مرحبًا بكم فى موقع بيان الإسلام الرد على الافتراءات والشبهات
 بحث متقدم ...   البحث عن

الصفحة الرئيسية

ميثاق الموقع

أخبار الموقع

قضايا الساعة

اسأل خبيراً

خريطة الموقع

من نحن

دعوى أن حديث التداوي بألبان الإبل وأبوالها

يتنافى مع التقدم الطبي الحديث (*)

مضمون الشبهة:

في إطار الإنكار المتواصل لحقائق الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بعامة، ولحقائق الإعجاز الطبي والدوائي لهما بخاصة- يدعي المغالطون أن حديث التداوي بألبان الإبل وأبوالها، والذي رواه الإمام البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه: «أن رهطًا من عكل ثمانية قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فاجتووا المدينة، فقالوا: يا رسول الله، أبغنا رَسْلا([1])، قال: ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود، فانطلقوا، فشربوا من أبوالها وألبانها حتى صحوا وسمنوا...» ـ لا يتفق بحال مع ما توصل إليه الطب الحديث والعلم المتقدم، وما ذلك إلا ضرب من الشعوذة والخرافات.

زاعمين أن هذه الطريقة العلاجية القاصرة التي وردت في الحديث ما تصلح إلا لإقناع البدوي المتخلف في عصره، ولا يمكن بحال أن تصح نظرية طبية، أو أن ترقى لقانون كوني عام، وأن التمسك بمثل هذه العلاجات يجعل المسلمين أضحوكة العالم الذي يتقدم علميًّا، ويعالج الآن بالهندسة الوراثية. منكرين كل دراسة علمية جادة أُجريت لإثبات ما في أبوال الإبل وألبانها من خصائص ومركبات وعناصر فعالة في علاج كثير من الأمراض والآلام التي يعاني منها كثير من المرضى، ويتساءلون بسخرية: كيف لهذا الشيء البدائي أن يشفي تمامًا مرضا مثل الفيروس الكبدي الوبائي الذي يُعلم من كتب الطب أنه يتكاثر بطريقة السيطرة على نواة الخلية، وسرقة السلطة والإرادة منها؛ بحيث يكون موته الكامل مستحيلاً؟! والذي أعيى علاجه أصحاب الهندسة الوراثية، بل مجرد السيطرة عليه- هادفين من وراء ذلك إلى إنكار وجود أي إعجاز طبي في هذا الحديث النبوي، وفي القرآن والسنة بعامة.

وجه إبطال الشبهة:

أثبتت التجارب المعملية الحديثة- مرارًا وتكرارًا- الفوائد العديدة التي تكمن في ألبان الإبل وأبوالها، وأنها تحتوي على عديد من العناصر والمركبات التي تعمل على شفاء كثير من أمراض الإنسان، وتساعد على عافيته ونشاطه، بل أفادت كثير من الأبحاث الدقيقة أن ألبان الإبل وأبوالها علاج ناجع لكثير من الأمراض المستعصية في الإنسان، منها سرطان الدم والتهابات الكبد والاستسقاء ومرض السكر، وأثبتت الدراسات أن لبن الإبل يحتوي على مواد تقاوم السموم والميكروبات، كما يحتوي على مواد تزيد القوة المناعية للأمراض، وقد يكون هذا هو السر في فائدة ألبان الإبل في علاج كثير من الأمراض.

هذا ما أثبتته التجارب العلمية الدقيقة في جامعات علمية متخصصة، وأما خلاف ذلك من طعون وادعاءات فلا دليل عليه، ويكفي عدم إتيانهم بالدليل العلمي على زعمهم دليلاً على بطلان قولهم.

التفصيل:

1)  الحقائق العلمية:

اقتضى المنهج العلمي التجريبي طريقة حكيمة في تتبع الظواهر المدروسة والتحقق من صحة فروضها بطريقة التجربة والتحليل المعملي، للتوصل إلى نتائج حقيقية وثابتة؛ وبهذا أصبح المنهج العلمي الحديث من أشد المناهج دقة وثبوتًا، ولا يصادر على قول أو بحث علمي أو يرفضه إلا بعد أن يجري عليه تجارب علمية دقيقة، ويتخذ من تلك الآراء فرضًا علميًّا.

بهذا المنهج العلمي الواضح الدقيق جاءت الدراسات والبحوث العلمية عن ألبان الإبل وأبوالها مبينة عناصرهما ومركباتهما، ومدى فائدتهما في علاج كثير من الأمراض التي يصاب بها الإنسان، وفي علاج كثير من الأمراض البكتيرية والفيروسية، وتوصلت هذه الدراسات إلى نتيجة مؤكدة مؤداها أن ألبان الإبل وأبوالها تعدان علاجًا طبيًّا وقائيًّا لكثير من الأمراض التي تصيب الإنسان، ومنها الأمراض المستعصية والـمزمنة، ونفصل هذه الحقائق فيما يأتي:

أولاً: ألبان الإبل (تركيبها وفوائدها):

نتحدث هنا عن ألبان الإبل تحديدًا لنرى بعض الحقائق التي ذُكرت عنها في المراجع العلمية الحديثة، من حيث تركيبها وفوائدها كغذاء ودواء.

تدل الإحصائيات على أن الناقة تُحلب لمدة عام كامل في المتوسط بمعدل مرتين يوميًّا، ويبلغ متوسط الإنتاج اليومي لها من 5: 10 كجم من اللبن، بينما يبلغ متوسط الإنتاج السنوي لها حوالي 230: 260 كجم.

ويختلف تركيب لبن الناقة بحسب سلالة الإبل التي تنتمي إليها، كما يختلف من ناقة لأخرى، وكذلك تبعًا لنوعية الأعلاف التي تتناولها الناقة والنباتات الرعوية التي تقتاتها، والمياه التي تشربها وكمياتها، ووفقًا لفصول السنة التي تُربى بها، ودرجة حرارة الجو أو البيئة التي تعيش فيها، والعمر الذي وصلت إليه هذه الناقة، وفترة الإدرار وعدد المواليد والقدرات الوراثية التي يمتلكها الحيوان ذاته، وطرائق التحليل المستخدمة في ذلك.

وعلى الرغم من أن معرفة العناصر التي يتكون منها لبن الناقة على جانب كبير من الأهمية، سواء لصغار الناقة أو للإنسان الذي يتناول هذا اللبن، فإنها من جانب آخر تشير وتدل دلالة واضحة على أهمية مثل هذا اللبن في تغذية الإنسان وصغار الإبل، وبشكل عام يكون لبن الناقة أبيض مائلاً للحمرة، وهو عادة حلو المذاق لاذع، إلا أنه يكون في بعض الأحيان مالحًا، كما يكون مذاقه في بعض الأوقات مثل مذاق المياه، وترجع التغيرات في مذاق اللبن إلى نوع الأعلاف والنباتات التي تأكلها الناقة، والمياه التي تشربها، كذلك ترتفع قيمة الأس الهيدروجيني (PH)- وهو مقياس الحموضة- في لبن الناقة الطازج، وعندما يترك لبعض الوقت تزداد درجة الحموضة فيه بسرعة.

ويصل محتوى الماء في لبن الناقة بين 84% و 90%؛ ولهذا أهمية كبيرة في الحفاظ على حياة صغار الإبل، والسكان الذين يقطنون المناطق القاحلة- مناطق الجفاف- وقد تبين أن الناقة الحلوب تفقد أثناء فترة الإدرار ماءها في اللبن الذي يحلب في أوقات الجفاف، وهذا الأمر يمكن أن يكون تكيفًا طبيعيًّا؛ وذلك لكي توفر هذه النوق وتمد صغارها والناس الذين يشربون من حليبها- في الأوقات التي لا تجد فيها المياه- ليس فقط بالمواد الغذائية، ولكن أيضًا بالسوائل الضرورية لمعيشتهم وبقائهم على قيد الحياة، وهذا لطف وتدبير من الله عز وجل.

وكذلك فإنه مع زيادة محتوى الماء في اللبن الذي تنتجه الناقة العطشى ينخفض محتوى الدهون من 3,4% إلى 1,1%، وعموما يتراوح متوسط النسبة المئوية للدهون في لبن الناقة بين 6,2% إلى 5,5%، ويرتبط دهن اللبن بالبروتين الموجود فيه.

وبمقارنة دهون لبن الناقة مع دهون ألبان الأبقار والجاموس والغنم لُوحِظ أنها تحتوي على أحماض دهنية قليلة، كما أنها تحتوي على أحماض دهنية قصيرة التسلسل، ويرى الباحثون أن قيمة لبن الناقة تكمن في التراكيز العالية للأحماض الطيّارة التي تعتبر من أهم العوامل المغذِّية للإنسان، وخصوصًا الأشخاص المصابين بأمراض القلب.

