مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

دعوى أن الإسلام يدعو إلى الخضوع بتقريره عقوبة للخروج على الحاكم (*)

مضمون الشبهة:

يتوهم بعض المشككين أن الإسلام حينما قرر عقوبة البغي تحدى الفئة العاقلة والقادرة في المجتمع، وطالبهم بالخضوع التام للحاكم الظالم، وعدم الخروج عليه أيا كانت تصرفات هذا الحاكم، ويرون في ذلك كبتا لحرية المعارضة السياسية.

وجوه إبطال الشبهة:

1)  البغي لغة: الطلب، واصطلاحا: خروج قوم ذوي شوكة على الإمام بتأويل سائغ.

2)  يجب توافر شروط معينة في المجرمين البغاة حتى يعتبر خروجهم بغيا.

3)  للبغاة حقوق وعليهم مسئوليات قبل الثورة، ولهم حقوق وعليهم مسئوليات أثناء الثورة وبعدها.

4)  عقوبة البغاة أو المجرمين السياسيين في الشريعة الإسلامية تختلف باختلاف الأحوال.

5)  القوانين الوضعية أشد وحشية في مواجهة الخارجين عن القانون.

6)  ليس في حد البغي من القسوة والوحشية ما يتنافى مع حقوق الإنسان.

7)  للمعارضة في النظام السياسي الإسلامي كيفيتها وضوابطها وأحكامها؛ حرصا على مصلحة الأمة.

التفصيل:

أولا. تعريف البغي لغة واصطلاحا:

البغي لغة: هو طلب الشيء، فيقال: بغيت كذا إذا طلبته، ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى: )قال ذلك ما كنا نبغ( (الكهف: ٦٤)، ثم اشتهر البغي في العرف بطلب ما لا يحل من الجور والظلم.

البغي اصطلاحا: خروج قوم على الإمام بتأويل سائغ ولهم منعة وشوكة[1]. فالبغاة إذن جماعة خالفت الإمام وامتنعت عن طاعته، وتوافرت لهم قوة وبأس، ورئيس يأتمرون بأمره، وتأويل لمشروعية هذه المخالفة[2].

ثانيا. الشروط التي يجب توافرها في المجرمين البغاة حتى يعتبر خروجهم بغيا:

نستطيع أن نستخلص من تعريف البغاة الشروط التي يجب توافرها في المجرم وعمله، ليعتبر مجرما باغيا:

1.  الغرض من الجريمة:

يشترط أن يكون الغرض من الجريمة إما عزل رئيس الدولة أو الهيئة التنفيذية، وإما الامتناع عن الطاعة. فإذا تحقق الغرض على هذا الوجه مع توفر الشروط الأخرى، كانت الجريمة سياسية، أي: بغيا والمجرم باغيا. أما إذا كان الغرض من الجريمة إحداث أي تغيير يتنافى مع نصوص الشريعة، كإدخال نظام غير إسلامي يخالف النظام، أو تمكين دولة أجنبية من التسلط على البلاد أو إضعاف قوة الدولة أمام غيرها من الدول، إذا كان الغرض من الجريمة شيئا من هذا أو مثله، فإن الجريمة لا تكون بغيا، أي سياسية، وإنما هي إفساد في الأرض ومحاربة لله ورسوله، وهذه الجريمة قررت لها الشريعة الإسلامية عقوبة قاسية[3].

2.  التأول:

يشترط في البغاة أن يكونوا متأولين، بأن يدعوا سببا لخروجهم ويدللوا على صحة ادعائهم، ولو كان الدليل في ذاته ضعيفا، كادعاء الخارجين على الإمام علي - رضي الله عنه - بأنه يعرف قتلة عثمان - رضي الله عنه - ويقدر عليهم ولا يقتص منهم لمواطأته إياهم. وكتأويل بعض مانعي الزكاة في عهد أبي بكر - رضي الله عنه - بأنهم لا يدفعون الزكاة إلا لمن كانت صلاته سكنا لهم طبقا لقوله سبحانه وتعالى: )خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم (103)( (التوبة)، فإذا لم يدعوا سببا للخروج أو ادعوا سببا لا تقره الشريعة الإسلامية، كأن يطلبوا عزل رئيس الدولة دون أن ينسبوا إليه شيئا أو طلبوا عزله لأنه ليس من بلدهم، فهم قطاع طريق يسعون في الأرض فسادا، ولهم عقوبتهم الخاصة وليسوا - بأي حال - بغاة أو مجرمين سياسيين[4].

