إنكار القصص القرآني بدعوى تناقضه مع نصوص الكتاب المقدس(*)
مضمون الشبهة:
ينكر بعض المشككين كثيرا مما ورد في القرآن الكريم من قصص؛ بدعوى أنها تتناقض مع نصوص الكتاب المقدس، ويمثلون لهذا بما جاء في القرآن الكريم من:
· تعليم الغراب لقابيل كيف يواري سوءة أخيه.
· رفض أحد أبناء نوح - عليه السلام - الركوب معه في السفينة.
· استقرار سفينة نوح - عليه السلام - على جبل الجودي.
· نسب إبراهيم - عليه السلام - إلى آزر، وعدة أبنائه اثنان، ومعيشة نسله في مكة، وعدد زوجاته اثنتان، وبناؤه للكعبة.
· تبني زوجة فرعون لموسى عليه السلام.
· معيشة هامان في مصر.
· أخوة هارون لمريم عليهما السلام.
· ولادة مريم لعيسى - عليه السلام - تحت جذع النخلة، وتكلمه في المهد، وإجراء المعجزات على يديه.
· عدد الأيام التي صامها زكريا - عليه السلام - عن الكلام ثلاثة أيام.
في حين لم تذكر التوراة، قصة تعليم الغراب لقابيل، كما لم تذكر قصة بناء إبراهيم الكعبة، وقصة ابن نوح الهالك غرقا، وحدث كلام عيسى وإجراء المعجزات على يديه في المهد.
وتذكر التوراة أن الجبل الذي استقرت سفينة نوح عليه جبل " أراراط "، وأن أبا إبراهيم هو تارح، وعدة أبنائه ثمانية، وأن ذريته عاشت في حيرون، وأن لإبراهيم ثلاث زوجات، وأن التي تبنت موسى هي ابنة فرعون، وأن هامان عاش في بلاد فارس، وأن هارون عاش قبل مريم بـ 1300 عام، وأن مريم ولدت المسيح في مزود البقر، وأن زكريا لم يتكلم حتى ولد الطفل يحيى، أي عدة تسعة أشهر، ويستدلون بذلك على أن القرآن الكريم ليس من عند الله؛ ما دام فيه مثل هذا الخطأ وهذا التناقض مع الكتاب المقدس.
وجوه إبطال الشبهة:
1) تفرد القرآن الكريم بما لم يذكر في الكتاب المقدس يعتبر حجة للقرآن الكريم، وليس حجة عليه، ومما تفرد القرآن بذكره، ما جاء من تفاصيل عن قصة هابيل وقابيل، وذكره قصة ابن نوح الهالك، وقصة بناء إبراهيم الكعبة، ومعجزة كلام عيسى - عليه السلام - في المهد.
2) لا تناقض بين القرآن والتوراة التي نزلت على موسى دون تحريف أو تزييف في كثير من الأمثلة التي ساقها المنكرون، فالتناقض هو إثبات الشيء ونفيه في آن واحد، وهذا ما لم نجده بين النصوص في الكتابين، ومن ذلك ما يتصل باسم الجبل الذي رست عليه سفينة نوح، وما يتعلق باسم والد إبراهيم عليه السلام، وما يتعلق بعدد زوجات إبراهيم عليه السلام، وما يتعلق بقضية تبني موسى عليه السلام، وما يتعلق بالمكان الذي عاش فيه هامان زمن موسى عليه السلام، وما يتعلق بهارون أخي مريم عليهما السلام، وما يتعلق بالمكان الذي وضعت فيه مريم عليها السلام.
3) يتضح بالمقارنة بين النصوص الواردة في القرآن، وفي الكتاب المقدس، صدق القرآن ونزاهته ودقته وإحكامه؛ وذلك لموافقته للمنطق ومطابقته للواقع، ونرى ذلك في ذكر عدد أولاد إبراهيم عليه السلام، وعدد الأيام التي صامها زكريا عليه السلام، والمكان الذي عاشت فيه ذرية إبراهيم عليه السلام.
