توهم تناقض القرآن بشأن إثبات سلطان
الشيطان على الإنسان (*)
مضمون الشبهة:
يزعم بعض المتوهمين أن هناك تناقضا بين قولــه سبحانــه وتعالــى: )وما كان له عليهم من سلطــان( (سبأ:21)، وقولــه - سبحانه وتعالى - على لسان الشيطان: )وما كان لي عليكم من سلطان( (إبراهيم: 22) وبين قولـــه سبحانـه وتعالـى) :هـذا من عمـل الشيطـان( (القصص: 15) قوله سبحانه وتعالى: )إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون (100)( (النحل)، وقوله سبحانه وتعالى: )إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين (42)( (الحجر). ويتساءلون: كيف يقرر القرآن في موضع أن للشيطان على العباد سلطانا، ثم ينفي ما قرره في موضع آخر؟ ويهدفون من وراء ذلك إلى القول بأن القرآن غير معصوم ما دام فيه مثل هذا التعارض.
وجه إبطال الشبهة:
تتحدث الآيات التي استدل بها هؤلاء على زعمهم عن نوعين من سلطان الشيطان:
· سلطان مثبت: وهو سلطان الضلالة والإغواء وتزيين الباطل.
· سلطان منفي: هو سلطان الحجة والبرهان والقوة والقهر مع ضعف الإيمان.
التفصيل:
الآيات التي استدل بها أصحاب هذه الشبهة على زعمهم لا تتحدث عن نوع من أنواع سلطان الشيطان على البشر، بل تتحدث عن نوعين من السلطان:
1. سلطان مثبت:
السلطان الذي أثبته الله للشيطان إنما هو سلطان الضلالة والإغواء وتزيين الباطل والوسوسة بالشر[1]، وليس له أكثر من الوسوسة والاستغفال، ومع ضخامة قواه المادية، فهو مكفوف عن استخدامها ضد بني آدم! إنه يجيء المتردد فيغريه بالجبن، والمتوقح فيغريه بالكبر، والمتهافت على الشهوات فيغريه بالفسق... وهكذا.
فإذا زاغ بشر فهو المسئول عن نفسه، وما يملك أحد إرغامه على عوج، ولو استخدم مواهبه ما قدر أحد على الضحك منه.
وقد تكون قصتنا على ظهر الأرض هي قصة أبينا آدم أيام الجنة، إنه لو ظل ذاكرا فلم ينس، قادرا فلم يضعف، لارتد سهم إبليس إلى نحره، ولكنه نسي، فالذين ينزلقون في الدنيا وقع لهم خلل جعلهم يتجاوبون مع كيد الشيطان، وينخدعون بكذبه، وفرحة الشيطان أن يرى الإنسان ساقطا ذليلا مغاضبا لربه، ولذلك يقول تعالى لبني آدم موبخا: )أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا (50)( (الكهف)[2].
2. سلطان منفي:
والسلطان الذي نفاه الله - سبحانه وتعالى - عن الشيطان هو سلطان الحجة والبرهان، فليس له حجة على دعواه الزائفة عن الحق، وليس له برهان على دعوته الباطلة، ومواعيده الكاذبة، وليس له على العباد قهر يضطرهم إلى إجابته، وإنما هم الذين أطاعوه واتبعوه في باطله بإرادتهم واختيارهم بمجرد أن وسوس لهم[3].
قال ابن عاشور في تفسير قوله - سبحانه وتعالى -: )إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين (42)( (الحجر): إن الله وضع سنة في نفوس البشر، وهي أن الشيطان لا يتسلط إلا على من كان غاويا، أي: مائلا للغواية مكتسبا لها دون من كبح نفسه عن الشر، فإن العاقل إذا تعلق به وسواس الشيطان علم ما فيه من ضلال، وعلم أن الهدى في خلافه، فإذا توفق وحمل نفسه على اختيار الهدى وصرف إليه عزمه، قوي على الشيطان فلم يكن له عليه سلطان، وإذا مال إلى الضلال واستحسنه واختار إرضاء شهوته، صار متهيئا إلى الغواية فأغواه الشيطان فغوى[4].
فالله تبارك وتعالى لم يقل: إن للشيطان على العباد سلطانا ابتداء ألبتة، وإنما هم الذين سلطوه على أنفسهم بطاعتهم له، ودخولهم في حزبه، ومعصيتهم لله - عز وجل -، فهو لم يتسلط عليهم بقوة ولا حجة، وإنما تسلط عليهم بضعف إيمانهم، ودناءة نفوسهم، وخروجهم عن طاعة ربهم؛ ذلك لأن الله تعالى يقول )إن كيد الشيطان كان ضعيفا (76)( (النساء).
الخلاصة:
التعارض الذي توهمه بعض هؤلاء المشككين بشأن سلطان الشيطان على الإنسان مردود؛ لأن للشيطان نوعين من السلطان:
· سلطان مثبت: هو سلطان الضلالة والإغواء، وتزيين الباطل، ولا ينجرف في هذا التيار - تيار الشيطان - إلا ضعفاء الإيمان وأدنياء النفوس.
· سلطان منفي: وهو سلطان الحجج والبراهين والقوة والقهر، فالشيطان لا يتسلط على الإنسان ببرهان أو حجة، أو بقهر أو قوة، بل الإنسان هو الذي يتبع الشيطان بإرادته واختياره؛ لضعف إيمانه.
(*) أسئلة عن الإيمان، قناة الحياة.