ادعاء أن القرآن الكريم لم يأت بجديد وأن ما فيه مقتبس من التوراة والإنجيل(*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المشككين أن القرآن الكريم لم يأت بجديد في أحكامه وتشريعاته وقصصه، وإنما هو مقتبس من الكتب السابق ومصاغ من نصوصها. هادفين من وراء ذلك إلى التشكيك في مصدر القرآن الكريم والقول ببشريته.
وجها إبطال الشبهة:
1) انفرد القرآن بأحكام وتشريعات لم تعهدها الكتب السابقة عليه.
2) التشابه في ذكر الوقائع والأحداث بين القرآن والكتب السابقة لا يعني أنه اقتبس منها، فقد أضاف وعدل وذكر ما لم تعرفه؛ فالجديد في القرآن لا يتمثل في الإضافة فقط، وإنما في تصويب الأخطاء التي وردت في العهدين القديم، والجديد بسبب التحريف والتزييف.
التفصيل:
أولا. القرآن يتضمن أحكاما وتشريعات مغايرة لما ورد في الكتب السابقة، وأخرى غير معهودة من قبل:
فمما نجده في القرآن من أحكام وتشريعات لم تعهدها الكتب السابقة:
· في محيط العقيدة:
نرى أن "الله" - سبحانه وتعالى - في عقيدة اليهود يحمل صفات بشرية، فهو يستشير الحاخامات، ويندم على ما أنزله باليهود وبالهيكل، والله عندهم ضعيف صارع "إسرائيل" فصرعه "إسرائيل"، وهو مصدر الشر، كما هو مصدر الخير.
أما في المسيحية فالله اثنان أو ثلاثة، وله أبناء ينتسبون إليه، والمسيح إله وهو ابن الله، فلو كان القرآن مقتبسا من الإنجيل، فلماذا لم يأخذ بنظرية التثليث، وعقيدة الصلب والفداء والخطيئة الموروثة؟!
أيضا كان الإسلام واقعيا حين رفض "الرهبنة" التي تعني اعتزال الحياة الدنيا، وتحقير الواقع الذي أصله رد فعل على العبودية اليهودية للدنيا.
· في محيط التشريعات:
ترتكز التشريعات اليهودية على الوصايا العشر، أما التشريعات المسيحية فترتكز على مجموعة مواعظ، وكلتاهما تفتقد مفهوم التشريع المطلوب للحياة. أما القرآن فهو رسالة خاتمة صالحة لكل مكان وزمان، وقد حدد القرآن موقف الإنسان وعلاقته بالدنيا والآخرة، وقد أتى بالجديد الذي غير مسار البشرية.
· في محيط الأسرة:
ينظر العهد القديم إلى المرأة باعتبارها مصدر كل شر، وهي شباك وقلبها أشراك، ويداها قيود، فقد جاء في سفر الجامعة: "درت أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلا، ولأعرف الشر أنه جهالة، والحماقة أنها جنون. فوجدت أمر من الموت: المرأة التي هي شباك، وقلبها أشراك، ويداها قيود. الصالح قدام الله ينجو منها. أما الخاطئ فيؤخذ بها. (الجامعة 7: 25، 26). أما الإسلام فيضعها في مكان المساواة مع الرجل، ويقدر العديد من النماذج المثالية للمرأة أمثال: مريم ابنة عمران، وامرأة فرعون، وأم موسى، وغيرهن الكثيرات.
· في مجال حرية الإرادة وحقوق الإنسان:
وفيما يتصل بقضية الحرية واحترام حقوق وكرامة الإنسان، فالقرآن وضع القوانين التي تصون الإنسان، وتحفظ له دمه وماله وعرضه، وتحقق له السعادة في الدنيا والفوز في الآخرة. فإن الإنسان لا يخضع إلا لخالقه، ويقدر له الحرية من لحظة ميلاده - ولو لم يسلم - وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"؟! إضافة إلى حرية الإنسان في الاعتقاد والسياسة.
أما إذا نظرنا إلى وصية بولس للعبيد لوجدنا أنها تعتبر طاعة الطبقة الحاكمة كطاعة المسيح فيقول: "أيها العبيد، أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف ورعدة في بساطة قلوبكم كما للمسيح... ". (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 6: 5).
· في أمر الحرب والسلام:
اعتبر القرآن السلام هو الأصل والحرب ضرورة لإصلاح الفساد، فلأول مرة في تاريخ الحروب يوصي بألا يقتل شيخ، ولا صبي، ولا امرأة، ولا راهب في صومعته، ولا عابد في محرابه، ولا تقطع شجرة مثمرة ولا مظلة، ولا يجهزوا على جريح ولا يمثل بقتيل... إلخ.
· في شئون المال والثروة:
كان الربا ولا يزال قوام الاقتصاد بين أهل الكتاب، وهو ما برر فلسفة "الاستعمار" واغتصاب ما بأيدي الضعفاء، أما الإسلام فقد قضى ولأول مرة على هذه الظاهرة أو أنذر من يتعاملون بها بحرب من الله ورسوله. وقد أنزل القرآن "المال" من مكانة المعبود إلى حالة الخادم (أي وسيلة لا غاية لرعاية الناس وليس هدفا يتقاتلون عليه، ويمتصون بسببه دماء الفقراء)، وقدر أن المال مال الله، والناس ليسوا إلا مستخلفين فيه.
· في العلاقات الدولية والتعايش السلمي:
جاء القرآن برؤية مستقبلية جديدة في مجال العطاء الحضاري، قوامها الارتقاء بالإنسان من عنصر الطين فيه إلى عالم الروح، وبين أن تغيير الناس يرتبط بتغيير أنفسهم، بعيدا عن العنف والثورات التي تضر أكثر مما تنفع[1].
وبالنظر إلى تقييم المنظمات الحقوقية، والأمم المتحدة ومواثيق جنيف، يتبين أن قتل المدنيين جريمة حرب، واغتصاب المنتصر لنساء المهزوم جريمة حرب، وذبح أطفال المهزوم جريمة حرب، وقتل البهائم - لكونها ملكية خاصة للمهزوم - جريمة حرب وجنون وشذوذ عقلي.