ومن عجائب الخلق الإلهي في لبن الإبل أن محتوى اللاكتوز- سكر اللبن- في لبن الناقة يظل دون تغيير منذ الشهر الأول لفترة الإدرار، وحتى نهايتها في كل من النوق العَطْشَى والـمرتوية من الماء، وهذا لطف من العلي القدير فيه رحمة وحفظ للإنسان والحيوان؛ إذ إن اللاكتوز سكر مهم يُستخدم كمليِّن وكمُدِرّ للبول، وهو من السكاكر الضرورية التي تدخل في تركيب أغذية الرضع.

وفضلاً عن القيمة الغذائية العالية لألبان الإبل، فإن لها استخدامات وفوائد طبية عديدة تجعله جديرًا بأن يكون الغذاء الوحيد الذي يعيش عليه الرعاة في بعض المناطق، وهذا من فضل الله العظيم وفيضه العميم([2]).

يتبين من هذا أن لبن الناقة يمثل قيمة غذائية كبيرة للإنسان؛ بما يحتوي عليه من عناصر ومركبات فعالة من: درجة الحموضة، ونسبة الدهون، ومحتوى اللاكتوز، وتركيز الحموض الطيّارة؛ مما يجعله أيضًا مفيدًا في كثير من الاستخدامات الطبية والعلاجية.

"وقد اهتم العلماء بالأبحاث المتعلقة بألبان الإبل في الربع الأخير من القرن العشرين، فأُجريت مئات الأبحاث على أنواع الجِمال، وكمية الألبان التي تُدِرُّها في اليوم، وفترة إدرارها للألبان بعد الولادة، ومكونات لبن الإبل، وبعد دراسات مستفيضة خلُص العلماء إلى أن لبن الإبل يعتبر عنصرًا أساسيًّا في تحسين غذاء الإنسان كمًّا ونوعًا.

مكونات لبن الإبل:

يتدرج لبن الإبل في مكوناته بناء على مرحلة الإدرار، وعمر الناقة، وعدد أولادها، وكمية الطعام الذي تتغذى عليه ونوعه، وكذلك على كمية الماء المتوافر للشرب، ويعتبر لبن الإبل عالي القلوية، ولكن سرعان ما يصير حمضيًّا إذا تُرك فترة من الزمن؛ إذ يتراوح (PH) من 6,5 إلى6,7%، ويتحول للحمضية بسرعة؛ حيث يزداد حمض اللاكتيك من 0,03 بعد ساعتين إلى 14% بعد 6 ساعات، ويتراوح الماء في لبن الإبل من 84 إلى90% من مكوناته، وتتراوح الدهون في اللبن في المتوسط حوالي 5,4 ، والبروتين حوالي 3%، ونسبة سكر اللاكتوز حوالي 3,4، والمعادن حوالي 0,7%، مثل الحديد والكالسيوم والفوسفور والمنجنيز والبوتاسيوم والماغنسيوم، وهناك اختلافات كبيرة في هذه المركبات بين الأنواع المختلفة من الإبل، وتعتمد على الطعام والشراب المتوافر لها.

ونسبة الدهون إلى المواد الصلبة في لبن الإبل أقل منها في لبن الجاموس؛ حيث تبلغ في لبن الإبل 31,6%، بينما في الجاموس 40,9%، كما أن الدهون في لبن الإبل توجد على هيئة حبيبات دقيقة متحدة مع البروتين؛ لذلك يصعب فصلها في لبن الإبل بالطرق المعتادة في الألبان الأخرى، والأحماض الدهنية الموجودة في لبن الإبل قصيرة السلسلة، وهي أقل منها في الألبان الأخرى، كما أن لبن الإبل يحتوي على تركيز أكبر للأحماض الدهنية المتطايرة، خصوصًا حمض اللينوليك والأحماض الدهنية المتعددة غير المتشيعة، والتي تعتبر حيوية في غذاء الإنسان، خصوصًا مرضى القلب، كما أن نسبة الكوليسترول في لبن الإبل منخفضة مقارنة بلبن البقر بحوالي 40%، وتصل نسبة بروتين الكازين في بروتين لبن الإبل الكلي إلى 70%، مما يجعل لبن الإبل سهل الهضم.

ويحتوي لبن الإبل على فيتامين (ج) بمعدل ثلاثة أضعاف وجوده في لبن البقر، ويزداد إذا تغذَّت الإبل على أعشاب وغذاء غني بهذا الفيتامين، كما أن فيتامين (ب 1، 2) موجود بكمية كافية في لبن الإبل أعلى من لبن الغنم، كما يوجد فيه فيتامين (أ) (A) والكاروتين بنسب كافية.

ويُنصح المريض الذي يأخذ لبن الإبل للعلاج أن يأخذه بالغداة، ولا يدخل عليه شيئًا، ويجب عليه الراحة التامة بعد شربه، ويعتبر لبن الإبل الطازج الحار أفضل شيء لتنظيف الجهاز الهضمي، ويعتبر أفضل المسهِّلات، وينتشر بين البدو أن أي مرض في الداخل يمكن أن يُعالج بلبن الإبل، فاللبن ليس مانحًا للقوة فقط، ولكن للصحة أيضًا، وقد أثبت البحث العلمي الحديث مزايا فريدة للبن الإبل.

الإسرائيليون يعكفون على دراسة ألبان الإبل:

يعكف البروفيسور ريئوفين يغيل- الذي يعمل في جامعة بن غوريون في بئر السبع وبمشاركة طاقم من الأطباء- على بحث الميزات الخاصة التي تتوافر في حليب الناقة، ويقول الباحث: هناك اكتشافات مثيرة جدًّا فيما يتعلق بالتركيبة الكيماوية لحليب الناقة، الذي يشبه حليب الأم أكثر مما يشبه حليب البقرة، فقد اكتُشف أن حليب الناقة يحتوي على كمية قليلة من اللاكتوز والدهن المشبع، إضافة إلى احتوائه على كمية كبيرة من فيتامين (ج)، الكالسيوم والحديد، مما يجعله ملائمًا للأطفال الذين لا يرضعون، كما تبين من البحث أن حليب الناقة غني ببروتينات جهاز المناعة، وهو ملائم لمن لا يتمكن جهازه الهضمي من هضم سكر الحليب.

ويتحدث البروفيسور يغيل هو وطاقمه عن المزايا العلاجية لحليب الناقة فيقولون: يحتوي هذا الحليب على مواد قاتلة للجراثيم، ويلائم من يعانون من الجروح، ومن يعانون من أمراض التهاب الأمعاء، كما يُوصى به لمن يعانون من مرض الربو، ولمن يتلقون علاجًا كيماويًّا؛ لتخفيف حدة العوارض الجانبية، مثل التقيؤ، كما يُوصى به لمرضى السكري- سكري البالغين- وللمرضى الذين يعانون من أمراض تتعلق بجهاز المناعة، مثل أمراض المناعة الذاتية حين يبدأ الجسم بمهاجمة نفسه.

ويستمر البروفيسور يغيل في تعداد مزايا حليب الناقة فيقول: أوصي من يعاني من أحد الأمراض التي ذكرت أن يحاول شرب كأسين من هذا الحليب يوميًّا، ويزيد الكمية وفق الحاجة، وبالطبع بعد استشارة الطبيب، ثم قال: حليب الناقة ليس دواء، وننتظر مصادقة وزارة الصحة من أجل تسويقه كغذاء، لكننا حاليًّا نجري أبحاثًا ونجمع معلومات، وقد أقام هذا الباحث وغيره في إسرائيل مزارع للإبل ومنتجعات يؤمها السياح لتناول ألبان الإبل.

الخصائص المناعية والاستخدامات الطبية للبن الإبل:

أوضحت الدراسات العديدة التي قام بها العجمي (1994م، 2000م)، والعجمي وآخرون (1992م، 1996م،  1998م) أن لبن الإبل يمتاز بميزات مناعية فريدة؛ حيث إنه يحتوي على تركيزات مرتفعة للغاية من بعض المركبات المثبطة لفعل بعض البكتيريا الممرضة وبعض الفيروسات.

وفي الهند يستخدم لبن الإبل كعلاج للاستسقاء واليرقان ومتاعب الطحال والسل والربو والأنيميا والبواسير (Raoet al,1970)، ويستخدم أيضًا في علاج مرض الكبد الوبائي المزمن وتحسين وظائف الكبد، وقد تحسنت وظائف الكبد في المرضى المصابين بالتهاب الكبد بعد أن عولـجوا بلبن الإبل (Sharmanovetal,1978ويُعطى اللبن للمسنين والشباب والصغار، وهو مهم في تكوين العظام.

كما ثبت أن حليب الإبل يخفض مستوى الجلوكوز؛ وبالتالي يمكن أن يكون له دور في علاج السكري، ومن المدهش أنه قد وُجد في لبن الإبل مستويات عالية من الأنسولين وبروتينات شبيهة بالأنسولين، وإذا شُرب اللبن فإن هذه المركبات تنفذ من خلال المعدة إلى الدم من غير أن تتحطم، بينما يحطم الحمض المعوي الأنسولين العادي، وهذا قد أعطى الأمل لتصنيع أنسولين يتناوله الإنسان بالفم، وتعكف شركات الأدوية اليوم على تصنيعه وتسويقه في القريب العاجل، وقد وُجد في دراسة حديثة أن مرضى النوع الأول من السكري قد استفادوا حينما تناولوا كوبًا من حليب الإبل، وانخفض لديهم مستوى السكر في الدم؛ وعلى هذا خفَّضوا كمية الأنسولين المقررة لعلاجهم.

