ادعاء أن الصلاة في الإسلام مقتبسة من الصابئة(*)
مضمون الشبهة:
يزعم بعض المشككين أن الإسلام قد اقتبس نظام صلاته من صلاة الصابئة؛ حيث إن للصابئين صلوات في الغداة والعشي، توافق الصلوات الخمس المفروضة عند المسلمين يوميا، كما أن صلاتهم على الميت بلا سجود ولا ركوع، وفي هذا دليل في نظرهم على أن شرائع الإسلام مأخوذة من الديانات السابقة.
وجوه إبطال الشبهة:
1) الصابئة ليست دينا ولا عقيدة واحدة؛ ففيهم المؤمن، وفيهم الكافر، وفيهم الآخذ من دين الرسل ما وافق عقولهم.
2) نظام الصلاة أصيل في الإسلام، فقد علمها جبريل - عليه السلام - للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - بصورة عملية.
3) نظام الصلاة في الإسلام يختلف عن نظامها في غيره من الديانات الأخرى من حيث الشكل والمضمون، فكيف يقال: إن الصلاة مأخوذة من صلاة الصابئة؟!
التفصيل:
أولا. الصابئة ليست دينا ولا عقيدة واحدة، ففيهم المؤمن، وفيهم الكافر، وفيهم من أخذ من دين الرسل ما وافق عقولهم:
الصابئة لغة: جمع الصابئ، والصابئ: من خرج من دين إلى دين. يقال: صبأ فلان يصبأ، إذا خرج من دينه، وتقول العرب: صبأت النجوم إذا طلعت [1].
ويقول ابن القيم: هذه الأمة - يعني الصابئة - فيهم المؤمن بالله وأسمائه وصفاته وملائكته ورسله واليوم الآخر، وفيهم الكافر، وفيهم الآخذ من دين الرسل ما وافق عقولهم واستحسنوه فدانوا به ورضوه لأنفسهم، وعقد أمرهم على أنهم يأخذون بمحاسن ما عند أهل الشرائع بزعمهم، ولا يتعصبون لملة على ملة، والملل عندهم نواميس[2] لمصالح العالم، فلا معنى لمحاربة بعضهم بعضا، بل يؤخذ بمحاسنها وما تكمل به النفوس وتتهذب به الأخلاق [3].
وبهذا البيان يتضح لنا أن الصابئة لا يمكن أن يوقف على طبيعتها، وحقيقة معتنقيها، أهم أهل ذمة، أم وثنيون؟ فهم قد أخذوا من كل دين شيئا، حسب ما يوافق عقولهم، يقول الحسن وقتادة: هم - أي: الصابئة - قوم يعبدون الملائكة، ويصلون إلى القبلة، يقرءون الزبور، ويصلون الخمس[4]. فهل من المعقول أن يأخذ الإسلام فريضة الصلاة التي هي عماد الدين من ديانة لا يعرف طبيعتها ولا حقيقتها؟ وإن سلمنا أنه قد اقتبس منها، فلماذا لم يأخذها دفعة واحدة؟ وذلك لأنه قبل فرض الصلوات الخمس كان هناك صلاة في الغداة والعشي، ولماذا بعد فرض الصلاة لم يفرضها جميعها؟
ثانيا. نظام الصلاة أصيل في الإسلام، فقد علمها جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - بصورة عملية:
يوم أن فرض الله - عز وجل - الصلاة على نبيه - صلى الله عليه وسلم - جاءه جبريل وأمه يومين، وبين له مواقيتها وأركانها وسننها وهيئاتها كما جاءت بذلك الأحاديث.
«فعن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلا سأله عن وقت الصلاة، فقال له: صل معنا هذين يعني اليومين، فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذن، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر، فأبرد بها[5] فأنعم أن يبرد بها!، وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها، ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ فقال: الرجل: أنا يا رسول الله، قال: وقت صلاتكم بين ما رأيتم» [6].
فتعليم الصلاة كان عمليا، وهو أوقع في النفس وأيسر في التعليم، وكان يدعم ذلك حشد هائل من الأحاديث الموضحة لكيفية الصلاة، فلم يكن الأمر بالصلاة عمليا فقط، بحيث تضيع دقائقها بعد حين من الدهر، ولم يكن نظريا فحسب بحيث لا يطلع عليه إلا الصفوة.
