الزعم أن حد الحرابة في الشريعة الإسلامية لا يتناسب مع العالم المتحضر (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المغالطين أن حمل السلاح وتهديد الآمنين من الأمور التي تتطلبها بعض الظروف، وما دام هناك مبرر لذلك فلا ضرورة لتشريع حد لمثل هذا التصرف، ولا فائدة من فرض عقوبات على القائمين بذلك، مستدلين على ذلك بأن العالم اليوم لا يعترف بالضعف، ولا سيادة إلا للقوة وصاحب السلاح، ويستنكرون على الإسلام فرضه حد الحرابة قائلين: إن ذلك لا يتناسب مع العالم المتحضر.
وجوه إبطال الشبهة:
1) الحرابة هي: خروج مسلح لإحداث الفوضى، وسفك للدماء، وتهديد لأمن المجتمع، وتحد لتعاليم الدين وقواعد النظام والقانون.
2) حكمة تشريع عقوبة الحرابة أو قطع الطريق تتمثل في حفظ الأمن، وحماية أرواح الناس وممتلكاتهم.
3) قطاع الطرق أنواع منهم: من قتل وسلب، ومن قتل ولم يسلب، ومن سلب ولم يقتل، ومن أخاف فقط، ولكل نوع عقوبة تخصه.
4) لتنفيذ حد الحرابة على قطاع الطرق شروط - منها: التكليف وحمل السلاح والاختيار وأن يكون ذلك في دار الإسلام.
5) يسقط حد الحرابة عن صاحبه بعدة أمور؛ تطبيقا للقاعدة: "تدرأ الحدود بالشبهات".
6) العبرة في العقوبة بما تحققه من نتائج؛ لذا فحد الحرابة صالح للعالم المتحضر وغيره.
التفصيل:
أولا. مفهوم الحرابة، ومتى يتحقق؟
الحرابة هي: خروج طائفة مسلحة في دار الإسلام لإحداث الفوضى، وسفك الدماء، وسلب الأموال، وهتك الأعراض، وإهلاك الحرث والنسل، متحدية بذلك الدين، والأخلاق، والنظام، والقانون، ولا فرق بين أن تكون هذه الطائفة من المسلمين أو الذميين، ما دام ذلك في دار الإسلام.
وتتحقق الحرابة بخروج جماعة من الجماعات، وتتحقق كذلك بخروج فرد من الأفراد. فلو كان لفرد من الأفراد شيء من الجبروت والبطش ومزيد قوة وقدرة يغلب بها الجماعة على النفس والمال والعرض فهو محارب وقاطع طريق.
ويدخل في مفهوم الحرابة: العصابات المختلفة، كعصابة القتل، وعصابة خطف الأطفال، وعصابة اللصوص للسطو على البيوت والبنوك، وعصابة خطف البنات والعذارى للفجور بهن، وعصابة اغتيال الحكام ابتغاء الفتنة واضطراب الأمن، وعصابة إتلاف الزرع وقتل المواشي والدواب؛ لأن هذه الطوائف الخارجة عن النظام تعتبر محاربة للجماعة من جانب، ومحاربة للتعاليم الإسلامية التي جاءت لتحقيق أمن الجماعة وسلامتها بالحفاظ على حقوقها من جانب آخر.
فخروج هذه الطوائف على هذا النحو يعتبر محاربة، ومن ذلك أخذت كلمة "الحرابة"، وكما يسمى هذا الخروج على الجماعة حرابة فإنه يسمى أيضا قطع الطريق؛ لأن الناس ينقطعون بخروج هذه الجماعة عن الطريق فلا يمرون فيه خشية أن تسفك دماؤهم أو تسلب أموالهم أو تهتك أعراضهم أو يتعرضوا لما لا قدرة لهم على مواجهته.
وقد تعددت الأقوال فيمن تنطبق عليه صفة المحارب من المسلمين منها:
· أنه اللص المجاهر بلصوصيته المصر على ذلك في الصحراء أو المدينة.
· وأنه المكابر في الفسق والفجور.
والأصح مما تقدم أن المحارب هو الذي يخيف الناس ويعتدي عليهم جهارا بالقتل والسلب والنهب والتخريب وهتك الحرمات، وغير ذلك من المفاسد؛ وذلك لعموم قوله سبحانه وتعالى: )إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم (33)( (المائدة).
فالآية بعمومها تقر بأن كل من يهدد أمن الناس، ويعتدي على حرماتهم، ويسعى في الأرض فسادا، فهو محارب لله ورسوله، أي: معتد على دين الله ورسوله مخالف لأوامره تعالى.
وقوله سبحانه وتعالى: )يحاربون الله ورسوله( (المائدة: ٣٣) فيه استعارة ومجاز؛ فالله تبارك وتعالى لا يحارب ولا يغالب؛ لما هو عليه من صفات الكمال؛ ولما وجب له من التنزيه عن الأضداد والأنداد، ومعنى: )يحاربون الله(: يحاربون أولياءه، فعبر بنفسه عن أوليائه إكبارا لإيذائهم، فمن آذاهم فكأنه آذاه، وإن كان لا يلحقه من عباده أذى.
أما سبب نزول قوله سبحانه وتعالى: )إنما جزاء الذين يحاربون( نزلت هذه الآية في "العرنيين"، وهم جماعة "بجيلة" نزلوا المدينة فأصابتهم الحمى فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخروج إلى إبل الصدقة فخرجوا، وأمر لهم بلقاح - وهي الناقة الحلوب - ليشربوا من ألبانها فانطلقوا، فلما صحوا قتلوا الراعي وارتدوا عن الإسلام وساقوا الإبل.
فبعث رسول الله في آثارهم فما ارتفع النهار حتى جيء بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل[1] أعينهم وتركهم في الحرة [2] يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا.
قال أبو قلابة: فهؤلاء الناس سرقوا، وقتلوا، وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله؛ فأنزل الله سبحانه وتعالى: )إنما جزاء الذين يحاربون(.
وقد حكى أهل التواريخ والسير أنهم قطعوا يدي الراعي ورجليه، وغرزوا الشوك في عينيه حتى مات وأدخل المدينة ميتا، وكان اسمه يسارا وكان نوبيا. وكان هذا الفعل في السنة السادسة من الهجرة. وقد ثبت أن النبي سمل أعينهم؛ لأنهم سملوا أعين الرعاة، فكان هذا قصاصا.
قال صاحب المنار: ومجموع الروايات في قصة العرنيين تفيد أنهم جعلوا الإسلام خديعة للسلب والنهب، وأنهم سملوا أعين الرعاة، ثم قتلوهم، ومثلوا بهم، وفي بعضها أنهم اعتدوا على الأعراض وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عاقبهم بمثل عقوبتهم عملا بقوله سبحانه وتعالى: )وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين (40)( (الشورى)، وأن الله تعالى أنزل الآية بهذا التشديد في العقاب على مثل هذا الإفساد لحكمة، وهي سد ذريعة هذه المفسدة، وقد شدد لما فيها - أي الحرابة - من سلب الأموال واعتداء على الأعراض وغيرها.