صورة بالمجهر الإلكتروني تبين الأجسام المضادة النانوية الموجودة في الإبل، وهي القطع
الصغيرة اللامعة ملتصقة بالخلايا السرطانية كبيرة الحجم لتدميرها.

اكتشاف مذهل:

في أحدث دراسة نشرتها مجلة العلوم الأمريكية في عددها الصادر في أغسطس عام 2005م وُجد أن عائلة الجمال- وخصوصًا الجمال العربية ذات السنام الواحد- تتميز عن غيرها من بقية الثدييات في أنها تملك في دمائها وأنسجتها أجســـامًا مضادة صغيرة تتركب من سلاسل قصيرة من الأحماض الأمينية، وشكلها على صورة حرف (V)، وسماها العلماء "الأجسام المضادة الناقصة أو النانوية" (NanoAntibodies) أو اختصارًا (Nanobodies)، ولا توجد هذه الأجسام المضادة إلا في الإبل العربية، زيادة على وجود الأجسام المضادة الأخرى الموجودة في الإنسان وبقية الحيوانات الثديية فيها أيضًا، والتي على شكل حرف (Y)، وأن حجم هذه الأجسام المضادة هو عشر حجم المضادات العادية، وأكثر رشاقة من الناحية الكيميائية، وقادرة على أن تلتحم بأهدافها وتدمرها كقدرة المضادات العادية نفسها، وتمر بسهولة عبر الأغشية الخلوية وتصل لكل خلايا الجسم.

وتمتاز هذه الأجسام النانوية بأنها أكثر ثباتًا في مقاومة درجة الحرارة؛ لتغير الأس الأيدروجيني تغيرًا متطرفًا، وتحتفظ بفاعليتها أثناء مرورها بالمعدة والأمعاء، بعكس الأجسام المضادة العادية التي تتلف بالتغيرات الحرارية وبإنزيمات الجهاز الهضمي، مما يعزز من آفاق ظهور حبات دواء تحتوي أجسامًا نانوية لعلاج مرض الأمعاء الالتهابي وسرطان القولون والروماتويد، وربما مرضى الزهايمر أيضًا.

وقد تركزت الأبحاث العلمية على هذه الأجسام المضادة منذ حوالي 2001م في علاج الأورام على حيوانات التجارب وعلى الإنسان، وأثبتت فاعليتها في القضاء على الأورام السرطانية؛ حيث تلتصق بكفاءة عالية بجدار الخلية السرطانية وتدمرها، وقد نجحت بعض الشركات المهتمة بأبحاث التكنولوجيا الحيوية الخاصة في بريطانيا وأمريكا في إنتاج دواء على هيئة أقراص مكون من مضادات شبيهة بالموجودة في الإبل لعلاج السرطان والأمراض المزمنة العديدة، والالتهابات البكتيرية والفيروسية.

وطورت شركة (Ablynx) هذه الأجسام النانوية لتحقق ستة عشر هدفًا علاجيًّا تغطي معظم الأمراض المهمة التي يعاني منها الإنسان، وأولها السرطان، يليها بعض الأمراض الالتهابية، وأمراض القلب والأوعية الدموية، ويعكف الآن حوالي 800 عالم من علماء التكنولوجيا الحيوية المتخصصين في أبحاث صحة الإنسان والنظم النباتية الحيوية، وبتكاتف عدة جامعات- على أبحاث الأجسام المضادة النانوية؛ لتنفيذ مشروع المستقبل في علاج الأمراض العنيدة.

ورغم الكم الهائل من العلماء الذين يبحثون في هذا الموضوع لتوفير هذه الأجسام المضادة كوسيلة لعلاج هذه الأمراض، إلا أن هناك كثيرًا من المشاكل والصعوبات تعترضهم في سبيل تصنيع هذا الدواء بالطريقة المثلى التي تتلاءم مع الظروف البيئية والاقتصادية للبشر، وكل هذه الأنواع من الأمراض؛ مما يجعل العلماء يتجهون بأبصارهم وعقولهم ناحية البيولوجيا الجزيئية لعائلة الجمال"([3]).

وعن فوائد ألبان الإبل يقول الدكتور جابر بن سالم القحطاني: "استُخدم حليب الإبل كعلاج لكثير من الأمراض؛ فقد استخدم الإنسان العربي حليب الإبل لمعالجة مرض الصفار الكبدي، وفقر الدم، والسل، وأمراض الشيخوخة وهشاشة العظام، والكساح عند الأطفال، وهو مسهِّل، وبالأخص عندما يُشرب حارًّا ولأول مرة، ولعلاج الزكام والأنفلونزا والحمى والتهاب الكبد الوبائي، والاستسقاء والأمراض الصدرية، كالدرن والربو، وكذلك الأمراض الباطنية، كقرحة المعدة والاثنى عشر والقولون، والاضطرابات الهضمية، ومخفِّض للسكر والضغط، ومنظِّم لضربات القلب ومعدلات التنفس وضربات الشمس.

وقد أظهرت دراسة عمانية تفوق حليب الإبل في علاج التهاب الكبد المزمن مقارنة باستخدام حليب النوق لعلاج الاستسقاء واليرقان، ومشاكل الطحال والدرن والربو، وفقر الدم والبواسير، وقد أُنشئت عيادات خاصة يُستخدم فيها حليب الناقة لمثل هذه العلاجات.

وفي دراسة على سكر الدم قامت بها باحثة لنيل درجة الماجستير بجامعة الجزيرة بالسودان؛ حيث جرَّبت أثر لبن الإبل على معدل السكر في الدم، فاختارت عددًا من المرضى لإجراء تجربة عملية استغرقت سنة كاملة، وقد قسمت المتبرعينإلى فئتين؛ تناولت الفئة الأولى جرعة من لبن الإبل بمعدل نصف لتر يوميًّا على الريق، أما الفئة الثانية فلم تتناول أي شيء، وعند نهاية الدراسة اتضح أن نسبة السكر في الدم انخفضت بدرجة ملحوظة وسط أفراد الفئة الأولى مقارنة بأفراد الفئة الثانية، وقد أثبتت تلك التجربة مدى تأثير حليب الإبل في تخفيض نسبة سكر الدم.

وفي دراسة حديثة أُجريت في الهند ونُشرت نتائجها في مجلة (MerMedicus2004) اتضح فيها أن حليب الإبل حسن التحكم في مرضى السكر المعتمدين على الأنسولين.

وقالت الباحثة أماني عليوي الرشيدي في رسالتها للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة الملك عبد العزيز: إن حليب الإبل استُخدم في علاج مرض السرطان، وقد تم في البحث حقن فئران التجارب بمواد مسرطنة، ثم تم تغذية بعض الفئران بحليب الإبل، وإعطاء البعض الآخر علاجًا كيماويًّا، وفي نهاية الدراسة اتضح أن الفئران التي غُذِّيت بحليب الإبل تحسنت حالتها إلى درجة قريبة من الفئران التي عُولـجت بالدواء الكيماوي، فيما كانت أفضل النتائج في الفئران التي عُولجت بالدواء الكيماوي وحليب الإبل في وقت واحد"([4]).

ويقول الدكتور أحمد شوقي إبراهيم متحدثًا عن فوائد ألبان الإبل أيضًا: "وذكرت دراسة علمية لبعض الأطباء أن لبن الناقة يشفي من تشمع الكبد والربو الشعبي ومرض السكر، ويقوي عظام الأطفال، وهو خير وقاية من مرض الكساح، وأن لبن الناقة
يقوي اللثة، ويقي من مرض الإسقربوط؛ بسبب احتواء لبن الإبل على نسبة عالية من فيتامين (ج).

وذكرت دراسة من قسم الأغذية بكلية الزراعة بجامعة الفاتح في ليبيا أن ألبان الإبل هي الأفضل من حيث ثراؤها بالعناصر الغذائية، وقارن العلماء لبن الإبل بلبن البقر، بعد كارثة أمراض جنون البقر التي تحدث بين الحين والحين، فوجدوا أنه لبن لا ضرر فيه، وأنه لم يُسمع عن أي إنسان مرض من جراء تناوله للبن الإبل.

ووجدوا أن نسبة الكازين في لبن الإبل تصل إلى 70% من البروتين، وهذا يجعله سهل الهضم، سهل الامتصاص، كما أن حبيبات الدهون في لبن الإبل أصغر في الحجم من حبيبات الدهون في الألبان الأخرى؛ مما يزيد من سهولة الهضم والامتصاص، وثبت أن لبن الإبل يحتوي على مواد تقاوم السموم والميكروبات، كما يحتوي على مواد تزيد القوة المناعية للأمراض، وقد يكون ذلك هو السر في فائدة لبن الإبل في علاج كثير من الأمراض"([5]).

