مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

الزعم أن نظام الزكاة في الإسلام يعد تحيزا للفقراء على حساب الأغنياء(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المغالطين أن الإسلام بتشريعه لنظام الزكاة قد انحاز للفقراء والأيتام على حساب الأغنياء، ويزعمون أن سبب ذلك كون النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيرا يتيما، فشرع الزكاة في زعمهم لاستشعاره الحاجة إلى مد يد العون إليه وإلى أمثاله من الفقراء والأيتام. ويتساءلون: ألا يعد هذا تعديا على أموال الأغنياء بغير وجه حق؟ ويرمون من وراء ذلك إلى إنكار الزكاة التي فرضها الله - عز وجل - للفقراء على الأغنياء.

وجوه إبطال الشبهة:

1)  تشريعات الإسلام تشريعات إلهية لها حكم ومقاصد، قد يعلمها الناس وقد لا يعلمونها.

2)  المال مال الله، والأغنياء والفقراء عباده، ولا فضل لأحدهما على الآخر.

3) كل عمل يعمله المسلم يبتغي به وجه الله - عز وجل - يجد له مقابلا في الدنيا والآخرة، فالذي ينفق ماله في سبيل الله يجني ثمار هذا في الدنيا برضا الناس عنه، وفي الآخرة برضا الله عليه، ودخول الجنة.

4) مصارف الزكاة الشرعية ليس منها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا آله، فكيف يقال إن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرضها لكي يأخذ منها هو وأهل بيته؟!

التفصيل:

أولا. تشريعات الإسلام تشريعات إلهية لها حكم ومقاصد:

إن تشريع الإسلام يمتاز عما سواه من التشريعات بأنه تشريع إلهي بمعنى أن الذي أنزل أحكامه وتشريعاته - جملة وتفصيلا - هو الله - عز وجل - وفارق كبير بين تشريع الله - عز وجل - وتشريع البشر، فالبشر جميعهم أفهامهم قاصرة، وأهواؤهم غالبة، وبصائرهم لا تحيط إلا بفتات المعرفة، والقرآن الكريم أبان لنا هذه الحقيقة أوضح ما تكون الإبانة، فقال: )وما أوتيتم من العلم إلا قليلا (85)( (الإسراء).

وبناء على ما تقدم نقرر هذه الحقيقة:

الزكاة تشريع رباني:

يقول ربنا عز وجل: )وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون (49) أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون (50)( (المائدة)، ويقول أيضا: )يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل( (ص: 26)، إن عبارة: "لا إله إلا الله" لم تقلها العرب؛ لأنهم يدركون معناها جيدا، يدركون أنها تستوفي جميع مناحي الحياة، وبالتالي يتنحى سلطانهم ويزول، ويحل محله سلطان الله - عز وجل - وإن أعظم ما يتجلى به السلطان هو التشريع؛ لأجل ذلك استحق التشريع أن يكون لله - عز وجل - وأما عن كون التشريع من خصائص الربوبية أيضا يدل عليه معنى كلمة "رب"، فكلمة "رب" تعني: "الخلق والملك والتدبير"، فالذي خلق هو الله - عز وجل - وعليه فهو الأعلم والأعرف بطبيعة من خلق: )ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (14)( (الملك)، بلى يعلم - عز وجل - وعليه استحق ربنا - عز وجل - أن يكون هو المشرع الأوحد لهذا المخلوق الذي خلقه.

والذي يملك هو الله - عز وجل - وعليه فلا يجوز لأحد أن يتصرف فيما لا يملك أو أن يشرع لمن لا يملك، فالمالك - عز وجل - وحده هو الجدير المستحق أن يشرع لمن ملك، الذي يدبر هو الله - عز وجل - وإن التشريع من أبرز مظاهر هذا التدبير.

وبناء على ما تقدم ذكره نقول: إن التشريع خاصية من خصائص الألوهية والربوبية، ولا يجوز أن يشرع أحد من تلقاء نفسه حتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يتكلم بوحي الله - عز وجل - وهنا تبرز خصوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن - صلى الله عليه وسلم - ينطق عن هواه أبدا: )وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4) علمه شديد القوى (5)( (النجم)، ويقول عن نفسه صلى الله عليه وسلم: «ألا إني قد أوتيت الكتاب ومثله معه»[1]، والقرآن يقول: )وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب (7)( (الحشر)، فلم تكن الزكاة تشريعا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودليل ذلك قول الله تعالى: )خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم (103)( (التوبة)، وأيضا: )والذين في أموالهم حق معلوم (24) للسائل والمحروم (25)( (المعارج)، وأيضا: )والذين هم للزكاة فاعلون (4)( (المؤمنون)، وبهذا يتبين لنا بطلان الزعم القائل: إن الزكاة شرعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحيزا للفقراء على حساب الأغنياء.

تشريعات الله لا تخلو من حكم ومقاصد سواء استبانت لنا هذه المقاصد أو لا.

وإذا نظرنا إلى الزكاة نجد أنها ذات آثار ومقاصد عظيمة في جوانب كثيرة منها:

المقصد التربوي للزكاة في الجانب الروحي للفرد المسلم [2]:

للزكاة آثار وقائية علاجية للجوانب الروحية للفرد المسلم تتجلى فيما يلي:

·   خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم وبوأه أرفع المنازل وجعل تكريمه في أرفع الدرجات، لكن الإنسان قد يرتد إلى أسفل سافلين فينسى دوره، ويضيع أمانته، ويكون أول عوامل الانحطاط هو الغلو في حب المال، ذلك الحب الفطري المعتدل الذي يعتبر من نعم الله على الإنسان حتى تعمر الأرض فقال سبحانه: )وإنه لحب الخير لشديد (8)( (العاديات)، لكن الغلو يدفع إلى الاكتساب وعدم الإنفاق على المحرومين، وبهذا يتحول من عبد رباني إلى أسير للدنيا، عبد للهوى، وفيه يروي البخاري، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا على مثله فقال:«تعس عبد الدنيا، تعس عبد الدرهم، وعبد الخميصة[3]، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك[4] فلا انتقش»[5] [6].

ومن معاني التعاسة شقاء الروح، وظلام القلب عندما يحل حب المال محل حب الله - عز وجل - وتتحول غاية الوسائل عن رضا الله إلى أهداف بذاتها، فالمال جعل وسيلة إلى التعايش في الدنيا لإعمارها، وإرضاء الله في كل جنباتها، لكن عندما تسخر هذه الوسائل في جمع المال وعده هدفا بذاته، فإن صاحبه يستحق قوله تعالى: )ويل لكل همزة لمزة (1) الذي جمع مالا وعدده (2) يحسب أن ماله أخلده (3) كلا لينبذن في الحطمة (4) وما أدراك ما الحطمة (5) نار الله الموقدة (6) التي تطلع على الأفئدة (7) إنها عليهم مؤصدة (8) في عمد ممددة (9)( (الهمزة).

من هنا تأتي الزكاة لتقي النفس من غلواء حب المال، وطلب الاستحواذ عليه من الحرام أو الحلال، ولذا كان من أعظم أهداف الزكاة ما ذكره الله تعالى في قوله: )خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم (103)( (التوبة)، إذن فالزكاة تنقل الإنسان من دنس العبودية للمال إلى طهارة عباد الله الأتقياء الأنقياء، الذين يحوزون الدنيا وتبقى ملك يمينهم؛ لا تنفذ إلى أعماق قلوبهم فيبذلونها سخية بها نفوسهم؛ فتنطبق عليهم الصورة المثلى للمسلم الشاكر المحتسب التي رواها الإمام أحمد في مسنده عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:«نعم المال الصالح للمرء الصالح» [7].

·   يقول الكاساني الحنفي عن أثر الزكاة على النفس البشرية: "وهي تطهر النفس من انحباس الذنوب، وتزكي أخلاقه بتخلق الجود والكرم وترك الشح والضن بالمال، فيتعود السماحة، وترتاض لأداء الأمانات وإيصالها إلى مستحقيها، كما أنها شكر لله على ما أنعم به على الأغنياء من مال".