والتشديد في سد الذرائع ركن من أركان السياسة الشرعية لا تزال جميع الدول تحافظ عليه[3].
ثانيا. حكمة تشريع عقوبة الحرابة أو قطع الطريق:
هي تأمين الناس على حياتهم وعلى أموالهم وعلى أعراضهم في أسفارهم وإقامتهم. ولقد بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث متعددة أن هؤلاء الذين يقتلون الآمنين أو يعتدون عليهم بأية صورة من صور الاعتداء ليسوا من الإسلام في شيء، ومن هذه الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم: «من حمل علينا السلاح فليس منا»[4].
أي من حمل السلاح لقتال المسلمين أو غيرهم بدون حق فليس على طريقتنا، ولا على هدينا، ولا على شريعتنا؛ لأن شريعة الإسلام تصون الناس وأموالهم، وتعاقب بالعقوبات الرادعة كل من يعتدي على غيره كي يسود الأمن والأمان والاطمئنان في الأمة.
ثالثا. أنواع قطاع الطرق وعقوبة كل نوع:
قطاع الطريق على أربعة أقسام، وكل قسم منهم له عقوبته الخاصة به:
1. إن كان قطاع الطرق قد قتلوا فقط ولم يأخذوا مالا من المقتول قتلهم ولي الأمر.
2. إن كانوا قد قتلوا وسلبوا المال من المقتول قتلوا وصلبوا على خشبة ونحوها.
3. إن أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، بأن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى.
4. إن كانت الحرابة مقتصرة على إخافة المارة وقطع الطريق دون أن يتعرضوا لهم بالقتل والسلب ولكنهم يهددون الناس ويخوفونهم يعاقبون بالنفي إلى مكان بعيد[5].
رابعا. شروط تنفيذ حد الحرابة:
من الشروط التي يجب أن تتوافر فيمن يقام عليه حد الحرابة أو قطع الطريق ما يأتي:
1. أن يكون مكلفا أي بالغا عاقلا؛ فالصبي والمجنون لا يعد الواحد منهما محاربا أي قاطع طريق لعدم تكليفهما شرعا؛ ولأن الحد عقوبة تستدعي جناية؛ وفعل الصبي والمجنون لا يوصف بكونه جناية[6].
2. أن يكون حاملا للسلاح الذي من شأنه أن يخيف الناس؛ لأن قوة قطاع الطرق في اعتمادهم على أسلحتهم، وأية أسلحة من شأنها أن تقتل، أو بها يحصل ما يؤدي إلى القتل تعد من باب الحرابة.
3. أن يكون مختارا، فإن ثبت أنه مكره أو مجبر، لا يقام عليه حد قاطع الطريق؛ وإنما مرجع الحكم إلى ما تراه الهيئات القضائية بشأنه.
4. أن يكون قطع الطريق والعدوان على الناس داخل المدن أو خارجها في صحراء أم غير صحراء؛ لأن الآية بعمومها تتناول كل من يسفك الدماء في الصحراء وغيرها.
5. أن يكون قطع الطريق في دار الإسلام، فإن كان في دار الحرب لا يجب الحد؛ لعدم ولاية الإمام في دار الحرب، فلا قدرة له على إقامة الحد.
6. أن يكون مسلما أو ذميا.
بم يثبت حد الحرابة؟
يثبت حد الحرابة بأحد أمرين: الإقرار أو الشهادة.
خامسا. مسقطات حد الحرابة:
يسقط حد الحرابة بعدة أمور منها:
· تكذيب المقطوع عليه القاطع في إقراره بقطع الطريق.
· رجوع القاطع عن إقراره بقطع الطريق.
· تكذيب المقطوع عليه البينة.
· ملك القاطع الشيء المقطوع له، وهو المال قبل الترافع أو بعده عند الحنفية، خلافا لغيرهم.
· توبة القاطع قبل قدرة السلطان عليه. لقوله سبحانه وتعالى: )إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم (34)( (المائدة)، وهذا باتفاق الأئمة[7].
سادسا. عقوبة الحرابة ليست عقوبة قاسية، وهي تصلح للعالم المتحضر وغيره:
إن الأمن من الأمور التي ينشدها الناس وتسعى لها المجتمعات، وقد اهتم الإسلام بالمحافظة عليه بإقرار عقوبة صارمة لكل من يعتدي على أمن الناس، هذه العقوبة - حد الحرابة - جعلها الباري - سبحانه وتعالى - لكل من يستعمل القوة؛ ليعتدي على الآخرين بالنهب والسلب، أو بالاعتداء على الأرواح والأعراض، مما يعد خروجا على النظم والروابط الاجتماعية بقوة السلاح والغلبة. قال سبحانه وتعالى: )إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم (33)( (المائدة).
والواقع أن آية المحاربة هدفها الهيمنة على كل الجرائم التي تشكل خطورة على المجتمع، و الجرائم التي تجاوزت الاعتبارات العادية التي تنطلق منها الجريمة.
من خلال الآية حكم الله تعالى على الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا ذلك الحكم، بحيث يضعهم تحت إحدى عقوبات أربع يأخذهم ولي الأمر بها - حسب أفعالهم التي تصدر منهم - بشرط أن يقعوا بأيدي المسلمين وهم في حال محاربة لهم، فإن هم تابوا قبل أن تتمكن يد المسلمين منهم خرجوا بهذا عن حكم المحاربين، ولم يقم عليهم حد الحرابة وهذا ما أشار إليه بقوله سبحانه وتعالى: )إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم (34)( (المائدة).
والحرابة جريمة شنعاء على المجتمع تخل بنظامه، وتدل على الاستهانة بنظام الحكم وسلطة الدولة، كما هي اعتداء على الأخلاق بتقطيع أواصر المحبة وإشاعة الفساد في الأرض؛ فلذلك كانت عقوباتها من أقسى العقوبات في الشريعة الإسلامية. ويفضل الأستاذ عبد القادر عودة هذه العقوبات، وذلك على النحو الآتي:
عقوبات الحرابة:
1. القتل:
لقد جعل الله عقوبة القتل لقطاع الطرق حدا لمن اعتدى منهم على قتل معصوم الدم - هذه العقوبة الأولى - وتجب هذه العقوبة على المحارب إذا قتل، وهي حد لا قصاص بمعنى أنها لا تسقط بعفو المجني عليه.
ووضعت الشريعة الإسلامية هذه العقوبة على أساس من العلم بطبيعة الإنسان البشرية. فالقاتل تدفعه إلى القتل غريزة تنازع البقاء بقتل غيره ليبقى هو، فإذا علم أنه حين يقتل غيره إنما يقتل نفسه أيضا امتنع في الغالب عن القتل؛ فالشريعة بتقريرها عقوبة القتل دفعت العوامل النفسية الداعية للقتل بالعوامل النفسية المضادة التي يمكن أن تمنع من ارتكاب الجريمة، بحيث إذا فكر الإنسان في قتل غيره ذكر أنه سيعاقب على فعله بالقتل؛ فكان في ذلك ما يصرفه غالبا عن الجريمة، بخلاف القانون الوضعي الذي لم يشرع القتل في هذا المجال لهذا الهدف النبيل، وإنما للحفاظ على دستور الدولة ونظامها العام؛ إذ إن هذا العمل الإجرامي اختراق للنظام الدولي العام.