4) وما ورد من تشابه في القصص بين الكتابين الكريمين، يدل على أن مصدرها واحد والغاية منهما واحدة، ولا يدل على اقتباس القرآن قصصه من التوارة.
التفصيل:
أولا. تفرد القرآن الكريم بما لم يذكر في الكتاب المقدس، حجة له لا عليه:
إن عدم ذكر الكتاب المقدس لقصة تفرد بذكرها القرآن الكريم لا يعني عدم وقوعها أو عدم صحتها، بل لا يدعي ذلك علماء التاريخ أنفسهم؛ لأن المؤرخين لا يزعمون أن التاريخ الذي دونوه عن الإنسانية، وعن الكون حوى كل شيء حتى يزعموا أن ما لم يذكروه لا وجود له، وهكذا الأمر بالنسبة للكتاب المقدس، فلا يستطيع عاقل أن يحكم بأنه يتضمن كل أخبار الكون والإنسان حتى ينتفى كل حديث، وكل قضية لم تذكر فيه.
بل إن تفرد القرآن الكريم بقصة لم تذكر في الكتاب المقدس، يعتبر حجة للقرآن الكريم، وليس حجة عليه؛ لأن هذا ينفي أن يكون القرآن مقتبسا من الكتاب المقدس، كما يزعمون، ويثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلقاه من لدن حكيم عليم، ومما تفرد القرآن بذكره ما يأتي:
· يذكر الشيخ عبد الوهاب النجار في كتابه قصص الأنبياء أن قصة هابيل وقابيل، ذكرت في التوراة، وهي لا تخالف ما جاء في القرآن تقريبا. وتفرد القرآن الكريم ببعض تفاصيلها يكون حجة للقرآن، ولصدق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن كل عاقل يلح عليه سؤال آنذاك: من أين تعلم النبي ذلك ولم يعرف عن أي مصدر سبقه.
· أما ذكر التوراة أن أبناء نوح الثلاثة ركبوا في السفينة، وعدم ذكرها لقصة ابن نوح الهالك غرقا، وهي القصة التي تفرد بها القرآن الكريم، فليس ذلك حجة لصحة الكتاب المقدس، ولا حجة على عدم صحة القرآن الكريم، ولا حجة كذلك على تناقض الكتابين في هذه المسألة. إن سلمنا بصحة ما جاء في الكتاب المقدس، فيحتمل أن يكون لنوح ابن رابع غير الثلاثة المذكورين في التوراة الذين ركبوا في السفينة إذ لم تنف التوراة وجود ابن رابع.
كذلك يتفق ما جاء به القرآن مع منطق الهداية الذي جاء به الرسل، ومن بينهم نوح - عليه السلام - فالانتماء إيمان، وعمل قبل أن يكون انتماء نسب، ولا جدوى لانتماء النسب إذا لم يكن مشفوعا بانتماء الإيمان والعمل الصالح، وهو درس يلقنه الله - عز وجل - للإنسانية جمعاء حتى لا تكون محاباة على حساب الحق، فقال سبحانه وتعالى: )قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين (46)( (هود)، وقال سبحانه وتعالى: )لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم( (المجادلة: 22).
· عدم ذكر قصة بناء الكعبة في التوراة ليس حجة، بل هذا أمر متوقع من قوم، هم اليهود؛ إذ تدور التوراة التي ألفوها حول إعادة بناء مجد بني إسرائيل الزائل، وقصر كل فضل عن الأمم الأخرى وخاصة العرب وتجريدهم من كل فضل.
وليس بعد خبر القرآن الكريم عن الكعبة ومن بناها خبر يعتد به، حيث تواترت الأخبار على مر الأجيال بنسبة الكعبة إلى بانيها إبراهيم وابنه إسماعيل - عليهما السلام - كتواتر البلاد والبقاع، والتواتر حجة قطعية لا تقبل الشك، والتوراة تشير إلى رحلة إبراهيم نحو الجنوب، وهي إشارة إلى الجزيرة العربية حيث بلد البيت الحرام.
