توهم عدم مطابقة القرآن الكريم بين النعت والمنعوت في العدد(*)
مضمون الشبهة:
يزعم بعض المشككين أن القرآن الكريم جانب الصواب في عدم المطابقة بين النعت والمنعوت في قوله عز وجل: )قال فما بال القرون الأولى (51)( (طه)**؛ حيث جاءت كلمة "الأولى" - مؤنث الأول - وصفا لكلمة "القرون" الجمع، ويتساءلون: ألا يعد ذلك خطأ في المطابقة بين النعت ومنعوته؟!
وجه إبطال الشبهة:
الأصل في اللغة وقواعدها أن يطابق النعت المفرد منعوته في النوع: التذكير والتأنيث، وفي العدد: المفرد أو المثنى أو الجمع، وغير المتدبر للغة القرآن والذي لم يفهم قواعدها النحوية يظن في قوله عز وجل: )قال فما بال القرون الأولى(، عدم تطابق بين النعت ومنعوته؛ حيث إن النعت جاء مفردا مؤنثا، في حين أن المنعوت جاء جمعا لمفرد مذكر، وهذا يخالف قواعد اللغة، والصواب في زعمهم أن يقال: "القرون الأوائل"؛ حتى يطابق النعت منعوته في نوعه وعدده.
وهذا الزعم مردود عليه بما يأتي:
ما يراه أهل اللغة من أن المنعوت إذا جاء جمع تكسير لغير العاقل - كما في الآية الكريمة - جاز في نعته المطابقة في العدد أو عدم المطابقة، فيجوز أن يقال: "القرون الأولى"، أو "القرون الأوليات"، أو "القرون الأوائل" على حد سواء؛ ومن ثم فلا وجود للخطأ في القرآن الكريم.
التفصيل:
يرى أهل اللغة أن المنعوت إذا جاء جمع تكسير لغير العاقل جاز في نعته المطابقة في العدد أو عدم المطابقة[1]، وهذا ما جاء في الآية الكريمة التي معنا؛ حيث جاء المنعوت "القرون" جمع تكسير لغير العاقل، فيجوز أن يجيء نعته مفردا؛ كما ذكر في الآية الكريمة: )القرون الأولى(، وجاز أن يجيء جمعا: "القرون الأوليات"، وهذا من الأمور الشائعة في الاستعمال اللغوي، فيجوز أن نقول: "هذه جبال عاليات"، مطابقين العدد، ويجوز أن نقول: "هذه جبال عالية" بغير مطابقة.
واستخدم القرآن الكريم كلا الأسلوبين في قوله عز وجل: )وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة( (البقرة: ٨٠)؛ حيث جاء النعت مخالفا للمنعوت في العدد، وجاء مطابقا له في قوله: )واذكروا الله في أيام معدودات( (البقرة: ٢٠٣)، ومن ثم فلا يوجد في قوله سبحانه وتعالى: )القرون الأولى( أية مخالفة للقواعد النحوية؛ لأن مجيء النعت مفردا إذا كان المنعوت جمع تكسير لغير العاقل من الأمور الجائزة والشائعة في الاستعمال اللغوي.
الأسرار البلاغية في الآية الكريمة:
· إن أول ما يلاحظ في هذه الآية الكريمة: )قال فما بال القرون الأولى( (طه) هو الإيجاز بالحذف، وهو من الأساليب البلاغية عند العرب، حيث لم يذكر المتكلم والمخاطب في أول الآية، واكتفى بقوله: قال؛ وذلك لدلالة السياق عليهما، فلم يقل مثلا: "قال فرعون لموسى"، ولا شك أن الإيجاز من الأساليب البلاغية البديعة في لغة العرب.
· أما كلمة "بال" هنا فهي كلمة دقيقة المعنى، تطلق على الحال المبهم، ومصدره: البالة - بفتح اللام مخففة - وإيثار هذه الكلمة هنا من دقيق الخصائص البلاغية[2]؛ حيث جمعت هذه الكلمة كل ما يخص الأمم السابقة من أعمال وأحوال في الدنيا، وكذلك مصائرهم وما آلوا إليه بعد هلاكهم.
· وفي الآية إنشاء طلبي نوعه الاستفهام؛ فقد سأل فرعون عن أمر مغيب، مهما أخبر به يمكنه إنكاره قصدا للمغالطة؛ لذلك لم يجبه موسى عليه إلا بقوله: )قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى (52)( (طه) [3].
· "الهاء" في قوله: "علمها" كناية عن يوم القيامة؛ لأنه سأله عن بعث الأمم، فأجابه بذلك.
وهكذا يتبين لنا مدى دقة القرآن الكريم في تعبيره عن المعنى، ومن ثم فلا وجه لمن يتوهم وجود الخطأ اللغوي في القرآن الكريم.
(*). www.Marefa.org
[1]. دور التوابع في الجملة: فهم وتحليل، د. أحمد كشك، دار الهاني للطباعة، القاهرة، د. ت، ص24.
[2]. التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج8، ج16، ص235 بتصرف يسير.
[3]. البديع في ضوء أساليب القرآن، د. عبد الفتاح لاشين، دار الفكر، القاهرة، 1422هـ/ 2001م، ص125.
husband cheat
online online affair
My girlfriend cheated on me
find an affair signs of unfaithful husband