الزعم أن ما عليه الصابئة ديانة وتوحيد (*)
مضمون الشبهة:
يتوهم بعض الجاهلين أن ما عليه الصابئة ديانة وتوحيد، ويستدلون على هذا بأن القرآن قد أثبت ذلك وذكره في ثلاثة مواضع؛ حيث قال الله سبحانه وتعالى: )إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحـا فلهـم أجرهـم عنـد ربهـم ولا خوف عليهم ولا هـم يحزنــون (62)( (البقرة)، وقال: )إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد (17)( (الحج)، وقال: )إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحـا فــلا خـوف عليهـم ولا هـم يحزنــون (69)( (المائدة). وذلك في سياق المدح والثناء عليها.
وجها إبطال الشبهة:
1) الصابئة من أقدم الفرق التي تشعب الحديث عنها؛ فقد تطلق على كل من خرج عن دين قومه إلى دين آخر، وقد تطلق على عبدة الكواكب، وقد تطلق على عبدة الملائكة، فكيف يكون أصحابها أصحاب ديانة توحيدية؟!
2) ليس ثمة في القرآن أدنى إشارة إلى عد ما عليه الصابئة ديانة وتوحيدا وإن التفسير الصحيح لآيات سور: البقرة والمائدة والحج كفيل بأن يدفع هذا الفهم الخاطئ.
التفصيل:
أولا. الصابئة حقيقتها وطوائفها:
تعتبر الصابئة من أقدم الفرق والطوائف التي اختلفت كتب الفرق والتاريخ في الحديث عنها، بل تشعب فيها الحديث واختلط، وذهبت الآراء في عقيدتها مذاهب شتى، واختلفت بالمؤرخين لها والمنصفين عند ذكرها السبل والمذاهب.
فالعرب تسمى كل خارج عن دين إلى غيره صابئا، ومن هنا كان يقال للرجل إذا أسلم في بدء البعثة: قد صبأ، بل ذكرت المصادر أن قريشا كانت تسمي النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام - رضي الله عنه - صباة: أي: الخارجون على دين قومهم.
ولما أسلم أبو ذر الغفاري - رضي الله عنه - قيلت له بعد إسلامه، وعندما ذهب سعد بن معاذ - رضي الله عنه - إلى مكة عاتبه أبو جهل لدخوله في دين الصابئين؛ أي: المسلمين، ولما قدم خالد بن الوليد - رضي الله عنه - على بني خزيمة، نادوه بأنهم: صبئوا، أي دخلوا في دين الإسلام[1].
والذي يجب التنبيه عليه أن المسلمين لم يرتاحوا لهذه التسمية، بل كانوا يكذبون كل من يطلقها عليهم؛ إذ لما نادى جميل بن معمر الجمحي في قريش قائلا: ألا إن عمر بن الخطاب قد صبأ، وذلك حين دخل في الإسلام، فنادى عمر - رضي الله عنه - من خلفه قائلا: لقد كذب إني أسلمت. فتكذيب عمر - رضي الله عنه - وغيره للوثنيين من أهل مكة يشعر بأن أهل مكة إنما أطلقوا على المسلمين هذه التسمية إهانة لهم، وازدراء بهم، وإلا لما انزعج المسلمون منها.
ونخلص من هذا أيضا إلى أن لفظ "الصابئة" لفظ مذموم عند المشركين؛ إذ أطلقوها على من خرج عن دينهم، وعند المسلمين كذلك؛ إذ لم يرضوه لأنفسهم، فالصابئة كلمة مذمومة عند الجميع، فكيف يكونون أهل توحيد والتوحيد أسمى شيء يكون عليه الإنسان؟!
