توهم تناقض القرآن حول تبديل كلمات الله(*)
مضمون الشبهة:
يتوهم بعض المغالطين وجود تناقض بين قوله سبحانه وتعالى: )لا تبديل لكلمات الله( (يونس: ٦٤)، وأيضا قوله سبحانه وتعالى: )لا مبدل لكلماته( (الكهف: ٢٧)، وقوله سبحانه وتعالى: )وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر( (النحل: ١٠١). ويتساءلون: كيف ينفي الله تبديل كلماته في موضع، ثم يقر هذا التبديل في موضع آخر؟! ويهدفون من وراء ذلك إلى النيل من القرآن الكريم والطعن في عصمته.
وجوه إبطال الشبهة:
1) معنى )لكلمات الله(: سنته، وقوانينه الكونية، وقضاؤه بين المخلوقات.
2) المقصود "بالآية": هي الآية القرآنية، وليست الآية الكونية.
3) المراد بالتبديل: هو تبديل الأحكام التي نزلت بها الآيات مع بقاء رسمها في المصحف.
التفصيل:
في واقع الأمر لا يوجد أدنى تناقض بين آيات الذكر الحكيم، ولو وجد مثل ذلك لما سكت عنه مشركو مكة، منذ نحو ألف وأربعمائة عام، وهم أهل البلاغة والفصاحة، ولم ينتظروا كل هذا الوقت حتى يأتي من ليس له أدنى حظ من تعلم العربية ويقول ذلك، ولم يقتصر الأمر على الجهل بأمور اللغة العربية فقط، بل الجهل أيضا بقواعد المنهج العلمي الصحيح، فالتناقض لا يوجد إلا بين أمرين لا يجتمعان معا ولا يرتفعان معا، فلا بد من وجود أحدهما، وعدم وجود الآخر، والقرآن الكريم، يخلو من مثل هذا التناقض الذي لا وجود له، إلا في عقول المدعين فقط. وللرد على هذا الوهم نقول:
أولا. معنى )لكلمات الله(: سنته وقوانينه الكونية وقضاؤه بين المخلوقات:
إن المراد بقوله سبحانه وتعالى: )لا تبديل لكلمات الله( (يونس: ٦٤)، و قوله عز وجل: )لا مبدل لكلماته( (الكهف: ٢٧): أنه لا تبديل لقضاء الله الذي يقضيه في شئون الكائنات، ولا تغيير في السنن الكونية التي وضعها الله في الخلق، ولن يخرج أحد من خلقه على هذه السنن الكونية الثابتة، وهذا هو إجماع أهل العلم على تفسير هذه الآية، ومعناها أيضا: لا خلف لوعده، ولا تبديل لأخباره، ولا تكون إلا كما قال[1].
ثانيا. المقصود "بالآية" هي الآية القرآنية، وليست الآية الكونية:
المقصود بالآية في قوله سبحانه وتعالى: )وإذا بدلنا آية مكان آية( (النحل: ١٠١) أي: الآية القرآنية وليست السنة الكونية، يقول الإمام الطبري في تفسيره: "وإذا نسخنا حكم آية، فأبدلنا مكانه حكما آخر - والله أعلم بما هو أصلح لخلقه فيما يبدل ويغير من أحكامه - قال المشركون: إنما أنت يا محمد مفتر، أي: كاذب تخرص[2] بتقول الباطل على الله.
ويورد الإمام الطبري روايات عن ابن عباس وابن مسعود وأصحابه يفسرون فيها نسخ الآية بإثبات خطها وتبديل حكمها، دون أن يشرحوا معنى كلمة "آية"، وهذا يدل بوضوح على أن المتبادر إلى الذهن من إطلاق لفظ "آية" في القرآن الكريم هو الآية القرآنية، وليست الآية الكونية[3].
ثالثا. المراد بالتبديل هو تبديل للأحكام التي نزلت بها الآيات:
معنى التبديل في قوله سبحانه وتعالى: )وإذا بدلنا آية مكان آية( (النحل: ١٠١)، هو تبديل للأحكام التي نزلت بها الآيات، وليس للآيات نفسها، أي: ما ننقل من حكم آية إلى غير فنبدله ونغيره، وذلك أن يحول الحلال حراما، والحرام حلالا، والمباح محظورا، والمحظور مباحا، ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي، والحظر والإطلاق، والمنع والإباحة، فإذا حدث مثل هذا التبديل للأحكام، قال المشركون: يا محمد إنما أنت مفتر.
وعن ابن عباس أنه قال: "كان إذا نزلت آية فيها شدة، ثم نزلت آية ألين منها يقول كفار قريش: ما نرى إله محمد إلا يسخر بأصحابه، اليوم يأمر بأمر وغدا ينهى عنه، وأنه لا يقول هذه الأشياء إلى من عند نفسه".
وهذه الكلمة أحسن ما قاله المفسرون في حاصل معنى الآية، فالمراد من التبديل في قوله تعالى: )بدلنا( مطلق التغاير بين الأغراض والمقامات، أو التغاير في المعاني واختلافها باختلاف المقاصد مع وضوح الجمع بين محاملها[4].
الخلاصة:
· لا تعارض بين قوله عز وجل: )لا تبديل لكلمات الله(، وقوله عز وجل: )وإذا بدلنا آية مكان آية( (النحل: ١٠١)؛ لأن المقصود بكلمات الله في الآية الأولى: سننه الكونية التي قضاها على جميع خلقه. أما المقصود بالآية في الآية الثانية: فالآية القرآنية التي هي جزء من أجزاء القرآن الكريم، وليست الآية الكونية.
· المراد بتبديل آية مكان آية: تبديل الأحكام التي نزلت بها الآيات؛ مناسبة للظروف المحيطة بكل آية، مع بقاء رسم الآية في المصحف كما هي دون حذف لها، وكان الكفار يعدون هذا دليلا على أن القرآن من وضع النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(*) رد مفتريات على الإسلام، د. عبد الجليل شلبي، دار القلم، الكويت، ط1، 1405هـ/ 1982م.