2. القتل مع الصلب:
تجب هذه العقوبة على قاطع الطريق إذا قتل وأخذ المال؛ فهي عقوبة على القتل والسرقة معا؛ أو هي عقوبة على جريمتين كلاهما اقترنت بالأخرى، أو ارتكبت إحداهما، وهي القتل، لتسهيل الأخرى، وهي أخذ المال.
والعقوبة حد لا قصاص؛ فلا تسقط بعفو المجني عليه، وقد وضعت العقوبة على نفس الأساس الذي وضعت عليه عقوبة القتل، لكن لما كان الحصول على المال هنا يشجع بطبيعة الحال على ارتكاب الجريمة وجب أن تغلظ العقوبة، بحيث إذا فكر الجاني في الجريمة، وذكر العقوبة المغلظة، وجد فيها ما يصرفه عن الجريمة المزدوجة.
وقد أحسنت الشريعة الإسلامية في التفريق بين عقاب القتل وحده، والقتل المقترن بأخذ المال؛ لأن الجريمتين مختلفتان، وكلاهما لا تساوي الأخرى فوجب من ناحية المنطق والعقل أن تختلف عقوبة إحداهما عن الأخرى، وقد يقال: إنه لا فائدة لأي عقوبة أخرى مع عقوبة القتل خصوصا وأن الصلب مع القتل ليس إلا القتل مصحوبا بالتهويل؛ فالصلب زيادة لا فائدة منها.
والرد على ذلك من أهون الأمور، فلكل عقوبة غرضان؛ وهما تأديب الجاني وزجر غيره، وإذا كان كل تأديب لغوا بعد عقوبة القتل فكل عقوبة أخرى مهما صغرت لها أثرها في الزجر إذا صحبت عقوبة القتل، والصلب حقيقة لا يؤثر على المحكوم عليه خصوصا إذا كان الصلب بعد الموت، ولكن أثر الصلب على الجمهور شديد، بل قد يكون هو الشيء الوحيد الذي يجعل لعقوبة القتل قيمتها بين الجمهور عامة وبين قطاع الطرق خاصة. فالصلب له أثره الذي لا ينكر في زجر الغير وكفه عن الجريمة.
3. القطع:
تجب هذه العقوبة على قاطع الطريق إذا أخذ المال ولم يقتل، والمقصود بالقطع قطع يد المجرم اليمنى ورجله اليسرى دفعة واحدة، أي قطع يده ورجله من خلاف.
وقد وضعت هذه العقوبة على الأساس نفسه الذي وضعت عليه عقوبة السرقة، وهو دراسة نفسية الإنسان وعقليته، فهي إذن عقوبة ملائمة للأفراد، وفي الوقت ذاته صالحة للجماهير؛ لأنها تؤدي إلى تقليل الجرائم وتأمين المجتمع، وما دامت العقوبة ملائمة للفرد وصالحة للجماعة، فهي أفضل العقوبات وأعدلها، إلا أنه كلما كانت الجريمة ترتكب عادة في الطريق وبعيدا عن العمران كان قاطع الطريق في أغلب الأمر على ثقة من النجاح، وفي أمن من المطاردة.
وهذا مما يقوي العوامل النفسية الداعية للجريمة، ويرجحها على العوامل الصارفة التي تبعثها في النفس عقوبة السرقة العادية؛ فوجب من أجل ذلك تغليظ العقوبة حتى تتعادل العوامل النفسية التي تصرف عن الجريمة مع العوامل النفسية التي تدعو إليها. وإذا كانت الشريعة تضاعف العقوبة المقررة للسرقة العادية وتجعلها عقوبة لقاطع الطريق فإن القانون يجعلها خمسة أمثال العقوبة المقررة للسرقة العادية على الأقل.
فالقانون يعاقب على السرقة المصحوبة بظروف بسيطة بالحبس لمدة ثلاث سنوات، ويعاقب على السرقة التي تقع في الطرقات العمومية بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة، وعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة حدها خمسة عشر عاما، فهي خمسة أمثال عقوبة الحبس من حيث عدد السنوات.
وسنرى فيما بعد أن حوالي نصف المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة يعودون إلى ارتكاب الجرائم في ظرف سنة من تاريخ الإفراج عنهم، وأنهم يخرجون من السجن وهم أشد ميلا للإجرام وأكثر حذقا له، وأنهم يصبحون بعد خروجهم خطرا يهدد الأمن والنظام، ومن السهل أن يصدق كل إنسان هذا القول ويؤمن به.
ولكن هل يستطيع أحد - مهما بعد به الخيال - أن يصدق أن رجلا مقطوع اليد والرجل يصلح لارتكاب الجرائم، أو يدفعه شيء للإجرام، أو يستطيع أن يصبح خطرا على الأمن والنظام؟
والغرابة ممن يقولون: إن عقوبة القطع لا ترتقي إلى ما وصلت إليه الإنسانية والمدنية في عصرنا الحاضر، وكأن على الإنسانية والمدنية أن تقابل قاطع الطريق بالمكافأة على جريمته، وأن تشجعه على السير في غوايته، وأن نعيش نحن في خوف واضطراب!
ثم نعجب مرة ثانية ممن يقولون: إن عقوبة القطع لا تتفق مع ما وصلت إليه الإنسانية والمدنية، وكأن على الإنسانية والمدنية أن تنكر العلم الحديث والمنطق الدقيق، وأن تنسى طبائع البشر، وتتجاهل تجارب الأمم، وأن نلغي عقولنا ونهمل النتائج التي وصل إليها تفكيرنا؛ لنأخذ بما يقوله قائل فلا يجد عليه دليلا إلا التهويل والتضليل.
وإذا كانت العقوبة الصالحة حقا هي التي تتفق مع المدنية والإنسانية، فإن عقوبة الحبس قد حق عليها الإلغاء وعقوبة القطع قد كتب له البقاء؛ لأن الأخيرة تقوم على أساس متين من علم النفس وطبائع البشر وتجارب الأمم ومنطق العقول والأشياء، وهي نفس الأسس التي تقوم عليها المدنية والإنسانية.
أما عقوبة الحبس؛ فلا تقوم على أساس من العلم والتجربة، ولا تتفق مع منطق العقول ولا طبائع البشر، وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد وضعت عقوباتها لمحاربة الجريمة والإجرام فإن هذا وحده لا يكفي لإثبات صلاحية الشريعة وتفوقها على القوانين الوضعية.
