توهم تناقض القرآن حول إيمان الكافرين بيوم القيامة (*)
مضمون الشبهة:
يتوهم بعض المشككين وجود تناقض بين قوله سبحانه وتعالى: )ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون (18)( (يونس)، وبين قوله سبحانه وتعالى: )وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين (29)( (المؤمنون). ويتساءلون: كيف يشير القرآن إلى شفاعة الأصنام للكافرين - مما يفيد إيمانهم بيوم القيامة محل الشفاعة - في موضع، ثم يأتي في موضع آخر ويدل على إنكار الكافرين ليوم القيامة والبعث؟ ويستدلون بذلك في ظنهم على القول ببشرية القرآن؛ إذ كيف يكون من عند الله وبه هذا الخلل وذلك الاضطراب؟!
وجه إبطال الشبهة:
الكفار لا يؤمنون بيوم القيامة، وما ورد في القرآن على ألسنتهم عكس ذلك فهو على سبيل التهكم والاستهزاء بالرسل.
التفصيل:
الكافرون يرجون شفاعة الأصنام؛ لإصلاح معاشهم في الدنيا، وشفاعتهم لهم في الآخرة على سبيل السخرية:
الثابت أن الكفار يرجون شفاعة الأصنام في الدنيا؛ لإصلاح معاشهم، أما شفاعتها لهم في الآخرة فهي على تقدير وجودها؛ لأنهم لا يؤمنون بيوم القيامة.
ومما يؤكد هذا المعنى ما ذكره ابن عاشور في تفسير لقوله سبحانه وتعالى: )هؤلاء شفعاؤنا عند الله( (يونس: ١٨)؛ إذ يقول: عطف على جملة: )وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات( (يونس: ١٥) عطف القصة على القصة، فهذه قصة أخرى من قصص أحوال كفرهم أن قالوا: )ائت بقرآن غير هذا( (يونس: ١٥)، حين تتلى عليهم آيات القرآن، ومن كفرهم أنهم يعبدون الأصنام ويقولون: )هؤلاء شفعاؤنا عند الله( (يونس: ١٨).
والمناسبة بين القصتين أن في كلتيهما كفرا أظهره في صورة السخرية والاستهزاء وإيهام أن العذر لهم في الاسترسال على الكفر، فلعلهم - كما أوهموا أنه إن أتاهم النبي سبحانه وتعالى بعذاب الله قالوا: تشفع لنا آلهتنا عند الله. وقد جاء أن النضر ابن الحارث قاله - على معنى فرض ما لا يقع واقعا -: إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى.
وإيثار اسم الموصول في قوله: )ما لا يضرهم ولا ينفعهم( (يونس: ١٨)؛ لما تؤذن به صلة الموصول من التنبيه على أنهم مخطئون في عبادة ما لا يضر ولا ينفع، وفيه تمهيد لعطف: )ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله( (يونس: ١٨) لتحقير رأيهم من رجاء الشفاعة من تلك الأصنام، فإنها لا تقدر على ضر ولا نفع في الدنيا، فهي أضعف مقدرة في الآخرة[1].
والدليل على ذلك قوله تعالـى على لســان الكافــر: )وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا (36)( (الكهف)، أي: أن الرجل لا يؤمن بالساعة، وعلى فرض وجودها، فإن الله سيبدله جنة خيرا من التي له في الدنيا، وقال هذا الكلام تهكما من صاحبه.
وكان الكافر إذا سمع إنذار النبي سبحانه وتعالى بقيام الساعة أو هجس في نفسه هاجس[2] عاقبة هذه الحياة، قال لمن يدعوه إلى العمل ليوم الحساب أو قال في نفسه: )وما أظن الساعة قائمة( (الكهف: ٣٦)، ولئن فرضت قيام الساعة على احتمال ضعيف، فإني سأجد عند الله العاقبة بالحسنى؛ لأني من أهل الثراء والرفاهية في الدنيا، فكذلك سأكون في القيامة، وهذا من سوء اعتقادهم أن يحسبوا أحوال الدنيا مقارنة لهم في الآخرة، كما حكى الله تعالى عن العاص بن وائل حين اقتضاه خباب بن الأرت مالا له عنده من أجر صناعة سيف فقال له: حتى تكفر بمحمد؟ فقال خباب: لا أكفر بمحمد حتى يميتك الله ويبعثك، فقال: أوإني لميت فمبعوث؟! قال: نعم، فقال: لئن بعثني الله فسيكون لي مالي فأقضيك فأنزل الله سبحانه وتعالى: )أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا (77)( (مريم).
ولعل قوله: )ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى( (فصلت: ٥٠)، إنما هو على سبيل الاستهزاء كما في مقالة العاص بن وائل.
وجاءت "إن" الشرطية، لتدل على الشك في حصول الشرط؛ لأنه جعل رجوعه إلى الله أمرا مفروضا ضعيف الاحتمال[3].
وعلى هذا المعنى يمكن تفسير كل الآيات التي جاءت في القرآن الكريم على لسان الكفار وتؤكد إنكاهم ليوم القيامة إنكارا تاما.
الخلاصة:
الثابت في آيات القرآن الكريم أن الكفار والمشركين لا يؤمنون بيوم القيامة ولا بالحساب بعد الموت، أما قول القرآن على ألسنتهم: )هؤلاء شفعاؤنا عند الله( (يونس: ١٨)، فمعناه: على فرض وجود الآخرة - في نظرهم - فإن الأصنام التي عبدوها في الدنيا سوف تشفع لهم عند الله فيها، وإنما قالوا ذلك على سبيل السخرية والاستهزاء، وبهذا يزول التعارض المزعوم بين هذه الآيات.
(*) البيان في دفع التعارض المتوهم بين آيات القرآن، د. محمد أبو النور الحديدي، مكتبة الأمانة، القاهرة، 1401هـ/ 1981م.