ادعاء أن التصوف الإسلامي مقتبس من المذاهب الروحانية الشرقية والفلسفات الأجنبية (*)
مضمون الشبهة:
أنكر بعض المستشرقين أصالة الحياة الروحية في الإسلام، وذلك التصوف الإسلامي السني الصحيح، وزعموا أن عامة ما عند صوفية المسلمين من ق وروحانيات إنما اقتبسوه من المذاهب الروحية الشرقية، سواء التي ترجع إلى الرهبانية النصرانية أو اليهودية، أو إلى الفلسفات الشرقية ممثلة في التصوف الهندي أو الغنوص الفارسي،[1] أو إلى عناصر أجنبية كالفلسفة اليونانية أو الأفلاطونية المحدثة[2]. ويرمون من وراء ذلك إلى سلب الإسلام أصالة من أصالاته التي يتميز بها.
وجوه إبطال الشبهة:
1)جميع تعريفات الصوفي والتصوف نفسه بتفسيراتها المختلفة - تدل على أن التصوف عربي المولد إسلامي النشأة.
2)إذا كان من طبائع الأمور أن الظواهر تفسر بعواملها القريبة، فإن المسلمين قد وجدوا في ظل الإسلام طريقا واضحا إلى حياة الزهد والروحانيات، وذلك بما تضمنه القرآن الكريم والسنة المطهرة من نصوص، وبما كانت عليه حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الزهد والتقشف وحياة الصحابة، فلا وجه للقول بتأثير الثقافات والفلسفات الخارجية، اللهم إلا إذا قصد بذلك التأثير على التصوف الفلسفي، الذي هو أجنبي خالص نشأة وصدورا.
3)جميع الدعاوي القائلة بتأثير الثقافات والفلسفات الخارجية دعاوي متهافتة[3]مدحوضة[4] بأدلة قاطعة، تكفي الإشارة إليها هنا عن ذكرها في مواضعها.
التفصيل:
أولا. الأصالة الإسلامية الخالصة للقب "الصوفي" ومصطلح "التصوف":
من الأخطاء التي وقع فيها كثير من المستشرقين: المغالاة في تطبيق المنهج المعترف به في البحث العلمي، وهو منهج التأثير والتأثر؛ فالأصل أن هذا المنهج سليم، بيد[5] أن الانحراف ينتج عن الغلو في تقدير قيمته، فيؤدي - فيما يخص تطبيقه على التراث الإسلامي - إلى إنكار أصالة التراث الإسلامي، بمحاولة إيجاد المؤثرات من المسيحية واليهودية والبوذية واليونانية وغيرها. لقد استخدموا هذا المنهج بطريقة مشابهة لقانون العلة والمعلول[6] في ميدان العلوم الطبيعية، ولكننا يجب إزاء بحثنا في مسائل الفكر والعقيدة أن نتثبت من وجود صلة تاريخية واضحة بين السابق واللاحق وأن نتأكد أيضا " من انتفاء كل ما عساه أن يمنع من تأثير اللاحق بالسابق"[7].
ولقد أغفل كثير من الباحثين المستشرقين في مجال التصوف الإسلامي - ذلك المنهج الذي يقف مانعا من تغلغل[8] تأثير أي ثقافة أخرى إلى داخله، ونقصد به منهج المطابقة مع تعاليم الكتاب والسنة، والتي كان يسير عليه أصحاب التصوف المستند إلى الكتاب والسنة أنفسهم، أو ما يمكن تسميتهم بأصحاب التصوف السني[9].
وقد أدى ذلك بالمستشرقين إلى قصور في إدراك طبيعة الحياة الروحية في الإسلام، فكان الخطأ في تفسير هذه الحياة وتحليلها، وإنكار أصالتها الإسلامية.
وسنحاول فيما يأتي تصحيح ما وقعوا فيه من خطأ، وإزالة ما وقعوا فيه من لبس أو اشتباه.
يكاد يجمع الباحثون على أن لفظ " التصوف" مشتق وليس جامدا، إلا أنهم اختلفوا في الأصل المشتق منه على أقوال كثيرة، ولقد شغلت هذه القضية الصوفيين أنفسهم منذ القدم، وفي ذلك يقول أبو نصر السراج الطوسي:
" إن سأل سائل فقال: قد نسبت أصحاب الحديث إلى الحديث، ونسبت الفقهاء إلى الفقه، فلم قلت: الصوفية ولم تنسبهم إلى حال ولا إلى علم؟ ولم تضف إليهم حالا كما أضفت الزهد إلى الزهاد، والتوكل إلى المتوكلين، والصبر إلى الصابرين؟ يقال له: لأن الصوفية لم ينفردوا من العلم بنوع دون نوع، ولم يترسموا[10] برسم من الأحوال والمقامات دون رسم، فلما كانوا في الحقيقة كذلك لم يكونوا مستحقين اسما دون اسم؛ فلأجل ذلك ما أضفت إليهم حالا دون حال، ولا أضفتهم إلى علم دون علم، فلما لم يكن ذلك نسبتهم إلى ظاهر اللبسة، لأن لبسة الصوف دأب[11] الأنبياء عليهم السلام"[12].
وقال الكلاباذي: "وقال قوم إنما سموا الصوفية للبسهم الصوف".
وقال: "ومن لبسهم وزيهم سموا صوفية؛ لأنهم لم يلبسوا لحظوظ النفس ما لان مسه وحسن مظهره، وإنما لبسوا لستر العورة، فتجزوا[13] بالخشن من الشعر، والغليظ من الصوف".
وقال أبو علي الروزباري، وسئل عن الصوفي، فقال: "من لبس الصوف على الصفاء، وأطعم الهوى ذوق الجفاء، وكانت الدنيا منه على القفا، وسلك منهاج المصطفى".
وبهذا يتضح أن الصوفية كثيرا ما ينسبون أنفسهم إلى الصوفية.
ونسبة الصوفي إلى الصوف صحيحة من حيث اللغة، يقال صاف الكبش: ظهر عليه الصوف، يصوف صوفا، فهو صوفي[14].
ويظهر أن هذا التفسير هو الصواب؛ لأنه صحيح من حيث اللغة، ولأنه ينطبق على واقع الصوفية في بداية نشأتهم، إذ كان الصوف هو اللبس الغالب على الزهاد والعباد[15].
وقد رجح ابن تيمية هذا التفسير بقوله: واسم الصوفية هو نسبة إلى لباس الصوف، وهو الصحيح؛ لأن لبس الصوف يكثر في الزهاد" [16].
ومن الصوفية من نسبهم إلى الصفاء، وفي ذلك يقول بشر بن الحارث: "الصوفي من صفا قلبه لله". وقال سهل بن عبد الله: "الصوفي من صفا من الكدر[17]، وامتلأ من الفكر، واستوى عنده الذهب والمدر".
ومنهم من نسبهم إلى الصف الأول، أو إلى أهل الصفة، أو إلى " آل صوفة" قبيلة من العرب كانوا يخدمون الكعبة ويجيزون الحاج، أو إلى صوفة القفا، وهي الشعيرات النابتة في مؤخرة الرأس في الرقبة، أو إلى الصوفانة، وهي نوع من البقل[18].
وتتفق هذه التفسيرات في أنها غير صحيحة من الناحية اللغوية؛ لأن النسبة لو كانت إلى الصفاء لقيل: صفوي أو صفائي؛ ولو كانت إلى الصف الأول لقيل صفي؛ ولو كانت إلى أهل الصفة لقيل صفي[19].
وأما صوفة القفا، وهي الشعيرات النابتة في مؤخرة الرأس، فلا وجه لها[20].
ويعترض ابن تيمية على ربط مصطلح الصوفية باسم رجل أو قبيلة معروفة في الجاهلية اعتراضا تاريخيا منهجيا يؤدي إلى عدم الاعتداد به، وفي ذلك يقول: وهذا وإن كان موافقا للنسب من جهة اللفظ، فإنه ضعيف؛ لأن هؤلاء غير مشهورين ولا معروفين عند أكثر النساك، ولأنه لو نسب النساك إلى هؤلاء لكان هذا النسب في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم أولى، ولأن غالب من تكلم باسم الصوفي لا يعرف هذه القبيلة، ولا يرضى أن يكون مضافا إلى قبيلة في الجاهلية لا وجود لها في الإسلام" [21].
وهذه التفسيرات وإن كانت غير صحيحة إلا أنها تدل بوضوح على أن التصوف نشأ نشأة عربية خالصة، ناهيك عن أن التفسير الصحيح للقب الصوفي - كما ذكرنا - النسبة إلى الصوف، وهو ما تؤيده اللغة العربية وقواعد اشتقاقاتها.
وإذا كانت التفسيرات تدل على أن أصل التصوف عربي النشأة، فإن بعض الباحثين من المستشرقين في العصر الحديث حاول أن يجد لهذا الاسم أصلا غير عربي، فأرجعوا كلمة صوفية إلى الكلمة اليونانية sōØoσ (سوفس).
لكن البحث الحاسم في هذه المسألة هو ذلك الذي قام به تيودور نيلدكه، المستشرق الألماني، في مقال له نشر في مجلة الجمعية المشرقية الألمانية ZDMG في سنة (1891)، بين فيه أن كلمة sōØoσ اليونانية غير معروفة في الآرامية، ولهذا يصعب العثور عليها في العربية نقلا عن الآرامية، ومن ناحية أخرى نجد في الآرامية وفي العربية الكلمات sγλσсØoσ (سوفسطائي)، ونجد soØoσэλсØ (فيلوسوفس). والحرف اليوناني o قد عرب إلى س، كما هي الحال في معظم أو في كل الأحوال التي عربت فيها كلمات يونانية تحتوي على حرف س اليوناني؛ ولا نعثر عليها معربة إلى حرف ص.
فلو كانت كلمة "صوفي" مشتقة من كلمة يونانية، لكانت الصاد التي في أولها شاذة تماما. ومن ناحية أخرى ليس ثم دليل حقيقي على أن كلمة " صوفي" مشتقة من sōØoσ (سوفس) اليونانية، بينما اشتقاقها من كلمة " صوف" تقره اللغة العربية ومصادرها[22].
وكما اختلف في تفسير اشتقاق لقب الصوفي، فإنه قد اختلف أيضا في تعريف التصوف نفسه، حتى بلغت كثرتها مبلغا يدعو إلى النظر والتأمل، حتى قال بعض الباحثين: إنها بلغت نحو ألفي تعريف[23]. لكنها كلها نابعة من البيئة الإسلامية وجميع عباراتها تدل على ذلك، ومن هذه التعريفات قول الجنيد: التصوف: تصفية القلب من موافقة البرية، ومفارقة الأخلاق الطبيعية، وإخماد الصفات البشرية، ومجانبة الدواعي النفسانية، ومنازلة الصفات الروحانية، والتعلق بالعلوم الحقيقية، وعمل ما هو خير إلى الأبد، والنصح لجميع الأمة، والوفاء لله على الحقيقة، واتباع الرسول في الشريعة". ومن التعريفات قول السري السقطي: "التصوف اسم لثلاثة معان: هو الذي لايطفيء نور معرفته نور ورعه، ولا يتكلم في علم بباطن ينقضه عليه ظاهر الكتاب والسنة، ولاتحمله الكرامات على هتك أستار الله"، ومنها أن التصوف: الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق، وهناك تعريفات أخرى كثيرة للتصوف.
وعلى أي حال، فإن التأمل في التعريفات التي قدمها الصوفية يدلنا على أن التصوف ينطوي على معان كثيرة ترجع كلها إلى الزهد في الدنيا، ومراقبة الله - عز وجل - والإنابة إليه والاشتغال بذكره في السر والعلن، والضراعة إليه - عز وجل - في كل شيء، والاستغناء عن الخلق، ومن هذه المعاني يحصل للنفس تهذيب، ويتكون فيها خلق رفيع، ويتحقق لصاحبها صفاء في قلبه، فتنكشف له الحقائق في يسر ووضوح.