3.  الشوكة:

يشترط في الباغي أن يكون ذا شوكة وقوة لا بنفسه، بل بغيره ممن هم على رأيه، فإن لم يكن من أهل الشوكة على هذا الوصف، فلا يعتبر مجرما سياسيا ولو كان متأولا[5].

4.   الثورة والحرب:

ويشترط بعد ذلك كله أن تقع الجريمة في ثورة أو حرب أهلية اشتعلت لتنفيذ الغرض من الجريمة، فإن وقعت الجريمة في غير حالة الثورة الأهلية، فهي ليست بغيا، وإنما هي جريمة عادية، يعاقب فاعلها بالعقوبة العادية المقررة لها، وتلك هي سنة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في الخوارج، فقد عرض قوم من الخوارج به، فتنادوا وهو يخطب على منبره: لا حكم إلا لله، وهم بذلك يعرضون به؛ لأنه قبل التحكيم، فرد عليهم وهو على المنبر قائلا: كلمة حق أريد بها باطل، لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نبدأكم بقتال، ولا نمنعكم الفيء[6] ما دامت أيديكم معنا، أي ما دمتم لم تثوروا علينا[7].

ثالثا. حقوق البغاة ومسئوليتهم:

للبغاة قبل الثورة وفي أثنائها وبعدها حقوق وعليهم مسئوليات نجملها في أمرين:

1.  حقوق البغاة ومسئوليتهم قبل الثورة:

·       حق الدعوة إلى ما يعتقدون:

للبغاة أن يدعوا إلى ما يعتقدون بالطريق السلمي المشروع، ولهم الحرية في أن يقولوا ما يشاءون في حدود نصوص الشريعة، وللعادلين أن يردوا عليهم ويبينوا لهم فساد آرائهم، فإذا خرج أحد الفريقين في قوله أو دعوته على النصوص الشرعية، عوقب على جريمته باعتبارها جريمة عادية، فإن كان قاذفا حد، وإن كان سابا عزر، وإن ارتكب أحد البغاة أية جريمة، عوقب عليها باعتبارها جريمة عادية[8].

·       حق الاجتماع:

فإذا اجتمعوا في مكان معين فلا سلطان عليهم ما داموا لم يمتنعوا عن حق أو يخرجوا عن طاعة، وهذه أيضا سنة علي بن أبى طالب كرم الله وجهه في الخوارج؛ فقد اعتزلت طائفة من الخوارج عليا - رضي الله عنه - بالنهروان، فولى عليهم عاملا أقاموا على طاعته زمنا وهو لهم موادع إلى أن قتلوه، فأرسل إليهم علي أن سلموا إلي قاتله، فأبوا وقالوا: كلنا قاتله، فلما خرجوا عن الطاعة وجاهروا بالعصيان قاتلهم علي رضي الله عنه[9].

ويشترط مالك والشافعي وأحمد أن يبدأ أهل البغي بالقتال حتى يقاتلوا أهل العدل، وفي هذه الحالة تستحل دماؤهم، أما أبو حنيفة فيكتفي بتجمعهم وامتناعهم، ويرى في ذلك ما يكفي لقتالهم.

2.  حقوق البغاة ومسئوليتهم في أثناء الثورة وما بعدها:

فإذا اشتعلت الثورة أو قامت الحرب الأهلية، كان على ولي الأمر أن يقصد من القتال ردع البغاة لا قتلهم وإفناءهم، وأن يقاتل من أقبل منهم، ويكف عن من أدبر وهرب، وألا يجهز على جريحهم، وألا يقتل أسيرهم[10]. أو من ألقى سلاحه منهم، وألا يصادر أموالهم، وألا يستولي على نسائهم وأولادهم؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "منعت دار الإسلام ما فيها"[11].

