ادعاء أن الإسلام ظلم المرأة عندما سوى بينها وبين الرجل في القصاص (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المغرضين أن الشريعة الإسلامية ظلمت المرأة في باب القصاص والعقوبات؛ فبينما تعطى نصف ما يعطى الرجل في الميراث، تتساوى معه في القصاص والعقوبات كـعقوبة: القتل، والزنا، والقذف، والسرقة... وغيرها، وكان الأحرى في زعمهم أن يطبق عليها نصف عقوبة الرجل مماثلة بالميراث. ويرمون من وراء ذلك إلى التشكيك في عدالة نظام العقوبات في الإسلام.
وجها إبطال الشبهة:
1) إن إعطاء المرأة نصف ما يعطى الرجل في الميراث الإسلامي ليس في كل الحالات، إنما يكون في الحالات التي تجتمع مع من يساويها في درجة القرابة من الذكور، أما في بعض الأحوال، فإنها تعطى مثل الرجل، بل وتحرمه في أحوال أخرى.
2) إن مساواة المرأة بالرجل في القصاص احترام لآدميتها، وتقدير لإنسانيتها؛ حيث ينظر الإسلام للعقل في المرأة مثل الرجل، ويعتبرها مسئولة عن أفعالها مثله، وهذه التسوية بين الرجل والمرأة في العقاب من أعظم مظاهر المساواة في الإسلام.
التفصيل:
أولا. إعطاء المرأة نصف ما يعطى الرجل في الميراث ليس في كل الحالات، بل هناك حالات تساوي فيها المرأة الرجال أو تفضلهم أو تحجبهم:
وهذه الحالة التي يعطى فيها الرجل ضعف نصيب المرأة، هي عندما يتساويان في نفس الدرجة من القرابة، وذلك كله يرجع إلى ما أوجبه الإسلام على الرجل من النفقة على كل ذويه من النساء، سواء كانت أما أو أختا أو زوجة أو ابنة.
يقول د. محمد بلتاجي: وفي وجوب النفقات على الرجل تفسير ذلك، فإذا كانت النفقات عليه في الزواج، وليس على المرأة شيء منها، وأخذت هي نصف ما يأخذ خالصا لها، لم يكن في هذا شيء من الإجحاف بها، فالرجل يحتاج إلى الإنفاق على نفسه، وعلى زوجه، وعلى أولاده، وعلى كافة من يلزمه نفقتهم بحسب حاله.
أما المرأة، فهي تنفق على نفسها - إن كان لها مال - حتى تتزوج فتكون نفقتها على زوجها، ويخلص لها مالها، وفي كثير من حالاتها يكون نصيبها من الميراث أكبر مما قد تحتاجه، بينما يكون نصيب قريبها الذي أخذ مثليها أقل مما يحتاجه، لما يلزمه من نفقات، فيكمل ذلك بكسبه الخاص، وكدحه في سبيل الرزق، وعلى هذا تبطل حجة القائلين بأن المرأة كان يجب أن تأخذ مثل الرجل - على الأقل - في الميراث، لكون الأصل فيها أن تلزم البيت ولا تمتهن حرفة للكسب كالرجل، ولأن منعها من الاحتراف حق للزوج، ذلك أن قائل هذا الرأي إذا وضع في اعتباره وجوب النفقات على الرجل، فإنه سيرى حتما أن الشريعة الإسلامية قد أكرمت النساء، ووفرت لكل منهن نصيبا - إن يكن غالبا نصف الرجل - فكثيرا ما يكون خالصا لها، وقد يشبه هذا - على نحو ما - أن يقال: إن فلانا أخذ مئة جنيه، وللضرائب فيها ثمانون، وأخذ الآخر خمسين خالصة من الضرائب أو خاضعة لشيء يسير منها.
فتميز الرجل على المرأة في الميراث يجد تفسيره الواضح في إيجاب الشريعة الإسلامية النفقات على الرجل، فالميراث والنفقات بابان في النظام المالي الإسلامي يكمل كل منهما الآخر[1].
ثانيا. مساواة المرأة بالرجل في القصاص احترام لآدميتها وتقدير لإنسانيتها، حيث ينظر الإسلام للعقل في المرأة مثل الرجل، ويعتبرها مسئولة عن أفعالها مثله:
إننا لا نكون قد أتينا بجديد حين نذكر "أن الأصل في الإسلام هو التسوية بين الرجل والمرأة في كافة الأمور، إلا ما اقتضت الطبيعة فيه بالتمايز؛ أو ما كانت التسوية فيها ظلم لطرف على حساب الآخر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «النساء شقائق الرجال»[2]. والنصوص القرآنية و الأحاديث النبوية قد أكدت بكثرة على هذا الأصل.
فكما يقرر الإسلام التساوي بين الرجل والمرأة في العقوبات يقرر - أيضا - التساوي في سائر العقود والتصرفات المالية، وهنا نسأل لماذا لم يعترض هؤلاء المشككون على تساوي الرجل والمرأة في الإسلام في حرية التعاقد، والتصرف المالي، أم أنه لما كان ذلك من مزايا الإسلام سكتوا عنه.
يقول د. البلتاجي: يقرر الإسلام التساوي بينهما فيما يتصل بحرية التعاقد والتصرف المالي فيما يملكه كل منهما، فالرجل البالغ العاقل الرشيد له الشخصية القانونية الكاملة في أن يتصرف فيما يملكه ملكا حرا بالبيع، والهبة، والوصية، والإيجار، والتوكيل، والرهن، والشراء.. وغيرها من مختلف التصرفات المالية، ومثله في هذا تماما المرأة العاقلة البالغة الرشيدة - سواء أكانت أيما أم متزوجة - فليس لأبيها، أو زوجها، أو ابنها، أو أخيها أن يمنعها من شيء من ذلك.