ومن ثم يمكن القول بأن التصوف عبارة عن: علم تزكية النفس وتطهيرها والوصول بها إلى الكمال في العلم والعمل، والمعرفة بالله، والمحبة له، والتوحيدالكامل له سبحانه، لا من حيث الظاهر بل من حيث الأحوال الباطنة، وليس فقط من طريق الاستدلال، بل من طريق الذوق[24].
فمفهوم التصوف الإسلامي - في الأصل - لاينطوي على إشارة لشيء من التأثيرات الدخيلة، وإنما ينم عن أصالة إسلامية. فما طبيعة نشأة التصوف الإسلامي؟ وما الذي طرأ عليه عبر مسيرته الطويلة الحافلة؟
هذا ما سنوضحه فيما يأتي.
ثانيا. أصالة الحياة الروحية في الإسلام وجذورها الإسلامية:
نستطيع أن نقرر أن التصوف الذي عرف في الإسلام بهذا الاسم في القرن الثاني للهجرة - تصوف إسلامي صرف، وأنه لم يكن من النحل والمذاهب التي دخلت على المسلمين نتيجة لاتصالهم بالأمم التي دانت بالإسلام، وحملت معها محصولا كبيرا من عاداتها وتقاليدها ومعتقداتها ومذاهب تفكيرها[25].
ومرد ذلك إلى أن تاريخ التصوف وتراجم رجاله يدلانا على أن التصوف ولد ولادة طبعية من رحم الزهد الإسلامي، فالزهد يمثل المرحلة الأولى من مراحل التصوف، ومن السهل أن نتبين في أقوال الزهاد البذور الأولى للاتجاه النظري في التصوف[26].
إن الارتباط بين الزهد والتصوف ارتباط وثيق، فلقد كان الزهد هو البيئة الطبعية التي نشأ فيها التصوف.
ويشير ابن الجوزي إلى هذا المعنى بقوله: الصوفية من جملة الزهاد، إلا أن الصوفية انفردوا عن الزهاد بصفات وأحوال وتوسموا بسمات... والتصوف طريقة كان ابتداؤها الزهد الكلي[27].
ومهما قيل عن العوامل التي أدت إلى نشأة الزهد في الإسلام، فإن ما يعتد به في هذا المقام هو الإسلام، الإسلام ذاته، كما تجلى في القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وسيرة الرسول - عز وجل - وصحابته الأبرار، والتابعين لهم بإحسان.
نعم قد يكون للعامل السياسي أو الاجتماعي أثر في نشأة الزهد، لكنه أثر محرك لهذه الظاهرة وليس منشئا لها، أما المنشئ الحقيقي فهو تعاليم الإسلام، وأوامره الخلقية، والأسوة الحسنة كما تمثلت في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام - رضي الله عنهم - بدليل أن العرب قبل الإسلام كانوا في صراعات وحروب لم تنقطع، ومع ذلك لم يعتزلوا الحياة ولم يزهدوا فيها.
وإذا كنا نقلل من شأن أثر العوامل السياسية والاجتماعية فيما يتعلق بنشأة الزهد - مع أنها أثرت بالفعل في توسيع نطاقه وزيادة أتباعه - فإننا لا نقبل بأية محاولة لرد الزهد - في أصله ونشأته - إلى مصدر أجنبي عن الإسلام.
فالقرآن الكريم كثيرا ما وصف الدنيا بأنها لعب ولهو، وحذر المؤمنين من زخرفها وزينتها وغرورها، وفي هذه المعاني نجد كثيرا من الآيات مثل: )اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (20)( (الحديد)، وقوله سبحانه وتعالى: )يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور (33)( (لقمان)، وقوله سبحانه وتعالى: )واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا (45)( (الكهف)، وقوله سبحانه وتعالى: )كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (185)( (آل عمران)، وهذه الأوصاف للدنيا والتحذير منها في القرآن الكريم كثيرة، ومن هنا كان دعاء المؤمنين الصالحين: )ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (201)( (البقرة)، وكان تنبيه القرآن الكريم على أن من طلاب الدنيا من ليس له في الآخرة من خلاق، وأن طلاب الدنيا المنقطعين لها وحدها سوف يعجل الله لهم فيها ما يشاء لمن يريد ثم يصليه جهنم وبئس المصير: )من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا (18) ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا (19)( (الإسراء).
وينبغي ألا نغفل حقيقة مهمة، وهي أن الذم الواقع على الدنيا إنما يقع عليها بحسب عمل الإنسان فيها، فإن أساء في علاقته بربه وفي علاقته بغيره وقع الذم على دنياه التي اختارها لنفسه بسوء فعاله، وليست الدنيا كما أرادها الله ـعز وجل - وأحسن خلقها، وجعل ما فيها دلائل على سمو حكمته وعظيم قدرته.
وقبل أن ننهي حديثنا عن القرآن الكريم باعتباره مصدرا للزهد، نشير إلى أن الجانب الأخلاقي الذي عني به القرآن الكريم عناية كبيرة حتى لا تكاد تخلو سورة من سوره من التنبيه عليه، هذا الجانب يمثل سمة أساسية في الزهد، كما هو سمة أساسية في التصوف[28].
وها هو ابن القيم يوضح هذا المعنى بقوله: "واجتمعت كلمة الناطقين في هذا العلم على أن التصوف هو الخلق"، وذلك هو ما قرره ابن خلدون في قوله: "علم التصوف من العلوم الشرعية الحادثة في الملة، وأصله عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريق الحق والهداية، وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله - عز وجل - والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة، وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف، فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة".
وكما كان القرآن الكريم محركا ودافعا إلى حياة الزهد بكل ما يتضمنه المعنى الاصطلاحي للزهد - جاءت سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - على الطريق نفسه داعية إلى الزهد، محذرة من الاغترار بالدنيا، ناهية عن الركون إليها والاستغراق في لذاتها، منبهة على إيثار الآخرة وحسن الاستعداد لها بما يورثه ذلك من ورع وتقوى وخشية ومراقبة وحذر من المثول[29] بين يدي الله تعالى[30].
ومن الأحاديث الكثيرة التي تدل على هذه المعاني قوله صلى الله عليه وسلم: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر».[31] «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل».[32] «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها الكافر شربة ماء» [33].
إلى أحاديث كثيرة جدا تضمنت الترغيب في الآخرة، والتحذير من فتنة الدنيا.
وقد تأكدت هذه الأقوال بالسلوك العملي للرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي آثر حياة الزهد والبساطة في المأكل والمشرب والملبس والمسكن والعيش بصفة عامة، وابتعد عن حياة الترف والسرف والنعيم والتوسع في طيبات الدنيا، وفي كتب السنة أحاديث كثيرة تصف صبره على الجوع، ورضاه بالقليل، وإيثاره للتواضع في سائر أمره.
ولقد سار جمهور الصحابة على هذا الهدي الإلهي النبوي، فآثروا الزهد وارتضوا حياة الزهد والتواضع، لما سمعوا من تحذير النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم من فتنة الحياة الدنيا[34].
والآثار عن السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين في فضل الصبر على الدنيا والزهد فيها، وفضل القناعة والرضا بالكفاف[35]، والاقتصار على ما يكفي دون التكاثر الذي يلهى ويطغى أكثر من أن يحيط بها كتاب، أو يشتمل عليها باب، والذين حجب الله عنهم الدنيا من الصحابة أكثر من الذين فتحها عليهم أضعافا مضاعفة [36].
وقد كان الأغنياء من الصحابة حريصين على التخلق بخلق الزهد، ويعرف هذا بالرجوع إلى سيرتهم وأخبارهم، وقد كانت مبذولة في الخير والبر ومعاونة الفقراء، وتجهيز الجيوش، وقضاء مصالح المسلمين وسد حاجاتهم، وقد خلت حياتهم الخاصة من سرف الأغنياء وتبذير المترفين [37]. وقد اقتفى أثرهم كثير من التابعين من أمثال الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وسفيان الثوري وغيرهم كثير.
ولما كانت هذه هي الجذور التي نبت منها الزهد في الإسلام وكان الزهد مرحلة ممهدة للتصوف السني الذي نعني بحديثنا أنه إسلامي النشأة، كانت الآراء التي تقول باقتباس أسس الحياة الروحية وروح التصوف وجوهره من الروافد الخارجة عنه والرافدة إليه - آراء متهافتة؛ " فإرجاع مثل هذا التصوف الإسلامي إلى أحد التأثيرات الوافدة أو إليها جميعا - صدورا ونشأة - دونه خرط القتاد[38]، وهو أمر لا يستسيغه العقل السليم، ولا تسمح به حقائق التاريخ" [39].
لأن الذي يتأمل الحياة الروحية عند هؤلاء الزهاد، يجد أنها انبثقت من الإسلام؛ لأنه يتضمن هذا الجانب، فقد اشتمل القرآن الكريم في آيات كثيرة على جوهر الحياة الروحية من مجاهدة النفس والتوبة والشكر والإخلاص والزهد والتوكل، والخوف والرجاء، والمحاسبة والمراقبة وما إلى ذلك من المعاني والقيم التي تشكل أسس الحياة الروحية، وكانت حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسلوكه تطبيقا لهذه المعاني.
وقد التزم الزهاد الأوائل في حياتهم وسلوكهم بالمنهج الإسلامي، وتمسكوا بالكتاب والسنة، قولا وفعلا، عملا وسلوكا، نظروا في آيات الكتاب، واقتدوا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وتقربوا إلى الله بالعبادات، وتقشفوا خشية الحساب، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وشاركوا في الجهاد لنشر كلمة الله - عز وجل - والدفاع عن دينه.
لقد كانت حياتهم تطبيقا للإسلام في عمومه وشموله، ولهذا فمن الصعوبة أن نجد فروقا بين صفاتهم زهادا أو وعاظا، أو صفاتهم فقهاء ومحدثين؛ لأن هذه الدوائر تتداخل بحيث يتعذر إقامة الفواصل بينها، وتتصل بالدائرة الكبرى التي تحيط بها كلها، دائرة الإسلام الذي يمثل نظاما كاملا للحياة في شتى جوانبها.
وقد ذكر أحد الباحثين الجادين - بعد أن درس حياة كثير من الزهاد الأوائل - أن الزهد عندهم لا يعني التجرد من كل شيء، ولا يعني التقشف في المأكل والملبس، فقد يكون الإنسان زاهدا ولديه كثير من المال؛ لأنه يملك المال ولكنه لا يملكه المال، وأشار إلى أن نظريات الزهد والتصوف المبكر ترتبط أساسا بالفكر الديني أوثق ارتباط وتتخذ منه أسسه ومقوماته، كما أشار إلى أن طابع السلوك العملي يغلب على طابع المذهب النظري، ولكن البحث وراء هذا السلوك يكشف عن الأسس النظرية التي يلتحم بها، وهي لا تخرج في إطارها العام عن الكتاب والسنة.
ولكن على الرغم من أن حياة هؤلاء الزهاد قد تضمنت معالم الحياة الروحية عند الصوفية، فإنه كان يطلق عليهم اسم "القراء"، يقول ابن تيمية: "وكان السلف يسمون أهل الدين والعلم القراء، فيدخل فيهم العلماء والنساك، ثم حدث بعد ذلك اسم الصوفية والفقراء ". ومعنى هذا أنه لم يكن يطلق على أحد من المسلمين في عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة لقب "صوفي"، فالتصوف إذن اسم طارئ في الإسلام ناشئ في الملة حادث فيها.