فإذا انتهت حالة الحرب وانطفأت الثورة وجب على ولي الأمر أن يرد على البغاة أموالهم التي في يد أهل العدل، وما تلف منها في غير قتال فهو مضمون على متلفيه، وأما ما أتلفه أهل البغي في ثائرة الحرب من نفس ومال فهو هدر، وما أتلفه على أهل العدل في غير ثائرة الحرب من نفس ومال فهو مضمون عليهم، وهم مسئولون عنه، وهذا هو الرأي الراجح عند الفقهاء، أما الرأي الآخر فيرى أصحابه تضمين البغاة ما أتلفوه في الحرب، وحجتهم أن المعصية لا تبطل حقا، ولا تسقط غرما.

أما حجة أصحاب الرأي الأول فهي أن الفتنة العظمى وقعت أيام علي ومعاوية، فأجمع الصحابة ألا يقام حد على رجل ارتكب محرما بتأويل القرآن الكريم، ولا يغرم مالا أتلفه بتأويل القرآن الكريم، ويحتجون كذلك بأن البغاة ممتنعة بالحرب بتأويل سائغ، فلا تضمن ما أتلفته مع أهل العدل، كما لا يضمن أهل العدل ما أتلفوه، ولأن تضمين أهل البغي يفضي إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الطاعة[12].

وإذا كان البغاة لا يسألون عن الجرائم التي ارتكبوها أثناء الثورة من إهلاك للأموال والأنفس فإن لولي الأمر إن لم يعف عن جرائمهم أن يعاقبهم على خروجهم عن الطاعة بعقوبة تعزيرية إن رأى في ذلك مصلحة، ولكن بشرط ألا تكون هذه العقوبة القتل عند مالك والشافعي وأحمد؛ لأنهم لا يبيحون قتل الجريح ولا الأسير، فأولى ألا يباح قتل المستسلم. أما أبو حنيفة فيبيح قتل الأسير للمصلحة العامة، ويبيح قتل البغاة بعد الظهور عليهم؛ فالقياس عنده أن يقتل الباغي تعزيرا، وعلى كل حال فإن سلطة القاضي في الجرائم التعزيرية واسعة، بحيث يجوز له أن يختار العقوبة الملائمة من عدة عقوبات، كما أن لولي الأمر حق العفو عن العقوبة كلها أو بعضها.

رابعا. عقوبة البغاة أو المجرمين السياسيين في الشريعة الإسلامية:

"تختلف عقوبة البغاة باختلاف الأحوال؛ فالجرائم التي يرتكبونها قبل الثورة والحرب أو بعدها يعاقبون عليها بعقوباتها العادية؛ لأنها جرائم عادية لم تقع في حالة ثورة أو حرب، أما الجرائم التي ترتكب في أثناء الثورة أو الحرب الأهلية، فما اقتضته منها حالة الثورة أو الحرب كمقاومة رجال الدولة وقتلهم والاستيلاء على البلاد وحكمها، والاستيلاء على الأموال العامة وإتلاف الطرق والكباري وإشعال النار في الحصون ونسف الأسوار والمستودعات وغير ذلك مما تقتضيه طبيعة الحرب، فهذه الجرائم هي الجرائم السياسية.

وتكتفي الشريعة الإسلامية فيها بإباحة دماء البغاة، وإباحة أموالهم بالقدر الذي يقتضيه ردعهم والتغلب عليهم، فإذا ظهرت الدولة عليهم وألقوا سلاحهم عصمت دماءهم وأموالهم، وكان لولي الأمر أن يعفو عنهم، أو أن يعزرهم على خروجهم لا على الجرائم التي ارتكبوها في أثناء خروجهم، فعقوبة الخروج - إذن - هي التعزير، وهي جريمة سياسية، أما عقوبة الجرائم التي تقتضيها حالة الحرب أو الثورة فهي القتل بالشروط التي ذكرناها سابقا.

هذا هو حكم الجرائم التي تقع في أثناء الثورة أو الحرب وتقتضيها طبيعة الحرب والثورة، أما الجرائم التي تقع من البغاة ولا تستلزمها طبيعة الثورة والحرب، فهذه جرائم عادية يعاقبون عليها بالعقوبات العادية، حتى ولو وقعت في أثناء الثورة أو الحرب كشرب الخمر والزنا والقتل والسرقة وغير ذلك" [13].     

