ادعاء أن اللعنة حلت على آدم وحواء بخروجهما من الجنة(*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المشككين أن اللعنة التي حلت على إبليس وتسببت في طرده من رحمة الله - هي اللعنة نفسها التي حلت على آدم وحواء وتسببت في إخراجهما من الجنة وهبوطهما إلى الأرض، ولو أن اللعنة لم تحل عليهما لبقيا في الجنة.
وجوه إبطال الشبهة:
1) الله - عز وجل - خلق إبليس لطاعته وعبادته، وكان في منزلة رفيعة شريفة بين الجن ينعم فيها برضا ربه عليه، فعندما عصى واستكبر استحق الطرد من رحمة الله.
2) عصيان آدم وحواء كان نتيجة ضعف بشري وتغرير من الشيطان ومخادعة وتزيين منه، ثم تابا فتقبل الله منهما، أما إبليس فلم يتب، ولو تاب لتاب الله عليه.
3) هبوط آدم وحواء إلى الأرض كان لحكمة الاستخلاف التي أخبر الله بها ملائكته قبل خلق آدم، ولم يكن عقوبة لهما؛ بدليل أن الله تعالى أهبطه إلى الأرض بعد أن تاب عليه.
التفصيل:
أولا. لعنة الله إبليس وطرده من رحمته:
إبليس خلق لطاعة الله وامتثال أوامره وعبادته، ولم يخلق لمعصيته ومعاندته، كما أنه لم يخلق كذلك للإفساد بين العباد، ثم إن مسألة سجوده لآدم - عليه السلام - أو عدم سجوده له كانت باختيار مطلق جبله الله عليه، ولكنه تكبر على أن يطيع أوامر مولاه وخالقه فيسجد - امتثالا وخضوعا له - لعبده آدم، فقال: أنا خير منه، وكيف يسجد الأفضل للمفضول؟! هذا ما ظنه، وهو قائم على اعتقاد خاطيء عنده أن النار أفضل وأشرف من الطين! ولا مجال للمقارنة بين الاثنين؛ فلا النار أفضل من الطين، ولا الطين أفضل من النار على وجه العموم، وأما على وجه الخصوص، فكلاهما فاضل في أداء مهمته التي خلقه الله من أجلها.
لقد كان إبليس في منزلة رفيعة شريفة في الجن، ينعم فيها برضا ربه عليه، ولكنه عصاه وتكبر وذهب مغاضبا، لحسده آدم وكبره في نفسه، وهذه الآفات لا ينبغي أن تكون في عباد الله المتقين، ومن يقترفها وجب أن يخرج من رضا الله إلى سخطه، ومن جنته إلى عذابه، وصدق الله - عز وجل - إذ يقول:«الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن ينازعني واحدة منهما ألقيته في جهنم»[1].
فما ينبغي لمخلوق - مهما علا قدره - أن يتكبر، وكفى المخلوقات جميعها عجزا ونقصا أنها مخلوقات، أي لم تخلق نفسها، وعليه لن ترزق نفسها، بل ولا تملك من أمرها شيئا، فكيف تتكبر وتتعاظم؟ وعلى أي شيء تفعل ذلك؟
قال سبحانه وتعالى: )قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين (13)( (الأعراف)، فكبره أخرجه وحوله من منزلة المكرمين إلى درجة الأذلاء المحتقرين. وهذا شأن كل عصيان لله - عز وجل - يهبط بالمرء من أعلى الدرجات إلى أسفل الدركات، فلينتبه العصاة، وعلى رأسهم المتكبرون، ولا أحد يدري في أي معصية يهبط، والمعصوم محمد - صلى الله عليه وسلم - يخبرنا بذلك فيقول: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفع الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم»[2].
وكان لإبليس فرصة بعد أخرى ليتوب إلى ربه، ويعود إلى كنف طاعته، إلا أن كبره منعه فاستحق الطرد من رحمة الله[3].
