توهم تناقض القرآن حول طعام أهل النار (*)
مضمون الشبهة:
يزعم بعض المتوهمين أن هناك تعارضا واختلافا في القرآن الكريم حول طعام أهل النار؛ حيث يقول سبحانه وتعالى: )إن شجرت الزقوم (43) طعام الأثيم (44)( (الدخان)، ويقول سبحانه وتعالى: )فليس له اليوم هاهنا حميم (35) ولا طعام إلا من غسلين (36)( (الحاقة)، ويقول سبحانه وتعالى: )ليس لهم طعام إلا من ضريع (6)( (الغاشية). ويتساءلون: هل طعام أهل النار هو "الزقوم" أم "الغسلين" أم "الضريع"؟! ألا يقود هذا التعارض إلى التسليم ببشرية القرآن وتعدد مؤلفيه؟! ويهدفون من وراء ذلك إلى الطعن في عصمة القرآن من التناقض.
وجه إبطال الشبهة:
ليس كل اختلاف تعارضا. فقد اختلف العلماء في توجيه هذه الآيات إلى عدة آراء؛ منها:
· النار دركات[1]، ولكل دركة فيها صنف من الطعام.
· الله - عز وجل - يدلنا على الغائب عنده بالحاضر عندنا.
· كل هذه الأطعمة طعام لأهل النار.
· لا طعام لأهل النار أصلا بالمفهوم المتعارف عليه في الدنيا أو الآخرة؛ لأن هذه الأشياء ليست أطعمة.
التفصيل:
ليس كل اختلاف تعارضا:
هناك قاعدة منطقية تقول: كل ما هو متعارض مختلف، وليس كل مختلف متعارضا؛ فعلى سبيل المثال: طعام أهل الدنيا يختلف من وجبة لأخرى، بل الطعام على الوجبة الواحدة يختلف، ولكنه لا يتعارض، والمرأة تختلف عن الرجل، ولكنها لا تتعارض معه.
بل إن كلا منهما يكمل الآخر، وأبسط مثال على ذلك: التلميذ في الصف الأول يدرس منهجا يختلف في مضمونه عن المنهج الذي يدرسه في الصف الثاني، فهل يعد هذا تعارضا؟ بالطبع كلا. فما يدرسه في الصف الثاني إنما هو مكمل لما درس في الصف الأول فكذلك اختلاف الألفاظ في شأن طعام أهل النار، فهو طعام متعدد على حسب أعمال أصحاب أهل النار، أي أن الاختلاف اختلاف تنوع وتعدد وليس اختلاف تعارض.
اختلاف العلماء حول تفسير هذه الآيات:
ذكر العلماء للتوفيق بين هذه الآيات عدة تفسيرات منها:
1. النار دركات، ولكل دركة فيها طعام معين:
إن العذاب ألوان، والمعذبين طبقات، فمنهم من يأكل الضريع[2]، ومنهم من يأكل الغسلين[3]، ومنهم من يأكل الزقوم، فلا تناقض ولا تعارض بين هذه الآيات، قال ابن قتيبة: "إن النار دركات، والجنة درجات، وعلى قدر الذنوب والحسنات تقع العقوبات والمثوبات"[4] )لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم (44)( (الحجر).
2. الله تبارك وتعالى يدلنا على الغائب بالحاضر عندنا:
فلفظ الطعام في الآخرة - سواء في الجنة، أم في النار - هو لفظ الطعام عندنا في الدنيا، ولكن جنس الطعام نفسه في الآخرة يختلف اختلافا جذريا عن جنس طعام الدنيا، ومثال ذلك: أن الله - سبحانه تعالى - أخبر أن طعام أهل النار - مثلا - من الضريع، والضريع: شجر ينبت في الجزيرة العربية، وهو طعام للحيوانات، وليس طعاما للإنسان. وإذا تركت فيه الإبل جاعت، وهلكت هزالا.
وأما ضريع أهل النار، فليس كضريع الدنيا، ولا يستطيع أي إنسان أن يتصوره؛ لأن ذلك فوق أفهامنا وعقولنا، وهو طعام لأهل النار، إلا أنه أيضا لا يسمن ولا يغني من جوع.
3. وقيل يجوز أن يكون طعامهم جميع ذلك.
4. ومن العلماء من قال:
إنهم لا طعام لهم أصلا؛ لأن الضريع لا يصدق عليه اسم الطعام، ولا تأكله البهائم، فأحرى ألا يأكله الآدميون، وكذلك الغسلين والنار والزقوم[5] [6].
الخلاصة:
ليس كل اختلاف تعارضا، فلا خلل ولا اضطراب بين آيات القرآن الكريم؛ لأن العلماء ذكروا عدة تفسيرات لهذه الآيات، منها: النار دركات وعلى قدر الذنوب تكون العقوبات، فمن أهل النار من طعامه الضريع، ومنهم من طعامه الزقوم، ومنهم من طعامه الغسلين، ومنها أن هذه الأسماء أسماء أطعمة وأشربة الدنيا، لكن حقيقتها تختلف اختلافا جذريا عن أطعمة وأشربة الدنيا. فدلنا الله بالحاضر عندنا، وبما تدركه عقولنا، على الغائب عنده سبحانه وما لا تدركه أفهامنا وقيل غير ذلك.
(*) تأويل مشكل القرآن، ابن قتيبة، المكتبة العلمية، بيروت، ط3، 1401هـ/ 1981م.