وأغلب الظن أن هذا الاسم ظهر واستخدم في القرن الثاني الهجري، وذلك عندما استهان كثير من المسلمين بالدين، وحادوا عن منهج الصحابة في الزهد والورع والتقوى وأقبلوا على الدنيا، وانصرفوا عن الآخرة، ففزع لذلك طائفة من خواص المسلمين وتجردوا لعبادة الله، وزهدوا في الدنيا، وسلكوا مسلك القراء، والتزموا طريق الزهد، فغلب عليهم اسم الصوفية وعلى التجرد الذي اختاروه لأنفسهم اسم التصوف، يقول ابن خلدون بعد أن تحدث عن طريقة السلف وكبار الصحابة والتابعين في الزهد والعبادة والانقطاع إلى الله: "وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف، فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة، باسم الصوفية والمتصوفة" [40].
لقد انبثقت الحياة الروحية والمضمون الوجداني من الإسلام نفسه؛ لأنه يتضمن هذا الجانب بلا شك، وانطلق أرباب القلوب على السجية[41]، فمن النظر في آيات الكتاب، ومن الاقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - عرفوا المحبة والخشية، وتقربوا إلى الله بالعبادات، وترنموا بالحديث عن الجنة ونعيمها، وأفاضوا الكلام عن النار وعذابها. كما سيطرت عليهم العقائد الإيمانية، ووضعوا نصب[42] أعينهم ضرورة للهيمنة[43] الإلهية التي تحكم سلوكهم، فالإكثار من العبادات للتقرب، والتقشف خشية الحساب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لإقامة المجتمع المسلم الصحيح، والجهاد لنشر كلمة الحق والعدل والدفاع عن ديار الإسلام وتأكيد سلطان الله - عز وجل - في الأرض [44].
لقد كان هؤلاء الزهاد مرتبطين بالكتاب والسنة في كل ما يصدر عنهم، ومتابعين لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته، ولقد كان أعلام هذا التصوف - مع التحفظ على المصطلح - حريصين على توضيح أن تصوفهم ينتسب إلى الكتاب والسنة، وقد كرروا ذلك ورددوه كثيرا، وألحوا عليه في مواطن عديدة؛ ليتقرر ذلك في نفوس أتباعهم، فها هو الجنيد يقول: "مذهبنا مقيد بأصول الكتاب والسنة". ويقول: "الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول - صلى الله عليه وسلم - واتبع سنته ولزم طريقته".
وعندما سئل أحدهم عن البدعة قال: التعدي على الأحكام، والتهاون بالسنن واتباع الآراء والأهواء، وترك الاقتداء والاتباع.
وإذا وقع في قلب واحد منهم إلهام أو فكرة، فإنه لا يقبلها كما يقول أبو سليمان الداراني إلا بشاهدي عدل، هما الكتاب والسنة. ولو ذهبنا نستقصي أقوالهم حول هذه الفكرة لطال بنا القول، مما يدل على رسوخ هذه العقيدة لديهم [45].
ويمكن أن يطلق على هذا النوع من التصوف - التصوف السني، أو التصوف المنتسب إلى السنة، أي التصوف القائم على متابعة القرآن والسنة والاستمداد منهما والوقوف عند حدودهما، وضبط السلوك والخواطر والمعارف بميزانهما [46].
إن هذا التصوف - مع عدم التقيد بالمصطلح - إذ لا مشاحة [47] في الاصطلاح - هو الذي نقصده والذي ندافع عنه، والذي نقصد أن نشأته نشأة إسلامية خالصة، بل هي من صميم الإسلام ومنابعه الأصلية.
ثم إنه ينبغي ونحن نتحدث عن التصوف ألا نخلط بين هذا التصوف وما انحدر إليه التصوف في العصور الأخيرة من تدهور وانحطاط، ومظاهر كان الصوفية الخلص يتبرءون منها، ويتحسرون لوجودها بين المنتسبين إلى التصوف، وهذا أحدهم يقول: " كان التصوف حالا فصار كارا، وكان احتسابا فصار اكتسابا، وكان استتارا فصار اشتهارا، وكان اتباعا للسلف فصار اتباعا للعلف، وكان عمارة للصدور فصار عمارة للغرور، وكان تعففا فصار تملقا، وكان تجريدا فصار ثريدا" وقد أشاروا إلى ما انحدر إليه بعض شيوخ التصوف من الجهل بالشرع والوقوع في الرياء والتكسب بالتصوف والتظاهر أمام الناس بالولاية دون تحقق لأسبابها، وربما لبس أحدهم جبة وأطلق لحية وأرخى عذبة[48] ثم ساح في الأرض وتكلف السفر، وأظهر الصمت والجوع حتى يستقر في وجدان الناس أنه من الأولياء، وعند ذلك يتجرأ على أموالهم وأسرارهم، وربما يتجرأ على ما هو أكثر من ذلك، ومن هنا حرص الصوفية على البراءة من هؤلاء الأدعياء، ودعوا الناس إلى أن يزنوا أقوالهم بمقاييس الشرع؛ حتى لا ينخدعوا بهم، أو يقعوا في براثنهم [49].
هذا فضلا عن أن نخرج ما سمى - تجاوزا - بـ "التصوف الفلسفي أو الأجنبي"، وهذا يختلف عن النوع الذي ذكرناه والذي تحدثنا عن معياره التقيد بالكتاب والسنة، والذي اصطلحنا على تسميته بالتصوف السني أو المنتسب إلى السنة.
ولقد أثبتنا أن هذا التصوف عربي المولد إسلامي النشأة، فالكلمات تصوف وصوفي ومتصوفة تحمل كل سمات العروبة في وزنها وفي فصاحتها، فلا شائبة من العجمة في أي واحدة منها. ونشأة هذا النوع - كما رأينا - نشأة إسلامية، يستمد أصوله من تعاليم الإسلام.
ولا نجد وجها لأولئك الذين يقولون أن هذا التصوف غريب على الإسلام، قد وفد إليه فيما وفد من مذاهب وفلسفات؛ هندية أو يونانية أو غيرها [50].
أما التصوف الفلسفي، فهو ذلك التصوف الذي تأثر رجاله بالأفكار الدخيلة والتعاليم الغريبة والمؤثرات الأجنبية، فانحرفوا بعيدا عن مراد الكتاب والسنة، وهو التصوف المتطرف الذي مزج فيه أصحابه - من متفلسفة الصوفية - التصوف بالحكمة المشرقية القديمة، أي تراث الهند وفارس، وبالفلسفة اليونانية والأفلاطونية المحدثة، وبالعقائد المسيحية.
ومن أنصار التصوف الفلسفي المنحرف الحلاج المقتول سنة 309هـ، صاحب مذهب الحلول الذي تأثر فيه بالقرامطة، [51] وشهاب الدين السهروردي المقتول ما بين سنة 586: 588هـ، صاحب مذهب الإشراق الذي تأثر فيه بالأفلاطونية المحدثة وبحكمة فارس والهند، وكذلك من أنصار التصوف الفلسفي ابن عربي (ت 637هـ) وابن سبعين (ت 669هـ) وغيرهم من أصحاب مذهب وحدة الوجود.
إن هذا التصوف الفلسفي وما أدخله من نظريات الحلول والاتحاد والإشراق ووحدة الوجود - يعتبر انحرافا في التصوف الإسلامي، تطرق إليه من المذاهب والفلسفات المختلفة، ولعل أهم الدوافع التي دفعت هؤلاء الصوفية المتفلسفين إلى التطرف والمغالاة يرجع إلى الصراع العنيف الذي نشب بين الصوفية وخصومهم؛ ذلك أن جماعة من المشتغلين بالعلم قد أعرضوا عن عبادة الله - عز وجل - وسلوك سبيله، واقتصروا على العلم النظري، وأهملوا الجانب الروحي في الدين، وأنكروا التصوف برمته[52] وتطرفوا في موقفهم.
فكان رد الفعل أن قابل فريق من الصوفية هذا التطرف والغلو بغلو مشابه له في الحدة، وهؤلاء هم غلاة التصوف الذين وجدوا في التيارات والمذاهب الدخيلة ما يدعم موقفهم، فأقبلوا عليها يستمدون منها النظريات الغريبة، وصرحوا بعبارات خطيرة لا يقرها الإسلام بل إنه ينكرها، وزعم بعضهم أنه يحصل لهم بطريقهم العملي أعظم مما في الكتب، فمنهم من ظن أنه يلقن القرآن بلا تلقين، ويحكون أن شخصا حصل له ذلك، وهذا كذب كما يقول ابن تيمية، نعم قد يكون سمع آيات الله فلما صفت نفسه تذكرها فتلاها، فإن الرياضة تصقل النفس فيذكر أشياء كان قد نسيها".
وعلى أية حال فإن أنصار التصوف السني ظلوا ملتزمين بمنهجهم ومتمسكين بمبادئ الكتاب والسنة، بل إنهم تصدوا للتصوف الفلسفي، وكشفوا عما في نظرياته من أخطار تنطوي على الإلحاد والشرك والزندقة، ولم ينساقوا وراء مصادره الأجنبية"[53].
إن هذا التصوف الذي يمكن تسميته - تسامحا - التصوف الأجنبي أو الفلسفي قد تناول أفكارا وموضوعات مستقاة من خارج البيئة الإسلامية، مثل التصوف الهندي أو المسيحي أو تصوف الأفلاطونية المحدثة.
وقد وجد هذا النوع لدى المسلمين لأسباب متعددة، يمكن إجمالها في إتاحة الاتصال والتعرف على أنواع التصوف الأجنبية، وكان يرجع أحيانا إلى الترجمة عن الثقافات الأخرى، وكانت سببا في معرفة المسلمين بتراث غيرهم من الأمم، كما كان يرجع في بعض الأحيان إلى اتصال المسلمين بعد الفتوح الإسلامية بكثير من الشعوب التي كان لها قدم راسخة في التصوف كالهند وفارس، وربما يرجع إلى الاتصال برهبان النصارى أو أحبار اليهود خاصة من عرفوا منهم بتأويل النصوص الدينية كالقبالة[54] وأمثالهم، وأثمر الاتصال بهذه المصادر الأجنبية ثمرته، فوجدنا من بين المسلمين ممن ينتسبون إلى التصوف من يتحدثون عن الفناء أو الاتحاد والحلول أو وحدة الوجود أو إسقاط العبادة عن أهل الولاية ونحو ذلك من الموضوعات [55].
ومن نافلة القول التنبيه على أن الإسلام لا يقر مذهبا يقول بحلول الله في جسد الإنسان، أو فناء الذات الإنسانية في الذات الإلهية، كما لا يقر القول بوحدة الوجود أو أن الله - عز وجل مجموع هذه الموجودات، لكن الإسلام يقول باثنينية الوجود، أي الله والعالم، فالله خالق والعالم مخلوق، والله مدبر وبيده الخير والشر، يثيب الناس ويعاقبهم بما يعملون. كما لا يقر الإسلام القول بإسقاط التكليف ورفع فريضة أداء العبادات عن العبد بدعوى أنه وصل إلى معرفة الله ومن ثم تسقط عنه التكاليف، وهذا القول لم يعرفه المسلمون أيام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وهم قمة في كل عصر [56].
وبناء على ما سبق فإنه لا يجوز - بحال - أن ننسب هذا التصوف إلى الإسلام، بل إنه متأثر بالروافد الغربية الأجنبية عنه، وهذا لا ينكر تأثر المسلمين فيه بالثقافات الأجنبية، ولكن المستشرقين قد خلطوا فادعوا تأثر الحياة الروحية في الإسلام وقيم وسلوك الطريق إلى الله والتي تستند إلى الكتاب والسنة - ادعوا تأثرها واقتباسها من الثقافات الأخرى مع أنها إسلامية خالصة.
وننتهي من كل هذا إلى القول بأن خضوع معظم دراسات المستشرقين لمنهج التأثير والتأثر جنح بهم إلى البحث عن العوامل الخارجية في كل ما يتعلق بالإسلام، فلم يسلم منهم أيضا أصوله التي يعبر عنها الكتاب والسنة.
