ادعاء التناقض في العقيدة الإسلامية (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المشككين في عقيدة التوحيد لدى المسلمين أنها عقيدة متناقضة عسيرة الفهم، مستدلين على ذلك بعدم قدرتهم على إدراك دعوة القرآن لتوحيد إله واحد بصورة واضحة مقنعة.
وجها إبطال الشبهة:
1) إذا كان مذهب التوحيد في الإسلام - على وضوحه ويسره - صعبا فهل من المعقول قبول فكرة الأقانيم الثلاثة عقيدة توحيد على صعوبتها ومخالفتها للعقل والمنطق؟!
2) ليس معنى عدم قدرتهم على إدراك دعوة القرآن لتوحيد إله واحد، أن عقيدة التوحيد بها نوع من الغموض والتناقض.
التفصيل:
أولا. التوحيد الإسلامي هو التصور الواضح للألوهية:
إن المتأمل في عقيدة التوحيد - عقيدة المسلمين - يجدها عقيدة ناصعة الوضوح لا يشوبها أي غموض أو تعقيد، يفهمها كل إنسان دون عناء مهما قل حظه من العلم، فهي بكل بساطة تعني أن الله هو إله الكون، وهو واحد لا شريك له، وأنه - عز وجل - رب كل شىء ومليكه ولا رب غيره، وهو الخالق المدبر الذي يعطي ويمنع ويحيي ويميت لا يشاركه أحد في فعله سبحانه، كما أنه - عز وجل - موصوف بصفات الكمال، منعوت بنعوت الجلال: )ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (11)( (الشورى)، ولذلك فهو المعبود الحق المستحق للعبادة ولا معبود بحق غيره.
فهل في هذا الاعتقاد أي شىء من الغموض أو التعقيد؟ إن هذا هو ما يستشعره الإنسان بوجدانه وتنسجم معه نفسه؛ لأنه مركوز في فطرته، مجبول في طبعه، فالفطرة تتجه إلى الله تعالى، عالمة بوجوده مؤمنة بأنه إله واحد لا شريك له.
لذلك كان عرض هذه الحقيقة في آيات القرآن وأحاديث السنة عرضا سهلا - يفهمه كل إنسان - بعيدا عن التعقيدات المنطقية والبراهين الفلسفية النظرية العقيمة، فنرى القرآن يحث الإنسان على إعمال العقل، لكي يتفكر في آيات الله المبثوثة في تضاعيف الكون [1] ويتدبر في خبايا النفس البشرية ذاتها؛ ليوقظه إلى حقيقة الألوهية، ويذكره بما هو مركوز في فطرته، ومن هذه الأسئلة:
· هل يمكن أن يوجد هذا الكون الهائل بغير إله؟
· هل يمكن أن يدبر شئون هذا الكون الضخم إلا إله قادر عليم حكيم؟
· هل يمكن أن يكون لهذا الإله شريك في الملك أو شريك في التدبير؟
· هل آيات القدرة المبثوثة في تضاعيف الكون تشير إلى أن هذا الإله يمكن أن يعجز عن أمور الخلق أو التدبير أو الرزق أو الإحياء أو الإماتة أو البعث أو الجزاء؟
تلك الأمور وغيرها يعرضها القرآن عرضا مؤثرا ينتهي باقتناع الوجدان وإدراكه لحقيقة الألوهية؛ ومن ثم وجوب الإيمان بالله الواحد دون شريك، فيخاطب العقل بذلك حتى يسلم بأن لهذا الكون خالقا واحدا لا شريك له وإلا واجه هذا السؤال الوارد في قوله تعالى: )أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون (35)( (الطور)، وهو سؤال مسكت ملجم يتحدى كل منكر، وبهذا يسلم العقل البشري بضرورة وجود إله عظيم خالق هو الذي يقوم على تدبير شئونه، ولكن القرآن لا يكتفي بهذا بالتذكير المصحوب بالتقريع، بل يمضي مع العقل البشري خطوة أخرى في المناقشة ليعرض أمامه - ببساطة يفهمها كل إنسان - هذه الحقيقة ليتدبرها:
لنفترض - جدلا - أنه كان مع الله آلهة أخرى، فكيف يكون الموقف؟! كيف تنتظم دورة الفلك التي ينشئها إلاهان مختلفان، ويشرف على شئونها أكثر من إله؟
هل يمكن أن تنتظم إذا تعددت الإرادة التي تهيمن عليها والسلطان الذي يسيرها؟ ألا يحدث - مثلا - أن إلها واحدا من الآلهة يريد الشمس أن تشرق من المشرق والآخر يريدها أن تشرق من المغرب، فكيف يصير الأمر؟ يجيب القرآن في قوله تعالى: )لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون (22)( (الأنبياء)، وما دام هذا الفساد غير حادث والكون منضبط في حركته كما نزل، فقد انتفى - إذا - وجود آلهة غير الله تعالى.
