنبوا السبع الموبقات»[70]، وذكر منها أكل الربا، كما أجمعت الأمة على أن الربا محرم.
· الشريعة الإسلامية حرمت بصريح النصوص الشرعية، والإجماع قليل الربا وكثيره بعبارة مطلقة عامة لا تحتمل التأويل؛ فقد فقال سبحانه وتعالى: )وحرم الربا(، وإن كان العرب في الجاهلية لم يعرفوا سوى ربا النسيئة، فلا يعني هذا - بأي حال من الأحوال - أن الشريعة لم تحرم إلا هذا الربا، بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «درهم ربا يأكله الرجل - وهو يعلم - أشد من ست وثلاثين زنية»[71]. ثم إن الله - عز وجل - لم يأذن بالحرب في القرآن والسنة إلا على آكلي الربا: )فأذنوا بحرب من الله ورسوله( (البقرة: ٢٧٩)، وكذلك الذي يعادي أولياء الله، فكيف تكون في الربا مصلحة، ثم يتوعد الله - عز وجل - آكلها بالحرب؟!!
· اعترض بعض الذين كتبوا في قضايا الربا باستشكالات على حرمة الربا عامة، وربا القرض خاصة، ومما اعترضوا به على حرمة الربا عامة: إنكار الإجماع بدعوى شكوى عمر بن الخطاب من غموض بعض مسائل الربا، وتمنيه أن لو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وضحها، كما يذكرون خلاف ابن عباس، وابن عمر في ذلك - بيد أن الربا الذي حرمه الله في كتابه، والذي كان يتعامل به أهل الجاهلية لا خلاف فيه، إلا أن الذي وقع فيه خلاف هو ربا الفضل، والخلاف الذي وقع بين الصحابة كان في أول الأمر؛ وذلك لعدم بلوغهم النصوص المحرمة لهذا النوع من الربا.
· كما اعترض بعض المتوهمين على حرمة ربا الفضل، بدعوى أن هناك فرقا بين الفائدة والربا، فالمحرم من وجهة نظرهم الربا، أما الفائدة فلا حرمة فيها، معتمدين في ذلك على الفرق بين الفائدة والربا، غير أنه لا فرق في المفهوم الإسلامي بين الفائدة والربا، وكلاهما حرام وممنوع شرعا، سواء كان ذلك في عقد البيع - ربا الفضل، وربا النسيئة - أم و في عقد القرض، وقد تكون فوائد البنوك المركبة أسوأ من ربا الجاهلية الذي حرمه الشرع في القرآن والسنة تحريما قاطعا.
· كما استشكل بعض الجاهلين بأن الربا فقط في القروض الاستهلاكية التي يقترضها الإنسان؛ لتيسير أمور معيشته؛ إذ الأصل في القرض هو الإرفاق والتيسير على الناس، وفي هذه الحالة يتحقق هذا التيسير؛ لذا هم يرون الحرمة في ذلك فقط، أما قروض الإنتاج فلا ربا فيه؛ وذلك لأن تحريم الشارع للربا ليس إلا تطبيقا لقاعدة اقتصادية معروفة، هي أن المال لا يولد من المال، وإنما يولد من المنفعة يطرحها الإنسان في المجتمع، ولما كان التعامل بالربا استيلادا للمال من المال، أي على النقيض من القاعدة السابقة، فقد اقتضت المصلحة التي هي محور أحكام الشريعة تحريمه وسد كل ذريعة إليه.
· كما يرى المسوغون لربا القرض أن الفائدة الربوية بديل شرعي عن تضخم النقد، غير أننا نذكرهم بأن القرض هو تعاون أخلاقي في ميزان الشريعة الإسلامية، ولا يكون التعاون كذلك إلا إذا قام على نوع من الإيثار، وهذه هي نظرة الشريعة الإسلامية إلى الإقراض، وهي تختلف عن النظريات الغربية المادية في مجال المعاملات المالية.