ثانيا. عصيان ثم استغفار وتوبة:
عصيان آدم وحواء جاء نتيجة ضعف بشري وتغرير شيطاني ومخادعة وتزيين وصلت إلى حد قسمه لهما بأنه لهما من الناصحين - وهما يظنان أنه لا يقسم أحد كذبا - ومازال إبليس بهما حتى لانا وتناولا من الثمار التي حرمها الله عليهما فأكلاها، وسرعان ما تابا واعترفا بذنبهما، فتاب الله عليهما يقول سبحانه وتعالى: )ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين (19) فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين (20) وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين (21) فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين (22) قالا ربنا ظلمنا أنفسنـا وإن لـم تغفر لنـا وترحمنـا لنكونـن مـن الخاسريـن (23)( (الأعراف)، ويقول سبحانه وتعالى: )فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم (37)( (البقرة).
ومن الجدير بالذكر أنه كان لإبليس فرصة بعد أخرى ليتوب إلى ربه، ويعود إلى كنف طاعته، إلا أن كبره منعه، في حين سأل آدم ربه التوبة بعد أن عصاه فتاب عليه، وهنا ينبغي بيان أن آدم وإبليس كانت لديهما فرصة متساوية للتوبة والإنابة، فتاب آدم وحواء، ولم يمنع الله إبليس من التوبة، ولو تاب لتاب عليه، ولكنه آثر الهوى والكبر ولعبت به شهوات نفسه؛ فلج في عناده، وبدلا من أن يتوب قال لربه )قال أنظرني إلى يوم يبعثون (14) قال إنك من المنظرين (15) قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم (16) ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (17)( (الأعراف).
ويروى أنه قيل لإبليس بعد موت آدم عليه السلام: تب، فقال: وكيف ذلك؟ فقيل له: تسجد لقبر آدم، فقال: لم أسجد له حيا أفأسجد له ميتا[4]؟
ثالثا. هبوط آدم وحواء إلى الأرض كان لحكمة الاستخلاف في الأرض وليس عقوبة:
لقد تحققت بهبوط آدم وحواء حكمة الاستخلاف في الأرض، فقد أخبر الله ملائكته قبل خلق آدم باستخلافه إياه فقال سبحانه وتعالى: )وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون (30)( (البقرة)، وخلق آدم ليكون خليفة الله في أرضه، عليها يحيا وفيها يكدح، ويسعى ويموت، ومنها يبعث بعد ذلك.
ولقد كانت سكناه في الجنة فترة تكريم له، ونكاية في إبليس الذي حاول الغض من شأنه، والحط من قدره، ولم يكن إخراجه من الجنة - كما يقول العلماء - عقوبة له؛ لأن الله - عز وجل - أهبطه بعد أن تاب عليه، لقد ندم آدم على زلته، وكان ندمه هو طريق توبته، وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: «الندم توبة»[5].
وفيما يرويه ابن كثير عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال آدم عليه السلام: أرأيت يا رب إن تبت ورجعت أعاد إلى الجنة؟ قال: نعم. فذلك قوله سبحانه وتعالى: )فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم (37) قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (38) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (39)( (البقرة)" [6].
الخلاصة:
· الله - عز وجل - خلق إبليس لطاعته وامتثال أوامره، لا لمعصيته ومعاندته، فلما تكبر وعصى أخرجه - عز وجل - من رحمته وحوله من منزلة المكرمين إلى درجة الأذلاء المحتقرين.
· عصيان آدم وحواء جاء نتيجة ضعف بشري، وتغرير شيطاني، ومخادعة وتزيين، وسرعان ما تابا عن خطيئتهما، فتاب الله عليهما.
· هبوط آدم وحواء كان لحكمة الاستخلاف في الأرض التي أخبر بها الله ملائكته قبل خلق آدم عليه السلام، ولم يكن إخراجهما من الجنة عقوبة لهما، لأن الله اهبطه بعد أن تاب عليهما وقبل توبتهما.
(*) إبليس في التصور الإسلامي، إمام حنفي سيد عبد الله، دار الآفاق العربية، مصر، ط1، 1421هـ/2001م. سلسلة القصص القرآني: آدم عليه السلام، د. حمزة النشرتي، مؤسسة الأهرام، القاهرة، د. ت.