· إن عدم ذكر الأناجيل ما جاء في القرآن الكريم من كلام عيسى - عليه السلام - في المهد لا يدل على صحة الأناجيل، وعدم صدق القرآن، بل العكس هو الصحيح، فإن ذلك يدل على صدق القرآن الكريم، وعدم صدق الأناجيل، فقد جاء في القرآن ما لم يأت في الأناجيل، فكانت الأناجيل ناقصة والقرآن كاملا.
والقرآن الكريم ينص على أن عيسى - عليه السلام - تكلم في المهد، تبرئة لأمه، وإخبارا بمستقبل أمره، قال سبحانه وتعالى: )فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا (29) قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا (30) وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا (31) وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا (32) والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا (33) ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون (34)( (مريم).
ولم ينص القرآن الكريم على معجزات حدثت لعيسى - عليه السلام - في طفولته، والمعجزة لا تحدث على يد النبي إلا مصحوبة بدعوى النبوة، وما يحدث للنبي قبل نبوته من خوارق يسمى: إرهاصا وليس معجزات، وعلى كل فليس في القرآن نص على أن الخوارق التي ذكرتها الآيات القرآنية كانت في طفولته، بل الأقرب إلى الصواب أنها حدثت في أثناء قيامه بالدعوة إلى بني إسرائيل، قال سبحانه وتعالى: )ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين (49) ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون (50) إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم (51) فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون (52)( (آل عمران).
فيفهم من الآيات السابقة أن عيسى - عليه السلام - يخاطب بني إسرائيل برسالته، مستدلا بالآيات التي أجراها الله على يديه أمامهم تصديقا له في دعواه النبوة، فاختلفوا بين مصدق ومكذب.
ثانيا. لا تناقض بين القرآن الكريم والكتاب المقدس في بعض ما ذكر فيهما، إذ التناقض: هو إثبات الشيء ونفيه في آن واحد، وهذا لم يحدث بين الكتابين في غالب أحوالهما:
إن هذا الذي يزعم التناقض بين الكتاب المقدس والقرآن الكريم - استنادا إلى قصص ذكرت في القرآن ولم تذكر في الكتاب المقدس - لا يفهم معنى التناقض، فالتناقض إثبات الشيء ونفيه في آن واحد. فلو نفى الكتاب المقدس شيئا، وأثبته القرآن الكريم، لقلنا إن هذا تناقض فلا يثبتان معا ولا ينتفيان معا، بل لا بد أن يثبت أحدهما وينقض الآخر، أما أن يسكت أحد الكتابين عن أمر ويذكره الآخر، فلا يسمى ذلك تناقضا، ومن تلك النصوص ما يأتي:
· ما يتصل باسم الجبل الذي استقرت عليه سفينة نوح، فلا مانع أن يكون للجبل اسمان، يسمى في التوراة بأحدهما وهو (أراراط)، وفي القرآن الكريم بآخر وهو (الجودي)، وقد يكون الاسمان أطلقا على الجبل في فترتين متعاقبتين، وهذا مألوف في إطلاقات الأسماء المختلفة على الشيء الواحد الذي تمضي عليه مئات السنين، فربما كان في عهد تأليف التوراة يسمى باسم (أراراط) وفي عهد نزول القرآن يسمى بـ (الجودي)، هذا بالطبع على فرض تسليم صحة ما في التوراة.
وقد يكون الجودي الذي ذكر في القرآن الكريم جبل من جبال أراراط المذكورة في التوراة، فهي تنص على أن الفلك استقرت على جبال أراراط: "ورجعت المياه عن الأرض رجوعا متواليا. وبعد مئة وخمسين يوما نقصت المياه، واستقر الفلك في الشهر السابع، في اليوم السابع عشر من الشهر، على جبال أراراط". (التكوين 8: 3، 4)، وهو تعبير غير دقيق؛ إذ إن السفينة استقرت على جبل واحد، وليس على جبال متعددة، هذا هو الأقرب إلى الواقع، وهو ما جاء في القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى: )وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين (44)( (هود).
