حرف الجيم
الجوع ـ المخمصة ـ المسغبة
• الجوع فى اللغة:
ضد الشِّبَع [1]،
وهو الإحساس الذى يصيب الحيوان بسبب خُلُوِّ المعدة من الطعام
[2].
• والمخمصة فى اللغة أصلها: الضمور، أُطْلِقَتْ على الجوع الشديد الذى يُورِث
خَمْصَ البطن، أى ضموره
[3]،
وفى حديث جابر رضى الله عنه قال: رأيت بالنبىِّ صلى الله عليه وسلم خَمْصًا شديدًا
[4].
• والمسغبة فى اللغة: الجوع مع التعب
[5].
هكذا تتدرَّج معانى هذه الألفاظ المتقاربة، فأَهْوَنُها الجوع، وأشدُّ منه الخمص
والمخمصة، أما المسغبة فهى أشدُّ أنواع الجوع وما يصاحب ذلك من ضعف وإعياء وتعب.
وقد راعى الاستعمال القرآنى هذه الملامح الدلالية المتميزة للكلمات الثلاث.
ورد لفظ "الجوع"
فى القرآن الكريم خمس مرات، فى الآيات التالية:
- {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ
وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}
البقرة/155.
- {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ
آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ
بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا
كَانُوا يَصْنَعُونَ} النحل/112.
-{إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى}
طه/118.
- {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لَا
يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} الغاشية/6-7.
- {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ
خَوْفٍ} قريش/ 4.
فجاءت كلمة "الجوع"
للتعبير عن أى شىءٍ من الإحساس بالجوع ولو كان يسيرًا؛ ولذا عُبِّر بقوله تعالى: {بِشَيْءٍ
مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ}، أى: بقليل من كل واحدٍ من هذه البلايا وطرف منه
[6].
كذلك وردت فى نفى الجوع والعُرْىِ فى الجنة، فى آية طه رقم "118"،
ومعنى هذا أن الجوع شىءٌ يسير، فالمراد بيان سعادة أهل الجنة ونفى الشقاوة عنهم،
أىَّ درجة من درجات الشقاوة، حتى لو كانت شيئًا يسيرًا من الجوع.
كما وردت الكلمة فى نفى الشِّبَع عن أهل النار "فى
آية الغاشية"، فما يأكلون لا يغنيهم من الجوع، أى
لا يَسُدُّ حاجة الإنسان إلى الطعام، ولا يُذْهِب عنه شيئًا من الجوع.
وأمَّا المخمصة فقد وردت فى القرآن الكريم مرتين، فى الآيتين التاليتين:
- {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ
لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
المائدة/3.
- {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ
حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا
يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ
ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ
مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا
كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ
الْمُحْسِنِينَ} التوبة/120.
عُبِّرَ بالمخمصة فى موطن الجوع الشديد الذى يُورِث ضمور البطن، وذلك فى حال
الاضطرار الشديد، وقد كانت بلاد العرب قليلة الأقوات معرَّضة للمخمصة عند انحباس
الأمطار، أو فى شدة كَلَبِ الشتاء، فلم يكن عندهم من صنوف الأطعمة ما يعتاضون ببعضه
عن بعض كما طفحت به أقول شعرائهم
[7]؛
لذا كانت "المخمصة"
هنا أَوْفَى بالمراد وأدق من الجوع والمجاعة ونحوهما.
والموضع الثانى للمخمصة جاء فى سياق ذكر الحرب، فكان اللائق به ما دلَّ على
الشِّدَّة لا مجرد الجوع الذى يصيب الإنسان فى الشدة وغيرها.
وأمَّا المسغبة فوردت فى القرآن الكريم مرة واحدة، وذلك فى قول الله عز وجل:
- {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ
* يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ}
البلد/14-15.
عُبِّر بالمسبغة هنا تفسيرًا للعقبة، وهى فكُّ رقبة، ثم الإطعام فى يومٍ ذى
جوع شديد يصاحبه تعب وإعياء، حين تعِزُّ الأقوات وتَشِحُّ بها النفوس، فالإطعام ذلك
اليوم أفضل، وهو العقبة، ودون العقبة مصاعد متفاوتة
[8].
ويمكن الاستئناس لهذا التفسير للمسغبة بأنها جاءت مقارنة للمَتْرَبة؛ وهى أن لا يجد
الإنسان شيئًا فيلتصق بالتراب
[9].
• ونخلص مما سبق إلى وجود تقارب دلالى بين ألفاظ "الجوع
ـ المخمصة ـ المسغبة"، فجميعها تشترك فى معنى
الإحساس بخُلُوِّ المعدة من الطعام.
• وتتميز المخمصة بظهور أثر الجوع على المظهر الحِسِّى للبطن.
• بينما تتميز المسغبة بالتعب المصاحب للجوع، فهى وصف لأثر الجوع على النفس.
******************************
[1]
مقاييس اللغة، اللسان (ج و ع).
[2]
مفردات الأصفهانى (ج و ع).
[3]
مقاييس اللغة، اللسان، مفردات الأصفهانى (خ م ص).
[4]
النهاية لابن الأثير (خ م ص).
[5]
مقاييس اللغة، جمهرة اللغة، اللسان، مفردات الأصفهانى (س غ ب).
[6]
الكشاف 1/323، البحر المحيط
1/450.
[7]
التحرير والتنوير 6/108.
[8]
التحرير والتنوير
30/358.
[9]
تفسير ابن كثير 4/514، البحر المحيط
8/476.
|
|