وبالمثل، فعندما قاموا ببحث التصوف، التمسوه في كافة العناصر، فحجب هذا المنهج دراسة الحياة الروحية في البيئة الإسلامية نفسها، ومن واقع النتاج الفكري للمسلمين، كما أخطئوا في تصورهم أن أسس الحياة الروحية عندهم كانت بسيطة ساذجة استنادا إلى نظرية التطور عند دارون، والحق أن الصواب غير هذا وعكسه، لأن المضمون الروحي للإسلام قد تحقق كاملا وبمعناه الإسلامي الخالص [57].
وجدير بالذكر - بعد استعراض ما مضى - أن ننبه على ذلك الضابط المهم من ضوابط منهج التأثير والتأثر، ألا وهو أنه لا ينبغي القول بالتأثر بالعوامل الأجنبية طالما كان من الممكن تفسير ظهور ما يمكن تسميته بالتصوف السني بالعوامل القريبة المتيسرة في البيئة الإسلامية، ويتفق هذا المعيار مع طبائع الأمور، حيث لا يلجأ المرء المتزن السوي إلى الاستدانة من غيره إلا إذا عجز عن تدبير شئونه بما لديه من الإمكانيات، ويترتب على تطبيق هذا المعيار أن نبحث عن عوامل التأثير ومصادره في البيئة القريبة - وهي البيئة الإسلامية - أولا، فإذا لم نجد تفسيرا لهذا الرأي أو ذاك في تلك المصادر القريبة، فإن من حقنا - عندئذ - أن نبحث عما يمكن أن يكون مصدرا لهذا الرأي هنا أو هناك [58].
وعليه، فإننا قد أثبتنا فيما مضى من سطور نبوع الحياة الروحية في الإسلام وقيم الزهد في الإسلام نفسه من قرآن وسنة، وتحقق هذه المعاني تحققا كاملا في حياة الرسول والصحابة ومن تبعهم ممن تقيد بالكتاب والسنة، ودللنا على ذلك بالنصوص الظاهرة البينة الواضحة وبالتاريخ الذي قرر هذا الواقع، وليس أصدق من التاريخ حين يقرر الواقع، وعليه فلا وجه للقول بالتأثر بالعناصر الأجنبية، وإنما هي نشأة وصدور إسلامي خالص. كما أن القائلين بتأثير الروافد الأجنبية حججهم داحضة وأدلتهم واهية، وبيان هذا فيما يأتي.
ثالثا. هل تأثرت الحياة الروحية في الإسلام بعناصر أجنبية خارجة عنه؟
لقد عني كثير من المستشرقين بالتصوف، لكنهم ركزوا في دراساتهم له على إبراز ما أسموه بالعناصر الأجنبية في نشأة التصوف السني الإسلامي، فاهتم بعضهم بإرجاع هذه الحياة الروحية إلى مصادر يونانية، وركز بعضهم على إبراز التأثير الهندي، واهتم بعضهم بالتأثير الفارسي، وجميعهم قرروا تأثر التصوف الإسلامي بالمسيحية.
وهذا الاتجاه يشكل جانبا من ذلك الاتجاه العام الذي يرمي - كما ذكرنا - إلى إظهار الفكر الإسلامي مجردا عن أية سمة من سمات الأصالة [59].
وقد ذهب عدد من المستشرقين إلى أن أصل التصوف الإسلامي فارسي، ويعتمد أصحاب هذا الرأي على عدد من الأمور التي لا ترقى إلى مرتبة الدليل القطعي ومنها:
1. ما كان بين العرب والفرس من صلات دينية وثقافية واجتماعية على مر العصور.
2. أن عددا كبيرا من رجال الصوفية كما يقرر ذلك "راسل" و "نيكولسون" و"ثولك" كانوا من الفرس.
3. أن هناك تشابها بين بعض الأفكار في كل من التصوف الإسلامي والفكر الفارسي كالزهد في الجانبين، وكذلك فكرة الخلق بالكلمة الإلهية عند الفارسيين وبواسطة الحقيقة المحمدية عند الصوفية المسلمين، وكاعتراف بعض الصوفية مثل النيسابوري (ت: 270هـ) بأن اختلاف الكائنات راجع إلى النور والظلمة، وكالقول بأن العالم ظلال والوجود الحقيقي لله، وهو قول صوفي سبق به الفرس.
4. أن عددا كبيرا من الفرس قد ظلوا على دينهم بعد الفتح الإسلامي، وقد قام هؤلاء - فيما يرى دوزي - بنشر أفكارهم بين المسلمين، حتى من أسلم منهم قد عمد - في زعمه - إلى التصوف باعتباره رد فعل للعقلية الآرية ضد الدين الجديد، إذ قام كل منهم بنشر دينه وأفكاره القديمة من خلال الصوفية كجزء من خطة فارسية قصدت إلى تخريب الفكر الإسلامي، وانتقاما من الدولة الإسلامية على ما قامت به من إسقاط الدولة الفارسية [60].
ولقد فند هذه الاستدلالات كثير من الباحثين في التصوف الإسلامي، بل ومن المستشرقين أنفسهم. ونوجز الرد فيما يأتي:
محاولة إرجاع التصوف الإسلامي إلى أصول فارسية بالاعتماد على الصلات الدينية والثقافية وغيرها بين العرب والفرس - محاولة فاشلة؛ لأن ما استندوا إليه يعني أن التأثير قد تم في اتجاه واحد من الفرس إلى العرب فقط، وهذا مخالف لطبيعة الأفكار والثقافات التي تأخذ وتعطي، بل إن التأثير الأقوى يكون دائما - كما يقرر ذلك علماء الحضارات - للحضارة الأقوى، وهي آنذاك الحضارة العربية الإسلامية، فالمعقول أن يكون تأثير العرب - وهم حاملو لواء هذه الحضارة - على الفرس أقوى وأغلب [61]، ويكفي للدلالة على تأثر الفرس بالعرب أن الفرس تأثروا باللغة العربية وعلومها وثقافتها وحضارتها [62].
وفضلا عن ذلك؛ فإن النماذج التي استشهد بها القائلون بالتأثير الفارسي متأخرة كثيرا عن نشأة التصوف، ولذا كان من غير المعقول القول بأنها مثلت مصدرا، ولا يعني ذلك أننا نرفض القول بأي تأثير للأفكار والمعتقدات الفارسية القديمة، لأننا نعلم أن بعض التأثير قد حدث بالفعل، لكن في مرحلة متأخرة، وقد أثر في التصوف الفلسفي وهو لا يعنينا هنا [63].
أما القول بأن كثيرين من الصوفية المسلمين كانوا من الفرس، فهو لا يدل على صحة القول بالأصل الفارسي للتصوف الإسلامي؛ لأننا نعلم في المقابل أن عدد الزهاد والصوفية من غير الفرس كان أكبر كثيرا منهم [64].
أما الاعتماد على التشابه في بعض الأفكار، فإنه لا يصلح دليلا على القول بالتأثير الفارسي؛ لأن هذا التشابه قد يرجع - أحيانا - إلى تشابه السلوك الإنساني إزاء موقف من المواقف أو مشكلة من المشكلات، ومثل هذا التشابه العفوي[65] ليس له قيمة في الحكم بالتأثير والتأثر [66].
أما رأي دوزي القائل بوجود أفكار مثل صدور كل شيء عن الله، والقول بأن العالم لا وجود له في ذاته، وأن الموجود الحقيقي هو الله عند الفرس، ويحتمل أن تكون هي مصدر التصوف في الإسلام، فيرد عليه بأن مثل هذه الأفكار لا توجد إلا عند أصحاب وحدة الوجود الذين ظهروا في وقت متأخر [67].
وقد أسلفنا أن ليس للإسلام صلة بمثل هذه الأفكار، ولم يقل بها أصحاب التصوف المقيد بالكتاب والسنة، بل - كما ذكرنا - واجهوا هذه الأفكار ونقدوها وعارضوها.
وأخيرا، فإن حديث دوزي ومن وافقه عن خطة فارسية لتخريب الفكر الديني الإسلامي انتقاما من الدولة الإسلامية على إسقاطها للدولة الفارسية - هذه الفكرة إن صحت فإن تأثيرها يأتي بعد مرحلة الزهد الإسلامي الخالص [68].
هذا وقد ذهب مستشرقون كثيرون إلى تلمس مصدر للتصوف الإسلامي في الديانات الهندية: الهندوسية والبوذية؛ ويعتمد هؤلاء في تأييد وجهة نظرهم على ما يلاحظ من تشابهات بين بعض مظاهر التصوف النظرية والعملية في الإسلام وفي ديانات الهند، مثل طرائق الزهد، والعبادة والتفكر، والذكر، والمعرفة، والفناء ووحدة الوجود [69].
وقد ذكر بعضهم حججه في تأييد الأصل الهندي للتصوف الإسلامي، وهي ما يأتي:
1. أن معظم الصوفية من أصل غير عربي مثل إبراهيم بن أدهم، وشقيق البلخي ويحيى بن معاذ الرازي.
2. أن التصوف ظهر أولا وانتشر في خراسان.
3. أن تركستان كانت قبل الإسلام مركز تلاقي الديانات والثقافات الشرقية والغربية، فلما دخل أهلها في الإسلام صبغوه بصبغتهم الصوفية القديمة.
4. أن المسلمين أنفسهم يعترفون بوجود ذلك الأثر الهندي [70].
5. أن الزهد الإسلامي الأول هندي في نزعته وأساليبه، فالرضا فكرة هندية الأصل، واستعمال الزهاد للمخلاة واستعمالهم للسبح - عادتان هنديتان [71].
ويرد على أصحاب نظرية المصدر الهندي بما سبق أن قاله نيكولسون نفسه، وهو أن التشابه بين مذهب (أ) ومذهب (ب) لا يعني بالضرورة أخذ أحدهما عن الآخر، فالوصول إلى نتيجتين متشابهتين قد يأتي نتيجة لتطبيق منهج واحد، أو الخضوع لظروف نفسية واحدة.
ومما هو جدير بالذكر أنه لم يعثر على نصوص صريحة تدل على معرفة صوفية المسلمين بعقائد اليهود ورياضتهم إلا عند الصوفي المتفلسف عبد الحق بن سبعين (ت: 669هـ) وهذا يعني أن الأثر الهندي لم يظهر عند الصوفية المتفلسفة إلا في القرن السابع الهجري، وذلك بعد أن استقرت دعائم التصوف السني المقيد بالكتاب والسنة فضلا عن أن هذا التصوف الفلسفي المتأثر ليس هو المعنى به في حديثنا [72].
وأما القول بأن معظم الصوفية من غير العرب، فهذا غير صحيح؛ وإلا فكيف نفسر الحقيقة التي لا سبيل إلى الطعن فيها من أن كثيرا من رواد التصوف الإسلامي من أهل سوريا ومصر وأنهم عرب الجنس [73].
ومما يؤكد تهافت القول بالأصل الهندي أن العلاقات المباشرة التي كانت بين الهند وبلاد الإسلام في الحقبة من 100هـ إلى 180هـ في البصرة اقتصرت على تبادل المعارف العلمية؛ مثل الزيجات الفلكية التي ترجمها الفزاري في سنة 154هـ، والمعارف الرياضية، خصوصا الأعداد وحساب الجيب في حساب المثلثات وبعض المعارف الطبية. ولكن الأمر لم يتجاوز هذا إلى المعلومات الدينية [74].