· ما يتعلق باسم أبي إبراهيم - عليه السلام - الذي ذكر في التوراة أنه "تارح" وفي القرآن الكريم أنه "آزر" - على فرض صحة ما جاء في التوراة - لا منافاة بين الأمرين، فيحتمل أن يسمى بالاسمين، أو أن أحدهما اسم والآخر لقب، أو وصف بمعنى: القوة، ويؤيد الأخير أن "آزر" من "الأزر" أي: النصر والقوة، ومنه الوزير أي: المعين، وهي كذلك في اللغات السامية التي منها لغة إبراهيم، ومن ذلك عازر وعزير وعازر في العبرية.
ومن العلماء من يرى أنه اسم صنم كان يعبده تلوح والد إبراهيم، وهو قول مجاهد ورجحه الشيخ عبد الوهاب النجار، مستأنسا بوجود آلهة المصريين القديمة باسم "أزوريس" ومعناه: الإله القوي المعين، وقد كانت الأمم السابقة يقلد بعضهم بعضا في أسماء الآلهة[1].
· لم يحدد القرآن الكريم أن لإبراهيم عليه السلام - زوجتين، والقرآن الكريم الذي جاء لهداية البشر ما كان يعنيه ذكر هذه التفاصيل المملة، التي جاءت في التوراة، ولكنه أشار إلى أم إسماعيل وإلى أم إسحاق، ووجود من عداهما من زوجات أو سراري (ملك يمين) أمر مسكوت عنه في القرآن الكريم، وهو أمر يحتمل الصدق والكذب، وقد يصح ما جاء في التوراة من وجود زوجة ثالثة، وقد لا يصح، وقد يكون له من السراري واحدة أو أكثر.
لم يذكر القرآن الكريم في قصة موسى - عليه السلام - تبنيا له - عليه السلام - من قبل امرأة فرعون أو ابنته، ولكنه قال: )فالتقطه آل فرعون( (القصص: 8)، وقال تعالى أيضا: )وقالت امرأت فرعون قرت عين لي ولك( (القصص: 9).
وما جاء في القرآن الكريم هو ما يتفق مع الواقع، فالتقاط موسى يأتي من قبل آل فرعون، أمر متوقع، فهم يسعون في خدمة القصر وقاطنيه، وطلب امرأة فرعون من زوجها أن يكون لها قرة عين، وألا يقتلوه أمر متوقع، فهي التي تقاسمه الحياة والولد، ولعلهما لم ينجبا فيكون هذا الوليد عوضا عما افتقداه.
· يفهم من آيات القرآن الكريم أن هامان كان وزيرا لفرعون موسى بمصر، قال سبحانه وتعالى: )فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا( (القصص: 38)، وقال سبحانه وتعالى: )وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا( (غافر: 36)، وأن موسى - عليه السلام - أرسل رسولا إلى فرعون وهامان وقارون ثلاثتهم، ورءوس الكفر في عصره، وقال سبحانه وتعالى: )ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين (23) إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب (24)( (غافر).
وإن صح ما ذكر في الكتاب المقدس، فيحمل على أن هامان شخص آخر في أمة أخرى، وكم من اسم في أمة واحدة أو في أمم كثيرة، يتكرر لأشخاص كثيرين.
· وما جاء في سورة مريم حكاية عن قومها مخاطبين لها قائلين: )يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا (28)( (مريم)، يحتمل أن يكون هارون أخاها حقيقة، ويحتمل أن يكون هارون شخصا معاصرا لها معروفا بالعبادة والطهر والعفاف، ويحتمل أن يكون المراد بهارون أخا موسى - عليهما السلام - وعلى الاحتمالين الأخيرين يكون إطلاق "أخت" إطلاقا مجازيا، لشبهها في العفة والطهر، والتنسك، ذكر قتادة السهيلي أن هارون كان رجلا صالحا في بني إسرائيل مشهورا بالصلاح فشبهوها به، وليس بهارون أخي موسى، فإن بينهما أكثر من ألف عام[2].
