دعوى نسخ حديث خروج المرأة لصلاة العيدين (*)
مضمون الشبهة:
يزعم بعض المتوهمين أن حديث أم عطية في خروج النساء لصلاة العيد منسوخ، وهذا الحديث رواه الشيخان - البخاري ومسلم - عن أم عطية - رضي الله عنها - قالت: «أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق[1] والحيض وذات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين...» الحديث. ويستدلون على نسخ هذا الحديث بأن هذا الأمر كان في صدر الإسلام، وكانت الحاجة إلى خروجهن يومها أشد؛ لإرهاب الأعداء، وتكثير المسلمين في أعينهم، حيث كان المسلمون يومئذ قلة، فلما جاء الفتح واتسعت رقعة الدولة الإسلامية، وأظفر الله -عز وجل- المسلمين على عدوهم، وأصبحوا ظاهرين - زالت الحاجة من خروج النساء، فنسخ الحديث.
وجها إبطال الشبهة:
1) إن دعوى نسخ هذا الحديث لا تقوم على دليل معتبر يسوغ القول بالنسخ، والقول بأن خروج النساء كان لإرهاب العدو وتكثير سواد المسلمين - مجرد ظن وتخمين، وهو مخالف للحديث نفسه، حيث ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - علة الخروج، وهي شهود الخير ودعوة المسلمين، ولم يذكر - صلى الله عليه وسلم - إرهاب عدو أو تكثير سواد، وقد أفتت أم عطية - راوية الحديث - بهذا، ولم يعارضها أحد من الصحابة، ولو أن الحديث منسوخ لعارضوها.
2) لقد تعددت آراء الفقهاء في حكم خروج النساء لصلاة العيدين؛ تبعا لاختلافهم في فهم هذا الحديث في ضوء باقي النصوص، وجاءت آراؤهم على الوجوب والاستحباب والجواز والكراهة، ومن كرهه منهم خصه بالشابات دون العجائز إن خيفت الفتنة بهن أو منهن، ولم يقل أحدهم بأن الحديث منسوخ.
التفصيل:
أولا. دعوى النسخ في الحديث قائمة على الظن والتخمين دون دليل من الشرع، وهذا لا يعتد به في النسخ:
إن الحديث الذي زعم فيه النسخ جاء عن أم عطية الأنصارية - رضي الله عنها - قالت: «أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحيض وذوات الخدور. فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين...» الحديث[2].
وهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ فقد اتفق عليه الشيخان، وجاء بنحوه عند أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وثبت حكمه عند أهل الحديث، وجاء العمل به عند الصحابة والتابعين.
أما دعوى النسخ في هذا الحديث، فلا تعتمد على أي دليل - من الكتاب أو السنة - يفيد أن هذا الأمر بالخروج لحضور العيدين قد تغير، أو جاء ما يمنع خروجهن، أو ما يفيد نسخ هذا الحديث، وإنما كان الاعتماد الأول عند هذا القائل هو الحدس والتخمين، فقد وقع ظنه أن هذا الحث على خروج النساء لحضور العيد؛ حتى إن الحيض يخرجن ولا يحضرن المصلى - كان في بداية أمر الدعوة لتكثير سواد المسلمين، فيكون في هذا إرهاب للعدو، فالدولة مازالت في طور نشأتها الأولى، ثم نسخ هذا الحديث بانتصار المسلمين، وانتشار دعوتهم، وكثرة عددهم وإظهارهم على عدوهم، فما عادت الحاجة ماسة لخروج النساء في صلاة العيدين.
هذه دعوى القائل بالنسخ في الحديث، وهي دعوى في غاية أمرها عرجاء لا تقوم على قدم، ولا يرتفع بها دليل، ولا تسوغها حجة، وإنما عمودها الأول الرجم بالغيب، والغوص في بحور الوهم وأعماق الخيال.