وإنما يجب أن يثبت بعد ذلك أن هذه العقوبات كافية للقضاء، وإنما العبرة في هذا الأمر ليس الوسائل أو الغايات، وإنما العبرة بكفاية الوسائل لإدراك ما وضعت له من غايات، والقوانين الوضعية نفسها قد قصدت إلى محاربة الإجرام والجريمة، ووضعت عقوبات معينة لهذا الغرض ولكنها فشلت في القضاء على الإجرام.
والتجربة وحدها هي التي تبين قيمة الأنظمة الجنائية، ولا عبرة بالمنطق المزور الذي يصلح مرة ويخيب أخرى، ولسنا نأتي بجديد حينما نقول هذا وإنما نكرر ما قاله علماء القوانين الوضعية مجتمعين في اتحاد القانون الدولي؛ حيث قرروا أن أحسن نظام جنائي هو الذي يؤدي عمليا إلى نتائج أكيدة في كفاح الجريمة، وأن التجارب وحدها الكفيلة بإبراز هذا النظام المنشود، ولقد أبرزت التجارب الحديثة أن أحسن الأنظمة الجنائية هو النظام الجنائي في الشريعة الإسلامية وأثبت ذلك بالتجربة الكلية في المملكة العربية السعودية.
فقد بدئ بها في مملكة الحجاز من حوالي أكثر من عشرين عاما حيث طبقت الشريعة الإسلامية تطبيقا تاما ونجحت نجاحا منقطع النظير في القضاء على الإجرام وحفظ الأمن والنظام، ولا يزال الناس يذكرون كيف كان الأمن مختلا في الحجاز بل كيف كان الحجاز مضرب الأمثال في كثرة الجرائم وشناعة الإجرام؛ فقد كان المسافر فيه كالمقيم لا يأمن على ماله ولا على نفسه في بدو أو حضر في نهار أو ليل، وكانت الدول ترسل مع رعاياها الحجاج قوات مسلحة لتأمين سلامتهم ورد الاعتداء عليهم وعنهم، وما كانت هذه القوات الخاصة ولا القوات الحجازية بقادرة على إعادة الأمن وكبح جماح العصابات ومنعها من سلب الحجاج أو الرعايا الحجازيين وخطفهم والتمثيل بهم.
وظل حماة الأمن في الحجاز عاجزين عن حماية الجمهور حتى طبقت الشريعة الإسلامية، فانقلبت الحال بين يوم وليلة وساد الأمن بلاد الحجاز، وانتشرت الطمأنينة بين المقيمين والمسافرين، وانتهى عهد الخطف والنهب والسلب وقطع الطريق، وأصبحت الجرائم القديمة أخبارا تروى فلا يكاد يصدقها من لم يعاصرها أو يشهدها، وبعد أن كان الناس يسمعون أشنع الأخبار عن الحجاز، أصبحوا يسمعون أعجب الأخبار عن استتباب الأمن والنظام، فهذا يفقد كيس نقوده في الطريق العام فلا يكاد يذهب إلى دار لشرطة ليبلغ حتى يجد كيسه كما فقد منه معروضا للتعرف عليه، وهذا ترك عصاه في الطريق فتتوقف حركة المرور حتى تأتي الشرطة لرفع العصا من مكانها، وهذا يفقد أمتعته وييأس من ردها ولا يبلغ عنها ولكنه يجد الشرطة تبحث عنه لترد إليه ما فقد منه، وبعد أن كان الأمن تعجز عن حفظه قوات عسكرية من الداخل وقوات عسكرية من الخارج أصبح الأمن محفوظا بحفنة من الشرطة المحليين.
تلك هي التجربة، وكفى بها دليلا على أن النظام الجنائي في الإسلام يؤدي إلى قطع دابر الجريمة، وأنه النظام الذي يبحث عنه اتحاد القانون الدولي.
4. النفي:
تجب هذه العقوبة على قاطع الطريق إذا أخاف الناس ولم يأخذ مالا ولم يقتل. وتعليل هذه العقوبة أن قاطع الطريق الذي يخيف الناس ولا يأخذ منهم مالا ولا يقتل منهم أحدا إنما يقصد الشهرة وبعد الصيت؛ فعوقب بالنفي وهو يؤدي إلى الخمول وانقطاع الذكر، وقد تكون العلة أنه بتخويف الناس نفي الأمن عنه في كل الأرض. وسواء صحت هذه العلة أو تلك فالعوامل النفسية التي تدعو للجريمة في كل حال، قد دفعتها الشريعة بالعوامل النفسية الوحيدة المضادة التي تصرف عن الجريمة؛ فهو إذا فكر في الجريمة لتجلب له الشهرة ذكر العقوبة فعلم أنها تجر عليه الخمول، وهو إذا فكر في الجريمة ليخيف الناس وينفي الأمن عنهم في بعض الأرض ذكر العقوبة فعلم أنه سينفي عنه الأمن في كل الأرض، وحينئذ ترجح في أغلب الأحوال العوامل النفسية الصارفة عن الجريمة على العوامل النفسية الداعية إليها.
فأساس العقوبة هو العلم بطبيعة النفس البشرية، وعقوبة النفي تقابل عقوبة الإرسال إلى الإصلاحية التي عرفتها أخيرا القوانين الوضعية التي تقوم على حبس المحكوم عليه في مكان خاص مدة غير محدودة بشرط ألا يحبس أكثر من مدة معينة، وهذه العقوبة تطبيق لنظرية العقوبة غير المحددة وهي من أحدث نظريات العقاب في القوانين الوضعية. وإذا كانت القوانين الوضعية لم تعرف نظرية العقوبة غير المحددة إلا في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين فإن الشريعة الإسلامية قد عرفت هذه النظرية وطبقتها منذ أربعة عشر قرنا، وتلكم عقوبة النفي هي الشاهد على ذلك فمن كان يظن أن القوانين الوضعية حين أخذت بهذه النظرية قد جاءت بشيء جديد فليعلم أنها لم تجيء إلا بأقدم النظريات في الشريعة الإسلامية.
لهذا فإن الشريعة الإسلامية تشدد العقوبة على هذه العصابات أكثر مما تشدد على جرائم الأفراد؛ لأن الفرد الذي يرتكب جريمة بمفرده أقل خطرا على أمن الجماعة وسلامتها من الذين يجتمعون للشر ويتفقون فيه، فهم لكونهم جماعة قادرون على تنظيم أنفسهم، بحيث يرتكبون أكبر قدر من الشر دون أن ينالهم أذى كبير، فلا بد أن تكون العقوبة من جانب الشريعة الإسلامية عنيفة قاسية ليرتدع من لا ضمير له من المجرمين.
لكن بعض الناقدين الذين يحاولون أن يتظاهروا أمام المجتمع بأنهم حريصون على رضائه ورغد عيشه وشفقتهم على أفراده يستبشعون هذه العقوبة، ويعدونها همجية بربرية للعالم المتحضر في القرن العشرين، ونقول لهم: إنه لا يوجد نظام على ظهر الأرض شرقها وغربها يصون كرامة الفرد وإنسانيته بقدر ما يصنع الإسلام، الذي يعتبر الاعتداء على حق الفرد أو الجماعة جريمة، وهو الذي يحافظ على حياة الإنسان؛ فيبيح له الإسلام حق مطالبة الجماعة بالضمانات التي تكفل له الحياة وله حق طلب معاقبتها إذا هي امتنعت، ولا يترك ذلك أماني في الضمير ولا دعاية شفهية، بل يجعله جزءا من التشريع، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه»[8].