وفي سورة المؤمنون يعرض الأمر من الجهة الأخرى، من جهة الآلهة ذاتها - لو أنهم أكثر من إله واحد - وما كان يجب أن يحدث بينهم من صراع ونزاع: )ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون (91)( (المؤمنون) كل منهم يحاول أن يسيطر وأن تكون له الكلمة وحده فيحدث النزاع، وبهذا يبطل مذهب تعدد الآلهة فإذا ثبت أنه لا بد للكون من إله واحد يدبر أمره، فإن القرآن يحاج العقل متسائلا: )آلله خير أما يشركون (59)( (النمل: 59)، )أإله مع الله( والقرآن بهذا الحوار وبهذه المحاجة يخاطب العقل ويحيطه بمواجهة صريحة وحاسمة تعود به إلى التسليم المطلق، والشهادة اليقينية بأنه لا إله مع الله، وهذه هي عقيدة التوحيد التي يدعو إليها الإسلام وهي لا تخالف عقلا مفكرا ولا نظرة سليمة ولا منطقا صحيحا.
ولا وجه للموازنة بين هذه العقيدة وما تخوض فيه ديانات أخرى كالنصرانية التي تثبت الآب والابن وروح القدس، وهم ثلاثة على أنهم يمثلون ربا واحدا في الفكرة النصراينة، وهذه هي المعضلة الكبيرة التي لم يفلح النصارى أنفسهم في إثباتها إلا بأمثلة شاردة لا تطابق ما يمثلون له.
وليس اليهود بأحسن حالا منهم؛ فقد افتروا على الله، بسوء أدبهم المعتاد، كما افتروا على أنبيائه بالقتل والسب - لعنة الله عليهم - فقد قالوا: )يد الله مغلولة( (المائدة:64)، وافتروا على أنبياء الله، فقالوا: إن سيدنا لوط زنا بابنتيه، و إن سيدنا إبراهيم ديوث لا يغار على عرضه وقد صوروه كاذبا، وسيدنا موسى جعلوه، قاتلا وزعموا أنه قتل أخاه هارون عليه السلام.. إلخ، فهل عقيدتهم تلك التي لا تصلح أن تكون عقيدة أصلا تعد أسهل تناولا من عقيدة الإسلام الشفافة، التي ارتضاها الله - سبحانه وتعالى - لعباده كي تكون رسالة خاتمة صالحة للبشرية في كل مكان زمان؟!
وعلى ذلك فمن سمات الفكر الغربي التخبط في معرفة الألوهية، فليست فكرة صافية تقدر الله حق قدره، وإنما تحيط بها الأوهام والجهالات، بل الحق أن الغرب - كما يظهر من تاريخه - لم يعرف الله - عز وجل - معرفة صحيحة، ولم يهتد إلى الإيمان الصحيح بخالق الكون ومدبره؛ ذلك لأنه لم يعرف النبوة الهادية والوحي المعصوم معرفة مباشرة.
وقال - عز وجل - ذما لعقائدهم الفاسدة: )لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار (72)( (المائدة)، فقد حكم الله - عز وجل - عليهم بالكفر، وهم فرق النصارى من: المالكية، واليعقوبية، والنسطورية، ممن قال منهم بأن المسيح هو الله، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، وقد تقدم إليهم المسيح بأنه عبد الله ورسوله، وكان أول كلمة نطق بها وهو صغير في المهد أن قال: )قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا (30)( (مريم)، لم يقل: أنا الله، أو ابن الله.. وكذلك قال لهم في حال كهولته[2] ونبوته، آمرا لهم بعبادة الله ربه وربهم: )لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار (72)( (المائدة)، أي: من يعبد مع الله - عز وجل - غيره، فقد حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار.
وجاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة»[3]، وفي رواية «مؤمنة»[4]، وقال الله سبحانه وتعالى: )إن الله لا يغفر أن يشرك به( (النساء: 48)؛ أي: أن يشرك به في عبادته سبحانه، أو فيما يختص به من الصفات والأفعال؛ كنسبة علم الغيب وإحياء الموتى بالذات إلى عيسى عليه السلام.
ولكن طاشت عقولهم وعميت عن الصواب، فقد صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين قال: "حبك الشيء يعمي ويصم"؛ أي: إن تمسكهم بالباطل أعماهم عن قبول الحق؛ لذا فعقيدة القرآن واضحة لكل ذي لب، لا تحتمل تناقضا أو غموضا، بل تتخذ منهجا يسيرا في الوصول إلى الله.