ولا يعطي عقد الزواج في التشريع الإسلامي أي حق للزوج في أن يتدخل في أمور أو تصرفات زوجه المالية؛ لأن حق قوامته عليها حق شخصي لا مالي، فليس له أن يتدخل في تصرفاتها المالية، إلا إذا كانت تصرفاتها ماسة بالسلوك الخلقي، وماله في حق القوامة الشخصي، فحينئذ يمارس قوامته في الجانب المقتصر على التصرفات الشخصية وحدها، دون أن يعرض للجانب المالي الخالص.
وقد يكون من مظاهر احتفاظ الزوجة بكامل شخصيتها المالية بعد الزواج في الإسلام، أنها تحتفظ باسم أسرتها دون أدنى مساس به، فلا يغير الزواج شيئا فيه، فاسم عائشة بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - بعد زواجها من النبي - صلى الله عليه وسلم - ظل كما هو عائشة بنت أبي بكر، ولم تنسب إلى زوجها سيد الخلق وخاتم النبيين والمرسلين - صلى الله عليه وسلم - ولا إلى عائلته وعشيرته، على خلاف ما يحدث في البلاد الأوربية والأمريكية ومن نهج نهجها من خلع اسم أسرة الزوج على زوجته، وتناسي اسم أبيها وأسرتها.
وليس هذا مجرد أمر شكلي في التسمية وحدها، بل إن له انعكاسا علميا في الشخصية القانونية للزوجة، يؤثر في نفاذ تصرفاتها المالية على نحو لا يتسع المجال هنا لتفصيل القول فيه.
ونضيف إلى هذا أن الإسلام - منذ ظهر - وللمرأة فيه شخصية قانونية مستقلة ومتميزة في الأموال، في حين لم تتجه التشريعات الأوربية والأمريكية إلى إعطاء المرأة شخصيتها القانونية المستقلة على نحو نسبي إلا في العصر الحديث، وبدرجات متفاوته.
أما في الإسلام، فمنذ عصر الرسالة والقرآن الكريم يخاطب الناس: )ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله( (الأحزاب: ٥)، كما يخاطب الأزواج: )وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا (20) وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا (21)( (النساء).
فإذا كان يحرم على الزوج أن يأخذ شيئا مما كان قد دفعه لها مهرا ما دام قد دخل بها، ولو كان هذا المهر مقدارا هائلا يصل إلى اثني عشر ألف أوقية ذهبا -، فإن ما يدخل ذمتها من أموال وممتلكات أخرى - بطريق الكسب أو الميراث أو الوصية أو الهبة أو غيرها - ينبغي أن يكون أبعد عن طمع الزوج فيه مما كان في أصله مالا خالصا له، دفعه لها عند الزواج مهرا، فقد يكون له به شيء من التعلق النفسي عند انتهاء الزواج بالطلاق، وبخاصة إذا كان مالا كثيرا، لكنها لو طابت نفسا بأن ترد إليه شيئا من المهر دون إكراه أو إيذاء فإن الحكم في ذلك هو الحكم العام الذي بينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله: «لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه»[3]. وهو معنى قوله سبحانه وتعالى: )وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا (4)( (النساء).
وفي قوله تعالى في صدر الآية: )وآتوا النساء( أمر واضح باختصاص المرأة بمهرها دون أبيها أو قرابتها، وقد جاء في سبب نزولها أن الرجل كان إذا زوج ابنته أخذ صداقها دونها، فنهاهم الله عن ذلك، ونزلت الآية.
وهناك إجماع عملي متتابع في الزمن منذ عصر الرسالة - لا شك فيه - يتمثل في قيام النساء في كل عصر بأمور البيع، والشراء، والإجارة، والمشاركة، والهبة، والوصية، وسائر التصرفات المالية[4].
وفي إطار هذه التشريعات الإسلامية الخاصة بالمرأة كلها، يستطيع المنصف أن يقيم النصوص الإسلامية من القرآن والسنة.. هذه النصوص التي أعلت من شأن المرأة، وسوت بينها وبين الرجل في جميع الحقوق، التي مبدؤها حق الحياة الكريمة التي أرادها الله تعالى للجنس البشري ذكوره وإناثه على قدم المساواة، حيث قال سبحانه وتعالى: )ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا (70)( (الإسراء). وحينئذ يعلم المنصف المتأمل أن البشرية لم تصل إلى الآفاق الإسلامية في هذا التكريم، على الرغم من كل دعاوى التقدم و الحضارة ومزاعمها، ولله المثل الأعلى، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
الخلاصة:
مما سبق تتجلى عظمة التشريع الإسلامي، وسبقه لجميع التشريعات حتى يومنا هذا في جميع المجالات، ومنها مجال القصاص والعقوبات بالنسبة للرجل والمرأة، وقد اتضح مما سبق بيانه ما يلي:
· إن إعطاء المرأة نصف ما يعطى الرجل في الميراث ليس في كل الحالات، بل في الحالات التي تتساوى درجة القرابة بينهما كأن يكونا أخوين، وذلك في مقابل أن الإسلام أوجب على الرجل نفقات لم يوجبها على المرأة، فالنفقة واجبة على الرجل تجاه زوجه، وأمه، وابنته، وأخته.
· إن مساواة المرأة بالرجل في القصاص احترام لآدميتها وتقدير لإنسانيتها، وهذا من أعظم مظاهر التسوية بين الرجل والمرأة.
(*) افتراءات على الإسلام و المسلمين، د. أمير عبد العزيز، دار السلام، القاهرة.