وهذا أمر لا يثبت عندنا - بحال من الأحوال - دليلا على النسخ؛ فلا هو من شروطه، ولا ركن من أركانه؛ لأن النسخ عند معظم أهل العلم يكون بنص صحيح ثابت في الشرع؛ يفيد وجود النسخ، بأن تقدم أحد النصين على الآخر، وأن يكون أقوى منه أو يماثله، وأن يكون النسخ بالشرع، لا بالظن والعقل، وأن يكون المنسوخ شرعيا لا عقليا [3].
وعلى هذا، فإن من أهم شروط النسخ: أن يكون الناسخ نصا شرعيا صحيحا، إما من الكتاب أو من السنة، ولا يجوز بغير هذا.
ودعوى النسخ هنا قائمة - كما ذكرنا - على مجرد الظن والحدس ولا يوجد دليل شرعي صحيح من الكتاب أو السنة على منع النساء من الخروج لصلاة العيدين، وشهود الخير، ودعوة المسلمين، بل قد جاءت السنة بما يثبت خروجهن لا لصلاة العيد فحسب، وإنما لجميع الصلوات، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله»[4].
وليس الحدس والتخمين والاحتمال من مصادر الشريعة التي تقوى على نسخ النصوص الصحيحة الثابتة"[5].
وقال في ذلك ابن حجر: "إن النسخ لا يثبت بالاحتمال" [6].
والحق أن العلة الدافعة لخروج النساء للعيدين هي: شهود الخير، ودعوة المسلمين، ورجاء بركة هذا اليوم وطهرته، وليست إرهاب العدو كما زعم المتوهمون.
لقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث السبب الذي من أجله تخرج المرأة إلى المصلى وتحضر العيد، وهو شهود الخير، ودعوة المسلمين، ولم يذكر في ذلك شيئا من إرهاب عدو، أو تكثير سواد المسلمين في عين أعدائهم، ولو كان هذا سببا مقبولا لذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث.
ويدفع هذا أيضا أن ابن عباس شهد خروجهن وهو صغير، وكان ذلك بعد فتح مكة، ولا حاجة إليهن؛ لقوة الإسلام حينئذ "[7]، كذلك قد أفتت به أم عطية بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بمدة، ولم يثبت عن أحد من الصحابة مخالفتها في ذلك"[8].
وهذا يدل على أن حكم الحديث ظل قائما بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم ـوبعد انتصار الإسلام وانتشاره، ولو كان الحكم منسوخا لعارضها الصحابة في فتواها.
كما أن دعوة المسلمين وشهود الخير أمر قائم إلى يوم القيامة؛ فلا يجوز النسخ في هذا الحكم دون دليل قاطع.
وقد ذهب الإمام ابن حزم إلى هذا، فقال عن القول بالنسخ إنه: "قول بلا علم، وهو - صلى الله عليه وسلم - قد بين أن أمره بخروجهن؛ ليشهدن الخير، ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيض المصلى... ولأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن بحضرة عسكر فيرهب عليهم، ولم يكن معه عدو إلا المنافقون ويهود المدينة، الذين يدرون أنهن نساء" [9].
وعلى هذا، فإن التعليل في خروج النساء للمصلى في العيدين، لأجل إرهاب العدو - تعليل فاسد لا يؤيده قول ولا ترجحه حجة، ومما يؤكد ذلك ما قاله الحافظ ابن حجر في هذا القول بأنه فيه: "نظر؛ لأن الاستنصار بالنساء، والتكثر بهن في الحرب دال على الضعف، والأولى أن يخص ذلك بمن يؤمن عليها وبها الفتنة، ولا يترتب على حضورها محذور، ولا تزاحم الرجال في الطرق ولا في المجامع"[10].
وبذلك يثبت مدى ضعف هذا الرأي، وعدم رجاحته بحال من الأحوال، فإنما كان السبب الأول من خروجهن، هو إظهار شعائر الإسلام، ولتعم البركة الجميع، وليشهدن الخير، ودعوة المسلمين، وقد استمر الأمر بهذا في حياة الصحابة والتابعين، ولم تكن هناك حاجة إلى إرهاب عدو، أو تكثير سواد، وبهذا ينتهي هذا الرأي إلى قيعان الخور والضعف، ولا ترتفع به قامة أبدا، ويظل مردودا من جميع أهل العلم.
