حرف الحاء
الحظ ـ النصيب
• أكثر أهل اللغة
لا يذكرون فارقًا ما بين الحظ والنصيب، فيفسِّرون كلتا المادتين بالإحالة على
الأخرى، ومن ذلك قول ابن فارس فى مادة "ح ظ ظ":
"الحاء والظاء أصل واحد، وهو النصيب والجَدّ". ثم قال فى مادة "ن
ص ب": "والنصيب: الحظُّ من الشىء، يقال: هذا نصيبى، أى حظى"
[1].
ومثل ذلك فى اللسان [2].
وزاد الأزهرى فى الحظ أنه: النصيب من الفضل والخير
[3].
ولعلَّ الاستعمال القرآنى للكلمتين يؤيِّد ما ذهب إليه الأزهرى فى تخصيص الحظ بأنه:
ما كان من الفضل والخير.
فقد وردت كلمة "حظ" فى القرآن الكريم سبع مرات، فى
الآيات التالية:
- {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ
إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ
حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} آل
عمران/176.
- {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ
مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} النساء/11.
- {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً
فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}
النساء/176.
- {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا
حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} المائدة/13.
- {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ
الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ
قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} القصص/79.
- {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}
فصلت/35.
مما يدلُّ على أن المراد بالحظ ما كان من الفضل والخير دون غيره: أن هذه
الآيات جميعها فى سياق الفضل والخير من الثواب أو العلم أو المال. وقد صرَّح
الزمخشرى فى تفسيره للشاهد الأول أن المراد بالحظ: النصيب من الثواب
[4].
وقال الطاهر بن عاشور: الحظ: النصيب من شىء نافع
[5].
وقال الزمخشرى فى تفسير آية فصلت: "فُسِّرَ الحظ بالثواب، وعن الحسن رحمه الله:
واللهِ ما عَظُمَ حَظٌّ دون الجَنَّة"
[6].
وبذلك يمكننا أن نقول باطمئنان: إن المراد بالحظ فى الاستعمال القرآنى: النصيب من
الفضل والخير.
أمَّا النصيب فقد تكرر ذكره فى القرآن الكريم إحدى وعشرين مرة، وجاء بمعنى الفضل
والخير، كما فى قوله عز وجل:
- {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ
وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ
وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}
النساء/7.
- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا
مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}
النساء/44.
- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا
مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ
كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا}
النساء/51.
فالنصيب فى الآية الأولى من المال، وفى الثانية والثالثة من الكتاب وهو كتاب
الله عز وجل.
كما جاء النصيب فى الشرِّ، نحو قول الله عز وجل:
- {فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا
يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ
نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} هود/109.
- {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ
الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ
أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ}
غافر/47.
فالنصيب هنا هو القسط من العذاب
[7].
وحتَّى فى بعض السياقات القرآنية التى استُعمِل فيها النصيب بمعنى: القَسْمِ من
الفضل والخير، كان هذا القَسْمُ مَشُوبًا بمعنى القِلَّة والدناءة، كما يتضح فى قول
الله عز وجل:
- {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ
فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ
نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ
اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}
النساء/141.
عُبِّرَ عن ظَفَر المسلمين بـ "الفتح"، وعن
ظفر الكافرين بـ "النصيب"؛ تعظيمًا لشأن المسلمين
وتخسيسًا لحظِّ الكافرين؛ لأنَّ ظفر المسلمين أمر عظيم تُفْتَحُ لهم أبواب السماء
حتى ينزل على أوليائه، وأما ظَفَرُ الكافرين فما هو إلَّا "حَظٌّ
دَنِىٌّ" ولُمظةٌ من الدنيا يصيبونها
[8].
• ونخلص مما سبق إلى أن لفظى "حظ ـ نصيب" بينهما
تقارب دلالى، فكلاهما مشتركان فى ملمح القَسْم المُعَيَّن.
• ولكن النصيب عامُّ فى الخير والشَّرِّ، بينما الحظُّ مختصٌّ بالفضل والخير.
******************************
[1]
مقاييس اللغة (ح ظ ظ، ن ص ب).
[2]
اللسان (ح
ظ ظ، ن ص ب).
[3]
تهذيب اللغة (ح ظ ظ).
[4]
الكشاف 1/482.
[5]
التحرير والتنوير 4/173.
[6]
الكشاف 3/454.
[7]
الكشاف 2/295.
[8]
السابق 1/573.
|
|