توهم تناقض القرآن في عدد الأيام التي خلقت فيها السماوات والأرض (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المشككين أن هناك تناقضا بين قوله سبحانه وتعالى: ) لقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ( (ق: ٣٨)، وقوله سبحانه وتعالى: ) قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين (9) وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين (10) ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين (11) فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيــح وحفظــا ذلك تقديــر العزيــز العليــم (12) ( (فصلت).
ويتساءلون: كيف يشير القرآن في موضع إلى أن خلق السماوات والأرض كان في ستة أيام، ثم يلمح في موضع آخر بما يدل على غير ذلك؟ أليس هذا مما يذهب بعصمة قرآن المسلمين؟! ويهدفون من وراء ذلك إلى الطعن في عصمة القرآن الكريم من التناقض.
وجه إبطال الشبهة:
ثبوت خلق السماوات والأرض - وما بينهما - على هيئتهما الحالية في ستة أيام، ولو شاء الله لخلقهم في لمح البصر، فالله على كل شيء قدير.
التفصيل:
الخلق في ستة أيام ولا تعارض بين الآيات:
بجمع هذه الأيام - دون فهم وعلم - يكون المجموع ثمانية، وقد ذكر الله في مواضع كثيرة من القرآن أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وما ظنه هؤلاء المتوهمون تناقضا فليس بتناقض؛ لأن الأربعة أيام الأولى هي حصيلة جمع اثنين واثنين؛ فقد خلق الله الأرض خلقا أوليا في يومين، ثم جعل فيها الرواسي وهي الجبال، ووضع فيها بركتها من الماء والزرع، وما ذخره فيها من الأرزاق في يومين آخرين، فكانت أربعة أيام، فقول الله سبحانه وتعالى: ) وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين (10) ( (فصلت)، هذه الأيام الأربعة هي حصيلة اليومين الأولين ويومين آخرين، فيكون المجموع أربعة، وليست هذه الأربعة هي أربعة أيام مستقلة أخرى زيادة على اليومين الأولين.. ومن هنا جاء الخطأ عند المتوهمين.
ثم إن الله خلق السماوات في يومين، فيكون المجموع ستة أيام بجمع أربعة واثنين، ولا تناقض في القرآن بأي وجه من الوجوه.
ثم إن القرآن لو كان مفترى، فإن محمدا لم يكن ليجهل مثلا أن اثنين وأربعة واثنين تساوي ثمانية، وأنه قال في مكان آخر من القرآن: إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام، فهل يتصور عاقل أن من يقدم على تزييف رسالة بهذا الحجم، وكتاب بهذه الصورة يمكن أن يخطئ مثل هذا الخطأ؟! لا شك أن من ظن أن الرسول افترى هذا القرآن العظيم، ثم وقع في مثل هذا الخطأ المزعوم، فهو مخطئ.
قال بدر الدين الرزكشي: والجواب: أن المراد بقوله سبحانه وتعالى: ) قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ( (فصلت: 9) إلى قوله سبحانه وتعالى: ) وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام ( (فصلت: 10) مع اليومين المتقدمين، ولم يرد بذكر الأربعة غير ما تقدم ذكره، وهذا كما يقول الفصيح: سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام، وسرت إلى الكوفة في ثلاثة عشر يوما، ولا يريد سوى العشرة، بل يريد مع العشرة ثلاثة، ثم قال سبحانه وتعالى: ) فقضاهن سبع سماوات في يومين ( (فصلت: ١٢) وأراد سوى الأربعة، وذلك لا مخالفة فيه؛ لأن المجموع يكون ستة[1].
وليس هناك تعارض بين تحديد زمن الخلق للسماوات والأرض في ستة أيام، وبين ما يراه العلم من استغراق ذلك الخلق بلايين السنين، ذلك أن المدى الزمني لليوم عند الله - عز وجل - ليس هو المدى الزمني لليوم في العرف والتقويم الذي تعارف عليه الإنسان في هذه الحياة الدنيا، وأيضا لأن الله - عز وجل - بطلاقة قدرته يقدر على خلقهم في لمح البصر إن أراد، وأيضا بقدرته يقبض ويبسط في الزمن بحكمته وعلمه وحسب إرادته - عز وجل - وفي القرآن الكريم آيات شاهدة على ذلك منها: ) أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير (259) ( (البقرة)، فيوم الدين، وأيام الله، والأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض مداها - بمقياس أيامنا نحن - لا يعلمها إلا الله عز وجل [2].
الخلاصة:
خلق الله - عز وجل - السماوات والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش، ولو شاء لخلقهن في لمح البصر؛ لأنه - عز وجل - عنده طلاقة القدرة، فلا اعتداد عنده بالزمن؛ وذلك لأن القدرة على القيام بالفعل تتناسب عكسيا مع الزمن اللازم لحدوثه، وأن وهم التعارض بين آيات الله تعالى إنما هو من قصور التفكر والتدبر واتباع الهوى؛ فالفهم الصحيح لمضامين الآيات - المزعوم تعارضها أو تناقضها - يفضي إلى نتيجة واحدة لا تعارض بينها ولا تناقض فيها، ثم إن ما اكتشفه العلم من سرعات للضوء، وزمن للضوء - كالسنة الضوئية - يجعل تفاوت واختلاف المفاهيم والمقاييس لمصطلح " اليوم" أمرا مقررا وواقعا علميا.
(*) البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م.