الادعاء أن من سلبيات الإسلام اعتبار الكلب قذرا (*)
مضمون الشبهة:
يزعم بعض المتوهمين أن من سلبيات الإسلام المشينة النظر إلى الكلب نظرة دونية؛ إذ يعتبره الإسلام حيوانا قذرا نجسا، لا يجوز تملكه ولا تربيته، ويرون أن هذا الموقف ينافي مبدأ الرفق بالحيوان.
وجوه إبطال الشبهة:
1) الإسلام دين النظافة والنقاء والتطهر، سواء كان تطهرا معنويا روحيا أو حسيا ماديا، فلا تقبل عبادة بدون الطهارتين؛ حماية للإنسان من أمراض القلوب، ووقاية من أمراض الأبدان.
2) الكلب عند اللغويين: سبع عقور، وعند الأطباء: حيوان ثديي استأنسه الإنسان واستخدمه في الصيد والقنص والحراسة، واعتبره الإسلام نجسا قذرا لا يستخدم إلا لهذه الأغراض؛ لما ينقله استخدامه من الأمراض.
3) العلم الحديث يؤكد نظرية الإسلام تجاه الكلاب؛ حيث اكتشف أنه ينقل عشرات الأمراض للإنسان نتيجة كثرة المخالطة، لذا كان منع الإسلام من استخدامه إلا في الحدود الضيقة السابقة إجراء فعالا يعرف بـ"الطب الوقائي".
4) الإسلام دين الرحمة العامة حرم الاعتداء على جميع الحيوانات ومنها الكلب، بل أثاب من أحسن إليه، ومنعه لاستخدامه لا يعني أنه أجاز الاعتداء عليه.
التفصيل:
أولا. الإسلام دين النظافة والنقاء والتطهر:
إن الإسلام ليس دين عبادة فقط إنما هو منهج حياة شامل، وقد تكلفت تشريعاته بكل ما فيه مصالح البشرية من تأمين حياتهم وحمايتهم والحفاظ عليهم، والعلم الحديث ينبئنا كل يوم بما يؤكد على إعجاز تشريعات الإسلام في جميع المناحي، قال عزوجل: )سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق( (فصلت:53)، ولا يقبل الإسلام عبادة بدون الطهارة المعنوية والمادية؛ حماية للإنسان من آفات القلوب وأمراض البدن، ومن يطلع على أحكام الشريعة الإسلامية في شقها المتعلق بالعبادات، يجد أن الإسلام بني هذه العبادات كلها بما فيها الصلاة - وهي عماد الدين - على أساس متين، ألا وهي النظافة؛ إذ جعل الطهارة سواء من الحدث الأصغر أو الأكبر شرط صحة لا تقبل العبادة بدونها؛ ذلك أن الله - عزوجل - أمر من أراد الصلاة أن يتطهر؛ لقوله عزوجل: )يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين( (المائدة: 6).
وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - مؤكدا على هذا المقصد التعبدي: «الطهور شطر الإيمان»[1]، وقال - صلى الله عليه وسلم - في موضع آخر: «لا تقبل صلاة بغير طهور...» [2]، وقد تضافرت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية لإثبات هذا المعنى في أذهان الناس.
ولعل المنصف المتأمل يقر بأنه لا يوجد دين حث على النظافة عموما، ونظافة الأجساد والأمكنة خصوصا مثل الإسلام، ولا يخفى على ذي لب أن الإسلام رام في تشريع النظافة وربطها بالعبادة أمورا منها:
1. إعداد المسلم إعداد نفسيا سيكولوجيا لمقابلة ربه في الصلاة، ذلك أن النظافة تجعله صافي الذهن، مطمئن البال في حين نجد الأوساخ والأدران التي تعلق بالإنسان وتجعله على حال مناقضة لحال اطمئنانه وهو متطهر.
2. الأدب مع الخالق - عزوجل - بأن يتجمل الإنسان استعدادا لملاقاته، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله جميل يحب الجمال»[3]، وفي القرآن: )يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين (31)( (الأعراف)، وكذلك بأن لا يقف المؤمن بين يدي ربه في الصلاة إلا وهو طاهر متطهر ظاهرا وباطنا.
