ادعاء أن دفع الزكاة بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - عبث ومنقصة للمال دون مقابل(*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المتوهمين أن الزكاة فريضة خاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - دون غيره من المسلمين؛ حيث إنها كانت تدفع إليه - صلى الله عليه وسلم - بصفته نبيا، لا بصفته حاكما، وذلك مقابل صلاته على الناس، ويستدلون على زعمهم بقوله عز وجل: )خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم (103)( (التوبة)، كما يدعون أن الزكاة تقلل الأموال وتنقصها دون مقابل، وهذا في زعمهم يتنافى مع نهي الإسلام عن التبذير وإتلاف المال، ويهدفون من وراء ذلك إلى إسقاط فريضة الزكاة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.
وجوه إبطال الشبهة:
1) إذا كانت الزكاة مفروضة للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، فلماذا لم يقبضها بنفسه وينتفع بها، بل كان يرسل من ينوب عنه فيجمعها ويوزعها في مصارفها الشرعية، وكان هذا أيضا دأب الخلفاء، والأمراء من بعده.
2) الأصل في كل إمام أو وال يأخذ الصدقة - الزكاة - أن يدعو للمتصدق بالبركة والنماء؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
3) شرع الله الزكاة لكي تزكي المال وتنميه، لا كما يدعي هؤلاء أنها تنقص المال وتتلفه، ولو كانت كذلك لما فرضها الله على المسلمين.
التفصيل:
أولا. لم يقبض النبي - صلى الله عليه وسلم - الزكاة بنفسه وينتفع بها، بل كان يرسل من ينوب عنه ليقبضها ويوزعها، وهذه من سنن الأمراء والحكام بعده صلى الله عليه وسلم:
الزكاة حق ثابت مقرر "فريضة من الله" وهي - في الأصل - ليست حقا موكولا للأفراد، يؤديه من يرجو الله والدار الآخرة، ويدعه من ضعف يقينه بالآخرة، وقل نصيبه من خشية الله، وغلب حب المال في قلبه علي حب الله.
كلا، إنها ليست إحسانا فرديا، وإنما هي تنظيم اجتماعي تشرف عليه الدولة، ويتولاه جهاز إداري منظم، يقوم على هذه الفريضة الفذة، أخذا ممن تجب عليهم، وصرفا إلى من تجب لهم، وهذا كله يكون بأوامر من حاكم الدولة الإسلامية، ولهذا لم يكن قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - للزكاة بيده، بل كان يرسل نوابا عنه ليأتوه بالزكاة، ولو كان الأمر أنها له بصفته نبيا كما يدعون، فليس الذي أرسله إلى الناس "النائب" بنبي، وإنما قبضها بصفته أميرا للناس، وأناب عنه على سنن الأمراء.
وأبرز دليل على ذلك: أن الله تعالى ذكر هؤلاء القائمين على أمر الزكاة - جمعا وتفريقا - وسماهم "العاملين عليها" وجعل لهم سهما في أموال الزكاة نفسها، ولم يحوجهم إلى أخذ رواتبهم من باب آخر؛ تأمينا لمعاشهم، وضمانا لحسن قيامهم بعملهم، قال تعالى: )إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم (60)( (التوبة)، وليس بعد هذا النص الصريح في كتاب الله مجال لتأويل متأول، أو زعم زاعم، وخاصة بعد أن جعلت الآية هذه الأصناف وتحديدها فريضة من الله، ومن ذا الذي يجرؤ على تعطيل فريضة فرضها الله؟!![1].
إن هذه الشبهة ليست بجديدة، حيث إن مانعي الزكاة في عهد أبي بكر تعلقوا بهذه الآية: )خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها( (التوبة: ١٠٣)، فرد الصحابة وأئمة الإسلام من بعدهم على هذه الشبهة بأن الخطاب في الآية السابقة كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولكل من يلي أمر المسلمين من بعده، وهذا دليل آخر على أن الزكاة لم تكن للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة وذلك في قوله حين بعث معاذا إلى اليمن: «أعلمهم أن الله افترض عليهم في أموالهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك، فإياك وكرائم أموالهم...» [2].
فها هي الزكاة تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء، فهل أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - منها شيئا لنفسه كما يدعون؟! ولكن: )فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (46)( (الحج).
وقد ناقش د. القرضاوي هذه الشبهة وقلبها على وجوهها المختلفة، وذكر إصرار الصديق على أنها ركن لا يتم الدين إلا بالإقرار به، وأنها عبادة مالية، كما أن الصلاة عبادة بدنية، فقال: "هذا ولم يبال أبو بكر ولا من معه من الصحابة بتلك الشبهة الواهية التي تعلق بها بعض المانعين للزكاة. فقد تمسك أولئك بظاهر الآية الكريمة: )خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم (103)( (التوبة)، قالوا: فهذا خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - يقتضي بظاهره اقتصاره عليه، فلا يأخذ الصدقة سواه، ويلزم على هذا سقوطها بوفاته، وزوال تكليفها بموته، وقالوا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعطينا عوضا عن الزكاة التطهير والتزكية لنا والصلاة علينا، وصلاته سكن لنا، وقد عدمنا ذلك من غيره.