خامسا. بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية:

"كانت القوانين الوضعية إلى ما قبل الثورة الفرنسية تعتبر الجريمة السياسية أشد خطرا من الجريمة العادية، وكانت تعامل المجرم السياسي معاملة تتنافى مع أبسط قواعد العدالة، وتأخذ أهله بذنبه وتحرمه من الحقوق التي يتمتع بها المجرمون العاديون، ثم ابتدأت القوانين الوضعية تغير نظرتها إلى الجريمة السياسية بعد الثورة الفرنسية، وبعد أن كثرت الثورات في البلاد الأوربية، وتعددت الانقلابات في النظم السياسية، فأصبح المجرم السياسي ينظر إليه نظرة عطف وإشفاق، ووضعت للجرائم السياسية عقوبات هي في مجموعها أخف من العقوبات العادية.

وقد اختلف الشراح في الحد الذي يميز بين الجريمة العادية والسياسية:

1. فرأى فريق أن الحد المميز الوحيد هو غرض المجرم من الجريمة، فإن كان يرمي إلى تحقيق غرض سياسي، فالجريمة سياسية والأخرى عادية.

وعيب هذا المذهب أنه يحكم الباعث على الجريمة في تحديد ماهية الجريمة، ويخول للقتلة والسارقين أن يتمتعوا بميزات لا يصح أن يتمتعوا بها.

2. ورأى فريق آخر أن العبرة في تحديد نوع الجريمة بطبيعة الحق المعتدى عليه بصرف النظر عن الدوافع إلى الجريمة، فلا تعتبر الجريمة جريمة سياسية طبقا لهذا الرأي إلا الجريمة التي تمس كيان الدولة أو نظامها.

وعيب هذا الرأي أنه يجعل بعض الجرائم التي لا شك في أنها سياسية جرائم عادية، كالجرائم التي ترتبط بأعمال الثورة أو الحرب الأهلية.

3.  وقد رأى فريق من الشراح أن يفرقوا بين الجرائم التي ترتكب في حالة ثورة والتي ترتكب في الأحوال العادية.

والاتجاه الحديث في القوانين الوضعية يعتبر الجرائم الموجهة ضد النظام الاجتماعي كجرائم الشيوعية والفوضوية جرائم عادية، كما يعتبر كل الجرائم الخاصة باستقلال الدولة جرائم عادية؛ لأنها تمس الوطن ولا تمس نظام الحكم.

وهذا الرأي الذي أقره معهد القانون الدولي في عام 1892م، حيث قرر أنه لا يعد من الجرائم السياسية من حيث تطبيق قواعد تسليم المجرمين الأعمال الجنائية الموجهة إلى النظام الاجتماعي.

ويتضح مما سبق أن أحدث الآراء في القوانين الوضعية تعتبر الجريمة سياسية إذا كانت موجهة ضد الحكام وشكل الحكم الداخلي فقط، لا ضد النظام الاجتماعي، ولا ضد الدولة واستقلالها وعلاقتها بغيرها من الدول، وبشرط أن تقع في حالة ثورة أو حرب أهلية، وأن تكون مما تقتضيه طبيعة الثورة أو الحرب.

وهذا يتفق مع الحدود التي وضعتها الشريعة الإسلامية للجريمة السياسية من ثلاثة عشر قرنا، ولا فرق بين الشريعة والقوانين في هذه النقطة إلا أن الشريعة قد سبقت بالتفرقة بين الجرائم العادية والسياسية وتحديد الجرائم السياسية، وأن القوانين الوضعية تسير في أثر الشريعة وتأخذ بمبادئها"[14].

سادسا. هل حد البغي فيه من القسوة والوحشية ما يتنافى مع حقوق الإنسان؟

للرد على هذا التساؤل نقول: أوجبت الشريعة الإسلامية طاعة ولي الأمر؛ لأن في طاعته طاعة لله تعالى، قال سبحانه وتعالى: )يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (59)( (النساء)، قال أبو هريرة - رضي الله عنه - لما قرأ هذه الآية: أمرنا الله بطاعة الأئمة، وطاعتهم من طاعة الله وعصيانهم من عصيان الله.