وهكذا قد أثبتت مختلف الدراسات العلمية والبحثية المنهجية الدقيقة مدى فاعلية ألبان الإبل في علاج كثير من أمراض الإنسان، ودخولها في كثير من العلاجات والأدوية النافعة له.

ثانيًا: بول الإبل (تركيبه وفوائده):

أكدت أبحاث علمية متعددة أن في بول الإبل عناصر مركزة وبروتينات عالية؛ مما يجعله مفيدًا جدًّا في علاج كثير من الأمراض التي يعاني منها الإنسان، وخاصة أمراض الاستسقاء والكبد.

وفي هذا الشأن يقول الدكتور أحمد شوقي إبراهيم: "تحدث كثير من الباحثين عن فوائد العلاج بأبوال الإبل، وسنذكر بعض ما ذكره أولئك الباحثون عن دراساتهم وتجاربهم في هذا الموضوع كالآتي:

قام الدكتور أحمد عبد الله أحمداني- عميد كلية المختبرات الطبية بجامعة الجزيرة السودانية- بتجربة علمية باستخدام بول الإبل لعلاج تشمع الكبد وتليفه، وما نتج عن ذلك من استسقاء البطن، وأثبتت نجاحها.

وبدأت التجربة بإعطاء المريض جرعة محسوبة من بول الإبل مخلوطًا بلبن الإبل يوميًّا، وقال: كانت النتيجة مدهشة للغاية؛ فقد اختفى الاستسقاء بعد أسبوعين من بدء العلاج.

وذكر الدكتور أحمداني أنه أجرى الكشف بالموجات الصوتية لخمسة عشر مريضًا، وثبت إصابتهم بتشمع الكبد (FattyLiver)، واستجاب جميعهم للعلاج بأبوال الإبل لمدة شهرين، وثبت أن بول الإبل يحتوي على كمية كبيرة من البوتاسيوم والزلال والماغنسيوم، وقال: إن مرض الاستسقاء ينتج عن نقص في الزلال والبوتاسيوم، وبول الإبل غني بالاثنين معًا.

وقال الدكتور أحمداني: إن بعض الشركات العالمية استخدمت بول الإبل في صناعة أنواع ممتازة من شامبو الشعر، وإن أفضل أنواع الإبل التي يمكن استخدام بولها في العلاج هي الإبل الصغيرة التي لم تحمل بعد.

ولقد حوى كتاب الشيخ الدميري "حياة الحيوان الكبرى" كل الأجزاء الحيوانية التي تُستخدم في علاج الإنسان، ومعروف مثلاً أن فرش حلاقة الذقن تُصنع من أذيال الإبل.

وكانت الريادة في استخدام بول الإبل في العلاج للدكتورة أحلام العوضي بالاشتراك مع الدكتورة ناهد هيكل الأستاذة بالأقسام العلمية بكلية التربية بجدة، وكان لهما السبق في استخدام بول الإبل في علاج الأمراض الجلدية الفطرية، كما استخدمتا في العلاج سلالات بكتيرية معزولة من بول الإبل.

وأشرفت على رسالة ماجستير للدكتورة منال القطان التي نجحت في تأكيد فاعلية مستحضر تم تحضيره من بول الإبل، وهو أول مضاد حيوي يُصنع بهذه الطريقة على مستوى العالم، وذلك بالتعاون مع الدكتورة أحلام العوضي، والمستحضر زهيد الثمن جدًّا؛ الأمر الذي يجعله في متناول الجميع.

وثبت بعد ذلك نجاح المستحضر الجديد في القضاء على الفطريات أيضًا؛ وبالتالي نجاح استعماله في الأمراض البكتيرية والأمراض الفطرية أيضًا، وتقول الدكتورة أحلام العوضي: إن ذلك المستحضر من بول الإبل رخيص الثمن، وسهل التصنيع، وله أثر علاجي فعال في علاج الأمراض الجلدية، مثل: الأكزيما والحساسية والجروح والحروق، كما أنه علاج مفيد للأمراض الخبيثة، ولا توجد آثار جانبية له.

وفي رسالة ماجستير مقدمة من مهندس بالكيمياء التطبيقية يُدعى محمد أوهاج محمد وعنوانها "دراسة في المكونات الكيميائية وبعض الاستخدامات الطبية لبول الإبل العربية" (Astudyonthechemicalcompositionandmedicalusesoftheurineofsomeofthearabiancamels)، تحدثت الرسالة عن تاريخ التداوي بأبوال الإبل منذ قرون عديدة، وأثبتت الدراسة بواسطة التجارب التطبيقية الطبية على ثلاثين مريضًا يعانون الاستسقاء نجاح العلاج بواسطة مستحضرات معملية من بعض مكونات بول الإبل، وأثبتت التجارب الآتي:

1.  أن بول الإبل ذو تركيز مرتفعOsmolality مقارنة بأبوال الغنم والبقر والإنسان. 

2.  أن بول الإبل يعمل كمُدِرّ لبول المريض الذي يتعاطى الدواء، ولكنه لا يؤثر في مستوى البوتاسيوم بالدم، كما تفعل الـمُدِرّات الأخرى.

3.  أن بول الإبل يحتوي على نسبة عالية من البوتاسيوم والبروتينات.

4.  أن بول الإبل له تأثير علاجي واضح في بعض الأمراض البكتيرية والفيروسية.

5.  أن بول الإبل يُستخدم في علاج الجلطة الدموية؛ فهو يحلل المادة المسبِّبة للتجلط، وهي (Fibrin).

وخلص البحث إلى وجود الدليل العلمي على صدق الحديث النبوي عن فائدة العلاج بلبن الإبل وأبوالها"([6]).

فهذه أبحاث ودراسات علمية جامعية أثبتت فعالية العلاج ببول الإبل في كثير من الأمراض والفطريات، وبينت قوة تركيب العناصر والبروتينات في جزيئاته، كما جاءت دراسة علمية عن نجاح علاج الاستسقاء ببول الإبل ملخصها:

1.  أن بول الإبل العربية وحيدة السنام يختلف عن بول بقية الأنعام وبول البشر في عدة نواحي؛ فقد أوضحت النتائج الكيميائية أن بول الإبل يحتوي على تركيز عال من كل المواد- تقريبا- التي تم تحليلها، مثل: المعادن الفلزية والمعادن النادرة ومركبات النيتروجين غير البروتينية، وبول الأغنام يلي بول الإبل في التركيز، وإن كانت هناك بعض المواد في بول الأغنام أعلى تركيزًا، وبول الأبقار يأتي فيالمرتبة الثالثة، وأخيرًا بول البشر.

2.  التركيز العالي لكل من البوتاسيوم والماغنسيوم والكالسيوم واليوريا في أبوال الإبل، بالإضافة إلى النيتروجين الكلي والبروتين الكلي والألبيومين والكرياتينين ـ يقابله في بول الأغنام تركيز عال في الحامض البولي والكرياتين والكالسيوم والزنك.

3.  بول البقر يقارب بول البشر نسبيًّا في كثير من المكونات الحيوية، علمًا بأن بول البشر هو الوحيد في هذه المجموعة الذي يحمل الصفة الحمضية في تفاعله (pH = 4 - 5 وبنظرة عامة للفوارق الكيميائية بين بول الإناث والذكور في جميع حيوانات الدراسة وبول البشر- يتضح أن الفوارق لا تكاد تذكر بالرغم من أن بول الإناث بصورة عامة يسجل أرقامًا أعلى من بول الذكور.

4.  من الناحية السريرية، فقد خلصت الدراسة إلى أن مرضى الاستسقاء الذين تـمت معالجتهم بجرعة يومية صباحية (150ml) من بول الإبل لمدة أسبوعين- انخفض معدل الاستسقاء عندهم بدرجة أقل نسبيًّا من المجموعة التي عُولـجت بعقار الفروساميد للمدة نفسها.

5.  استعاد المرضى في المجموعتين بطونهم بحالة خالية من السوائل، بيد أن الفروساميد كان أسرع.

6.  بول الإبل يعمل كمدر بطيء نسبيًّا للبول ومسهِّل جيد، أما الفروساميد فمعروف بقوة إدراره، ويبدو أن ارتفاع الأملاح واليوريا والأوزمولارية بالإضافة للألبيومين تساعد بول الإبل في آلية عمله.

7.  أملاح البوتاسيوم عالية التركيز في بول الإبل توفر لمرضى الاستسقاء تعويضًا من مصدر طبيعي، كذلك الحال بالنسبة لبروتين الألبيومين الذي تعجز الكبد المتليفة في هؤلاء المرضى من توفيره بالقدر الكافي.

8.  بآلية غير معروفة حتى الآن استعاد المرضى المصابون بتليف الكبد حالتهم الصحية التامة؛ إذ رجعت أكبادهم لوضعها الطبيعي من حيث الحجم والملمس والوظيفة([7]).

هكذا يتبين أن بول الإبل به عديد من المركبات والبروتينات التي تساعد على شفاء كثير من الأمراض الخطيرة عند الإنسان، وخاصة الاستسقاء وتليف الكبد.