·   في هذا الإطار الوقائي من داء الشح يقول سبحانه: )ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون (16)( (التغابن)، فالفلاح إذن معلق على التخلص من داء الشح، والزكاة على الأموال المكنوزة والسائلة والحصاد والسوائم والتجارات، وغيرها تجعل معالم البذل في كل رزق يساق للإنسان حصنا قويا من تسرب أدواء الشح إلى النفس التي تحرم المسلم من حب الناس ورضا الله، بل تحرمه أيضا سعادة الآخرة.

فالبخل والشح يجلبان غضب الله تعالى والنار والطرد من الجنة، فتتحول الأموال التي كان يجب أن تكون وسائل للسعادة في الدنيا والآخرة إلى شقاء في الدنيا بالنهم في تحصيلها، وإلى صفائح من نار، أو شجاع أقرع في الآخرة كما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له ماله شجاعا أقرع له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه[8] يقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا هذه الآية: )ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير (180)( (آل عمران)» [9].

ومنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأخفافها، كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس» [10].

·       هذه الصورة المظلمة لمانع الزكاة تقابلها صورة مشرقة تغمر الروح والقلب سعادة بفضل الله تعالى إذا أدى المرء الزكاة، وأنفق من ماله وذلك لقوله تعالى: )ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم (104)( (التوبة)، ولما جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل» [11] [12].

ولا شك أن أن المال يوقظ عند المسلم الشعور برحمة الله تعالى، وأنه سرى به عن المكروبين، وأزال حرمان المحرومين، وأعطى ما يسد رمق الجوعى والزمنى، ولذلك عندما أدرك أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن قيمة المال في بذله لله تعالى؛ سخية بها نفوسهم، ابتغاء رضا ربهم، كانوا يسارعون للبذل في كل وجوه الخير.

 ومن ذلك ما رواه الواقدي، وابن سعد، وابن كثير من تسابق الصحابة إلى البذل للجهاد في سبيل الله تعالى في غزوة تبوك، فكان أول من حمل مالا كثيرا استغرق ماله كله أبو بكر، وجاء عمر بنصف ماله، وحمل العباس مالا، وحمل طلحة بن عبيد الله مالا، وحمل محمد بن مسلمة مالا، وحمل عبد الرحمن بن عوف مائتي أوقية، وحمل سعد بن عبادة مالا، وتصدق عاصم بن عدي بتسعين وسقا تمرا، وجهز عثمان ثلث الجيش فكان أكثرهم نفقة حتى كفى ذلك الجيش مؤنتهم، وكان الرجل يأتي بالبعير فيدفعه بين الرجلين ويقول: هذا بينكما فتعاقباه، حتى إن النساء كن يتصدقن بكل ما قدرن عليه حتى امتلأ ثوب بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حليهن وخلاخيلهن وخواتمهن" [13].

وروي عن عائشة وعروة بن الزبير «أن أبا بكر أسلم يوم أسلم وله أربعون ألف دينار، فأنفقها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إنه دخل المسجد، فوجد سائلا يسأل، فدخل إلى بيته فوجد كسرة في يد ولده عبد الرحمن فانتزعها منه فدفعها إليه»[14].

«وتصدق أبو الدحداح بحائط[15] فيه ستمائة نخلة، وهو أحسن ما عنده عندما سمع قوله تعالى: )وأقرضوا الله قرضا حسنا( (المزمل: ٢٠)»[16].

هذه صورة من مجتمع الصحابة، كان يسارع كل صحابي إلى بذل الفضل وليس الفرض فقط، وذلك راجع إلى صدق الإيمان، وسيطرة حب الله على القلب حتى صار حب المال في أفضل درجات الاعتدال، وهي الصورة التي يجب أن يتحلى بها المسلم في حياته.

·   في زكاة الفطر معنى من أسمى المعاني الروحية، يشير إليه حديث ابن ماجة «أن الله تعالى فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث[17]، وطعمة للمساكين»[18]. وعليه تكون زكاة الفطر طهرة للكبير والصغير، والغني والفقير، والرجل والمرأة؛ لأنها لازمة في حق الجميع، وقد يبذلون المال لأفقر منهم فتطهر هذه الزكاة نفوسهم، ولا شك أن الطهارة هنا ليست حسية للجسد بل معنوية للروح.

المقصد التربوي للزكاة في الجانب الخلقي للفرد المسلم:

الزكاة إخراج مال إلى مستحقين، والمال شقيق الروح، والنفس مفطورة على حبه والاستحواذ عليه، لكن بذله صعب، ومن ثم تكون له آثاره الكثيرة لإصلاح أخلاق المسلم في جوانب عديدة منها:

·   تنقية النفس من أشد الأمراض وأسوئها وهو داء الشح، فالأغنياء شعارهم قوله تعالى: )ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون (16)( (التغابن)، هذا الشح الذي يورث الإنسان غضب الله وعداوة الخلق تعالجه الزكاة والصدقات علاجا جذريا؛ لأنها تعوده دوام البذل، حتى ولو كان مكرها خائفا من عذاب الله، فلا يزال العبد يجاهد نفسه حتى يسلس له قيادها، ويلين له زمامها، فلا يمسك في مواطن البذل، ولا يحجم في مواضع الإقدام، ويدفعه في ذلك نصوص القرآن التي ذكرت البذل والإنفاق، سواء في الصدقات أو الزكوات ستا وثلاثين مرة بعد المائة، ومنها ثلاثة وثلاثون موضعا أمرا مباشرا بالإنفاق، والباقي حث عليه، وترغيب فيه، وهي من الكثرة بحيث تدفع المسلم إلى تجاوز داء الشح إلى البذل عن سماحة، ورضى ورغبة في ثوابها، واتقاء لغضب الله في حبسها.

·   إذا عالجت الزكاة داء الشح في نفس الغني المنفق فهي أيضا تعالج داء الحقد والحسد في نفس الفقير الآخذ من هذه الأموال، هذا الداء الذي يجعل صاحبه ينظر إلى كل غني نظرة ملؤها الغيظ، نظرة الحسد أن أعطاه الله وحرمه، نظرة الامتعاض لماذا لم ينثر له بعض الحق لعله يقيم صلبه، ويرقع ثوبه، ويحيي ذبول جسمه، ويطعم ولده؟

ولو تكاثر هذا المرض - الحقد والحسد - في المجتمع المسلم - بل أي مجتمع - أفضى إلى تدميره، ويعيش هذا الفقير يمتلئ صدره نارا ساحقة، وهذا قد يودي به، ويزري بأخلاقه، لكن إعطاءه والحنو عليه يخلق فيه روح الحب، فتدب فيه سلامة الصدر، ونقاء القلب، ولا يلبث إذا أفاض الله عليه بخير أن يبذل هو أيضا من خاصته ما يحتاج إليه؛ لأن إعطاءه يدفعه إلى الإحساس بغيره أكثر من إحساسه بخاصة نفسه، وهذا التعايش الآمن يعبر عنه رئيس البوسنة على عزت بيجوفيتش بقوله: إن غاية الإسلام ليست القضاء على الأغنياء، وإنما دائما القضاء على الفقر.

·   تشريعات الإسلام تجعل المسلم متخلقا بأخلاق العفة عن أموال الزكاة، ومن ذلك ما جاء عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي نفسي بيده، لأن يأخذ أحدكم حبلا فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا أعطاه أو منعه» [19].

وذكر «أن رجلين جاءا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألاه الصدقة، فصعد البصر فرآهما جلدين، فقال: إن شئتما أعطيتكما، ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب»[20].

·   الزكاة تجعل المسلم يتخلق بأخلاق الكرم، والجود، والبذل، والتضحية، وليس ذلك الذي تزيغ عينه ويضطرب قلبه عندما يرى فقيرا محتاجا، مخافة أن يبذل له حقه فينقص ماله ويقل ثراؤه، بل هو ذلك الموقن أن الله - عز وجل - قد وعد بالخلف والزيادة في قوله تعالى: )وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين (39)( (سبأ)، فيزداد سخاؤه ويستمر عطاؤه، ويحدوه أمل عريض، ويقين وثيق أن الله تعالى سيبارك رزقه، ويضاعف عطاءه، فلا يزال مع الله تعالى في عادة البذل.