إن الإسلام سعى إلى حماية المسلم من الأمراض والأوبئة بالنظافة؛ إذ إن هناك العديد من الأمراض التي سببتها الأوساخ الناتجة عن عدم الطهارة، ولم يتنبه الناس إلى أن النظافة تقي الجسم من الأمراض، إلا منذ نحو مائة وخمسين عاما تقريبا، ومن ثم علموا أنها شرط في الطب الوقائي، وأن عدم مراعاة نظافة الأجسام سبب رئيس في كثرة الأمراض، وكانوا يعتقدون أن سبب الأمراض هو دخول الأرواح الشريرة في الجسم فيمرض الإنسان؛ لذلك ركزوا العلاج في محاولة إخراج تلك الأرواح الشريرة المزعومة من داخل أجسام المرضى.
وفي وسط ذلك الجهل، ظهر في أوربا عالم يدعى فراكستوريوس سنة 1546م، أي في القرن السادس عشر، وأعلن أن انتقال الأمراض إلى الأجسام هو بسبب أجسام ناقلة للأمراض، وليس أرواحا شريرة كما كان الاعتقاد، ولم تكن لدى فراكستوريوس صورة محدودة عن تلك الأجسام الناقلة للأمراض.
وفي القرن السابع عشر - وتحديدا سنة 1675م - اخترع أنطوني ليفانهوك عدسة مكبرة، وشاهد من خلالها قطرة ماء من مستنقع، فرأى الميكروبات، وكان هو أول إنسان يرى الميكروب بعينيه، ورسم أشكالا لها، وفي القرن الثامن عشر في سنة 1720م، توصل عالم يدعى بنيامين مارتن إلى حقيقة علمية جديدة، وهي أن الأمراض المعدية قد تكون بسبب كائنات حية دقيقة جدا، تنتقل من المريض إلى السليم.
وفي النصف الأول من القرن الماضي في سنة 1835م، توصل جستينوباسي إلى أن الجراثيم هي سبب كثير من الأمراض، وفي منتصف القرن الماضي ظهر العالم الفرنسي لويس باستور ووضع الأساس العلمي الصحيح لعلم البكتريا الحديث، وظهر بعده علماء كثيرون، اكتشفوا جراثيم جديدة لأمراض جديدة، مثل العالم الألماني كوخ الذي اكتشف ميكروب السل، وفهم الناس حينئذ أهمية نظافة الأجسام التي دعا إليها الإسلام على أساس علمي صحيح.
وفي هذا القرن اكتشف العلماء جراثيم أخرى أصغر كثيرا من البكتريا، ولا ترى بالميكروسكوب العادي التي ترى بواسطته البكتريا، ولكنها ترى بواسطة الميكروسكوب الإلكتروني، الذي يكبر الصورة ملايين المرات وأطلقوا على هذه البكتريا المتناهية في الصغر اسم "فيروس" وهي تفرز سموما تسبب بواستطها الأمراض[4].
فانظر إلى أثر رحمة الله بخلقه؛ حيث يدعوهم إلى الحفاظ على النظافة والطهارة، وما رمى إليه الشرع الحنيف من مقاصد عظيمة، أشرنا إلى بعضها، وأخرى لم نذكرها، منها: أن يكون المؤمن قويا محافظا على صحة بدنه؛ إذ المؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف، وفي كل خير كما ثبت بذلك الأثر، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن»[5]. حث وتشجيع على الاعتناء بالنظافة حتى يظل الإنسان في قوة وعافية.
ثانيا. معنى الكلب عند اللغويين والأطباء، وتحديد الإسلام للمهمة التي يقوم بها:
الكلب عند اللغويين: سبع عقور، وعند الأطباء: حيوان ثديي استأنسه الإنسان واستخدمه في الصيد والحراسة[6]، واعتبره الإسلام نجسا قذرا، لا يستخدم إلا في هذه الأغراض؛ لما ينقله كثرة استخدامه من الأمراض.
