توهم تناقض القرآن حول ذكر الجنة مفردة ومثناة (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المشككين أن هناك تناقضا بين قوله سبحانه وتعالى: )إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون (55)( (يس)، وقوله سبحانه وتعالى: )ولمن خاف مقام ربه جنتان (46)( (الرحمن)، ويتساءلون: كيف يعبر بـ"الجنة" مفردة في موضع، وبالمثنى "جنتان" في موضع آخر؟ ويهدفون من وراء ذلك إلى القول ببشرية القرآن.
وجه إبطال الشبهة:
لا تعارض بين الآيتين؛ لأن:
· الآيـة الأولـى: )إن أصحـاب الجنـة اليـوم في شغـل فاكهـون (55)( (يس) نزلت بـخصوص أهل الجنة عامة.
· الآية الثانية: )ولمن خاف مقام ربه جنتان (46)( (الرحمن) نزلت بـخصوص طائفة مميزة من أهل الجنة.
التفصيل:
الفهم الصحيح لمعنى الآيتين:
1. الآية الأولى في خصوص أهل الجنة عامة:
إن المراد بقوله تعالى: )إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون (55)( (يس)، أهل الجنة عـامة دون تخصيص ولا اصطـفاء، فـهم في شغل بمـا هم فيـه من اللـذات - التي هي ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر - عن الاهتمام بأمر الكفار ومصيرهم إلى النار، وإن كانوا من قراباتهم.
وقيل: شغل ذلك اليوم: فض العذارى، وقيل: شغلهم السماع، وقيل: زيارة بعضهم بعضا، وقيل: شغلهم كونهم ذلك اليوم في ضيافة الله - سبحانه وتعالى -.
وفي تنكير "شغل" وإبهامه تعظيم لما هم فيه من البهجة والتلذذ، وتنبيه على أنه أعلى مما يحيط به الأفهام، ويعرب عن كنهه الكلام.
وقد بين الله - سبحانه وتعالى - الأحوال الطبيعية لأهل الجنة، بعد بيان الأحوال السيئة لأهل النار، فيقال للكافرين في يوم الحساب والجزاء زيادة في حسرتهم: إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون[1]، يتلذذون فيه بما يشرح صدورهم، ويرضي نفوسهم، ويقر عيونهم، ويجعلهم في أعلى درجات النعيم، وعبر عن حالهم بالجملة الاسمية المؤكدة؛ للإشعار بثبوت هذه الحال ثبوتا تاما بفضل الله جل شأنه.
2. الآية الثانية في خصوص طائفة بعينها من أهل الجنة:
أما قوله عز وجل: )ولمن خاف مقام ربه جنتان (46)((الرحمن)، فهو يعنى بذكر طائفة مخصوصة مميزة من أهل الجنة، وهم الذين يخافون مقام الله للمساءلة والمحاسبة، ويتركون المعصية خوفا من الله وحياء منه... قال محمد بن على الترمذي: جنة لخوفه من ربه، وجنة لتركه شهوته. وقال ابن عباس: من خاف مقام ربه بعد أداء الفرائض فله جنتان[2].
وفي الحديث الذي ذكره أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله علبه وسلم - قال: «جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن»[3].
وقيل: المقصود بالجنتين: إحداهما منزله ومحل زيارة أصحابه له، والأخرى منزل أزواجه وخدمه كعادة رؤساء الدنيا، وقيل: منزلان ينتقل من أحدهما إلى الآخر لتتوافر دواعي لذته، وتظهر ثمار كرامته، وأين هذا ممن يطوف بين النار وبين حميم آن؟ وقيل: جنة لعقيدته، وجنة لعمله، أو جنة لفعل الطاعات، وجنة لترك المعاصي، أو جنة يثاب بها، وأخرى يتفضل بها عليه، أو إحداهما روحانية، والأخرى جسمانية. وقيل: جنة عدن، وجنة نعيم[4].
الخلاصة:
ليس هناك أي وجه للتناقض بين قوله سبحانه وتعالى: )إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون (55)( (يس)، وقوله سبحانه وتعالى: )ولمن خاف مقام ربه جنتان (46)( (الرحمن)، وذلك لأن:
· الآية الأولى في خصوص أهل الجنة عامة دون تخصيص أو تمييز لجماعة أو طائفة على الأخرى، فهم في شغل بما هم فيه من اللذات عن الاهتمام بأمر الكفار ومصيرهم إلى النار، وإن كانوا من قراباتهم.
· الآية الثانية في خصوص طائفة بعينها من أهل الجنة، وهم الذين يخافون مقام الله - سبحانه وتعالى - للمساءلة والمحاسبة، الذين يهمون بالمعصية فيذكرون مقام ربهم فينزعون عنها فأولئك لهم جنتان.
(*) أسئلة بلا أجوبة، صموئيل عبد المسيح، موقع الكلمة.