· يستدل المروجون للربا بفتوى الإمام أبي حنيفة بأخذ الربا في دار الحرب، بيد أن حكم هذه الفتوى لا يصلح لوقتنا الحاضر؛ وذلك لأن بلاد الأجانب الآن أصبحت دار عهد أو معاهدين بحسب ميثاق الأمم المتحدة؛ ولأن هذه الفتوى يراد بها إضعاف الحربيين بالأخذ منهم لا بالعطاء لهم، أما ما نراه اليوم من إيداع أموالنا في بنوكهم ففيه تقوية لهم، لا إضعافهم.
· وأخيرا يستند المسوغون للربا بنظرية الضرورة قائلين: الربا ضرورة لا مناص منها، والحق أن هذا من التهافت بمكان؛ وذلك لأن الضرورة لا يتصور أن تتقرر في نظام ربوي، بل تكون في أعمال الآحاد؛ إذ إن معناها أن النظام كان يحتاج الربا كحاجة الجائع الذي يكون في مخمصة إلى أكل الميتة، أو لحم الخنزير، أو شرب الخمر، وأن فعل هذه الضرورة لا تتصور في نظام كنظام الربا.
· ثم إن البنوك ما هي إلا مجرد وسيط بين المقرض والمقترض بفائدة، فتعطي المقرض مثلا فائدة بنسبة 4%، وتأخذ من المقترض فائدة بنسبة 7%، والفرق يكون حقا لها، فعملها واضح بأنها تأخذ أو تضم فائدة على القروض، وهو من ربا النسيئة المحرم شرعا، فثبت أن فوائد البنوك حرام شرعا.
· وخلاصة القول، أن كل محاولة يراد بها إباحة ما حرم الله - الربا - أو تبرير ارتكابه بأي نوع من أنواع التبرير، بدافع المجاراة للأوضاع الحديثة، أو الغربية، والانخلاع عن الشخصية الإسلامية، إنما هي جرأة على الله، وقول عليه بغير علم، وضعف في الدين، وتزلزل في اليقين، وبمثل هذا يتحلل المسلمون من أحكام دينهم حكما بعد حكم، حتى لا يبقي لديهم ما يحفظ شخصيتهم الإسلامية، نعوذ بالله من الخذلان، ونسأله العصمة من الفتن.
(*) تغييب الإسلام الحق، د. محمود توفيق محمد سعد، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1416هـ/ 1996م.
[1]. الفائدة: ما استفدته من علم أو مال ونحوه، واصطلاحا: ربح المال في زمن محدد بسعر محدد، وفي الاقتصاد: مبلغ يدفع مقابل استخدام رأس المال، ويعبر عنه عادة بنسبة مئوية هي سعر الفائدة.
[2]. لسان العرب، ابن منظور، مادة: ربا.
[3]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (3009).
[4]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه، كتاب البيوع، باب في وضع الربا (3336)، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب البيوع، باب تحريم الربا وأنه موضوع مردود (10245)، وصححه الألباني في صحيح ابي داود (2852).
[5]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب بيع الدينا بالدينار (2069)، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب بيع الطعام مثلا بمثل (4175).
[6]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا (4147).
[7]. بحوث في الربا، الإمام محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، مصر، 1999م، ص16: 20.
[8]. السلم: بيع شيء موصوف في الذمة بثمن عاجل؛ أي: مقبوض في مجلس العقد.
[9]. فقه البيع والاستيثاق والتطبيق المعاصر، د. علي أحمد السالوس، إصدار مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، دار الثقافة، قطر، دار القرآن، مصر، ط4، 1427هـ/ 2006م، ص276: 278.
[10]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا (4145).
[11]. قضايا فقهية معاصرة، د. محمد سعيد رمضان البوطي، مكتبة الفارابي، دمشق، ط5، 1994م، ص51: 53.
[12]. جامع البيان في تأويل القرآن، ابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، ج6، ص28.
[13]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ج3، ص358.
[14]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب لعن أكل الربا ومؤكله (4177).
[15]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الأنصار، حديث عبد الله بن حنظلة رضي الله عنه (21450)، والطبراني في الأوسط (3/ 124) برقم (2682)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3375).