فهل طبقوا هذه القوانين في معاملتهم مع الآخر - فهذه القوانين هي ما دعا إليها الإسلام، وطبقها المسلمون ـ؟ بالطبع لا، فكتبهم المقدسة تحثهم على قتل الأطفال والنساء واغتصابهن، وتعد هذا قربى إلى الله، ففي سفر التثنية ينقل لنا الكاتب الكاذب الإرهاب والإجرام في صورة أوامر من الرب، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا: "فضربا تضرب سكان المدينة بحد السيف، وتحرقها بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف". (التثنية 13: 15)، فهذا أمر صريح بقتل الجميع، وحرق المدينة بما فيها من البهائم، وهذا قليل من كثير".
ففي السفر نفسه نجد: " وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها، فتغتنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك. هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدا التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا. وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا فلا تستبق منها نسمة ما". (التثنية 20: 13ـ 16)، بل الأدهى من ذلك ما نجده في سفر أخبار الأيام الأول من أبشع صور القتال المنسوبة إلى نبي الله داود عليه السلام: "وأخرج الشعب الذين بها ونشرهم بمناشير ونوارج حديد وفؤوس. وهكذا صنع داود لكل مدن بني عمون. ثم رجع داود وكل الشعب إلى أورشليم". (أخبار الأيام الأول 20: 3)، وفي سفر العدد: "فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال. وكل امرأة عرفت رجلا بمضاجعة ذكر اقتلوها. لكن جميع الأطفال من النساء اللواتي لم يعرفن مضاجعة ذكر أبقوهن لكم حيات". (العدد 31: 17، 18).
أفبعد هذا ما زالوا يصرون على ادعائهم هذا، فهل قرر القرآن هذه الأكاذيب أم صححها وعدل ما بها من تحريف[2]؟!
القرآن يحتوي على تشريعات وقصص لم تعهدها الكتب السابقة:
فيما يتصل بهذا الشأن نرى:
· اشتمال القرآن على أخبار لم يكن يعرفها أهل الكتاب، فقد ذكر مثلا قصة زكريا وولادة مريم وكفالته لها، وخصص لها سورة كاملة ولم تذكر في العهد الجديد، فمن أين استقى محمد هذه المعلومات إذن؟
· جاء في سفر الخروج: أن ابنة فرعون هي التي تبنت موسى في حين قرر القرآن أن امرأة فرعون هي التي تبنته، وفيه أيضا نسبة عبادة العجل إلى هارون، والقرآن نسبه إلى السامري، وذكر إنكار هارون ذلك عليهم.
· لقد جعل القرآن الكريم من أنبياء الله نماذج أخلاقية عليا، بينما ينسب العهد القديم إلى بعضهم ارتكاب الفواحش، وهذا لا يتفق مع مكانة الأنبياء في التصور الإسلامي "، فقد زعم أهل الكتاب مثلا أن لوطا زنا بابنتيه، وأن نوحا ثمل[3] حتى ترنح سكرا، وإبراهيم كاذب وديوث لا يغار على عرضه، وموسى يهدد ربه بالاستقالة من النبوة... وغيرها الكثير".
· العبادات في الإسلام والتي جاء بها القرآن من صلاة وصيام وزكاة وحج، وتفاصيل هذه الشعائر وطريقة إجرائها، من الأمور التي لا نظير لها في الديانات السابقة، فالصلوات الخمس وطريقة أدائها في أوقات معينة وبصيغ محددة، والصيام في شهر رمضان من كل عام بالامتناع عن الطعام والشراب وجميع الشهوات من الفجر إلى غروب الشمس، والزكاة، وطريقة أدائها ومصارفها وأنواع الزكاة، والحج وما يشتمل عليه من طواف ووقوف بعرفة وسعى بين الصفا والمروة ورمى للجمار... إلخ، أمور لا يشتمل عليها أي دين بالكيفية التي أتى بها الإسلام[4].
وقد أجمل الأستاذ محمد قطب وجوه إعجاز القرآن - ومن ثم جديده ومتفرده - بقوله: "ولن يفي كتاب واحد - مهما تضخمت صفحاته - بالحديث عن كل مجالات الإعجاز في القرآن، فهي في حاجة إلى أن يتفرغ لها كتاب وباحثون، بحيث تتكون من مجموع بحوثهم مكتبة كاملة عن إعجاز القرآن، سواء الإعجاز البياني الذي لا تنفد عجائبه، أو الإعجاز الدعوى بوصفه كتاب دعوة قد أبرز عقيدة التوحيد الصافية، كما لم يبرزها كتاب قط، ودخل بها إلى قلوب البشر من جميع منافذها وأقطارها كما لم يفعل كتاب قط، أو الإعجاز التشريعي الذي تضمن شريعة متكاملة، وافية بحياة البشر ومتطلبات وجودهم لا في زمان نزولها فحسب، بل مهما امتد بهم الزمن وتعددت مجالات الوجود، أو الإعجاز التربوي الذي أخرج خير أمة أخرجت للناس، أو الإعجاز العلمي الذي تتكشف آياته كلما زاد البشر علما بما حولهم من الكون"[5].
ويفصل هذا الجديد شيئا ما د. محمد عبد الله دراز بطرحه السؤال الآتي: ما هو الجديد والتقدمي إذن في تعاليم القرآن الأخلاقية؟ ثم يجيب قائلا: "هذا هو ما سنوضحه في ملاحظات مختصرة تهم كل باحث منصف:
1. في مجال الفضيلة الشخصية:
في هذا المجال الفردي نجد على الأقل قاعدة جديدة ومبدأ جديدا في القرآن، فالقاعدة الجديدة هي تحريم الخمر والقضاء على مصادرها بمنع تناول أي مشروب مسكر: )يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون (90)( (المائدة).