وقال صلى الله عليه وسلم: «على كل مسلم صدقة، قالوا: يا نبي الله، فمن لم يجد، قال: "يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق". قالوا: فإن لم يجد، قال: "يعين ذا الحاجة الملهوف"، قالوا: فإن لم يجد، قال: فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشر، فإنها له صدقة»[9].
إلا أن هذا التكريم لا يكون إلا للفرد المعصوم المستقيم الذي يحافظ على أمن الجماعة وسلامتها، أما من يعتدي على الناس، ويخل بالأمن ويحدث الفوضى، فهذا يجازى بعقوبة رادعة مساوية للجريمة التي ارتكبها، ومن كان يظن أن عقوبات الشريعة لا تصلح للعصر الحديث فلعله يستبين مما تقدم ومما سيأتي أن عقوبات الشريعة ألزم الأشياء لهذا العصر الحديث"[10].
وحين قررت الشريعة الإسلامية عقوبة قطع الطريق لم تكن قاسية، وهي الدستور الوحيد في العالم الذي لا يعرف القسوة.
والواقع شاهد؛ فالإسلام حكم العالم ألف سنة، وما كانت تعرف الجرائم إلا نادرا، فلما أبعد الإسلام عن ميدان الحياة وعن سياسة الدولة أصبح العالم - كما نرى - يعاني جرائم متنوعة وخوف واضطراب وقلق وهموم، ولن يعود للعالم أمنه واستقراره إلا إذا كانت السلطة والحكم للإسلام.
ولا يستقيم أمر العالم إلا إذا كان التشريع والنظام للإسلام، ولن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
فالواجب على العالم الإسلامي أن يعود إلى الله، وإلا ستتحول الحال من سوء إلى أسوأ ومن تقهقر شنيع إلى أشنع، وليتأكد أنه لن ينعم العالم بالأمن والاستقرار مالم تتداركه رحمة الله وتوفيق قادته لتطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة حدودها.
ولعل الاستهجان الحاصل تجاه نظام العقوبات في الشريعة الإسلامية، والخشية المستشعرة حيال قسوة منظومة الحدود في الإسلام، تعود لدى بعض هؤلاء إلى طبيعة التجارب غير الموفقة والمحاولات المجتزأة المبتسرة لتطبيق الشريعة التي حاولها بعض الحكام - في الفترة المعاصرة - لا لابتغاء وجه الله، وإنما لغرض آخر في الغالب فهم لم يهيئوا الظروف ويكيفوا الأحوال ويوفروا الشروط اللازمة للتطبيق، وإنما سارعوا - بين عشية وضحاها - إلى القطع والجلد والرجم بشكل طفولي أساء للتجربة ولمرجعيتها أكثر مما أحسن.
في هذا السياق يقول د. أحمد شوقي الفنجري: تحت عنوان "الحدود والعقوبات في الإسلام هل تتناسب مع عصرنا الحاضر؟": "أصدرت منظمة العفو الدولية نداء إلى الدول الإسلامية التي طبقت نظام العقوبات الإسلامية في بلادها تحارب فيه هذا النظام، وتطالب بإيقافه، كما طالبت أطباء تلك البلاد بالامتناع عن المشاركة في عمليات قطع الأيدي، والأرجل، باعتبار أن ذلك مخالف للقسم الطبي الذي يقسمونه".
وإلى جانب ذلك فهناك كثير من المفكرين في أوربا، وفي العالم الإسلامي يرون أن نظام العقوبات في الإسلام بالغ القسوة والشدة، وأنه غير عملي لعصرنا الحاضر.
ويقول هؤلاء: إن العالم المتحضر يتجه اليوم إلى إلغاء أي نوع من العقوبات البدنية. بل هناك دول تمنع حتى الضرب في السجون. وإن العلم الحديث ينظر إلى اللص على أنه أحد شخصين؛ إما محتاج واضطرته الحاجة إلى السرقة، وهذا النوع في الواقع ضحية إهمال المجتمع، وعلاجه أن يتعلم حرفة أو صنعة في مدة سجنه تعينه بعد قضاء عقوبته. وإما منحرف لأسباب نفسية ومرضية أهمها تعاطي المسكرات والمخدرات، وهذا يحتاج إلى التوعية والعلاج النفسي والطبي. وبهذا يمكن أن يتحول اللص إلى مواطن صالح وتغفر له أخطاؤه. أما إذا قطعنا يده، فإن في هذا القضاء التام على كل أمل له في الصلاح، والحياة الشريفة.
ويهمنا هنا أن نناقش هذه الآراء بمنطق هادئ وبالحجة العلمية والعملية، والواقع أن أصحاب هذا الاعتراض معهم كل العذر؛ لأنهم ينظرون إلى هذا التطبيق السيئ والمشين، الذي تنفذ به بعض الدول الإسلامية حدود الله. فبعض الحكام العرب كان يستغل الدين لأغراضه السياسية، ولكسب أصوات بعض الأحزاب، وليس إرضاء لوجه الله تعالى.
فأصدر بين يوم وليلة قوانين غير مدروسة لتطبيق الشريعة الإسلامية، وأخذ يصدر أحكاما بالرجم والجلد وقطع الأيدي والأرجل على فقراء الأمة والمستضعفين الذين تضطرهم الحاجة إلى الانحراف. وما أن انتهت فترة حكمه حتى بلغت نسبة المعوقين في الأمة قدرا مذهلا. وهذا قطعا ضد الإسلام ولا يرضى به الله ورسوله.
فما هو التطبيق السليم؟
لكي نفهم روح الإسلام، وحكمته في الحدود، فلا بد أن نعلم شروط الحد، فالحدود هي آخر ما يطبق من نظام الحكم بالإسلام، ولا يجوز البداية بها، لا بد من إقامة مجتمع إسلامي مثالي أولا. ربما يرد التساؤل هنا: هل هذا ممكن إلى هذه الدرجة؟ أقصد هل من الضروري الانتظار حتى يتحقق ما اشترطه د. الفنجري من وصول المجتمع الإسلامي إلى درجة المثالية؟ إن أمكنت في الواقع، أم مطلوب درجة معقولة من الحرية السياسية والكفاية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية؟ بحيث يكون متكاملا من النواحي السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.
أما أن تطبق الحدود ويهمل كل ما سوى ذلك من أركان الإسلام ونظامه فمعناه هدم للإسلام، وإساءة بالغة إليه وفشل وخزي في الدنيا والآخرة، وذلك مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: )أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب( (البقرة:85).
والحكمة في ذلك أن نظام الحكم في الإسلام أشبه بالميزان الدقيق الحساس؛ ففي إحدى كفتيه توضع الحقوق والامتيازات التي يتمتع بها كل فرد في الرعية. وفي الكفة الأخرى توضع الواجبات والحدود التي تنطبق على أي فرد منهم.