المواضع التي رخص فيها الإسلام الانتفاع بالكلاب:
إن النصوص الشرعية التي تحدثت عن منع الإسلام الانتفاع بالكلاب، تخبرنا بأن هناك استثناء في مسألة الحظر؛ ذلك أن الشارع الحكيم راعى مصلحة الناس، وأجاز لهم استعمال الكلاب في بعض الأغراض المحدودة، ألا وهي الحرث والحراسة والصيد، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «من أمسك كلبا فإنه ينقص كل يوم من عمله قيراط، إلا كلب حرث أو ماشية»[7]، وفي رواية: «إلا كلب زرع أو غنم أو صيد»[8]، وفي رواية أخرى: «إلا كلب صيد أو ماشية»[9]؛ وبذلك ظهر أنه يجوز لأهل الزراعة وتربية المواشي استخدام الكلاب في الحرث وحراسة الماشية، وكذلك يجوز لهواة القنص والصيد البري استخدام الكلب شريطة أن يكون معلما لقوله عزوجل: )وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم( (المائدة: 4)، ولحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه، قال: «قلت: يا رسول الله، إني أرسل الكلاب المعلمة فيمسكن علي وأذكر اسم الله عليه. فقال: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل. فقلت: وإن قتلن؟ قال: وإن قتلن ما لم يشركها كلب ليس معها»[10]. والكلب المعلم هو الذي يفهم إشارات صاحبه، وإذا أمسك الصيد لم يأكل منه.
أما اقتناء الكلب لحراسة البيوت، فلم يرد فيه نص صريح، بل الوارد فيه التحذير من اقتناء الكلاب داخل البيوت لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة تماثيل»[11]، لذلك منعه بعض الفقهاء، كابن قدامة الذي قال: "لا يجوز على الأصح للخبر المتقدم، ويحتمل الإباحة"[12].
وقد يجوز استعمال الكلاب لحراسة البيوت التي توجد في الأرياف على وجه الخصوص؛ ذلك نظرا لقلة الأمن وإحداق الأخطار بها، وهؤلاء غالبا ما تكون لهم مساحة أمام البيت تستغل لوضع مأوى الكلب، وتعد مكان حراسته، وبذلك يتفادى دخول الكلب للبيت.
وإذا تقرر هذا واتضح؛ فإن لكلاب الحرث والحراسة والصيد مواصفات بدنية خاصة، منها قوة الجسم، وسرعة العدو كما تكون كبيرة الحجم، لا سيما بالنسبة لكلاب الرعي؛ ليكون في قدرتها الدفاع عن القطيع ضد الذئاب، وتكون معلمة أيضا بالنسبة لكلاب الصيد.
ومن ثم نخلص إلى أن الإسلام لم يجز اتخاذ الكلاب للزينة، كما يفعل الغربيون الذين يتفننون في الاعتناء بالكلاب الخاصة بالزينة، ذوات الشعر الطويل، واللون الجميل والأعضاء المنسقة، والعرب ما اتخذوا الكلاب للزينة قط، في جاهليتهم ولا في إسلامهم، نظرا لنفور الفطرة السليمة منها، بل أرشدتهم فطرهم السليمة إلى اتخاذ حيوانات أخرى للزينة، مثل الخيل وهي في غاية الجمال، وتأتي بعدها البغال ثم الحمير، ولقد وصف القرآن الكريم هذا الواقع في معرض حديثه عن النعم التي أنعم بها على الإنسان في أول سورة النحل في قوله عزوجل: )والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة( (النحل: 8).
ويجب على من ينتفع بالكلاب لغرض من الأغراض المذكورة آنفا أن يحصن باللقاح، والمضاد للسعار وقاية له وللآخرين من داء السعار، أما أمراض الكلب الأخرى فلا توجد لقاحات ضدها، مع أخذ الحيطة في التعامل مع الكلب للوقاية من هذه الأمراض، ويجب عرضه على الطبيب البيطري بصفة دورية للتأكد من سلامته.
ثالثا. الأمراض التي ينقلها الكلب:
أبرزت الكشوفات العلمية الحديثة حقيقة علمية مفادها: أن الكلب يتسبب في نقل عشرات الأمراض إلى الإنسان، مما حدا بالسلطات الصحية في معظم دول العالم القيام بفرض قيود مشددة على اقتناء الكلاب، وألزمت أصحابها بالحصول على ترخيص بذلك، بعد إجراء الفحص البيطري للكلب؛ للتثبت من خلوه من هاتك الأمراض ومنها:
· داء الكلب أو السعار: ويسببه نوع من الفيروسات القاتلة، فهو داء صمت بنسبة (100%)، فبعد أن تظهر أعراض الكلب على المصاب، فإنه من النادر جدا أن تجدي المعالجة في استنقاذه من براثن الموت!