كما ذكر النيسابوري في تفسيره: أن الصابئة كانوا يعبدون الكواكب، ويزعمون أنها المدبرة لهذا العالم، ومنها تصدر الخيرات والشرور. وذكر الألوسي في تفسيره أن الصابئين قوم مدار مذاهبهم على التعصب للروحانيين واتخاذهم وسائط، ولما لم يتيسر لهم التقرب إليها بأعيانها والتلقي منها بذواتها فزعت جماعة منهم إلى هياكلها، فصابئة الروم مفزعها السيارات، وصابئة الهند مفزعها الثوابت، وجماعة نزلوا عن الهياكل إلى الأشخاص التي لا تسمع ولا تبصر، ولا تغني عن أحد شيئا[2].
ويقول عنهم البيضاوي في تفسيره: "يقال إنهم يعبدون الملائكة، كما يقال إنهم يعبدون الكواكب". كما قال الآلوسي في تفسيره: "وهم كما قال حسن جلبي، وغيره قوم خرجوا من دين اليهود والنصارى وعبدوا الملائكة"[3].
أرأيت كيف تشعب الحديث عنها، ولم يذكر أحد أنهم أهل توحيد؟! وقد أصاب الشهرستاني الصواب حين قال في سبب تسمية هذه الطائفة بالصابئة: صبأ الرجل إذا مال وزاغ، فبحكم ميل هؤلاء عن سنة الحق، وزيغهم عن نهج الأنبياء، قيل لهم: صابئة.
طوائف الصابئة:
يجد المتتبع لأخبار الصابئة في كتب التاريخ، والملل والنحل، أنهم لم يكونوا طائفة واحدة، ولم يجمعهم مذهب واحد، ولم تؤلف بينهم تعاليم وشعائر معينة، إلا أن المؤرخين، وكتاب الملل والنحل يكادون يجمعون على أنهم فرقتان:
الفرقة الأولى: هم الذين عرفوا في الفكر الإسلامي باسم "الحرانية":
وقد نبه البيروني إلى أن هؤلاء - الصابئة الحرانية - ليسوا هم الصابئة على وجه الحقيقة، وأنهم تسموا بالصابئة في عهد الدولة العباسية سنة 288هـ ليعدوا في جملة من تؤخذ منه الجزية وترعى له الذمة، وكانوا قبلها يسمون بالحنفاء والحرانية.
ويوضح الأستاذ إسماعيل مظهر ذلك فيقول: "إنهم تسموا بهذا الاسم في زمن الخليفة العباسي عندما مر بـ "حران" ليحارب إمبراطور بيزنطة، فاطلع على أحوالهم، ووقف على حقيقة ديانتهم فطلب منهم أن يعتنقوا دينا من الأديان قبل أن يعود من الحرب، فدلهم بعض الدهاة - بعد أن دفعوا له الأموال - على أن يتسموا بالصابئة، وهي من الأديان المذكورة في القرآن".
وقال الأستاذ محمد عبد الهادي أبو ريدة في مقدمة كتابه "رسائل الكندي الفلسفية" ما نصه: ومن الجائز أن يكون هؤلاء الصابئة أتباع ديانة قديمة قد اختلطت بالفلسفة، ولعل نحلتهم توحيد قديم يرجع إلى إبراهيم - عليه السلام - عادت إليه بعض التصورات البابلية القديمة، وبعض مظاهر الوثنية التي حاربها إبراهيم - عليه السلام - ثم تغذت بعد فتح الإسكندر للشرق بعناصر فلسفية يونانية.
وكانت الصابئة الحرانية تسكن شمال العراق، ومركزهم الكبير في حران، وهي مدينة قديمة جدا، وتقع في شمال الجزيرة قرب منابع نهر البلخ أحد روافد الفرات، واشتهرت حران بأنها كانت مقرا لعبادة القمر، وظلت كذلك حتى بعد أن انهارت دولة الكلدانيين ودولة الفرس.