وأما المبدأ الجديد الذي نقصده هنا فهو "النية" باعتبارها لب العمل الأخلاقي، فلكي يحمس موسى قومه كان يغريهم بآمال أرض الميعاد، وبالنصر على الأعداء وبالبركة والرخاء في كل شئون الحياة الدنيا. وجاء المسيح لكي يفتتح عهدا جديدا في الدعوة الدينية، فيوضح لنا الإنجيل أن النعيم والسعادة الموعودة ليست في هذه الدنيا. فآمال النفوس وطموح الأرواح، عليها منذ ذلك الحين أن تنصرف عن الحياة الدنيوية وتتجه إلى السماء، وأخيرا يأتي القرآن الكريم، وإذا هو بمنهجه البناء يجمع بين هذين الوعدين ويوفق بينهما لا باعتبارهما الباعث المحرك للإنسان وإنما باعتبار أن الهدف الذي ينبغي على الإنسان الفاضل أن يقصده ليس في ملكوت السماء ولا في ملك الدنيا. إنما هو أعلى من هذا كله، إنه في الخير المطلق أي في ابتغاء وجه الله تعالى الذي يجب استحضاره في القلب عند أداء العمل الإنسـانــي بتنفيــذ أوامــره: )وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله( (البقرة: 272) )وما لأحد عنده من نعمة تجزى (19) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى (20) ولسوف يرضى (21)( (الليل).
2. الفضيلة في العلاقات بين الأفراد:
وها هو تقدم آخر يرتبط بالقاعدة الأخلاقية التي تحدد علاقاتنا بإخوتنا فبأحكام التوراة وأحكام الإنجيل استقامت شجرة الفضيلة وبزغت فروعها وأوراقها، أما في المجال القرآني فإن هذه الشجرة الخضراء سوف تزهر وتؤتي ثمارها، فبالإضافة إلى كنز العدل والمحبة الذي عني القرآن بحفظه، أوجد فصلا رائعا فيما يمكن تسميته بالحضارة الأخلاقية، إنه تقنين حقيقي في الأدب والذوق الاجتماعي والتحشم في المظهر: )وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا (86)( (النساء).
وقـال تعالـى: )يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكـم لعلكـم تذكـرون (27) فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم (28)( (النور).
وقال تعالــى: )يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم (58)( (النور).
وقال تعالى: )ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون (61) إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم (62)( (النور).
وقال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون (2)( (الحجرات). وقال تعالى: )ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير (8) يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون (9) إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون (10) يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير (11)( (المجادلة)، وقال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا( (الحجرات: 12)، وقال تعالى: )وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون (31)( (النور)، وقال تعالى: )والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن( (النور: 60)، وقال تعالى: )يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا (32) وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى( (الأحزاب)، وقال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما (53)( (الأحزاب)، وقال تعالى: )يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن( (الأحزاب: 59).
الفضائل الجماعية والفضائل العامة:
ونقطة بارزة في القانون الأخلاقي في الديانة الموسوية، ألا وهي هذا الحاجز العالي والقائم بين الإسرائيلي وغير الإسرائيلي. فأي خير يسديه الإسرائيلي إذا لم يكن مقتصرا على شعبه، ينبغي ألا يتعدى وطنه ولا يشمل الغريب المقيم معه. " لا تقرض أخاك بربا، ربا فضة، أو ربا طعام، أو ربا شيء ما مما يقرض بربا، للأجنبي تقرض بربا، ولكن لأخيك لا تقرض بربا". (تثنية 23: 19، 20). "الأجنبي تطالب، وأما ما كان لك عند أخيك فتبرئه يدك منه". (تثنية 15: 3). "وإذا افتقر أخوك عندك وبيع لك فلا تستعبده استعباد عبد... لا تتسلط عليه بعنف، بل اخش إلهك. وأما عبيدك وإماؤك الذين يكونون لك، فمن الشعوب الذين حولكم. منهم تقتنون عبيدا وإماء. وأيضا من أبناء المستوطنين النازلين عندكم، منهم تقتنون ومن عشائرهم الذين عندكم الذين يلدونهم في أرضكم، فيكونون ملكا لكم. وتستملكونهم لأبنائكم من بعدكم ميراث ملك. تستعبدونهم إلى الدهر. وأما إخوتكم بنو إسرائيل فلا يتسلط إنسان على أخيه بعنف". (اللاويين 25: 39 - 46).
أما قانون الأخلاق المسيحي فله الفضل في إسقاط هذا الحاجز الذي كان يفصل بين الإنسان وأخيه الإنسان "سمعتم أنه قيل: تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات، فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين. لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم، فأي أجر لكم.. وإن سلمتم على إخوتكم فقط، فأي فضل تصنعون.. فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل". (متى 5: 43 - 48).
ولكن في مقابل ذلك لا نجد هنا هذا الالتحام الاجتماعي، وهذا الشعور بالمسئولية الجماعية الذي تتضمنه النصوص العبرية مثل: "اسمع يا إسرائيل: الرب إلهنا رب واحد. فتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك. ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك، وقصها على أولادك، وتكلم بها حين تجلس في بيتك، وحين تمشي في الطريق، وحين تنام وحين تقوم، واربطها علامة على يدك، ولتكن عصائب بين عينيك، واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك". (التثنية 6: 4 - 9). "فتنزعون الشر من بينكم". (التثنية 13: 5). "فتحفظون جميع فرائضي وجميع أحكامي وتعملونها، لكي لا تقذفكم الأرض التي أنا آت بكم إليها لتسكنوا فيها". (اللاويين 20: 22).
