توهم تناقض القرآن بشأن نفي التعب عن الله - عز وجل - من خلق السماوات والأرض (*)
مضمون الشبهة:
يتوهم بعض المشككين أن هناك تناقضا بين قوله سبحانه وتعالى: )ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب (38)( (ق)، وبين قوله سبحانه وتعالى: )وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه( (الروم: ٢٧)، ويتساءلون: كيف يخلق الله السماوات والأرض في ستة أيام دون أن يمسه أي تعب، ثم يصرح في موطن آخر أن خلق الخلق صعب عليه؟ ظانين أن )وهو أهون عليه(، أي: صعب عليه، ويهدفون من وراء ذلك إلى الطعن في عصمة القرآن الكريم من التناقض.
وجها إبطال الشبهة:
1) الله سبحانه وتعالى لم يصبه أي تعب من خلق السماوات والأرض، وكان هذا ردا على اليهود الذين زعموا أن الله استراح في اليوم السابع بعد خلقه السماوات والأرض في ستة أيام.
2) ذكر العلماء عدة تفسيرات لقوله سبحانه وتعالى: )وهو أهون عليه( منها:
· هين سهل لا صعوبة فيه.
· أهون عليه بالنسبة إلى قدرتكم، فالذي يخلق أول مرة يكون البعث أهون عليه حسب منطقكم.
· الضمير في "عليه" يعود على الخلق.
التفصيل:
أولا. إن الله - عز وجل - خلق الخلق دون نصب أو تعب:
إن قوله سبحانه وتعالى: )ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب (38)( (ق) يظل على أصل معناه، فالله سبحانه وتعالىـ لم يصبه أي تعب أو سأم من خلق أي شيء، وهذه الآية الكريمة نزلت ردا على اليهود الذين زعموا أن الله - سبحانه وتعالى - تعب من خلق السماوات والأرض في ستة أيام، واستراح في اليوم السابع يوم السبت.
يقول ابن كثير: في الآية تقرير المعاد؛ لأن من قدر على خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن، قادر على أن يحيي الموتى بطريق الأولى والأحرى. وقال قتادة: قالت اليهود - عليهم لعائن الله -: خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام، ثم استراح في اليوم السابع، وهو يوم السبت، وهم يسمونه "يوم الراحة"، فأنزل الله - سبحانه وتعالى - تكذيبهم فيما قالوه قوله: )وما مسنا من لغوب (38)( (ق)، أي: ما مسنا من إعياء ولا تعب ولا نصب، وقال سبحانه وتعالى: )أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير (33)( (الأحقاف) [1].
ثانيا. الفهم الصحيح لقوله ـ سبحانه وتعالـى ـ: )وهو أهون عليه( (الروم: ٢٧)، ينفي هذه الشبهة:
ذكر العلماء عدة تفسيرات لقوله تعالى: )وهو أهون عليه(، وكان من بينها أن قوله سبحانه وتعالى: )وهو أهون عليه( معناه: هين عليه لا يستصعبه، ولا يوجد شيء في قدرته سبحانه وتعالى - سبحانه وتعالى - بعضه أهون من بعض، فكل الأشياء لديه سبحانه سواء، يوجدها بقوله: كن فتكون.
يقول أبو عبيد: من جعل "أهون" عبارة عن تفضيل شيء على شيء، فقوله مردود بقوله سبحانه وتعالى: )وكان ذلك على الله يسيرا (19)( (الأحزاب)، وأيضا قوله: )ولا يئوده حفظهما( (البقرة: 255)، والعرب تحمل صيغة أفعل على صيغة فاعل كثيرا، كما في قول الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا
بيتا دعائمه أعز وأطول
أي: عزيرة وطويلة.
وقرأ عبد الله بن مسعود "وهو عليه هين".
وقيل: أهون عليه بالنسبة إلى قدرتكم وعلى ما يقوله بعضكم لبعض، فالله تعالى قد خاطب العباد بما يعقلونه، فإذا كانت الإعادة أسهل من الابتداء في تقديركم وحكمكم، فإن من قدر على الإنشاء أول مرة كان البعث أهون عليه حسب منطقكم وأصولكم.
قال مجاهد وعكرمة والضحاك: إن المعنى: أن الإعادة أهون عليه - أي على الله - من البداية، أي: أيسر، وإن كان جميعه على الله تعالى هينا. وقاله ابن عباس، ووجهه: أن هذا مثل ضربه الله تعالى لعباده، يقول: إعادة الشيء على الخلائق أهون من ابتدائه؛ فينبغي أن يكون البعث لمن قدر على البداية عندكم وفيما بينكم أهون عليه من الإنشاء[2].
وقيل: إن الضمير في "عليه" يعود على الخلق، أي: وهو أهون على الخلق؛ لأنه يصاح بهم صيحة واحدة فيقومون، ويقال لهم: كونوا فيكونون؛ فذلك أهون عليهم من أن يكونوا نطفة، ثم علقة، ثم مضغة إلى آخر النشأة، وقال الربيع بن هيثم في قوله تعالى: )وهو أهون عليه( (الروم: ٢٧): ما شيء على الله بعزيز[3].
الخلاصة:
· ليس هناك تناقض بين قوله ـ سبحانه وتعالـى ـ: )ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب (38)( (ق)، وبين قوله سبحانه وتعالى: )وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه( (الروم: ٢٧) فالآية الأولى نزلت ردا على اليهود الذين زعموا أن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم أصيب بالتعب والنصــب، فاستــراح في اليــوم السابــع ـ يــوم السبــت ـ فــرد الله عليهــم: )وما مسنا من لغوب (38)( (ق).
· ذكر العلماء عدة تفسيرات لقوله سبحانه وتعالى: )وهو أهون عليه( (الروم: ٢٧) منها:
o أن معنى )أهون عليه(، أي: هين لا يستصعب، ولا يوجد شيء على قدرته تعالى بعضه أهون من بعض، بل كل الأشياء لديه سواء يوجدها بقوله: كن فتكون.
o وقيل: أهون عليه بالنسبة إلى قدرتكم وعلى ما يقوله بعضكم لبعض.
o وقيل: الضمير في )عليه( يعود على الخلق، فبعثهم مرة واحدة أهون عليهم من المرور بكل مراحل الخلق المعروفة.
(*) البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م.