الفرقة الثانية: الصابئة المندائيون أو المنديون:
وهم الذين تخلفوا ببابل من أسرى بابل الذين سباهم نبوخذ نصر - الذي ينطقه العامة بختنصر - إليها من بيت المقدس بعد تدميره هيكل سليمان، وقد اعتادوا العيش في أرض بابل، فآثروا البقاء بها، ولم يرجعوا مع السبي العائد إلى بيت المقدس، بعد أن حررهم قورش الفارسي من الأسر، فسمعوا أقاويل ومعتقدات المجوس وصبوا إلى بعضها، فأصبح مذهبهم مزيجا من المجوسية واليهودية والنصرانية، وانتشروا في بلاد الرافدين. وتنتشر هذه الطائفة في الكوت، والعمارة، والناصرية، وواسط، وبغداد، وفي الأهواز على شاطيء نهر كارون في إيران، ويسميهم العامة بـ "الصبية".
ثانيا. التفسير الصحيح للآيات التي استند إليها مثيرو الشبهة:
لم يرد لفظ "الصابئين" في القرآن على أنهم أصحاب ديانة توحيدية، وذلك أن الآيات الثلاث الآتية: )إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهـم ولا خـوف عليهـم ولا هـم يحزنـون (62)( (البقرة)، وقوله سبحانه وتعالى: )إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد (17)( (الحج)، وقوله سبحانه وتعالى: )إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (69)( (المائدة) ليس فيها مطلقا ما يدل على إثبات القرآن التوحيد للصابئة، فقد ذكرت آية سورة الحج على سبيل المثال المجوس والذين أشركوا إضافة إلى الصابئين والنصارى، فهل الذين أشركوا، أو المجوس أهل توحيد، أو حتى النصارى الذين هم أهل تثليث؟!
إن ادعاء أن القرآن أثبت التوحيد للصابئين ادعاء باطل؛ فالقرآن يرد على كل أفاك أثيم بتركيبه المعجز، وترتيب الكلمات فيه، ووضعها في سياق معين، فترتيب الطوائف المذكورة في آية البقرة يراد منه الترتيب الرتبي، أي أنها ذكرت الأمثل والأسبق إلى أن وصلت لمن ليس له كتاب، فالمؤمنون بالكتب المنزلة السابقة - كصحف إبراهيم وغيرها - أولا، يليهم اليهود لتقدم نبيهم وسبق زمانهم، يليهم النصارى لتأخر نبيهم وزمانهم، وآخرهم الصابئون؛ لكثرة مخالفتهم ولما أحدثوه في مذهبهم من بدع وخرافات، علاوة على أنهم ليسوا أهل كتاب منزل[5].
فهم - الصابئون - لا كتاب لهم ولا توحيد لهم، وإن ادعوا أن لهم كتابا يدعى: الجنزا أو الكنز، فالقرآن لا يذكر عنوان كتابهم هذا، في حين ذكر التوراة والإنجيل، وكيف يثبت هذا الكتاب، وهو لم يجمع ولم ينسخ إلا في القرن السابع والثامن الميلادي، فهذا كتاب ملفق لم ينزل من عند الله، جاءوا به ليقووا مركزهم أمام السلطة الإسلامية، ويصبحوا من أهل الكتاب، بحيث يعاملون مثل اليهود والنصارى.
كما أن الصابئين لا يعترفون بالأنبياء، اعتقادا منهم أنهم مجرد بشر، ويذكر الشهرستاني أنهم يذهبون إلى أن الأنبياء طالما أنهم من جنس البشر، لهم نفس الشكل، وهم مخلوقون من نفس المادة، يأكلون ما نأكل، ويشربون ما نشرب، وهم بشر مثلنا - فلماذا إذن نحن مضطرون لطاعتهم؟ ماذا يميزهم عنا حتى نتبعهم؟ )ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون (34)( (المؤمنون).
فكيف يكون من لا كتاب له من عند الله، ولا إيمان له بالأنبياء - أهل توحيد وعقيدة سليمة خالية من الشوائب؟!