والفضيلة الاجتماعية المسيحية - كما تقدمها الأناجيل - تتعلق بالعلاقات بين الأفراد أكثر من دلالتها على الروح الجماعية بصفة أساسية، فقد كانت الروح الجماعية في الماضي تستهدف غرضين: صالح الجماعة من ناحية وتمييزها عن صالح الغير من ناحية أخرى، ولكن المحبة المسيحية بامتدادها خارج الحدود الإقليمية، وبرغبتها في احتواء الإنسانية كلها، وقد أحسنت صنعا بإبطال هذا الطابع العنصري، واستبداله بأخوة عالمية - المقصود استبدال أخوة عالمية به - ولكنها لم تركز اهتمامها بالقدر الكافي لتقوية الرابطة المقدسة للجماعة بصفة خاصة.
ألا يمكن - في الوقت الذي تراعى فيه عمليا وقلبيا محبة عالمية - أن تخلق في ظل هذه الأسرة العالمية الكبرى أسرة أصغر وأكثر ترابطا، وأكثر إدراكا لكيانها، وكأنها مجموعة من الخلايا تكون كيانا عضويا داخل ذلك الجسم الكبير؟
إن هذا الجمع الموفق بين الفضيلة العامة والفضيلة الجماعية هو الذي أبرمه القرآن الكريم، إذ يعلمنا في الواقع أن خارج الأخوة في الله توجد الأخوة في آدم )إنما المؤمنون إخوة( (الحجرات: 10)، وقال تعالى: )يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (13)( (الحجرات). وأن اختلاف المشاعر الدينية لا يجوز أن يحول بيننا وبين أن نبادل إخواننا في الإنسانية المحبة والإحسان، وقال تعالى: )لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (8)( (الممتحنة) وأن قسوة الكفار علينا لا ينبغي أن تدفعنا إلى العدوان، ولا لأن نكون غير مقسطين في معاملتهم: )ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون (8)( (المائدة)، ولقد حرم على المؤمنين أن يتعاملوا بالربا مع أي إنسان، وقال تعالى: )يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين (278)( (البقرة). وبين أن التقي العادل داخل الجماعة الإسلامية هو كذلك خارجها، وقـال تعالـى: )ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليـس علينـا في الأمييــن سبيـل ويقولـون علـى الله الكـذب وهم يعلمـون (75) بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين (76)( (آل عمران).
وإذا كان على المسلم في بعض الظروف أن يبدي عناية خاصة في فك أسر إخوانه المسلمين، فإن عتق العبيد بوجه عام يعتبر إما التزاما عليه، وإما عملا يستحق التقدير ويحث عليه القرآن دائما. وهكذا تتطور فكرة الفضيلة العامة التي أعلنها الإنجيل، وتتحدد أكثر فأكثر عندما تتسع لتشمل مجالات الحياة المختلفة.
ولكن هل معنى ذلك أن الجماعة الإسلامية ستتراخى في روابطها الداخلية لتضيع في محيط البشرية الواسع؟ على العكس، نجد أن مبدأين أساسيين يذكرانها بكل قوة بدورها كجماعة متميزة ومتماسكة:
الأول: يدعو المسلمين بأن يكونوا جماعة موحدة، لا تنقسم بدون فرقة أو انشقاق، تلتف حول مثل أعلى وحول رئيسها، )واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا( (آل عمران: 103) )يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم( (النساء:59) )وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا( (الأنفال: 46).
ومع ذلك، فقد بدا لبعض المستشرقين أن يصوروا المسلم على أنه ذو نزعة فردية لا تقاوم، لم يعرف معنى "رباط التضامن" في يوم من الأيام، إن الدين الإسلامي - كما يقول أحد المستشرقين - يحترم النزعة الفردية ويقدسها، ولا يعرف معنى اندماج النفوس وتلاشيها في تنظيم كبير، فليست الأعمال الجماعية مثل صلاة الجمعة ووقفة عرفات وصلاة الأعياد، إلا أعمالا فردية يؤديها المؤمنون في وقت واحد ومكان واحد، دون أن تتخذ طابع الاحتفالات الموجهة أو المنظمة وفق تنسيق خاص.
وسوف يلاحظ أي إنسان يحضر صلاة الجماعة للمسلمين، أن هذا القول لا أساس له من الصحة، وإنما سوف يرى المؤمنين مصطفين في نظام جميل متلاصقين كتفا إلى كتف، الغني بجانب الفقير، والرئيس بجوار مرءوسه، في وضـع واحـد واتجـاه واحـد ودعـاء واحد، كل منهـم يدعـو للجميـع )إياك نعبد وإياك نستعين (5) اهدنا الصراط المستقيم (6)( (الفاتحة).
إنهم جميعا يطلبون النجاة والفلاح، ليس فقط لمجموعة المصلين، وإنما لجميع عباد الله الصالحين أينما كانوا: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين". إن هذا التوافق في المظهر لا يعدو أن يكون وسيلة لتأليف القلوب والجمع بينها. يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «لتسوون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم»[6]. فالإسلام ليس فرديا فحسب وإنما هو أخوة في الله )إنما المؤمنون إخوة( (الحجرات: 10).
والمسلمون في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى. فالواجبان الأساسيان اللذان يعتبرهما المسلمون واجبين توأمين، يترتب على التخلف عنهما النبذ والعقاب. هما الصلاة والزكاة، إنهما ينهضان كدليل بالغ عن روح التضامن في الإسلام.
أما المبدأ الثاني: وهو على جانب كبير من الأهمية من الناحية الأخلاقية، فهو التزام جميع المسلمين بألا يتركوا المنكر يسود في مجتمعهم )واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة( (الأنفال: 25). وضرورة أن يتواصوا بالحق والفضيلة: )وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر (3)( (العصر) )وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة (17)( (البلد).
إنه ليس حقا، ولكنه واجب كل مسلم صغيرا كان أو كبيرا، أن يدعو أخاه المسلم إلى ما هو حق وعدل، وأن ينهاه عن كل سوء، ويجب ألا يقل اهتمامه بسعادته الأخروية، عن اهتمامه بسعادته المادية. إن علينا جميعا أن نتعاون في نشر الفضيلة والتقوى بيننا: )وتعاونوا على البر والتقوى( (المائدة: 2).