ونشرت صحيفة الرأي العام السودانية في عددها 1728 بتاريخ 8/5/1423هـ، 18/6/2002م مقالاً للدكتور أحمد عبد الله أحمداني عن دراسة أُجريت على أبوال الأبل وألبانها، يقول فيه: الدراسة علمية تجريبية دقيقة استمرت لمدة 15 يوما؛ حيث اخترنا 15 مريضًا مصابين بمرض الاستسقاء المعروف، وكانت بطونهم منتفخة بشكل كبير قبل بداية التجربة العلاجية، وبدأت التجربة بإعطاء كل مريض يوميًّا جرعة محسوبة من بول الإبل مخلوطًا بلبنها؛ حتى يكون مستساغًا, وبعد 15يومًا من بداية التجربة أصابنا الذهول من النتيجة؛ إذ انخفضت بطونهم وعادت لوضعها الطبيعي, وشُفي جميع أفراد العينة من الاستسقاء, وتصادف وجود بروفيسور إنجليزي أصابه الذهول أيضًا, وأشاد بالتجربة العلاجية.

وكنا قبل بداية الدراسة أجرينا تشخيصًا لكبد المرضى بالموجات الصوتية، فاكتشفنا أن 15 كبدًا من الـ 25 مريضًا يحتوي شمعًا, وبعضهم كان مصابًا بتليف في الكبد بسبب مرض البلهارسيا, وجميعهم استجابوا للعلاج بـبول الإبل، وبعض أفراد العينة من المرضى استمروا برغبتهم في شرب جرعات بول الإبل يوميًّا لمدة شهرين آخرين، وبعد نهاية تلك الفترة أثبت التشخيص شفاءهم من تليفالكبد وسط دهشتنا جميعًا.

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي الخواص والمكونات الموجودة في بول الإبل حتى يحقق تلك النتائج العلاجية الممتازة في علاج الاستسقاء وتليف الكبد؟!

يجيب البروفيسور أحمد عبد الله أحمداني على ذلك فيقول: بول الإبل يحتوي على كمية كبيرة من البوتاسيوم, يمكن أن تملأ عدة جرادل, ويحتوي أيضًا على زلال بالجرامات وماغنسيوم؛ إذ إن الإبل لا تشرب في فصل الصيف سوى 4 مرات فقط, ومرة واحدة في الشتاء، وهذا يجعلها تحتفظ بالماء في جسمها, وهذا يحفظ لها الصوديوم الذي يجعلها لا تدر البول كثيرًا؛ لأنه يرجع الماء إلى الجسم، ومعروف أن مرض الاستسقاء إما نقص في الزلال, أو في البوتاسيوم, وبول الإبل غني بالاثنين معا([8]).

كما أن هناك دراسات علمية أخرى أثبتت قدرة بول الإبل الفعالة في علاج كثير من الفطريات والفيروسات المضرة للإنسان، وأثبتت القدرة المضادة للفطريات في بول الإبل، فقد وُجد أن هناك عددًا محدودًا من مضادات الفطريات له تأثير على جدار الخلية الفطرية، ومنها (nikomycin) الذي يتركب من النيوكليوسيدات الببتديدية (nucleosidepeptide)؛ حيثإن ذلك- أي التأثير على جدارها الخلوي- يمنع نموها، وذلك بتداخله مع إنزيم الكيتين، أو قد يعمل على تحطـيم الجدار الخلوي في الفطريات نتيجة تثبيطه بناء مادة الكيتين التي تدخل في بناء الجدار، وقد ذكر مدجن وآخرون (Madgan) أن البوليكسينز (Polyxins) يثبط بناء الجدار الخلوي بتداخله مع البناء الحيوي للكيتين.

وهناك عدد كبير من مضادات الفطريات المسـتخدمة لها تأثير فعال على الأغشية الفطرية؛ مما يؤثر على نفاذيتها، وذلك إما بارتباطها مع المركبات المهمة التي تدخل في تكوين الغشاء أو تثبيط بنائه؛ حيث أثبتت الدراسات أنها ترتبـط مع مركبات السيترولات (Sterlos) بعد أن أضافوا الإستيرولات للمنبت الغذائي للفطريات، فوجدوا أن لها تأثيرًا يعادل تأثير كل من مضادي (filipinandpolyne وبذلك يحدث تغيير في تركيب الغشاء الذي يتبعه حدوث تغيير مهم في وظيفة الغشاء السيتوبلازمي، فيؤثر على النفاذية؛ مما يؤدي إلى تسرب معظم محتويات الخلية المهمة إلى خارجها، مثل: البيورين والبيريميدين والبروتينات والأيونات والمكونات الخلوية الأساسية، وينتج عن ذلك تحطيم الخلية وموتها، ومن تلك المضادات الحيوية مجموعة إميدزول والترايزول؛ حيث تمنع البناء الحيوي للستيرولات في الغشاء، ومجموعة الـ (Azole) بمشتقاتها تمنع البناء الحيوي.

ومجموعة البولينز (Polyenes) ومن أشهرها (amphotericinBandnystatin) التي ترتبط مع مركب الإرجوستيرول، وهناك عدد محدود من المضادات الحيوية له تأثير على الأحماض النووية، ومنها (fluorocytosine) الذي يدخل في تركيبه فلوروسيتوسين ـ 5؛ لذا يكون قابلاً للتحول في داخل الخلية إلى (fluorouracil)؛ حيث يحل المركب الجديد محل اليوراسيل أثناء بناء الحمض النووي (DNA) في داخل الخلية؛ وبالتالي يعطل البناء البروتيني النووي الخلوي، أو يؤدي إلى بناء بروتينات شاذة، أو يمكن أن يتداخل مع بناء الحمض النووي (DNA).

هنـاك مضـادات فطرية مؤثـرة على انقسام الخلايـا، مثل (Griseofulvin) الذي يثبط الانقسام الخلوي عن طريق تأثيره على الخيوط المغزلية أثناء الانقسام، كما وُجد عدد من الباحثين أن التركيزات المنخفضة من مضادات (Leptomycin) تمنع انقسام الخلايا، ويصاحبه تغيير في الشكل للأنوية في خميرة (Schizosaccharomyces)، أو يسبـب انتفاخًا في خيـوط الفطر.

النسبةالمئوية لإنبات جراثيم فطر (A.niger) بعد المعاملة بتركيزات مختلفة من بول الإبل (نسبة
الجراثيم النامية بعد 12 ساعة من بدء المعاملة / 1 مل من المعلق).

وقد تـمت دراسة نشاط المضادات الفطرية لبول الإبل في رسالة الماجستير التي تقدمت بها الطالبة عواطف الجديـبي في الأقسام العلمية لكلية التربية للبنات بجدة، تحت إشراف الدكتورة أحلام العوضي، وشارك في مناقشة الرسالة كمحكِّم خارجي الدكتور فهد الفاسي (أستاذ الأحياء الدقيقة بجامعة الملك عبد العزيز)، وتتلخص الدراسة ونتائجها في الآتي:

دراسة النشاط الضد فطري لعينات من مصادر مختلفة لبول الإبل على نمو بعض الفطريات الممرضة، شـملت (A.niger,F.oxysporum)، وذلك عن طريق تقدير النمو الخطي والوزن الجاف، كما قدر الوزن الجاف لخميرة (Calbicans)، ثم تم تعيين تركيز بول الإبل المثبط والقاتل للفطر المختبر.

الوزن الجافلفطر (A.niger) لمدة من النمو بعد المعاملة بتركيزات مختلفة من بول الإبل مقارنة بالعينة
الضابطة (الوزن الجاف بالملجم / 50 مل من المنبت الغذائي).

وقد اتضح من نتائج هذه الدراسة أن عينات بول الإبل المختلفة كان لها تأثير فعال مضاد للفطر على النمو الخطي والوزن الجاف لكافة الفطريات المختبرة، كما كان بول الإبل أكثر فعالية في المنبت الغذائي السائل لكافة الفطريات المختبرة، واستنتج من جميع التجارب أن أكثر عينات بول الإبل فعالية على نمو الفطريات المختبرة هي التي جُمعت من جنوب محافظة جدة، تليها العينة التي جُمعت من شمال محافظة جدة، وأقلها كفاءة العينة التي جُمعت من شرق محافظة جدة، إلا أنها ما زالت تحتوي على فعالية مضادة للفطر واضحة، مما قد يوضح احتواء جميع عينات بول الإبل على المواد الفعالة ولكن بدرجات متفاوتة.


كمية الجلوكوزالمستهلكة بفطر (A.niger) بعد المعاملة بتركيزات مختلفة من بول الإبل لمدة 6 أيام
من النمو (كمية الجلوكوز بالملجم / 50 مل من المنبت الغذائي).

تم إجراء دراسات على عينة بول إبل جنوب محافظة جدة، وشملت:

1.  تأثير بول الإبل على نسبة إنبات جراثيم فطر A.niger

.
الوزن الجافلفطر (Aspergillus niger) بعد المعاملة بتركيزات مختلفة من بول الإبل والمضادين للفطرين (Pevary & Nizoral) (الوزن الجاف بالملجم / 50 مل من المنبت الغذائي).