ولقد كان سيدنا عبد الرحمن بن عوف عظيم السخاء، ولما سئل عن فلسفة هذا الجود النادر، قال: عودني الله عادة، وعودت الله عادة، فلا أقطع عادتي مع الله، فيقطع الله عادته معي؛ قاصدا إلى سعة الرزق مما عوده كثرة البذل، فلا يقطع البذل فتقطع الأرزاق الواسعة.

·   تؤسس الزكاة في المسلم حب الآخرين والإحساس بهم، وتنمي التربية الجماعية، والميل إلى معرفة الآخرين وتحري ظروفهم، والنهوض لنجدتهم، والسعي لكفالتهم، والقرآن لفت أنظارنا إلى أهمية إدراك حوائج الناس دون اعتبار للشكل العام أو العفة الظاهرة؛ لأن هناك فقراء: )يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم (273)( (البقرة)[21].

وقال الشافعي: قد يكون الرجل غنيا بالدرهم مع الكسب، ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله، وهذا لا يعني أن يتجسس على عورات الناس، بل يتحسس حاجاتهم فيعطيهم قبل أن يعضهم الفقر، أو يحرجهم السؤال [22].

المقصد التربوي للزكاة في الجانب العقلي للفرد المسلم:

عند إمعان النظر نجد أن هناك جوانب تؤثر فيها الزكاة منها إصلاح الجانب العقلي للفرد المسلم، ويتجلى ذلك فيما يلي:

·   أداء الزكاة يزكي النفس ويطهر القلب من النهم على الدنيا؛ ليفرغ العقل لينهل من العلم، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:«منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب دنيا» [23].

فمن امتلأ قلبه بحب الدنيا لا يجد في عقله إلا طرائق تحصيل المال، وفنون تجميعه، وطرق حفظه وعده وتنميته، هذا العقل لا يصلح للعلم، أما من وضع المال في موضعه فإن عقله يحتفظ باتزانه، ويدير أموره في الدنيا والآخرة بشكل متوازن يتوافق مع قوله تعالى: )كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون (219) في الدنيا والآخرة( (البقرة).

ومن يخالط الناس اليوم يجد من صرف كل همه، وصوب ملكات عقله لمزيد من الكسب المادي. أو الاستحواذ على مورد للمال لا ينضب، فإذا حدثته في أمر علمي أو وجهته إلى كتاب نادر أو حكمة بالغة، أو فكرة بارعة وجدته كالميت الذي فقد التجاوب مع من حوله، وهؤلاء يتحولون إلى عبيد ملتصقين بالأرض، وليسوا عبادا لرب السماوات والأرضين، إذا لاحت لهم ظنون بعيدة بدنيا قريبة وجدتهم كالحمر المستنفرة، وإذا دعوتهم إلى يقين من ثواب الآخرة وجدتهم أجسادا هامدة، وعقولا راكدة.

·   إذا راجعنا كتب الفقه في أدلة الخلاف حول أحد فروع الزكاة، مثل جواز إخراج زكاة الفطر مالا بدلا من الحبوب، فسنجد من الثراء العقلي ما يفيض على العقل المسلم بكثير من الوجوه السائغة والعلل الجامعة، التي يخرج منها المسلم وهو على يقين بأن في تفاصيل الأحكام الشرعية ما يؤهل العقل المسلم لو أحسن استغلال هذا العقل الحي، الباحث عن الحقيقة بين الظنون الشائعة، ما يؤهله لكي يقود البشرية كلها نحو صلاحها، لتكون للعقلية المسلمة تميزها وتفردها وسبقها في الكشف والاختراع، في الربط بين الريادة في الدنيا والشهادة في الآخرة، في الجمع بين مطالب الروح والجسد، في التوازن بين حياة الإنسان وأخيه الإنسان حوله، وهي حركة لا تستمر إلا بعقل يفهم ويستوعب دور الإنسان في هذه الحياة.

المقصد التربوي للزكاة في الجانب الجسدي للفرد المسلم:

قد تؤدي النظرة العابرة إلى أحكام الزكاة إلى اعتبارها عبادة روحية اجتماعية فقط، لكن عند التأمل نجد جوانب كثيرة يراعى فيها الجانب الجسدي في تشريع الزكاة منها ما يلي:

·   من المعروف فقهيا أن لكل مال تجب فيه الزكاة - غالبا ـ[24] نصابا؛ وذلك للحديث الذي رواه أبو داود بسنده عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس فيما دون خمس ذود[25] صدقة من الأبل، وليس فيما دون خمس أواق صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق[26] صدقة» [27].

·   هذا النصاب يوفر الحد المعقول من المعيشة التي ذكرها الله تعالى في قوله: )إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى (118)( (طه)، هذه الثوابت التي يجب أن تتوفر لكل إنسان، فلا تجوع بطنه ولا يتعرى جسمه، ولا تظمأ شفته، ولا ينام أو يعيش في العراء، بل لا بد من مسكن يقيه من المطر ويظله من الحر، وهذه كلها مطالب جسدية أوجب الإسلام توفيرها لكل إنسان، ولا يلزم بإخراج الزكاة إلا إذا وجد النصاب مع حولان الحول عليه، خاصة في الأموال السائلة ليدل على امتلاكه كل ما يحتاج إليه هذا البدن من طعام وشراب وكساء ومسكن، وهو الحد الذي لا يمكن أن يعيش إنسان بدونه.

النصاب إذن عبارة عن تكريم للجسد، ولا يجوز إهمال مطالبه أو التواني عن تلبيتها، ولقد كانت الشريعة الإسلامية - وستظل - ذات تفرد وتميز في هذه الكفالة الواجبة للمطالب التي تكرم الإنسان في جسده ونفسه ومكانته، فيلبس لبس مثله، ويسكن في مسكن يوازي أمثاله، فإن فاض عنه ما يبلغ نصابا أخرج الزكاة وإلا لم يجب عليه شيء.

وعندما حاولت الأنظمة الوضعية وضع حل لهذا الأمر وضعت حدا للإعفاء لكل مواطن فيكون الإعفاء للعازب مثلا مائة جنيه، وللمتزوج مائة وعشرين، ولمن يعول مائة وأربعين، وهذا عندما يطبق على الناس كافة انطوى على ظلم فادح؛ لأن العازب المريض قد يحتاج إلى مؤن وعلاج ولا تكفيه الألف، وقد ينفق نصفه المتزوج العائل، فتحديدها بحد أدنى للإعفاء فيه افتراض تساوي جميع الخلق في ظروفهم وإنفاقهم، أما الإسلام فقد خرج بالناس من هذا المأزق؛ حيث أرشد الإنسان إلى الإنفاق المعتدل قال تعالى: )والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما (67)( (الفرقان)، ثم ما فاض عنه من نصاب حال عليه الحول يخرج عنه زكاة في نسبة محدودة لتبقى كل مطالب الإنسان في الإمكان تلبيتها ما دامت حلالا.

·   أما الفقير الذي لا تتوافر له مقومات الحياة الضرورية الحاجية والتي تليق بمثله، فتجب كفالته حتى قال ابن رجب: "المسكن والخادم والمركب المحتاج إليه بمال فاضل يمنع أخذ الزكوات، ولا يجب فيه الحج والكفارات، ولا يوفي منه الديون والنفقات، وقد ذكر عدد من الفقهاء والعلماء أن من له دار واسعة، وأثاث، وفرش، وخادم، وملابس سرية، ومحتاج للزكاة لا تباع هذه الأشياء، ويأخذ من الزكاة.

هذه أظهر الأدلة على مراعاة حاجات الجسد كلها، دون تقصير في شيء منها، بل إن الحديث أخرج الإنسان عن آداب الإسلام كلها في نحو ما روي عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما آمن بي من بات شبعانا، وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به» [28].

هذه النصوص تضمن لكل جسد عار كساء، ولكل بطن خاو غذاء، ولكل ظمآن سقاء، ولكل فرد إيواء في مسكن يناسب وضعه الاجتماعي والأدبي، فإذا افتقر القاضي يسكن في مسكن يكافئ نظراءه من بيت مال الزكاة، ولا يلزم أن يسكن مسكن الخفراء، ولا أن يركب مركبهم، هذه الأحكام تراعي الحاجات الجسدية والنفسية في آن واحد.

