الاستدلال بشيوع الإلحاد على خطأ العقائد الإسلامية(*)
مضمون الشبهة:
يزعم بعض المفترين أن الإسلام ليس الدين الحق، ويتساءلون: إذا كان في الإسلام ما يرضى الإنسان ويكفيه، فلماذا - إذن - يتركه الناس ويلحدون؟!
وجوه إبطال الشبهة:
1) معنى الإلحاد إنكار وجود الله - عز وجل - وهو من جهة السلوك حالة من الحرية بلا حدود.
2) أسباب انتشار الإلحاد كثيرة ومتنوعة، ومنها الجهل واللامبالاة والنظرة الإباحية وغيرها، وله - بعد ذلك - عواقب وخيمة، فهو يؤدي إلى الأمراض النفسية والانتحار.
3) الإيمان بالله ربا وبالإسلام دينا فيه صلاح الفرد والمجتمع.
التفصيل:
أولا. معنى الإلحاد وأساسه النظرى:
الإلحاد يعني الإنكار، والإلحاد من الناحية الفكرية هو إنكار وجود الله - سبحانه وتعالى - وعدم الإقرار به، والإلحاد في مستوى التصور هو حالة الحرية بلا حدود، أما في مستوى العمل والسلوك فيدافع عن الإباحية.
والخاصية الحسية المادية الإلحادية تتجسد في الفكر الفلسفي والأوربي منذ عصر النهضة إلى اليوم، فلقد نادى فلاسفة عصر النهضة بأن "كل العقائد المضادة للخبرة الإنسانية والملاحظة (التجريبية) يجب أن تستبعد، وسخروا من النبوات والمعجزات، والوحي، وكل الشعائر والطقوس الدينية بوصفها خرافة، وشبه "فولتير" (1694 - 1778م) خلق الله للكون بتجميع صانع الساعات للساعة، ثم انقطاع صلته بعد ذلك.
ويزداد إنكار الخالق - عز وجل - في هذه الفلسفة في رفض دافيد هيوم (1711 - 1776م) العقائد الدينية على أساس عدم إمكان البرهنة عليها، لا بالتجربة العلمية، ولا بالعقل الإنساني، وهاجم هيوم رب فولتر نفسه معلنا: "أننا رأينا الساعات تصنع، ولكننا لم نر العالم يخلق".
وزعم فرويد (1856 - 1939م) أن الدين مصدره اللاشعور، لا الوحي، وزعم استحالة البرهنة على صحة الإيمان الديني، ومن ثم أنكر وجود الله"[1].
ولا تزال الثقافة الأوربية بعيدة عن الإيمان بالله، وكتبه ورسله، وعن الإقرار بأن الوحي مصدر من مصادر المعرفة، ونتيجة لإنكار كل وسيلة معرفية غير الحواس، كالحدس والوحي، أنكرت الفلسفات الأوربية المعاصرة كل وجود غير حسي كوجود الله، والملائكة والروح والشيطان، ووقع التصادم والتناقض التام بينها وبين العقائد الدينية الأساسية[2].
ثانيا. أسباب انتشار الإلحاد:
1. الجهل: إن أول بيئة ينمو فيها الإلحاد هي البيئة التي يسود فيها الجهل بالدين، ويغيب عنها العلم والإيمان، فكتل الجماهير التي لا تتلقى تربية وتغذية روحية، وقلبية، ستقع - إن عاجلا أو آجلا - في براثن[3] الإلحاد، وإذا لم تتدخل العناية الإلهية فإنها لن تستطيع إنقاذ نفسها، إذا لم تبذل الأمة عناية خاصة في تعليم ضرورات الإيمان لأفرادها.
2. اللامبالاة تجاه أسس الإيمان، وعدم الاهتمام بها: ومثل هذا السلوك الذي يتسم بحرية التفكير ما إن يجد أية أمارة صغيرة تعين على الإنكار وعلى الإلحاد، حتى ينمو هذا الإلحاد ويزداد، مع أنه لا يستند إلى أي سبب علمي، ولكن إهمالا معينا، أو غفلة معينة، أو تقييما خاطئا، كل ذلك قد يولد الإلحاد.
3. اعتمادهم الأول على قوانين الطبيعة التي هي أهم أداة في يد الإلحاد: لكن هل يمكن أن تكون هذه الطبيعة الجميلة التي تسحر النفوس والأرواح مثل شعر منظم نتيجة مصادفات عمياء؟
إن كانت الطبيعة تملك - كما يتوهم هؤلاء - قوة قادرة على الإنشاء والخلق فهل نستطيع أيضاح كيف استطاعت الطبيعة الحصول على مثل هذه القدرة؟ أنستطيع أن نقول إنها خلقت نفسها بنفسها؟ أيمكن تصديق مثل هذه المغالطة المرعبة؟
4. النظرة الإباحية: التي ترى الاستفادة من كل شىء موجود مهما كان ذلك الشيء، أي النظرة التي تستند إلى الفائدة والتلذذ من جميع النعم، وتبذل المحاولات اليوم لصب هذه النظرة في قالب فلسفي وفكري ومنهجي.