والشبهة التي تمسك بها القوم واهية الأساس حتى قال القاضي أبو بكر بن العربي: هذا كلام جاهل بالقرآن، غافل عن مآخذ الشريعة، متلاعب بالدين، متهافت بالنظر.
فإن الخطاب وإن كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الأصل، فهو خطاب لكل من يقوم بأمر الأمة من بعده، فهو ليس من الخطاب الخاص به - صلى الله عليه وسلم - مثل: )يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما (50)( (الأحزاب)، ومثل: )ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (79)( (الإسراء)، ففي هاتين الآيتين دليل على الخصوصية، لم يوجد مثله في الآية الكريمة التي استندوا إليها. قال الإمام الخطابي: خطاب كتاب الله على ثلاثة أوجه: خطاب عام كقوله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون (6)( (المائدة)، وخطاب خاص برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يشركه فيه غيره. وهو ما أبين به عن غيره بسمة التخصيص وقطع التشريك، كقوله تعالى: )ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (79)(، وكقوله تعالى: )خالصة لك من دون المؤمنين( (الأحزاب: ٥٠)، وخطاب موجه للنبي - صلى الله عليه وسلم - هو وجميع أمته في المراد به سواء كقوله تعالى: )أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا (78)( (الإسراء)، وكقوله تعالى: )فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم (98)( (النحل)، ونحو ذلك، ومنه قوله تعالى: )خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم (103)( (التوبة)، وهذا غير مختص به - صلى الله عليه وسلم - بل تشاركه فيه الأمة. والفائدة في مواجهة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخطاب أنه هو الداعي إلى الله، المبين عنه معنى ما أراده، فتقدم اسمه ليكون سلوك الأمة في شرائع الدين على حسب ما ينهجه لهم.
وما قالوه من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعطيهم عوضا عن الصدقة التطهير والتزكية والصلاة عليهم، ولا يوجد ذلك من غيره - فدعوى غير مسلمة، فإن التطهير والتزكية إنما يتمان بواسطة الزكاة، فهي أداة التطهير: )تطهرهم وتزكيهم بها(، وهذا لا يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك الصلاة عليهم - بمعنى الدعاء لهم - فكل من يأخذ الزكاة من الإمام ونائبه، مأمور أن يدعو لمعطيها بالبركة والأجر، ففي هذا الدعاء لرب المال سكينة لنفسه، وتثبيت لقلبه، وفقا لسنة الله في الأسباب والمسببات. وهذا أمر ملموس، ولا يختص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان دعاؤه في المقام الأسمى من التأثير في سكن النفس، وطمأنينتها.
ولذا قال العلماء: "وأما التطهير والتزكية والدعاء منه - صلى الله عليه وسلم - لصاحب الصدقة، فإن الفاعل لها قد ينال ذلك كله بطاعة الله وطاعة رسوله فيها، وكل ثواب على عمل بر كان في زمنه - صلى الله عليه وسلم - فهو باق غير منقطع" [3].
الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يجمعون الزكاة، فهل كانوا أنبياء؟!
ثم إنه لو كان الأمر خاصا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بصفته نبيا لا بصفته حاكما، فما قولكم في فعل الصحابة الكرام رضي الله عنهم؟! فهذا أبو بكر الصديق يجمع الزكاة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم - بصفته حاكما لا بصفته نبيا - حتى إنه قال فيمن ارتد ومنع الزكاة: «والله، لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه»[4]. فهل كان أبو بكر نبيا كالنبي - صلى الله عليه وسلم - أم كان حاكما مثله؟!
ثم جاء عمر وأخذ الزكاة من الناس ووزعها على الفقراء، وكذلك عثمان - رضي الله عنه - فقد جاء عن أبي عبيد أنه قال: "كانت الصدقة ترفع - أو قال: تدفع - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من أمر به، وإلى أبي بكر أو من أمر به، وإلى عمر أو من أمر به، وإلى عثمان أو من أمر به". [5] [6] فهل كان كل هؤلاء أنبياء أم حكاما؟!
أما عن الآية، فقد قال أكثر أهل العلم: إن المقصود بقوله تعالى: )خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم (103)( يوجب حق أخذ الزكاة مطلقا للإمام.