·   هذا الوجوب الشرعي لسد حاجات الجسد والنفس لا يقتصر على أموال الزكاة بل يجاوزها إلى جواز فرض الوظائف المالية على الأغنياء إذا قصروا في كفالة الفقراء. يقول ابن حزم: "وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنهم من المطر والصيف وعيون المارة" [29].

الواضح أن عبارة ابن حزم - وغيرها الكثير - تؤكد على مطالب الجسد التي لا صبر للإنسان على فقدها إذا قابلت هذا بما آل إليه الوضع هذه الأيام، فسنجد أن العالم لا يزال يعاني نقصا مزمنا في التغذية، فهل يرجع هذا إلى نقص في الغذاء، أم إلى نقص في الشعور؟ كما يقول الرئيس على عزت بيجوفيتش، وقد نشرت سلسلة الأمة كتابا بعنوان "الحرمان والتخلف في ديار المسلمين"، وذكر فيه أن هناك ثلاثة عشر مليون مسلم يموتون كل عام بسبب الجوع والفقر، ونشرات الأخبار تطالعنا بمآسي المرضى، والزمنى، والأطفال، والشيوخ، والنساء، والأرامل، والجرحى من المسلمين في بنجلاديش، والبوسنة، وكشمير، والصومال، وفي كثير من دولنا العربية فقراء يعضهم الجوع، وتنهكهم الأمراض، ولا يجدون الكفاف، فأي عذاب للجسد، وغياب للضمير الإنساني، وجفاف في المشاعر الإنسانية أدى إلى هذا؟! إنه الضياع، فلا الغني بعد ذلك آمن على نفسه من سطو الفقير، ولا الفقير يأمن على لقمته من التهام الغني لها واستحواذه عليها، هناك حرب باردة تسخن درجتها في كل الجرائم اليومية، وقد نشر في عدد 4 سبتمبر 1969م، من جريدة الجمهورية المصرية أن مكتب التحقيقات الفيدرالي بأمريكا أفاد بأن عدد الجرائم الخطيرة أربعة ملايين ونصف مليون جريمة كل عام، وتقع في كل دقيقتين جريمة سرقة بإكراه، وسرقة سيارة كل 41 ثانية، وسرقة منزل كل سبع عشرة ثانية".

أليست هذه السرقات أكبر خطرا على الأجساد عندما يصاحبها إكراه على السرقة؟! وإذا لم يحدث إكراه أليست اعتداء على حقوق الأمن والملكية والنفس في نفس الوقت؟! إن الإسلام وحده هو الذي يمكن أن يحل هذه المعضلات.

فاحترام الإنسان من ثوابت الإسلام لقوله تعالى: )ولقد كرمنا بني آدم( (الإسراء: ٧٠)، مهما اختلفت أديانهم، وإطعام الطعام للفقير ذي المسغبة[30]، أو اليتيم ذي المقربة[31]، أو ابن السبيل الحائر، كل ذلك يمثل للإنسان حدا طيبا من المعيشة التي لا تعرف العنت[32] لهذا الجسد، واستقر في العرف الفقهي الإجماع على وجوب بذل الطعام للمحتاج إليه، والكساء والسكن لمن اشتدت حاجته إذا فاض عن حاجة المنفق، وإذا ترك الغني الفقير فمات ألزم دفع ديته.

·   إذا كانت الزكاة تلبي كل مطالب المسلم الجسدية والنفسية، فإن التشريعات المالية الأخرى قد أخذت روح الزكاة في كفالة الإنسان حتى ولو لم يكن مسلما، وسد حاجته الجسدية والنفسية، ولقد أسف عمر - رضي الله عنه - عندما وجد شيخا يهوديا يتسول فأعطاه من سهم المصالح ما يسد حاجته، ولما بعث عبد الملك ابن مروان عامله الضحاك بن عبد الرحمن الأشعري إلى أهل فارس ليقرر عليهم مقدار الجزية والخراج[33]، حسب ما يكسبه العامل في السنة، وطرح النفقات كلها من طعام، وشراب، وإدام، وكسوة، وسكن، بل حسب الحذاء، ثم وضع الجزية والخراج على ما كسبه بعد ذلك، وحذر سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عامله عثمان ابن حنيف، وحذيفة بن اليمان أن يحملا أهل الخراج غير المسلمين، تكاليف مالية في الخراج والجزية فوق ما يطيقون، ولما سألهما قال عثمان بن حنيف: وضعت عليهم شيئا ما فيه كثير فضل، وقال أبو عبيد: وهذا عندنا مذهب الجزية والخراج، إنما هما على قدر الطاقة من أهل الذمة بلا حمل عليهم ولا إضرار بفيء المسلمين.

·   لقد زاد الإسلام الإنسان في العطاء في الأعياد فالنفس البشرية تتطلع إلى أن تعيش أفراح العيد في سعة من العيش، فلا يخرج الميسورون وأولادهم في رغد من العيش، ويعيش الفقير طاويا أو يأكل طعاما عاديا، بل سن الإسلام قبل عيد الفطر فريضة من الزكاة هي صدقة الفطر؛ وذلك لإغناء الفقراء عن السؤال في هذا اليوم، ويظهر هدفها حديث أبي داود «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين»[34].

وتعدى هذا الحس المرهف فقراء المسلمين إلى فقراء أهل الذمة، فروى أبو يوسف أن الضحاك بن عبد الرحمن الأشعري لما وضع الجزية على أهل فارس وقدر خراجها خصم مصاريف أعيادهم من جملة مكاسبهم ضمن النفقات العادية لكل فرد.

نستطيع أن نقول إن توافر الأموال بيد الفقير هو أكبر ضمان أن يتغذي الفقير غذاء متنوعا يحفظ جسده من الاعتلال، فالجسم يحتاج إلى النشويات والبروتينات والأملاح والسكريات... وغيرها، وهذه تحتاج إلى غذاء متنوع، والأنيميا التي تصيب الجسد تأتي غالبا من الطعام الذي لا يسد حاجات الجسد كله، والملابس تحفظ الإنسان من ضربات الشمس والأمراض الجلدية التي يتعرض فيها الجلد لحرارة الشمس، أما البرد فهو كاف لإنهاك الجسد والإصابة بالنزلات المعوية، والأنفلونزا، والتهاب الشعب الهوائية، والنوم في العراء يعرض الإنسان لدواب الأرض وهوام الطرق، وهذه قد تنهش جسده، ويتسمم دمه، وتوفير سكن صالح هو العاصم من هذه المهالك [35].

ثانيا. المال مال الله، والأغنياء والفقراء عباده، ولا فضل لأحدهما على الآخر:

ودليل ذلك قوله عز وجل: )إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون (44)( (يونس)، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: في الخدم والمحتاجين والضعفاء الذين يكونون تحت آخرين أنه قال لأبي ذر الغفاري لما عير خادمه بأمه: «إخوانكم خولكم[36] جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس» [37].

وبناء على ما تقدم من نصوص نقول: الأغنياء والفقراء جميعا عباد الله - عز وجل - ولا فضل لأحدهما على الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح، فالله هو الرزاق ذو القوة المتين، فلا أحد يرزق إلا الله - عز وجل - يرزق الغني والفقير على حد سواء بل يرزق جميع المخلوقات، وكلمة الرزاق توحي بالكثرة فهي صيغة مبالغة علي وزن فعال.

ليس هذا فحسب، بل لا بد للمرء أن يطمئن إلى أن الذي يرزقه هو الله - عز وجل - لأنه - عز وجل - قوي متين، فقد يعتمد إنسان - خطأ - على أحد أو شيء سوى الله - عز وجل - ثم يجد ضعفا في هذا الذي اعتمد عليه، فلا يبلغه رزقه، فكأن الله - عز وجل - يريد أن يقول لنا: اطمئنوا فأنا الرزاق، ولن يمنع أحد عنكم رزقي، فأنا القوي المتين إذا أردت شيئا، فإنما أقول له كن فيكون.