· يقول الحق عز وجل: )فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة( (مريم: 23)، فمريم - عليها السلام - ألجأها المخاض إلى جذع النخلة؛ لتعتمد عليه أثناء ولادتها، حيث لم يكن معها أحد من النساء تعينها على الولادة، وبعد ولادتها لجأت إلى المذود الذي يتحدث الإنجيل عنه.
يقول الشيخ عبد الوهاب النجار: "إن وجود النخل ببيت لحم - وهي البلدة التي كانت بها مريم يوم ولادة المسيح - نادر، وقد رأيت بكنيسة بيت لحم المبنية على موضع ولادة المسيح مكانا قد قور[3] البلاط فيه، يقولون: إن في موضع هذا التقوير كانت النخلة التي ولدت عندها مريم، وهناك مذود الماشية[4] الذي وضعت طفلها فيه عقب ولادته" [5].
وهكذا نرى الطاعنين في القرآن الكريم من النصارى ينكرون ما يثبتونه ويحتفظون بآثاره، لا لشيء إلا لأنه ذكر في القرآن الكريم؛ ليكذبوا القرآن وما جاء فيه حتى ولو ثبت عندهم، فهل بعد هذا البهتان من بهتان؟! قال سبحانه وتعالى: )سبحانك هذا بهتان عظيم (16)( (النور).
ثالثا. بالمقارنة بين النصوص الواردة في القرآن الكريم والكتاب المقدس، نجد صدق القرآن ونزاهته ودقته وإحكامه، وذلك لموافقته للمنطق ومطابقته للواقع:
إن الأقرب إلى المنطق - وهو الذي يوافق الواقع - ما جاء في القرآن الكريم أن الله - عز وجل - رزق إبراهيم بإسماعيل على الرغم من تقدم سنه من زوجه هاجر، ورزقه من زوجه سارة - على الرغم من تقدمها في السن - بإسحاق، وقد عهدنا مثل هذه الخارقة في زكريا، حيث وهبه الله تعالى يحيى رغم تقدمه في السن وعقم زوجته، وتحققت المعجزة والبشري بواحد، فلم تكن هناك إلى حاجة أكثر من ذلك.
وما ذكر في التوراة يفسر على أنه خلط من واضعها بين أبناء إبراهيم وأحفاده، فأحفاد الرجل يوصفون بأنهم أبناؤه على اعتبار أنهم ينسبون إليه، قال سبحانه وتعالى: )فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب (71)( (هود)، على أن يعقوب هو ابن لإسحاق، ومثل هذه الآية قوله سبحانه وتعالى: )ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة( (الأنبياء: 72).
يذكر القرآن الكريم أن إبراهيم أودع وأسكن من ذريته عند البيت الحرام، إشارة على إسماعيل - عليه السلام - وهو معنى قوله سبحانه وتعالى: )من ذريتي( فلم يسكن ذريته كلها، ولكن منها: )عند بيتك المحرم( إشارة إلى مكة.
ولكن الإنجيل يتابع التوراة التي يعمد كتابها إلى تجريد العرب وجدهم إسماعيل من كل فضل، ونسبة كل منقبة [6] إلى بني إسرائيل، كما زعموا أن الذبيح هو إسحاق مناقضين بذلك نصوص التوراة نفسها.
على أن التوراة تحمل إشارة إلى ذهاب إبراهيم إلى مكة، حيث تذكر أن إبراهيم - عليه السلام - انتقل إلى أرض الجنوب[7].