والبغي شرعا: خروج قوم لهم شوكة ومنعة على الإمام بتأويل سائغ، وقد ورد حكمهم في القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى: )وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين (9)( (الحجرات).

ومن السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه»[15].

وقوله صلى الله عليه وسلم: «سيكون في أمتي اختلاف وفرقة؛ قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم[16]، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، لا يرجعون حتى يرتد على فوقه، هم شر الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم. قالوا: يا رسول الله، ما سيماهم؟ قال: التحليق»[17] [18].

وعليه فإن حد البغي مقرر عند خالق الخلق، وهو - عز وجل - أعلم بمصالحهم التي تتمثل في أمور منها الأمن والاستقرار، وقد اقتضت حكمة الله تعالى ألا يستقيم الدين ولا يحفظ الشرع إلا بوجود إمام يقيم الحدود وينظم الحقوق ويمسك بزمام الأمور؛ فالخروج على الإمام الذي يرضاه الإسلام إماما، وشق عصا الطاعة عليه اعتداء على حرية الدولة الإسلامية، ومحاربة لإمام المسلمين الذي بايعوه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذا الفعل جريمة تسبب القلاقل والفتن في البلاد وتفرق جمع المسلمين.

ويشدد الإسلام في جريمة البغي؛ لأنها موجهة إلى نظام الحكم والقائمين بأمره، فرغبة البغاة في إزاحة الوالي ومحاولة التخلص منه بأي وسيلة حتى ولو بالقتل، ليحل محله من يريدون ممن يتبع أهواءهم، هذه الرغبة المريضة لا يقمعها إلا عقوبة القتل، ثم إن التساهل في عقوبة هذه الجريمة يؤدي إلى الحرب والاضطرابات وعدم الاستقرار، وتؤدي إلى تأخر الجماعة وانحلالها. ولا شك أن عقوبة القتل هي أقدر العقوبات على صرف الناس عن هذه الجريمة التي دفع إليها الطمع وحب الاستعلاء.

والإسلام حين شرع عقوبة القتل جزاء لجريمة البغي لم يأمر بها من أول وهلة، وإنما جعلها عند الضرورة إذا تعذر دفع شرهم بغير القتل، وأوجبت الشريعة على الحاكم اتباع إجراءات محددة تجاه البغاة قبل قتالهم، فمتى استنفد الحاكم هذه الإجراءات جميعها دون الوصول إلى إنهاء الفتنة، عندها فقط يصح له اللجوء إلى استعمال القوة والقتال.

والواقع أن البغي في الإسلام هو ما يسمى في عصرنا الحاضر بـ "التمرد والعصيان"، وهو صورة من صور العنف السياسي التي تؤدي إلى الحروب الأهلية أحيانا، بل إن جريمة البغي تشمل كل عناصر التمرد والعصيان الواردة في تقسيمات رجال السياسة في العصر الحديث، وكل الصور المصاحبة.

وعقوبة البغي القتل، وقد وضعت العقوبة على أساس من العلم بطبيعة الإنسان البشرية؛ فالقاتل والباغي تدفعه إلى القتل غريزة تنازع البقاء يقتل غيره ليبقى هو ويقلب نظام الحكم، فإذا علم أنه سيقتل إذا فعل ذلك امتنع عن هذه الجريمة، فالشريعة بتقريرها عقوبة القتل دفعت العوامل النفسية الداعية للبغي بالعوامل النفسية المضادة، التي يمكن أن تمنع الإنسان من ارتكاب الجريمة، بحيث إذا فكر الإنسان في هذه الجريمة ذكر أنه سيعاقب على فعله بالقتل، فكان في ذلك ما يصرفه غالبا عن الجريمة.

والعجب ممن يقولون: إن عقوبة القتل لا تتفق مع ما وصلت إليه الإنسانية والمدنية،‍‍‍‍‍‍‍‍ وكأن الإنسانية والمدنية أن تنكر العلم الحديث والمنطق الدقيق، وأن تنسى طبائع البشر وتتجاهل تجارب الأمم، وتريدنا أن نلغي عقولنا ونهمل النتائج التي وصل إليها تفكيرنا، لنأخذ بما يقوله هؤلاء، فلا نجد عليه دليلا إلا التهويل والتضليل.

