دعوى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي حرم زواج المتعة (*)
مضمون الشبهة:
يزعم بعض المدعين أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قد شرع في الإسلام ما ليس منه، ودليلهم على ذلك أنه حرم نكاح المتعة، الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أباحه في زعمهم.
وجها إبطال الشبهة:
1) أحل النبي صلى الله عليه وسلم - نكاح المتعة في ظروف خاصة، ثم حرمه إلى يوم القيامة، كما توالت الروايات الصحيحة بذلك، وعليه: فقد كان سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - متبعا لسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - حينما نهى عن المتعة في خلافته، ولم يكن مبتدعا.
2) التشريع الإسلامي يرفض أن يقوم بناء البيت المسلم على مجرد إشباع الغريزة، فللأسرة المسلمة شأن أكبر من ذلك بكثير، ولتكوينها مقاصد أخرى تخدم الإسلام والمجتمع بأسره.
التفصيل:
أولا. أحل النبي - صلى الله عليه وسلم - نكاح المتعة في ظروف خاصة، ثم حرمه إلى يوم القيامة، كما توالت الروايات الصحيحة على ذلك:
ولبيان الظروف التي أحل فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا النكاح يجب أن نذكر الآتي:
لقد اقتضت الضرورة أن تباح المتعة للصحابة - رضي الله عنهم - في فترة من الفترات، ثم تحرم عليهم بعد ذلك إلى يوم القيامة، والمتتبع لأحاديث الإباحة يرى أن تلك الإباحة لم تكن في حال استقرار الصحابة في دورهم، بل كانت في فترات الغزو البعيد والسفر الطويل؛ إذ كان يشتد عليهم - رضي الله عنهم - شوقهم إلى نسائهم، فرخص بالتمتع لمن اشتد عليه الشبق منهم؛ فقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: «كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس معنا نساء، فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب»[1].
قال القاضي عياض: "وإنما كان ذلك في أسفارهم في الغزو عند ضرورتهم وعدم الفساد؛ لأن بلادهم كانت حارة، وصبرهم عنهن قليل، وقد ذكر في حديث ابن عمر أنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة ونحوها، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - نحوه.
وقد أبيح هذا النكاح في أوقات بحسب الضرورات، ثم حرم تحريم تأبيد بعد فتح مكة؛ روى مسلم في صحيحه من طرق عديدة عن سبرة بن معبد الجهني أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح، فقال لهم رسول صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس، إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا»[2].
ومن ثم فإن نكاح المتعة قد حرمه الله - سبحانه وتعالى - إلى يوم القيامة؟ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة" وإن هو إلا وحي يوحى، وقد أخبر عن ربه تحريمه، وخبر الله لا ينسخ ولا يبدل.
قال المازري: "ثبت أن نكاح المتعة كان جائزا أول الإسلام، ثم ثبت بالأحاديث الصحيحة المذكورة هنا أنه نسخ، وانعقد الإجماع على تحريمه، ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة. فأمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - متبع في تحريمه نكاح المتعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا مبتدع"[3].
وقد صرح عمر - رضي الله عنه - في حديث طويل مع عمران بن سوادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحلها في زمان ضرورة، ثم رجع الناس إلى السعة "ثم لم أعلم أحدا من المسلمين عمل بها، ولا عاد إليها؛ فالآن من شاء نكح بقبضة، وفارق عن ثلاث بطلاق".
وكان مقتضى نهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم نهى عمر - رضي الله عنه - أن ينتهي أمر المتعة والحديث عنها بين المسلمين على اعتبار أنها أبيحت للضرورة الشديدة، ثم نهى عنها، ونسخت بالأحكام التفصيلية للزواج والميراث والعدة في النصوص الإسلامية[4].
فمن نسب تحريم المتعة إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - دون أن يكون له سند من النصوص الشرعية، فقد جهل أدلة ذلك من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي كانت سندا للفاروق في تحريمه للمتعة، أليس النبي - صلى الله عليه وسلم - هو القائل: «يا أيها الناس، إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده شيء منهن فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا»[5]، وروى أن علي بن أبي طالب سمع ابن عباس - رضي الله عنهم - يلين في متعة النساء فقال: "مهلا يا ابن عباس، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية"[6].
وقد تكرر تحريم النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذا الزواج إلى أن حرمه عام الفتح في السنة الثامنة من الهجرة تحريما مؤبدا، بعد أن حرمه في خيبر سنة ست من الهجرة، ثم أحله عام الفتح فمكث الناس خمسة عشرة يوما وهم يستمتعون، ثم حرمه - صلى الله عليه وسلم - إلى يوم القيامة[7].