وعن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أمني جبريل - عليه السلام - عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك، وصلى بي العصر حين كان ظله مثله، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله، وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل، وصلى بي الفجر فأسفر، ثم التفت إلي فقال: يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين الوقتين» [7].
قال ابن العربي: ظاهره يوهم أن هذه الصلوات في هذه الأوقات كانت مشروعة لمن قبله من الأنبياء، وليس كذلك، وإنما معناه أن هذا وقتك المشروع لك، يعني الوقت الموسع المحدود بطرفين: الأول والآخر، وقوله: "وقت الأنبياء قبلك" يعني: ومثله وقت الأنبياء قبلك، أي: صلاتهم كانت واسعة الوقت وذات طرفين، وإلا فلم تكن هذه الصلوات على هذا الميقات إلا لهذه الأمة خاصة، وإن كان غيرهم قد شاركهم في بعضها، وقد روى أبو داود في حديث العشاء: أعتموا[8] بهذه الصلاة، فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم".
أي أن هذه الصلاة لم تؤخذ من أية ديانة، ولا عن أي أمة بل هي أفضلية، وخاصة بأمة الإسلام، فلم تكن في الصابئة ولا في غيرها، وإلا فما الدليل على وجودها؟!! فبطل قولهم بأن الإسلام قد أخذ عن الصابئة صلاتهم [9].
ثالثا. الصلاة في الإسلام بصورتها وشروطها عبادة فذة لم تعرف في دين من الأديان:
"فالصلاة لم تعد مجرد ابتهال ودعاء، ولكنها ذكر ودعاء وتلاوة، وهي أقوال وأعمال يشترك فيها الفكر والقلب واللسان والبدن، واشترط الإسلام لها النظافة والطهارة وأخذ الزينة والاتجاه إلى قبلة واحدة، ووزعها على أوقات النهار والليل بمواقيت معينة، وحدد لكل صلاة منها ركعات محدودة، ورتب كيفيتها على نسق فريد، وكملها بما شرع فيها من جماعة وجمعة، وزان ذلك كله بما شرع لها من أذان وإقامة.
والصلاة في الإسلام - بهذه الصورة وتلك الشروط - عبادة فذة لم تعرف هكذا في دين من الأديان" [10].
فهل وافقت صلاة الصابئة كل هذه المواصفات والشروط حتى نقول إن الإسلام أخذ صلاته عنهم؟!!
ثم إن الصلاة في الإسلام لها مكانتها العظيمة، ولذلك فهي أول عبادة فرضت على المسلمين، فقد فرضت في مكة قبل الهجرة بنحو ثلاث سنوات، وكانت طريقة فرضيتها دليلا آخر على عناية الله بها، إذ فرضت العبادات كلها في الأرض، وفرضت الصلاة وحدها في السماء ليلة الإسراء والمعراج بخطاب مباشر من رب العالمين إلى خاتم المرسلين[11]. فأين دور الصابئة في تشريع الصلاة إذن؟! وأين هذا الأخذ الذي يدعونه؟!
والصلاة كذلك يجب أن تؤدى على وجهها المشروع؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي»[12]، فهل كانت الصابئة يصلون صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي تعلمها من أمين الوحي جبريل عليه السلام؟!
وتتقدم الصلاة على جميع الأركان - في الإسلام - بعد الشهادتين لمكانتها، وعظيم شأنها؛ فهي أول عبادة فرضها الله على عباده في مكة، وأول عبادة تكتمل بالمدينة، فعن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - قالت: «فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت في صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر»[13]. وفي المدينة أتمت بعدها العبادة، وفرضت معظم التكاليف" [14].
فهل مرت صلاة الصابئة بما مرت به الصلاة الإسلامية حتى نقول إن الإسلام أخذ صلاته من الصابئة؟!
وتكاد الصلاة أن تكون جماعا لأركان الإسلام، وذلك لاشتمالها على الشهادتين في التشهد الأول والأخير، والصلاة ذاتها زكاة يومية، فالمصلي يبذل من وقته لأداء الصلاة، في حين يحتاج إلى هذا الوقت لأداء عمل يستفيد منه في تحصيل المال الذي سيزكي عنه، فعندما يصلي ينفق من وقته، والصلاة بعد ذلك أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، تصوم فيها نفس الإنسان وجوارحه عن جميع المخالفات التي تفسد تمامها وكمالها؛ ويتوجه المصلي شطر المسجد الحرام، قال تعالى: )قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره( (البقرة: ١٤٤).