وسبب تأخير "الذين أشركوا" في الذكر في آية الحج؛ يتمثل في أنهم - وإن تقدمت لهم أزمنة، وكانوا في عهد أكثر الأنبياء - لما كانوا أكثرية في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - اعتبروا من أهل زمانه، وبذلك يكون زمنهم متأخرا عن زمن من سبقهم فأخر ذكرهم، وقدم ذكر الصابئين على النصارى؛ لأن زمنهم أسبق من زمن النصارى.
والترتيب في آية سورة المائدة كان لغرض تجدر الإشارة إليه، فقد ورد لفظ "الصابئين" منصوبا بالياء في آيتي (البقرة والحج) عطفا على محل اسم إن، بينما ورد اللفظ نفسه مرفوعا (الصابئون) بالقطع عما قبله في آية المائدة، والتغيير في الحكم الإعرابي عن طريق القطع لا يعد فصيحا إلا إذا كان لهدف يراد التنبيه عليه.
فإذا قلنا: إن محمدا وزيدا وعمرو قادرون على منازلة خالد، فلا يكون هذا القول فصيحا وبليغا إلا إذا كان عمرو في مظنة العجز عن منازلة خالد، فأردنا بهذا القطع أن ننبه المخاطب إلى خطئه في هذا الظن، كما أردنا أن نؤكد على أن عمرا يقدر على ما يقدر عليه زميلاه محمد وزيد، وما في آية المائدة من هذا القبيل.
فالصابئون وإن لم يكونوا أهل الكتاب إلا أن حكمهم كحكم أهل الكتاب - اليهود والنصارى - في ارتباط الجزاء - وهو نفي الخوف عنهم يوم القيامة - بالشرط، وهو الدخول في الإسلام عن اعتقاد صحيح، وإيمان خالص بالمبدأ، والمعاد، واقتران ذلك بالعمل الصالح، وبهذا يتساوي الجميع في نظر الإسلام إذا ما دخلوا فيه، فلا فرق بين الجميع في الجزاء الأخروي، فضلا عن محو الإسلام لخطاياهم.
وزاد القطع إلى الرفع في "الصابئون" الحكم توكيدا، فيكون الصابئون مرفوعا على الابتداء، والخبر محذوفا، ويكون تقدير الكلام: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. والصابئون كذلك)، وجاء في تفسير المنار: ولما كان هذا - أي: إشراك الصابئين مع اليهود، والنصارى في الحكم غير معروف عند المخاطبين في هذه الآية، وكان الصابئون غير مظنة لإشراكهم في الحكم مع أهل الكتب السماوية - حسن في شرع البلاغة أن ينبه على ذلك بتغيير نسق الإعراب. أرأيت كيف دل سياق الآيات وتركيبها على بعدهم عن التوحيد وعلى أنهم ليسوا أصحاب كتاب.
إن الفهم الصحيح للآيات يقضي بأن كلا من الذين آمنوا بألسنتهم فقط، والذين هادوا والنصارى والصابئين والمجوس، إذا آمنوا حقا بالله وباليوم الآخر، وعملوا صالحا فلهم الأجر والثواب عند ربهم، ولا خوف عليهم، ولا هم يحزنون. فالآيات تتضمن معنى "الشرط" أي: أنهم - الصابئين - لم يؤمنوا ولم يعملوا صالحا، لكن إذا آمنوا وعملوا صالحا، فيكون جزاؤهم أن: لهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم، ولا هم يحزنون، والذي فهمه مثيرو الشبهة خلاف ذلك، فقد فهموا أن الله - عز وجل - طالما أنه قد قال: فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون - حكم عليهم بأنهم أهل توحيد، وبأنهم محببون إليه.