ودليل القيمة التي يراها القرآن في وضع هذا التضامن موضع التنفيذ العملي أن جعله المقياس الذي على أساسه سمى جماعة المسلمين الأولى خير أمة أخرجت للناس)كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر( (آل عمران:110).
الفضيلة في المعاملات الدولية وبين الأديان:
نضيف إلى كل ما تقدم فصلا آخر في الأخلاق الإسلامية، جديدا كل الجدة؛ لأن اليهودية والمسيحية في وقت تأسيسهما لم تتح لهما الفرصة لإقامة علاقات مع دول معادية، فدعوى عيسى السلمية المحلية كانت تناقضها في اتجاه مضاد الحروب التي قادها موسى ضد الأمم المجاورة والتي انتهت بالقضاء عليها بسرعة. ولقد اختلف الوضع تماما بالنسبة لمحمد صلى الله عليه وسلم خلال العشر سنوات التي كان فيها على علاقات دائمة مع أمم وديانات مختلفة، تارة مسالمة وتارة معادية.
إن هذه الظروف الخاصة التي جعلت من المرشد الروحي والأخلاقي صلى الله عليه وسلم سياسيا وقائدا، اقتضت تشريعا أخلاقيا لظروف السلم والحرب، تضمن للقرآن مبادئه الأساسية. ومن هذه المبادئ أن الحرب الشرعية لا تقوم إلا من أجل دفع العدوان، ويجب أن تتوقف بمجرد انتهائه )وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا( (البقرة: 190)، )وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله( (الأنفال: 61).
وهناك بعد ذلك المبدأ الذي يحترم المواثيق المبرمة مع العدو مهما كانت فرص عقدها غير متكافئة، فالمعاهدة الموقعة بين الأطراف واجبة الاحترام حتى ولو كانت في غير صالحنا: )وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون (91) ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به( (النحل). وحتى إذا بدأ العدو في نقض اتفاقه، فلا يحق لنا أن نهاجمه على غرة، بل يجب أولا إعلانه بإلغاء عهده معنا بطريقة واضحة: )وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء( (الأنفال: 58).
ولقد أخطأ جولد تسيهر عند ترجمة هذه الآية، وكذلك كازمرسكي وسفاري فترجموها "عامله بمثل معاملته الخائنـة"، وهـذا يتناقـض مـع نهايـة نفـس الآيـة )إن الله لا يحب الخائنين (58)( (الأنفال)، وهذا بخلاف القواعد التي حددتها السنة والتي نجحت - إن لم يكن في القضاء على هذه الأمة - فعلى الأقل في التخفيف من نتائجها القاسية"[7].
وإذا أردنا في هذا الشأن مزيدا من التفصيل، لمزيد من التوكيد والتدليل على وجوه الجدة والأصالة المتعلقة بالقرآن أسلوبا ومضمونا، فلنختر مثلا باب "الإعجاز العلمي" وهو المضمار الذي لا يبارى القرآن فيه أي من الكتب السابقة، وهذا ما أثبتته الدراسة الشهرية للمستشرق الفرنسي موريس بوكاي الذي درس طويلا الإشارات العلمية الكونية الواردة في الكتب السماوية الثلاث، وقارنها بحقائق العلم الحديث، وخلص إلى نتيجتين ضمنهما كتابه المعروف: "التوراة والإنجيل والقرآن والعلم الحديث"، وهما:
الأولى: من حيث الكم، فإن كم هذه الإشارات في الكتابين السابقين ضئيل، بينما هو في القرآن كبير.
الثانية: من حيث الكيف، فإن الكم الضئيل يتناقض - في معظمه - مع حقائق العلم، بينما كم الإشارات في القرآن - وهو كثير - يتطابق مع هذه الحقائق. وهذا طبيعي لكون القرآن محفوظا بحفظ الله له، بينما الكتابان السابقان طالتهما - كما هو معروف - يد التحريف والتبديل.
عن وجوه الإعجاز العلمي البارزة المتفردة في القرآن يحدثنا د. عبد الحافظ سلامة الأستاذ بالمركز القومي للبحوث قائلا: "سأذكر بعض الموضوعات في القرآن الكريم تبين لنا صدق ما جاء به، وأنه منزل من عند الله ردا على ما قيل عنه من حيث احتواؤه على دلالات علمية، لم يظهر تفسيرها إلا حديثا مع تطوير العلوم، فكيف وردت هذه الحقائق العلمية في حينها منذ أربعة عشر قرنا، فمن أين جاء بها؟ وكيف صاغها؟ وكيف تناول هذه المعلومات شديدة التعقيد في آية صغيرة؟ وهذا أبرز مواطن الجدة والأصالة ومظاهرهما، وكيف لإنسان مهما كان متعلما ومثقفا وفيلسوفا أن يكون عالما في علوم البيولوجي والجيولوجي والفلك والتاريخ.. إلى آخره، سنلقي بعض الضوء على بعض هذه الموضوعات العلمية التي لم ترد في كتاب من قبل نزول القرآن.
من العجيب أن هذا الكتاب الذي ظهر منذ أربعة عشر قرنا في بيئة صحراوية بدوية - يحتوي على أكثر من (2000) ألفين من الجمل أو الآيات العلمية التي لم يظهر تفسيرها إلا في القرن العشرين والحادي والعشرين، وسوف تتوالى الحقائق العلمية التي يحتويها القرآن إلى يوم الدين، ثم يخرج علينا بعض العلمانيين والمنافقين من المسلمين والمستشرقين ويدعون أن القرآن ناتج ثقافي، وقد يكون للمستشرقين بعض العذر، لعدم إلمامهم التام بالعربية، وأنهم مدفوعون بغيرتهم على دينهم في تجريح الآخرين، ولكن ما عذر المسلمين الذين ساروا على نهجهم في تجريح القرآن بحجة البحث العلمي أو لطلب الشهرة وإرضاء أوليائهم، فألغوا عقولهم واتبعوا أهواءهم وتكلموا بغير علم؛ ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وقد أعلمنا الله بأخبارهم في الآية الكريمة الآتية: )هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب (7)( (آل عمران).