2.  حفظ البول تحت الظروف المعملية الطبيعية بالإضافة إلى درجات حرارة مرتفعة والتي بلغت 60 - 80، 100؛ للتعرف على تأثير تلك العوامل على فعاليته المضادة للفطريات، والتي تنعكس على الوزن الجاف لفطري (A.niger,F.oxysporum) وخميرة (C.albicans)، واتضح من نتائج هذه الدراسة أن بول الإبل لم يفقد فعاليته كمضاد فطري بالرغم من تعرضه لعوامل غير مناسبة لحفظ المضادات الحيوية المعروفة، وخاصة المتواجدة في صورة سائلة، وقد كان لبول الإبل تأثير تثبيطي على نمو فطري (A.niger,F.oxysporum) وخميرة (C.albicans حتى بعد تعرضه لدرجات حرارة مرتفعة بلغت 100.


كمية الأحماضالأمينية المتكونة بفطر (A.niger) بعد المعاملة بتركيزات مختلفة من بول الإبل لمدة 6 أيام من النمو (كمية الأحماض الأمينية بالملجم / 50 مل من المنبت الغذائي).

3.  تأثير بول الإبل على النمو وبعض الأنشطة الأيضية لفطر A.niger، وذلك بعد معاملة المنابت الغذائية بتركيزات مختلفة من بول الإبل؛ ومن ثم تم تقدير الوزن الجاف وقياس بعض الأنشطة الأيضية للفطر الاختباري، أظهرت النتائج أن تأثر بعض الأنشطة الأيضية لفطر (A.niger) اعتمد على تركيز بول الإبل المستخدم وعمر الفطر، واتضح ذلك من الآتي:

·      امتصاص الجلوكوز: دلت النتائج أن التركيز المنخفض من بول الإبل كان له تأثير تنشيطي لاستهلاك الجلوكوز، ثم انخفض هذا التأثير بتقدم عمر المزرعة الفطرية، واستمر إلى نهاية فترة التحضين، بينما كان للتركيزات 4، 6% تأثير تثبيطي على استهلاكه.


كمية النتيروجينفي النترات والمستهلكة بفطر (A.niger) بعد المعاملة بتركيزات مختلفة من بول الإبل
لمدة 6 أيام من النمو (كمية النيتروجين في النترات بالملجم / 50 مل من المنبت الغذائي).

·  امتصاص النترات: دلت النتائج أن التركيز المنخفض من بول الإبل أدى إلى تثبيط شديد في استهلاك النترات بواسطة الفطر، ولكن انخفض هذا التأثير إلى أن أصبح تأثيرًا تنشيطيًّا؛ وذلك بتقدم عمر المزرعة الفطرية حتى اليوم السادس.


الوزن الجاف لفطر (Aspergillus niger) بعد المعاملة بتركيزات مختلفة من بول الإبل.

·      الأحماض الأمينية المفرزة: دلت النتائج أن كمية الأحماض الأمينية المتكونة قد ارتفعت في المنبت الغذائي في جميع التركيزات المستخدمة، وكانت تلك الزيادة مطردة مع التركيز، وانخفض هذا التأثير التنشيطي إلى تثبيطي بتقدم عمر المزرعة الفطرية.

·      تــأثير بعـض المضادات الفطـرية على نمـو فطــرA.niger وخميرة (C.albicans)، ومقارنتها ببـــول الإبل، واستخدمت المضـادات الفطرية (mycostation)، و(pevary1) وشامبو (nizoral)، وقد أظهرت نتائج هذه الدراسة الآتي:

·      فطر A.niger: أظهر التركيز المنخفض من بول الإبل 4% وتركيزي 12,8% من المضاد الفطري (pevary1) ـ تأثيرًا تنشيطيًّا لنمو الفطر، بينما أظهرت جميع التركيزات الأخرى المستخدمة من بول الإبل ومضاد (pevary1) وشامبو (nizoral) تثبيطًا لنمو الفطر.

·      خميرة C.albicans: أظهـرت التركـيزات المنخفضة من المضادات الفطرية (mycostation) و (pevary1) وبول الإبل- تأثيرًا مثبطًا لنمو الخميرة، وقد أظهر بول الإبل تأثيرًا فعالاً على الخميرة بدرجة أكبر من المضادين الآخرين، وذلك من بداية التركيز المثبط للنمو؛ حيث اتضحت فعاليته على الخلايا، فأدت التركيزات المرتفعة إلى تحلل خلايا الخميرة الشاملة للمبادئ.

4.  التعرف على بعض العوامل التي تسبغ على بول الإبل النشاط المضاد للميكروبات، وشملت:

·      قياس النشاط المضاد للفطريات على الأعضاء المختلفة للنباتات البرية التي تتغذى عليها الإبل، على فطرA.niger وخميرة (C.albicans)، وقد ظهر من نتائج هذه الدراسة انتشار المادة الفعالة ضد فطر (A.niger) وخميرة (C.albicans) في معظم أعضاء النباتات المختبرة، وقد كانت بدرجات متفاوتة.

·      تأثير بول الإبل على بلزمة Plasmolysisخلايا فطر (A.niger)وخميرة (C.albicans)، وذلك بالفحص المجهري للخلايا؛ حيث ظهر أن بول الإبل له تأثير فعال على خلايا الكائنات المختبرة؛ مما أدى إلى انتقال الماء من داخل الخلايا إلى الوسط الخارجي، وبالتالي انكماش السيتوبلازم وحدوث ظاهرة البلزمة التي دفعت أغزال فطر (A.niger) وخلايا خميرة (C.albicans) إلى التحلل الذاتي الذي ظهر في التركيزات المرتفعة بوضوح.

.
المضادان للفطرين (Pevary & Nizoral) مقارنة بالعينة الضابطة

·      عزل سلالات بكتيرية من بول الإبل واختبار قدرتها على المكافحة الحيوية لبعض الأحياء المجهرية الممرضة، وتم – بالفعل- عزل عدد من السلالات البكتيرية في هذه الدراسة من بول الإبل، وسُجِّلت لأول مرة في المملكة العربية السعودية، وتتميز تلك السلالات بصفات خاصة، منها تحمل الملوحة العالية والحركة السريعة حتى بعد حفظها لفترات طويلة تحت 5م، وبهذا قد تتميز عن بعض السلالات البكتيرية المعروفة، خاصة من ناحية الحركة، كما أظهرت النتائج أن معظم السلالات البكتيرية المعزولة من بول الإبل لها مجال واسع لمكافحة الأنواع المختلفة من الأحياء المجهرية المستخدمة في هذه الدراسة، والتي شملت فطريات، خميرة وبكتيريا([9]).

وهكذا أثبتت الدراسات العلمية الدقيقة مدى فعالية بول الإبل في علاج كثير من أمراض الإنسان، بل الأمراض المستعصية لديه، ودخولها في كثير من المركبات النافعة والمضادة للفطريات والفيروسات التي تصيب الإنسان وتؤثر على حياته.

2)  التطابق بين الحقائق العلمية وما جاء بالحديث الشريف:

تتمثل قدرة الله تعالى جلية في عجائب خلقه وعظيم تقديره، فهو عز وجل خالق الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، ومن كل مرض شفاء، وهو بقدرته المطلقة يجعل ذلك فيما شاء وكيف شاء، لا يعجزه خلق، ولا يعظم عليه تقدير، ومن عجيب تقديرات الله تعالى وغريب خلقه أنه جعل من ألبان الإبل وأبوالها دواء فعالاً لعلاج كثير من أمراض الإنسان وآلامه المستعصية، ذلك تمامًا كما أخرج من بطون النحل شرابًا مختلفًا ألوانه فيه شفاء للناس، وكما جعل الداء والدواء في جناحي الذبابة، وكما أخرج من بين دم الحيوانات وفرثها لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين، هو القادر أيضًا على وضع الدواء لكثير من الأمراض في أبوال الإبل وألبانها، وما ذلك على الله بعزيز.

وقد جاء الحديث النبوي الصحيح بهذا البيان المعجز؛ ليدل دلالة واضحة على أن ألبان الإبل وأبوالها تمثل علاجًا شافيًا واقيًا لأمراض الإنسان، خاصة مرض الاستسقاء والبطن؛ حيث جاء الأمر النبوي والحث منه صلى الله عليه وسلم وإرشاده لمرضى المدينة أن يخرجوا فيشربوا من ألبان الإبل وأبوالها، وكان بهذا شفاؤهم فعُوفوا وصَحّوا، مما يؤكد فعالية العلاج بألبان الإبل وأبوالها.

فقد جاء في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه قال: «قدِم أناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا النعم...»([10]).

وفيه أيضًا عن أنس رضي الله عنه قال: «قدِم على النبي صلى الله عليه وسلم نفر من عكل فأسلموا، فاجتووا المدينة، فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا فصحوا...»([11]).