ويمكننا القول: إن ملاحظات المستشرقين عن المصدر الهندي ليس فيها ما يقوم دليلا قاطعا على أن نشأة التصوف الإسلامي فضلا عن نشأة الزهد ترجع إحداهما أوكلتاهما إلى المصدر الهندي، ولكي نثبت أن مصدر الحياة الروحية في الإسلام هندي: برهمي أو بوذي فنحن مضطرون إلى أن نثبت أولا وجود مسارب انتقلت خلالها هذه الأفكار وشاعت وعرفت بحيث أصبحت مؤثرة[75]. وتلك - لعمري - مسألة يعوذها[76] الدليل المادي الذي لا شبهة فيه ولا غبار عليه، وأكبر الظن أن المسلمين لم يعرفوا العقائد الفلسفية والعلوم الهندية معرفة دقيقة واضحة مفصلة قبل أن يؤلف البيروني كتابه القيم "تحقيق ما للهند من مقولة في العقل مقبولة أو مرذولة".. ونحن نعلم أن البيروني انتهى من وضع كتابه هذا في الربع الأول من القرن الخامس الهجري، أي في وقت متأخر عن الوقت الذي ظهر فيه زهد النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة، وظهور الزهاد الأوائل من المسلمين، ومن كان على التصوف السني المتقيد بالكتاب والسنة [77].
وأما أن البيروني قد ذكر هذا التأثير، فإن الصحيح أن البيروني قد وقف عند إبراز التشابه بين التصوف الإسلامي من ناحية والبرهمية والبوذية من ناحية أخرى، أما فكرة التأثير والتأثر فلا نحسبها واردة على ذهنه آنذاك[78] لكن يبدو أن المستشرقين قد تلقفوا مقارناته هذه، وأسسوا عليها نظريتهم عن المصدر الهندي وأثره في نشأة التصوف الإسلامي [79].
بقي بعد ذلك أن نناقش القائلين بالأصل اليوناني والأصل المسيحي واليهودي.
أما القائلون بالمصدر اليوناني فهم كثيرون، إلا أنهم يعنون بالتصوف الآخذ من مصدر يوناني نوعا خاصا، وهو التصوف الفلسفي، الذي بدأ في الظهور في القرن الثالث الهجري على يد ذي النون المصري المتوفي سنة 245هـ [80].
وكما قررنا سابقا فإننا لا ندافع عن هذا التصوف الفلسفي وهذه الأفكار التي لقيت معارضة من أصحاب التصوف السني - المقيد بالكتاب والسنة - أنفسهم، ونحن لا ننكر الأثر اليوناني على التصوف الفلسفي وأثره في ظهور مثل هذه الأفكار التي تخالف الشرع، فلقد وصلت الفلسفة اليونانية عامة، والأفلاطونية المحدثة خاصة، إلى صوفية الإسلام عن طريق الترجمة والنقل، أو الاختلاط مع رهبان النصارى في الرها وحران، وقد خضع المسلمون لسلطان أرسطو، وإن كانوا قد عرفوا فلسفة أرسطو على أنها فلسفة إشراقية؛ لأن عبد المسيح بن ناعمة الحمصي حينما ترجم الكتاب المعروف بــ "أتولوجيا أرسطو طاليس" قدمه إلى المسلمين على أنه لأرسطو على حين أنه مقتطفات من تاسوعات أفلوطين.
وليس من شك في أن فلسفة أفلوطين السكندري التي تعتبر أن المعرفة مدركة بالمشاهدة في حال الغيبة عن النفس وعن العالم المحسوس، كان لها أثرها في كلام متفلسفي الصوفية عن المعرفة، وكذلك كان لنظرية أفلوطين السكندري في الفيض وترتب الموجودات عن الواحد أو الأول أثرها في كلام متفلسفي الصوفية من أصحاب الوحدة مثل السهروردي المقتول، ومحيي الدين بن عربي وابن الفارض وابن سبعين ومن نحا نحوهم [81].
هذا وإن كنا قد اعترفنا بالتأثير اليوناني على هذه الأفكار الفلسفية الصوفية والتصوف الفلسفي، فإنه من المستحيل أن نسلم بالتأثير اليوناني على الحياة الروحية والتصوف المستند إلى الكتاب والسنة، فدون هذا - كما قلنا - خرط القتاد، وهو أمر لا يستسيغه العقل السليم ولا تسمح به حقائق التاريخ، ولقد رأينا كيف كان الزهاد الأوائل وأصحاب التصوف السني حريصين على تأكيد المرجعية الإسلامية، والتقيد بالكتاب والسنة، فأين هذا في الفلسفة اليونانية أو الأفلاطونية المحدثة؟!
أما عن التأثير المسيحي واليهودي، فإنه على الرغم من وضوح تلك النشأة الإسلامية الخالصة للحياة الروحية في الإسلام، وتوفر الأدلة من الكتاب والسنة وحياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام على تأكيد إسلامية هذا التصوف السني نشأة وصدورا، وباعتراف رواد أصحابه، على الرغم من ذلك كله، إلا أن بعض المستشرقين يفسر نشأة هذه الحياة بالتأثر باليهود والمسيحيين، فهذا جولد تسيهر يفسر وجود ظاهرة الزهد في أواخر عهد الصحابة بقوله: إن الزهد كان رد فعل مضادا للترف، وكان مرتبطا بالثورة على السلطة القائمة آنذاك، ثم كان - فيما يقول - راجعا إلى الإعجاب برهبان المسيحية ونسكهم، وبما فيه من تطبيق عملي لفكرة الزهد، وكان الاختلاط بهم سبيلا إلى التأثر بهم وبأفكارهم، فالتجارب التي تيسر لتلك النفوس المتعطشة للزهد اكتسابها بمخالطتهم المسيحيين قد أصبحت - دون ريب - مدرسة الزهد في الإسلام. ثم أكمل هؤلاء مذهبهم بما انتحلوه[82] من شواهد وعبارات من العهد الجديد [83].
ويجري نيكولسون على المنوال نفسه فيذكر مثل جولد تسيهر أن الزهد لم يكن من الخصائص التي امتاز بها الإسلام ولا نبي الإسلام؛ لأن الإسلام قد هيمنت عليه - بعد الانتقال إلى المدينة - فكرة امتلاك العالم والسيطرة عليه. وكان مما استدل به أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخذ بنصيب من جميع اللذات التي كانت في متناول يده!! وأنه لم يحرم على أتباعه التمتع بزينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، وأن مادة الزهد لم تذكر في القرآن إلا مرة واحدة في سورة يوسف - عليه السلام - في قوله سبحانه وتعالى: )وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين (20)( (يوسف)، وليس لها هنا أي معنى صوفي، ثم إن القرآن قد ذم الرهبانية، وصرح بأنها بدعة ابتدعتها المسيحية.... وعلينا - إذن - ألا ننسى في هذا المقام أثر المسيحية في الزهد الإسلامي في هذا العصر المبكر، لا سيما وأنه توجد أدلة قاطعة - في رأيه - على أن مذاهب هؤلاء الزهاد كانت - إلى حد كبير - مستندة إلى تعاليم وتقاليد يهودية ومسيحية [84].
ويضيق المقام - هنا - عن مناقشة هذه الادعاءات الرامية إلى إثبات أن الزهد لم يكن من خصائص الإسلام ولا نبيه الكريم، وأن ما ظهر منه لدى المسلمين إنما كان - في المقام الأول - بتأثير اليهودية والنصرانية، ولكننا مع ذلك، نشير - في إيجاز شديد - إلى ما تضمنته هذه الادعاءات من مبالغات شديدة تصل إلى حد المغالطة في أحيان كثيرة، فلقد تحدث القرآن الكريم في آيات مكية كثيرة عن الزهد، وكان ذلك قبل لقاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين باليهود في المدينة، كما تحدث القرآن عنه كثيرا في آياته المدنية أيضا، ومعنى ذلك أنه يمثل عنصرا أساسيا من نظرة الإسلام إلى الدنيا، وكذلك تحدثت عنه الأحاديث النبوية الكثيرة الموثقة بأعلى درجات التوثيق، التي توفرت لأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتي لا تكاد نجد لها نظيرا فيما سواها من النصوص الأخرى لدى غير المسلمين، مما يجعل التشكيك فيها - كما يحاول جولد تسيهر - نوعا من الادعاء الذي يفتقر إلى الإنصاف والموضوعية.
ثم إن علاقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته باليهود في المدينة لم تكن علاقة ملائمة للتأثر بهم، فلقد دخلت - بعد مدة يسيرة من وجود المسلمين بالمدينة - في أطوار من الصراع والحروب، التي انتهت - فيما بعد - إلى إجلائهم تماما من شبه الجزيرة العربية، وكان ذلك بسبب نقض اليهود عهودهم مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتحالفهم مع أعدائه من المشركين، ومحاولاتهم المتكررة لقتل الرسول نفسه، ولم تكن هذه العلاقات المتوترة لتسمح بمثل هذا التأثير المزعوم.
ولم يكن اهتمام اليهود بالجوانب الروحية والزهد قويا، إلى الحد الذي يجعلهم موضع الاقتداء والأسوة لدى الأوائل من المسلمين، وقد كان هؤلاء الذين يقال إنهم أثروا في المسلمين - ولا يزالون - من أكثر الأمم عناية بجمع الأموال وامتلاكها، واستخدامها لبسط نفوذهم، وتحقيق مآربهم[85]، وتذكر التوراة أن بني إسرائيل قد أخذوا ذهبا وفضة من المصريين قبل خروجهم من مصر مع موسى - عليه السلام - فرارا من فرعون، ثم حولوا هذا الذهب إلى عجل عبدوه فيما بعد، ونص ذلك: "فحمل الشعب عجينهم قبل أن يختمر، ومعاجنهم مصرورة[86] في ثيابهم على أكتافهم. وفعل بنو إسرائيل بحسب قول موسى، طلبوا من المصريين أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابا. وأعطى الرب نعمة للشعب في عيون المصريين حتى أعاروهم، فسلبوا المصريين". (الخروج 12: 34 - 36).
وقد كان الانشغال بالمال من أول ما عابه عليهم السيد المسيح - عليه السلام - حين دخل إلى القدس، وقد أخرج من المعبد هؤلاء الذين حولوه إلى سوق للبيع والشراء، وجعلوه - بحسب التعبير المنسوب إلى السيد المسيح في الإنجيل - مغارة لصوص، وقد وصف علماءهم بالرياء، والانشغال الشديد بالمال، وتقديس الذهب، وأكل حقوق الضعفاء والأرامل، كما وصفهم بأنهم حيات وأفاع، وأنهم قتلة الأنبياء.
فجاء في إنجيل متى: "لكن ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون[87]! لأنكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس، فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم تأكلون بيوت الأرامل، ولعلة تطيلون صلواتكم؛ لذلك تأخذون دينونة أعظم. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلا واحدا، ومتى حصل تصنعونه ابنا لجهنم أكثر منكم مضاعفا. ويل لكم أيها القادة العميان! القائلون: من حلف بالهيكل فليس بشيء، ولكن من حلف بذهب الهيكل يلتزم. أيها الجهال والعميان! أيما أعظم: ألذهب أم الهيكل الذي يقدس الذهب؟ ومن حلف بالمذبح فليس بشيء، ولكن من حلف بالقربان الذي عليه يلتزم. أيها الجهال والعميان! أيما أعظم: ألقربان أم المذبح الذي يقدس القربان؟ فإن من حلف بالمذبح فقد حلف به وبكل ما عليه! ومن حلف بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه، ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم تعشرون النعنع[88] والشبث[89] والكمون، وتركتم أثقل الناموس: الحق والرحمة والإيمان. كان ينبغي أن تعملوا هذه ولا تتركوا تلك. أيها القادة العميان! الذين يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم تنقون خارج الكأس والصحفة[90]، وهما من داخل مملوآن اختطافا ودعارة. أيها الفريسي الأعمى! نق أولا داخل الكأس والصحفة؛ لكي يكون خارجهما أيضا نقيا. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم تشبهون قبورا مبيضة تظهر من خارج جميلة، وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة. هكذا أنتم أيضا، من خارج تظهرون للناس أبرارا، ولكنكم من داخل مشحونون رياء وإثما. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم تبنون قبور الأنبياء وتزينون مدافن الصديقين، وتقولون: لو كنا في أيام آبائنا لما شاركناهم في دم الأنبياء. فأنتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء". (إنجيل متى 23: 13 - 31).
