حرف الجيم
المجادلة ـ المُحاجَّة ـ المحاورة
• المجادلة فى
اللغة: شدَّة الخصومة واستمرار مراجعة الكلام
[1].
• والمحاجَّة فى اللغة: المغالبة بالحُجَّة والبرهان
[2].
• والمحاورة فى اللغة: مراجعة الكلام
[3].
وقد تكرر ذكر المجادلة فى القرآن الكريم، وفيه سورة كاملة باسم سورة المجادلة، ومن
شواهده الآيات التالية:
- {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ
هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين}
النحل/125.
- {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي
زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا}
المجادلة/ 1.
قال الراغب الأصفهانى
[4]:
الجدال: المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وأصله من: جَدَلْتُ الحَبْلَ، أى
أحكمت فَتْلَه.
وقال الحكيم الترمذى
[5]:
المجادلة: المكاسرة، والجدل: الكسر، وذلك لأن كل واحد من المتجادلين يريد أن يكسر
ما عند صاحبه ليقهره لا لإقامة الحق ومَحْق الباطل، ألا ترى إلى قوله تعالى:
- {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ
وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ
بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ}
الأنفال/5-6
والمجادلَة المنَهْىُّ عنها فى القرآن هى التى تجرُّ إلى المغاضبة والمشاتمة
[6]،
وأمَّا مراجعة الكلام بغرض الإقناع والوصول إلى الحقِّ فهذا مندوبٌ إليه كما فى قول
الله عز وجل:
- {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}
النحل/ 125.
فها هنا مخاصمة ومنازعة فى الكلام، ولكن "بالتى هى
أحسن"، فنَفَى كلَّ ما من شأنه أن يقود إلى المشاتمة والمغاضبة، وأثبت الرفق
والحكمة وحسن الخطاب.
• ففى المجادلة ـ إذن ـ ثلاثة ملامح واضحة: الشدة، مع الاستمرار فى مراجعة الكلام،
والقصد إلى قهر الخصم فى الأعم الأغلب.
وأمَّا المُحاجَّة فقد وردت فى القرآن الكريم ثلاث عشرة مرة، ومن شواهدها قوله عز
وجل:
- {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا
وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ
اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}
البقرة/76.
- {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ
بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} آل عمران/66.
- {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ
الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ
أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ}
غافر/47.
المُحَاجَّةُ: محاولة كل واحدٍ أن يغلب خصمه بما يقيمه من حُجَجٍ وبراهين
[7]،
بقصد إقامة الحق وتفصيله وبيانه ونصرته وإظهاره
[8].
• فالملمح الأساسىُّ هنا هو التقارع بالحُجَّة بهدف الانتصار للحق؛ ولذلك اقترن
ذِكْرُ المُحَاجَّة بإيراد حجج الفريقين فى أكثر المواضع.
وأمَّا المحاورة فقد ذكرت فى القرآن الكريم ثلاث مرات، فى الآيات التالية:
- {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ
يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا}
الكهف/34.
- {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ
بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا}
الكهف/37.
- {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ
فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ
اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} المجادلة/1.
المحاورة والتَّحَاوُر: مراجعة الكلام، مأخوذ من "حَارَ
يَحُور" أى: رجع
[9].
• والمحاورة تخلو من ملمح الشدة الذى فى المجادلة، وملمح التقارع بالحجة الذى هو فى
المُحَاجَّة؛ ولذا قال الله عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ
قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}، فسمَّى كلامَها مُجادَلةً؛
لأنها ظلَّت تراجع النبىَّ صلى الله عليه وسلم الكلام مرَّاتٍ، وفى هذا ما فيه من
الشدَّة. أمَّا كلامهما معًا فوصفه الله بقوله عز وجل: {وَاللَّهُ
يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا}؛ رعاية لكلام النبى صلى الله عليه وسلم.
• ونخلُص مما سبق إلى أن ألفاظ "المجادلة
ـ المحاجَّة ـ المحاورة" متقاربة دلاليًّا؛ حيث
تشترك فى معنى: مراجعة الكلام.
ويختص كل منها بملمح دلالىٍّ يميِّزه:
• فالمجادلة: تتميز بملمح الشدَّة.
• والمحاجَّة: مصاحبة الكلام للحجج التى يُرادُ بها
الغلبة على الخصم.
• والمحاورة: تتميز بملمح الهدوء.
*****************************
[1]
مقاييس اللغة، اللسان (ج د ل).
[2]
مقاييس اللغة، اللسان (ح ج ج).
[3]
اللسان (ح و ر).
[4]
مفردات الأصفهانى (ج د ل).
[5]
الفروق ومنع الترادف، ص87.
[6]
التحرير والتنوير 2/235.
[7]
مفردات الأصفهانى (ح ج ج).
[8]
الفروق ومنع الترادف، ص87.
[9]
الكشاف 2/484.
|