نعم يا الله، نشهد أن ما جاء في هذا الكتاب هو الحق، وعندما أعملت عقلي في آيات الله في القرآن وجدت أن أول آية نزلت في هذا الكتاب المبين هي (اقرأ) فكيف يكتب عن نفسه، ويقول: اقرأ، ويدعي أن جبريل قال له: اقرأ، وهو لا يعرف القراءة والكتابة؟ هل هو كاتب هذا الكتاب. أم أن جبريل هو الذي أوحى إليه؟ ولأمانة التبليغ، قال لنا الرسول ما سمعه بالضبط، و (اقرأ) هذا ليس أمر القراءة للرسول - صلى الله عليه وسلم - فقط، ولكن الأمر هنا من الله سبحانه، لكل من قرأ الآية، ففي أول آيات نزلت في القرآن )اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم (5)( (العلق).
ما الفرق بين (اقرأ) في الآية الأولى، و (اقرأ) في الآية الثالثة؟ نحن مستمرون في فرضية أنه متعلم، وأنه مؤلف القرآن، وأنت أيضا متعلم مثله، ودائرة معلوماتك المفروض أنها مئات أو آلاف أضعاف المعلومات المتوافرة لدى زمانه، كيف ربط هذا المؤلف بين علم المشاهدة وأن تقرأ في كتاب الكون، وأن تبدأ بنفسك، وأنك مخلوق من علق[8]، وليس من نطفة مثلا - فلم يعرف أن النطفة تتحول إلى علقة في جدار الرحم إلا بعد اكتشاف علم الأجنة - ولكنه ذكر ذلك في آية علمية أخرى في سورة المؤمنون: )ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (12) ثم جعلناه نطفة في قرار مكين (13) ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (14)( (المؤمنون). وهي تشرح أطوار الجنين في بطن الأم، وقد أشار القرآن إلى حقائق علم الأجنة - سبحان الله - وبكل دقة، ولذلك قال الله سبحانه )خلق الإنسان من علق (2)( (العلق)؛ لأن النطفة يمكن أن تقذف خارج الرحم، وبالتالي لا يتكون جنين، والنطفة الوحيدة التي تلقح البويضة هي التي تكون العلقة، وهو علم المشاهدة، أما (اقرأ) الثانية في الآية الثالثة أن تقرأ في الكتاب المسطور المدون، أي العلم المكتوب بالقلم، وهذا العلم الذي علمه الله للإنسان منذ خلقه وما زال يمده بالعلم إلى يوم الدين، علم الإنسان ما لم يعلم.. ثم يذكر المؤلف نماذج لبعض الإشارات العلمية في مجالات العلوم المختلفة، فيقول:
علم الأرض:
1. شكل الأرض:
قال تعالى: )ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير (61)( (الحج)، وقال تعالى: )يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان (33)( (الرحمن)، وقال تعالى: )خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار (5)( (الزمر)، وقال تعالى: )والأرض بعد ذلك دحاها (30)( (النازعات).
علمنا من التاريخ أن العلامة جاليليو عندما أعلن أن الأرض كروية حوكم لكفره، وأحرق في روما؛ لأن المعلومات المتوافرة لديهم في الفاتيكان تقول: إن الأرض مسطحة وهي المقولة السائدة عند الإغريق والعالم أجمع، وكذلك العرب. فمن أين جاء محمد بأن الأرض كروية، بل بيضاوية، كما رأيناها في التليفزيون عندما صورت بالأقمار الصناعية؟ وبعد ذلك نقول: إنه مؤلفه؟
2. تركيب الأرض:
)وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين (59)(
(الأنعام). في الآية الكريمة السابقة يقسم لنا الله - سبحانه وتعالى - الأرض إلى: البر والبحر، والغلاف الغازي المحيط به وهو ما بين السماء والأرض، ليس هذا فحسب، فكل شيء في الوجود مكتوب في كتاب الله، وهو اللوح المحفوظ: )وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين (3)( (سبأ). وقال سبحانه وقوله الحق: )ويعلم ما في البر والبحر( (الأنعام: 59) وهو علم مطلق، )ولا حبة في ظلمات الأرض( وسبق أن قال سبحانه: )ويعلم ما في البر( وهذا يعلمنا أن الأرض هي البر والبحر؛ لأن أية حبة أو بذرة تحملها الرياح وتسقط في البحر ستستقر في القاع، إن لم تأكلها الكائنات البحرية، وبالتالي تصل إلى الأرض أيضا، علاوة على أن الآية تعلمنا أن أية ورقة نباتية تسقط بعلم الله؛ لأنه سيتغذى عليها البلايين من الكائنات سواء الكائنات الحية الدقيقة، أو ديدان الأرض، أو الحشرات، أو منظومة التغذية جميعها؛ لأن الله - عز وجل - قد أعلمنا أن أي دابـة في الأرض يعلم مستقرهـا ومستودعهــا: )ويعلـم مستقرهـا ومستودعهـا كـل في كتـاب مبين (6)( (هود). ليس هذا فحسب، فهو يعلم أيضا كل رطب سواء في السماء، أو في الأرض، وأي شيء فيه حياة: )أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون (30)( (الأنبياء).
فكل رطب على الأرض يحتوي على كائنات تعيش فيه كالبكتريا والفطريات وخلافه من كائنات حية دقيقة، وكذلك الأوليات من الطحالب والبروتوزا، ثم النباتات والدواب الأخرى، وكذلك الرطب؛ والسحب المتناثرة، ثم تتجمع فتصبح سحبا ركامية، ثم تلقح فتصبح سحبا ثقالا تخرج الودق[9]، والرعد، والبرق، والبرد، والصواعق، وكل بإذن الله، وكل في كتابه فلا يوجد عشوائية في الكون.