ثانيا. آيات القرآن واضحة في بيان العقيدة الصحيح، فلا لبس فيها ولا غموض:
لا يوجد تناقض بين آيات القرآن بعامة، وآيات العقيدة بصفة خاصة؛ فالله تعالى متفرد بأفعاله وهو وحده الخالق لكل المخلوقات: )الله خالق كل شيء( (الزمر:62)، وهو الرازق لجميع الدواب والآدميين وغيرهم: )وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها( (هود: 6)، وهو مالك الملك والمدبر لشئون العالم كله، يولي ويعزل، ويعز ويذل، يحيي ويميت، يصرف الليل والنهار، ويقدر على كل شىء: )قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير (26) تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب (27)( (آل عمران).
وقد نفى الله - عز وجل - أن يكون له شريك في الملك، أو معين له في الخلق والرزق )هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين(11)( (لقمان)، وقال تعالى: )أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه( (الملك: 21).
كما أعلن انفراده بالربوبية على جميع خلقه: )الحمد لله رب العالمين (2)( (الفاتحة). وقد علمنا أن أشهر من عرف تجاهله وتظاهره بإنكارالرب، هو فرعون، وقد كان مستعينا به في الباطن كما قال له موسى: )قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر( (الإسراء: 102)[5]، وقال عن قومه: )وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا( (النمل: 14)، حتى إن منكري الرب من الشيوعيين إنما ينكرونه في الظاهر مكابرة، وإلا فهم في الباطن لا بد أن يعترفوا أنه ما من موجود إلا وله موجد، قال تعالى: )أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون (35) أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون (36)( (الطور).
ولم يقف القرآن عند إثبات وجود الخالق، ولكنه رد على التصورات الباطلة والمزاعم الخاطئة كما يلى:
· رد على عبـدة الأصنــام بقولـه: )أفرأيتـم الـلات والعــزى (19) ومناة الثالثة الأخرى (20)( (النجم)، وقال تعالى: )قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين (71) قال هل يسمعونكم إذ تدعون (72) أو ينفعونكم أو يضرون (73)( (الشعراء). فقد وافقوا على أن هذه الأصنام لا تسمع الدعاء، ولا تنفع ولا تضر، وإنما عبدوها تقليدا لآبائهم، والتقليد حجة باطلة.
· ورد على عبدة الكواكب والشمس والقمر بقوله: )إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمــره ألا له الخلـق والأمـر تبـارك الله رب العالميــن (54)( (الأعراف)، وقوله: )ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون (37)( (فصلت).
· ورد على من عبد الملائكة، والمسيح - عليه السلام - على أنهم ولد الله بقوله تعالى: )ما اتخذ الله من ولد( (المؤمنون: 91)، وبقوله: )أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة( (الأنعام:101)، وبقوله: )لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفوا أحد (4)( (الإخلاص).
عقيدة التوحيد سهلة يسيرة تتفق مع الفطرة السوية والعقل الصريح:
إن جميع الكون بسمائه وأرضه، وأفلاكه وكواكبه، ودوابه وشجره، وبره وبحره، وملائكته وجنه وإنسه كله خاضع لله، مطيع لأمره الكوني، قال تعالى: )وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها( (آل عمران: 83)، )ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس( (الحج: 18).
فكل هذه الكائنات والعوالم منقادة لله خاضعة لسلطانه، قال تعالى: )تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا (44)( (الإسراء). فالجميع مقرون بالخالق بفطرتهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهم خاضعون مستسلمون قانتون مضطرون من وجوه؛ منها: علمهم بحاجتهم وضرورتهم إليه. ومنها: خضوعهم واستسلامهم لما يجري عليهم من أقداره، ومشيئته. ومنها: دعاؤهم إياه عند الاضطرار.
إذن فهذا التوحيد لم يذهب إلى نقيضه طائفة معروفة من بني آدم، بل القلوب مفطورة على الإقرار به، أعظم من كونها مفطورة على الإقرار بغيره من الموجودات، كما قالت الرسل فيما حكى الله عنهم: )قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض( (إبراهيم: 10).