أسمى درجات العدل والرحمة والتكافل الاجتماعي تتجلى في الزكاة:

·       الزكاة هي الركن الاجتماعي البارز من أركان الإسلام، فحديث الزكاة أدخل شيء في سياسة المال في الإسلام.

·   الزكاة حق المال، وهي عبادة من ناحية، وواجب اجتماعي من ناحية أخرى، فإذا جرينا على نظرية الإسلام في العبادات والاجتماعيات قلنا: إنها واجب اجتماعي تعبدي؛ لذلك سماها "زكاة"، والزكاة طهارة ونماء، فهي طهارة للضمير والذمة بأداء الحق المفروض.

·   وهي طهارة للنفس والقلب من فطرة الشح وغريزة حب الذات، فالمال عزيز، والملك حبيب، فحين تجود النفس به للآخرين إنما تطهر وترتفع وتشرق، وهي طهارة للمال بأداء حقه وصيرورته بعد ذلك حلالا؛ ولأن في الزكاة معنى العبادة، فبلغ من لطف حس الإسلام ألا يطلب إلى أهل الذمة من أهل الكتاب أداءها، واستبدل بها الجزية؛ ليشتركوا في نفقات الدولة العامة، دون أن تفرض عليهم عبادة خاصة من عبادات الإسلام إلا أن يختاروها.

·   والزكاة حق الجماعة في عنق الفرد؛ لتكفل لطوائف منها كفايتها أحيانا، وتكفل لها شيئا من المتاع بعد الكفاف أحيانا أخرى؛ وبذلك يحقق الإسلام جانبا من مبدئه العام: )كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم( (الحشر: ٧)، ذلك أن الإسلام يكره للناس الفقر والحاجة، ويحتم أن ينال كل فرد كفايته من جهده الخاص وموارده الخاصة حين يستطيع ذلك، ومن مال الجماعة حين يعجز لسبب من الأسباب.

·   يكره الإسلام الفقر والحاجة للناس؛ لأنه يريد أن يعفيهم من ضرورات الحياة المادية؛ ليفرغوا لما هو أعظم، ولما هو أليق بالإنسانية وبالكرامة التي خص الله بها بني آدم: )ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا (70)( (الإسراء)، ولقد كرمهم فعلا بالعقل والعاطفة، وبالأشواق الروحية إلى ما هو أعلى من ضرورات الجسد، فإذا لم يتوافر لهم من ضرورات الحياة ما يتيح لهم فسحة من الوقت والجهد لهذه الأشواق الروحية، ولهذه المجالات الفكرية. فقد سلبوا ذلك التكريم، وارتكسوا إلى مرتبة الحيوان، بل إن الحيوان ليجد طعامه وشرابه غالبا، وإن بعض الحيوان ليختال ويقفز ويمرح، وإن بعض الطير ليغرد ويسقسق[38]؛ فرحا بالحياة بعد أن ينال كفايته من الطعام والشراب.

فما هو بإنسان وما هو بكريم على الله، ذلك الذي تشغله ضرورات الطعام والشراب عن التطلع إلى أسمى مما يناله الطير والحيوان، فضلا عما يجب للإنسان الذي كرمه الله. فإذا قضى وقته وجهده ثم لم ينل كفايته، فتلك هي الطامة التي تهبط به دركات عما أراده له الله، والتي تصم الجماعة التي يعيش فيها بأنها جماعة هابطة لا تستحق تكريم الله؛ لأنها تخالف إرادة الله.

·   إن الإنسان خليفة الله في أرضه، قد استخلفه عليها لينمي الحياة فيها، ويرقيها، ثم ليجعلها ناضرة بهيجة، وليستمتع بجمالها ونضرتها، ثم ليشكر الله على أنعمه التي آتاه. والإنسان لن يبلغ من هذا كله شيئا إذا كانت حياته تنقضي في سبيل اللقمة، ولو كانت كافية، فكيف إذا قضى الحياة فلم يجد الكفاية؟

·   ويكره الإسلام أن تكون الفوارق بين أفراد الأمة بحيث تعيش منها جماعة في مستوى الترف، وتعيش جماعة أخرى في مستوى الشظف، لكن أن تتجاوز الشظف إلى الحرمان والجوع والعري، فهذه أمة غير مسلمة.

 والرسول يقول: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». [39] يكره الإسلام هذه الفوارق؛ لما وراءها من أحقاد وأضغان تحطم أركان المجتمع، ولما فيها من أثرة وجشع وقسوة تفسد النفس والضمير، ولما فيها من اضطرار المحتاجين؛ إما إلى السرقة والغصب، وإما إلى الذل وبيع الشرف والكرامة.. وكلها منحدرات يتجافى الإسلام بالجماعة عنها.

·   ويكره الإسلام أن يكون المال دولة بين الأغنياء في الأمة، وألا تجد الكثرة ما تنفق؛ لأن ذلك ينتهي في النهاية بتجميد الحياة والعمل والإنتاج في هذه الأمة، بينما وجود الأموال في أيدي أكبر عدد منها يجعل هذه الأموال تنفق في شراء ضروريات الحياة لهذا العدد الكبير، فيكثر الإقبال على السلع، فينشأ من هذا كثرة الإنتاج، ويترتب عليه العمالة الكاملة للأيدي العاملة. وبذلك تدور عجلة الحياة والعمل والإنتاج والاستهلاك دورتها الطبيعية المثمرة.

لهذه المعاني جميعها شرع الزكاة وجعلها فريضة في المال وحقا لمستحقيها، لا تفضلا من مخرجيها، وحدد لها نصابا في المال يجعل الواجدين جميعا يشتركون في أدائها. ذلك أن أقصى حد للإعفاء منها عشرون مثقالا ذهبا، على أن تكون فائضة عن الحاجات الضرورية لمالكها وعن الدين وحال عليها الحول. وذلك بديهي؛ لأن الإنسان لا يطالب بالزكاة وهو مستحق للزكاة! أما في الزرع والثمار فهي موسمية موقوتة بمواسم الحصاد، وهي في عروض التجارة تقوم بالذهب أو الفضة، وفي الحيوان بنسب معينة تعادل نسبتها في المال، وهي ربع العشر على وجه التقريب، وفي الركاز الخمس على خلاف في أنواع الركاز، أتكون لصاحب الأرض، أم للجماعة.

أما المستحقون لها فهم كما نص عليهم في القرآن: [40]

1. الفقراء: وهم الذين يملكون أقل من النصاب، أو يملكون نصابا مستغرقا في الدين، وظاهر أن هؤلاء يملكون شيئا، ولكنه شيء قليل، والإسلام يريد أن ينال الناس كفايتهم، وشيئا فوق الكفاية يعينهم على المتاع بالدنيا على قدر الإمكان.

2. والمساكين: وهو الذين لا يملكون شيئا، وهم بطبيعة الحال أجدر بالعطاء من الفقراء، ولكن يبدو أن ذكر الفقراء قبلهم في الآية يرمي إلى أن وجود شيء قليل للفقراء لا يكفي، فكأنهم كالمساكين؛ لأن هدف الإسلام مجرد الكفاف الضروري، ولكن شيء فوق الكفاف.

3. والعاملون عليها: أو كتبة الدواوين، أو رعاة حيوانات الزكاة، وهؤلاء - وإن كانوا أغنياء - يعطون جزاء العمل، فهو راتب الوظيفة، وذلك داخل في نظام الجهد والأجر، لا في باب الحاجة وسدها.

4. والمؤلفة قلوبهم: وهم الذين كانوا قد دخلوا في الإسلام حديثا؛ لتقوية قلوبهم، واجتذاب من عداهم، ولكن هذا المصرف قد أغلق بعد أن أعز الله الإسلام عقب حروب الردة في أيام أبي بكر، ولم يعد الإسلام في حاجة إلى تأليف القلوب بالمال، ومع أن هؤلاء قد نصت عليهم آية قرآنية، فإن عمر لم يجد حرجا في التصرف؛ وذلك بإسقاطه؛ لعدم الحاجة إليه؛ لاشتداد شوكة الإسلام، إلا إذا جدت ظروف في العصر الحاضر تستدعي تأليف القلوب حول المسلمين لوهنهم وضعفهم كما يرى بعض العلماء.