وبقدر ما نجد الإسلام شديد السخاء فيما يعطيه من حقوق وامتيازات لأبنائه فهو بالتالي يطلب منهم أعظم التضحيات وأقصى الجهد، ويوقع على المذنب منهم أشد العقاب، ومن قوانين الطبيعة والعلم أنه لا يمكن أبدا لأي ميزان أن يعمل بكفة واحدة، وإلا اختل وتحطم.
من هنا نجد أن الإسلام يرفض بكل شدة أن يطبق منه جزء ويترك جزء آخر، ويعد من يفعل ذلك بالويل والعذاب.
وقد وضع الإسلام شروطا لإقامة المجتمع الإسلامي تسبق تطبيق العقوبات. وهذه الشروط هي:
1. أن يطبق ركن الشورى، فلا يجوز للحاكم أن ينفذ النظام الذي يحاسب الناس ويسقط أو يهمل النظام الذي يحاسبه شخصيا، إذا أهمل في إيصال الحقوق إلى الرعية؛ فالحكم السليم هو الصمام الأول لمنع كل أنواع الجرائم والانحرافات، ويحضرنا هنا قول عمر بن الخطاب حين سأل أحد ولاته: ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب؟ فقال الوالي: أقطع يده، فرده عليه عمر قائلا: إذا فلتعلم أنه إذا جاءني منهم جائع أو عاطل فسوف يقطع عمر يدك يا هذا. إن الله تعالى قد كرمنا بهذه الأيدي لتعمل، فإذا لم تجد لها في الطاعة عملا التمست في المعصية أعمالا. فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية، ثم وجه الخطاب إلى سائر الولاة قالا: "إن الله استخلفنا على عباده لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإذا أعطينا هذه النعمة تقاضيناهم شاكرين". وهذا هو المفهوم الصحيح الحق لشريعة الله وحدوده.
2. إصلاح الاقتصاد ورفع مستوى الدخل وإيجاد عمل لكل فرد في الرعية. بحيث نصل بالمجتمع إلى حد الكفاية أو ما يعرفه الفقهاء بحد الغنى ومعناه أن يكون لكل فرد مسكن يحميه من البرد والمطر ومن الشمس والحر، وأن تكون له الكفاية في مأكله وملبسه وعلاجه.
ولا يضطر أحد إلى السرقة بسبب الفقر والجوع، ولا يضطر شاب إلى الزنا بسبب عدم مقدرته على الزواج، ولا تضطر امرأة إلى الانحراف لكي تعول نفسها وأسرتها.
وفي عام الرمادة أوقف عمر تنفيذ حد السرقة؛ لأن أحد الشروط الرئيسية لم يكن متوفرا. وهو حد الكفاية بسبب ظهور المجاعة. والعالم الإسلامي اليوم يمر بما يشبه عام الرمادة. ولكنها مجاعة لم تنجم عن القحط، وقلة الموارد، بل بسبب سوء الإدارة والتسيب، والانحراف في أجهزة الحكم، وبسبب سوء توزيع الثروة والدخل، وإهمال المشروعات النافعة للأمة.
3. إقامة المجتمع الإسلامي النظيف المثالي الخالي من كل مسببات الانحراف كالخمور، والمخدرات، وبؤر الفساد، والفتنة، والإثارة الجنسية، بحيث لا يضطر أحد إلى السكر أو المخدرات؛ لأنه لن يجدها في المجتمع كله. ولن يجد من يتاجر في هذه السموم أو يغريه بها.
4. التربية الدينية منذ الصغر، فهي التي تعصم الشباب من الزلل.
5. شغل أوقات الفراغ بالجهاد في سبيل الله عن طريق عمل الخير وخدمة المجتمع إلى جانب التربية الرياضية والفنية.
خلاصة القول أن نظام العقوبات في الإسلام لا يجوز تطبيقه إلا في مجتمع إسلامي مثالي متكامل، وهذا هو ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد أمضى ثلاثة عشر عاما يبني المجتمع الإسلامي السليم، ثم لم يبدأ في تطبيق العقوبات إلا في أواخر دعوته وحكمه، وبعد أن أقام هذا المجتمع.
والآن قد يقول قائل: إن معنى ذلك أنه إذا قام حكم إسلامي في أي دولة فلن يستطيع تطبيق العقوبات إلا بعد عمر طويل حتى يحقق كل هذه الإصلاحات، ونقول لهؤلاء: علام الاستعجال؟ لقد عاش العالم الإسلامي مئات السنين والعقوبات موقوفة، فماذا يضيرنا أن نوقفها لسنوات أخرى، ولو كانت عشر سنين، إلى أن يتم إصلاح المجتمع ونعمل بهمة في هذه الأثناء على إنجاز هذه الإصلاحات، فهذا الانتظار خير ألف مرة من ظلم مسلم واحد أو قطع طرف من جسمه في جرم اضطرته ظروف المجتمع إلى ارتكابه.
ومع ذلك، فلنا هنا استثناء من هذه القاعدة يجب أن يوضع في الحسبان، وهو الجرائم العامة التي تتعلق بالأمن العام للرعية وسلامة المجتمع؛ فمثل هذه الجرائم يجب أن تطبق فيها الحدود الإسلامية فورا ودون تردد أو انتظار، وذلك لأن مرتكبيها ليس لهم أي عذر أو حاجة أو اضطرار لارتكابها. إنما هم قوم استهانوا بالقوانين الوضعية، ووجدوا فيها من اللين والضعف ما يشجعهم على تحدي أمن المجتمع، ومن أهم هذه الجرائم هتك العرض بالسلاح - بالعنف - وتجارة المخدرات، والرشوة، واختلاس الأموال العامة. ومن كثرة ما روع هؤلاء المجرمون العتاة أمن المجتمع وخربوا اقتصاده، أصبح المجتمع الإسلامي كله يطالب من الآن بتطبيق الحدود الإسلامية عليهم فهي وحدها الكفيلة بردعهم.
لقد كثرت حوادث اغتصاب النساء البريئات في الطريق، وتكررت بصورة بشعة تهدد أمن كل أسرة مسلمة، حيث يجتمع جماعة من الشبان العاطلين ويتناولون الخمر أو المخدرات، وقد يشاهدون فيلما من أفلام الجنس، ثم يخرجون في حالة هياج، وكأنهم قطيع من الذئاب الكاسرة، يتخطفون أية امرأة، ولو كانت تسير مع زوجها أو أخيها أو أبيها، ثم يتناوبون على اغتصابها، وقد صرخ الرأي العام مطالبا لهم بأشد العقوبات، وفعلا كان يتم إعدامهم جميعا تقريبا، ومع ذلك فقد كانت وما تزال حوادث الاغتصاب تتكرر، والسبب في ذلك أن الذي يتم إعدامه إنما نفعل به ذلك في غرفة مغلقة، فلا يدري به أحد ولا تتم الموعظة المطلوبة.