وفيه أيضًا عن أنس رضي الله عنه قال: «... فأتوها فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صحوا وسمنوا...»([12]).

وجاء في صحيح الإمام مسلم من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه: «أن نفرًا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا الأرض، وسقمت أجسامهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تخرجون مع راعينا في إبله، فتصيبون من أبوالها وألبانها؟ فقالوا: بلى، فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها، فصحوا...»([13]).

وجاء في مسند الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضى الله عنه: «أن رهطًا من عرينة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا قد اجتوينا المدينة فعظُمت بطوننا وانتُهشت أعضاؤنا، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحقوا براعي الإبل فيشربوا من ألبانها وأبوالها، قال: فلحقوا براعي الإبل فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صلحت بطونهم وألوانهم...»([14]).

وهكذا جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم واضحة في أمره وإرشاده للمرضى بأن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها، ففعلوا ما أمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم، فصحوا وعوفوا، وعادت إليهم قوتهم وصلحت بطونهم؛ وهذا يدل بوضوح على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وإعجاز قوله في فعالية أبوال الإبل وألبانها في علاج أمراض الإنسان.

ثم يأتي الطاعنون في عصرنا الحديث لينكروا هذه الحقيقة العلمية البينة التي جاءت واضحة في الحديث النبوي، وهذا البيان المعجز، وينفون صلاحية بول الإبل وألبانها لعلاج أمراض الإنسان، ويجعلون هذا القول ضربًا من الشعوذة والخزعبلات الجاهلية، وأن هذه الطريقة من العلاج غير صالحة بحال إلا للبدوي المتخلف ولا تقوى لدرجة النظرية العلمية، رافضين بهذا أي دراسة جادة حاولت الوصول إلى مركبات أبوال الإبل وألبانها، وصلاحيتها لعلاج كثير من أمراض الإنسان في البطن والكبد وغيرها.

إلا أن الطاعنين غاب عنهم كثير من توافق المنهج العلمي ودلالات الحديث وحقائقه، فليس لأحد له قدر من العقل والفهم أن يرفض بحثًا علميًّا، أو ينكر حقيقة ثابتة، أو شيئًا تجريبيًّا إلا بعد أن يجري عليه التجارب العلمية الدقيقة، وأن يصل من تجاربه بإنصاف إلى إثبات صحة ذلك القول أو عدمه، أما أن يرفضها دون أي دراسة أو بحث لمجرد هوى في نفسه فإن ذلك لا يقره أي منهج علمي للدراسة والبحث.

ونبين هنا قول شراح الحديث في هذا المعنى، وموقف العرب قديمًا من التداوي بأبوال الإبل وألبانها:

ذكر الإمام ابن حجر في شرح هذا الحديث المرض الذي أصابهم ومعنى الاجتواء، فقال: "فأما السقم الذي كان بهم فهو الهزال الشديد والجهد من الجوع، فعند أبي عوانة من رواية غيلان عن أنس: «كان بهم هزال شديد»، وعنده من رواية أبي سعد عنه: «مصفرة ألوانهم»، وأما الوخم الذي شكوا منه بعد أن صحت أجسامهم فهو من حمى المدينة... ووقع عند مسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس: «وقع بالمدينة الموم»؛ أي بضم الميم وسكون الواو، قال: وهو البرسام؛ أي بكسر الموحدة سرياني معرب أُطلق على اختلال العقل وعلى ورم الرأس وعلى ورم الصدر، والمراد هنا الأخير، فعند أبي عوانة من رواية همام عن قتادة عن أنس في هذه القصة: «فعظمت بطونهم»"([15]).

وذكر الإمام ابن القيم موقفه وموقف العلماء من التداوي بألبان الإبل وأبوالها فقال: "والجوى: داء من أدواء الجوف، والاستسقاء: مرض مادي سببه مادة غريبة باردة تتخلل الأعضاء، فتربو لها إما الأعضاء الظاهرة كلها، وإما المواضع الخالية من النواحي التي فيها تدبير الغذاء والأخلاط، وأقسامه ثلاثة: لحمي- وهو أصعبها- وزقي وطبلي.

ولما كانت الأدوية المحتاج إليها في علاجه هي الأدوية الجالبة التي فيها إطلاق معتدل، وإدرار بحسب الحاجة- وهذه الأمور موجودة في أبوال الإبل وألبانها- أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بشربها، فإن في لبن اللقاح جلاء وتليينًا وإدرارًا وتلطيفًا وتفتيحًا للسدد؛ إذ كان أكثر رعيها الشيح والقيصوم والبابونج والأقحوان والإذخر، وغير ذلك من الأدوية النافعة للاستسقاء، وهذا المرض لا يكون إلا مع آفة في الكبد خاصة أو مع مشاركة، وأكثرها عن السدد فيها، ولبن اللقاح العربية نافع من السدد؛ لما فيه من التفتيح والمنافع المذكورة.

وقال الرازي: لبن اللقاح يشفي أوجاع الكبد وفساد المزاج.

وقال الإسرائيلي: لبن اللقاح أرق الألبان، وأكثرها مائية وحدة، وأقلها غذاء؛ فلذلك صار أقواها على تلطيف الفضول، وإطلاق البطن وتفتيح السدد، ويدل على ذلك ملوحته اليسيرة التي فيه لإفراط حرارة حيوانية بالطبع؛ ولذلك صار أخص الألبان بتطرية الكبد، وتفتيح سددها، وتحليل صلابة الطحال إذا كان حديثًا، والنفع من الاستسقاء خاصة إذا استُعمل لحرارته التي يخرج بها من الضرع مع بول الفصيل، وهو حار كما يخرج من الحيوان، فإن ذلك مما يزيد في ملوحته وتقطيعه الفضول وإطلاق البطن، فإن تعذَّر انحداره وإطلاقه البطن وجب أن يُطلق بدواء مسهِّل.

قال ابن سينا صاحب "القانون": ولا يُلتفت إلى ما يقال من أن طبيعة اللبن مضادة لعلاج الاستسقاء، قال: واعلم أن لبن النوق دواء نافع؛ لـما فيه من الجلاء برفق، وما فيه من خاصية، وأن هذا اللبن شديد المنفعة، فلو أن إنسانا أقام عليه بدل الماء والطعام شُفي به، وقد جُرِّب ذلك في قوم دُفعوا إلى بلاد العرب، فقادتهم الضرورة إلى ذلك فعوفوا، وأنفع الأبوال بول الجمل الأعرابي وهو النجيب"([16]).

وهكذا فقد كانت عادة العرب في التداوي أن يستخدموا ألبان الإبل وأبوالها، وعلموا ما فيها من فوائد ومنافع، واستخدموها في علاج كثير من أمراضهم، ووجدوها شفاء نافعًا لأسقامهم، ومقويًا عامًّا لأبدانهم، فكان حرصهم واضحًا على الانتفاع بها والاعتماد عليها.

والجمل هو الحيوان العجيب في خلقه وعطائه، هو من شرفه الله عز وجل بالذكر في مواضع كثيرة من كتابه العزيز، من خلال تعظيم خلق الإبل وتميزها عن سائر الأنعام الأخرى؛ فيقول تعالى: )أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت (17)( (الغاشية)، كما احتلت الإبل مكانة في الأحاديث النبوية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: «الإبل عز لأهلها»([17])، وأصبحت مصدرًا من المصادر العلاجية المهمة في الطب النبوي، وأصبحت مصدرًا للقوة والثروة والفخر في شبه الجزيرة العربية.

ومع تقدم العصر وتعدد أبحاثه وتنوع دراساته أصبحت ألبان الإبل وأبوالها مصدرًا للغذاء، ورافدًا للدواء لكثير من الأمراض؛ لاتفاق الآراء على أن خواص حليب الإبل عجيبة، ومفيدة كغذاء مهم، ودواء فعال للكثير من الأمراض، فحليب النوق يحتوي على مواد تقاوم السموم والبكتيريا، ونسبة كبيرة من الأجسام المناعية المقاومة للأمراض، خاصة المولودين حديثًا، إضافة إلى ضرورته وأهميته كدواء لمرض الربو والسكري والدرن والتهابات الكبد الوبائي وقروح الجهاز الهضمي والسرطان.

كما أظهرت دراسات لبحوث الأعشاب والطب التقليدي في أبو ظبي إمكانية تطوير مضاد حيوي من حليب النوق يقضي على حـمى الوادي والإيدز وداء الكبد الوبائي والسل وغيرها.

وحليب النوق كما يقول الدكتور عبد الوهاب الجبوري- استشاري أمراض الحيوان ببلدية أبو ظبي- يحتوي على نسبة كبيرة من الفيتامينات والبروتينات، ويقوم بمعالجة العديد من الأمراض؛ ليعيد الصحة والحيوية والبنية القوية وقوة العظام والأسنان.

والنوق تبدأ في إدرار الحليب بعد الولادة مباشرة، لتستمر فترة من 9: 18 شهرًا، وبمتوسط إنتاج ما بين 1: 8 ليترات يوميًّا، ومن غرائبه أنه لا يُحلب إلا بعد استدعاء الحوار للرضاعة أولاً، ثم يتم حلبها في أوعية معدنية ويُشرب ساخنًا، وإذا تُرك لاحقًا وجب غليه.

