إنكار خروج الدابة (*)
مضمون الشبهة:
ينكر بعض الجاحدين خروج الدابة التي تعد علامة من علامات الساعة، ويخطئون في فهم الوصف القرآني لها في قوله سبحانه وتعالى: )وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون (82)( (النمل)، وكذلك أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ويتعجبون من وصفها بأن رأسها رأس ثور، وعينيها عينا خنزير، وصدرها صدر أسد، ويتساءلون: ألا يعد هذا من خرافات العقيدة الإسلامية. ويرمون من وراء ذلك إلى تشكيك المسلمين في إيمانهم.
وجوه إبطال الشبهة:
1) خروج الدابة من الأرض، خروج شيء مادي من مادة كحال الكائنات الحية، وتلك قدرة الله التي نراها رأي العين، لكن العجيب أن يتحول جسد الإنسان إلى جسد إله بزعمهم، ويستسيغون هذه الصورة ولا يستسيغون الأولى (خروج الدابة).
2) خروج الدابة أمر من أمور الغيب التي لا يحتكم فيها إلى العقل، وإنما يحتكم إلى القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة.
3) قد وردت في أمر الدابة أحاديث كثيرة صحيحة، إضافة إلى ما ورد في سورة النمل.
التفصيل:
أولا. خروج المادة من المادة قدرة ليست مستحيلة على الله سبحانه وتعالى:
نشير بادئ ذي بدء إلى أن أمر الدابة التي جاء ذكرها في القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى: )وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهـم أن النـاس كانــوا بآياتنـا لا يوقنــون (82)( (النمل) - مهما قيل في تفسيره - أقرب إلى التصديق من عقائدهم التي تقولوها على الله تعالى.
فخروج الدابة من الأرض في نهاية الأمر، خروج شيء مادي من مادة، والكائنات الحية في محصلتها النهائية تخرج من الأرض، من عناصر ترابية يتغذى عليها النبات، وعلى النبات يتغذى الحيوان، والإنسان، ثم إن الإنسان الأول خلق من تراب، قال ـ سبحانه وتعالـى ـ: )ولقد خلقنا الإنسان من سلالـة من طيـن (12)( (المؤمنون)، وقال سبحانه وتعالى: )منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى (55)( (طه) وكم من الحشرات، والديدان مما يتخلق من الأرض مباشرة، ونراه رأي العين، فأي غرابة في ذلك؟! وكل شيء خاضع لقدرة الله - عز وجل - التي لا تعجز عن شيء، وهو على كل شيء قدير.
لكن العجيب الذي لا يصدقه عقل عاقل أن تتحول كلمة الله - عز وجل - إلى جسد إنسان، أو يتجسد الإله، ويكون في رحم امرأة، ويخرج ليمشي بين الناس، فيأكل ويشرب، ويتغوط، ويبول، ثم ماذا؟! يقتل ويصلب، ثم ماذا؟! هل هناك عقيدة تسفه العقل وتحط منه مثل هذه العقائد؟! وهل هناك عقيدة تزري بالإله وبرسله مثل هذه العقائد؟!
يقول القاسمي في تفسيره هذه الآية التي ذكرت فيها الدابة: اعلم أن في هذا الوعيد وجوها من التأويل:
الأول: أنه دنيوي، عني به نصر الرسول صلى الله عليه وسلم، والمعنى أن أولئك الذين صموا عن سماع الآيات، وعموا عن النظر فيها، وجحدوها ستأتيهم أنباء حقيقة ما كانوا يدعون إليه من نصر الداعي، وهو الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه، وتكثير سوادهم، حتى يظفروا بمناوئيهم، ويظهروا على عدوهم، وذلك بأن تدب إليهم دابة عظيمة تملأ السهل والربى، تزلزل أركانهم، وتهدم بنيانهم، وتقوض خيامهم، وتدك أعلامهم، فتكلمهم حينئذ بلسان الحال أو المقال؛ لأنهم إنما أخذوا بالعقاب، وحل بهم الفساد في الأرض، فإن الإيمان دعامة الصلاح والإصلاح، وقائد الفلاح والنجاح، قال سبحانه وتعالى: )ولقد سبقـت كلمتنا لعبادنـا المرسليـن (171) إنهـم لهـم المنصــورون (172) وإن جندنا لهم الغالبون (173)( (الصافات).
الثاني: أن الدابة حيوان بخلاف ما نعرفه، يختص خروجها بحين القيامة، قال بعضهم: والمعنى إذا قامت القيامة بعث الله نوعا مخصوصا من دواب هذه الأرض، كما يبعث غيره من أنواع الدواب الأخرى، وينطقه، فيوبخ الإنسان على كفره، كما ينطق أعضاءه في ذلك اليوم أيضا، فليس المراد من قوله "دابة" الفرد، بل النوع، كما في قولك: "أرسل الله عليهم دودة أتلفت زرعهم"؛ أي: ديدانا كثيرة من نوع واحد مخصوص.