ومن هنا كانت المطالبة بأن يتم الإعدام علنا، ويعرض على الناس. ونحن نرى أن العقوبة الإسلامية في مثل هذه الحالة قد تكون حد المحاربة - أي قطع الطريق - الحرابة، وهي تنص على أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وبذلك يظل هؤلاء مثلا حيا وعبرة لغيرهم، ودرسا حيا لا ينساه أحد، أما موتهم في الخفاء فلن تكون فيه موعظة لأحد، ومن هذه الأمثلة أيضا تجار المخدرات الذين يقدمون هذه السموم لضحاياهم طمعا في الثراء والغنى على حساب خراب الأمة.
لقد عجز القانون الوضعي عن ردعهم، وأصبحوا كلما قضوا فترة العقوبة في السجن يعودون منه أقوى مما كانوا، بل إن معظمهم يسير أموره ويواصل تجارته، وهو داخل السجن. وقد طالب الشعب لهم بالإعدام دون جدوى، والحل الإسلامي هو تطبيق عقوبة بائع الخمر وصانعها، وهي الجلد علنا، وفي جمع من الناس، منهم أهله وجيرانه، فإذا عاود تكون عقوبته القتل.
ومن هذه الأمثلة أيضا جريمة اختلاس أموال الدولة وجريمة الرشوة، فهذه الجرائم التي كثرت بسبب استهتار هؤلاء القوم بالعقوبات الوضعية، يجب أن يطبق عليهم حد السرقة، وهو القطع؛ لأن الاختلاس والرشوة من أخطر أنواع السرقة لأموال الرعية.
كانت هذه أمثلة من عقوبات يمكن أن يبدأ الحاكم بها، إذا أراد تطبيق الشريعة منذ بداية حكمه؛ وذلك لأنها تتعلق بجرائم كبيرة تمس الأمن العام واستقرار الحكم.
فهل العقوبات الإسلامية قاسية، ولا تناسب العصر؟!
ننتقل الآن من الجو الملائم لتطبيق الحد، إلى ما جاء في بيان منظمة العفو الدولية، والذي تقول فيه: "إن العقوبات البدنية التي جاء بها الإسلام تعتبر في نظر العالم المتحضر قاسية".
ونرد على ذلك بأنها تعتبر قاسية فعلا لو طبقت في مجتمع غربي أوربي، ولكنها ليست قاسية لو طبقت في مجتمع إسلامي، لماذا؟!
في المجتمع الأوربي يسمحون بكل عناصر الفساد والانحراف؛ فالخمارات ودور الدعارة، والإغراء الجنسي ترخص بالقانون، ولكن إذا سكر أحدهم، وخرج عن وعيه، فقتل أو سرق، فإنهم يعاقبونه بالسجن، وهذا نوع من التناقض الغريب، والظلم لهؤلاء الضعفاء، تبيع لهم الخمر، وتغريهم بشربها، ثم تعاقبهم إذا لعبت الخمر بعقولهم، وتفتح لهم دور الفساد، والإغراء الجنسي، ثم تعاقبهم إذا خرجوا يغتصبون الفتيات في الطريق!! وتقدم لهم الأفلام البوليسية التي تمجد السرقة، والسطو على البنوك؛ ثم تعاقبهم إذا قلدوها ولو من باب المغامرة!!
فهذا النوع من مسببات الانحراف غير موجود في المجتمع الإسلامي بهذا المستوى الفاحش، في ظل دولة الإسلام - كما نتوقع - ومن هنا فلا عذر لمن ينحرف بعد ذلك؛ لذا يجب أن يكون العقاب رادعا وصارما.
والإسلام دقيق كل الدقة، حريص كل الحرص في تطبيق العقوبات، فلكل عقوبة شروطها، التي بغير توافرها لا يمكن إقامة الحد.
والحدود في الإسلام، إذا طبقت في مناخ إسلامي، وبالشروط الإسلامية فليس فيها أي إجحاف، بل هي القصاص العادل الذي لا بد منه لمن ينحرف بعد كل ما يقدمه له الإسلام من كفالات للحياة الشريفة المستقيمة.
ويكفي دليلا على ذلك أن عقوبة قطع اليد لم تنفذ في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - غير مرة واحدة، وعهد الخلفاء الراشدين - جميعهم - لم يشهد سوى بضع مرات، تعد على الأصابع؛ مما يدل على أن العقوبة، إذا طبقت في مناخ إسلامي، فلن تكون هناك حادثة واحدة نحتاج إلى استعمالها فيها.
ويحضرنا هنا مثال بسيط: عندما أصدر الاتحاد السوفيتي - السابق - قرارا بعقوبة الإعدام للمرتشي، وبعدها تقابل الزعيم الأمريكي بالزعيم السوفيتي، قال له: "إن هذه العقوبة القاسية تدل على أن الإنسانية عندكم لا قيمة لها". فقال له الزعيم الروسي: "حقيقة إنها عقوبة قاسية، ولكن منذ أصدرناها، لم تحدث لدينا حادثة رشوة واحدة، ولم نحتج إلى تطبيقها"[11].
وفي الموضوع ذاته يقول سعيد حوى مركزا على توازن السياسة الجزائية في الإسلام، وفعاليتها الحقة - مما يمنحها الصلاحية للتطبيق، بغض النظر عن الزمان والمكان - ردا على من يزعمون أنها ليست عصرية، وليست ملائمة لهذا الزمان: "نظام العقوبات في الإسلام: ليس إلا حلقة من حلقات النظام الإسلامي المتكامل الذي أنزله الله - سبحانه وتعالى - على رسوله الأمين محمد - صلى الله عليه وسلم - ليكون للبشرية - منهاجا وسبيلا تسلكه لتصل به إلى خيرها وسعادتها في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وتستطيع أن تؤدي الرسالة التي خلقها الله لأجلها على الوجه الأتم الأكمل.
ولما كان النظام الإسلامي منزلا ليوضع موضع التنفيذ، ولما كان مجال تنفيذه ذلك الإنسان الذي قد يضعف أمام شهوته، وحبه لها، ويطغى بذلك على حقوق غيره، ويهدد مصالح المجتمع؛ لذلك كان لا بد من وسيلة رادعة توقفه عند حده، فلا يتجاوز حقوقه إلى حقوق غيره، وكانت هذه الوسيلة هي العقوبة، لكن النظام الإسلامي لم يلجأ إلى العقوبة إلا كسلاح أخير لا بد منه، وذلك عندما تفشل كافة الروادع الأخرى في منع الفرد من تجاوز حده.
فقد اعتنى الإسلام بإصلاح نفس الإنسان، وبإعمار قلبه بخشية الله، وبإشعاره بمسئوليته يوم القيامة، وبأن ينشئ فيه الميل إلى طاعة الله، والرسول التي هي أول مقتضيات الإيمان، ثم نبهه إلى ما في ارتكاب الأفعال المحرمة، وإلى الأضرار التي تلحق به، وبإخوانه نتيجة لها، ثم - من جهة أخرى - وفر له بنظامه المتكامل المتماسك سبيل الابتعاد عن المحرمات؛ حتى لا يكون هناك مجال لشيء من الأضرار، والحاجة إلى ارتكاب هذه الأفعال.