أما بول الإبل فيسميه أهل البادية "الوزر"، وطريقة استخدامه تختلف باختلاف طبيعة المرض، وإن كان في معظم الحالات يُخلط بنسب متفاوتة مع حليب الإبل، ويُشرب على الريق.

وبول الإبل يحتوي على كمية كبيرة من البوتاسيوم وزلال الماغنسيوم، فالإبل لا تشرب في فصل الصيف سوى 4 مرات فقط، وهذا يجعلها تحتفظ بالماء في جسمها؛ لاحتفاظها بمادة الصوديوم، وقد تعددت وظائفه وفوائده الصحية، فهو علاج لمرض الاستسقاء الناتج عن نقص في الزلال والبوتاسيوم، وهو مادة مطهِّرة لغسل الجروح والقروح، وعلاج لمرض القرع والقشرة، وينفع من ورم الكبد، إضافة إلى استعمال هذا البول في المستحضرات الطبية، وأيضًا كعلاج للشعر وتحسينه؛ مما أدى إلى اتجاه بعض الشركات العالمية لاستخدام بول الإبل في صناعة أنواع متميزة من شامبو الشعر([18]).

وهكذا أثبتت الأبحاث العلمية المتتابعة مدى أهمية ألبان الإبل وأبوالها في كثير من العلاجات والفوائد للإنسان، وصلاحيتها في استخداماته المتعددة، وفاعليتها في علاج كثير من أمراضه، والخطيرة منها أيضًا؛ لتثبت مدى دقة الإعجاز النبوي في إرشاده لتناول أبوال الإبل وألبانها للعلاج من أمراض البطن والاستسقاء.

"وقد عقدت جامعة الجزيرة ندوة تحدث فيها الدكتور أحمداني، أوضح فيها أن التجربة بدأت بإعطاء كل مريض من مرضى الاستسقاء وأمراض الكبد يوميًّا جرعة محسوبة من بول الإبل مخلوطًا بلبنها؛ حتى يكون مستساغًا، وبعد خمسة عشر يومًا من بداية التجربة كانت النتيجة مذهلة للغاية؛ حيث انخفضت البطون لوضعها الطبيعي وشُفوا تمامًا من الاستسقاء؛ لأن مرض الاستسقاء ينتج عن نقص في الزلال والبوتاسيوم، وبول الإبل غني بالاثنين معًا،  و قد شُفوا من تليف الكبد بعد أن استمروا في شرب البول شهرين آخرين.

ولا شك أن كثيرًا من قبائل البدو يشهدون بهذه النتائج من واقع حياتهم وأسلوب معيشتهم الذي لا يخلو من العلاج بحليب الإبل وأبوالها، والتي استمدوها من الهدي النبوي المصحوب مع الفتوحات الإسلامية لهذه البلاد، ولا يسعنا إلا أن نقول: إنه ما زال الطب النبوي بشتى عناصره ينفرد بالصدارة والقمة لجميع ما وصل إليه الإنسان من دواء، ولا شك أن هذا من معجزات النبوة وإقامة الحجة على العالمين.

وكل هذا يبين عظمة هذا الدين، وما جاء به النبي الأمين صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان في قضية جاء العلم الحديث فأثبت صحتها وفاعليتها ونفعها على كثير من الأدوية، التي تستغرق وقتًا طويلاً وكلفة مادية أكثر، وكما يقول أهل الاختصاص: إن علاج الفيروس (سي) يحتاج إلى 50 مليار جنيه بلا فائدة، فعقار مثل الإنتروفيون طويل المفعول عقار مكلف جدًّا، فقد يتكلف علاج المريض 25000: 50000 جنيه، فإذا كان في مصر مليون مريض على أقل تقدير، فإنهم يحتاجون إلى العلاج بالإنترفيرون بتكلفة ما بين 25: 50 مليار جنيه"([19]).

وهكذا تثبت الدراسات العلمية التجريبية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في كل زمان ومكان، وأن نبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وأن كلامه وحي منزل، وإعجاز محكم.

3)  وجه الإعجاز:

الإبل خلق من مخلوقات الله تعالى، جعل فيها المنافع الكثيرة للإنسان، وكيَّفها بما يلائم حاجاته ويلبي متطلباته، وفوق ذلك جعل من ألبانها وأبوالها علاجًا وشفاء لكثير من أمراضه، ومقويًا عامًّا لبدنه، وجاء الحديث النبوي الصحيح بذلك صريحًا؛ حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم المرضى الذين اجتووا المدينة بأن يذهبوا فيشربوا من أبوال الإبل وألبانها، وكانت النتيجة صادقة بأنهم صحوا وعوفوا.

وجاء العلم الحديث وجاءت الدراسات العلمية المحكمة لتبين الفوائد العديدة في ألبان الإبل وأبوالها، وأثبتت ما فيها من عناصر ومكونات تساعد على شفاء الإنسان من أمراض كثيرة، وخاصة أمراض البطن والكبد والاستسقاء، كما أثبتت الدراسات أيضًا فعالية أبوال الإبل وألبانها في استعمالها كمضاد قوي للسموم والميكروبات، وزيادة القوى المناعية ضد الأمراض، بل ودخولها أيضًا في عمل مستحضرات التجميل وكريمات الشعر؛ لتؤكد هذه الدراسات مجتمعة حقيقة الفائدة العلاجية في بول الإبل وألبانها، وتثبت الإعجاز الطبي في السنة النبوية، فتوافق تمامًا قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.


 

(*) وهم الإعجاز العلمي، د. خالد منتصر، مرجع سابق.

[1]. الرَّسْل: اللبن.

[2]. رحيق العلم والإيمان، د. أحمد فؤاد باشا، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1422هـ/ 2002م، ص165: 167.

[3]. أحدث اكتشاف في ألبان الإبل: الأجسام المضادة النانوية، د. عبد الجواد الصاوي، بحث منشور بمجلة الإعجاز العلمي، مرجع سابق، العدد (24)، جمادى الأولى 1427هـ، ص12: 15.

[4]. الأبحاث العلمية عن التداوي بألبان الإبل، محمد محمود عبد المجيد عساف، بحث منشور بالمنتدى الطبي بموقع: الدي في دي العربي www.dvd4arab.maktoob.com.

[5]. موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي، د. أحمد شوقي إبراهيم، مرجع سابق، ج7، ص20.

[6]. المرجع السابق، ص21، 22.

[7]. تحليلات كيميائية مقارنة وتجارب سريرية لعلاج الاستسقاء بأبوال الإبل، د. محمد أوهاج محمد، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.

[8]. الأبحاث العلمية عن التداوي بألبان الإبل، محمد محمود عبد المجيد عساف، بحث منشور بالمنتدى الطبي بموقع: الدي في دي العربي www.dvd4arab.maktoob.com.

[9]. المضادات الفطرية في بول الإبل، عواطف بنت عابد الجديبي، بحث منشور بموقع: الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.eajaz.org.

[10]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الوضوء، باب: أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها، (1/ 400)، رقم (233).

[11]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب: المحاربين من أهل الكفر والردة، (12/ 111)، رقم (6802).

[12]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الحدود، باب: لم يسق المرتدون المحاربون حتى ماتوا، (12/ 113)، رقم (6804).

[13]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب: حكم المحاربين والمرتدين، (6/ 2598)، رقم (4275).

[14]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أنس بن مالك رضى الله عنه، رقم (14118). وقال عنه شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

[15]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، مرجع سابق، ج1، ص403.

[16]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، مرجع سابق، ج4، ص42.

[17]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: التجارات، باب: اتخاذ الماشية، رقم (2305). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (2305).

[18]. معجزات التداوي بألبان وأبوال الإبل، دار الحضارة، الرياض، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص606 بتصرف.

[19]. مملكة الحيوان، يوسف نوفل، مكتبة الإيمان، المنصورة، ط1، ص550، 551.

redirect redirect unfaithful wives
wives that cheat redirect read here
wives that cheat redirect read here
husbands who cheat women who cheat on husband my boyfriend cheated on me with a guy
my husband cheated married looking to cheat open
generic viagra softabs po box delivery viagra 50 mg buy viagra generic
viagra vison loss vasodilator viagra read
why do wife cheat on husband dating for married men reasons why married men cheat
husband cheat online online affair
read here website why women cheat on men
مواضيع ذات ارتباط

أضف تعليقا
عنوان التعليق 
نص التعليق 
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها فقط ولا تعبر عن الموقع
 
 
 
  
المتواجدون الآن
  8616
إجمالي عدد الزوار
  38255934

الرئيسية

من نحن

ميثاق موقع البيان

خريطة موقع البيان

اقتراحات وشكاوي


أخى المسلم: يمكنك الأستفادة بمحتويات موقع بيان الإسلام لأغراض غير تجارية بشرط الإشارة لرابط الموقع