توهم تناقض القرآن الكريم حول نجاة ابن نوح عليه السلام (*)
مضمون الشبهة:
يتوهم بعض المغالطين وجود تناقض بين قوله تعالى: )ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم (76)( (الأنبياء)، وبين قوله تعالى: )وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين (42) قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين (43)( (هود). ويتساءلون: كيف يذكر القرآن أن الله نجا نوحا وأهله من الغرق في موضع، ثم يذكر غرق ابنه في موضع آخر؟! هادفين من وراء ذلك إلى الطعن في عصمة القرآن من التناقض.
وجه إبطال الشبهة:
المراد بأهل نوح الذين نجوا من الغرق ومن آمن منهم فقط، وابنه ليس من أهله؛ لأنه لم يؤمن. وعليه فقوله تعالى: )إنه ليس من أهلك( (هود: ٤٦) أي: الموعود بنجاتهم.
التفصيل:
المراد بأهل نوح - عليه السلام - من آمن منهم فقط، أماابنه فهو ليس من أهله؛ لأنه لم يؤمن بدعوته:
إن المراد بأهل سيدنا نوح - عليه السلام - في قوله تعالى: )ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم (76)( (الأنبياء)، هو من آمن منهم فقط، حيث أخبر الله سبحانه وتعالى أنه قال لسيدنا نوح: )حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل (40)( (هود)، فقد أمره الله تعالى أن يحمل أهله معه في السفينة التي أمره الله بصنعها لينجو فيها من الغرق، إلا من سبق القول من الله بهلاكهم، وكان قد سبق في علم الله أن يهلك ابنه مع الهالكين؛ لأنه لم يكن مؤمنا، ولم يكتب الله لأحد النجاة مع نوح إلا أهل الإيمان فقط، وابنه لم يكن مؤمنا.
وعلى هذا يفهم قوله تعالى: )وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين (42) قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين (43)( (هود).
فالله تعالى استثنى من الغرق من شملته رحمته، ورحمته تعالى شملت المؤمنين، وابن سيدنا نوح لم يؤمن، ومن ثم لم تشمله الرحمة، أي: النجاة من الغرق، فالاستثناء أسلوب معروف في لغة العرب، فيذكر المتكلم المستثنى منه على وجه العموم، ثم يخرج منهم من أراد إخراجه.
ومعنى قول الله عز وجل: )إنه ليس من أهلك( (هود: ٤٦) أي: ليس من الموعود بنجاتهم في قوله تعالى: )فنجيناه وأهله من الكرب العظيم (76)( (الأنبياء)؛ لأنه كافر لا مؤمن، وقول سيدنا نوح: )إن ابني من أهلي( (هود: ٤٥) يظنه مسلما من جملة المسلمين الناجين، كما يشير إليه قوله تعالى: )فلا تسألن ما ليس لك به علم( (هود: ٤٦)، وقد شهد الله تعالى بأنه ابنه، حيث قال: )ونادى نوح ابنه( (هود: ٤٢)، إلا أنه أخبره بأن هذا الابن عمل غير صالح لكفره، فليس من الأهل الموعود بنجاتهم، وإن كان من جملة الأهل نسبا([1]).
الخلاصة:
إن توهم تناقض القرآن بشأن غرق ابن نوح - عليه السلام - ونجاته توهم لا أساس له؛ إذ إن: المراد بأهل سيدنا نوح في قوله تعالى: )فنجيناه وأهله من الكرب العظيم (76)( (الأنبياء): من آمن منهم فقط، وأطاع نوحا وركب معه في السفينة، وهم المقصودون من الاستثناء في قولــه سبحانـــه وتعالــى: )إلا من رحم( (هود: ٤٣)، وعليه، فإن معنـى قولـه تعالـى: )ليـس مـن أهلك( (هود: ٤٦) أي: ليس من أهلك الموعود بنجاتهم؛ لأنه كافر غير مؤمن.
(*) البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م.