وينبغي ألا يغيب عن البال أن اليهود - الذين عاشوا في بلاد الإسلام، مستظلين بحضارة الإسلام وثقافته - هم الذين تأثروا بالمسلمين في كثير من جوانب حياتهم وثقافتهم، فقد كانوا يستخدمون اللغة العربية في حديثهم ونثرهم المكتوب، ووضعوا نحوهم العبري في كتب باللغة العربية [91]، وتكاد تنحصر العلوم الطبيعية والفلسفة عندهم في بلاد الإسلام، وقد أفادوا إلى حد ما من علوم المسلمين الطبيعية[92]، أما الفلسفة اليونانية فقد أخذوا معلوماتهم عنها من التراجم العربية، ومن شروح المسلمين، وقد كتبوا بالعربية لليهود والمسلمين على السواء[93]، وكتب موسى بن ميمون (1204هـ) عشرة كتب في الطب باللغة العربية [94]، وينطبق ذلك التأثر على مجالات ثقافية أخرى كعلم الكلام الذي تأثر بعلم الكلام الذي ظهر عند المسلمين [95].
أما التصوف عندهم، فقد سيطر عليه التأويل منذ بداياته القديمة، وقد اهتموا بالحروف وأسرارها الخفية، والقوى الكامنة فيها، كما عنوا بالتفسير الرمزي لكتابهم المقدس، واستعاروا من الأفلاطونية المحدثة ما يتعلق بالموازنة بين العالم الكبير والصغير، ولم يكن تصوفهم الذي ظهر في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي، أي بعد ظهور التصوف الإسلامي بقرون، إلا مطبوعا بطابع الأسرار والرموز والتأويل[96]، أي أنه لم ينشغل بالتقوى والعبادة والزهد.
ويتحدث الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون عن يهوه، الذي يؤمن اليهود بألوهيته، فيصفه بأنه - بحسب تصورهم له - كان " قاسيا كل القسوة، ولم يكن بين بني إسرائيل وإلههم من الود ما يجعل من اليهود هذه الصوفية على نحو ما نفهمها" [97].
وليس معنى هذا أن اليهود - بصفة عامة - لم يكن فيهم زهد بمعنى ما، أو لم يظهر فيهم تصوف بمضمون ما؛ لأن الزهد والتصوف من الظواهر الإنسانية العامة، وإن كانت هذه تظهر بنسب ودرجات متفاوتة، تبعا لاختلاف الظروف والمؤثرات، فإن كان قد ظهر لدى هؤلاء نوع من التصوف، فإنه قد ظهر في تاريخ متأخر نسبيا، ثم إنه قد غلب عليه طابع التأويل والأسرار والرموز أكثر مما غلب عليه الزهد والتقوى، وهو ما كان عليه التصوف الذي سيكون تطورا له فيما بعد، فقد كان - في بداياته - تصوف زهد وورع، لا تصوف فلسفة ونظر، كما يقول نيكولسون [98].
أما التأثر بالنصرانية فإن القول به لدى نيكولسون وغيره قد جاء بعد استبعاد النصوص المأخوذة من الكتاب والسنة، أو بعد إغفال دلالاتها، وصرف معانيها، للتوصل إلى فكرة محددة سلفا، وقد ذم القرآن الرهبانية التي ابتدعتها بعض النصارى )ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون (27)( (الحديد). ومن شأن هذا أن يصرف المسلمين عن التأثر بها، ثم إن المسلم يعتقد أن دينه هو أكمل الأديان، وأن القرآن مهيمن على كل الكتب التي نزلت من عند الله - عز وجل ـعلى الأنبياء السابقين، ومن ثم فالمسلم يجد فيه - وفي حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسنته - ما يغنيه عن سواه، وعندما وجدت بعض بوادر التأثر ببعض الرهبان وجدت من يتصدى لها، ويقف في وجهها؛ لأن في الهدي المحمدي ما يغني عنها [99].
أما ما ذهب إليه نيكولسون من أن كلمة الزهد لم ترد في القرآن إلا مرة واحدة، فإنه ليست العبرة بالألفاظ، ولكن بتلك الروح الزهدية التي استعملت عليها الآيات القرآنية: مكية ومدنية، واشتملت عليها الأحاديث النبوية، وأكدها التطبيق العملي في حياة النبي ـصلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فمن هذه الآيات قوله تعالى: )وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون (64)( (العنكبوت)، وقوله تعالى: )اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (20)( (الحديد).
ومن هذه الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»[100]. وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا والله ما أخشى عليكم أيها الناس إلا ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا».[101] وقد قال جولد تسيهر في التعليق على رأى مماثل لنيكولسون: "لقد أصبح من الثابت أن من الأحكام المتيسرة التسليم بأن كلمة تكون الشاهد الوحيد الجدير بالثقة على وجود فكرة أو عدم وجودها... من أجل ذلك حري بنا أن نجعل للحكم والمثل الأخلاقية، وللمبادئ التي ينعكس عنها الفهم أو الإدراك الأخلاقي - كما هو الأمر في الإسلام - قوة أعظم من تلك التي نعزوها لكلمة أو تعبير فني" [102].
على أن ما قلناه لا يعني النفي المطلق لكل تأثر بالمصادر الأجنبية، ومنها الزهد الذي ظهر في المسيحية، وإنما المراد أن نبرز الأثر الإسلامي في نشأة الزهد عند المسلمين، وأنه ليس من المقبول استبعاده، لا سيما في عصور النشأة الأولى لظهور الزهد عند المسلمين [103].
وما قاله جولد تسيهر من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخذ بنصيب من جميع اللذات التي كانت في متناول يده، وأنه أمر الصحابة بالتمتع بزينة الله التي أخرجها لعباده والطيبات من الرزق - فهذا يتعارض مع سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويتعارض مع الفهم الصحيح لآيات القرآن الكريم.
فقد جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو على حصير قد أثر في جنبه، فقال: يا نبي الله، لو اتخذت فراشا أوثر من هذا، فقال: ما لي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها» [104].
وقال صلى الله عليه وسلم: «والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بم ترجع» [105].
أما قوله تعالى: )قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون (32)( (الأعراف) قال عنه ابن عباس: «كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة، يصفرون ويصففون، فأنزل الله: )قل من حرم زينة الله( فأمروا بالثياب» [106]. لكن جولد تسيهر يفهم منها أن الله أحل للناس التمتع بجميع اللذات والطيبات، وهذا بخلاف ما ورد في أسباب نزولها، وبخلاف ما ورد من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته وسيرة أصحابه وزهدهم ورضاهم بالقليل.
هذا وعسى أن يكون فيما قدمنا من سطور إزالة كل لبس وشبهة تنسب التصوف الإسلامي السني المقيد بالكتاب والسنة - نشأة وصدورا - إلى مصادر أجنبية عن الإسلام؛ وإبطال لتلك الآراء التي انطلقت من التعصب الديني البغيض ضد الإسلام والمسلمين والذي طغى على جملة المستشرقين، والتي بدأت في القرن التاسع عشر الميلادي، حين كانت روح الاستعمار ترمي إلى تثبيت دعائمه، وسلب المسلمين كل ميزة عقلية وعلمية، للوصول إلى نتيجة مؤداها أن المسلمين ليسوا مؤهلين لإنشاء أي حركة علمية، وهذا بدوره دفعهم إلى التفرقة التي ليس عليها دليل ألبتة بين الجنس السامي والجنس الآري في القدرة العقلية والفكرية.
ولقد كان هذا التعصب دافعا لعدد كبير من المستشرقين إلى إصدار أحكام مسبقة عن الإسلام والمسلمين والعلوم الإسلامية كلها، وهي أحكام تقوم كلها على البحث عن أصول لهذه العلوم من خارج البيئة الإسلامية.
وفي جانب التصوف، أدى هذا التعصب بهم إلى أن ركزوا في دراساتهم له على مرحلة متأخرة في تاريخه من جهة، وعلى دراسة شخصيات منتقاة من جهة أخرى ليتوصلوا إلى نتائج يبدو أنها - على أغلب الظن - قد أعدت سلفا. وعمموا أحكامهم على التصوف بجملته، وقد ساعد على ذلك إغفالهم التمييز بين التصوف السني المقيد بالكتاب والسنة والذي هو إسلامي النشأة والصدور والروح وبين التصوف الفلسفي الذي تبنى أفكارا من خارج البيئة الإسلامية, يأباها الشرع, وقد عارضها أصحاب هذا التصوف السني. فبنى كثير من المستشرقين أحكامهم بناء على هذا التيار الفلسفي المتأخر والمتأثر فعلا بعناصر أجنبية, فبنى هؤلاء أحكامهم كلها انطلاقا من هذا التيار فقط, فكان ذلك من أسباب الخلط في الحكم الصحيح على التصوف, وفي نسبته إلى مصادر غير إسلامية [107].
وجدير بالذكر ما حدث من هدأة حدة التعصب لدى كثير من المستشرقين, وفي هذا المعنى يقول مونتجمري وات: "لقد قامت في صفوف المستشرقين في السنوات الأخيرة محاولة إيجابية تحاول النفاذ بصدق وإخلاص إلى أعماق الفكر الديني للمسلمين, بدل السطحية الفاضحة التي صبغت دراساتهم السابقة, ولكن - على الرغم من ذلك - فإن التأثير بالأحكام التي صدرت مسبقا على الإسلام, والتي اتخذت صورة "أكلشيهات تقليدية" في الغرب, مازال قويا في بحوثهم, ولا يمكن إغفاله في أي دراسة لهم عن الإسلام" [108].
ولقد اعترف بجذور التصوف الإسلامي في الكتاب والسنة نيكلسون فقال " لقد وجد التصوف - في حقيقة الأمر - جذوره في الكتاب والسنة, مثله في ذلك مثل كل حركة دينية في الإسلام ". ويقول أيضا ومهما يكن من أمر, فإن هنالك أمورا كثيرة في القرآن تشكل أساسا حقيقيا للتصوف" [109].
على أننا لا نسمح بانسحاب هذا الكلام وغيره من كلام المستشرقين الذين اعترفوا بأصالة التصوف الإسلامي إلا على التصوف السني المقيد بالكتاب والسنة فقط, ولانسمح - ألبتة - أن ينسحب هذا الكلام وغيره على مظاهر التدهور والانحطاط التي آل إليها التصوف في العصور الأخيرة، والتي كان الصوفية الخلص يتبرءون منها, ويعزلونهم من الانتساب إليهم, هذا فضلا عن أننا لا نسمح - من باب أولى - أن ينسحب هذا الكلام على ذلك التصوف الذي أسميناه تسامحا التصوف الفلسفي.
الخلاصة:
· لا شك أن منهج التأثير والتأثر منهج معترف به في البحث العلمي, فهو منهج سليم, بيد أن المغالاة في تطبيقه تؤدي إلى أخطاء علمية تخالف الواقع والتاريخ, وهذا ما حدث من بعض المستشرقين حين طبقوا هذا المنهج على التصوف الإسلامي, فعزوا[110] هذا التصوف الذي يرتبط بالإسلام - نشأة ومنبعا - إلى مصادر خارجية.
· لمصطلح الصوفي تفسيرات كثيرة,وهي وإن كان أرجحها نسبته إلى لبس الصوف, فإن هذه التفسيرات جميعا تدل على أن التصوف عربي المولد إسلامي النشأة؛ لأن الناظر في هذه التفسيرات جميعا يجدها نابعة من البيئة العربية والإسلامية.
