التشكيك في حشر الوحوش يوم القيامة (*)
مضمون الشبهة:
يشكك بعض المغالطين في حشر الوحوش يوم القيامة، ويتساءلون: كيف تحشر الوحوش والطيور والبهائم، وهي غير مكلفة كالإنسان؟
وجها إبطال الشبهة:
1) الحشر هو سوق الخلائق إلى الموقف لفصل القضاء، ولا فرق فيه بين من يعقل ويجازى، وهم الإنس والجن المكلفون، ومن لا يعقل ولا يجازى، كالحيوان وجميع ما لا يعقل،وذلك لتحقيق غاية العدالة التي لم تتحقق في الدنيا.
2) للخالق - عز وجل - أن يفعل ما يشاء، كيفما يشاء ولا يسأل عما يفعل، وهم يسألون.
التفصيل:
أولا. مفهوم الحشر وغايته:
1. مفهوم الحشر:
الحشر لغة: الجمع، وشرعا: سوق الخلائق إلى الموقف لفصل القضاء، ولا فرق فيه بين من يعقل ويجازى، وهم الإنس والجن المكلفون، ومن لا يعقل ولا يجازى، كالحيوان وجميع ما لا يعقل. فالحشر يتناول كل شيء، لا فرق بين عاقل وغيره، أو صغير أو كبير حتى السقط، فكل المخلوقات في ذلك اليوم - يوم الحشر - تجمع في ساحة العرض والحساب، قال سبحانه وتعالى: )ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا (47)( (الكهف). وقد بين - سبحانه وتعالى - في موضع آخر أن الحشر شامل للعقلاء وغيرهم من أجناس المخلوقات في قوله سبحانه وتعالى: )وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون (38)( (الأنعام) [1].
يقول القرطبي في سياق تفسيره لهذه الآية: قوله سبحانه وتعالى: )ثم إلى ربهم يحشرون (38)( (الأنعام) أي: للجزاء، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء[2] من الشاة القرناء»[3].
ودل بهذا على أن البهائم تحشر يوم القيامة، وهذا قول أبي ذر وأبي هريرة والحسن وغيرهم، وجاء عن ابن عباس: حشر الدواب والطير موتها، وقاله الضحاك، والأول أصح؛ لظاهر الآية والخبـر الصحيـح، وفي التنزيـل: )وإذا الوحـوش حشــرت (5)( (التكوير) [4].
2. غاية الحشر:
يحشر الله الوحوش وغيرها مما لا يعقل حتى يقتص لبعضها من بعض، وذلك لتحقيق غاية العدالة والقصاص العادل الذي لم يتحقق في الدنيا؛ فعن ابن عباس قال: "تحشر الوحوش غدا (يوم القيامة)؛ أي: تبعث وتجمع حتى يقتص لبعضها من بعض، فيقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، ثم يقال لها كوني ترابا، فتموت"، كما روي عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: "إذا كان يوم القيامة، مد الأديم، وحشر الدواب والبهائم والوحش، ثم يحصل القصاص بين الدواب، يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء نطحتها، فإذا فرغ من القصاص بين الدواب، قال لها: كوني ترابا، قال: فعند ذلك يقول الكافر: )يا ليتني كنت ترابا (40)( (النبأ) [5].
ويتضح مما سبق كله أن حشر البهائم والوحوش أمر ممكن لتحقيق العدالة الإلهية المطلقة التي تشمل كل شيء في الوجود، حيث يقتص من كل ظالم ومعتد، مهما كان أمره؛ ليتحقق موعود الله سبحانه وتعالى: )اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب (17)( (غافر)، فإذا ما تم القصاص عادت تلك الكائنات إلى الموت من جديد بعدما تحقق الهدف من بعثها وإحيائها، وهذا الحشر لتحقيق الغاية المشار إليها، وهي العدالة والقصاص العادل الذي لم يتحقق في الدنيا، وحانت لحظة تحققه في الدار الآخرة: )ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين (47)( (الأنبياء).
عدل ما أعظمه وقسط ما أوسعه!! فهو يسع جميع المخلوقات، وتلك حقيقة تبعث في النفس طمأنينة وراحة، وتوجد نفوسا صحيحة خالية من الهموم والأحزان؛ لأنها تعلم جيدا أن حقها المسلوب مردود إليها لا محالة، فإن كان هذا شأن الوحوش وغيرها مما لا يعقل، فالأمر أوجب وأدعى في الإنسان.
ثانيا. الله يفعل ما يشاء، ولا ينبغي لأحد أن يسأله عن فعله:
الله - عز وجل - قادر على كل شيء، فهو يفعل ما يشاء، ولا يسأل عما يفعل، وهم يسألون، فإذا حشر من لا عقل له أو من له عقل فإن ذلك سواء عنده سبحانه وتعالى؛ فالكل خلقه، وهو سبحانه يتصرف فيهم بما شاء كيفما شاء، وهذا معنى الإسلام الذي يعني الاستسلام التام لله تعالى بكل أمر ونهي، والتصديق الجازم لكل خبر، فإذا كانت العقول والجوارح لا تدرك بعض الأشياء المحسوسة؛ كالكهرباء، فمن باب أولى ألا تدرك حسابا وعقابا، وحشرا وبعثا، ونعيما وعذابا؛ لذا وجب التسليم، والإيمان بما أخبر به الله - سبحانه وتعالى - وأخبرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم؛ لأن العقول الإنسانية قاصرة عن إدراك الحقائق الإلهية الغيبية.
ثم إنه تعالى قد ينشئ للوحوش عقلا يوم القيامة، كما يفعل تعالى مع أهل الفترة، ومع من جاءته الرسالة وهو مجنون لا يعقل، فيقول: يا رب لم أعقل، فيعد لهم الله تعالى اختبارا، ويوقد له نارا، ويعد له جنة، ثم يقول تعالى له: ادخل النار فإن دخلها واستجاب للأمر الإلهي وجدها بردا وسلاما، وإن عصى ولم يدخل، فقد اعترض على أمر الله ولم يرض بأمره، ومن ثم يحق عليه العذاب، وهذا عدل إلهي لا يضاهيه عدل.
الخلاصة:
· الحشر هو سوق الخلائق إلى الموقف لفصل القضاء، ولا فرق فيه بين من يجازى - وهم الإنس والجن المكلفون - بالثواب والعقاب، ومن لا يجازى كالحيوان وجميع من لا يعقل، فالحشر شامل للعقلاء وغيرهم من أجناس المخلوقات وغايته تحقيق العدالة الإلهية المطلقة التي تشمل كل شيء في الوجود؛ حيث يقتص من كل ظالم ومعتد مهما كان أمره.
· قدرة الله - عز وجل - مطلقة لا تحدها حدود، ولا تقيدها قيود، فهو قادر على أن يفعل كل شيء كيفما يشاء، وليس لأحد أن يسأله عن شيء.
(*) العقيدة في الله، د. عمر سليمان الأشقر، دار السلام، مصر، دار النفائس، الأردن، 1426هـ/ 2005م.