كل هذا يثبت ضعف القول بالنسخ ويبطله، فكل الدلائل والأحداث تثبت خلافه، فلو كانت الحاجة في خروج النساء إرهاب العدو، لمنعهن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد فتح مكة، وإنما استمر الأمر على خروجهن؛ لأن العلة فيه دائمة ومستمرة.
ثانيا. تعددت آراء الفقهاء في حكم خروج النساء لصلاة العيدين؛ تبعا لفهم كل منهم للحديث، ولم يقل أحدهم بأنه منسوخ:
تدور آراء أهل العلم والفقهاء حول حكم خروج المرأة في العيدين إلى المصلى - بين الوجوب والاستحباب والجواز، وقد ذهب إلى الكراهة بعضهم مع التفريق بين الشابة والعجوز.
قال الشوكاني في هذا: "والحديث وما في معناه من الأحاديث القاضية بمشروعية خروج النساء في العيدين إلى المصلى، من غير فرق بين البكر والثيب، والشابة والعجوز، والحائض وغيرها، ما لم تكن معتدة، أو كان في خروجها فتنة، أو كان لها عذر، وقد اختلف العلماء في ذلك إلى أقوال:
أحدها: أن ذلك مستحب، وحملوا الأمر على الندب، ولم يفرقوا بين الشابة والعجوز. وهذا قول أبي حامد من الحنابلة، والجرجاني من الشافعية، وهو ظاهر إطلاق الشافعي.
القول الثاني: التفرقة بين الشابة والعجوز. قال الحافظ العراقي: وهو الذي عليه جمهور الشافعية في المختصر.
القول الثالث: أنه جائز غير مستحب لهن مطلقا. وهو ظاهر كلام الإمام أحمد فيما نقله عنه ابن قدامة.
القول الرابع: أنه مكروه. وقد حكاه الترمذي عن الثوري وابن المبارك، وهو قول مالك وأبي يوسف، وحكاه ابن قدامة عن النخعي ويحيى بن سعيد الأنصاري، وروى ابن أبي شيبة عن النخعي: أنه كره للشابة أن تخرج إلى العيد.
القول الخامس: أنه حق على النساء الخروج إلى العيد. حكاه القاضي عياض عن أبي بكر وعلي وابن عمر - رضي الله عنهم - وقد روى ابن أبي شيبة عن أبي بكر قال: «حق على كل ذات نطاق[11] الخروج إلى العيدين»[12].
وما نميل إليه هو خروج النساء العجائز لحضور صلاة العيد، وخروج الشابات إذا أمن الفتنة، وقيد الشافعية خروج النساء لصلاة العيد بغير ذوات الهيئات. قال الإمام النووي في "المجموع": قال الشافعي والأصحاب - رحمهم الله: يستحب للنساء غير ذوات الهيئات حضور صلاة العيد، وأما ذوات الهيئات فيكره حضورهن، إلى أن قال: وإذا خرجن استحب خروجهن في ثياب بذلة، ولا يلبسن ما يشهرهن، ويستحب أن يتنظفن بالماء، ويكره لهن الطيب، هذا كله حكم العجائز اللواتي لا يشتهين ونحوهن، وأما الشابة وذات الجمال ومن تشتهى، فيكره لهن الحضور؛ لما في ذلك من خوف الفتنة عليهن وبهن، فإن قيل: هذا مخالف لحديث أم عطية المذكور، قلنا: ثبت في الصحيحين، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «لو أدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل...» الحديث[13]، ولأن الفتن وأسباب الشر في هذه الأعصار كثيرة بخلاف العصر الأول[14].
قال ابن عثيمين: وفي عصرنا أشد، وقال الإمام ابن الجوزي في كتاب "أحكام النساء": قلت: قد بينا أن خروج النساء مباح، لكن إذا خيفت الفتنة بهن أو منهن، فالامتناع من الخروج أفضل؛ لأن نساء الصدر الأول كن على غير ما نشأ هذا الزمان عليه، وكذلك الرجال.