ثم إن الصحابة وافقوا عمر - رضي الله عنه - في أمر التحريم ولم يعترضوا عليه حين نهى عن نكاح المتعة، فلم ينكر عليه هذا القول منكر، لا سيما في شيء قد علموا إباحته من قبل، فلا بد أنهم قد علموا بحظره، وإلا فكيف يقبلون أن يحرم عمر - رضي الله عنه - ما أحله الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وكيف يجتمعون على شيء هو في نظر المدعين ضلالة، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة، ويد الله مع الجماعة»[8].
وعليه فلا يعد هذا خطأ بالنسبة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإنما الخطأ والمرض في عقول وقلوب المدعين.
ثانيا. زواج المتعة مبني على مجرد الغريزة وحدها وهذا يرفضه التشريع الإسلامي:
إن الناظر لتشريع الزواج في الإسلام يجد الهدف منه أكبر بكثير من مجرد إشباع الغرائز، فالزواج يقوم على السكن والاستقرار والمودة والرحمة، وتكوين الأسرة، ورعاية الأبناء، بالإضافة للعفة، أما زواج المتعة فإنه يخلو من كل ذلك، كما أنه يضر بالمرأة أيما ضرر؛ حيث تعيش على هامش الحياة الزوجية، وتحرم من الأمومة التي خلقت وهي في دمائها تجري، ولا ضرر ولا ضرار في الإسلام.
لقد راعى التشريع الإسلامي طبيعة البشر، وسما بها إلى مراتب من التكريم، ويتبين هذا من خلال تحريمه زواج المتعة، فإلى جانب وجهة التشريع الخالصة، هناك شيء يتصل بالإنسانية، وحفظ حقوق المرأة التي خلقها الله من النفس التي خلق منها الرجل، وجعلها سكنا وجعل بينها وبين الرجل مودة ورحمة، وألغى النظرة إليها كمجرد متاع يرفه عن الرجل ويقيه شرور الكبت ويحل مشكلاته الجنسية، ومتى حقق الرجل ذلك المتاع كان حقا له أن يفر من كل مسئولية تجاهها، لتبحث عن رجل آخر تحل مشكلاته الجنسية، لينصرف هو أيضا عنها بدوره، سالما من كل مسئولية أو واجب، وهكذا حتى يستنفد الرجال ما يطلبونه عند المرأة، ثم يتركونها للضياع لا تجد رجلا يرعاها؛ لأنها لم تعد تستطيع حل مشكلات الرجال الجنسية!
وهذه النظرة المبنية على مجرد الغريزة وحدها يرفضها التشريع الإسلامي؛ لأنها تؤدي - عند تطبيقها كما يريد بعض المعاصرين - إلى نوع من الدعارة المستترة، إذا سمينا الأشياء بأسمائها الحقيقية[9].
الخلاصة:
· اقتضت الضرورة أن تباح المتعة للصحابة - رضي الله عنهم - في فترة من الفترات ثم حرم عليهم بعد ذلك إلى يوم القيامة، والمتتبع لأحاديث الإباحة يرى أن تلك الإباحة لم تكن في حال استقرار الصحابة في دورهم، بل كانت في فترات الغزو البعيد والسفر الطويل، ثم حرمت بعد ذلك إلى يوم القيامة.
· عمر - رضي الله عنه - كان متبعا للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - نهيا مؤبدا عن نكاح المتعة عام الفتح في السنة الثامنة للهجرة، فمن نسب تحريم المتعة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأن عمر -، رضي الله عنه - فعل ذلك من تلقاء نفسه دون أن يكون له سند من النصوص الشرعية؛ فقد جهل أدلة ذلك من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي كانت سندا للفاروق في تحريمه للمتعة، ثم إن الصحابة وافقوا عمر رضي الله عنه، ولم يعترض منهم أحد، فكان هذا إجماع من الصحابة، فكيف يجتمع الصحابة على شيء مخالف للرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة، ويد الله مع الجماعة».
· وإلى جانب وجهة التشريع الخالصة، فهناك شيء يتصل بالإنسانية، وحفظ حقوق المرأة التي خلقها الله من النفس التي خلق منها الرجل، وجعلها سكنا، وجعل بينها وبين الرجل مودة ورحمة، وألغى النظرة إليها كمجرد متاع يرفه عن الرجل ويقيه شرور الكبت ويحل مشكلاته الجنسية، وهذه النظرة المبنية على مجرد الغريزة وحدها يرفضها التشريع الإسلامي.
(*) منهج عمر بن الخطاب في التشريع، د. محمد بلتاجي، دار السلام، القاهرة، ط2، 1424هـ/ 2003م. موقف الشيعة الاثنى عشرية من صحابة رسول الله