5. وفي الرقاب: وهم الأرقاء المكاتبون الذين يستردون حريتهم نظير قدر من المال متفق عليه مع مالكيهم؛ تيسيرا لهم لينالوا الحرية.

6. والغارمون: وهم الذين استغرق الدين ثرواتهم، على ألا يكون هذا الدين في معصية، فلا يكون الترف وما يشبهه سببا فيه. وإعطاؤهم قسطا من الزكاة فيه سداد لديونهم، وتخليص لرقابهم منها، وفيه إعانة لهم على الحياة الكريمة.

7. وفي سبيل الله: وهم مصرف عام تحدده الظروف، ومنه تجهيز المجاهدين وعلاج المرضى ومساعدة العاجزين عن التعليم، وسائر ما تتحقق به المصلحة لجماعة المسلمين. والتصرف في هذا الباب يتسع لكل عمل اجتماعي في سائر البيئات والظروف.

8. وابن السبيل: وهو المنقطع عن ماله الذي لا يجد ما ينفق؛ كالمهاجرين بسبب الحروب والغارات والاضطهاد، الذين خلفوا أموالهم وراءهم، ولا سبل لهم إلى هذه الأموال.

والإسلام لا يقرر لهذه الطوائف حقها في الزكاة إلا بعد أن تستنفد هي وسائلها الخاصة في الارتزاق؛ فالإسلام حريص على الكرامة الإنسانية ومن ثم هو حريص على أن يكون لكل فرد مورد رزق يملكه، ولا يخضع فيه حتى للجماعة!

لذلك حث على الاستغناء عن طريق العمل، وجعل واجب الجماعة الأول أن تهيئ العمل لكل فرد فيها، فقد جاء سائل إلى النبي يستجديه، فأعطاه درهما، وأمره أن يشتري به حبلا؛ ليحتطب به فيعيش من عمل يده، وقال: «لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه» [41].

فهذه الإعانة من الزكاة وقاية اجتماعية أخيرة، وضمانة للعاجز الذي يبذل طوقه ثم لا يجد، أو يجد دون الكفاية، أو يجد مجرد الكفاف، ثم هي وسيلة لأن يكون المال دولة بين الجميع لتحقيق الدورة الكاملة السليمة للمال بين الإنتاج والاستهلاك والعمل من جديد. وفي هذا يجمع الإسلام بين الحرص على أن يعمل كل فرد بما في طاقته، وألا يرتكن على الإعانة الاجتماعية فيتبطل، والحرص على أن يعين المحتاج بما يسد خلته، ويرفع عنه ثقل الضرورة ووطأة الحاجة، وييسر له الحياة الكريمة، ثم الحرص على ضمان الدورة الصحيحة لرأس مال الأمة.

إن الزكاة هي قاعدة المجتمع المتكافل المتضامن الذي لا يحتاج إلى ضمانات النظام الربوي في أي جانب من جوانب حياته.

وقد بهتت صورة "الزكاة" في حسنا وحس الأجيال التعيسة التي لم تشهد نظام الإسلام مطبقا في عالم الواقع، ولم تشهد هذا النظام يقوم على أساس التصور الإيماني والتربية الإيمانية والأخلاق الإيمانية، فيصوغ النفس البشرية صياغة خاصة، ثم يقيم لها النظام الذي تتنفس فيه تصوراتها الصحيحة وأخلاقها النظيفة وفضائلها العالية، ويجعل الزكاة قاعدة هذا النظام، في مقابل نظام الجاهلية الذي يقوم على القاعدة الربوية، ويجعل الحياة تنمو والاقتصاد يرتقي عن طريق الجهد الفردي، أو التعاون البرئ من الربا!

وبهتت هذه الصورة في حس هذه الأجيال تعيسة الحظ التي لم تشهد تلك الصورة الرفيعة من صور الإنسانية، إنما ولدت وعاشت في غمرة النظام المادي القائم على الأساس الربوي. وشهدت الكزازة[42] والشح، والتكالب والتطاحن، والفردية والأثرة التي تحكم ضمائر الناس، فتجعل المال لا ينتقل إلى من يحتاجون إليه إلا في الصورة الربوية الخسيسة! وجعلت الناس يعيشون بلا ضمانات، ما لم يكن لهم رصيد من المال؛ أو يكونوا قد اشتركوا بجزء من مالهم في مؤسسات التأمين الربوية! وجعلت التجارة والصناعة لا تجد المال الذي تقوم به، ما لم تحصل عليه بالطريقة الربوية. فوقر في حس هذه الأجيال المنكودة الطالع أنه ليس هناك نظام إلا هذا النظام، وأن الحياة لا تقوم إلا على هذا الأساس.

بهتت صورة الزكاة حتى أصبحت هذه الأجيال تحسبها إحسانا فرديا هزيلا، لا ينهض على أساسه نظام عصري! ولكن كم تكون ضخامة حصيلة الزكاة، وهي تتناول اثنين ونصفا في المائة من أصل رؤوس الأموال الأهلية مع ربحها؟! ويؤديها الناس الذين يصنعهم الإسلام صناعة خاصة، ويربيهم تربية خاصة بالتوجيهات والتشريعات، وبنظام الحياة الخاص الذي يرتفع تصوره على ضمائر الذين لم يعيشوا فيه! وتحصلها الدولة المسلمة حقا مفروضا لا إحسانا فرديا، وتكفل بها كل من تقصر به وسائله الخاصة من الجماعة المسلمة؛ حيث يشعر كل فرد أن حياته وحياة أولاده مكفولة في كل حالة، وحيث يقضى عن الغارم المدين دينه سواء كان دينا تجاريا أو غير تجاري من حصيلة الزكاة.

وليس المهم هو شكلية النظام، إنما المهم هو روحه، فالمجتمع الذي يربيه الإسلام وتوجيهاته وتشريعاته ونظامه متناسق مع شكل النظام وإجراءاته، متكامل مع التشريعات والتوجيهات، ينبع التكافل من ضمائره ومن تنظيماته معا. وهذه حقيقة قد لا يتصورها الذين نشأوا وعاشوا في ظل الأنظمة المادية الأخرى، ولكنها حقيقة نعرفها نحن - أهل الإسلام - ونتذوقها بذوقنا الإيماني. فإذا كانوا هم محرومين من هذا الذوق؛ لسوء طالعهم ونكد حظهم - وحظ البشرية التي صارت إليهم مقاليدها وقيادتها - فليكن هذا نصيبهم! وليحرموا من هذا الخير الذي يبشر الله به: )إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (277)( (البقرة)، ليحرموا من الطمأنينة والرضى فوق حرمانهم من الأجر والثواب، فإنما بجهالتهم وجاهليتهم وضلالهم وعنادهم يحرمون [43]!

ثالثا. كل عمل يعمله المسلم يجد له مقابلا في الدنيا والآخرة:

إن من عظيم فضل الله - عز وجل - على عباده أن جعل لكل عمل مقابلا، وهذا المقابل يكون من أقوى المحفزات والدوافع على إتيان الصالحات وترك المنكرات، وهذا يترتب عليه أعظم الأثر في صلاح الفرد والمجتمع على حد سواء، قال عز وجل: )من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (97)( (النحل).

ثم إننا نقول: لو كانت عبادتنا لله - عز وجل - حمدا منا على نعمه التي سبقت تكليفه لنا بالعبادة، لكان ذاك عدلا، ولما استطعنا الوفاء بحمد الله على نعمه، فما بالنا وقد وعدنا الله - عز وجل - الجزاء الأوفى على ما نعمله من الصالحات؟! ما أجود الله الذي لا إله سواه!

مقابل الزكاة في الدنيا والآخرة.

لا يظن ظان أنه لا مقابل ولا أثر يعود على الفرد والمجتمع من أداء الزكاة، بل الأمر على خلاف ذلك.