· مرض الحويصلات المائية: ويسببه طفيلي خطير يتعايش مع الكلب أطلق عليه اسم "Echinococcus Groundlosur"، وهذا الطفيلي يمكن أن يصيب أي عضو من أعضاء البدن، وبخاصة الأعضاء الحيوية، كالكبد والرئتين والطحال، والكليتين والقلب والعظام والجهاز العصبي والعين، وكثيرا ما تدفع هذه الحويصلات الجراح للقيام بعمليات جراحية ظنا منه بأنها أورام سرطانية، وإذا ما انفجرت هذه الحويصلات أثناء الجراحة، كان لانفجارها في الجسم ردود فعل عنيفة، وتولدت عنها حساسية مفرطة أو شرى حاد unticai Acute ينتهي بحدوث صدمة في جهاز الدوران، وهذه الصدمة قد تودي بحياة المريض[13].
· مرض دودة الكلب الشريطية: وتعيش هذه الدودة في أمعاء الكلب، وتخرج بويضاتها في براز الكلب، ولما كان الكلب يلعق مؤخرته بفمه؛ فإن بويضات تلك الدودة تتعلق بفم الكلب المصاب، والإنسان الذي يحمل الكلب المصاب بين يديه ويداعبه بيديه، أو يحتفظ به داخل بيته، ويجلسه على منضدة الطعام سينتقل إليه هذا المرض بسهولة، عن طريق الفم إلى الأمعاء، وتسبب العدوى للإنسان بتلك الدودة من الكلب، أكياسا في أماكن شتى من جسمه وأكثرها في الكبد، في 63% من الحالات وفي الرئتين في 24% من الحالات، وفي العظام في 3% من الحالات، وتلك الأكياس تسبب أخطارا للجسم، ولا بد من استئصال تلك الحويصلة جراحيا، وقد تصل العدوى إلى الإنسان أيضا، عن طريق تناول خضروات ملوثة ببراز الكلب المصاب، إلى غير ذلك من الأمراض التي عدها المتخصصون فوجدوها تزيد على الأربعين مرضا خطيرا[14].
فإذا كان الأمر كذلك، فلا غرو أن نجد الإسلام حامل لواء النظافة والوقاية من الأمراض. أول من نهى عن اقتناء الكلاب ومخالطتها، واعتبرها نجسة نجاسة عينية، وأمر بالتوقي منها، فكان الإسلام هو الذي أرسى قاعدة العمل بالطب الوقائي.
دعوة الإسلام إلى الطب الوقائي:
لقد اتخذ الإسلام إجراءات وقائية، وحث على فعلها عرفت في الطب الحديث بالطب الوقائي، ذلك أنه يسعى إلى إحكام غلق باب الداء قبل أن يصاب به الإنسان، امتثالا للحكمة المأثورة: "الوقاية خير من العلاج".
إن نهي الإسلام عن اقتناء الكلاب كان بهدف وقاية المسلمين من الأمراض التي أشرنا إليها آنفا، وذلك من قبل أن يتوصل الإنسان إلى معرفتها بـ 1400 سنة تقريبا، وكيف لا وقد جاء النهي من العليم الخبير.
هذا، وإن النصوص الشرعية التي تنهى عن اقتناء الكلاب هي نصوص من السنة فقط منها قوله صلى الله عليه وسلم: «من أمسك كلبا فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط إلا كلب حرث أو كلب ماشية»[15]، وقوله - صلى الله عليه وسلم - أيضا: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة تماثيل»[16].
والقارئ للحديثين لا يملك إلا الامتثال لهما إذا لم يعرف الحكمة المقصودة من وراء النهي، لكن بعد أن فتح الله على الناس في العصر الحديث، كشف لهم المغيب المجهول، صارت الحكمة ظاهرة جلية لكل ذي عينين، وعلم أن مخالطة الكلاب والاحتكاك بها مجلبة للأمراض الخطيرة والمميتة، والمسببة تلويث البيئة، لا سيما لمن يتركون كلابهم يسرحون في الحدائق العمومية، والأماكن العامة، خصوصا وأن الكلب هو الحيوان الوحيد الذي لا يبول في مكان واحد، وإنما يفعل ذلك في أماكن متفرقة، وهو الحيوان الوحيد الذي يلعق مؤخرته بفمه، ومن ثم فإن فمه ملوث دائما بالجراثيم؛ لذلك نجد من مظاهر الإعجاز في النهي عن اقتناء الكلاب - فضلا عما تقدم - أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب[17] أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب»[18]، بعد إراقة ما ولغ فيه وما تعدد الغسل إلا تنبيها على قذارته ونجاسته، وإنعاما في التوقي والحذر من الإصابة بالأمراض التي يخلفها ولوغه.