· أما عن تحديد المدة التي صامها زكريا، فإن القرآن أصدق من غيره في ذلك، قال الله سبحانه وتعالى: )قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا( (آل عمران: 41)، وقال تعالى أيضا: )قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا (10)( (مريم)، ويجمع بين الآيتين أن الله تعالى طلب من زكريا - عليه السلام - في الآية الأولى ألا يكلم الناس ثلاثة أيام بلياليهن، وهي كافية في إقامة الآية على أن زوجه حامل، ولكن إمساكه عن الكلام لمدة تسعة أشهر، وهي فترة الحمل كلها يفوت مقاصد كثيرة، وهو الرسول الذي يقود قومه إلى دين الله، فهو بحاجة إلى مخاطبتهم ومخالطتهم، فإذا كانت المقاصد تتعطل بهذه المدة الطويلة، والمقصود من هذه الآية يتحقق بمدة أقل، فلم يمنعه الله هذه المدة الطويلة؟! إن هذه المقارنة تثبت للعاقل صدق القرآن وكذب الإنجيل.
رابعا. ما ورد من تشابه في قصص القرآن الكريم والتوراة، يدل على أن مصدرهما واحد، ولا يدل على اقتباس القرآن من التوراة:
الحق أنه ليس كل ما شابه الشيء مأخوذ منه، والقرآن جاء ليصحح أخطاء الكتب السابقة، ويمحو الخرافات والأساطير.
نعم، جاءت الدعوة الإسلامية مصححة لما جاء في الكتب السابقة، من الخرافات والأساطير، والقضاء على الوثنية والشرك، وتصليح مفهوم العبادة لله وحده لا شريك له، فاليهود قالوا: )عزير ابن الله( (التوبة: 30)، والنصارى قالوا: )المسيح ابن الله( بل قالوا: )إن الله هو المسيح ابن مريم( (المائدة: 17)، والكفار في مكة كانوا يعبدون الأصنام لتقربهم من الله زلفى[8]، فجاء القرآن ناسخا تلك العقائد الفاسدة، مثبتا عقيدة واحدة صحيحة، العقيدة التي جاءت بها التوراة التي نزلت على موسى - عليه السلام - عقيدة التوحيد الخالص لله وحده لا شريك له: )قل هو الله أحد (1) الله الصمد (2) لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفوا أحد (4)( (الإخلاص).
هذه هي العقيدة الصحيحة التي ينبغي أن يؤمن بها اليهود والنصارى والمسلمون، إذ إنه: )لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا( (الأنبياء: 22). وليس القرآن في حاجة إلى الاقتباس من أساطير وخرافات توراتية، كتبها كاتبو الكتاب المقدس، وما جاء القرآن إلا ليقضي عليها، والتشابه القائم بين بعض القصص في التوراة، وبين ما جاء في القرآن، لا يعني الأخذ من هذه الأساطير السابقة، فالله تعالى هو الذي أخبر بعض رسله السابقين، كموسى - عليه السلام - بما سيأتي في القرآن؛ لأن القرآن كلام الله، وكلام الله قديم.
إلا أن بعض الأتباع - أتباع التوراة - أدخلوا بمرور الزمن ما شاء لهم أن يدخلوه، وما سولته لهم أنفسهم من الخرافات والأساطير، وجاء القرآن لإزالتها وتصحيحها، ثم إننا نتساءل: هل كان محمد يجيد اللغات الأخرى، لكي يترجم عنها تلك القصص إلى اللغة العربية، وبهذا الأسلوب الذي تحدى به العرب، وهم - العرب - أساس اللغة العربية؟ ولو كان محمد - صلى الله عليه وسلم - قد أخذ أساطير التوراة وترجمها فكيف يشهد لها العرب أهل البيان واللغة؟
إن دعواكم ليس لها دليل، ولم تقم على برهان، وأولى بكم أن تسلموا القيادة للمسلمين وتتبعوهم، فاتباعهم فيه الرشاد والفلاح، وتركهم فيه الخسران المبين.
ثم إن مصدر التوراة والقرآن واحد، والغاية منهما واحدة، فتشابه القصص في القرآن والتوراة لأخذ العبرة لا مشاحة فيه.
فالله هو مصدر القصص التوراتي الصحيح، كما أنه تعالى مصدر القصص القرآني، فالقصص القرآني، والتوراتي من مصدر واحد، وكذلك الغاية الأساسية - وإن تعددت غايات القرآن وكثرت - واحدة.
فكل القصص قد تجتمع غايتها في العبرة وتثبيت قلوب الأنبياء وأتباعهم، وتثبيت العقائد الصحيحة، ونفى الخرافات التي دخلت على الكتب السماوية - قبل الإسلام - لعدم تدوين تلك الكتب لفترة طويلة بعد الرسل.
فالقرآن - مثلا - أتى بعد التوراة، وأقر ما فيها من عقائد صحيحة، ونفى كل ما نالها من التحريف والتبديل، وجاء يرسى دعائم الإيمان بالله، واليوم الآخر، والملائكة والكتب السماوية، والرسل، والقدر خيره وشره، وذلك بذكر أقوال المرسلين، وأفعالهم، ونبل سلوكهم، وسموهم في الخلق. )وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون (25)( (الأنبياء).
فهل يكون عيبا إذا تشابه بعض قصص التوراة، لا سيما والمصدر واحد، والغايات متشابهة، والله أرسل الرسل برسالاتهم لهدف واحد. )ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين (36)( (النحل)، فما الفرق بين رسالة موسى في غايتها والهدف منها، وبين رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - في النقطة نفسها؟
الخلاصة:
· عدم ذكر الكتاب المقدس لقصة تفرد بذكرها القرآن الكريم، لا يعني عدم صدق وقوع هذه القصة، وعدم صحتها، بل إن ذلك يعتبر حجة للقرآن الكريم، وليس حجة عليه، مثل تفصيل قصة قابيل وهابيل التي وردت في القرآن، وتعليم الغراب لقابيل كيف يواري سوءة أخيه، وقصة بناء سيدنا إبراهيم البيت الحرام، وقصة هلاك ابن نوح مع الهالكين عند الطوفان، وقصة تحدث المسيح وولادته تحت النخلة، كل هذه الأشياء لم يرد ذكرها إلا في القرآن، دلالة على شموله وسعته وتفصيله لكل ما سبق.
· لا تناقض بين القرآن، والكتاب المقدس، في كثير من الأمثلة التي ساقوها، فالتناقض يتطلب نفي الكتاب المقدس شيئا أثبته القرآن الكريم، وهذا ما لا نجده بين تلك النصوص.
· النصوص الواردة في القرآن الكريم هي الصدق كل الصدق، وذلك لقربها إلى المنطق، ومطابقتها للواقع.
· التشابه الموجود في بعض القصص في التوراة والقرآن يدل على أن مصدرهما واحد، وهو الله سبحانه وتعالى، ويدل كذلك على وضوح الغاية منهما، وهو العبرة والعظة، والتسلية للأنبياء بقص قصص من سبق عليهم، ولا يدل بحال من الأحوال على اقتباس القرآن قصصه من التوارة، لأن القرآن يخالف ما جاء في التوراة في كثير من التفاصيل، بل يرد ما وقع في التوراة من تحريف وتزييف للحقائق.
(*)www.islameview. Com.
[1]. قصص الأنبياء، عبد الوهاب النجار، مكتبة دار التراث، القاهرة، ط1، 1985م، ص94: 99 بتصرف.
[2]. صفوة التفاسير، محمد علي الصابوني، المطبعة العربية الحديثة، القاهرة، ج2، ص799 بتصرف.
[3]. قور الشيء: جعل في وسطه خرقا مستديرا.
[4]. مذود الماشية: المعلف، أو المكان الذي يوضع فيه العلف للماشية.
[5]. قصص الأنبياء، عبد الوهاب النجار، مكتبة دار التراث، القاهرة، ط1، 1985م، ص454، 455 بتصرف يسير.
[6]. المنقبة: الفضيلة.
[7]. قصص الأنبياء، عبد الوهاب النجار، مكتبة دار التراث، القاهرة، ط1، 1985م، ص131.
[8]. الزلفى: القربى والمنزلة.
open
online black women white men
go
link how long for viagra to work
why do wife cheat on husband
wife cheaters reasons why married men cheat