· نسبة صوفية إلى الكلمة اليونانية sōØoσ (سوفس) ليست صحيحة, وقد حسم هذه المسألة نيلدكه المستشرق الألماني, وبين أن هذه الكلمة اليونانية غير معروفة في الآرامية, ولذ يصعب العثور عليها في العربية نقلا عن الآرامية، كما أنه في الآرامية والعربية يتعرب الحرف اليوناني o إلى س, ولا يتعرب إلى ص, فلو كانت كلمة "صوفي " مشتقة من كلمة يونانية كانت الصاد التي في أولها شاذة تماما, كما أنه ليس ثمة دليل حقيقي على أن كلمة " صوفي " مشتقة من الكلمة "سوفس " اليونانية, بينما اشتقاقها من كلمة "صوف" العربية تقره اللغة العربية والمصادر العربية.
· كل تعريفات التصوف بجوانبها المختلفة - سواء التي تركز على الجانب العملي أو الأخلاقي وتحققها في السلوك أو جانب المعرفة أو غيرها - تدل على أن التصوف نابع من البيئة الإسلامية وليس من خارجها.
· إذا كان الزهد هو جوهر التصوف والبيئة الطبيعية له, فإن المسلمين قد وجدوا في ظل الإسلام طريقا واضحا إلى تحقيق هذا,وذلك بما تضمنته أنوار الوحيين الشريفين - الكتاب والسنة - من نصوص تدعو الى العزوف[111] عن الدنيا والتزهيد فيها, وبما مثلته حياة النبي من أنموذج تطبيقي حقيقي لهذه المباديء والقيم.
· إذا كانت كلمة الناطقين في علم التصوف اجتمعت على أن التصوف هو الخلق, كما قال ابن القيم, فإن الإسلام من قرآن وسنة قد عني بهذا الجانب الأخلاقي عناية كبيرة، حتى لا تكاد سورة من القرآن تخلو من التنبيه على هذا الجانب, باعتباره سمة أساسية في الزهد.
· إذا كان من طبائع الأمور أن الظاهرة تفسر بعواملها القريبة, وكان المسلمون قد وجدوا في الإسلام طريقا واضحا إلى حياة التصوف الإسلامي الصحيح؛ فإنه لا وجه - إذن - لدعوى اقتباس التصوف الإسلامي من البيئات الخارجة عنه، ولذا نستطيع القول بأن نسبة هذا التصوف الإسلامي إلى أحد التأثيرات الوافدة إليها أو جميعها - نشأة وصدورا - دونه خرط القتاد.
· لقد كان أصحاب التصوف السني مرتبطين بالكتاب والسنة وحريصين على توضيح النسبة بين تصوفهم وبين الكتاب والسنة, وهذا المنهج بلا شك يمنع من تغلغل أي تأثيرات خارجية أو ثقافات أجنبية, ولكن بعض المستشرقين أغفلوا هذا فضلوا وضللوا.
· جدير بالذكر أننا ندافع عن التصوف المنتسب إلى الكتاب والسنة المنتهج نهجهما, بعيدا عن مظاهر التدهور والانحطاط التي تبرأ منها أصحاب هذا التصوف السني المعتدل وأسفوا لوجودها بين المنتسبين إليهم ومدعي ذلك. هذا فضلا عن أن نقرر أننا لا ندافع - من باب أولى - عن ذلك التصوف الفلسفي الذي ينافي الشرع, والذي اقتبسه أصحابه من الفلسفات الخارجية.
· إذا كنا قد أثبتنا بأدلة قاطعة أصالة التصوف السني, فإننا نعترف بأن التصوف الفلسفي ليس من الإسلام في شيء, وقد تأثر رجاله بالأفكار الدخيلة والتعاليم الغربية والمؤثرات الأجنبية, فقد مزج فيه أصحابه بين تراث الهند وفارس والفلسفة اليونانية والأفلاطونية المحدثة والعقائد المسيحية, وهذا التصوف هو المتأثر - حقا - بالثقافات الخارجية عن الإسلام, بل هو ليس من الإسلام أصلا, فإن كان المستشرقون يقصدون تأثر هذا التصوف الفلسفي فنحن معهم, أما إذا قصدوا التصوف السني, فهذا لا يستسيغه العقل السليم ولا تسمح به حقائق التاريخ, كما أوضحنا سابقا.
· في سبيل سلب الإسلام كل ميزة ومقدرة عقلية وفكرية، وسلبه كل أصالة، راح بعض المستشرقين يبحثون عن مصدر للتصوف الإسلامي باعتباره نبتا غريبا عن بيئته، فتعسفوا في طلب الدليل على ذلك, فجاءت أدلتهم - في معظمها - متهافتة لا تقوم بها حجة, بل كلها مدحوضة بأدلة قاطعة تؤيدها حقائق التاريخ.
· ما استند إليه المدعون من تأثر التصوف السني بالفارسي غير صحيح؛ لأن الأصل تأثير الثقافة والحضارة الأغلب في الحضارة الأضعف, وكانت الأقوى آنذاك العربية الإسلامية,وحقائق التاريخ تثبت تأثر الفرس بحضارة العرب, كما أن ما استشهدوا به من نماذج متأخر عن نشأة التصوف الإسلامي,أما القول بأن كثيرا من الصوفية كانوا من الفرس، فهذا لا يدل على صحة القول بالأصل الفارسي؛ لأن كثيرا من الزهاد والصوفية كانوا من غير الفرس. أما القول بالتأثر ببعض الأفكار, فهو لا يصلح دليلا على ما ادعوه,لأن هذا التشابه ربما كان راجعا إلى تشابه السلوك الإنساني إزاء موقف من المواقف أو مشكلة من المشكلات.
· يرد على القائلين بالمصدر الهندي بأنه لا بد من أن نثبت وجود صلة تاريخية واضحة بينهما ووجود مسارب[112] تنتقل عبرها هذه الأفكار, وتلك مسالة يعوزها الدليل المادي القاطع الذي لا شبهة فيه ولا غبار عليه. وأما الاعتماد على ما قاله البيروني فإنه لم يكن في حسبانه فكرة التأثير والتأثر, وإنما كان يهتم بإبراز التشابه فقط الذي لا يعني بالضرورة التأثر, فربما كان تلاقي النتائج من اتباع منهج واحد.
· أما القائلون بالأصل اليوناني فهم محقون إن قصدوا التصوف الفلسفي الذي لا علاقة للإسلام به، والذي لم يبدأ إلا في القرن الثالث الهجري بعد ظهور التصوف السني بسنوات عديدة.
· أما القائلون بالأصل اليهودي, فيرد عليهم بأن العلاقة لم تكن تسمح بالتأثير والتأثر, كما أن اهتمام اليهود بالزهد والروحانيات لم يكن قويا إلى حد يبلغ بهم درجة الاقتداء, بل إن حقائق التاريخ تثبت أن اليهود هم الذين تأثروا بالمسلمين, أما التأثر بالنصرانية فيكفي أن الله ذم رهبانيتهم التي يأباها طبع الإسلام وينفيها حسه, وهذا كاف لانصراف المسلمين والتأثر بهم والأخذ عنهم.
· يرد على كل ما ادعاه المدعون - بوجه عام - من تأثير العناصر الخارجية في نشأة التصوف، بما قررناه سابقا من أن التعاليم الإسلامية كانت - وما زالت - جديرة بتحقيق التوازن الروحي للمسلم بما يغنيه عن التورط في أوحال الأفكار والفلسفات الخارجة عنه والتي لا تسلم من نقده.
· يحسن بنا - أخيرا - أن نوضح أن روح التعصب التي سادت بين المستشرقين في القرن التاسع عشرـ والتي كانت وراء نسبة التصوف الإسلامي إلى عناصر مؤثرة خارجة عنه، وذلك ضمن سلسلة من الادعاءات رمت إلى سلب الإسلام كل ميزة عقلية وفكرية بل كل أصالة له - قد هدأت حدتها في السنوات الأخيرة، فاعترف كثير منهم بأصالة التصوف الإسلامي وجذوره في الكتاب والسنة, على أننا ننبه على أن كلامهم لا يمكن أن نوافق عليه إلا إذا كان مقصودا به التصوف السني؛ فقط المقيد بالكتاب والسنة.
(*) تاريخ الشعوب العربية، ألبرت حوراني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط1، د.ت.
[1]. الغنوص (الغنوصية): كلمة يونانية الأصل، ومعناها: المعرفة، غير أنها أخذت بعد ذلك معنى اصطلاحيا وهو: التوصل ـ بنوع من الكشف ـ إلى المعارف العليا، أو هو تذوق تلك المعارف تذوقا مباشرا؛ بأن تلقى في النفس إلقاء، فلا تستند على الاستدلال أو البرهنة العقلية.
[2]. الأفلاطونية المحدثة: مذهب فلسفي قالت به مدرسة الإسكندرية فيما بين القرنين الثالث والسادس الميلاديين نسبة إلى أفلوطين، وهو فيلسوف سكندري عاش في الفترة من ( 205م ـ270م) وهو متأثر بأفلاطون، وتعزي إليه مع آخرين الأفلاطونية المحدثة، وأساس المذهب القول بالواحد الذي صدرت عنه الكثرة، وفيه نزعة صوفية تمزج الفلسفة بالدين، وتؤكد على أن الصورة المثالية عبارة عن حقيقة مطلقة، وكان لهذا المذهب تأثير كبير على المعتقدات النصرانية.
[3]. المتهافتة: الساقطة.
[4]. المدحوضة: المردودة.
[5]. بيد: غير.
[6]. قانون العلة والمعلول: العلة تطلق على المرض، وتطلق على السبب، وفقد عرفها الغزالي ـ في اصطلاح الأصوليين ـ بقوله: هي ما أضاف الشارع الحكم إليه، وناطه به، ونصبه علامة عليه. والمعلول: المسبب، والعلة للمعلول كالغيث للنبات.
[7]. ابن تيمية والتصوف، د. مصطفى حلمي، دار الدعوة، القاهرة، ط2، 1982م، ص74.
[8]. تغلغل: تسرب.
[9]. ابن تيمية والتصوف، د. مصطفى حلمي، دار الدعوة، القاهرة، ط2، 1982م، ص74.
[10]. يترسموا: يتصفوا.
[11]. الدأب: العادة.
[12]. اللمع، أبو نصر السراج الطوسي، نقلا عن: نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص14.
[13]. تجزوا: لبسوا الجزر، وهو الصوف.
[14]. انظر: التصوف والتفلسف: الوسائل والغايات، د. صابر طعيمة، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 2005م، ص24.
[15]. نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص15، 16 بتصرف.
[16]. التصوف، ابن تيمية، نقلا عن: ابن تيمية والتصوف، د. مصطفى حلمي، دار الدعوة، القاهرة، ط2، 1982م، ص44.
[17]. الكدر: العكارة.
[18]. التصوف والتفلسف: الوسائل والغايات، د. صابر طعيمة، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 2005م، ص24، 25.
[19]. نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص20.
[20]. التصوف والتفلسف: الوسائل والغايات، د. صابر طعيمة، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 2005م، ص28.
[21]. الصوفية والفقراء، ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية، نقلا عن: نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص18.
[22]. تاريخ التصوف الإسلامي من البداية حتى نهاية القرن الثاني الهجري، د. عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات، الكويت، ط1، 1975م، ص10.
[23]. نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص26.
[24]. أصالة التفكير الفلسفي في الإسلام، د. عبد المقصود عبدالغني، ط1، 1985م، ص185: 187
[25]. نشأة التصوف، عبد الكريم الخطيب، سلسلة الثقافة الإسلامية، المكتب الفني للنشر، القاهرة، 1380هـ/ 1960م، ص30.
[26]. التصوف الإسلامي بين الاتباع والابتداع، د. السيد رزق الحجر، دار الهاني، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، ص35.
[27]. تلبيس إبليس، ابن الجوزي، نقلا عن: نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص52.