ونقول: إن عقوبة البغي عقوبة عادلة وليست قاسية، فهي لم توضع إلا رحمة بالإنسان، والدول على اختلاف فلسفاتها ونظراتها للحياة والإنسان والكون تعاقب الخارجين عليها بعقوبات قد تتجاوز العقوبات الإسلامية من حيث الشدة، ومن ذلك أنواع التعذيب والتمثيل التي يلحقونها بالمعتقلين السياسيين.

 هذه العقوبة - القتل - التي فرضتها الشريعة الإسلامية على البغاة قد شددت فيها على البغاة أكثر مما شددت على جرائم الأفراد؛ لأن الفرد الذي يرتكب الجريمة بمفرده أقل خطرا على أمن الجماعة وسلامتها من الذين يجتمعون للشر لكونهم جماعة قادرة على تنظيم نفسها، بحيث يرتكبون أكبر قدر من الشر دون أن ينالهم أذى كبير، لا بد أن تكون العقوبة من جانب الشريعة الإسلامية شديدة ليرتدع من لا ضمير له من المجرمين.

ومن المؤسف أن ترتفع بعض الأصوات من الغرب تهول من هذه العقوبة التي فرضها الإسلام امتثالا لأمر الله - عز وجل - بإقامة الحدود الشرعية على المحاربين والبغاة بزعم أن هذه العقوبات إهدار لكيان الفرد في العصر الحديث، وبالتالي لا تصلح للعالم المتحضر في هذا العصر وما يتلوه من عصور، غير مدركين أنه لا يوجد نظام على وجه الأرض يصون كرامة الفرد وإنسانيته بقدر ما يصنع الإسلام، إلا أن هذا التكريم لا يكون إلا للفرد المستقيم الذي يحافظ على أمن الجماعة وسلامتها، أما من يتعدى على الناس ويخل بالأمن والنظام ويحدث الفوضى، فهذا يجازى بعقوبة رادعة مساوية للجريمة التي ارتكبها.

إن الشريعة الإسلامية حين قررت القتل لم تكن قاسية كما يدعي البعض، وهي الشريعة الوحيدة في العالم التي لا تعرف القسوة، وما يراه البعض قسوة إنما هو القوة والحسم اللذان تمتاز بهما الشريعة الإسلامية، ولعل لفظ الرحمة ومشتقاته من أكثر الألفاظ ورودا في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة؛ فالرحمة أساس من أسس الشريعة الإسلامية، وشريعة هذا شأنها لا يمكن أن تعرف للقسوة سبيلا إلا في المواضع التي تستحق القسوة[19].

سابعا. كيفية المعارضة في النظام السياسي الإسلامي:

لعلنا نلمح من مضمون هذه الشبهة طرفا من المعنى المتردد في كثير من الكتابات المغالطة غير الدقيقة حول الإسلام وتعاليمه؛ والذي يشير إلى أن توجيهات الشرع بخصوص العلاقة بولي الأمر قد حضت على طاعته على الدوام وحذرت من الخروج عليه مهما كانت الأسباب ومهما ظهر من شروره وعدم التزامه جادة الصواب الشرعي في أحكامه، وبالتالي فإن هذه التعاليم الشرعية - في زعم هؤلاء الزاعمين - قد وأدت كل محاولة للمعارضة وحرية إبداء الرأي في وجه الحاكم والاستدراك على أحكامه وسلوكياته، وحرصت على تسكين الأمور ومصانعة أئمة الجور وطأطأة الرأس لهم، وبهذا كله فتعاليم الإسلام - في زعمهم - في الجانب السياسي والحقوق السياسية، متخلفة جامدة لا تجاري نظيراتها في النظم الغربية الحديثة.