ملتزما بركن الصلاة في التوجه ومشتركا مع ركن الإسلام الحج من طرف[15]؛ ولذلك فإن الصلاة تجمع أركان الإسلام، فكيف يدعون أنها مأخوذة عن الصابئة؟! هل صلاة الصابئة جمعت أركان الإسلام فيها بهذه الطريقة؟!!
وبهذا تبين لنا أن الصلاة في الإسلام عبادة متميزة لم تعرف في دين من الأديان.
الخلاصة:
· الصابئة لغة: جمع الصابئ وهو من خرج من دين إلى دين. وهذه الأمة - أي الصابئة - فيهم المؤمن، وفيهم الكافر، وفيهم من أخذ من دين الرسل ما وافق عقولهم، واستحسنوه فدانوا به ورضوه لأنفسهم، ولهذا فإنه لا يمكن لنا أن نقف على طبيعتها وحقيقة معتنقيها، أهم أهل ذمة، أم وثنيون؟ لأنهم قد أخذوا من كل دين شيئا، حسب ما يوافق عقولهم، فهل من المعقول أن يأخذ الإسلام فريضة الصلاة التي هي عماد الدين من ديانة لا يعرف طبيعتها ولا حقيقتها؟!
· ثم إن نظام الصلاة أصيل في الإسلام، فقد علم جبريل - عليه السلام - النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها بصورة عملية؛ فيوم أن فرض الله - عز وجل - الصلاة على نبيه - صلى الله عليه وسلم - جاءه جبريل وأمه يومين، فأين دور الصابئة في تعليم جبريل - عليه السلام - للنبي - صلى الله عليه وسلم - وبيان مواقيت الصلاة وأركانها وسننها وهيئاتها؟!
· ثم إن الصلاة في الإسلام - بصورتها وشروطها - عبادة فذة لم تعرف في دين من الأديان. ومكانة الصلاة في الإسلام عظيمة، ولذلك فقد فرضت في السماء ليلة الإسراء والمعراج، ثم إنها تجمع أركان الإسلام؛ وذلك لاشتمالها على الشهادتين، والزكاة بالوقت، وفيها تصوم النفس، ويتجه فيها الجسد نحو الكعبة. فهل صلاة الصابئة تجمع أركان الإسلام كصلاة المسلمين؟!!
(*) هل القرآن معصوم؟ عبد الله عبد الفادي، موقع إسلاميات. www.Islamyet.com
[1]. الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف الكويتية، دار الصفوة، الكويت، ط1، 1412هـ/ 1992م، ج26، ص299.
[2]. النواميس: القوانين والشرائع.
[3]. الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف الكويتية، دار الصفوة، الكويت، ط1، 1412هـ/ 1992م، ص299.
[4]. الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف الكويتية، دار الصفوة، الكويت، ط1، 1412هـ/ 1992م، ص294.
[5]. أبرد بها: قيل: صلاها في أول وقتها، من برد النهار، وهو من الإبراد؛ أي الدخول في البرد، أو هو انكسار الوهج والحر، ومنه قولهم: أبردوا عنكم من الظهيرة؛ أي: لا تسيروا حتى ينكسر حرها ويبوخ.
[6]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب أوقات الصلوات الخمس (1422).
[7]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، من مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (3081)، وأبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب في المواقيت (393)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1402).
[8]. العتمة: وقت صلاة العشاء الأخيرة.
[9]. شبهات المستشرقين حول العبادات في الإسلام، د. ناصر السيد، مركز التنوير الإسلامي، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2006م، ص134 وما بعدها.
[10]. العبادة في الإسلام وأثرها في الفرد والجماعة، د. علي عبد اللطيف منصور، دار الصفوة للطباعة، مصر، ط2، 1993م، ص216 بتصرف.
[11]. العبادة في الإسلام وأثرها في الفرد والجماعة، د. علي عبد اللطيف منصور، دار الصفوة للطباعة، مصر، ط2، 1993م، ص224.
[12]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة (605)، وفي مواضع أخرى.
[13]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء (343)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين (1602).
[14]. الصلاة، عبد الله بن محمد الطيار، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، السعودية، 1418هـ/ 1998م، ص20.
[15]. الصلاة، عبد الله بن محمد الطيار، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، السعودية، 1418هـ/ 1998م، ص23.
husbands who cheat
open my boyfriend cheated on me with a guy
generic viagra softabs po box delivery
viagra 50 mg buy viagra generic