[16]. نيل الأوطار، الشوكاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، ط1، 1421 هـ/ 2001م، ج6، ص2776 بتصرف.
[17]. المعاملات المالية المعاصرة، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر المعاصر، بيروت، دار الفكر، سوريا، ط3، 2006، ص245: 248 بتصرف.
[18]. تحقيق المناط: هو أن ينص الشارع أو تجمع الأمة على تعليق الحكم بمعنى كلي، ثم ينظر في ثبوته في بعض المسائل، فالربا هنا محرم بالنص والإجماع، ثم يبقي النظر هل الربا داخل في بعض المسائل ومتحقق فيها أم لا؟
[19]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة (2027)، وفي مواضع أخرى.
[20]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب بيع الشعير بالشعير (2065)، وفي مواضع أخرى.
[21]. الورق: الفضة.
[22]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا (4143).
[23]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه (246)، وابن ماجه في سننه، كتاب التجارات، باب التغليظ في الربا (2276)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1846).
[24]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأشربة، باب ما جاء في أن الخمر ما خامر العقل من الشراب (5266)، ومسلم في صحيحه، كتاب التفسير، باب نزول تحريم الخمر (7745).
[25]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب بيع الطعام مثلا بمثل (4171).
[26]. إسناده صحيح: أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 71)، كتاب الصرف، باب الربا (5353)، وصحح إسناده الألباني في الإرواء (1337).
[27]. إسناده صحيح: أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 64)، كتاب الصرف، باب الربا (5318)، وقال الألباني في إرواء الغليل (1337): إسناده صحيح على شرط مسلم.
[28]. إسناده صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (11497)، وابن ماجه في سننه، كتاب التجارات، باب من قال: لا ربا إلا في النسيئة (2258) مختصرا، وصحح إسناده الألباني في إرواء الغليل (1337).
[29]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب بيع الطعام مثلا بمثل (4172).
[30]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب بيع الدينار بالدينار نساء (2069).
[31]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب بيع الطعام مثلا بمثل (4175).
[32]. صحيح: أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 67)، كتاب الصرف، باب الربا، وصححه الألباني في الإرواء (1339).
[33]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الكوفيين، حديث عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه، والترمذي في سننه، كتاب الصوم، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج (889)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (1064).
[34]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضل الرمي والحث عليه (5055).
[35]. بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، د. عمر سليمان الأشقر، دار النفائس، الأردن، ط1، 1998م، ص596: 602.
[36]. التضخم في الاقتصاد: زيادة النقود أو وسائل الدفع الأخرى على حاجة المعاملات.
[37]. المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي، محمد عثمان شبير، دار النفائس، الأردن، ط2، 1418هـ/ 1998م، ص240: 243.
[38]. الرهن: حبس الشيء بحق ليستوفي منه عند تعذر وفائه.
[39]. المقاصد الخمسة: هي الضروريات التي جاء الشرع بالمحافظة عليها، وهي: الدين، والعقل، والنفس، والنسل، والمال.
[40]. المضاربة شرعا: عقد شركة في الربح بمال من رجل وعمل من آخر، وفي الاقتصاد: عملية من بيع أو شراء يقوم بها أشخاص خبراء بالسوق للانتفاع من فرق الأسعار.
[41]. قضايا فقهية معاصرة، د. محمد سعيد رمضان البوطي، مكتبة الفارابي، دمشق، ط5، 1994م، ص67: 80.
[42]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب حج النبي صلى الله عليه وسلم (3009).
[43]. بحوث في الربا، الإمام محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، مصر، 1999م، ص36: 40.
[44]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستقراض وأداء الديون، باب ما ينهى عن إضاعة المال (2277)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة (4580).
[45]. الاحتكار: اشتراء القوت وحبسه؛ انتظارا للغلاء.
[46]. التأميم: هو نقل الملكية من الأفراد أو الشركات الخاصة إلى ملكية الأمة؛ أي: الملكية العامة.
[47]. بحوث في الربا، الإمام محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، مصر، 1999م، ص41: 45.
[48]. انظر: الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة، د. علي أحمد السالوس، دار التقوى، مصر، د. ت، ص288: 307.
[49]. الفائدة المركبة: فائدة تحسب على مبلغ أصلي مضافا إليه الفوائد المتراكمة حتى تاريخ الاستحقاق.
[50]. المزارعة: من زرع الحب زرعا وزراعة: بذره، والأرض: حرثها للزراعة. وعرفها الفقهاء بأنها عقد على الزرع ببعض الخارج.
[51]. المساقاة: مفاعلة من السقي، واصطلاحا دفع النخيل والكروم إلى من يعمره ويسقيه ويقوم بمصلحته، على أن يكون للعامل نصيب، والباقي لمالك النخيل.
[52]. اكترى الأرض: أستأجرها.
[53]. الأربعاء: جمع ربيع، وهو النهر الصغير.
[54]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المزارعة، باب كراء الأرض بالذهب والفضة (2220).
[55]. الغرر لغة: الخطر أو التعريض للهلكة، وبيع الغرر: بيع ما يجهله المتبايعان، أو ما لا يوثق بتسلمه؛ كبيع السمك في الماء، أو الطير في الهواء.. ونحوه.
[56]. نيل الأوطار، الشوكاني، مكتبة نزار مصطفي الباز، الرياض، ط1، 1421هـ/ 2001م، ج7، ص2887.
[57]. المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي، محمد عثمان شبير، دار النفائس، الأردن، ط2، 1418هـ/ 1998م، ص148: 251.
[58]. جريمة الربا، الشيخ محمد علي الصابوني، دار القرآن، بيروت، د. ت، ص88: 91.
[59]. القرض الحسن: ليس فيه ربا؛ أي: بدون فائدة.
[60]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الصدقات، باب القرض (2430)، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب البيوع، باب ما جاء في فضل الإقراض (5/ 353) برقم (10734)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (901).
[61]. يعني أن الصدقة ربما يكون المتصدق عليه ليس في حاجة شديدة إليها دائما، وهذا المعنى نجده غالبا في المحترفين للسؤال، أما المقترض غالبا لا يقترض إلا وهو في حاجة ماسة.
[62]. النير: هي الخشبة المعترضة فوق عنق ثورين مقرونين لجر المحراث وغيره، والمراد: القيد والعبودية والظلم.
[63]. بيان من علماء الأزهر في مكة المكرمة للرد على قاضي مصر الذي أباح الربا، ومعه حلول لمشكلة الربا، د. محمد أبو شهبة، مكتبة السنة، القاهرة، ط1، 1996م، ص51: 54.
[64]. قضايا فقهية معاصرة، د. محمد سعيد رمضان البوطي، مكتبة الفارابي، دمشق، ط5، 1994م، ص81: 83.
[65]. الإجارة لغة: اسم للأجرة، وهي كراء الأجير، وعرفها الفقهاء: بأنها عقد معاوضة على تمليك منفعة بعوض.
[66]. أخرجه أبو عبيد في الأموال (432).
[67]. أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (8/ 76)، وابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 273) موقوفا على ابن عباس.
[68].أخرجه البخاري في صحيحه،كتاب الكفالة،باب الدين(2176).ومسلم في صحيحه،كتاب الفرائض،باب من ترك دينا فلورثته(4242).
[69]. تحريم الربا ومواجهة تحديات العصر، د. خديجة النبراوي، دار النهار، القاهرة، 1998م، ص181: 186.
[70]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: ) إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا (10) ( (النساء) (2615)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها (272).
[71]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الأنصار، حديث عبد الله بن حنظلة رضي الله عنه (22007)، والدارقطني في سننه، كتاب البيوع (48)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1855).
wives that cheat
link read here
husbands who cheat
open my boyfriend cheated on me with a guy
generic viagra softabs po box delivery
viagra 50 mg buy viagra generic
why do wife cheat on husband
wife cheaters reasons why married men cheat
My girlfriend cheated on me
find an affair signs of unfaithful husband