حكمة الزكاة والصدقة:

إذا كانت الصلاة بمنزلة رباط قوي بين الإنسان وخالقه، وبينه وبين نفسه، وبينه وبين إخوانه المؤمنين إذا التقوا في بيت الله في المسجد فنشأت بينهم صلات، وتوطدت علاقات، وتولدت عواطف الخير: من حب وعطف، وبر ولطف، ومواساة وإحسان، فأحس الغني حاجة أخيه الفقير، ولمس القادر حال العاجز والضعيف، فأدى كل منهما لأخيه ما وجب عليه من معونة وصلة، فأدى الغني حق أخيه عليه من زكاة ماله المفروضة، وزاده من صدقة التطوع؛ فسد جوعته، وستر عورته، وفرج كربته، وأزال لهفته من غير من ولا أذى، ولا غرض ولا مأرب، بل ابتغاء وجه الله لا يريد جزاء ولا شكورا، ولا يبغي مدحا ولا ثناء، بل يحمد الله الذي وفقه، ويسأله أن يقبل زكاته وصدقته.

وقد قرن القرآن الحكيم بين الصلاة والزكاة؛ لأن الصلاة التي انتفع بها صاحبها أثمرت أخلاقا كريمة من البر والكرم والسماحة والجود والحب لله وفي الله، فجعلت صاحبها الجواد الكريم، الذي كان على صلة بمن خزائنه لا تنفد، وسحائب جوده لا تحصى ولا تعد، فأصبح يؤتي ماله يتزكى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه رب الأعلى، ولسوف يرضى، واستجاب لنداء ربه: )قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال (31)( (إبراهيم)، وتخلق بصفات المؤمنين الصادقين: )إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون (2) الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3) أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم (4)( (الأنفال).

وإذا كانت الزكاة المفروضة تؤدى؛ امتثالا للأمر، واستجابة لله ورسوله، فإن الصدقة تقدم بدافع من الأحاسيس النبيلة، والعواطف الرفيعة، والمشاعر الجياشة الراغبة في الخير، المحبة للفضل، المدفوعة إلى التضحية والإيثار، لعلمها بمن تتعامل معه؛ وهو الله - عز وجل - الواهب الرازق، المعطي المنان، المحسن الكريم، الذي يحب المحسنين، ويكرم المتقين الذين يبتغون ثواب الله وأجره، ومعونته وفضله، فيقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، فيتم التناصر والتكافل فيما بينهم، وتؤتي شجرة المحبة أكلها كل حين بإذن ربها، وتظلل المجتمع بظلها الوارف، وفيضها الدافق، فلا يوجد في المجتمع جائع ولا ظامئ، ولا عار؛ إذ يكفل الغني أخاه الفقير، ويتعفف الفقير أن يمد يده بالمسألة، فالأغنياء: )ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة( (الحشر: ٩)، والفقراء: )يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم (273)( (البقرة)، فتختفي الأثرة ويبسط الإيثار مكارمه وفضائله، كما تنشر الشمس أشعتها وأنوارها، فيحيى الناس متحابين متعاونين؛ حيث طابت نفوس الفقراء بوصول حقوقهم إليهم واندفاع بؤس الحاجة عنهم، وزكت نفوس الأغنياء بإخراج ما وجب عليهم من حق معلوم للسائل والمحروم، وتجلت حكمة التشريع في فريضة الزكاة من زوال الأحقاد والأضغان من قلوب الفقراء، ومن زوال الشح والبخل من نفوس الأغنياء، وأحس هؤلاء وأولئك أن المال مال الله، وأن الأغنياء مستخلفون فيه: )آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير (7)( (الحديد).

ومن لطف الله بعباده أنه لم يدع الإنفاق متروكا لضمائر الناس، بل أوجبه وأوصى به، ورغب فيه، وحذر من رذيلتي البخل والشح، قال تعالى: )وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير (110)( (البقرة)، وقال: )رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار (37)( (النور)، وقال: )ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير (180)( (آل عمران).

وقد تولى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيان ذلك، وبين المقادير الواجبة، ثم ما يكون سبيله التطوع والنافلة، والبر والمرحمة.

ولم توجب الشريعة في المال إلا جزءا قليلا يسيرا، وهو مع قلته كاف للفقير، ساد لحاجته وعوزه، وغير مجحف بالغني، بل هو مبارك للمال، يصونه من الجوائح، ويحفظه من السرق والحرق، ثم فيه طهارة المتصدق وزكاته، وفوزه في الآخرة ونجاته، فقد جاء عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - «أن أعرابيا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد، أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك! قال: "صدق". قال: فمن خلق السماء؟ قال: "الله". قال: فمن خلق الأرض؟ قال: "الله". قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: "الله". قال: فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال، آلله أرسلك؟ قال: "نعم". قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا! قال: "صدق". قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم". قال وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا! قال: "صدق". قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم". قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا! قال: "صدق". قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم". قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا! قال: "صدق". قال: ثم ولى. قال: والذي بعثك بالحق، لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لئن صدق ليدخلن الجنة» [44].

 والزيادة عن القدر الواجب صدقة أجرها كبير، وفضلها جزيل، فالحد الأدنى للثواب عشرة أضعاف تضاعف إلى سبعمائة ضعف بل إلى أضعاف كثيرة. قال تعالى: )مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم (261) الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (262)( (البقرة)، وقال عز وجل: )من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم (11)( (الحديد)، وقال عز وجل: )وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم (20)( (المزمل).

وقد ساق النبي صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق - أحاديث في الحث على الصدقة والترغيب فيها، وبيان ثوابها، وعظم أجرها، وما يترتب عليها، نذكر بعضا منها:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله، ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، فقال: فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما آخر» [45].

ويقول صلى الله عليه وسلم: «سبعة يظلمهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله:... ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه»[46].

ويقول صلى الله عليه وسلم: «على كل مسلم صدقة، قالوا: يا نبي الله، فمن لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشر؛ فإنها له صدقة»[47]. ويقول صلى الله عليه وسلم: «إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعرف لله فيه حقا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علما، ولم يرزقه مالا، فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان، فهو بنيته؛ فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما، فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما، فهو يقول: لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته؛ فوزرهما سواء» [48].

فإذا ما تجاوزنا الحديث عن الحكمة في الزكاة والصدقة استوقفتنا زكاة الفطر التي تمثل جانبا إنسانيا له أثره وأهميته في نظر الإسلام، وفي حياة المجتمع المسلم. وبيان ذلك: أن الزكاة إنما تفرض على الأغنياء الذين استكملوا النصاب، أما زكاة الفطر فإنها - عند جمهور العلماء - واجبة على الأغنياء والفقراء على السواء، فتظهر المودة والمحبة والاستعلاء فوق الحياة حتى من الفقير الذي يأخذ من غيره ويدفع لغيره من إخوانه المؤمنين، فياله من سمو وارتقاء وعلو فوق مآرب الحياة، ذلكم التشريع الإسلامي الحكيم الذي يجعل المسلمين كالجسد الواحد، إذا اشتكي منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، وفي الحديث: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكي منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» [49].

 وتتحقق الغاية من وحدة الصف وجمع الكلمة وحب الخير للآخرين - لا على صورة مصغرة - أو ادعاء بلا حقيقة، بل حقيقة مثالية، وصورة كمالية، صورة للمجتمع الإسلامي المتكامل المتضامن المتحاب المتجاوب، الذي يعبد إلها واحدا: )وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم (163) )( (البقرة)، )( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون (92)( (الأنبياء)، )وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون (52)( (المؤمنون).

هذه هي الزكاة، ليس لآل محمد نصيب فيها، فالمعروف في تشريع مصارف الزكاة أنه يمتنع على محمد - صلى الله عليه وسلم - وآله أخذ شيء منها، فكيف يقال إنه شرعها بدافع من فقره.

الخلاصة:

·   تشريعات الإسلام تشريعات إلهية، فالإسلام يختلف تماما عما سواه من التشريعات بأنه تشريع إلهي رباني، والزكاة على وجه الخصوص من التشريعات التي اختص الله - عز وجل - بها نفسه. ثم إن جميع تشريعات الله - عز وجل - لا تخلو من الحكم والمقاصد سواء عرفناها نحن أم لم نعرفها.

·   المال مال الله، والأغنياء والفقراء عباده، ولا تمايز بينهما إلا بالتقوى والعمل الصالح. يقول ربنا عز وجل: )إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين (58)( (الذاريات)، بمعنى أنه لا يرزق أحد سوى الله - عز وجل - وهو قوي متين - عز وجل - وهذا له بالغ الأثر في بعث الطمأنينة في نفوس عباده، فرزقهم محفوظ، ثم إنه لا تمايز بين الفقراء والأغنياء، ولا انحياز في الإسلام لفئة على حساب أخرى، لكنها المراعاة لمقتضى حال الفقراء.

·   كل عمل يعمله المسلم يجد له مقابلا في الدنيا والآخرة، والزكاة لها مقابل يحصل عليه الفرد والمجتمع على حد سواء، فمن هذا المقابل شيوع روح الإخاء والتحاب بين الأغنياء والفقراء، وانعدام روح التباغض والتحاسد بين أفراد المجتمع.

·   ليس من حق محمد - صلى الله عليه وسلم - وآله أن يأخذوا من الزكاة حتى يقال إنه فرضها بدافع من فقره، كما يزعم هؤلاء الجهلاء المغالطون.

 

 



(*) الإسلام والغرب، روم لاندو، ترجمة: منير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، 1962م. قصة الحضارة، وول ديورانت، مكتبة الأسرة، مصر، 2001م.

[1]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الشاميين، حديث المقدام بن معد يآرب عن النبي صلى الله عليه وسلم (17213)، وأبو داود في سننه، كتاب السنة، باب في لزوم السنة (4606)، وصححه الألباني في المشكاة (163).

[2]. المقاصد التربوية للعبادات في الروح والأخلاق والعقل والجسد، د. صلاح الدين سلطان، سلطان للنشر، أمريكا، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص21.

[3]. الخميصة: كساء أسود مربع له علمان، ويكون من الصوف أو غيره.

[4]. شيك: دخلت فيه شوكة.

[5]. لا انتقش: إذا دخلت فيه شوكة لا أخرجها من موضعها.

[6]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب الحراسة في الغزو في سبيل الله (2730).

[7]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الشاميين، حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه (17798)، والبخاري في الأدب المفرد، كتاب حسن الخلق، باب المال الصالح للمرء الصالح (299)، وصححه الألباني في تخريج مشكلة الفقر (1).

[8]. اللهزمتان: العظم البارز في اللحى تحت الحنك.

[9]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب سورة آل عمران (4289)، وفي مواضع أخرى.

[10]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب زكاة البقرة (1391)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة (2347)، واللفظ لمسلم.

[11]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب من لا يقبل الله صدقة من غلول (1344)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها (2389).

[12]. الفلو: المهر الصغير، وقيل: هو كل فطيم من ذات حافر، والجمع: أفلاه.

[13]. انظر: المغازي، الواقدي، تحقيق: مارسدن جونس، عالم الكتب، بيروت، ط3، 1404هـ/ 1984م، ج3، ص991، 992. الطبقات الكبرى، ابن سعد، دار صادر، بيروت، 1376هـ/ 1957م، ج2، ص238. صفة الصفوة، ابن الجوزي، تحقيق: محمود خوري، ومحمد رواسي قلعجي، دار المعرفة، بيروت، ط2، 1399هـ، ج1، ص116.

[14]. أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 377) من طريق: هشام بن عروة قال: أخبرني أبي.. فذكره مختصرا، دون قوله: حتى إنه دخل المسجد... إلخ.

[15]. الحائط: البستان؛ لأنه لا يقال للبستان بستانا إلا إذا كان عليه حائط.

[16]. صحيح: أخرجه أبو يعلي في مسنده، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (4986)، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 249)، باب في الزكاة، فصل في الاختيار في صدقة التطوع، وصححه الألباني في تخريج مشكلة الفقر (120).

[17]. الرفث: الجماع وغيره مما يكون بين الرجل وامراته، يعني التقبيل والمغازلة ونحوهما، مما يكون في حالة الجماع، وأصله قول الفحش.

[18]. حسن: أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر (1611)، وابن ماجه في سننه، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر (1827)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1085).

[19]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة (1401)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس (2447).

[20]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الشاميين، حديث رجلين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم (18001)، وأبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب من يعطى من الصدقة وحد الغنى (1635)، وصححه الألباني في صحيح ابي داود (1438).

[21]. الإلحاف: شدة الإلحاح في المسألة.

[22]. المقاصد التربوية للعبادات في الروح والأخلاق والعقل والجسد، د. صلاح الدين سلطان، سلطان للنشر، أمريكا، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص54: 57 بتصرف.

[23]. صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الأدب، باب ما جاء في طلب العلم وتعليمه (26118)، والدارمي في سننه، باب في فضل العلم والعالم (334)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6624).

[24]. لأن الركاز لا يشترط فيه بلوغ النصاب.

[25]. الذود: للقطيع من الإبل الثلاث إلى التسع، وقيل غيره، ولا يكون إلا من الإناث دون الذكور.

[26]. الوسق والوسق: مكيلة معلومة، وقيل هو حمل بعير، وهو ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم.

[27]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب ما أدى زكاته فليس بكتز (1340)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب ليس فيما دون خمسة أواسق من صدقة (2310).

[28]. صحيح: أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 259)، باب الألف أنس بن مالك رضي الله عنه (751)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5505).

[29]. للمزيد انظر: المحلى، ابن حزم، دار التراث، القاهرة، د. ت، ج6، ص156، المسألة (725). سلطة ولي الأمر في فرض وظائف مالية، د. صلاح الدين سلطان، دار هجر، القاهرة، ط1، 1409 هـ/ 1988م.

[30]. المسغبة: المجاعة.

[31]. المقربة: القرابة.

[32]. العنت: المشقة.

[33]. الخراج لغة: من خرج يخرج خروجا؛ أي: برز، ويطلق على الغلة الحاصلة من الشيء؛ كغلة الدار، والدابة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "الخراج بالضمان"، ويطلق أيضا على الإتاوة، أو الضريبة التي تؤخذ من أموال الناس، فيقال: خارج السلطان أهل الذمة، إذا فرض عليهم ضريبة.

[34]. حسن: أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر (1611)، وحسنه الألباني في صحيح ابي داود (1420).

[35]. المقاصد التربوية للعبادات في الروح والأخلاق والعقل والجسد، د. صلاح الدين سلطان، سلطان للنشر، أمريكا، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص141.

[36]. الخول: الخدم وعطية الله لكم.

[37]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العتق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "العبيد إخوانكم فأطعموهم مما تأكلون" (2407)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب إطعام المملوك مما يأكل وإلباسه مما يلبس (4405)، واللفظ للبخاري.

[38]. سقسق الطائر: صوت بصوت ضعيف.

[39]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه (13)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن يدخل من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحبه لنفسه (179).

[40]. فقه الزكاة، د. يوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط16، 1406هـ/1986م، ج2، ص544.

[41]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده (1968)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس (2449).

[42]. الكزازة: اليبس والانقباض.

[43]. العدالة الاجتماعية في الإسلام، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط16، 2006م، ص114 وما بعدها.

[44]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب في بيان الإيمان بالله وشرائع الدين (111).

[45]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب ما قدم من ماله فهو له (6077).

[46]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجماعة والإمامة، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد (629)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة (2427).

[47]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب على كل مسلم صدقة فمن لم يجد فليعمل بالمعروف (1376)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف (2380).

[48]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الشاميين، حديث أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه (18060)، والترمذي في سننه، كتاب الزهد، باب مثل الدين مثل أربعة نفر (2325)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (16).

[49]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم (5665)، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفعم (6751)، واللفظ له.

redirect redirect unfaithful wives
read women who cheat on husband want my wife to cheat
why do men have affairs why do husband cheat why men cheat on beautiful women
wives that cheat redirect read here
my husband cheated married looking to cheat open
my husband cheated my husband almost cheated on me open
go online how long for viagra to work
generic viagra softabs po box delivery buy generic viagra buy viagra generic
website why some women cheat redirect
husband cheat why do men cheat on their wife online affair
dating a married woman unfaithful spouse i cheated on my husband
read the unfaithful husband click here
read here website why women cheat on men
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق 
نص التعليق 
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  37929
إجمالي عدد الزوار
  38036052

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع