اسم المقالة:
فائدة وقوع المتشابه فى القرآن الكريم
المؤلف:
فائدة وقوع
المتشابه فى القرآن الكريم
تساءل المشككون:
ما فائدة المتشابه في القرآن؟!
واستشهدوا لذلك بقول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ
عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ
مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا
تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ
تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ
كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} (آل عمران:7).
أولاً: نوضِّح لهم أن المتشابه لا يُقْصَد به أنه غيرُ مفهوم المعنى، وإنما للعلماء
أقوال كثيرة فى المقصود بالمحكَم والمتشابه، ومن هذه الأقوال:
- المحكم: هو الناسخ، والمتشابه: هو المنسوخ.
- المحكَم: ما بَيّنَ الله حلالَه وحرامَه،
والمُتشابه: ما اشتبهت معانيه.
- المحكم: ما لا يحتمل إلاَّ وجهًا واحدًا،
والمتشابه: ما احتمل من التأويل أوجهًا.
- المحكم: الفرائض والوعد والوعيد، والمتشابه: القصص
والأمثال.
- المحكم: ما تكرَّر من القصص بلفظ واحدٍ، والمتشابه
ما تكرَّر منها مع اختلاف الألفاظ .
- المحكم: ما اتَّفق فيه العلماء، والمتشابه: ما
اختلفوا فيه.
- المحكم: ما فهم العلماء تفسيره، والمتشابه: ما
استاثر الله بعلمه: كقيام الساعة، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج عيسى عليه السلام،
وكيفية الاستواء على العرش، وأمر الروح، وما شابه ذلك .
والملاحظ مما سبق أنَّ كُلَّ التعريفات ما عدا الأخير تَدُلُّ على أن المتشابه ليس
المقصود به أنه غير مفهوم المعنى، وإنَّما معناه: ما يحتاج إلى علم وإعمال ذهن
للوصول إلى معناه، وحتى على القول الأخير فإننا نرى أن وقت الساعة، وأمر الروح،
وغير ذلك من أمور لا يضرُّ الجهل بها ، ولا ينفع العلم بها، بل قد يكون فى الجهل
بها فائدة، كعدم العلم بوقت الساعة؛ حتى يظَلَّ الناس فى استعداد دائم لها.
ثانيًا:اختلف العلماء فى إعراب "الراسخون"، فمنهم من
ذهب إلى أنها معطوفة على لفظ الجلالة، وجملة "يقولون"
مُستْأنَفة لبيان حالهم وأنهم يعلمون المتشابه كما يعلمه الله عز وجل؛ لأن الذي لا
يعلم إلاَّ ما يعلمه الناس لا يكون راسخًا فى العلم؛ ولأن الرسول صلى الله عليه
وسلم دعا لابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قائلاً: "اللهم
فقِّهه فى الدين وعلِّمه التأويل"، وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه إذا وقع
مُشْكِلٌ فى كتاب الله يستدعيه ويقول له: "غُصْ غَوّاص"،
ويَجْمَع أبناء المهاجرين والأنصار ويأمرهم بالنظر فى معانى الكتاب المجيد.
وذهب فريقٌ آخر إلى أن الكلام تَمَّ على قوله عز وجل: {وَمَا
يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ}. وقوله عز وجل: {وَالرَّاسِخُونَ
فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا}جملة من مبتدأ وخبر؛ لأنه مدح الراسخين فى
العلم بأنهم يقولون: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ
رَبِّنَا}، ولو كانوا يعلمونه لَمَا كان فى قولهم هذا مزيد فضل لهم؛ لأنَّ
من عَلِمَ شيئًا لزمه الإيمان به، كما أنَّ قولهم هذا يقتضى أنهم آمنوا بما عرفوا
وبما لم يعرفوا.
وعلى هذا القول يكون الراسخون فى العلم قد علموا بالدليل العقلى أن المراد غير
الظاهر، ففوَّضوا تعيين المراد إلى علمه عز وجل، ولم يَحْمِلْهم عدم التعيين على
ترك الإيمان.
ومنهم من وفَّق بين المذهبين، وذكر أن المتشابه نوعان:
-أحدهما: ما لا يعلمه إلاَّ الله عز وجل كأمر الروح ووقت قيام الساعة، وما شابَهَ
ذلك.
-ثانيهما: يعلمه الله ويعلمه الراسخون فى العلم كالذى يَحْتَمِلُ وجوهًا من العربية
فيُتَأَوَّل على الاستقامة، ولا يُسمَّى راسخًا إلاَّ من يعلم من هذا النوع كثيرًا،
فقوله {إِلاَّ اللّهُ} يدل بداهة أن الله عز وجل
يعلمه على استيفاء نوعيه كليهما، أما الراسخون فيعلمون النوع الثانى، ودخلوا بالعطف
فى علم المتشابه.
والكلام بذلك مستقيم على لغة العرب كأن تقول: ما قام لنَصْرى إلاَّ فلان وفلان،
وأحدهما نصرك بأن ضارب معك، والآخر أعانك بكلام فقط.
مما سبق يتَّضح أن أصحاب الزعم القائل بأنَّ المتشابه فى القرآن لا جدوى منه؛ لأنه
لا يعلمه أحدٌ من الناس ـ غير مُسلَّم به، وعلى فرض التسليم به، فهو محصور فى أمور
لا يضر الجهل بها ولا ينفع العلم بها كـأمر الروح، وموعد قيام الساعة، وكيفية
الاستواء، وما شابه ذلك.
|