3. ما تحتويه الأرض من كائنات حية:
كان معروفا منذ القدم أن الأرض ميتة ليس فيها حياة حتى أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، عندما اكتشف فان ليفنهوك الميكروسكوب، وكذلك اكتشاف البكتريا عن طريق لويس باستير، وروبرت كوخ عندئذ عرفنا أن التربة - أو الأرض - يحتوي الجرام الواحد منها على ملايين الملايين من الكائنات الحية الدقيقة من بكتيريا وفطريات وطحالب وبروتوزوا وخلافه، ولذلك أطلق على الأرض بعد هذا "الأرض الحية"، وكذلك اكتشفنا عند سقوط ورقة النبات، أو دفن إنسان أو حيوان، فإن الكائنات الحية الدقيقة، وخصوصا البكتيريا تقوم بتحليلها إلى مكوناتها الأساسية إلى ثاني أكسيد الكربون والماء والطاقة، وبعض العناصر المعدنية، ولذلك قال سبحانه: )له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى (6)( (طه)، )ألم نجعل الأرض كفاتا (25) أحياء وأمواتا (26)( (المرسلات) فيعلم ما تحت الثرى، أي: ما في باطن الأرض من كائنات حية، وغيرها من المعادن والتراكيب الصخرية، وخلافه.
وكذلك ما بين السماوات والأرض، وهي السحب المحملة بالمياه، وما تحتويه من شحنات كهربية: برق، ورعد، وصواعق، وفي الآية التالية لها حدد لنا أن الله جعل الأرض كفاتا، أي: مأوى للأحياء وهي الكائنات الحية الدقيقة، والديدان، والحشرات، وكذلك جذور النباتات، وكذلك للأموات عندما تدفن فتحلل إلى موادها الأساسية.
علم النبات:
والنباتات تعتبر من أهم الكائنات الحية على وجه الأرض، ولقد ذكر في القرآن العديد من أشكال وألوان وثمار النباتات المختلفة، إلا أننا سنذكر فقط عملية التمثيل الضوئي في النبات كما جاء في القرآن. فالمعروف علميا أن عملية التمثيل الضوئي تحتاج إلى ضوء وحرارة، وماء وكلوروفيل، وثاني أكسيد الكربون، لإنتاج المواد الكربوهيدراتية.
ولذلك ذكر في القرآن أن الشمس سراج وهاج، وهي الطاقة والضوء، وأنزل من المعصرات، وهي السحب الماء العذب الثجاج مع الخضر، ليخرج أو ينبت به حبا ذا فلقة واحدة، ونباتا ذا فلقتين، وجنات ألفافا وهي الغابات الاستوائيـة والمداريـة والصنوبريــة: )وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعـه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون (99)( (الأنعـام)، )وجعلنا سراجـا وهاجا (13) وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا (14) لنخرج به حبا ونباتا (15) وجنات ألفافا (16)( (النبأ).
ففي الآيتين الكريمتين ربط الماء مع النبات، بخروج النبات الأخضر نبات كل شيء ذي الفلقة الواحدة، وهو الحب، كالقمح، والزيتون، والرمان، وكذلك الجنات الألفاف، وهي النباتات الملتفة على بعضها، وهي صورة الغابات الاستوائية والمدارية والصنوبرية. فهل هذه المعلومات كانت متوافرة في زمانه صلى الله عليه وسلم؟ وإن كانت متوافرة فهل يمكن لإنسان أن يوضح هذه المنظومة في جملتين فقط؟! ما هو إلا إعجاز من الله - عز وجل - ليبين قدرته في كتابه، أفلا يتدبرون القرآن؟!
علم الحيوان:
)إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون (164)( (البقرة).
وبث في الأرض من كل دابة من البكتيريا للديناصورات في الأرض، ومن البكتيريا للحيتان في البحر شاملة من الأوليات مثل: البروتوزوا والحشرات والديدان، حتى الحيوانات الراقية كالقردة وخلافه، كما وصف الله - سبحانه وتعالى - الإنسان عند عدم إيمانه بالله وأنبيائه، وعدم إعمال العقـل أنـه من شـر الـدواب: )إن شـر الــدواب عنـد الله الصم البكم الذيـن لا يعقلون (22)( (الأنفال)، )إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون (55)( (الأنفال).
والدواب: هي كل ما يدب على الأرض، وقد بين لنا الله الحركة للدواب، فمنها من يمشي على بطنه )والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير (45)( (النور) مثل الزواحف (الثعابين) ومنها من يمشي على رجلين كالطيور، ومنها من يمشي على أربع كالحيوانات، ثم قال: )يخلق الله ما يشاء( مثل: الحركة بالأسواط، والأهداب، والأقدام الكاذبة، ومفصليات الأرجل وعديدة الأرجل كالديدان، سبحان الله!!
ليس هذا فحسب، فقد بين لنا الله - عز وجل - آيات أخرى لم يظهر تفسيرها إلا حديثا مثل:
1. علم تخاطب الطيور:
من المعروف أن الطيور لها أصوات مختلفة التناغم وهي مسموعة، ولكن الغريب هو تخاطب الحشرات، والمعروف أن الحشرات طائرة، ولذلك نجد في القرآن العظيم أن هناك لغة للطيور، فقد تحدث سيدنا سليمان مع الهدهد، وقد سمع النملة، وهي آية من آيات الله، ولم نعرف أن هناك لغة للطيور، أو تحادث الحشرات إلا حديثا في القرن العشرين، ثم نقـول: إن هـذا الكتـاب مؤلــف!! )وورث سليمان داوود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين (16)( (النمل)، )وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين (20)( (النمل)، )فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين (22)( (النمل).
وقد سمع النملة وهي تتحدث على الرغم من أن تذبذبات صوت النمل لا يمكن لإنسان أن يسمعها، ولكنها قدرة أعطاها الله لسيدنا سليمان - عليه السلام - دون خلقه أجمعين: )وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون (17) حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون (18) فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين (19)( (النمل)، ولم يطغ سليمان، ولكن شكر الله على نعمائه، فكان من عباد الله الشاكرين.