تأمل العالم كله، علويه وسفليه، تجده شاهدا بإثبات صانعه وفاطره ومليكه، فإنكار صانعه وجحده في العقول والفطر بمنزلة إنكار العلم وجحده، لا فرق بينهما. ومن كان بهذه المثابة فقد ألغى عقله، ودعا الناس إلى السخرية منه، قال الشاعر:
فوا عجبا كيف يعصى الإله
أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد
وقد سلك القرآن منهجا متوازنا في تناول قضايا العقيدة، فخاطب في الإنسان عقله وقلبه وضميره وفطرته، فهو تارة يثير الوجدان بأساليب متنوعة، وتارة يبهر العقل بالأدلة الواقعة القاطعة التي تأخذ بيده نحو الإيمان، فهذه جولة في الآيات الكونية وتلك أخرى في النفس الإنسانية، وثالثة في التاريخ وسننه وقوانينه وعبره، ورابعة في مشاهد من القيامة والدار الآخرة تهز الوجدان وتضع النفس الإنسانية مجردة أمام حقائق الغيب ومكنوناته، وخاضعة أمام الجلال الإلهي والعظمة القدسية بصفات الكمال والجلال والجمال التي لا يملك المتلقى لها سوى الاعتراف والتسليم.
وجاء منهج القرآن في عرض مسائل العقيدة منسجما مع الفطرة المستقيمة وقد سلف فيها الذكر. قال تعالى: )فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون (30)( (الروم).
فالإنسان يهتف باسم الله ويلوذ بجنابه إذا غلقت في وجهه الأبواب وتقطعت دونه الأسباب، كما اتسم المنهج القرآني بالوضوح التام في عرض قضايا العقيدة والإيمان، فالله واحد أحد لم يتخذ صاحبة، ولا ولد، لا شريك له في ملكه، الكل يحتاج إليه، وهو غني عنهم جميعا، ليس كمثله شىء وهو السميع البصير. والعالم حادث[6] لا بد له من محدث: )أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون (35)( (الطور)، )إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له( (الحج: 73)، انتظام أمر العالم كله وإحكامه أدل دليل على أن مدبره إله واحد، ورب واحد لا شريك له ولا منازع: )ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون (91)( (المؤمنون).
أما الملائكة فعباد الله المكرمون، كلفهم بأدوار محدودة، والرسل بشر اصطفاهم الله واجتباهم لحمل رسالته إلى خلقه، فكان التكليف والابتلاء بالتشريع والأمر والنهي، فمن أحسن في الدنيا كوفئ في الآخرة بالنعيم والرضوان، ومن عاند وجحد وعصى وظلم كوفئ بما يستحقه من عذاب أليم.. وهكذا تبدو أمور العقيدة الإسلامية سهلة بسيطة دون تعقيد، أو استغلاق )فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (8)( (الزلزلة)، وجاءت العقيدة الإسلامية متناسبة مع مقتضيات العقل السليم التي تبحث عن معاني الوحدة وراء التنوع والكثرة، وتعمد إرجاع الأشياء المتفرقة دوما إلى سبب واحد، فلا يقال في الإسلام "اعتقد وأنت أعمى" بل يقال: )وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون (80)( (المؤمنون).
الخلاصة:
· عقيدة التوحيد عند المسلمين سهلة واضحة لكل ذي لب؛ لأن الإنسان بفطرته يميل إلى تقديس إله واحد معبود بحق، هو الخالق والرازق وهو على كل شيء قدير، وهذا ما دعت إليه الفطر السوية، وإن ادعى غير ذلك المنكرون.
· عقيدة التوحيد عقيدة صافية لا غموض فيها ولا تعقيد، كالذي نجده في عقيدة التثليث عند النصارى مثلا، هذه التي لا يفهمها حتى أهلها، وهكذا الحال في الديانات الأخرى أيضا، وقد أبطل القرآن مزاعم أهلها، ورد على افتراءاتهم وأباطيلهم، بما يثبت أن خالق الكون إله واحد سبحان الله عما يشركون.
· تناول القرآن لعقيدة التوحيد لا يخفى على من له قلب، أو ألقى السمع فلا تناقض ولا غموض، بل يتخذ منهجا يسيرا في الوصول إلى خالق الكون، وهذا المنهج يناسب الفطر السليمة والعقول الواعية، وسور القرآن كلها تتحدث عن الألوهية، وترسيخ عقيدة الإيمان بالله مكيها ومدنيها، بما ينفي زعمهم بوجود تناقض أو خلل، وبما يوحي أن تناول العقيدة - أولا - كان دافعه هداية الناس، ثم تقويمهم في المرحلة التالية بمجيء الأحكام والتشريعات التي تنظم حياة الناس، وعلى ذلك فالإنسان يفتقر بطبعه إلى مدبر الكون وخالقه ورازقه، ويلجأ إليه حين تغلق الأبواب، وتنطقع الأسباب. أليس هذا اعترافا بوحدانية الله - عز وجل - وإقرارا باستحقاقه - وحده دون غيره - العبادة والتوحيد.
(*) التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام، محمد الغزالي، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 2005م.