ادعاء أن ذا الكفل - عليه السلام - ليس نبيا (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المتوهمين أن القرآن أخطأ في النص على نبوة ذي الكفل - عليه السلام - وذلك في قوله سبحانه وتعالى: )واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار (48)( (ص)، في حين أنه لم يرد ذكره في كتب التاريخ أو التوراة، وكذلك اختلف العلماء حول نبوته ولقبه، فذكر البيضاوي أنه كفل مائة من الأنبياء فروا من القتل، والصحيح عندهم أن الذي كفل مائة من الأنبياء هو عوبديا وزير الملك "أخاب" وليس ذا الكفل عليه السلام.
وجوه إبطال الشبهة:
1) لا يعني عدم ذكر نبي في التوراة أنه لم يذكر في غيرها من الكتب السماوية الأخرى، فليست التوراة الحالية حجة فيما ذكرت، ولا حجة فيما لم تذكره، ولم يخبرنا التاريخ بكل الأسماء والأحداث حتى ننفي ما لم يذكره.
2) الظاهر من ذكر ذي الكفل - عليه السلام - في القرآن الكريم بالثناء مقرونا مع هؤلاء السادة الأنبياء أنه نبي وهو الصحيح، والبيضاوي مفسر مجتهد يصيب ويخطئ وليس حجة على القرآن.
3) سمي بذي الكفل؛ لأنه تكفل للنبي اليسع - عليه السلام - بثلاثة أمور عظام: أن يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يغضب، فاستخلفه على الناس في حياته، ثم تكفل لقومه بتنفيذ أمر الله بإطالة أعمارهم. فمن هنا كان اسمه ذا الكفل.
التفصيل:
أولا. التوراة الحالية ليست حجة فيما ذكرته من أسماء الأنبياء وما لم تذكره:
لا يعني عدم ذكر نبي في التوراة الحالية أنه لم يذكر في غيرها من الكتب السماوية، فالتوراة ليست حجة فيما ذكرت ولا حجة فيما لم تذكر، وقد كتبت التوراة بعد موسى - عليه السلام - بزمن طويل، وبين أيدينا الأدله الكثيرة على أن التوراة التي بين أيدي اليهود والنصارى ليست من عند الله، ولكنها من وضع البشر.
وقد ذكر لنا القرآن الكريم بعض الأسماء لأنبياء ولأقوام دون أن يعرض التفاصيل عن حياتهم؛ ذلك لأن القرآن يتناول السابقين على مستويات متفاوتة، فمنهم من يذكره بالتفصيل، ومنهم من يتناوله إجمالا، ومنهم من يذكره باسمه فقط مثل: "ذو الكفل". قال سبحانه وتعالى: )واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار (48)( (ص)، ومنهم من لم يذكره إطلاقا.
أما بالنسبة لكتب التاريخ فهل أخبرنا التاريخ بكل الأسماء والأحداث، حتى ننفي ما لم يقدمه؟ وهل توقفت كلمة التاريخ والبحث فيه عندما عرفنا؟ أم أن العلم لا يعرف الكلمة الأخيرة، ومع ذلك فإن أهل التاريخ قد ذكروه في بعض كتبهم، وإلا لما عرفنا أن اسمه بشر، وأنه ابن أيوب - عليه السلام - وقد بعثه الله بعد أيوبـ عليه السلام ـوسماه ذا الكفل وكان مقامه في الشام، وأهل دمشق يتناقلون أن له قبرا في جبل قاسيون، والقرآن الكريم لم يزد على ذكر اسمه في عداد الأنبياء، فثبت من ذلك صدق القرآن الكريم فيما قال بطلان ادعائهم فيما يقولون[1].
ثانيا. تفسيرات المفسرين ليست حجة على القرآن:
وأما عن اختلاف العلماء حول نبوته ولقبه، وما قيل عن تفسير البيضاوي فقد أشرنا سابقا إلى أن تفسيرات المفسرين ليست حجة على القرآن، فهي إن أخطأت فمرد ذلك إلى اعتمادها في هذا المجال على الإسرائيليات المليئة بالكذب، ومن ثم فمجال الرد لهذه التفاسير وعدم قبولها يظل قائما؛ لأنها من اجتهادات البشر.
ثم إنه يمكن أن يقال إن استخدام القرآن لهذا التعريف لا يعني بحال أن الرجل اسمه: ذو الكفل، فلربما أراد القرآن أن يخلد ذكر الرجل لما قدمه من عمل صالح في حياته مثل: صيام النهار وقيام الليل، وهذا كما جرت العادة في تسمية بعض الناس بذي المروءة أو أبي الجود أو أبي الفرسان، وكما هو معروف في تاريخ حضارتنا الإسلامية، عندما سمي عثمان بذي النورين، وأبي بكر بالصديق، وعمر بالفاروق، وليست هذه أسماء، بل هي ألقاب لأصحابها، وكذلك فإن هذا - ذا الكفل - ليس اسمه وإنما هو لقبه.
ثالثا. سبب تسمية نبي الله ذي الكفل - عليه السلام - بهذا الاسم:
وسمي بشر بذي الكفل؛ لأنه تكفل للنبي اليسع - عليه السلام - أمام الناس بأمور عظام منها: تنفيذ أمر الله بإطالة أعمارهم، ولذلك فإن قولهم بأن عوبديا وزير الملك "أخاب" هو الذي كفل مائة نبي لا يرفع لقب ذي الكفل عن بشر لعدة أسباب منها:
1. أن كلامهم هذا يحتاج إلى دليل منهم، ولو قالوا: إن هذا ورد في التوراة، فنحن نعلم أن التوراة التي بين أيدي اليهود ليست من عند الله بل من وضع البشر. فما الذي يمنع أن بشرا هو الذي كفل مائه من الأنبياء؟!
2. سمي بشر بذي الكفل ليس فقط لأنه كفل مائة من الأنبياء، ولكن - أيضا - لأنه تكفل للنبي اليسع - عليه السلام - بثلاثة أمور عظام: أن يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يغضب فاستخلفه على الناس في حياته، ثم تكفل لقومه بتنفيذ أمر الله بإطالة أعمارهم، فمن هنا كان اسمه ذا الكفلـ عليه السلام -.
فسواء كان عوبديا هو الذي كفل أو كان "بشر" هو الذي كفل، فإن ذا الكفل - عليه السلام - هو لقب بشر في كلتا الحالتين[2].
الخلاصة:
· لا يعني عدم ذكر نبي في التوراة أنه لم يذكر في غيرها من الكتب السماوية، وما ذكر فيها لا يعد حجة، فليست التوراة حجة فيما ذكرت ولا فيما لم تذكره، فقد ثبت بالأدلة أن التوراة التي بأيدي اليهود والنصارى ليست من عند الله، ولكنها من وضع البشر.
· لم يخبرنا التاريخ بكل الأسماء والأحداث حتى ننفي ما لم يقدمه.
· إن تفسيرات المفسرين ليست حجة على القرآن، فهي معتمدة في هذا المجال على الإسرائيليات المليئة بالكذب.
· إن استخدام القرآن لهذا التعريف، لا يعني أن الرجل اسمه: ذو الكفل، فلربما أراد القرآن أن يخلد ذكره لما قدمه من عمل صالح.
(*) هل القرآن معصوم؟ موقع إسلاميات