5. غياب النظرة التدبرية في الكون: وهي النظرة المجردة من الأهواء والميول الشهوانية، أو تغييبها، من قبل دعاة الإلحاد، والذين يريدون للعقل ألايتدبر إلا ما يكتبونه، ولا يأخذ إلا بنظرياتهم المادية.
ومساوئ الإلحاد كثيرة ومتعددة، ومن أهمها:
1. الأمراض النفسية: يقول العالم النفسي الشهير يونج 1875 - 1961م: "طلب مني أناس كثيرون من جميع الدول المتحضرة مشورة لأمراضهم النفسية في السنوات الثلاثين الأخيرة، ولم تكن مشكلة أحد من هؤلاء إلا الحرمان من العقيدة الدينية".
ويمكن أن يقال: إن مرضهم لم يكن إلا أنهم فقدوا الشيء الذي تعطيه الأديان الحاضرة للمؤمنين بها في كل عصر، ولم يشف أحد من هؤلاء من المرض، إلا عندما استرجع فكرته الدينية"[4]. والشىء الذي فقدوه هو الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى.
2. يحرم الإنسان من كل النعم: ويدعه بلا أمل ولا أمن، ويقبل الإنسان على الدنيا فيصطدم بالآخرين، ويحتدم الصراع، ويتردد الإنسان بين الملل والألم - كما يقول "شو بنهود" - الملل إذا فاز في الصراع وأشبع بطنه وفرجه، والألم من الحرمان إذا انهزم ولم يشبع حاجاته؛ فالإلحاد يهدم الدين، ولا يعطي الناس شيئا بديلا.
3. انتشار الجريمة والإحساس بالتعاسة، وإدمان الخمر للهروب من الواقع، والانتحار للتخلص من الملل والقلق والغربة النفسية في المجتمعات الملحدة، حتى وصل الانتحار بين الإفريقيين في جنوب إفريقيا إلى (10 - 100.000)، وبين البريطانيين (1 - 100.000) وبين الأمريكيين إلى (11 - 100000).
ثالثا. أثر الإيمان بالله في مواجهة الإلحاد وتحقيق صلاح الفرد والمجتمع:
الإيمان بوجود الله فيه سعادة الفرد والمجتمع، فالثقافة الإسلامية هي التي تبني نظاما أخلاقيا دينيا ثابتا مطلقا، قوامه الإيمان بثواب الله الأخروي، وجوهره الإيثار الذي يتمثل في تقديم حظ الآخرين على حظ النفس بدرجة أو بأخرى؛ طلبا للفوز بالسعادة الأخروية[5].
ويقول جمال الدين الأفغانى: "وأما الاعتقاد بالألوهية وبيوم الجزاء، وفحواه الإيمان بأن للعالم صانعا عالما بكل شىء، وسامي القدرة، وأنه قدر للخير والشر جزاء يوفاه مستحقه في الدار الآخرة، فهذه العقيدة هي الوحيدة التي تقمع الشهوة، وتردع الهوى، فهذان الاعتقادان هما وسيلة إحقاق الحق، والتوقف عن الشرود في السر والعلن.. وذلك أن العلة الغائية لأعمال الإنسان هي نفسه، فإذا لم يؤمن بأن هناك ثوابا وعقابا، فلا يوجد ما يحمله على تحمل الفضائل والابتعاد عن الرذائل، وخصوصا إذا كان في مأمن من الناس[6].
وإن النظر في الحالة الدينية للبلاد التي يشيع فيها الإلحاد يبدي أن القيم الإيمانية قد نحيت رأسا عن إدارة الحياة وعن التكوين النفسي للأفراد؛ فلذلك اجتالتهم المذاهب الإلحادية باسم العلم عن حقائق الدين الكبيرة، وذلك قصاراه أن يعطي معنى أن الدين قد غيب عن الحياة، أو أن الدين المعين لا يرضى الضمير الإنساني والمدارك السوية، فأما الإسلام فهو بمعزل عن هذه التيارات، وبلاده أقل البقاع في ظهور مثل هذه المذاهب.
الخلاصة:
· المظهر العقدي للإلحاد هو إنكار وجود الله - سبحانه وتعالى - والمظهر السلوكي له هو النظرة الإباحية على الحياة ومتاعها، وهو يروج لنفسه على المنهج العلمي ويحث على إعماله.
· الجهل بالحقائق الدينية الكبرى هو ما هيأ للمد الإلحادي المناخ الملائم للانتشار والرواج، ثم لحدوث نتائجه الطبيعية من الاضطراب النفسي والقلق والانتحار.
· لا ينتشر الإلحاد إلا حيثما تغيب القيم الدينية عن الحياة، أو حيثما تكون هذه القيم في رتبة من الضعف والتهافت تجعلها قاصرة عن هداية الفرد أو توجيه المجتمع وجهة صالحة.
(*)