الثالث: نقله الراغب في مفرادته، قال: وقيل عنى بالدابة الأشرار الذين هم في الجهل بمنزلة الدواب، فتكون الدابة جمعا اسما لكل ما يدب، نحو "خائنة" جمع خائن، ومن الآية كقوله سبحانه وتعالى: )حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون (96) واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنـا قــد كنـا في غفلــة مـن هــذا بل كنا ظالميـن (97)( (الأنبياء)... فإن يأجوج ومأجوج كالدابة، لما يغطي بدبيبه وجه الأرض، فهو مثل في الكثرة، والله أعلم [1].
ثانيا. أمور الغيب يحتكم فيها إلى النقل، لا العقل:
إن خروج الدابة التي أخبرنا الله - عز وجل - بها يعد أمرا من الغيبيات التي لا يحتكم فيها إلى العقل، وإنما يحتكم إلى النقل الذي يشمل القرآن الكريم والسنة المطهرة الصحيحة.
هذا وقد انطلق هؤلاء الطاعنون في إنكارهم خروج الدابة - وكذا في إنكارهم الغيبيات جميعها - من مذهبهم الحسي العقلي، فأداهم ذلك إلى إنكار الغيبيات التي أشارت إليها مصادر التشريع.
وقد روي في أمر الدابة أحاديث وآثار كثيرة؛ منها:
ما جاء عن عبد الله بن عمرو مرفوعا: «إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيهما كانت قبل صاحبتها، فالأخرى على إثرها قريبا»[2]. ولا شك أن هذه الدابة مخالفة لما عهده البشر من الدواب، ومن ذلك أنها تخاطب الناس وتكلمهم.
وروي عن أبي أمامة يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تخرج الدابة، فتسم الناس على خراطيمهم، ثم يغمرون فيكم حتى يشتري الرجل البعير فيقول: ممن اشتريته؟ فيقول: اشتريته من أحد المخطمين»[3] [4].
وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: إنها دابة لها رأس وزغب وحافر، ولها ذنب ولها لـحية، وإنها تخرج حضر الفرس الجواد ثلاثا وما فرج ثلثاها.
وعن قتادة عن ابن عباس قال: هي دابة ذات زغب وريش، لها أربع قوائم، تخرج من بعض أودية تهامة[5].
وما لنا ألا نصدق ما جاء به نبينا - صلى الله عليه وسلم - وقد صدق فيما أخبر من حقائق كانت قبل من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله، بل إننا نجد من بين هؤلاء المنكرين الذين أنكروا الأحاديث التي وردت في أمر الدابة جميعها من يلهث خلف آيات القرآن وأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليثبت بالأبحاث العلمية الحديثة أن كل ما أخبر عنه القرآن صدق، وكل ما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم - حق، والكلام عن إعجاز القرآن لا يتسع له المجال، ولكنه حقيقة لا ينكرها إلا جاحد.
فإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - صادقا فيما أخبرنا من غيبيات عن القيامة، وأمور الآخرة وغيرها، فلماذا الإنكار والعناد وقد تحقق بعضها فعلا بما لا يدع مجالا للشك؟ فنحن نرى علامات القيامة الصغرى رأي العين، وننتظر الكبرى في أي وقت، فلا يعلم زمنها إلا الله.
فخروج الدابة من الأرض حق، والأحاديث التي وردت فيها - الصحيحة منها - صدق، ولا تحتاج إلى إبداء رأينا فيها، ومن نحن حتى نعقب على قول أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم؟!
الخلاصة:
· خروج الدابة من الأرض ليس غريبا على قدرة الله الذي يقول للشيء كن فيكون، فنحن نرى رأي العين تكون بعض ديدان الأرض وحشراتها من لا شيء، فما العجيب في ذلك؟ وهل خروج شيء مادي من مادة كحال الكائنات الحية يعد أمرا خارقا وقد ألفته عيوننا منذ بدء الخليقة؟!
· الأحاديث التي وردت في ذكر الدابة بعضها صحيح، وبعضها ضعيف السند، ولا نأخذ منها إلا ما كان صحيح الثبوت، وصحيحها لا مجال لنكرانه، إذ إنه من الغيبيات التي يجب التصديق بها، والإيمان بما جاء فيها، وكيف لا نصدق ونحن نرى الآيات تترى واحدة تلو أخرى بما لا يدع مجالا للشك.
(*) قناة الحياة الفضائية، زكريا بطرس، الحلقة 88.