رابعا. الإسلام دين الرحمة العامة حرم الاعتداء على جميع الحيوانات، بل أثاب من أحسن إليها:
يحسن بنا أن نشير إلى أن الإسلام وهو دين الرحمة حتى بالحيوان لم يجز الاعتداء على الحيوان، سواء كان كلبا أو غيره، لمجرد أنه منع الانتفاع به؛ فالله - عزوجل - يقول:«يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا»[19]، والاعتداء على الحيوان هو نوع من الظلم.
بل ذهب الفقهاء إلى أنه يجب دفع الضرر عن الكلب غير العقور وحفظ حياته، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «بينما رجل بطريق فاشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا بكلب يلهث يأكل الثري من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له". قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال صلى الله عليه وسلم: في كل ذات كبد رطبة أجر»[20].
فأثاب الله - عزوجل - هذا الرجل بأن غفر ذنوبه كلها بمجرد أنه سقى هذا الحيوان الحقير في عيون الناس، فأي دين يعطي هذا الجزاء الوفير جزاء عمل لا يعد ذا بال في ميزان كثير من الناس؟
هذا وإن هناك قصة أعجب وأعظم في موضوع إثابة من أحسن إلى ذلك الحيوان وهي: أن أمرأة بغيا[21] غفر لها الله هذا الذنب العظيم الذي اقترفته مرات عديدة؛ لمجرد أنها سقت كلبا يلهث يكاد يقتله العطش، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غفر لامرأة مومسة، مرت بكلب على رأس ركي[22] يلهث يكاد يقتله العطش، فنزعت خفها فأوثقته بخمارها، فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك»[23].
وكما أثاب الله - عزوجل - من أحسن إلى الحيوان، فقد عاقب من أساء إليه ولم يرفق به، وخير مثال أقدمه في هذا الصدد، قصة المرأة التي دخلت النار في هرة؛ فعن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «دخلت امرأة النار في هرة، ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض»[24]. فعاقبها الله - عزوجل - بأن أدخلها النار جزاء وفاقا لهذا العمل الشنيع في نظر الشرع.
الخلاصة:
· إن الإسلام ما نهى عن شيء إلا لضرر راجح يتأذى منه الإنسان، وما حث على شيء إلا لمصلحة راجحة تفيده، وبين النهي والإباحة أتاح رخصا أو استثناءات لذوي الحاجات حتى لا تضيع عليهم مصالحهم.
· هناك الكثير من الأمراض الخطيرة قد تنقلها الكلاب للإنسان، ولذا كان هدف الإسلام من النهي عن اقتناء الكلاب هو وقاية المسلمين من هذه الأمراض، وهذا ما عرف بعد ذلك في الطب الحديث باسم "الطب الوقائي".
· وإن نهى الإسلام عن شيء كالانتفاع بالكلاب لا يعني جواز الاعتداء عليها، بل دعا إلى ضرورة الرفق بالحيوان ومنها الكلاب، وبكل كائن حي في الوجود؛ لأن المسلم يعيش في انسجام تام مع هذا الكون بفضل طاعته لأوامر الله - عزوجل - واجتنابه نواهيه، قال عزوجل: )فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى (123) ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى (124)( (طه).
(*) المعارف الطبية في ضوء القرآن والسنة: المحرمات وصحة الإنسان والطب الوقائي، د. أحمد شوقي إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1423هـ/ 2002م. الموسوعة الفقهية، وزراة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويتية، مطابع دار الصفوة، مصر، ط4، 1412هـ/ 1992م. الموسوعة الطبية الفقهية، د. أحمد محمد كنعان، دار النفائس، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م.