[28]. اتجه كثير من الصوفية إلى ملاحظة الجانب الأخلاقي في تعريف التصوف، ومن ذلك قول أحمد بن محمد الحريري: التصوف هو الدخول في كل خلق سني، والخروج من كل خلق دني. وقول الجنيد: هو العلو إلى كل خلق شريف، والعدول عن كل خلق دنيء. وقول الكتاني: التصوف خلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الصفاء.
[29]. المثول: الوقوف.
[30]. التصوف الإسلامي بين الاتباع والابتداع، د. السيد رزق الحجر، دار الهاني، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، ص36: 41،بتصرف.
[31]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب حدثنا قتيبة بن سعيد (7606).
[32]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقائق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر" (6053).
[33]. صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الزهد، باب ما ذكر عن نبينا صلى الله عليه وسلم (34324)، والترمذي في سننه، كتاب الزهد، باب هوان الدنيا على الله عز وجل (2320)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (686).
[34]. نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص54: 58.
[35]. الكفاف: ما يسد الحاجة.
[36]. جامع بيان العلم وفضله، أبو عمر يوسف بن عبد البر، تحقيق: أبو الأشبال الزهري، مكتبة التوعية الإسلامية، مصر، 1428هـ/ 2007م، ج1، ص727.
[37]. نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص58، 59.
[38]. دونه خرط القتاد: مثل يضرب للدلالة على استحالة الحدوث.
[39]. فصول في التصوف، د. حسن الشافعي، ص64، نقلا عن: التصوف الإسلامي بين الاتباع والابتداع، د. السيد رزق الحجر، دار الهاني، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، ص37.
[40]. انظر: أصالة التفكير الفلسفي في الإسلام، د. عبد المقصود عبدالغني، ط1، 1985م، ص187: 192.
[41]. السجية: الطبع.
[42]. نصب: أمام.
[43]. الهيمنة: السيطرة.
[44]. ابن تيمية والتصوف، د. مصطفى حلمي، دار الدعوة، القاهرة، ط2، 1982م، ص195.
[45]. انظر هذه الأقوال في كتاب: نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص93، 94.
[46]. نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص95.
[47]. المشاحة: المجادلة.
[48]. العذبة: تطلق على العمامة.
[49]. نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص132، 133 بتصرف.
[50]. نشأة التصوف، عبد الكريم الخطيب، سلسلة الثقافة الإسلامية، المكتب الفني للنشر، القاهرة، 1380هـ/ 1960م، ص39.
[51]. القرامطة: فرقة إسماعيلية باطنية، أسسها قرمط أو قرمط حمدان ( ت 294هـ/ 906م)، وانتشر أتباعها في العراق وسوريا والبحرين واليمن.
[52]. برمته: بكامله.
[53]. أصالة التفكير الفلسفي في الإسلام، د. عبد المقصود عبدالغني، ط1، 1985م، ص193، 194.
[54]. القبالا: مذهب يهودي، لازمهم في كل مكان عاشوا فيه محاولا الزحف على كل العقائد والسيطرة على كل المجتمعات بدعوى أن بيديها الخلاص.
[55]. نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص95، 96 بتصرف.
[56]. التصوف والتفلسف: الوسائل والغايات، د. صابر طعيمة، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 2005م، ص97.
[57]. ابن تيمية والتصوف، د. مصطفى حلمي، دار الدعوة، القاهرة، ط2، 1982م، ص82، 83 بتصرف يسير.
[58]. نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص104.
[59]. التصوف الإسلامي بين الاتباع والابتداع، د. السيد رزق الحجر، دار الهاني، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، ص33.
[60]. مدى انطباق الأفكار الصوفية على الكتاب والسنة، د. عبد الله الشاذلي، ص243، نقلا عن: التصوف الإسلامي بين الاتباع والابتداع، د. السيد رزق الحجر، دار الهاني، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، ص19، 20.
[61]. التصوف الإسلامي بين الاتباع والابتداع، د. السيد رزق الحجر، دار الهاني، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، ص20.
[62]. نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص102.
[63]. التصوف الإسلامي بين الاتباع والابتداع، د. السيد رزق الحجر، دار الهاني، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، ص21.
[64]. التصوف الإسلامي بين الاتباع والابتداع، د. السيد رزق الحجر، دار الهاني، القاهرة، 1425هـ/ 2004م، ص21.
[65]. العفوي: التلقائي.
[66]. التصوف الثورة الروحية في الإسلام، د. أبو العلا عفيفي، ص56، 57، نقلا عن: نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص105.
[67]. مدخل إلى التصوف الإسلامي، د. أبو الوفا الغنيمي التفتازاني، دار الثقافة، القاهرة، 1983م، ص27.
[68]. انظر: الاتجاهات الحديثة في دراسة التصوف الإسلامي، د. محمد عبد الله الشرقاوي، نسخة خاصة بدار العلوم، جامعة القاهرة، ص31.
[69]. الاتجاهات الحديثة في دراسة التصوف الإسلامي، د. محمد عبد الله الشرقاوي، نسخة خاصة بدار العلوم، جامعة القاهرة، ص31.
[70]. الإشارة هنا إلى ما كتبه أبو الريحان البيروني في كتابه "تحقيق ما للهند من مقولة في العقل مقبولة أو مرذولة"، وقد وازن فيه بين عقائد الهنود وحكمتهم وبين أنظار اليونان ومذاهبهم الفلسفية من ناحية، وبين أذواق الصوفية المسلمين وأقوالهم وطرقهم في الرياضة من ناحية أخرى. (انظر: الاتجاهات الحديثة في دراسة التصوف الإسلامي، د. محمد عبد الله الشرقاوي، نسخة خاصة بدار العلوم، جامعة القاهرة ، ص38).
[71]. في التصوف الإسلامي وتاريخه، نيكلسون، ترجمة د. أبو العلا عفيفي، نقلا عن: الاتجاهات الحديثة في دراسة التصوف الإسلامي، د. محمد عبد الله الشرقاوي، نسخة خاصة بدار العلوم، جامعة القاهرة، ص37.
[72]. انظر: مدخل إلى التصوف الإسلامي، د. أبو الوفا الغنيمي التفتازاني، دار الثقافة، القاهرة، 1983م، ص32.
[73]. انظر: الاتجاهات الحديثة في دراسة التصوف الإسلامي، د. محمد عبد الله الشرقاوي، نسخة خاصة بدار العلوم، جامعة القاهرة، ص45.
[74]. الفهرست، ابن النديم، ص246، نقلا عن: تاريخ التصوف الإسلامي من البداية حتى نهاية القرن الثاني الهجري، د. عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات، الكويت، ط1، 1975م، ص38.
[75]. فصول في التصوف، د. حسن الشافعي، ص59، نقلا عن: الاتجاهات الحديثة في دراسة التصوف الإسلامي، د. محمد عبد الله الشرقاوي، نسخة خاصة بدار العلوم، جامعة القاهرة، ص47.
[76]. يعوذها: ينقصها.
[77]. انظر: الحياة الروحية في الإسلام، د. محمد مصطفى حلمي، ص47، نقلا عن: الاتجاهات الحديثة في دراسة التصوف الإسلامي، د. محمد عبد الله الشرقاوي، نسخة خاصة بدار العلوم، جامعة القاهرة، ص47، 48.
[78]. فصول في التصوف، د. حسن الشافعي، ص59، نقلا عن: الاتجاهات الحديثة في دراسة التصوف الإسلامي، د. محمد عبد الله الشرقاوي، نسخة خاصة بدار العلوم، جامعة القاهرة، ص41.
[79]. الاتجاهات الحديثة في دراسة التصوف الإسلامي، د. محمد عبد الله الشرقاوي، نسخة خاصة بدار العلوم، جامعة القاهرة، ص41.
[80]. مدخل إلى التصوف الإسلامي، د. أبو الوفا الغنيمي التفتازاني، دار الثقافة، القاهرة، 1983م، ص32.
[81]. مدخل إلى التصوف الإسلامي، د. أبو الوفا الغنيمي التفتازاني، دار الثقافة، القاهرة، 1983م، ص33، 34.
[82]. انتحل الشيء: ادعاه لنفسه وهو لغيره.
[83]. العقيدة والشريعة في الإسلام، جولد تسيهر، ص130: 136، نقلا عن: نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص61.
[84]. في التصوف الإسلامي وتاريخه، نيكلسون، ص43: 47، نقلا عن: نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص61.
[85]. المآرب: جمع مأرب، وهو الغرض
[86]. المصرورة: الموضوعة في الصرة.
[87]. المراؤون: المتكبرون.
[88]. النعنع: النعناع.
[89]. الشبث: اسم نبات.
[90]. الصحفة: إناء من آنية الطعام.
[91]. قصة الحضارة، ول ديورانت، ج4، ص96. نقلا عن: نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص63.
[92]. قصة الحضارة، ول ديورانت، 14/ 110. نقلا عن: نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص63.
[93]. قصة الحضارة، ول ديورانت، 14/ 115. نقلا عن: نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص63.
[94]. قصة الحضارة، ول ديورانت، 14/ 121. نقلا عن: نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص63.
[95]. انظر مثلا: الأثر الإسلامي في الفكر اليهودي، د. عبد الرازق قنديل، لا سيما الصفحات 417: 451 والمقدمة.
André Chouraqui, lapens'ee juive P.U.F Paris 1975.p67 et suit. نقلا عن: نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص64.
[96]. انظر: قصة الحضارة، ديورانت، 14/ 121، 136: 139. نقلا عن: نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص64.
[97]. منبعا الأخلاق والدين، برجسون، ص256، 257، وانظر: التصوف في الإسلام، د. عمر فروخ، ص35. نقلا عن: نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص64.
[98]. انظر: في التصوف الإسلامي وتاريخه، ص113. نقلا عن: نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص65.
[99]. انظر: حلية الأولياء،الأصفهاني، 4/ 221، 222. ومجموع فتاوى ابن تيمية، 11/ 7. نقلا عن: نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص65.
[100]. أخرجه البخاري في صحيحه،كتاب الرقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كن في الدنيا كأنك غريب" (6053).
[101]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب تخوف من يخرج من زهرة الدنيا (2468).
[102]. العقيدة والشريعة في الإسلام، جولد تسيهر، ص21، نقلا عن: نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص66.
[103]. نظرات في التصوف الإسلامي، د. عبد الحميد عبد المنعم مدكور، دار الهاني، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص66.
[104]. إسناده صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند بني هاشم، مسند عبد الله بن العباس رضي الله عنهما (2744)، وابن حبان في صحيحه، كتاب التاريخ، باب من صفته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخباره (6352)، وصحح إسناده الأرنؤوط في تعليقه على المسند.
[105]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة (7376).
[106]. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير،باب:أحاديث عبد الله بن عباس بن عبد المطلب،رقم(12324)0
[107]. انظر: التصوف الإسلامي بين الاتباع والابتداع، د. السيد رزق الحجر، دار الهاني، القاهرة، 1425هـ/ 2004م, ص27: 30.
[108]. المذهب المحمدي, مونتجمري وات, نقلا عن: الاتجاهات الحديثة في دراسة التصوف الإسلامي، د. محمد عبد الله الشرقاوي، نسخة خاصة بدار العلوم، جامعة القاهرة, ص26, 27.
[109]. الاتجاهات الحديثة في دراسة التصوف الإسلامي، د. محمد عبد الله الشرقاوي، نسخة خاصة بدار العلوم، جامعة القاهرة, ص167: 175.
[110]. عزوا: أرجعوا.
[111]. العزوف: البعد.
[112]. المسارب: الممرات.
go
online how long for viagra to work
go
online how long for viagra to work
why do wife cheat on husband
wife cheaters reasons why married men cheat