2. بيئة الحيوانات:
وفي مجال الحيوان أيضا ذكر الله لنا في كتابه المفترى عليه، أن أنثى العنكبوت هي التي تبني بيتها وليس الذكر، ولا يعرف هذه المعلومة إلا من كان عالما في علم الحيوان، وهل يعرف محمد - صلى الله عليه وسلم - في عصره أن أنثى العنكبوت هي التي تبني البيت؟ ولماذا لم يقل إن أوهن الخيوط، وليس أوهن البيوت؟ )مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون (41)( (العنكبوت).
على الرغم من أن كلمة (بيت) مثل خيط في عدد الحروف وفي الصوت، أي: في النطق، وكذلك في الإعراب، وهو ما نشاهده أن أوهن الخيوط خيط العنكبوت وليس بيتا، إلا أن العلم الحديث أظهر أن خيط العنكبوت أقوى من خيط من الصلب مماثل له في السمك.
وبالتالي لو قال: أوهن الخيوط لأثبت العلم أنه لم يكن صادقا، ويكون هذا الكتاب من تأليف بشر، ولكن عندما قال (أوهن البيوت) فهو فعلا أوهن البيوت، ولذلك ختمت الآية: (لو كانوا يعلمون)، وهنا العلم مطلوب لإثبات ما جاء في الآية، ولا يصح أن يقال: لو كانوا يعقلون أو يتدبرون، أو يتفكرون، مثل الأمثال الأخرى في القرآن، ليس هذا فحسب، فالآية التي تليها يذكر لنا الله أن الذي يعرف هذه الحقيقة من العلماء العاقلين، وهنا ذكر العقل والتدبر )وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون (43)( (العنكبوت).
وآية علمية أخرى في بيئة الحشرات تدل على آيات الله العلمية في القرآن العظيم، والدالة على صدق ما جاء في هذا الكتاب، وأنه من عند الله خالق كل دابة يعرف مقرها ومستودعها سبحانه )وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين (6)( (هود)، وفي مثل آخر أخذ شغالة النحل لرحيق الأزهار، للحصول على غذائها آية من آيات الله في القرآن: )وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون (68)( (النحل)، )ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون (69)( (النحل).
من قال: إن في مملكة النحل أن تقوم الشغالة بهذه الوظائف إلا في علم الحشرات، أو علم النحل، كما أفرد له تخصص بذاته لتميزه عن باقي الحشرات، وقد ظهر لنا في هذا العلم أن الشغالة.. وهي الفرد الأساسي في الخلية - هي التي تبني البيوت بوحي من الله، لذلك نجد الشكل السداسي واحدا في جميع بيوت النحل، سواء أكان في الصين، أم كندا، أم في أوربا متساويا في أضلاعه وبدقة شديدة.
حيث ذكر لنا الله أنه أوحى إلى النحل، ومن وظائفها أيضا تجميع الرحيق، وحبوب اللقاح لإنتاج عسل النحل، وخبز النحل، وهي التي تنظف الخلايا، وهي المحاربة ضد الأعداء، وهي التي تهوي بأجنحتها داخل الخلية في أوقات الحر، وهي.. وهي.. وليس الذكور مثلا أو الملكات! أما المقولة في الآية: )ثم كلي من كل الثمرات( هي من آيات الله العلمية في القرآن تبين مدى دقة اللفظ، والمعلومة العلمية، فنحن نعلم أن النحل يجمع رحيقه من الأزهار، وكذلك حبوب اللقاح.
فكيف يذكر أن النحل يأكل من الثمرات؟ فمن المعروف أن 85% من الأزهار ذاتية التلقيح، بمعنى أنها تلقح نفسها قبل أن تتفتح الزهرة، ومن المعروف أيضا علميا أنه إذا لقح المبيض الزهرة بحبوب اللقاح تصبح ثمرة. وبالتالي تصبح جميع الأزهار ذاتية التلقيح ثمارا قبل أن تتفتح الأزهار، كما أنه من وظيفة الشغالة في النحل أنها تعمل على تلقيح الأزهار، وذلك بحبوب اللقاح التي تنتشر على ظهورها والمحمولة على أرجلها، وبالتالي تصبح الأزهار ثمارا، فيكون لفظ)ثم كلي من كل الثمرات( هو اللفظ العلمى السليم لأخذ الشغالة لرحيقها من الأزهار، ليس هذا فحسب، - فقد وجد من تشريح النحلة - في فم النحلة قارض لاعق، وهي فعلا تأكل جدار المبيض للثمار، فمن أين جاء هذا الكاتب بهذه الحقائق العلمية التي أخذت منى جهدا كبيرا للحصول عليها، وذلك بالبحث في علم تقسيم النبات وكيفية التلقيح في الأزهار، وعلم تشريح الحشرات لمعرفة تركيب فم النحلة وخلافه؟!
كذلك )يخرج من بطونها شراب( على الرغم من أن الحديث عن فرد واحد، وجد عند تشريح النحلة أن لها عدة بطون - خمسة أبطن - فيكون اللفظ (بطونها) آية من عند الله أيضا.
الإنسان:
ذكر القرآن في آياته العلمية أن الإنسان ذكرا كان أو أنثى هو من نطفة الرجل، ولا دخل للمرأة في تحديد الجنس: )ألم يك نطفة من مني يمنى (37) ثم كان علقة فخلق فسوى (38) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى (39)( (القيامة).
ويلاحظ دقة لفظ القرآن عمليا، حيث ذكر تحول النطفة إلى علقة، وأن هذا التحول هو خلق وليس تكوينا، وقد فسر ذلك في آية أخرى أشد تحديدا ودقة، وكما أثبتها علم الأجنة حديثا: )ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (12) ثم جعلناه نطفة في قرار مكين (13) ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخ