إنكار استئجار الرجل الصالح لموسى عليه السلام (*)
مضمون الشبهة:
ينكر بعـض المتوهميـن استئجـار[1] الرجـل الصالـح لموسـى - عليه السلام - صداقا لزواجه من ابنته وذلك في قوله سبحانه وتعالى: )قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين (27)( (القصص)[2]. ويزعمون أن هذا يخالف ما ورد في التوراة.
وجه إبطال الشبهة:
ما جاء في التوراة من أن الذي خدم حماه كصداق لامرأته هو يعقوب - عليه السلام - لا يخالف ما جاء في القرآن الكريم عن موسى عليه السلام، ولكنه يدل على أنها كانت شريعة متبعة في تلك العصور.
التفصيل:
ما جاء في القرآن لا يخالف ما جاء في التوراة، ولكن يدل على أنها كانت شريعة متبعة.
لقد أخبر الله - عز وجل - في كتابه العزيز أن المدة التي قضاها موسى في خدمة الشيخ الكبير كانت مقابل أن ينكحه إحدى ابنتيه كمهر لها، وقد جمع الرجل بين غايتين وهو يعرض على موسى أن يزوجه إحدى ابنتيه مقابل أن يخدم ويرعى ماشيته ثماني سنوات، فإن زادها إلى عشر فهو تفضل منه لا يلزم به، حيث أحس من نفس الفتاة ونفس موسى ثقة متبادلة، وميلا فطريا سليما صالحا لبناء أسرة يقول سبحانه وتعالى: )قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين (27)( (القصص).
وهكذا صنع الشيخ الكبير - صاحب موسى - عليه السلام - فعرض على موسى - عليه السلام - ذلك العرض واعدا إياه ألا يشق عليه ولا يتعبه في العمل؛ راجيا بمشيئة الله أن يجده موسى - عليه السلام - من الصالحين في معاملته ووفائه، وهو أدب جميل في التحدث عن النفس وفي جانب الله... وقبل موسى - عليه السلام - العرض وأمضى العقد، في وضوح ودقة، وأشهد الله[3]، قال سبحانه وتعالى: )قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل (28)( (القصص) ويبدو أن الإجارة كانت عندهم مشروعة معلومة، وكذلك كانت في كل ملة، وهي من ضرورة الخليقة، ومصلحة الخلطة بين الناس[4].
ولقد كان حال يعقوب - عليه السلام - مع خاله لابان كحال موسى - عليه السلام - مع شيخ مدين، فإنهما كانا يتعايشان من رعي الغنم، وخدم يعقوب - عليه السلام - خاله سبع سنين صداقا لابنته الأولى لينة، وخدم سبع سنين أخرى صداقا لابنته الأخرى راحيل.
ومن ثم فالعجب من هؤلاء، فلماذا ينفون الاستئجار لموسى ويعترفون به ليعقوب عليهما السلام؟!
أليس موسى نبيا مثل يعقوب؟ أم إنهم يفرقون بين أنبياء الله ورسله.
ومما يؤكد هذا الاستئجار أن موسى - عليه السلام - هرب من أرض مصر بلا مال. فكيف يتزوج فى أرض غريبة بلا مال؟!
وفي النص التوارتي ما يدل على ما اتفقا عليه، وهو: "فارتضى موسى أن يسكن مع الرجل، فأعطى موسى صفورة ابنته". (الخروج 2: 21)، إذن فعلام ارتضى موسى عليه السلام؟ ولماذا قال بعد الارتضاء: "فأعطى موسى صفورة ابنه"؟
وفي النص السامري: "فلما أمعن موسى في السكنى مع الرجل أعطاه صفورة ابنته لموسى زوجة "[5]. إذن فالواضح من النص أن الرجل أعطى لموسى - عليه السلام - ابنته مقابل أن يستأجره مدة معينة محددة.
وعلى هذا فلا اختلاف بين النص التوارتي والنص القرآني، وإن كان القرآن قد فصل القصة تفصيلا دقيقا، فهذه ميزة القرآن أنه جمع علوم الكتب السابقة المجملة وفصلها بلا غموض أو لبس، بل وزاد عليها علوما ومعارف أخرى كثيرة لم تذكر في الكتب السابقة.
الخلاصة:
· أخبرنا القرآن الكريم أن موسى - عليه السلام - مكث مع الشيخ الكبير بمدين المدة التي تم تحديدها بينهما كصداق لابنة الرجل - ثمان سنوات أو عشر - وهذا الذي أثبته القرآن لا يتنافى مع ما جاء في التوراة، حيث إن المعنى المفهوم من سياق النص التوراتي يوحي بوجود هذه المدة المحددة كصداق لابنة الرجل الصالح، ويبدو أنها كانت عادة متبعة في ذلك الوقت حيث خدم يعقوب - عليه السلام - خاله أربعة عشر عاما مقابل أن يتزوج ابنته الكبرى، ثم الصغرى، وهذا لا اختلاف عليه في التوارة.
إذن فلماذا ينفون ذلك عن موسى ويعترفون به ليعقوب - عليهما السلام؟! بيد أن هذا الأمر ليس بغريب عنهم فهذا من جملة ما درجوا عليه في التفريق بين أنبياء الله عز وجل.
· وإذا كان القرآن قد فصل القصة فإن هذه من ميزاته، فقد وضح وبين ما جاء في الكتب السابقة، بل وزاد عليه علوما ومعارف أخرى لم يرد ذكرها عندهم.
(*)