ومن هذا نعلم أن خروج النساء لحضور صلاة العيدين مباح شرعا، ولكن بشرط الالتزام والاحتشام، وقصد التقرب إلى الله، ومشاركة المسلمين في دعواتهم، وإظهار شعائر الإسلام[15].
الخلاصة:
· إن دعوى النسخ في حديث شهود المرأة لصلاة العيد، وخروجها للمصلى - قائمة على التخمين والظن، ولا يؤيدها أي دليل من الكتاب أو السنة، ومجرد الظن والتخمين لا يصح أن يكون ناسخا للأحاديث الصحيحة؛ لأن أهل العلم لا يعتدون به في باب النسخ.
· إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ذكر في الحديث العلة من خروج النساء للعيدين، وهي شهود الخير، ودعوة المسلمين، ولم يذكر منها إرهاب العدو أو تكثير سواد المسلمين.
· إن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قد شهد خروج النساء للمصلى وهو صغير، وكان ذلك بعد فتح مكة، ولو كان خروجهن لإرهاب العدو في أول الأمر، لما خرجن للعيدين بعد هذا الفتح؛ فدل ذلك على عدم صحة النسخ في هذا الحديث.
· إن جمهور أهل العلم والفقهاء قد ذهبوا إلى مشروعية خروج المرأة لصلاة العيدين، واختلفوا حول وجوب ذلك أو استحبابه، وقال بعضهم بكراهة ذلك للشابات إن لم تؤمن الفتنة عليهن أو بهن.
· إن أم عطية - رضي الله عنها - راوية حديث شهود المرأة لصلاة العيدين، كانت تفتي بما روته بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يعارضها أحد من الصحابة في هذه الفتوى، ولو كان الحديث منسوخا، لعارضها الصحابة في فتواها.
(*) لا نسخ في السنة، د. عبد المتعال محمد الجبري، مكتبة وهبة، مصر، ط1، 1415هـ/ 1995م.
[1]. العواتق: البنات الأبكار البالغات.
[2]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: العيدين، باب: اعتزال الحيض المصلى، (2/ 544)، رقم (981). صحيح مسلم (بشرح النووي) كتاب: صلاة العيدين، باب: ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى، (4/ 1478)، رقم (2023).
[3]. انظر: الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، محمد بن موسى الحازمي، تحقيق: محمد أحمد عبد العزيز، مكتبة عاطف، القاهرة، د.ت، ص24: 29.
[4]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجمعة، باب رقم (13)، (2/ 444)، رقم (900). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، (3/ 1015)، رقم (973).
[5]. لا نسخ في السنة، د. عبد المتعال محمد الجبري، مكتبة وهبة، مصر، ط1، 1415هـ/ 1995م، ص 322 بتصرف.
[6]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (2/ 545).
[7]. سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام، محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، تحقيق: محمد صبحي حسن حلاق، دار ابن الجوزي، السعودية، ط1، 1418هـ/ 1997م، (3/ 225).
[8]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (2/ 545).
[9]. المحلى، ابن حزم، تحقيق: أحمد شاكر، دار التراث، القاهرة، د. ت، (3/ 134).
[10]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (2/ 545، 546).
[11]. كل ذات نطاق: كل أنثى بالغة.
[12]. صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب: صلاة العيدين، باب: من رخص في خروج النساء إلى العيدين، (2/ 87)، رقم (2). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (2408).
[13]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأذان، باب: انتظار الناس قيام الإمام العالم، (2/ 406)، رقم (869). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة، (3/ 1017)، رقم (982).
[14]. المجموع شرح المهذب، النووي، دار الفكر، بيروت، د. ت، (5/ 9).
[15]. خروج النساء إلى صلاة العيد، مقال للشيخ ابن عثيمين، منتديات مكتبة المسجد النبوي الشريف بتصرف.
click
read dating site for married people
husbands who cheat
open my boyfriend cheated on me with a guy
My girlfriend cheated on me
find an affair signs of unfaithful husband