ويدفع هذا الفهم الخاطئ كل أقوال المفسرين، فالرازي مثلا يقول في تفسيره لآية سورة البقرة: "إن قوله سبحانه وتعالى: )من آمن بالله واليوم الآخر( يقتضي أن يكون المراد من الإيمان في قوله سبحانه وتعالى: )إن الذين آمنوا( غير المراد في قوله سبحانه وتعالى: )من آمن بالله(، ونظيره في الإشكال قوله سبحانه وتعالى: )يا أيها الذين آمنوا آمنوا( (النساء: 136)، فلأجل هذا الإشكال ذكر المفسرون وجوها:
أحدها: وهو قول ابن عباس، أن المراد الذين آمنوا قبل مبعث محمد بعيسى - عليهما السلام - مع البراءة عن أباطيل اليهود والنصارى، مثل قس بن ساعدة، وبحيرى الراهب، وحبيب النجار، وزيد بن عمرو بن نفيل، وسلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، ووفد النجاشي، فكأنه تعالى قال إن الذين آمنوا قبل مبعث محمد والذين كانوا على الدين الباطل لليهود، والذين كانوا على الدين الباطل للنصارى كل من آمن منهم بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم بالله وباليوم الآخر وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - فلهم أجرهم عند ربهم.
ثانيها: أنه تعالى ذكر في هذه السورة طريقة المنافقين ثم طريقة اليهود، فالمراد من قوله سبحانه وتعالى: )إن الذين آمنوا( هم الذين يؤمنون باللسان دون القلب، وهم المنافقون، فذكر المنافقين، ثم اليهود، والنصارى، والصابئين، فكأنه تعالى قال: هؤلاء المبطلون كل من أتى منهم بالإيمان الحقيقي، صار من المؤمنين عند الله، وهو قول سفيان الثوري"[6]، وقال نحو ذلك الألوسي والزمخشري، وغيرهم.
كما أن سياق آية الحج: )إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد (17)( (الحج)، لم يتعرض مطلقا للمدح والثناء، وإنما بين أن الله على كل شيء شهيد؛ وذلك لما اشتملت الآيات السابقة على بيان أحوال المترددين في قبول الإسلام، ولقد كان ذلك داعيا إلى التساؤل عن أحوال الفرق بعضهم مع بعض في مختلف الأديان، وعن الدين الحق؛ لأن كل أمة تدعي أنها على الحق، وأن غيرها على الباطل، وتجادل في ذلك. فبينت هذه الآية أن الفصل بين أهل الأديان فيما اختصموا فيه يكون يوم القيامة، إذ لم تفدهم الحجج في الدنيا[7].
فهذه الآية لم تأت في سياق مدح ولا ثناء، لكي يدعى أنهم مقربون لله وأنهم أهل توحيد! وبذلك تتضافر الآيات بكل قوة؛ لتثبت بطلان هذا التوهم.
الخلاصة:
· الصابئة هم كل من خرج عن دين ليعتنق دينا آخر، أو هم عبدة الكواكب، أو عبدة الملائكة... إلخ، فكيف يكون من هذه حاله من أهل التوحيد؟!!
· الصابئة لم يجمعهم مذهب واحد، ولم تؤلف بينهم تعاليم وشعائر معينة، وهم فرقتان: فرقة تدعى "الحرانية"، وفرقة تدعى "المندائية" أو "المندية"، والصابئة لا كتاب لها ولا توحيد، وإن ادعوا أن لهم كتابا يدعى "الجترا" أو "الكترا"، كما أنهم لا يعترفون بالأنبياء اعتقادا منهم أنهم مجرد بشر.
· تتضافر الآيات على نفي كون الصابئين أهل توحيد، ولم يرد في القرآن مطلقا أنهم أصحاب ديانة توحيدية، يؤكد ذلك ما جاء في آيات البقرة والمائدة والحج.
· الآيات تتضمن معنى الشرط. أي: إذا آمن هؤلاء الصابئون وعملوا صالحا فسيكون لهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ولا تتضمن أية إشارة إلى أن الله تعالى أثنى عليهم؛ لأنهم آمنوا به وأقروا له بالوحدانية، وذلك أن هؤلاء الطاعنين لم ينتبهوا إلى المفارقة الظاهرة بين قوله سبحانه وتعالى: )إن الذين آمنوا( (البقرة:62)، وقوله سبحانه وتعالى: )من آمن( (البقرة: 62).
(*) موقع صيد الفوائد.