وهكذا أصبح من الحق والعدل إيقاع العقاب بهذا الذي تخطى كافة الحدود والسدود، وأوغل في الخضوع لرغباته وشهواته وعواطفه؛ فأدى به إلى هذا الخروج على نظام الجماعة، وهدد بذلك مصالح المجموع.
وللإسلام في الجريمة والعقاب رأي ينفرد به بين كل نظم الأرض، ويمسك فيه بميزان العدالة المطلقة، بقدر ما يمكن أن تتحقق في دنيا البشر؛ فلا يسرف في تقديس حقوق الجماعة، ولا يسرف في تقديس حقوق الفرد، وذلك تبعا لنظريته المتوازنة التي ينظر بها إلى الناس، والتي تهدف إلى تحقيق مصلحة الفرد والجماعة معا فهو يحرص أشد الحرص على أمن الجماعة ونظامها وسلامتها؛ لأن هذا هو الطريق الوحيد الذي يكفل لجميع الأفراد أكبر قسط من السعادة، باعتبار أن الجماعة هي مجموع الأفراد، وهو في ذات الوقت يحفظ للفرد حريته وكرامته وإنسانيته.
لذلك نرى جميع الجرائم التي حرمها الإسلام هي:مجرد أفعال تفسد أمن المجتمع، وتؤدي - لو تركت وشأنها - إلى اضطراب الأمور وإشاعة الفوضى، والقلق في النفوس، وبالتالي تؤدي إلى دمار المجتمع" [12].
وحول الفكرة نفسها - عصرية الحدود الشرعية، ومنها الحرابة من عدمهاـ يقول الشيخ محمد الغزالي: "إن الحدود حق، وإقامتها - بصورتها الشرعية - مطلوبة إلى آخر الدهر، وما يقال عن قسوتها ضرب من الهراء، ونحن نستبين ذلك كل الاستبانة، عندما نتوسم أحوال المجتمعات التي أنكرتها، أو تركتها.
يقول الصحفي أنيس منصور: "إذا سرت في شوارع أمريكا؛ فلا تحمل فلوسا كثيرة؛ فقد يستوقفك أحد الزنوج، وفي يده سكين، وإذا ذهبت إلى محل لشراء شيء فلا تخرج من جيبك مالا كثيرا؛ للسبب نفسه. إن الأمريكيين يتعاملون بالبطاقات المالية، ودفاتر الشيكات، ولا يحملون مالا. وفي الفنادق يطلبون منك أن تضع فلوسك عندهم؛ وإلا فأنت المسئول إذا سرقت أموالك، أو أشياؤك الثمينة، وقد تجد مكتوبا على باب الحمام: أغلق عليك الحمام من الداخل، وإذا هاجمك أحد؛ فاطلب رقم كذا... بسرعة.
وهم ينصحونك ألا تمشي وحدك في الشوارع، فإذا اضطررت إلى ذلك؛ فكن متجهما بادي القوة، حتى لا يظن بك الخوف، قال: "ونزلت أمشي وحدي قريبا من البيت الأبيض، وكان الشارع خاليا تماما من المارين، وفجأة وجدت رجلا يتوكأ على عصاه استوقفني، وسألني: كم الساعة؟ فتوقفت أنظر في ساعتي، فإذا هو يخرج سكينا من بين ملابسه؛ فأعطيته الساعة! ونظرت، فإذا هو يزيح القناع عن وجهه فيبدو شابا صغيرا! لم يكن شيخا ولا زنجيا؛ فضحك وضحكت.
وبينما أنا أنظر إلى الشاب، إذ قفز إلى جواري شاب آخر، فرفعت يدي إلى أعلى، مظهرا أنه ليس معي شيء، فأشار إليه اللص الأول من بعيد، فتركني. وعرفت أن الزنوج ليسوا وحدهم قطاع الطرق في أمريكا.
لقد فقد هذا السائح المصري ساعته؛ لأنه سار وحده؛ فالأمن مفقود في العاصمة الكبيرة، لا أرتاب أن الساري لو كان أنثى؛ لفقدت مالها، وعرضها جميعا، وإذا قاومت مغتصبها فقدت حياتها، وقد يكون القتيل رب أسرة ولا يعود إليها.. وعجبت لعمى القانون عندما قرأت أن لصا أطلق النار على جندي كان يطارده، ثم قبض بعد ذلك على اللص، وأودع السجن، وقضي الأمر. ماذا حدث؟!! إن عقوبة الإعدام ملغاة؛ لأن القصاص وحشية!!
لقد قلت في مكان آخر: إن رب الحياة الخبير بدروبها ومتاهاتها، وضع رسما لمعالم الطريق إذا التزمه الأحياء لن يضلوا، فما معنى الإعراض عنه؟!! إن المصنع الذي أخرج الآلة وضع تعليمات بطريقة استخدامها، فلماذا نرفض هذه التعليمات؟![13]
الخلاصة:
· الحرابة: خروج طائفة مسلحة في دار الإسلام؛ لإحداث الفوضى، وسفك الدماء، وسلب الأموال، وهتك الأعراض، وإهلاك الحرث والنسل - أو فرد قوي قادر على ذلك - متحدية بذلك الدين، والأخلاق، والنظام، والقانون.
· وتدخل في هذا المفهوم العصابات بشتى أنواعها، وجزاؤها القتل، أو القتل مع الصلب، أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف، أو النفي.
· والحكمة من تغليظ العقوبة هي: تأمين الناس على حياتهم وأموالهم وأعراضهم في حلهم وترحالهم؛ ليسود الأمان ويقمع المتجرءون.
· وهذا ما تنشده كل المجتمعات في كل عصر ومصر، فليس منطقيا، ولا واقعيا: الزعم بأن حد الحرابة لا يناسب العصر والزمان، والعبرة ليست بظاهر العقوبة وإنما بالنتائج المتحققة على الأرض؛ وفعالية الحدود الشرعية - لا القوانين الوضعية - ثابتة متحققة في كل محاولة لتطبيقها، شريطة أن تتوفر للتجربة عوامل النجاح: من توافر الظروف الملائمة مجتمعيا، ومن درء الحدود بالشبهات، وما إلى ذلك...، بمعنى توفير المناخ الإسلامي الملائم للتطبيق.
· رب الحياة هو الخبير بدروبها، ومتاهاتها، وقد وضع رسما لمعالم الطريق، إذا التزمه الأحياء لم يضلوا، فما معنى الإعراض عنه؟!! إن المصنع الذي أخرج الآلة وضع تعليمات بطريقة استخدامها، فلماذا نرفض هذه التعليمات؟!! على حد تمثيل الشيخ الغزالي - رحمه الله.
(*) التشريع الجنائي الإسلامي، عبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة، القاهرة، ط2، 1406هـ/1986م.