توهم تناقض القرآن حول مساءلة الكفار يوم القيامة عن أفعالهم (*)
مضمون الشبهة:
يزعم بعض المشككين أن هناك تناقضا بين قوله سبحانه وتعالى: )فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين (6)( (الأعراف)، وقوله ـ سبحانه وتعالـى ـ: )فوربك لنسألنهم أجمعين (92) عما كانوا يعملون (93)( (الحجر)، وبين قوله سبحانه وتعالى: )ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون (78)( (القصص)، وقولــه: )فيومئـذ لا يسأل عن ذنبه إنــس ولا جـان (39)( (الرحمن).
ويتساءلون: كيف يثبت القرآن مساءلة الكفار يوم القيامة عن أفعالهم، ثم يقرر عدم مساءلتهم؟ أهذا مما يليق بالله - سبحانه وتعالى - إن كان حقا هو صاحب هذا القرآن؟! ويهدفون من وراء ذلك إلى الطعن في عصمة القرآن.
وجه إبطال الشبهة:
للعلماء في هذه الآيات عدة توجيهات، منها أن:
· السؤال المثبت هو سؤال التوبيخ، والمنفي هو سؤال الاستعلام.
· السؤال المثبت يختص بالتوحيد، السؤال المنفي يختص بالدين وفروعه.
· اختلاف المواقف يوم القيامة يستدعي سؤال بعض الناس دون بعض الآخر.
التفصيل:
لا تعارض بين الآيات الدالة على أن الله تعالى يسأل الناس يوم القيامة، وبين الآيات الدالة على عدم السؤال:
فقد ذكر العلماء عدة آراء للتوفيق بين الآيات، منها أن:
1. السؤال المثبت هو سؤال التوبيخ، والمنفي هو سؤال الاستعلام:
إن المثبت هو سؤال التوبيخ والتقريع، والمنفي هو سؤال الاستعلام، وسؤال الله تعالى للرسل: )ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب (109)( (المائدة)، لتوبيخ الذين كذبوهم، ومثل ذلك سؤال الموءودة عن الذنب الذي قتلت به في قوله سبحانه وتعالى: )وإذا الموءودة سئلت (8) بأي ذنب قتلت (9)( (التكوير)، أي: بأي ذنب قتلت به، فهو لتوبيخ قاتلها. ويدل على هذا الوجه ما جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله: )فوربك لنسألنهم أجمعين (92) عما كانوا يعملون (93)( (الحجر)، ثم قال: )فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان (39)( (الرحمن)، قال: لا يسألهم: هل عملتم كذا؛ لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يقول: لم عملتم كذا وكذا[1].
فالسؤال عن علة العمل وسببه، أما عدم السؤال فعن العمل نفسه.
2. السؤال المثبت يختص بالتوحيد، السؤال المنفي يختص بالدين وفروعه:
إن إثبات السؤال محمول على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل، وعدم السؤال محمول على شرائع الدين وفروعه.
3. اختلاف المواقف يوم القيامة يستدعي سؤال بعضهم، وعدم سؤال الآخرين:
إن في القيامة مواقف متعددة، ففي بعضها يسألون، وفي بعضها لا يسألون. وقد ذكر الرزكشي الوجهين الثاني والثالث فقال: قال الحليمي: فتحمل - الآيات الأولى - على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل، والثانية على ما يستلزم الإقرار بالنبوات من شرائع الدين وفروعه.
وحمله غيره على اختلاف الأماكن؛ لأن في القيامة مواقف كثيرة، فموضع يسأل ويناقش، وموضع آخر يرحم ويلطف به، وموضع آخر يعنف ويوبخ، وهم الكفار، وموضع آخر لا يعنف، وهم المؤمنون[2].
الخلاصة:
بهذا البيان بطل الزعم القائل بوجود تناقض بين آيات القرآن حول مساءلة الكفار يوم القيامة وعدم مساءلتهم، وعلمنا أن للعلماء عدة توجيهات في هذه المسألة منها أن:
· السؤال المثبت يوم القيامة سؤال توبيخ وتقريع، أما السؤال المنفي هو سؤال الاستعلام؛ لأنه سبحانه وتعالى أعلم بسرائر النفوس.
· السؤال المثبت محمول على التوحيد، وهو تصديق الأنبياء والرسل، والسؤال المنفي هو السؤال عن الدين وفروعه.
· اختلاف المواقف يوم القيامة يستدعي سؤال بعض الناس وعدم سؤال بعضهم.
(*) البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م.