أسرار هذا التشريع:
وأسرار هذا التشريع وما فيه من حكمة إلهية يرد على أصحاب هذه الشبهة شبهتهم؛ حيث جاء الإسلام رسالة شاملة هادية، فجعلت من هدفها تحرير الفرد وتكريمه، وترقية المجتمع وإسعاده، وتوجيه الشعوب والحكومات إلى الحق والخير، وفي هذا الإطار جاء نظام الزكاة، فلم تجعل من شئون الفرد، بل من وظيفة الحكومة الإسلامية، فعندما يقرر الإسلام أن على ولي الأمر أن يأخذ الزكاة من الأغنياء القادرين ليوزعها على الفقراء والمحتاجين، فإن تقرير الإسلام يرفع الذلة عن الفقير فلا يأخذ من مساو له؛ لأن الذي يأخذ من رئيس الدولة وحاكمها، يأخذ من يد مكلف صاحبها بإدارة أمور مجتمع المسلمين.
وقديما كان يسود القول: "الملوك لا يستحي أحد من سؤالهم"، أي أن الناس يجب ألا تخجل من أن تطلب من الحاكم ما تريده؛ لأن الحاكم مسئول أمام الله عن العدل في رعيته، لكن عندما يتصدق إنسان أعطاه الله بعض الرزق على جاره الفقير، فقد يرى أولاد الغني والدهم وهو يعطي الفقير، أو قد يرى أولاد الفقير والدهم وهو يأخذ من الغني، وقد يثير ذلك بعض القلق الاجتماعي، لذلك أوصانا الله أن تكون زكاتنا سرا، وفي حدود احترام كرامة الفقير، ولذلك أوصى الله الحاكم أن يتولى جمع الزكاة بنفسه، ليقيم بين المسلمين المجتمع الإيماني الذي لا استعلاء ولا كبرياء فيه لمن يعطي، ولا ذلة ولا استخذاء فيه من الآخذ". فلو كانت هذه خصوصية للنبي - صلى الله عليه وسلم - فمن للفقراء بعده ومن يحافظ على كرامتهم غير الحاكم؟![7].
فعندما يقيم ولي الأمر عدالة الإسلام في المجتمع، فإنه ينقذ كرامة الناس، ويصبح أقرب إلى محبة الله؛ لأنه وكيل الله في أمور خلق الله [8].
ثانيا. الأصل في كل إمام أو وال يأخذ الصدقة - الزكاة - أن يدعو للمتصدق بالبركة والنماء؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم:
ورد في تفسير قوله تعالى: )وصل عليهم(، قال القرطبي: "أصل في فعل كل إمام يأخذ الصدقة، أن يدعو للمتصدق بالبركة. روى عبد الله بن أبي أوفى قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: "اللهم صل عليهم"، فأتاه ابن أبي أوفى بصدقته، فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم صل على آل أبي أوفى»[9]. ذهب قوم إلى هذا، وذهب آخرون إلى أن هذا منسوخ بقوله تعالى: )ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون (84)( (التوبة)، قالوا: فلا يجوز أن يصلى على أحد إلا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده خاصة؛ لأنه خص بذلك. واستدلوا بقوله تعالى: )لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا( (النور: ٦3)، وبأن عبد الله بن عباس كان يقول: «لا يصلى على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم» [10]، والأول أصح، فإن الخطاب ليس مقصورا عليه - أي ليس مقصورا على النبي صلى الله عليه وسلم - فيجب الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتأسي به؛ لقوله عز وجل: )وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم (103)( (التوبة) [11].
ثالثا. الزكاة نماء للمال:
يشكك أصحاب هذه الشبهة في أن الزكاة نماء للمال، ويقولون: إنها منقصة له، ونسوا قول الله عز وجل: )من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون (245)( (البقرة)، فالمال بيد الله، وهو الذي يقسمه على خلقه: )نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا( (الزخرف: ٣٢)، وهو القادر على إعطاء المعطي، والإخلاف عليه، والزيادة له، وإنماء ماله. ومن ناحية أخرى فإن المعطي حين يعطي مالا يعطي حركة في الحياة بهذا المال، تدله على أنه في مجتمع إيماني متكافئ، وأنه لا يستقبل أحداث الحياة وحده، وإنما إخوانه المؤمنون من حوله، إذن فهو لا يبالي بأحداث الحياة ما دام هناك أناس تربطهم به أخوة إيمانية، الخير عندهم متعد إليه، فيتم بذلك النماء لرجولته، والنماء لقوته، والنماء لشخصيته، أما إذا انقبض الناس عنه فسيرى أنه يواجه الحياة وحده وهو أعزل، فلا يتحقق له النماء المشار إليه، ولا النماء في أمله في الحياة [12].
ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فقد أهديت له - صلى الله عليه وسلم - شاة من بعض المسلمين فطلب من عائشة - رضي الله عنها - أن تتصدق بها على فقراء المسلمين، وكانت عائشة - رضي الله عنها - تعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب لحم الكتف، فأبقت قطعة من لحم الكتف، ولم تتصدق بها، فسألها الرسول: «ماذا صنعت بالشاة؟ قالت: تصدقت بها وبقيت كتفها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل كلها بقيت إلا كتفها» [13] [14].
الخلاصة:
· لم يقبض النبي - صلى الله عليه وسلم - الزكاة بنفسه وينتفع بها، بل كان يرسل من ينوب عنه ليقبضها من الأغنياء ويوزعها على مستحقيها، ولم يكن قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - للزكاة بصفته نبيا حاكما، وإلا لكان الصحابة - رضي الله عنهم - أنبياء، وهذا لم يكن، فبطل قولهم؛ لأن قبض الزكاة بعد ذلك على هذه الطريقة من إرسال النواب كان من سنن الأمراء والخلفاء الراشدين، ولذلك لم تكن الزكاة خاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كما يدعون، كما أن لهذا التشريع - وهو قبض الزكاة من الحكام أو من ينوب عنهم وصرفها في مصارفها - سر جليل، فهو يحمي المعطي من الكبر والغرور، كما يحمي المعطى من الإحساس بالذل، فهو حماية للمجتمع وليس خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم.
· كما أن الأصل في كل إمام أو وال يأخذ الصدقة - الزكاة - أن يدعو للمتصدق بالبركة والنماء؛ اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ما نص عليه المفسرون في تفسير قوله تعالى: )وصل عليهم(، حيث قالوا: إن الخطاب ليس مقصورا على النبي - صلى الله عليه وسلم - بل يجب الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والتأسي به.
· ثم إن الزكاة نماء، حيث إنها تنمي في قلب المزكي الرجولة وحب الخير والجود والعطاء، وتنمي في قلب المزكي عليه حب الآخرين، ومن ناحية النماء في المال ذاته، فإن المال الذي تخرج زكاته كلما أخذ منه للزكاة ازداد بركة ونفعا، ثم إن الله - عز وجل - هو الذي يعطي المال ويمنعه ويضع البركة ويحرمها، فهو سبحانه القادر على زيادة مال المزكي: )من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون (245)( (البقرة)، وصدق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - حين قال: «وهل لك من مالك إلا ما لبست فأبليت، وأكلت فأفنيت، وتصدقت فأبقيت!»[15]، وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا» [16].
(*) سقوط الغلو العلماني، د محمد عمارة، دار الشروق، القاهرة، 1995م. صورة الإسلام في الإعلام الغربي، د. محمد بشارى، دار الفكر، دمشق، ط1، 2004م.
[1]. فقه الزكاة، د. يوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط16، 1986م، ج2، ص747، 748 بتصرف.
[2]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة (1331)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام (132).
[3]. فقه الزكاة، د. يوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط16، 1986م، ج1، ص82: 84.
[4]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم (6855)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله (133).
[5]. أخرجه أبو عبيد في الأموال (1192)، أحمد في فضائل الصحابة (764).
[6]. فقه الزكاة، د. يوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط16، 1986م، ج2، ص770.
[7]. وإن كان يسن إظهار الزكاة، وإخفاء صدقة التطوع.
[8]. دائرة معارف الفقه والعلوم الإسلامية، محمد متولي الشعراوي، أخبار اليوم، القاهرة، ط1، 1420هـ/ 1999م، ج4، ص101، 102 بتصرف يسير.
[9]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة (1426)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الدعاء لمن أتى بصدقته (2544).
[10]. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (8716)، وقال الحافظ في فتح الباري (11/ 170): وهذا سند صحيح.
[11]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ج8، ص249، 250 بتصرف.
[12]. دائرة معارف الفقه والعلوم الإسلامية، محمد متولي الشعراوي، أخبار اليوم، القاهرة، ط1، 1420هـ/ 1999م، ج4، ص96، 97.
[13]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث السيدة عائشة رضي الله عنها (24286)، والترمذي في سننه، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع (2470)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (859).
[14]. دائرة معارف الفقه والعلوم الإسلامية، محمد متولي الشعراوي، أخبار اليوم، القاهرة، ط1، 1420هـ/ 1999م، ج4، ص97.
[15]. أخرجه مسلم في صحيحه، أوائل كتاب الزهد والرقائق (7609).
[16]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب قوله تعالى: ) فأما من أعطى واتقى (5) وصدق بالحسنى (6) ( (الليل) (1374)، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب في المنفق والممسك (2383).
click
website dating site for married people
go
online how long for viagra to work
generic viagra softabs po box delivery
viagra 50 mg buy viagra generic