ولكن العارف بأحكام الإسلام الصحيحة بدقة، يدرك خلو هذا الكلام من الحقيقة ومجافاته للدقة والموضوعية؛ فقد حمل الإسلام على الحاكم الظالم ودعا إلى تغييره ودرء مفاسده، لكنه نظم قضية الخروج عليه تنظيما دقيقا وأحاطها بكثير من المحترزات كي تؤتي ثمارها وتجني الرعية من هذا التغيير أو محاولته الخير لا الشر، على قاعدة أن: "درء المفاسد مقدم على جلب المنافع"، وإلا فالصبر أولى حتى يأتي الفرج وتتبدل الأحوال وتسنح الفرصة ويأذن الله في الأمر، فالمسألة ليست قضية فردية أو محلية بسيطة وإنما هي تخص أمن مجتمع ومصالح رعية ومستقبل أمة.

تحت عنوان "عزل الخليفة أو رئيس الدولة" يقول د. عبد الله محمد جمال الدين: "يعزل الخليفة إذا ثبت عجزه أو فساده، وتنعزل الحكومة والوزراء بعزله؛ لأنه عينهم لمعاونته، أما باقي العاملين فلا ينعزلون بعزله؛ لأنه إنما ولاهم باسم الأمة نيابة عنها، ويقوم باتخاذ قرار عزل الإمام - نيابة عن الشعب - أهل الحل والعقد؛ ذلك أنه من حقهم - وقد ولوه باسم الأمة مصدر السلطة الأصلية - أن يقوموا بعزله حين تكون المصلحة في ذلك. أي إذا اقتضت الضرورة القصوى ذلك، وبعد استنفاد كافة الوسائل الرامية لنصحه ورده إلى الصواب؛ لأن منصب الخلافة من المناصب المهمة التي لا ينبغي أن تكون عرضة للأهواء، فهي تتعلق بحماية الدولة وحقوق الأمة، فعزل الإمام إجراء استثنائي بالغ الشدة، ولهذا لا يعزل إلا إذا فارق الكتاب والسنة أي الدستور الإسلامي وإلا إذا كان في عزله مصلحة تفوق المصلحة من بقائه.

إن الإمام لا يعزل إلا إذا تغيرت حاله، كما يقول الماوردي، فثبت به جرح في عدالته أو نقص في دينه، فأما الجرح في عدالته فهو على ضربين: أحدهما: ما تابع فيه الشهوة، والثاني: ما تعلق فيه بشبهة، فأما الأول منهما فمتعلق بأفعال الجوارح، وهو ارتكابه المحظورات وإقدامه على المنكرات تحكيما للشهوة وانقيادا للهوى، فهذا فسق يمنع من انعقاد الإمامة ومن استدامتها، فإذا طرأ على من انعقدت إمامته خرج منها، فلو عاد إلى العدالة لم يعد إلى الإمامة إلا بعقد جديد. وأماالثاني منهما فمتعلق بالاعتقاد..." [20].

لا يصح إذن أن يطلق الكلام على عواهنه بخصوص نظرة الإسلام إلى معارضة الحاكم ومحاسبته، وصولا إلى الخروج عليه - ما أمكن - بغية الإصلاح، بحيث يزعم أن الإسلام يئد كل معارضة للحاكم، بغض النظر عن صلاحه أو فساده، فهذا تعميم باطل وإجمال غير دقيق، كما رأينا.

الخلاصة:

·       البغي لغة: الطلب، واصطلاحا: خروج قوم ذوي شوكة على الإمام بتأويل سائغ.

·   لا بد أن تتوفر في المجرمين البغاة شروط معينة حتى يعتبر خروجهم بغيا. فخروجهم يكون على الحاكم لعزله أو الامتناع عن طاعته بتأويل سائغ، ولو كان ضعيفا.

·       للبغاة حقوق قبل الثورة وأثنائها وبعدها تحترم ولا تهدر.

·   عقوبة البغاة تختلف باختلاف الأحوال، وصرامتها وشدتها مناسبة لردع من يقوم بالبغي لخطورة ما يقدم عليه؛ عله يرتدع.

·   حمل الإسلام على الحاكم الظالم، ونظم كيفية معارضته؛ بحيث نضمن درء المفاسد قبل جلب المنافع، حرصا على مصلحة الأمة.



(*) التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، عبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 1406هـ/ 1986م.

[1]. شرح منتهى الإرادات مع كشاف القناع، البهوتي، دار الفكر، بيروت، ج4، ص14.

[2]. الجنايات وعقوباتها في الإسلام وحقوق الإنسان، د. محمد بلتاجي، دار السلام، القاهرة، ط1، 1423هـ/2003م، ص26.

[3]. المغني، ابن قدامة المقدسي، دار الفكر، بيروت، ج1، ص52. نهاية المحتاج، الرملي، مطبعة الحلبي، ج7، ص382.

[4]. التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، عبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 1406هـ/ 1986م، ج1، ص103.

[5]. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، الرملي، مطبعة الحلبي، ج7، ص385.

[6]. الفيء: ما رد الله تعالى على أهل دينه من أموال من خالف دينه بلا قتال، إما بأن يجلوا عن أوطانهم ويخلوها للمسلمين، أو يصالحوا على جزية يؤدونها عن رءوسهم، أو مال غير الجزية يفتدون به من سفك دمائهم، فهذا المال هو الفيء في كتاب الله، وأصل الفيء: الرجوع. وسمي هذا المال فيئا؛ لأنه رجع إلى المسلمين من أموال الكفار عفوا بلا قتال.

[7]. المغني، ابن قدامة المقدسي، دار الفكر، بيروت، 1984م، ج1، ص58.

[8]. الأحكام السلطانية، الماوردي، دار الكتب العلمية، بيروت، ص58.

[9]. نهاية المحتاج، الرملي، مطبعة الحلبي، ج7، ص376. المغني، ابن قدامة المقدسي، دار الفكر، بيروت، 1984م، ج1، ص53: 58.

[10]. البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ابن نجيم الحنفي، دار المعرفة، بيروت، ج5، ص153.

[11]. الأحكام السلطانية، الماوردي، دار الكتب العلمية، بيروت، ص49.

[12]. نهاية المحتاج، الرملي، مطبعة الحلبي، ج7، ص386، 387. البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين الدين بن نجيم الحنفي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1997م، ج5، ص153.

[13]. التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، عبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 1406هـ/ 1986م، ج2، ص671 وما بعدها.

[14]. التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، عبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 1406هـ/ 1986م، ج1، ص107: 109.

[15]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع (4904).

[16]. الترقوتان: العظمان المشرفان بين ثغرة النحر والعاتق تكون للناس وغيرهم. والترقوة على وزن فعلوة، ولا تقل: ترقوة بالضم، وجمعها التراقي.

[17]. سيماهم التحليق: أي علامتهم، وهو حلق الرأس واستئصال الشعر. قال النووي: استدل به بعض الناس على كراهة حلق الرأس، ولا دلالة فيه، وإنما هو علامة لهم، والعلامة قد تكون بحرام وقد تكون بمباح.

[18]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أنس بن مالك رضي الله عنه (13362)، وأبو داود في سننه، كتاب السنة، باب في قتال الخوارج (4767)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود (4765)، وقد أخرجه البخاري بنحوه في كتاب التوحيد، باب قراءة الفاجر والمنافق وأصواتهم وتلاوتهم لا تجاوز حناجرهم (7123).

[19]. للمزيد يرجى مطالعة: المقاصد الشرعية للعقوبات في الإسلام، د. حسني الجندي ، دار النهضة، القاهرة، ط1، 1425هـ/ 2005م، ص242 وما بعدها، التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، عبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 1406هـ/ 1986م، ج2، ص671 وما بعدها.

[20]. نظام الدولة في الإسلام، د. عبد الله جمال الدين، دار الهاني، القاهرة، 2007م، ص175 وما بعدها.

read women who cheat on husband want my wife to cheat
why do men have affairs redirect why men cheat on beautiful women
click website dating site for married people
open my husband cheated black women white men
online why men have affairs read here
go using viagra on females how long for viagra to work
generic viagra softabs po box delivery us drugstore pharmacy viagra buy viagra generic
generic viagra softabs po box delivery viagra 50 mg buy viagra generic
why wife cheat percentage of women who cheat why women cheat in relationships
why wife cheat cheat on my wife why women cheat in relationships
dating a married woman all wife cheat i cheated on my husband
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق
نص التعليق
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  9486
إجمالي عدد الزوار
  38399156

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع